Sie sind auf Seite 1von 139

‫المحتويات‬

‫‪ -1‬تعريف بالشاعر‬

‫بعض المقالت المميزة عن حياة الشاعر‬

‫‪-2‬العمال الشعرية‬

‫البكاء بين يدي زرقاء اليمامة‬ ‫•‬


‫واس"‬ ‫من أوراق "أبو ن ّ‬ ‫•‬
‫الخرون دائما‬ ‫•‬
‫ح!‬
‫ل تصال ْ‬ ‫•‬
‫الزيارة‬ ‫•‬
‫الرض ‪ ..‬و الجرح الذي ل ينفتح‬ ‫•‬
‫مقابلة خاصة مع ابن نوح‬ ‫•‬
‫مقتل القمر‬ ‫•‬
‫الخيول‬ ‫•‬
‫إلى صديقة دمشقية‬ ‫•‬
‫مزامير‬ ‫•‬
‫الطيور‬ ‫•‬
‫الجنوبي‬ ‫•‬
‫فى انتظار السيف‬ ‫•‬
‫سفر أ مل د نقل‬ ‫•‬
‫زهور‬ ‫•‬
‫خطاب غير تاريخي‬ ‫•‬
‫بكائيات‬ ‫•‬
‫سفر التكوين‬ ‫•‬
‫الوقوف على قدم واحدة!‬ ‫•‬
‫كلمات سبارتكوس الخيرة‬ ‫•‬
‫ماريـا‬ ‫•‬
‫قالت‬ ‫•‬
‫شيء يحترق‬ ‫•‬
‫تعليق على ما حدث في مخيم الوحدات‬ ‫•‬
‫العينان الخضراوان‬ ‫•‬
‫خمس أغنيات إلى حبيبتي‪!..‬‬ ‫•‬
‫بكائية ليلية‬ ‫•‬
‫الـمـوت فـى الـفـراش‬ ‫•‬
‫العار الذي نتّقيه‬ ‫•‬
‫الملهى الصغير‬ ‫•‬
‫رسالة من الشمال‬ ‫•‬
‫الحداد يليق بقطر الندى‬ ‫•‬
‫شجوية‬ ‫•‬
‫ضد من ؟؟؟‬ ‫•‬
‫سفر الخروج‬ ‫•‬
‫الموت في لوحات‬ ‫•‬
‫صفحات من كتاب الصيف والشتاء‬ ‫•‬
‫استريحي‬ ‫•‬
‫أوتوجراف‬ ‫•‬
‫من مذكرات المتنبي‬ ‫•‬

‫أمل دنقل‬
‫"أمي شعراء الرفض"‬
‫ولد امل دنقل عام ‪ 1940‬بقرية القلعه ‪,‬مركز‬
‫قفط على مسافه قريبه من مدينة قنا في‬
‫صعيد مصر‪,‬وقد كان والده عالما من علماء‬
‫الزهر الشريف مما اثر في شخصية امل دنقل‬
‫وقصائده بشكل واضح‪ .‬سمي امل دنقل بهذا‬
‫السم لنه ولد بنفس السنه التي حصل فيها‬
‫ابوه على "اجازة العالميه" فسماه باسم امل‬
‫تيمنا بالنجاح الذي حققه (واسم امل و شائع‬
‫بالنسبه للبنات في مصر)‬

‫وكما ذكرت كان والده عالما بالزهر الشريف‬


‫وكان من ورث عنه أمل دنقل موهبة الشعر‬
‫فقد كان يكتب الشعر العمودي‪,‬وأيضا كان‬
‫يمتلك مكتبه ضخمه تضم كتب الفقه والشريعه‬
‫والتفسير وذخائر التراث العربي مما اثر كثيرا‬
‫في امل دنقل وساهم في تكوين اللبنه الولى‬
‫للديب امل دنقل‪ .‬فقد امل دنقل والده وهو‬
‫في العاشره من عمره مما اثر عليه كثيرا‬
‫واكسبه مسحه من الحزن تجدها في كل‬
‫اشعاره‪.‬‬
‫رحل أمل دنقل الى القاهرة بعد أن أنهى‬
‫دراسته الثانويه في قنا وفي القاهره التحق‬
‫بكلية الداب ولكنه انقطع عن الدراسة منذ‬
‫العام الول لكي يعمل‪ .‬عمل أمل دنقل موظفا‬
‫بمحكمة قنا وجمارك السويس والسكندرية ثم‬
‫بعد ذلك موظفا بمنظمة التضامن‬
‫الفروآسيوي‪,‬وكنه كان دائما ما يترك العمل‬
‫وينصرف إلى كتابة الشعر‪ .‬كمعظم أهل الصعيد‬
‫‪,‬شعر أمل دنقل بالصدمه عند نزوله الى‬
‫القاهرة في اول مره ‪,‬وأثر هذا عليه كثيرا في‬
‫أشعاره ويظهر هذا واضحا في أشعاره الولى‪.‬‬
‫مخالفا لمعظم المدارس الشعرية في‬
‫الخمسينيات استوحى‬
‫أمل دنقل قصائده من رموز التراث العربي‬
‫‪,‬وقد كان السائد في هذا الوقت التأثر‬
‫بالميثولوجيا الغربية عامة واليونانيه خاصة‪.‬‬
‫عاصر أمل دنقل عصر أحلم العروبه والثورة‬
‫المصرية مما ساهم في تشكيل نفسيته وقد‬
‫صدم ككل المصريين بانكسار مصر في ‪1967‬‬
‫وعبر عن صدمته في رائعته "البكاء بين يدي‬
‫زرقاء اليمامه"و مجموعته "تعليق على ما حدث‬
‫"‪ .‬شاهد امل دنقل بعينيه النصر‬
‫وضياعه‪,‬وصرخ مع كل من صرخوا ضد معاهدة‬
‫السلم‪,‬ووقتها اطلق رائعته "ل تصالح"والتي‬
‫عبر فيها عن كل ما جال بخاطر كل المصريين‬
‫‪,‬ونجد ايضا تأثير تلك المعاهده و احداث يناير‬
‫‪ 1977‬واضحا في مجموعته" العهد التي"‪".‬‬
‫كان موقف امل دنقل من عملية السلم سببا‬
‫في اصطدامه في الكثير من المرات بالسلطات‬
‫المصريه وخاصة ان اشعاره كانت تقال في‬
‫المظاهرات على السن اللف‪ .‬عبر أمل دنقل‬
‫عن مصر وصعيدها وناسه ‪,‬ونجد هذا واضحا في‬
‫قصيدته "الجنوبي" في آخر مجموعه شعريه‬
‫له"اوراق الغرفه ‪ . "8‬عرف القارىء العربي‬
‫شعره من خلل ديوانه الول "البكاء بين يدي‬
‫زرقاء اليمامة" (‪ )1969‬الذي جسد فيه إحساس‬
‫النسان العربي بنكسة ‪ 1967‬وأكد ارتباطه‬
‫العميق بوعي القارىء ووجدانه‪.‬‬
‫صدرت له ست مجموعات شعرية هي‪:‬‬
‫البكاء بين يدي زرقاء اليمامة ‪ -‬بيروت ‪.1969‬‬
‫تعليق على ما حدث ‪ -‬بيروت ‪.1971‬‬
‫مقتل القمر ‪ -‬بيروت ‪.1974‬‬
‫العهد التي ‪ -‬بيروت ‪.1975‬‬
‫أقوال جديدة عن حرب البسوس ‪ -‬القاهرة‬
‫‪.1983‬‬
‫أوراق الغرفة ‪ - 8‬القاهرة ‪.1983‬‬
‫أصيب أمل دنقل بالسرطان وعانى منه لمدة‬
‫تقرب من الربع سنوات وتتضح معاناته مع‬
‫المرض في مجموعته "أوراق الغرفه ‪"8‬وهو‬
‫رقم غرفته في المعهد القومي للورام والذي‬
‫قضى فيه ما يقارب ال ‪ 4‬سنوات‪,‬وقد عبرت‬
‫قصيدته السرير عن آخر لحظاته ومعاناته‪ .‬لم‬
‫يستطع المرض أن يوقف أمل دنقل عن الشعر‬
‫حتى قال عنه‬
‫أحمد عبد المعطي حجازي ((انه صراع بين‬
‫متكافئين ‪,‬الموت والشعر)) ‪.‬‬

‫رحل أمل دنقل عن دنيانا في الحادي‬


‫والعشرين من مايو ‪ 1983‬لتنتهي معاناته في‬
‫دنيانا مع كل شيء‪.‬‬

‫مقالت عن الشاعر‬

‫(‪)1‬‬

‫د ‪ /‬جابر عصفور لجريدة البيان‬

‫أمل دنقل (‪ )1983 - 1940‬واحد من أبرز الشعراء العرب في عالم‬


‫مابعد كارثة العالم السابع والستين‪ .‬ول تحتسب المكانة‪ ،‬في هذا‬
‫السياق‪ ،‬بالكم الشعري الذي كتبه الشاعر‪ ،‬أو الدواوين التي‬
‫أصدرها‪ ،‬فأعمال أمل دنقل قليلة مثل عمره القصير‪ ،‬ولكنها أعمال‬
‫متميزة بماتنطوي عليه من انجاز ودللة‪ ،‬ابتداء من ديوان (البكاء‬
‫بين يدي زرقاء اليمامة) الذي لفت اليه أنظار المة العربية عام‬
‫‪ ،1969‬وكان بمثابة احتجاج وإدانة للعالم الذي أدى الى هزيمة يونية‬
‫‪ ،1967‬مرورا بديوان (تعليق على ماحدث) عام ‪ 1971‬الذي كان‬
‫استمرارا لتجاه الديوان الول‪،‬‬

‫وكذلك ديوان (العهد التي) الذي صدر عام ‪ 1975‬والذي وصلت فيه‬
‫تقنية الشاعر الى ذروة اكتمالها‪ .‬وأخيرا ديوان (أوراق الغرفة ‪)8‬‬
‫في عام ‪ 1983‬وقد أصدره أصدقاء الشاعر بعد وفاته بشهور‪،‬‬
‫وأشرفت على طباعته بنفسي في (هيئة الكتاب) مع تقديمي له‪،‬‬
‫وصدر بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاته‪ ،‬وتولت عبلة الرويني‬
‫الشراف على طباعة ماأتمه من (أقوال جديدة عن حرب البسوس)‬
‫الذي صدر عن دار المستقبل العربي في القاهرة عام ‪ ،1984‬قبيل‬
‫نشر العمال الكاملة التي أشرفت عبلة الرويني على أكثر من‬
‫طبعة لها‪.‬‬
‫هذه العمال القليلة‪ ،‬نسبيا‪ ،‬تنطوي على عالم توازى خصوصيته‬
‫وأهميته في تاريخ الشعر العربي المعاصر‪ ،‬فهي أعمال شاعر وصل‬
‫بالمحتوى السياسي للشعر الى درجة عالية من التقنية الفنية‬
‫والقيمة الفكرية‪ ،‬وذلك الى الحد الذي يمكن أن نقول معه أن شعر‬
‫أمل دنقل هو المجلى الحداثي للتمرد السياسي في الشعر العربي‬
‫المعاصر‪ .‬هذا التمرد قرين رؤية قومية دفعته الى اختيار رموزه من‬
‫التراث العربي‪ ،‬والتعبير بها عن هموم العرب المحدثين‪ ،‬وذلك بما‬
‫يجعل من هذه الرموز مرايا ينعكس عليها التاريخ الحديث بما يبين‬
‫عن هزائمه خصوصا من الزاوية التي تبرز تضاده مع أمجاد الزمن‬
‫العربي القديم‪ ،‬أو من الزاوية التي تبرز المشابهة بين انكسارات‬
‫الحاضر وانهيارات الماضي وفجائعه‪ .‬وقد اقترنت هذه العودة الى‬
‫الرموز التراثية بصياغة أقنعته من الشخصيات التاريخية ذات‬
‫الدللت المضيئة في هذا التراث القادرة على اثارة الشعور‬
‫واللشعور القومي لجماهير القراء العرب‪.‬‬
‫ويتميز شعر أمل دنقل بخاصية بارزة تتصل بمحتواه القومي من‬
‫هذا المنظور‪ ،‬فهو شعر يتحدث ‪ -‬في جوانبه الحاسمة ‪ -‬عن الصراع‬
‫العربي السرائيلي‪ ،‬المر الذي يجعله شعرا صالحا لهذه اليام التي‬
‫نعيشها في ظل الهيمنة المريكية والغطرسة السرائيلية‪ ،‬كما‬
‫يجعل منه شعرا جديرا بأن نسترجعه ونستعيده مع شعورنا الغالب‬
‫بالوجع الفلسطيني‪ ،‬ومع احساسنا بالعجز عن الدفاع عن حقوقنا‬
‫العربية واسترداد ماسلب منها‪ .‬والحق أن شعر أمل دنقل تتكشف‬
‫قيمته على نحو اضافي مع مانعانيه‪ ،‬ومع كل مايؤكد لنا صدق هذا‬
‫الشعر في تعبيره عن الهزائم المتلحقة التي يمر بها العرب‪،‬‬
‫خصوصا بعد أن استغلت اسرائيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر‬
‫الماضي‪ ،‬وأقنعت أمريكا بمساعدتها في محاربة الرهابيين‬
‫الفلسطينيين‪ .‬وأقبلت أمريكا على مساعدتها‪ ،‬غير عائبة بالتفرقة‬
‫بين الرهاب الذي يقوم على دعاوي باطلة‪ ،‬وينتهي بتدمير كل‬
‫شيء‪ ،‬والكفاح الوطني من أجل الستقلل‪ .‬وكانت النتيجة أن‬
‫أصبح الفلسطينيون الذين يقاتلون من أجل استقلل وطنهم‪ ،‬ومن‬
‫أجل استعادة حقوقهم السليبة‪ ،‬ارهابيين مطاردين من إسرائيل‬
‫ومن راعيتها الكبرى أميركا‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬نعاني نحن العرب في هذه اليام حال ً أشبه بحال الهزيمة‪،‬‬
‫فإسرائيل تعربد في الراضي المحتلة‪ ،‬وترتكب من المذابح مايندى‬
‫له جبين النسانية‪ ،‬وما من قوة عربية تستطيع أن تواجهها‪ ،‬أو ترد‬
‫على عدوانها‪ ،‬المر الذي ترك مرارة الهزيمة العربية على كل‬
‫اللسنة‪ .‬ولذلك ل يملك المرء سوى تذكر قصائد أمل دنقل عن‬
‫الصراع العربي السرائيلي‪ ،‬خصوصا أن ذكراه التاسعة عشرة تلح‬
‫في هذه اليام‪ ،‬فقد توفى في الحادي والعشرين من مايو سنة‬
‫‪.1983‬‬

‫وأتصور أن القصيدة الولى التي ترد على الذهن من شعر أمل‪ ،‬في‬
‫هذا السياق هي قصيدة (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة) وهي‬
‫قصيدة دالة في ادانتها للنظمة التي أوقعت الهزيمة بشعوبها‪،‬‬
‫ودالة على أن الهزيمة تتخلق في الداخل قبل أن تأتي كالعاصفة‬
‫الجائعة من الخارج‪ ،‬ودالة على أن الشعوب المحكومة ل تملك سوى‬
‫البكاء عندما تشعر بهوان وضعها‪ ،‬ولكن من الزاوية التي تجعل من‬
‫بكائها تمردا على كل من تسببوا في هزيمتها‪.‬‬

‫والواقع أن قصيدة (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة) أهم قصائد أمل‬
‫بعد هزيمة العام السابع والستين‪ .‬جذبت النظار إليها والى‬
‫شاعرها‪ ،‬وذلك عندما أعادت الى الذهان مأساة (زرقاء اليمامة)‬
‫التي حذرت قومها من الخطر القادم فلم يصدقوها‪ ،‬كأنها صوت‬
‫البداع الذي كان يحذر من الخطر القادم في العام السابع والستين‬
‫فلم يصدقه أحد ال بعد أن حدثت الكارثة‪ .‬واذ أكد (البكاء بين يدي‬
‫زرقاء اليمامة) التشابه بين الماضي والحاضر‪ ،‬فإنه أكد الهوية‬
‫القومية لشعر أمل دنقل من حيث وصل الرموز بجذورها في‬
‫التراث العربي الذي يصل بين المبدع والقارئ‪ ،‬ومن حيث ربط هذه‬
‫الهوية برؤية ل ترى امكانا للمستقبل ال بنهضة قومية تستعيد‬
‫أعظم ما في الماضي من خبرات وتتجاوز مافي الحاضر من ثغرات‪.‬‬

‫ول شك أن جانبا لفتا من التأثير الذي تركته هذه القصيدة يرجع‬


‫الى طبيعة الصوت الذي ينطقه القناع بها‪ ،‬فهو صوت المواطن‬
‫العربي البسيط الذي يقف أعزل بين السيف والجدار‪ ،‬يصمت كي‬
‫ينال فضلة المان‪ ،‬كأنه عبد من عبيد عبس يظل يحرس القطعان‪،‬‬
‫يصل الليل بالنهار في خدمة السادة‪ ،‬طعامه الكسرة والماء وبعض‬
‫التمرات اليابسة‪ .‬وحين تقع الواقعة ل يملك هذا العبد سوى التوجه‬
‫الى (زرقاء اليمامة) التي هي مثله بمعنى من المعاني‪ ،‬كي ينفجر‬
‫في حضرتها بالكلمات التي تقول‪:‬‬

‫أيتها العرافة المقدسة‬


‫جئت إليك‪ ..‬مثخنا بالطعنات والدماء‬
‫أزحف في معاطف القتلى‪ ،‬وفوق الجثث المكدسة‬
‫منكسر السيف‪ ،‬مغبر الجبين والعضاء‬
‫اسأل يازرقاء‬
‫‪... ...‬‬
‫كيف حملت العار‬
‫ثم مشيت‪ ،‬دون أن أقتل نفسي‪ ،‬دون أن أنهار‬
‫ودون أن يسقط لحمي من غبار التربة المدنسة‪.‬‬

‫هذا العبد الذي ينطق في القصيدة كان يجسد صوت الشاعر من‬
‫ناحية‪ ،‬وصوت المواطن العربي المسكين الذي مزقته الهزيمة من‬
‫ناحية ثانية‪ .‬ولذلك اتحدت جماهير القراء بصوت هذا العبد العبسي‬
‫البائس الذي دعى الى الميدان والذي ل حول له ول شأن‪ ،‬فانهزم‬
‫وخرج من جحيم هزيمته عاجزا‪ ،‬عاريا‪ ،‬مهانا‪ ،‬صارخا‪ ،‬كأنه صدى‬
‫يجسد ما في داخل كل قارئ عربي للقصيدة في الوقت الذي كتبت‬
‫فيه‪ .‬وإذا كان صوت هذا العبد العبسي شاهدا على الهزيمة فإن‬
‫بكاءه في حضرة زرقاء اليمامة‪ ،‬العرافة المقدسة‪،‬‬
‫شاهد على مايمكن أن يفعله الشعر في زمن الهزيمة‪ ،‬خصوصا من‬
‫حيث هي صورة أخرى من هذه العرافة‪ :‬يرى ما ل يراه الخرون‬
‫ويرهص بالكارثة قبل وقوعها‪ ،‬وينطق شهادته عليها وقوعها‪،‬‬
‫ويتولى تعرية السباب التي أدت إليها‪ ،‬غير مقتصر على الدانة‬
‫السلبية في سعيه الى استشراف أفق الوعد بالمستقبل الذي يأتي‬
‫بالخلص‪.‬‬
‫ولذلك كان بكاء هذا العبد في حضرة زرقاء اليمامة‪ ،‬مثل شهادته‪،‬‬
‫علمة على أسباب الهزيمة التي ترتبت على غياب الحرية‬
‫والديموقراطية عن قبائل (عبس) العربية‪ ،‬من العصر الجاهلي الى‬
‫العام السابع والستين‪ ،‬حين كتبت هذه القصيدة‪ ،‬كما كان هذا البكاء‬
‫تأبينا لزمن مضى‪ ،‬وإدانة لخطاء زمن لم يخلف سوى الكارثة‪،‬‬
‫وبحثا عن زمن يأتي بخلص من هذه الكارثة‪.‬‬
‫وأعترف أنني كلما طالعت شاشات التليفزيون الجنبية والعربية‪،‬‬
‫ورأيت المذابح البشعة التي ارتكبها السرائيليون في حق الشعب‬
‫العربي الفلسطيني‪ ،‬في رام الله أو نابلس أو جنين أو طولكرم‬
‫وغيرها من الماكن الفلسطينية العزيزة‪ ،‬شعرت بالهزيمة‬
‫والنكسار والعجز ووجدت نفسي استعيد الصوت الصارخ في‬
‫قصيدة (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة) من عجزه ومحنته‪ ،‬ومضيت‬
‫مثله أسأل عن السواعد المقطوعة التي ظلت ممسكة بالرايات‬
‫العربية المنكسة‪ ،‬وعن جثث الطفال ملقاه بين الخيام‪ ،‬وعن وقفة‬
‫المرأة الفلسطينية بينما الدبابات السرائيلية تمضي فوق حطام‬
‫منازلهم التي هدمتها القذائف الغادرة‪ ،‬فأقول لنفسي الى متى‬
‫نحمل ‪ -‬نحن العرب ‪ -‬هذا العار؟ الى متى؟!‬

‫(‪) 2‬‬

‫أمل دنقل‪ ..‬وميض تغتاله العتمة‬

‫خيري حسين ‪ -‬باحث مصري‬

‫محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل من مواليد قرية "القلعة"‬
‫إحدى قرى مديرية "قنا" أقصى جنوب مصر‪ ،‬ولد في ‪ 1941‬لب‬
‫جا في الزهر‪.‬‬‫سا للغة العربية متخر ً‬
‫يعمل مدر ً‬
‫كان والده في تنقل ما بين قرية "القلعة" وإحدى مدن "قنا"؛ فهو‬
‫في فترة الدراسة يقيم بالمدينة‪ ،‬يعمل بالتدريس‪ ،‬وحين تنتهي‬
‫الدراسة يعود أدراجه بأسرته المكونة من ولدين وبنت‪ ،‬أكبرهم أمل‬
‫وأصغرهم أنس‪ ..‬وهذا التنقل قد أثّر في طبيعة أمل كثيرا فيما‬
‫بعد‪.‬‬
‫وكأن اللم هو الحضانة الولى للعظماء‪ ،‬فلم يكد أمل يتم العاشرة‬
‫من عمره حتى مات والده‪ .‬وحرصت أمه الشابة الصغيرة التي لم‬
‫تكن قد جاوزت النصف الثاني من عقدها الثالث على أن يظل‬
‫ما‪ ،‬مع عناية خاصة توليها لمستوى‬ ‫شمل أسرتها الصغيرة ملتئ ً‬
‫الولد الجتماعي من حيث حسن المظهر والتربية وعلقاتهم‬
‫وأصدقائهم‪.‬‬
‫ساعدهم على العيش "مستورين" أن الب قد ترك لولده بيتًا‬
‫قا آخر‪،‬‬ ‫جرون طاب ً‬
‫صغيرا في المدينة يقطنون في طابق منه ويؤ ّ‬
‫كما عاون الم في تربية أولدها أحد أقرباء زوجها كان بمنزلة عم‬
‫"أمل"‪.‬‬
‫حين التحق أمل بمدرسة ابتدائية حكومية أنهى بها دراسته سنة‬
‫عرف بين أقرانه بالنباهة والذكاء والجد تجاه دراسته‪ ،‬كما‬‫‪ُ 1952‬‬
‫عرف عنه التزامه بتماسك أسرته واحترامه لقيمها ومبادئها؛ فقد‬ ‫ُ‬
‫ورث عن أمه العتداد بذاته‪ ،‬وعن أبيه شخصية قوية ومنظمة‪.‬‬

‫آثار الطفولة‬
‫والمفارقة أنه حين وصل للمرحلة الثانوية بدت ميوله العلمية‪ ،‬وهيأ‬
‫نفسه لللتحاق بالشعبة "العلمي" تمهيدًا لخوض غمار الدراسة‬
‫الكاديمية في تخصص علمي كالهندسة أو الكيمياء‪ ،‬لكن العجيب أن‬
‫أصدقاءه قد أثروا كثيرا في تحوله المعاكس إلى الدب والفن في‬
‫هذه الفترة ؛ فقد كان من أقرب أصدقائه إلى نفسه "عبد الرحمن‬
‫البنودي" –شاعر عاميه مصري‪ -‬وقد تعرف عليه أمل بالمرحلة‬
‫الثانوية‪ ،‬و"سلمة آدم" –أحد المثقفين البارزين‪ -‬فيما بعد‪ ،‬وكان‬
‫يمت له بصلة قرابة وكان رفيقه الول في مرحلة الطفولة‪ ،‬وبعد‬
‫اتفاقهما الدائم على اللتحاق بالقسم العلمي وجدهما قد فاجآه‬
‫والتحقا بالقسم الدبي‪ ،‬فوجد "الصغير" نفسه في حيرة شديدة‪،‬‬
‫حسمت إلى اللحاق بأصدقائه‪.‬‬ ‫سرعان ما ُ‬

‫إل أن ذلك ل يعني أنه كان بعيدا عن مجال الدب‪ ،‬فضل عن الثقافة‬
‫العربية؛ فقد نشأ في بيت أشبه بالصالونات الدبية‪ ،‬فلم يكن والد‬
‫فا‬‫ها ومثق ً‬‫سا للعربية فحسب‪ ،‬ولكنه كان أديبًا شاعًرا فقي ً‬
‫أمل مدر ً‬
‫جمع من صنوف الكتب الكثير في سائر مجالت المعرفة؛ لذا فقد‬
‫تفتحت عينا الصغير على أرفف المكتبة المزدحمة بألوان الكتب‪،‬‬
‫وتأمل في طفولته الولى أباه وهو يقرأ حينا ويكتب الشعر حينا‪.‬‬
‫لهذا كله ولموهبته الشعرية الباسقة لم يكد أمل ينهي دراسته‬
‫بالسنة الولى الثانوية إل وكان ينظم القصائد الطوال يلقيها في‬
‫احتفالت المدرسة بالعياد الوطنية والجتماعية والدينية‪.‬‬
‫وهذه المطولت أثارت أحاديث زملئه ومناوشاتهم بل وأحقادهم‬
‫الصغيرة أحيانا‪ ،‬فبين قائل بأن ما يقوله "أمل" من شعر ليس له‪،‬‬
‫بل هو لشعراء كبار مشهورين استولى على أعمالهم من مكتبة أبيه‬
‫التي لم يتح مثلها لهم‪ ،‬أما العارفون بـ"أمل" والقريبون منه‬
‫فيأملون – من فرط حبهم لمل‪ -‬أن يكون الشعر لوالد أمل دنقل‪،‬‬
‫عثر عليه في أوراق أبيه ونحله لنفسه شفقة على أمل اليتيم‬
‫المدلل الذي أفسدته أمه بما زرعته في نفسه من ثقة بالنفس‬
‫جرأته –في نظرهم‪ -‬على السرقة من أبيه‪.‬‬
‫س أمل من زملئه بالشك؛ تفتق ذهنه عن فكرة مراهقة‬ ‫ولما أح ّ‬
‫جريئة وهي وإن كانت ل تتسق مع شخصيته الرقيقة إل أنها‬
‫فاصلة‪ ..‬أطلق موهبته بهجاء مقذع لمن تسول له نفسه أن يشكك‬
‫في أمل أو يتهمه‪ ،‬ولم يمض كثير حتى استطاع أمل دنقل بموهبته‬
‫أن يدفع عن نفسه ظنون من حوله‪ .‬ولما تفرغ أمل من الدفاع عن‬
‫نفسه داخل المدرسة تاقت نفسه لمعرفة من هو أفضل منه شعرا‬
‫في محافظته‪ ،‬فلم يسمع بأحد يقول بالشعر في قنا كلها إل ارتحل‬
‫له وألقى عليه من شعره ما يثبت تفوقه عليه‪ ،‬وكأنه ينتزع إعجاب‬
‫الناس منهم أنفسهم‪.‬‬
‫أحلم وطموحات‬
‫ولما لم يكن هناك من يجده أمل مكافئا تاقت نفسه أن يلتقي‬
‫بالشعراء الذين يرى أسماءهم على الدواوين الراسخة في مكتبته‪،‬‬
‫وانصرف أمل عن أحلمه الدراسية وطموحاته العلمية إلى شيء‬
‫آخر هو الشعر‪.‬‬
‫ومما نُشر لمل دنقل وهو طالب في الثانوية أبيات شعرية نشرتها‬
‫مجلة مدرسة قنا الثانوية سنة ‪ ،1956‬وكتب تحتها‪ :‬الطالب أمل‬
‫دنقل يقول فيها‪:‬‬

‫يا معقـل ذابت على أسـواره كل الجنود‬


‫حشـد العـدو جيوشه بالنار والدم والحديد‬
‫ظمئ الحديد فراح ينهل من دم الباغي العنيد‬
‫قصص البطولة والكفاح عرفتها يا بورسعيد‬

‫وفي العدد التالي أفردت المجلة صفحة كاملة لقصيدة بعنوان‪:‬‬


‫"عيد المومة"‪ ،‬وكتبت تحت العنوان‪ :‬للشاعر أمل دنقل‪ ،‬وليس‬
‫للطالب كسابقتها‪ ،‬جاء فيها‪:‬‬
‫أريج من الخلد ‪ ..‬عذب عطر‬
‫وصوت من القلب فيه الظفر‬

‫وعيد لـه يهتف الشـاطئان‬


‫وإكليله من عيون الزهر‪...‬‬

‫ومصر العل ‪ ..‬أم كل طموح‪..‬‬


‫إلى المجد شدت رحال السفر‬

‫وأمي فلسطين بنت الجـراح‬


‫ونبت دماء الشهيد الخضـر‬

‫يؤجـج تحنانهـا في القلوب‬


‫ما على ثائرها المستمر‬
‫ضرا ً‬

‫وأمي كل بـلد‪ ....‬تثـور‬


‫أضالعـها باللظى المستطـر‬

‫تمج القيود‪ ....‬وتبني الخلود‬


‫تعيـد الشباب لمجـد غبـر‬

‫فإن الدمـاء تزف الدخيـل‬


‫إلى القبر‪ ..‬رغم صروف القدر‬
‫وتنسج للشعب نور العـلء‬
‫بحـرية الوطـن المنتصـر‬

‫حصل على الثانوية العامة عام ‪ ،1957‬والتحق بكلية الداب ‪.1958‬‬


‫وقد ساعده ذلك على القامة في القاهرة لتتاح له فرصة جديدة‬
‫ونقلة حقيقية في مجال القصيدة الدنقلية كما يقول عنه "قاسم‬
‫حداد" في مقاله‪" :‬سيف في الصدر" في مجلة "الدوحة" أغسطس‬
‫‪" :1983‬دون ضجيج جاء إلى الشعر العربي من صعيد مصر‪ ،‬وكتب‬
‫قصيدته المختلفة‪ ،‬وكسر جدران قلعة القصيد كما لم يعهد الشعر‬
‫العربي القصائد ولم يعهد الكسور"‪.‬‬

‫وهذه قضية أمل الكبرى التي عاش من أجلها كالمحارب تماما‪ ،‬وهو‬
‫يعبر عن ذلك حين يقول‪:‬‬

‫كنت ل أحمل إل قلما بين ضلوعي‬


‫كنت ل أحمل إل قلمي‬
‫في يدي‪ :‬خمس مرايا‬
‫تعكس الضوء الذي يسري من دمي‬
‫افتحوا الباب‬
‫فما رد الحرس‬
‫افتحوا الباب …‪ ..‬أنا أطلب ظل‬
‫قيل‪ :‬كل‬

‫وانفجر أمل في الشعر بهدوئه العجيب‪ ..‬فلم يمكث في القاهرة‬


‫سوى عام واحد؛ إذ رحل عنها ‪ 1959‬إلى قنا ثانية حيث عمل‬
‫موظفا بمحكمة قنا‪ ،‬لكن تهويمات الشعر وخيالته لم تكن تدع‬
‫مبدعا كأمل لوظيفة رتيبة مملة‪ ..‬ترك العمل لنشغاله بالشعر‬
‫والحياة‪ ،‬واستمر شعره هادفا ثائرا على الواقع‪ ،‬وأحيانا ساخرا منه‬
‫بأسلوب يحيل هذه السخرية إلى إبداع شعري غاية في الشفافية‬
‫تطلق في ذهن القارئ العديد من المعاني الشعرية‪.‬‬

‫أمل الثورة‬

‫ورغم شعارات ثورة يوليو وانجذاب الكثيرين لها؛ حيث كانت الثورة‬
‫أمل جموع الشعب الكادح‪ ،‬ومنهم أمل دنقل الفقير ابن أقصى‬
‫الصعيد‪ ..‬فإن ذلك لم يخدعه كآخرين‪ ،‬حيث كان متنبها لخطائها‬
‫وخطاياها؛ فقد سجل رفضها بعين الباحث عن الحرية الحية ل‬
‫شعارها؛ ففتح نار سخريته عليها‪ ،‬فهو يرفض الحرية المزعومة‬
‫التي فتحت أبواب السجون على مصراعيها‪ ..‬يقول أمل‪:‬‬

‫أبانا الذي في المباحث‪ ،‬نحن رعاياك‬


‫باق لك الجبروت‪ ،‬باق لك الملكوت‬
‫وباق لمن تحرس الرهبوت‬
‫تفّردت وحدك باليسر‬
‫إن اليمين لفي خسر‬
‫أما اليسار ففي عسر‬
‫إل الذين يماشون‬
‫إل الذين يعيشون‪..‬‬
‫يحشون بالصحف المشتراة العيون فيعيشون‬
‫شون‬ ‫إل الذين يو ُ‬
‫إل الذين يوشون ياقات قمصانهم برباط السكوت‬
‫الصمت وشمك‪..‬‬
‫والصمت وسمك‬
‫ت‬
‫والصمت أنى التف ّ‬
‫يرون ويسمك‬
‫والصمت بين خيوط يديك المشبكتين المصمغتين‬
‫يلف الفراشة والعنكبوت‬

‫لم يستقر أمل دنقل في وظيفة أبدا فها هو يعمل موظفا في‬
‫مصلحة الجمارك بالسويس ثم السكندرية‪ ،‬ويترك الوظيفة‪ ،‬لقد‬
‫اعتاد أمل دنقل الترحال‪ ،‬وربما ورثها من طفولته حال حياة والده‪،‬‬
‫وى ذلك في نفسه‪ ،‬وجعله يتحلل من‬ ‫ولكن انغماسه في الشعر ق ّ‬
‫قيود المكان وقيود الوظيفة‪ ،‬فقد ترك دراسته في السنة الولى‬
‫الجامعية‪ ،‬وترك عمله بقنا‪ ،‬وها هو يترك السويس إلى السكندرية‪،‬‬
‫بل يترك العمل الوظيفي ليعلن لنا بنفسه في أخريات حياته أنه ل‬
‫يصلح إل للشعر فيقول‪" :‬أنا لم أعرف عمل لي غير الشعر‪ ،‬لم‬
‫أصلح في وظيفة‪ ،‬لم أنفع في عمل آخر…" توصل أمل دنقل إلى‬
‫ذلك قبل أفول نجمه بثلثة أيام فقط‪.‬‬
‫وفي ‪ 1969‬يصدر الديوان الول لمل دنقل بعنوان‪" :‬البكاء بين‬
‫يدي زرقاء اليمامة" تأثرا بالنكسة‪ ،‬وبعده بعامين ينشر أمل دنقل‬
‫ديوانه الثاني‪" :‬تعليق على ما حدث"‪ ،‬ثم يأتي نصر ‪ 1973‬وعجب‬
‫الناس من موقف أمل دنقل؛ إذ هو لم يكتب شعرا يمجد هذا النصر‬
‫حيث يصدر ديوانه الثالث‪" :‬مقتل القمر" ‪ 1974‬دونما قصيدة واحدة‬
‫تحدثنا عن النصر‪ ،‬وفي ‪ 1975‬يصدر ديوانه‪" :‬العهد التي"‪.‬‬

‫عشق الترحال والحياة‬

‫وفي أحد أيام سنة ‪ 1976‬يلتقي أمل دنقل بالصحفية "عبلة‬


‫الرويني" التي كانت تعمل بجريدة "الخبار" فتنشأ بينهما علقة‬
‫إنسانية حميمة‪ ،‬تتوج بالزواج ‪ ،1978‬ولن "أمل" كان كثير التنقل‬
‫والترحال فقد اتخذ مقًرا دائما بمقهى "ريش"‪ ،‬وإذا بالصحفية‬
‫"عبلة الرويني" زوجة الشاعر الذي ل يملك مسكنا‪ ،‬ول يملك مال‬
‫يعدّ به السكن تقبل أن تعيش معه في غرفة بفندق‪ ،‬وتنتقل مع‬
‫زوجها من فندق لخر‪ ،‬ومن غرفة مفروشة لخرى‪.‬‬
‫ويستمر أمل دنقل يصارع الواقع العربي بإنتاج شعري مميز‬
‫فيكتب‪" :‬ل تصالح"‪ ،‬رافضا فيها كل أصناف المساومات‪ ،‬متخذا من‬
‫السطورة رمزا كما عودنا من ذي قبل‪ ،‬ولكن أمل دنقل كُتب عليه‬
‫صراع الواقع العربي الذي ما برح يكتب فيه حتى واجه بنفس قوية‬
‫وإرادة عالية صراعه مع المرض‪ ،‬ودخل أمل المستشفى للعلج‪،‬‬
‫وكان ل يملك مال للعلج الباهظ الذي يحتاجه في مرضه‪.‬‬
‫وبدأت حملة لعون الشاعر من قبل الصدقاء والمعجبين‪ ،‬وكان‬
‫أولهم "يوسف إدريس" ‪-‬أديب مصري‪ -‬الذي طالب الدولة بعلج أمل‬
‫على نفقتها‪.‬‬
‫وطلب أمل من أصدقائه التوقف عن حملة المساعدة‪ .‬كان أمل ل‬
‫يريد أن ينشغل أحد بمرضه‪ ،‬وظل أمل دنقل يكتب الشعر في‬
‫مرقده بالمستشفى على علب الثقاب وهوامش الجرائد‪ ..‬ولم‬
‫يهمل الشعر لحظة حتى آخر أيامه‪ ،‬حتى إنه يتم ديوانا كامل باسم‪:‬‬
‫"أوراق الغرفة ‪."8‬‬
‫يموت اللم في أمل دنقل مع صعود روحه لبارئها‪ ،‬لكنه يترك تاريخا‬
‫مضيئا بالشعر وآرائه السياسية التي كانت تصدر عنه بروح القادر‬
‫ونفس الحر دون أن ينجرف إلى تيار معين يفسد عليه انتماءه‬
‫للشعر‪ ..‬ودون أن يترك حدثا بل قول وخطر‪ ،‬بل وسخرية موجهة‪.‬‬

‫(‪)3‬‬

‫عن كتاب‬
‫"الجنوبي"‪ :‬سيرة دنقل بقلم زوجته‬

‫هيا صالح‬

‫رغم أن كتاب "الجنوبي‪ ..‬أمل دنقل" يبدو للوهلة الولى سيرة‬


‫غيرية‪ ،‬إل أن القارئ‪ ،‬بعد سبر أغواره‪ ،‬ومطالعة صفحاته التي‬
‫تجاوزت ‪ 220‬صفحة‪ ،‬يكتشف أنه‪ ،‬بالضافة إلى ذلك‪ ،‬سيرة ذاتية‬
‫لعبلة الرويني تحكي فيها تجربتها الشخصية في إطار حديثها عن‬
‫تجربة أمل دنقل‪ .‬تلك التجربة الواحدة التي امتزج فيها الثنان معا‪ً،‬‬
‫بحياة تشكلت وفق إيقاعات متنوعة؛ صداقة‪ ،‬حب‪ ،‬زواج‪ ،‬عشق‪،‬‬
‫تكوين عائلة‪ .‬ولعل هذا الرتباط العميق الذي جمع الثنين معاً‪ ،‬هو‬
‫ما جعل نفسيهما نفسا ً واحدة‪ ،‬ومسيرتيهما مسيرةً واحدة أيضاً‪.‬‬
‫تتجلى القدرية في السيرة‪ ،‬من خلل حديث الرويني عن مجريات‬
‫اللقاء الول الذي جمعها بالشاعر الراحل أمل دنقل في أكتوبر‬
‫العام ‪ ،1975‬في مقهى "ريش"‪ ،‬حيث كانت عبلة تنوي في بداية‬
‫عملها بجريدة "الخبار" إجراء حوار مع أمل‪ ،‬رغم معرفتها مسبقاً‬
‫بصعوبة نشر هذا الحوار‪ .‬كان دنقل شاعرا ً يسارياً‪ ،‬وهو ما أوضحه‬
‫لعبلة أحد المحررين السياسيين في الجريدة قائلً‪" :‬ربما يمكنهم‬
‫نشره في طبعة (أخبار اليوم) العربية‪ ،‬فمن الممكن تصدير أمل‬
‫دنقل عربياً‪ ،‬لكنه غير مسموح باستهلكه داخل مصر"‪ .‬وقد زادت‬
‫تلك العبارة من عزم عبلة وتصميمها على حوار أمل وتحدّي سياسة‬
‫الجريدة‪" :‬فلماذا تأخذ الجريدة موقفا ً من شاعر؟ بل كيف تأخذ‬
‫الجريدة موقفا ً من عقل الصحفي؟"‪.‬‬
‫ضل‬ ‫وبعد بحثها عن أمل في المقاهي الشعبية‪ ،‬وهي المكان المف ّ‬
‫لدى الكتّاب والشعراء ‪ .‬تلتقي عبلة به‪ ،‬ويجري الحوار بينهما‬
‫إنسانيا ً أول ً قبل أن يكون أدبياً‪" :‬قلت‪ :‬كنت أظنك أكبر قليلً‪ .‬ضحك‬
‫ستَفز أيضاً‪ ،‬بل‬ ‫ُ‬
‫بصوت مرتفع‪ :‬يبدو أن عندك عقدة ألكترا! ولم أ ْ‬
‫ابتسمت‪ :‬اطمئن لن أحبك"‪.‬‬
‫ونته سريعاً؛ أن هذا‬ ‫وتضيف عبلة‪" :‬كان النطباع الول الذي ك ّ‬
‫الشخص مختلف عن الخرين‪ ،‬يتكلم لغة أخرى‪ ،‬يسلك سلوكا ً آخر‪،‬‬
‫س أحاسيس أخرى‪ .‬فمنذ اللحظة الولى سقطت كل‬ ‫بل ويح ّ‬
‫ه صديق أعرفه من‬ ‫المسافات والدعاءات والقنعة‪ ،‬وبدا لي وج ُ‬
‫زمن"‪.‬‬
‫تكمل عبلة حوارها الصحفي مع دنقل‪ ،‬الذي هو أول حوار وآخر‬
‫حوار يُنشر معه في جريدة "الخبار"‪ .‬وتتعمق العلقة بين الثنين‪،‬‬
‫وتتوالى اللقاءات‪ ،‬ورغم محاولة دنقل ترك مسافة بينه وبينها‪ ،‬إل‬
‫أن عبلة تدرك أن هذه المحاولت ما هي إل اعتراف صريح منه‬
‫بدفق من العواطف التي تضطرب في قلبه تجاهها‪ .‬وتكتشف في‬
‫لحظة تأمل إنسانية أنها هي أيضا ً تبادله تلك المشاعر‪" :‬قال لي‬
‫في المرة الرابعة التي التقيت فيها معه‪ ،‬ومن دون أدنى مقدمات‪:‬‬
‫يجب أن تعلمي أنك لن تكوني أكثر من صديقة! حّرك هذا التحذير‬
‫الستفزازي انفعالتي‪ ،‬فبدت عارية‪ :‬أول ً أنا لست صديقتك‪ ،‬كما‬
‫أنني ل أسمح لحد بتحديد مشاعري متى تتزايد أو تتناقص‪ ،‬إنني‬
‫وحدي صاحبة القرار في علقاتي بأصدقائي"‪ ،‬وتضيف‪" :‬من‬
‫المؤكد أن أمل أحبني ‪ ،‬وأن غضبي لعبارته يعني أيضا ً أنني أحمل‬
‫له نفس المشاعر"‪.‬‬
‫ووفقا ً لمقولة "قل لي من صديقك أقل لك من أنت"‪ ،‬تشير‬
‫الرويني في "الجنوبي" إلى العلقات المركّبة التي جمعت أمل‬
‫ة عند المنظور الشكالي الذي كان دنقل يرى‬ ‫بأصدقائه‪ ،‬متوقف ً‬
‫المحيطين به من خلله‪" :‬إن الضعيف ل أصدقاء له‪ ،‬بينما القوي‬
‫يتزاحم من حوله الصدقاء"‪.‬‬
‫فقد احتوت صداقات دنقل‪ ،‬كما توضح الرويني‪ ،‬على كثير من‬
‫الشكال المركبة‪ .‬وكثير من أقنعة الحدّة‪ ،‬والمنازلت الملتهبة‪،‬‬
‫والمشاحنات الكلمية‪ ،‬والمداعبات الشديدة‪ .‬وقد "ظلت هذه‬
‫العلقات شديدة التركيب‪ ،‬حيث تبدو المداعبة حادة بينما يبحث أمل‬
‫من خللها عن نوع من الطمئنان الكامل ل يجده دائماً‪ ،‬أو نوع من‬
‫الفهم والحب له لم يوفره الخرون‪ ،‬وربما لم توفره اليام له‬
‫شخصياً‪ .‬ولهذا اتسمت علقاته دائما ً بمزاج ساخر‪ ،‬ومزاج حاد ل‬
‫يحتوي شراً‪ ،‬بقدر ما يحتوي مرارة اليام الطويلة"‪ .‬ومن أصدقاء‬
‫دنقل المقربين‪ ،‬كما توضح الرويني‪ ،‬يحيى الطاهر عبد الله الذي‬
‫وافته المنية إثر حادث سير ولم يشترك دنقل في مراسم غيابه‬
‫وكان يقول‪" :‬إن يحيى خاص بي وحدي"‪ .‬والدكتور يوسف إدريس‬
‫الذي جمعت دنقل به علقة صعلكة‪ ،‬والشاعر نجيب سرور‪ ،‬وجابر‬
‫عصفور‪ ،‬والكاتبة صافيناز كاظم التي كان دنقل دائم الستفزاز‬
‫لها‪.‬‬
‫ضل‪ ،‬بين‬ ‫ن اللقاء الدائم‪ ،‬وربما المف ّ‬‫أصبح مقهى "ريش" مكا َ‬
‫ظ تجاهه‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫ف‬ ‫تح‬ ‫من‬ ‫عبلة‬ ‫تبديه‬ ‫كانت‬ ‫ما‬ ‫رغم‬ ‫قين؛ أمل وعبلة‪.‬‬‫العاش َ‬
‫في البداية‪" :‬أقنعني أمل بالتخلي عن منطقي البرجوازي‪ ،‬وتلك‬
‫الوثنية التي أمارسها تجاه الماكن‪ ،‬فل يوجد مكان نحبه‪ ،‬وآخر‬
‫نكرهه‪ ،‬هناك فقط شخص يسعدنا الجلوس معه أو ل يسعدنا‪،‬‬
‫وكانت كلماته منطقية وعادلة‪ ،‬فبدا (ريش) معه أجمل وأرقّ‬
‫قين"‪.‬‬‫الماكن التي تصلح للقاء عاش َ‬
‫ً‬
‫ة تعيش عبلة في إطارها‪ ،‬لكنها أبدا لم‬ ‫كانت البرجوازية طريق ً‬
‫تستحوذ على تفكيرها أو عالمها بالكامل‪ .‬وهي لذلك كانت مستعدة‪،‬‬
‫كما تقول‪ ،‬لن تبيع العالم كله من أجل شاعر لم يكن يمتلك غير‬
‫بنطلون واحد أسود ممزق‪" .‬كأن هذا الثقب الناتج من احتراق‬
‫ً‬
‫سيجارة يطل من فوق الركبة‪ ،‬وكان أمل يحاول مداراته دائما عن‬
‫عيوني البرجوازية‪ ،‬بينما كنت أبحث دائما ً عنه‪ ،‬وأنا أكاد أعتذر عن‬
‫ملبسي النيقة"‪.‬‬
‫لم تكن العلقة التي جمعت عبلة بأمل‪ ،‬والتي راهن الكثيرون على‬
‫فشلها‪ ،‬علقة عادية أو عابرة‪ ،‬ولذا لم يكن من الغريب أن تتّخذ هذه‬
‫ل الرباط الزوجي المتين‪ ،‬رغم ما كانا‬ ‫العلقة فيما بعد‪ ،‬شك َ‬
‫يواجهانه من معيقات مادية‪ .‬يقول أمل‪" :‬إنني أتكلم عن راتب‬
‫شهري يمكن أن يعول أسرة ل بدّ لها أن تأكل وتنام على القل‪ .‬إن‬
‫ك أن تتحملي تبعاتها وعذاباتها"‪ .‬فترد عبلة‪:‬‬ ‫اختياراتي ليس علي ِ‬
‫"أمل‪ ..‬إننا سنتزوج ليس فقط انتصارا ً للحب‪ ،‬ولكن‪ ،‬انتصاراً‬
‫لختياراتك"‪.‬‬
‫َ‬
‫بعد زواجهما‪ ،‬باتا صديقين ل زوجين‪ ،‬وخرجا على أشكال الزواج‬
‫ل وقتهما‪.‬‬ ‫التقليدية‪ ،‬حيث أصبح الشارع بيتهما الذي يقضيان فيه ج ّ‬
‫وتصف عبلة علقتهما الزوجية قائلة‪" :‬كان الحب في داخله‪ ،‬وكان‬
‫التصاقي الشديد به يُشعره كثيرا ً بالقيد والتوتر والعبء النفسي‬
‫أحياناً‪ ،‬ولعل مرد ذلك إلى إحساسه العميق الدائم بأنه لم يمنحني‬
‫راحة‪ ،‬أو أن الحياة ذاتها لم تمنحنا استقراراً"‪.‬‬
‫لم تكن هناك طقوس معينة تلزم دنقل أثناء كتابته للقصيدة‪ ،‬كما‬
‫توضح عبلة التي رافقته في مشواره البداعي والحياتي‪ ،‬سوى‬
‫توفر السجائر التي ظلت صديقة أمل المقّربة حتى وفاته‪ .‬كان‬
‫ف عن‬ ‫مرض السرطان قد بدأ يغزو رئته‪" :‬قال له الطبيب‪ :‬ك ّ‬
‫ف عن السجائر لن يعوق السرطان الهادر في‬ ‫السجائر‪ ،‬قال‪ :‬إن الك ّ‬
‫صدري‪ ،‬دعها فهي متعتي الخيرة"‪.‬‬
‫بدأ السرطان يأخذ من جسد أمل الناحل‪ ،‬فتزداد روحه تألقاً‬
‫وجبروتاً‪ .‬وكان يصارع الموت بعناد ل يلين‪ .‬وكانت مأساة أمل‪ ،‬كما‬
‫توضح عبلة‪" :‬أنه ظل قادرا ً على حمل البحر‪ ،‬بينما البحر لم يستطع‬
‫أن يحمله‪ ..‬أجمل سمكة نادرة في مياهه‪ ..‬ظل دائما ً يبحث عن‬
‫التوازن الصعب داخل هذا العالم المتواتر والمرفوض حوله‪ ،‬وداخل‬
‫هذا التناثر الحاد في كيانه حتى انفجر كل شيء‪ ..‬وتمدد‬
‫السرطان"‪.‬‬
‫لقد بدأت معاناة أمل مع السرطان بعد مضي تسعة أشهر على‬
‫زواجه بعبلة‪ ،‬وظل المرض يتمدد‪ ،‬لن أمل وعبلة لم يكونا يمتلكان‬
‫"ملّيماً" واحدا ً من أجرة الطبيب التي بلغت ‪ 300‬جنيه‪ .‬وفي ظل‬
‫حة‪ ،‬شعر الثنان‪ ،‬بجبروت الفقر‪" :‬إنها المرة‬ ‫الحاجة المادية المل ّ‬
‫الولى التي نعرف فيها قسوة الفقر‪ ..‬المرض هو الحالة الوحيدة‬
‫على هذه الرض التي تحول الفقير إلى بائس حين يواجه قدره‬
‫عاجزاً"‪.‬‬
‫وتروي عبلة قصة علج دنقل في معهد السرطان‪ ،‬حيث امتدت‬
‫فترة العلج لكثر من سنة ونصف السنة‪ ،‬أعلن الطباء بعدها‪ ،‬عن‬
‫حتمية موت أمل‪ .‬وتسرد عبلة هذه التجربة‪ ،‬بكثير من الحزن‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫"نظر طبيب معهد السرطان إلى تحليل الدم الخير‪ ،‬ودون أن يدري‬
‫ما نعرفه قال‪ :‬للسف الشديد لقد أكدت التحاليل إصابتك‬ ‫شيئا ً ع ّ‬
‫بالتراتوما‪ ،‬وهو أمر صعب‪ ،‬لم نكن نريده‪ ،‬لكننا سنبذل ما لدينا من‬
‫أحدث طرق للعلج"‪ .‬كانت ردة فعل عبلة على كلم الطبيب قوية‬
‫جداً‪ ،‬ما اضطر الطباء إلى إخراجها من الغرفة‪ .‬بينما واصل أمل‬
‫ت قاسيا ً معها إلى هذا الحد‪ .‬كان يمكن‬ ‫حديثه مع الطبيب‪" :‬لماذا كن َ‬
‫أن تخبرني وحدي"‪ .‬لقد كان أكثر ما يخشاه دنقل ليس الموت‪،‬‬
‫وإنما بكاء أمه وعبلة عليه‪.‬‬
‫كان أمل مريضا ً استثنائياً‪ ،‬فقد تمت في جسده تجربة علج‬
‫إشعاعي هي الولى من نوعها في الشرق الوسط‪ ،‬حصل فيها‬
‫على أكبر نسبة إشعاع ذري مكثف تُعطى لمريض في جرعة واحدة‪.‬‬
‫وخرج من تلك التجربة منتصراً‪ ،‬غير أن المر لم يدم طويلً‪ ،‬إذ‬
‫أصيب أمل في النهاية بغيبوبة‪" :‬هكذا أعلن أمل الموت‪ ،‬لكنه‬
‫كطبيعته ما زال حتى النفس الخير‪ ،‬يحلم بالمقاومة‪ .‬في منتصف‬
‫الليل‪ ،‬قبيل وفاته بساعات قليلة‪ ،‬زاره ناصر الخطيب مدير مكتب‬
‫جريدة (الرياض) بالقاهرة‪ .‬أيقظ أمل من غيبوبته‪ ،‬وهمس في أذنه‬
‫م‪ .‬فتح أمل عينيه‪ ،‬وبصعوبة في النطق أجاب‪ :‬ل‬ ‫باكياً‪ :‬أمل قا ِ‬
‫و ْ‬
‫أملك سوى المقاومة‪ .‬ثم راح في غيبوبة"‪.‬‬
‫كثير من الحداث اليومية والتفاصيل الحميمة‪ ،‬في علقتها بأمل‬
‫منتها عبلة في "الجنوبي"‪ ،‬كما تحدثت عن مشاكلهما‬ ‫دنقل ض ّ‬
‫وخلفاتهما التي كانت تزيد علقتهما الزوجية والنسانية متانة‬
‫منت عبلة في "الجنوبي" قصائد ألقاها أمل في‬ ‫وصلبة‪ .‬كما ض َّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫مناسبات مختلفة‪ ،‬كانت تتوقف أحيانا لتنقدها أو تعلق عليها‪ ،‬أو‬
‫تشرح الموقف أو المناسبة التي قيلت فيها‪.‬‬
‫وأخيراً‪ ،‬فإن "الجنوبي" هو بمثلبة هدية حب ووفاء من عبلة‬
‫الرويني إلى رفيق دربها أمل دنقل الذي لم ينجح الموت في‬
‫ف تصدح الجيال بشعره‪.‬‬ ‫وله إلى صوت قوي صا ٍ‬ ‫تغييبه‪ ،‬وإنما ح ّ‬
‫__________________‬

‫أعمال الشاعر‬

‫البكاء بين يدي زرقاء اليمامة‬

‫أيتها العرافة المقدَّس ْ‬


‫ة ‪..‬‬
‫ت إليك ‪ ..‬مثخنا ً بالطعنات والدماءْ‬
‫جئ ُ‬

‫أزحف في معاطف القتلى‪ ،‬وفوق الجثث المكدّسة‬

‫منكسر السيف‪ ،‬مغبَّر الجبين والعضاءْ‪.‬‬

‫أسأل يا زرقاءْ ‪..‬‬

‫ت عن‪ ،‬نبوءة العذراء‬


‫ك الياقو ِ‬
‫عن فم ِ‬

‫عن ساعدي المقطوع‪ ..‬وهو ما يزال ممسكا ً بالراية المنكَّسة‬

‫عن صور الطفال في الخوذات‪ ..‬ملقاةً على الصحراء‬

‫ه ُّ‬
‫م بارتشاف الماء‪..‬‬ ‫ي الذي ي َ ُ‬
‫عن جار َ‬

‫سه ‪ ..‬في لحظة الملمسة !‬


‫ص رأ َ‬
‫فيثقب الرصا ُ‬

‫و بالرمال والدماء !!‬


‫عن الفم المحش ِّ‬

‫أسأل يا زرقاء ‪..‬‬

‫عن وقفتي العزلء بين السيف ‪ ..‬والجداْر !‬

‫عن صرخة المرأة بين ال َّ‬


‫سبي‪ .‬والفراْر ؟‬

‫ت العار‪..‬‬
‫كيف حمل ُ‬

‫ت ؟ دون أن أقتل نفسي ؟ ! دون أن أنهار ؟ !‬


‫ثم مشي ُ‬

‫ودون أن يسقط لحمي ‪ ..‬من غبار التربة المدنسة ؟ !‬


‫َ‬
‫تكل ّمي أيتها النبية المقدسة‬

‫ن‬
‫ة ‪ ..‬بالشيطا ْ‬
‫ه ‪ ..‬باللعن ِ‬
‫تكلمي ‪ ..‬بالل ِ‬

‫ك‪ ،‬فالجرذان ‪..‬‬


‫ل تغمضي عيني ِ‬

‫ق من دمي حساءَها ‪ ..‬ول أردُّها !‬


‫تلع َ‬

‫تكلمي ‪ ...‬لشدَّ ما أنا ُ‬


‫مهان‬
‫َ‬
‫ل الل ّيل يُخفي عورتي ‪ ..‬ول الجدران !‬

‫ول اختبائي في الصحيفة التي أشدُّها ‪..‬‬


‫ول احتمائي في سحائب الدخان !‬

‫ة المشاكسة‬
‫ة العينين ‪ ..‬عذب ُ‬
‫ة واسع ُ‬
‫‪ ..‬تقفز حولي طفل ٌ‬

‫ق ُّ‬
‫ص عنك يا صغيرتي ‪ ..‬ونحن في الخنادْق‬ ‫( ‪ -‬كان ي َ ُ‬

‫فنفتح الزرار في ستراتنا ‪ ..‬ونسند البنادقْ‬

‫عطَشا ً في الصحراء المشمسة ‪..‬‬


‫وحين مات َ‬
‫َ‬
‫رطّب باسمك الشفاه اليابسة ‪..‬‬

‫وارتخت العينان !)‬

‫ي المتَّه َ‬
‫م المدان ؟‬ ‫فأين أخفي وجه َ‬

‫ة الطروب ‪ :‬ضحكته‪..‬‬
‫والضحك ُ‬

‫ن!؟‬
‫ه ‪ ..‬والغمازتا ْ‬
‫والوج ُ‬

‫***‬

‫أيتها النبية المقدسة ‪..‬‬

‫ة ‪..‬‬
‫سن َ ً‬ ‫ة َ‬
‫ف َ‬ ‫سن َ ً‬ ‫سك َ ُّ‬
‫ت َ‬ ‫ل تسكتي ‪ ..‬فقد َ‬

‫ن‬
‫لكي أنال فضلة الما ْ‬

‫س ‪"..‬‬
‫ي "اخر ْ‬
‫قيل ل َ‬

‫ت بالخصيان !‬
‫ت ‪ ..‬وعميت ‪ ..‬وائتمم ُ‬
‫فخرس ُ‬

‫س ) أحرس القطعان‬
‫ت في عبيد ( عب ِ‬
‫ظلل ُ‬

‫أجتُّز صو َ‬
‫فها ‪..‬‬

‫أردُّ نوقها ‪..‬‬

‫أنام في حظائر النسيان‬

‫ي ‪ :‬الكسرةُ ‪ ..‬والماءُ ‪ ..‬وبعض الثمرات اليابسة ‪.‬‬


‫طعام َ‬

‫ن‬
‫وها أنا في ساعة الطعا ْ‬

‫ن‬
‫ة أن تخاذل الكماةُ ‪ ..‬والرماةُ ‪ ..‬والفرسا ْ‬
‫ساع َ‬
‫دُعيت للميدان !‬

‫م الضأن ‪..‬‬
‫ت لح َ‬
‫أنا الذي ما ذق ُ‬

‫أنا الذي ل حو َ‬
‫ل لي أو شأن ‪..‬‬

‫أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان ‪،‬‬

‫أدعى إلى الموت ‪ ..‬ولم أدع الى المجالسة !!‬

‫تكلمي أيتها النبية المقدسة‬

‫تكلمي ‪ ..‬تكلمي ‪..‬‬

‫فها أنا على التراب سائ ً‬


‫ل دمي‬

‫ئ ‪ ..‬يطلب المزيدا ‪.‬‬


‫وهو ظم ً‬

‫ت الذي يخنقني ‪:‬‬


‫أسائل الصم َ‬

‫" ما للجمال مشيُها وئيدا ‪ ..‬؟! "‬

‫أجندل ً يحملن أم حديدا ‪ ..‬؟!"‬

‫فمن تُرى يصدُ ْ‬


‫قني ؟‬

‫أسائل الرك َّع والسجودا‬

‫أسائل القيودا ‪:‬‬

‫" ما للجمال مشيُها وئيدا ‪ ..‬؟! "‬

‫" ما للجمال مشيُها وئيدا ‪ ..‬؟! "‬

‫أيتها ال َّ‬
‫عرافة المقدسة ‪..‬‬

‫ماذا تفيد الكلمات البائسة ؟‬

‫ت عن قوافل الغباْر ‪..‬‬


‫ت لهم ما قل ِ‬
‫قل ِ‬

‫ك‪ ،‬يا زرقاء‪ ،‬بالبوار !‬


‫فاتهموا عيني ِ‬

‫ت عن مسيرة الشجار ‪..‬‬


‫ت لهم ما قل ِ‬
‫قل ِ‬

‫ك الثرثار !‬
‫فاستضحكوا من وهم ِ‬
‫دّ السيف ‪ :‬قايضوا بنا ‪..‬‬ ‫وحين ُ‬
‫فوجئوا بح ِ‬

‫والتمسوا النجاةَ والفرار !‬

‫ب‪،‬‬
‫ونحن جرحى القل ِ‬

‫ح والفم ‪.‬‬
‫جرحى الرو ِ‬

‫ت ‪..‬‬
‫لم يبق إل المو ُ‬

‫م ‪..‬‬
‫والحطا ُ‬

‫والدماْر ‪..‬‬

‫ة مشّردون يعبرون آخَر النهاْر‬


‫وصبي ٌ‬

‫ر‪،‬‬
‫ونسوةٌ يسقن في سلسل الس ِ‬

‫وفي ثياب العاْر‬

‫مطأطئات الرأس‪ ..‬ل يملكن إل الصرخات الناعسة !‬

‫ها أنت يا زرقاءْ‬

‫وحيدةٌ ‪ ...‬عمياءْ !‬

‫ب ‪ ..‬والضواءْ‬
‫ت الح ِّ‬
‫وما تزال أغنيا ُ‬

‫ت ‪ ..‬والزياءْ !‬
‫ت الفارها ُ‬
‫والعربا ُ‬

‫ش َّ‬
‫وها‬ ‫م َ‬
‫ي ال ُ‬
‫فأين أخفي وجه َ‬

‫كّر الصفاء ‪ ..‬البله‪ ..‬المم َّ‬


‫وها‪.‬‬ ‫كي ل أع ِ‬

‫في أعين الرجال والنساءْ !؟‬

‫وأنت يا زرقاء ‪..‬‬

‫وحيدة ‪ ..‬عمياء !‬

‫وحيدة ‪ ..‬عمياء !‬

‫واس"‬
‫من أوراق "أبو ن ّ‬
‫" ملك أم كتابة ؟ "‬

‫صاح بي صاحبي ‪ ,‬و هو يلقى بدرهمه في الهواء‬

‫م يلقفه ‪..‬‬
‫ث ّ‬

‫( خارجين من الدرس كنّا ‪ ..‬و حبر الطفولة فوق الرداء‬

‫و العصافير تمرق عبر البيوت ‪،‬‬

‫و تهبط فوق النخيل البعيد ! )‬

‫‪... ... ... ...‬‬

‫" ملك أم كتابة ؟ "‬

‫صاح بي ‪ ..‬فانتبهت ‪ ،‬ورفت ذبابة‬

‫حول عينين لمعتين ‪..‬‬

‫فقلت ‪ " :‬الكتابة "‬

‫‪ ..‬فتح اليد مبتسما ؛ كان وجه المليك السعيد‬

‫باسما في مهابة !‬

‫***‬

‫" ملك أم كتابة ؟ "‬

‫صحت فيه بدوري ‪..‬‬

‫فرفرف في مقلتيه الصبا والنجابة‬

‫و أجاب ‪ " :‬الملك "‬

‫دون أن يتلعثم ‪ ..‬أو يرتبك‬

‫و فتحت يدي ‪..‬‬

‫كان نقش الكتابة‬

‫بارزا في صلبة !‬

‫‪... ... ...‬‬


‫دارت الرض دوراتها ‪..‬‬

‫حملتنا الشواديف من هدأ النهر‬

‫ألقت بنا في جداول أرض الغرابة‬

‫نتفّرق بين حقول السى ‪ ..‬و حقول الصبابة ‪.‬‬

‫قطرتين ‪ ,‬التقينا على سلّم القصر ‪..‬‬

‫ذات مساء وحيد‬

‫كنت فيه ‪ :‬نديم الرشيد‬

‫بينما صاحبي ‪ ..‬يتولّى الحجابة !!‬

‫نائما كنت جانبه ؛ وسمعت الحرس‬

‫يوقظون أبي !‬

‫ي‬
‫خارج ّ‬

‫أنا ‪! ..‬‬

‫مارق‬

‫من ؟ أنا !‬

‫مي‬
‫صرخ الطفل في صدر أ ّ‬

‫مي محلولة الشعر واقفة في ملبسها المنزليّة )‬


‫(وأ ّ‬

‫إخرسوا‬

‫واختبأنا وراء الجدار‬

‫اخسروا‬

‫تسلّل في الحلق خيط من الدم‬

‫كان أبي يمسك الجرح ‪،‬‬

‫يمسك قامته ‪ ..‬و مهابته العائليّة !‬

‫يا أبي‬
‫اخرسوا‬

‫مي ‪ ،‬و الطفل في صدرها مانبس‬


‫و تواريت في ثوب أ ّ‬

‫ومضوا بأبي تاركين لنا اليتم متشحا بالخرس‬

‫‪... ... ... ...‬‬

‫ك ّ‬
‫ل ما كنت أكتب في هذه الصفحة الورقيّة‬

‫صادرته العسس‬

‫‪... ... ... ...‬‬

‫مي خادمة فارسيّة‬


‫‪ ...‬و أ ّ‬

‫يتبادل سادتها النظرات لردافها ‪..‬‬

‫عندما تنحني لتضيء اللّهب‬

‫يتندّر سادتها الطيّبون بلهجتها العجميّة ‪1‬‬

‫***‬

‫نائما كنت جانبها ‪ ،‬ورأيت ملك القدس‬

‫ينحني ‪ ،‬و يربّت وجنتها‬

‫و تراخى الذراعان عنّي قليل‬

‫و سارت بقلبي قشعريرة الصمت‬

‫مي ؛ و عاد لي الصوت‬


‫‪-‬أ ّ‬

‫مي ؛ و جاوبني الموت‬


‫وأ ّ‬

‫مي ؛ و عانقتها ‪ ..‬و بكيت‬


‫أ ّ‬

‫و غام بي الدمع حتّى احتبس !‬

‫***‬
‫‪... ... ...‬‬
‫ل تسألني إن كان القرآن‬
‫ي‬
‫مخلوقا أو أزل ّ‬

‫بل سلني إن كان السلطان‬

‫ي‬
‫صا ‪ ..‬أو نصف نب ّ‬‫ل ّ‬
‫‪... ... ...‬‬

‫كنت في كربلء‬

‫قال لي الشيخ أن الحسين‬

‫مات من أجل جرعة ماء‬


‫‪... ... ...‬‬

‫و تساءلت كيف السيوف استباحت بني الكرمين‬

‫صرته السماء‬
‫فأجاب الذي ب ّ‬

‫إنّه الذهب المتلليء في ك ّ‬


‫ل عين‬

‫‪... ... ...‬‬

‫إن تكن كلمات الحسين‬

‫و سيوف الحسين‬

‫و جلل الحسين‬

‫ق من ذهب المراء‬
‫سقطت دون أن تنقذ الح ّ‬

‫ق ثرثرة الشعراء‬
‫أفتقدر أن تنقذ الح ّ‬

‫و الفرات لسان من الدم ل يجد الشفتين ؟ !‬

‫***‬

‫مات من أجل جرعة ماء‬

‫فاسقني يا غلم صباح مساء‬

‫اسقني يا غلم ‪..‬‬

‫علّني بالمدام ‪..‬‬

‫أتناسى الدماء‬
‫الخرون دائما‬

‫ل تنظروا لي هكذا‬

‫إني أخاف‪..‬‬

‫لست أنا الذي سحقت الخصب في أطفالكم ‪،‬‬

‫جعلتهم خصيان‬

‫لست أن الذي نبشت القبر ‪،‬‬

‫كي أضاجع الجثمان‬

‫لست أنا الذي اختلست ليلة‬

‫لدى عشيقة الملك‬

‫فلتبحثوا عمن سيدلي باعتراف‬

‫الخــــــــريــــــــن‬

‫(‪)1‬‬

‫هذا الصبي في فراشه اضطجع‬

‫وفي كتاب أحمر الغلف‬

‫تجمدت عيناه في سطور ‪:‬‬

‫***‬

‫((‪...‬وفجأة‪....‬ساد الظلم ‪))...‬‬

‫(( غالب لوبين نفسه‪))......‬‬

‫(( أشهر روجر مسدسة‪:‬‬

‫هل أطلق الرصاص بوبين ‪))...‬‬

‫(( ‪..‬ومزق الرصاص هدأة السكون ‪))..‬‬

‫(( صوت ارتطام جسم في الظلم ‪))..‬‬


‫(( صوت محرك يدور في نهاية الطري ‪))..‬‬

‫‪.....‬وهب من فراشه يطارد الشبح‬

‫فشبح رأسه في قائم السرير‪..‬‬

‫تحسس الدماء في جبهته‪،‬‬

‫ثم انبطح‬

‫ليطلق الرصاص خلف المجرمين‪..‬‬

‫(‪)2‬‬

‫صديقتي ‪ ..‬شدت على يدي ‪،‬‬

‫وقالت‪ :‬لن أجىء غرفتك‬

‫ل بد أن نبقى معا إلى البد‪..‬‬

‫ولم أرد‬

‫لن ثوب العرس في معارض الزياء‬

‫نجمة تدور في سراب‬

‫لم أزل أدق بابا بعد باب‪..‬‬

‫وخطوتي تنهيدة‪،‬‬

‫وأعيني ضباب‪..‬‬

‫حتى وصلت غرفتي في آخر المطاف‬

‫وهرتي تلد‪..‬‬

‫مواؤها عذاب أثنى ليلة المخاض‬

‫أنثى وحيدة تلد‪..‬‬

‫وأخلد الجيران للسكون‬

‫وقطهم جاف على نافذة بين‬

‫يعلق في فروته الناصعة البياض‬


‫يعلق عن فروته عذاب هرتى المتحد‬

‫‪ ..‬سعت إليه ذات ليلة‪،‬‬

‫ولم تسله ثوبا ً للزفاف‬

‫لن ثوب العرس في معارض الزياء‬

‫نجمة تدور في سراب‬

‫(‪)3‬‬

‫بلقيس ألهبت سليمان الحكيم‬

‫أنثى رمت بساطها المضباف للنجوم‬

‫لكن سليمان الحكيم‪..‬‬

‫يقتل غيلة أمير الجند‬

‫لنه يريد أن يبنى بزوجة المير‬

‫وزوجة المير تغتال ابن بلقيس الصغير‬

‫لنها تريد أن يكون طفلها ولى العهد‬

‫لكن ولى العهد قال لي‬

‫بأنه حين يفع‬

‫بلقيس راودته ذات ليلة عن نفسها‬

‫لم يستطع‬

‫أن يمتنع‬

‫‪..‬كانت غللة من الحرير‬

‫تهتز فوق مشجب المساء‬

‫سألته‪:‬‬

‫هل تستطيع يا صديقي الفشاء‬

‫عن ابن بلقيس ‪..‬أبوه من يكون؟‬


‫قال‪ :‬أنا ما قلت شيئا‪،‬‬

‫ما فعلت شى‬

‫الخرون‬

‫***‬

‫لنني أخاف‬

‫ل تنظروا لى هكذا‪..،‬فالخرون‬

‫هم الذين يفعلون‬

‫ح!‬
‫ل تصال ْ‬

‫‪..‬ولو منحوك الذهب‬

‫أترى حين أفقأ عينيك‬

‫ثم أثبت جوهرتين مكانهما‪..‬‬

‫هل ترى‪..‬؟‬

‫هي أشياء ل تشترى‪:..‬‬

‫ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك‪،‬‬

‫ة‪،‬‬ ‫ح ُّ‬
‫سكما ‪ -‬فجأةً ‪ -‬بالرجول ِ‬

‫ه‪،‬‬ ‫هذا الحياء الذي يكبت الشوق‪ ..‬حين تعان ُ‬


‫ق ُ‬

‫ت ‪ -‬مبتسمين ‪ -‬لتأنيب أمكما‪..‬‬


‫الصم ُ‬

‫وكأنكما‬

‫ما تزالن طفلين!‬

‫تلك الطمأنينة البدية بينكما‪:‬‬

‫ف َ‬
‫ك‪..‬‬ ‫ن سي َ‬ ‫أ َّ‬
‫ن سيفا ِ‬
‫ن صوت َ َ‬
‫ك‬ ‫صوتا ِ‬
‫أنك إن م َّ‬
‫ت‪:‬‬
‫للبيت ر ٌّ‬
‫ب‬

‫ب‬
‫وللطفل أ ْ‬

‫هل يصير دمي ‪-‬بين عينيك‪ -‬ماءً؟‬

‫أتنسى ردائي الملطَّ َ‬


‫خ بالدماء‪..‬‬

‫تلبس ‪-‬فوق دمائي‪ -‬ثيابًا مطَّرَزةً بالقصب؟‬

‫ب!‬
‫إنها الحر ُ‬

‫ب‪..‬‬
‫قد تثقل القل َ‬

‫لكن خلفك عار العرب‬

‫ح‪..‬‬
‫ل تصال ْ‬
‫ول تتو َّ‬
‫خ الهرب!‬

‫(‪)2‬‬

‫ل تصالح على الدم‪ ..‬حتى بدم!‬

‫س‬
‫ل تصالح! ولو قيل رأس برأ ٍ‬
‫أك ُّ‬
‫ل الرؤوس سواءٌ؟‬

‫أقلب الغريب كقلب أخيك؟!‬

‫أعيناه عينا أخيك؟!‬

‫وهل تتساوى يدٌ‪ ..‬سيفها كان لك‬

‫د سيفها أثْكَلك؟‬
‫بي ٍ‬

‫سيقولون‪:‬‬

‫جئناك كي تحقن الدم‪..‬‬

‫جئناك‪ .‬كن ‪-‬يا أمير‪ -‬الحكم‬

‫سيقولون‪:‬‬

‫ها نحن أبناء عم‪.‬‬


‫قل لهم‪ :‬إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك‬

‫ف في جبهة الصحراء‬
‫واغرس السي َ‬

‫إلى أن يجيب العدم‬

‫إنني كنت لك‬

‫سا‪،‬‬
‫فار ً‬

‫خا‪،‬‬
‫وأ ً‬

‫وأبًا‪،‬‬

‫ملِك!‬
‫و َ‬

‫(‪)3‬‬

‫ل تصالح ‪..‬‬

‫ولو حرمتك الرقاد‬

‫ت الندامة‬
‫صرخا ُ‬

‫وتذكَّر‪..‬‬

‫(إذا لن قلبك للنسوة اللبسات السواد ولطفالهن الذين تخاصمهم‬


‫البتسامة)‬

‫ت أخيك "اليمامة"‬
‫أن بن َ‬

‫زهرةٌ تتسربل ‪-‬في سنوات الصبا‪-‬‬

‫بثياب الحداد‬

‫ت‪:‬‬
‫ت‪ ،‬إن عد ُ‬
‫كن ُ‬

‫ج القصر‪،‬‬
‫تعدو على دََر ِ‬

‫تمسك ساق َّ‬


‫ي عند نزولي‪..‬‬

‫ة‪-‬‬
‫فأرفعها ‪-‬وهي ضاحك ٌ‬

‫فوق ظهر الجواد‬


‫ة‬
‫ها هي الن‪ ..‬صامت ٌ‬

‫حرمتها يدُ الغدر‪:‬‬

‫من كلمات أبيها‪،‬‬

‫ة‬
‫ء الثياب الجديد ِ‬
‫ارتدا ِ‬

‫من أن يكون لها ‪-‬ذات يوم‪ -‬أ ٌ‬


‫خ!‬

‫ب يتب َّ‬
‫سم في عرسها‪..‬‬ ‫من أ ٍ‬

‫ج أغضبها‪..‬‬
‫وتعود إليه إذا الزو ُ‬

‫وإذا زارها‪ ..‬يتسابق أحفادُه نحو أحضانه‪،‬‬

‫لينالوا الهدايا‪..‬‬

‫م)‬
‫ويلهوا بلحيته (وهو مستسل ٌ‬

‫ويشدُّوا العمامة‪..‬‬

‫ل تصالح!‬

‫فما ذنب تلك اليمامة‬

‫لترى الع َّ‬


‫ش محتر ً‬
‫قا‪ ..‬فجأةً‪،‬‬

‫وهي تجلس فوق الرماد؟!‬

‫(‪)4‬‬

‫ل تصالح‬

‫ولو ت َّ‬
‫وجوك بتاج المارة‬

‫كيف تخطو على جثة ابن أبي َ‬


‫ك‪..‬؟‬

‫وكيف تصير الملي َ‬


‫ك‪..‬‬

‫ه البهجة المستعارة؟‬
‫على أوج ِ‬

‫كيف تنظر في يد من صافحوك‪..‬‬

‫فل تبصر الدم‪..‬‬


‫في كل كف؟‬

‫ما أتاني من الخلف‪..‬‬


‫إن سه ً‬

‫سوف يجيئك من ألف خلف‬

‫ما وشارة‬
‫فالدم ‪-‬الن‪ -‬صار وسا ً‬

‫ل تصالح‪،‬‬

‫ولو ت َّ‬
‫وجوك بتاج المارة‬

‫ف‬ ‫إن عر َ‬
‫شك‪ :‬سي ٌ‬

‫ف‬
‫وسيفك‪ :‬زي ٌ‬

‫ت الشرف‬
‫ن ‪-‬بذؤابته‪ -‬لحظا ِ‬
‫إذا لم تز ْ‬

‫واستطبت‪ -‬الترف‬

‫(‪)5‬‬

‫ل تصالح‬

‫م‬
‫ولو قال من مال عند الصدا ْ‬

‫"‪ ..‬ما بنا طاقة لمتشاق الحسام‪"..‬‬

‫عندما يمل الحق قلبك‪:‬‬

‫س‬ ‫تندلع النار إن تتن َّ‬


‫ف ْ‬

‫ن الخيانة يخرس‬
‫ولسا ُ‬

‫ل تصالح‬

‫ولو قيل ما قيل من كلمات السلم‬

‫كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟‬

‫كيف تنظر في عيني امرأة‪..‬‬

‫أنت تعرف أنك ل تستطيع حمايتها؟‬

‫كيف تصبح فارسها في الغرام؟‬


‫كيف ترجو غدًا‪ ..‬لوليد ينام‬

‫ل لغلم‬
‫‪-‬كيف تحلم أو تتغنى بمستقب ٍ‬

‫منكَّس؟‬
‫وهو يكبر ‪-‬بين يديك‪ -‬بقلب ُ‬

‫ل تصالح‬

‫ول تقتسم مع من قتلوك الطعام‬

‫و قلبك بالدم‪..‬‬
‫واْر ِ‬

‫و التراب المقدَّس‪..‬‬
‫وار ِ‬
‫ف َ‬
‫ك الراقدين‪..‬‬ ‫و أسل َ‬
‫وار ِ‬

‫إلى أن تردَّ عليك العظام!‬

‫(‪)6‬‬

‫ل تصالح‬

‫ولو ناشدتك القبيلة‬

‫باسم حزن "الجليلة"‬

‫أن تسوق الدهاءَ‬

‫وتُبدي ‪-‬لمن قصدوك‪ -‬القبول‬

‫سيقولون‪:‬‬

‫ها أنت تطلب ثأًرا يطول‬

‫فخذ ‪-‬الن‪ -‬ما تستطيع‪:‬‬

‫قليل ً من الحق‪..‬‬

‫في هذه السنوات القليلة‬

‫إنه ليس ثأرك وحدك‪،‬‬

‫ل فجيل‬
‫لكنه ثأر جي ٍ‬

‫وغدًا‪..‬‬
‫ة‪،‬‬
‫سوف يولد من يلبس الدرع كامل ً‬

‫ة‪،‬‬
‫يوقد النار شامل ً‬

‫يطلب الثأَر‪،‬‬

‫يستولد الح َّ‬


‫ق‪،‬‬

‫من أ َ ْ‬
‫ضلُع المستحيل‬

‫ل تصالح‬

‫ولو قيل إن التصالح حيلة‬

‫إنه الثأُر‬

‫ت شعلته في الضلوع‪..‬‬
‫تبه ُ‬

‫إذا ما توالت عليها الفصول‪..‬‬

‫ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)‬

‫ه الذليلة!‬
‫فوق الجبا ِ‬

‫(‪)7‬‬

‫ح‪ ،‬ولو حذَّرتْك النجوم‬


‫ل تصال ْ‬

‫ورمى لك ك َّ‬
‫هانُها بالنبأ‪..‬‬

‫كنت أغفر لو أنني م ُّ‬


‫ت‪..‬‬

‫ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ‪.‬‬

‫لم أكن غازيًا‪،‬‬

‫لم أكن أتسلل قرب مضاربهم‬

‫دا لثمار الكروم‬


‫لم أمد ي ً‬

‫لم أمد يدًا لثمار الكروم‬

‫أرض بستانِهم لم أطأ‬

‫لم يصح قاتلي بي‪" :‬انتبه"!‬


‫كان يمشي معي‪..‬‬

‫ثم صافحني‪..‬‬

‫ثم سار قليل ً‬

‫ولكنه في الغصون اختبأ!‬

‫فجأةً‪:‬‬

‫ثقبتني قشعريرة بين ضعلين‪..‬‬

‫واهتَّز قلبي ‪-‬كفقاعة‪ -‬وانفثأ!‬

‫ت‪ ،‬حتى احتملت على ساعد َّ‬


‫ي‬ ‫وتحامل ُ‬

‫ت‪ :‬ابن عمي الزنيم‬


‫فرأي ُ‬
‫فا يتش َّ‬
‫فى بوجه لئيم‬ ‫واق ً‬

‫ة‬
‫لم يكن في يدي حرب ٌ‬

‫أو سلح قديم‪،‬‬

‫لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ‬

‫(‪)8‬‬

‫ح‪..‬‬
‫ل تصال ُ‬

‫إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة‪:‬‬

‫النجوم‪ ..‬لميقاتها‬

‫والطيور‪ ..‬لصواتها‬

‫والرمال‪ ..‬لذراتها‬

‫والقتيل لطفلته الناظرة‬

‫كل شيء تحطم في لحظة عابرة‪:‬‬

‫ف بالضيف ‪-‬‬
‫ت الحصان ‪ -‬التعر ُ‬ ‫ة الهل ‪ -‬صو ُ‬
‫الصبا ‪ -‬بهج ُ‬
‫ة القلب حين يرى برعما ً في الحديقة يذوي ‪-‬‬ ‫همهم ُ‬
‫الصلةُ لكي ينزل المطر الموسم ُّ‬
‫ي‪-‬‬
‫ت‬‫مراوغة القلب حين يرى طائر المو ِ‬
‫وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة‬
‫َ‬ ‫ك ُّ‬
‫ء تحطّم في نزو ٍ‬
‫ة فاجرة‬ ‫ل شي ٍ‬

‫والذي اغتالني‪ :‬ليس ربًا‪..‬‬

‫ليقتلني بمشيئته‬

‫ليس أنبل مني‪ ..‬ليقتلني بسكينته‬

‫ه الماكرة‬
‫ليس أمهر مني‪ ..‬ليقتلني باستدارت ِ ِ‬

‫ح‬
‫ل تصال ْ‬

‫فما الصلح إل معاهدةٌ بين ندَّي ْ‬


‫ن‪..‬‬

‫(في شرف القلب)‬

‫ص‬ ‫ل تُنت َ‬
‫ق ْ‬

‫ص‬
‫ضل ْ‬
‫مح ُ‬
‫والذي اغتالني َ‬

‫سرق الرض من بين عين َّ‬


‫ي‬

‫ق ضحكته الساخرة!‬
‫والصمت يطل ُ‬

‫(‪)9‬‬

‫ل تصالح‬

‫فليس سوى أن تريد‬

‫س هذا الزمان الوحيد‬


‫أنت فار ُ‬

‫وسواك‪ ..‬المسوخ!‬

‫(‪)10‬‬

‫ح‬
‫ل تصال ْ‬

‫ح‬
‫س ل تصال ْ‬

‫الزيارة‬
‫يقال لم يجئ‪..‬‬

‫وقيل‪ :‬ل ‪ ..‬بل جاء بالمس‬

‫واستقبلته في المطار بعثة الشرف‬

‫وأطلقوا عشرين طلقة‪ -‬لدى وصوله‪-‬‬

‫وطلقة‪..‬في كبد الشمس‬

‫(لذا فإن الشمس لم تشرق علينا ذلك الصباح)‬

‫‪ ..‬وقيل‪ ..‬قيل إنه بعد مجئيه انصرف!‬

‫فلم يطب له المقام‪.‬‬

‫وقيل معشوقته هى التى لم ترض بالمقام‬

‫ثارت‪ ..‬لن كلبها الثير لم يحتمل الحر‪..‬‬

‫فعافت نفسه الطعام‬

‫(أصدرت السلطات مرسوما ً بأن يكف الطقس عن حرارته!!‬

‫لذا فإن الشمس لم تشرق علينا هذا الصباح)‬

‫من منكم الذي رأى صورته تنشر في صدارة الصحف‬

‫يقال إن أذنه مقطوعة الصوان!‬

‫هل شظيه في الحرب؟!‬

‫هل خنجر لمرأة غيور؟‬

‫أم‪ ..‬شده سيده منها مؤنباً‪..‬‬

‫ما قاقتلعتها يده في الجذب؟!‬

‫وقيل إن أنفه ملتهب من الشراب‬

‫ويدمن النساء في نداوة الشباب‬

‫(فهومن الفرسان في هذا المجال‪:‬‬

‫قرر أن ينضم باسم شعبة للمم المتحده‪..‬‬


‫حين رأى موظفاتها بديعات الجمال ! )‬

‫أنّى مشى‪..‬تحوطه حاشيه من النساء‬

‫يكسفن وجه الشمس أو يخسفن القمر‬

‫(لذا فإن الشمس لم تشرق علينا هذا الصباح )‬

‫ت أصغى للذي يشيع‬


‫ظلل ُ‬

‫حتى تهدلت على أذني أقاويل الوشاة‬

‫لكنني‪...‬حين أويت في نهاية المساء‬

‫عثرت في الراديو على محطة تغدق فوقه الثناء‬

‫تقول عنه‪..‬انه لوله‪..‬ما تساقط المطر‬

‫ول تبلور الندى‪...‬ول تنفس الشجر‬

‫ول تدفأت عاصفير الشتاء‬

‫‪..‬كان المذيع لينى يقول‬

‫يصفه بأنه حامي حمى الدين المنيع‬

‫وانه ينهج في حياته نهج الرسول‬

‫ترى ‪..‬أكان صادقا ما تتناقل الشفاه ؟!؟‬

‫أم كان صدقا مايقوله المذيع؟!؟‬

‫الرض ‪ ..‬و الجرح الذي ل ينفتح‬

‫الرض ما زالت ‪ ،‬بأذنيها دم من قرطها المنزوع ‪،‬‬

‫قهقهة اللّصوص تسوق هودجها ‪ ..‬و تتركها بل زاد ‪،‬‬

‫تشدّ أصابع العطش المميت على الرمال‬

‫تضيع صرختها بحمحمة الخيول ‪.‬‬

‫الرض ملقاة على الصحراء ‪ ...‬ظامئه ‪،‬‬


‫و تلقي الدلو مّرات ‪ ..‬و تخرجه بل ماء !‬

‫و تزحف في لهيب القيظ ‪..‬‬

‫ممه المغول‬
‫تسأل س ّ‬

‫و عيونها تخبو من العياء ‪ ،‬تستسقي جذور الشوك ‪،‬‬

‫تنتظر المصير المّر ‪ ..‬يطحنها الذبول‬

‫***‬

‫من أنت يا حارس ؟‬

‫جاج ‪..‬‬
‫إنّي أنا الح ّ‬

‫عصبّني بالتاج ‪..‬‬

‫تشرينها القارس !‬

‫***‬

‫الرض تطوى في بساط " النفط " ‪،‬‬

‫تحملها السفائن نحو " قيصر " كي تكون إذا تفتّحت‬

‫اللّفائف ‪:‬‬

‫رقصة ‪ ..‬و هديّة للنار في أرض الخطاه ‪.‬‬

‫دينارها القصدير مصهور على وجناتها ‪.‬‬

‫زنّارها المحلول يسأل عن زناة الترك ‪،‬‬

‫و السيّاف يجلدها ! و ماذا ؟ بعد أن فقدت بكارتها ‪..‬‬

‫ي من ألفين من ع ّ‬
‫شاقها !‬ ‫و صارت حامل في عامها اللف ّ‬

‫ل النيل يغسل عارها القاسي ‪ ..‬و ل ماء الفرات !‬

‫حتّى لزوجة نهرها الدموي ‪،‬‬

‫و الموي يقعى في طريق النبع ‪:‬‬

‫" ‪ ..‬دون الماء رأسك يا حسين ‪" ..‬‬


‫و بعدها يتملّكون ‪ ،‬يضاجعون أرامل الشهداء ‪،‬‬

‫هروا من رجسهم ‪،‬‬


‫و ل يتوّرعون ‪ ،‬يؤذنّون الفجر ‪ ..‬لم يتط ّ‬

‫ق مات !‬
‫فالح ّ‬

‫***‬

‫هل ثبّت الثّقف ّ‬


‫ي‬

‫قناعة المهزوز ؟‬

‫فقد مضى تموز ‪..‬‬

‫ي!‬
‫بوجه العرب ّ‬

‫***‬

‫أحببت فيك المجد و الشعراء‬

‫ن الذي سرواله من عنكبوت الوهم ‪:‬‬


‫لك ّ‬

‫يمشي في مدائنك المليئة بالذباب‬

‫مق ‪،‬‬
‫يسقي القلوب عصارة الخدر المن ّ‬

‫و الطواويس التي نزعت تقاويم الحوائط ‪،‬‬

‫أوقفت ساعاتها ‪،‬‬

‫سفراء ‪..‬‬ ‫و تج ّ‬
‫شأت بموائد ال ّ‬

‫سلطان ‪..‬‬
‫تنتظر النياشين التي يسخو بها ال ّ‬

‫فوق أكابر الغواث منهم !‬

‫يا سماء ‪:‬‬

‫أك ّ‬
‫ل عام ‪ :‬نجمة عربيّة تهوى ‪..‬‬

‫و تدخل نجمة برج البرامك ! ؟‬

‫ما تزال موعظ الخصيان باسم الجالسين على الحراب ؟‬

‫ي ‪..‬‬
‫و أراك ‪ ..‬و " ابن سلول " بين المؤمنين بوجهه القزح ّ‬
‫يسري بالوقيعة فيك ‪،‬‬

‫و النصار واجمة ‪..‬‬

‫وك ّ‬
‫ل قريش واجمة ‪..‬‬

‫فمن يهديه للرأي الصواب ؟ !‬

‫***‬

‫ملثّما يخطو ‪..‬‬

‫وهته النار !‬
‫قد ش ّ‬

‫هل يصلح العطار‬

‫ما أفسد النفط ؟‬

‫***‬

‫لم يبق من شيء يقال ‪.‬‬

‫يا أرض ‪:‬‬

‫هل يلد الرجال‬

‫مقابلة خاصة مع ابن نوح‬

‫ح!‬
‫ن نو ْ‬
‫جاء طوفا ُ‬

‫غرقُ شيئاً‪ ..‬فشيئا ً‬


‫ةت ْ‬
‫المدين ُ‬

‫تفُّر العصافيُر‪,‬‬

‫والماءُ يعلو‪.‬‬

‫ت‬
‫ت البيو ِ‬
‫على دََرجا ِ‬

‫ت‪-‬‬
‫‪ -‬الحواني ِ‬

‫د‪-‬‬
‫مبْنى البري ِ‬
‫‪َ -‬‬

‫ك‪-‬‬
‫‪ -‬البنو ِ‬

‫ل (أجداِدنا الخالدين) ‪-‬‬


‫‪ -‬التماثي ِ‬
‫د‪-‬‬
‫‪ -‬المعاب ِ‬

‫مح ‪-‬‬ ‫ة ال َ‬
‫ق ْ‬ ‫ول ِ‬
‫ج ِ‬
‫‪-‬أ ْ‬

‫ة‪-‬‬
‫ت الولد ِ‬
‫‪ -‬مستشفيا ِ‬

‫ن‪-‬‬
‫سج ِ‬
‫ة ال ِّ‬
‫‪ -‬بواب ِ‬

‫ة‪-‬‬
‫ر الولي ِ‬
‫‪ -‬دا ِ‬

‫ه‪.‬‬
‫حصين ْ‬ ‫ة الثّكنا ِ‬
‫ت ال َ‬ ‫أروق ِ‬

‫العصافيُر تجلو‪..‬‬

‫رويداً‪..‬‬

‫رويدا‪..‬‬

‫ويطفو الوز على الماء‪,‬‬

‫ث‪..‬‬
‫يطفو الثا ُ‬

‫ولُعب ُ‬
‫ة طفل‪..‬‬

‫حزينه‬
‫ة أم ٍ َ‬ ‫و َ‬
‫شهق ُ‬

‫ح!‬
‫سطو ْ‬
‫وحن فوقَ ال ُ‬ ‫ال َّ‬
‫صبايا يُل ّ‬

‫ح‪.‬‬
‫ن نو ْ‬
‫جاءَ طوفا ُ‬

‫ه‬ ‫و ال َّ‬
‫سفين ْ‬ ‫ن نح َ‬
‫م "الحكماءُ" يفّرو َ‬
‫هاه ُ‬

‫ة‬
‫ن‪ -‬قاضى القضا ِ‬
‫ن‪ -‬سائس خيل المير‪ -‬المرابو َ‬
‫المغنو َ‬

‫(‪ ..‬ومملوك ُ ُ‬
‫ه!) ‪-‬‬

‫د‬
‫ة المعب ِ‬
‫ف ‪ -‬راقص ُ‬ ‫حام ُ‬
‫ل السي ُ‬

‫ستعاْر)‬
‫م ْ‬
‫ت شعَرها ال ُ‬
‫جت عندما انتشل ْ‬
‫(ابته َ‬

‫ح‪-‬‬
‫سل ِ‬
‫ت ال ّ‬ ‫ب ‪ -‬مستوردو َ‬
‫شحنا ِ‬ ‫‪ -‬جباةُ الضرائ ِ‬

‫ح!‬ ‫متِه النثوي ال َّ‬


‫صبو ْ‬ ‫ة في س ْ‬
‫ق المير ِ‬
‫عشي ُ‬

‫ح‪.‬‬
‫جاءَ طوفان نو ْ‬
‫ه‪.‬‬ ‫جبناءُ يفّرون نحو ال َّ‬
‫سفين ْ‬ ‫م ال ُ‬
‫ها ه ُ‬

‫بينما كُن ُ‬
‫ت‪..‬‬

‫ة‬
‫ب المدين ْ‬
‫ن شبا ُ‬
‫كا َ‬

‫ح‬
‫مو ْ‬
‫ج ُ‬
‫ن جوادَ المياه ال َ‬
‫يلجمو َ‬

‫مياهَ على الكَتفين‪.‬‬


‫ن ال ِ‬
‫ينقلو َ‬

‫ن‬
‫ن الزم ْ‬
‫ويستبقو َ‬

‫ة‬
‫سدود الحجار ِ‬
‫ن ُ‬
‫يبتنو َ‬
‫َ‬
‫صبا والحضاره‬
‫مهادَ ال ِّ‬ ‫عل ّهم يُنقذو َ‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن!‬ ‫عل ّهم يُنقذو َ‬
‫ن‪ ..‬الوط ْ‬

‫ل‬
‫حلو ِ‬
‫ك ‪ -‬قبل ُ‬ ‫ح بي سيدُ ال ُ‬
‫فل ِ‬ ‫‪ ..‬صا َ‬

‫ه‪:‬‬ ‫ال َّ‬


‫سكين ْ‬

‫ح!"‬
‫ه رو ْ‬
‫م تعدْ في ِ‬
‫د‪ ..‬ل ْ‬
‫ج من بل ٍ‬
‫"ان ِ‬

‫ت‪:‬‬
‫قل ُ‬

‫خبزه‪..‬‬
‫عموا ُ‬
‫طوبى لمن ط ِ‬

‫ن‬
‫ن الحس ْ‬
‫في الزما ِ‬
‫َ‬
‫وأداروا له الظّهَر‬

‫حن!‬
‫م َ‬
‫يوم ال ِ‬

‫ق ْ‬
‫فنا‬ ‫نو َ‬
‫ن الذي َ‬
‫ولنا المجدُ ‪ -‬نح ُ‬

‫نتحدى الدَّماَر‪..‬‬

‫ل ل يموت‬
‫ونأوي الى جب ٍِ‬
‫(يسمونَه ال َّ‬
‫شعب!)‬

‫نأبي الفراَر‪..‬‬

‫ح!‬
‫ونأبي النُزو ْ‬
‫ح‬
‫كان قلبي الذي نَسجتْه الجرو ْ‬

‫ح‬ ‫قلبي الذي لَعنتْه ال ُ‬


‫شرو ْ‬ ‫كان َ‬

‫يرقدُ ‪ -‬الن ‪ -‬فوقَ بقايا المدينه‬

‫ن‬
‫عط ْ‬
‫وردةً من َ‬

‫هادئاً‪..‬‬

‫ه‬ ‫بعد أن قا َ‬
‫ل "ل" للسفين ْ‬

‫‪ ..‬وأحب الوطن!‬

‫مقتل القمر‬

‫وتناقلوا النبأ الليم على بريد الشمس‬

‫في كل مدينة ‪،‬‬

‫(( ُ‬
‫قتِل القمـــر ))!‬
‫َ‬
‫شهدوه مصلوبا ً تَتَدَل ّى رأسه فوق الشجر !‬

‫نهب اللصوص قلدة الماس الثمينة من صدره!‬

‫تركوه في العواد ‪،‬‬

‫كالسطورة السوداء في عيني ضرير‬

‫ويقول جاري ‪:‬‬

‫‪ ((-‬كان قديسا ً ‪ ،‬لماذا يقتلونه ؟))‬

‫وتقول جارتنا الصبية ‪:‬‬

‫‪ (( -‬كان يعجبه غنائي في المساء‬

‫وكان يهديني قوارير العطور‬

‫فبأي ذنب يقتلونه ؟‬

‫هل شاهدوه عند نافذتي _قبيل الفجر _ يصغي للغناء!؟!؟))‬


‫‪....... ........ .....‬‬

‫وتدلت الدمعات من كل العيون‬

‫كأنها اليتام – أطفال القمر‬

‫وترحموا‪...‬‬

‫وتفرقوا‪.....‬‬

‫فكما يموت الناس‪.....‬مات !‬

‫وجلست ‪،‬‬

‫أسألة عن اليدي التي غدرت به‬

‫لكنه لم يستمع لي ‪،‬‬

‫‪ .....‬كان مات !‬

‫****‬

‫دثرته بعباءته‬

‫وسحبت جفنيه على عينيه‪...‬‬

‫حتى ليرى من فارقوه!‬

‫وخرجت من باب المدينة‬

‫للريف‪:‬‬

‫يا أبناء قريتنا أبوكم مات‬

‫قد قتلته أبناء المدينة‬

‫ذرفوا عليه دموع أخوة يوسف‬

‫وتفَّرقوا‬

‫تركوه فوق شوارع السفلت والدم والضغينة‬

‫يا أخوتي ‪ :‬هذا أبوكم مات !‬

‫‪ -‬ماذا ؟ ل‪.......‬أبونا ل يموت‬


‫‪ -‬بالمس طول الليل كان هنا‬

‫‪ -‬يقص لنا حكايته الحزينة !‬

‫ي هاتين احتضنته‬
‫‪ -‬يا أخوتي بيد ّ‬

‫أسبلت جفنيه على عينيه حتى تدفنوه !‬

‫قالوا ‪ :‬كفاك ‪ ،‬اصمت‬

‫فإنك لست تدري ما تقول !‬

‫قلت ‪ :‬الحقيقة ما أقول‬

‫قالوا ‪ :‬انتظر‬

‫لم تبق إل بضع ساعات‪...‬‬

‫ويأتي!‬

‫***‬

‫حط المساء‬

‫وأطل من فوقي القمر‬

‫ى النظر‬
‫متألق البسمات ‪ ،‬ماس ّ‬

‫‪ -‬يا إخوتي هذا أبوكم ما يزال هنا‬

‫ملْق َ‬
‫ى على أرض المدينة ؟‬ ‫فمن هو ذلك ال ُ‬

‫قالوا‪ :‬غريب‬

‫ظنه الناس القمر‬

‫قتلوه ‪ ،‬ثم بكوا عليه‬

‫ورددوا (( ُ‬
‫قتِل القمر ))‬

‫لكن أبونا ل يموت‬

‫أبدا ً أبونا ليموت !‬


‫الخيول‬

‫(‪)1‬‬

‫الفتوحات فى الرض – مكتوبة بدماء الخيول‬

‫وحدودُ الممالك‬

‫رسمتها السنابك‬

‫والركابان ‪ :‬ميزان عدل يميل مع السيف‬

‫حيث يميل‬

‫***‬

‫اركضى أو قفى الن ‪ ..‬أيتها الخي ُ‬


‫ل‪:‬‬

‫ت المغيرات صبحا‬
‫لس ِ‬

‫ول العاديات – كما قيل – ضبحا‬

‫ولخضرة فى طريقك تُمحى‬

‫ولطفل أضحى‬

‫إذا مامررت به ‪ ...‬يتن َّ‬


‫حى‬

‫وهاهى كوكبة الحرس الملكى‪..‬‬

‫تجاهد أن تبعث الروح فى جسد الذكريات‬

‫ق الطبول‬
‫بد ِ ّ‬

‫اركضى كالسلحف‬

‫نحو زوايا المتاحف‪..‬‬

‫ر فى الميادين‬
‫صيرى تماثيل من حج ٍ‬

‫ب للصغار – الرياحين‬
‫صيرى أراجيح من خش ٍ‬

‫صيرى فوارس حلوى بموسمك النبوى‬


‫ن‬ ‫ً‬
‫وللصبية الفقراء حصانا من الطي ِ‬
‫صيرى رسوما ً ‪ ...‬ووشما ً‬

‫تجف الخطوط به‬

‫مثلما ح َّ‬
‫ف – فى رئتيك – الصهيل !‬

‫(‪)2‬‬

‫ء – كالناس‬ ‫كانت الخي ُ‬


‫ل ‪ -‬فى البد ِ‬

‫ض عبر السهول‬ ‫ري َّ ً‬


‫ة تتراك ُ‬ ‫ب ِّ‬

‫ء‬ ‫كانت الخي ُ‬


‫ل كالناس فى البد ِ‬

‫تمتل ُ‬
‫ك الشمس والعشب‬

‫ت الظليل‬
‫والملكو ِ‬

‫ظهرها‪ ...‬لم يوطأ لكى يركب القادة الفاتحون‬

‫وض‬ ‫حُّر تحت سيا ِ‬


‫ط المر ِّ‬ ‫ن الجسدُ ال ُ‬
‫ولم يل ِ‬

‫م لم يمتثل للجام‬
‫والف ُ‬

‫ولم يكن ‪ ...‬الزاد بالكاد‬

‫لم تكن الساق مشكولة‬

‫والحوافر لم يك يثقلها السنبك المعدنى الصقيل‬

‫ريَّة‬ ‫كانت الخي ُ‬


‫ل ب ِّ‬

‫تتنفس بحرية‬

‫مثلما يتنفسها الناس‬

‫فى ذلك الزمن الذهبى النبيل‬

‫***‬

‫اركضى ‪ ...‬أو قفى‬

‫ع‬
‫ن يتقاط ُ‬
‫زم ٌ‬
‫ع‬
‫ت أن تذهبى فى الطريق الذى يتراج ُ‬
‫واختر ِ‬

‫تنحدُر الشمس‬

‫ينحدُر المس‬

‫تنحدر الطرق الجبلية لله َّ‬


‫وة اللنهائية‬

‫الشهب المتفحمة‬

‫ذ‬
‫الذكريات التى أشهرت شوكها كالقناف ِ‬

‫ف بشرتها‬
‫والذكريات التى سلخ الخو ُ‬

‫كل نهر يحاول أن يلمس القاع –‬

‫كل الينابيع إن لمست جدول ً من جداولها‬

‫تختفى‬

‫وهى ‪ ...‬لتكتفى‬

‫فاركضى أو قفى‬

‫ب يقودك من مستحيل إلى مستحيل !!‬


‫كل در ٍ‬

‫(‪)3‬‬

‫الخيو ُ‬
‫ل بساط على الريح‬

‫س عبر المكان‬
‫س للنا ِ‬
‫سار – على متنه – النا ُ‬

‫والخيو ُ‬
‫ل جداٌر به انقسم‬

‫الناس صنفين ‪:‬‬

‫صاروا مشاةً وركبان‬

‫والخيول التى انحدرت نحو هوة نسيانها‬

‫حملت معها جيل فرسانها‬

‫تركت خلفها ‪ :‬دمعة الندى البدى‬

‫وأشباح خيل‬
‫وأشباه فرسان‬

‫ة يسيرون‪ -‬حتى النهاية – تحت ظلل الهوان‬


‫ومشا ٍ‬

‫أركضى للقرار‬

‫واركضى أو قفى فى طريق الفرار‬

‫تتساوى محصلة الركض والرفض فى الرض‬

‫ك الن ؟ ماذا ؟‬
‫ماذا تبقى ل ِ‬

‫ب‬
‫ب من تع ٍ‬
‫ق يتصب ُ‬
‫سوى عر ٍ‬

‫ب‬
‫يستحيل دنانير من ذه ٍ‬

‫ة سللتك العربية‬
‫فى جيوب هوا ِ‬

‫ة الدائرية‬
‫فى حلبات المراهن ِ‬

‫فى نزهة المركبات السياحية المشتهاة‬

‫وفى المتعة المشتراة‬

‫ل أبى الهول‬
‫ك فى ظل ِ‬
‫وفى المرأة الجنبية تعلو ِ‬

‫( هذا الذى كسرت أنفه *** لعنة النتظار الطويل )‬

‫ب – مزولة الوقت‬
‫إستدارت – إلى الغر ِ‬

‫ة الصمت‬ ‫ل ناسا ً تسيُر إلى ه َّ‬


‫و ِ‬ ‫ت الخي ُ‬
‫صار ِ‬

‫ة الموت !!‬ ‫ل تسيُر إلى ه َّ‬


‫و ِ‬ ‫س خي ٌ‬
‫بينما النا ُ‬

‫العشاء ‪!..‬‬

‫قصدتهم في موعد العشاء‬

‫تطالعوا لي برهة ‪،‬‬

‫ولم يرد واحد منهم تحية المساء !‬

‫‪......‬وعادت اليدي تراوح الملعق الصغيرة‬

‫في طبق الحساء‬


‫‪......... ....... ........‬‬

‫نظرت في الوعـــاء ‪:‬‬

‫هتفت ‪ (( :‬ويحكم ‪....‬دمي‬

‫هذا دمي ‪.....‬فانتبهوا ))‬

‫‪........‬لم يــأبهوا !‬

‫وظلّت اليدي تراوح الملعق الصغيرة‬

‫وظلت الشفاة تلعق الدماء !‬

‫إلى صديقة دمشقية‬

‫ك قائدُ التتار‬
‫إذا سبا ِ‬

‫ت محظية‪..‬‬
‫وصر ِ‬

‫فشد شعرا منك سعار‬

‫وافتض عذرية‪..‬‬

‫واغرورقت عيونك الزرق السماوية‬

‫بدمعة كالصيف ‪ ،‬ماسية‬

‫وغبت في السوار ‪،‬‬

‫فمن ترى فتح عين الليل بابتسامة النهار؟‬

‫***‬

‫ت رغم الصمت والحصار‬


‫مازل ِ‬

‫أذكر عينيك المضيئتين من خلف الخمار‬

‫وبسمة الثغر الطفولية‪..‬‬

‫أذكر أمسياتنا القصار‬

‫ورحلة السفح الصباحية‬


‫حين التقينا نضرب الشجار‬

‫ونقذف الحجار‬

‫في مساء فسقية !‬

‫****‬

‫ت – ونحن نسدل الستار‬


‫قل ِ‬

‫في شرفة البيت المامية‪:‬‬

‫لتبتعد عني‬

‫انظْر إلى عيني‬

‫ة من أدمع الحزن؟‬
‫هل تستحق دمع ً‬

‫ك‪ ،‬فالمباخر الشآمية‬


‫ولم أجب ِ‬

‫والحب والتذكار‬

‫طغت على لحني‬

‫لم تبق مني وهم ‪ ،‬أغنية !‬

‫ت ‪ ،‬والصمت العميق تدقه المطار‬


‫وقل ُ‬

‫على الشوارع الجليدية‪:‬‬

‫ت إليك‪..‬بعد طول التيه في البحار‬


‫عد ُ‬

‫أدفن حزني في عبير الخصلت الكستنائية‬

‫أسير في جناتك الخضر الربيعية‬

‫أب ٌ‬
‫ل ريق الشوق من غدرانها ‪،‬‬

‫أغسل عن وجهي الغبار!!‬

‫ت عنك قائد التتار‬


‫نافح ُ‬

‫ت في جواده‪..‬مدية‬
‫رشق ُ‬

‫ك الخطار‬
‫س ِ‬
‫لكنني خشيت أن تَم ّ‬
‫حين استحالت في الدجى الرؤية‬

‫لذا استطاع في سحابة الغبار‬

‫ان يخطف العذراء‪....‬تاركا على يدي الزرار‬

‫كالوهم ‪ ،‬كالفريه !‬

‫‪......... ............ ..........‬‬

‫(‪......‬ما بالنا نستذكر الماضي ‪ ،‬دعي الظفار‪...‬‬

‫ل تنبش الموتى ‪ ،‬تعرى حرمة السرار‪).....‬‬

‫****‬

‫يا كم تمنت زمرة الشرار‬

‫لو مزقوا تنورة في الخصر‪...‬بُنيّة‬

‫لو علموك العزف في القيثار‬

‫لتطربيهم كل امسية‬

‫حتى إذا انفضت أغنياتك الدمشقية‬

‫تناهبوك ؛ القادة القزام‪..‬والنصار‬

‫ثم رموك للجنود النكشارية‬

‫يقضون من شبابك الوطار‬

‫****‬

‫الن‪...‬مهما يقرع العصار‬

‫نوافذ البيت الزجاجية ‪،‬‬

‫لن ينطفي في الموقد المكدود رقص النار‬

‫تستدفئ اليدى على وهج العناق الحار‬

‫كي تولد الشمس التي نختار‬

‫في وحشة الليل الشتائية!‬


‫مزامير‬

‫ول‬
‫المزمور ال ّ‬

‫أعشق أسكندريّة ‪،‬‬

‫واسكنريّة تعشق رائحة البحر ‪،‬‬

‫و البحر يعشق فاتنة في الضفاف البعيدة !‬

‫***‬

‫ل أمسية ؛ تتسلّل من جانبي‬


‫ك ّ‬

‫تتجّرد من ك ّ‬
‫ل أثوابها‬

‫و تح ّ‬
‫ل غدائرها‬

‫م تخرج عارية في الشوارع تحت المطر !‬


‫ث ّ‬

‫هد و الزرقة‬
‫فإذا اقتربت من سرير التن ّ‬

‫انطرحت في ملءاته الرغويّة ؛‬

‫و انفتحت ‪ ..‬تنتظر !‬

‫و تظ ّ‬
‫ل إلى الفجر ‪..‬‬

‫ممدودة – كالنداء‬

‫و مشدودة – كالوتر‬
‫‪... ... ...‬‬
‫ل ‪ ..‬وحيدة !!‬‫و تظ ّ‬

‫المزمور الثاني‬

‫قلت لها في اللّيلة الماطرة‬

‫البحر عنكبوت‬

‫و أنت – في شراكه – فراشة تموت‬

‫و انتفضت كالقطّة النافره‬


‫و انتصبت في خفقان الريح و المواج‬

‫( ثديان من زجاج‬

‫و جسد من عاج )‬

‫و انفلتت مبحرة في رحلة المجهول ‪ ،‬فوق الّزبد المهتاج‬

‫ناديت ‪ ..‬ما ردّت !‬

‫صرخت ‪ ..‬ما ارتدّت !‬

‫وظ ّ‬
‫ل صوتي يتلشى ‪ ..‬في تلشيها ‪..‬‬

‫وراء الموجة الكاسرة )‬

‫‪.... .... ...‬‬

‫( خاسرة ‪ ،‬خاسرة‬

‫إن تنظري في الغريمة الساحرة‬

‫أو ترفعي عينيك نحو الماسة التي تزيّن التاج ! )‬

‫المزمور الثالث‬

‫لفظ البحر أعضاءها في صباح أليم‬

‫فرأيت الكلوم‬

‫ورأيت أظافرها الدمويّة‬

‫وى على خصلة " ذهبيّة "‬


‫تتل ّ‬

‫فحشوت جراحاتها بالرمال ‪،‬‬

‫و أدفأتها بنبيذ الكروم ‪.‬‬

‫‪.... ... ... ...‬‬

‫و تعيش معي الن !‬

‫ما بيننا حائط من وجوم‬

‫بيننا نسمات " الغريم "‬


‫ك ّ‬
‫ل أمسية ‪..‬‬

‫تتسلّل في ساعة المد ‪ ،‬في الساعة القمريّة‬

‫تستريح على صخرة البديّة‬

‫مع سخرية الموج من تحت أقدامها‬


‫تتس ّ‬

‫و صفير البواخر ‪ ..‬راحلة في السواد الفحميم‬

‫تتصاعد من شفتيها المملّحتين رياح السموم‬

‫تتساقط أدمعها في سهوم‬

‫و النجوم‬

‫( الغريقة في القاع )‬

‫تصعد ‪ ...‬واحدة ‪ ..‬بعد أخرى ‪..‬‬

‫فتلقطها‬

‫و تعدّ النجوم‬

‫في انتظار الحبيب القديم !‬

‫الطيور‬

‫مشردةٌ في ال َّ‬
‫سموات‪,‬‬ ‫الطيوُر ُ‬
‫َّ‬
‫ض‪,‬‬
‫س لها أن تحط على الر ِ‬
‫لي َ‬

‫ت الّرياح!‬ ‫س لها غيَر أن تتقاذ َ‬


‫فها فلوا ُ‬ ‫لي َ‬

‫ربما تتنز ُ‬
‫ل‪..‬‬

‫ق‪..‬‬
‫ح دقائ َ‬
‫كي تَستري َ‬

‫ل‪-‬‬
‫ل ‪ -‬التماثي ِ‬
‫ل ‪ -‬النجي ِ‬
‫فوق النخي ِ‬

‫ة الكهرباء ‪-‬‬
‫مد ِ‬
‫أع ِ‬

‫ك والمشربيَّا ِ‬
‫ت‬ ‫ف الشبابي ِ‬
‫حوا ِ‬
‫ح الخَرسانية‪.‬‬ ‫َ‬
‫سط ِ‬
‫وال ْ‬

‫ب تنهيدةً‪,‬‬ ‫(اهدأ‪ ,‬ليلتق َ‬


‫ط القل ُ‬

‫ب تغريدةً‬
‫م العذ ُ‬
‫والف ُ‬

‫ط الرزق‪)..‬‬
‫والق ِ‬

‫ع‪..‬‬
‫ن ما تتفّز ُ‬
‫سرعا َ‬
‫ُ‬

‫جل‪,‬‬
‫ر ْ‬
‫ة ال ّ ِ‬
‫من نقل ِ‬

‫ة الطّف ِ‬
‫ل‪,‬‬ ‫من نبل ِ‬
‫ة الظ ُّ‬
‫ل عبَر الحوائط‪,‬‬ ‫من ميل ِ‬

‫حصوات ال َّ‬
‫صياح!)‬ ‫من َ‬

‫***‬

‫الطيوُر معلّق ٌ‬
‫ة في السموات‬

‫ي‪ :‬للريح‬ ‫ت ال َ‬
‫فضائ ِ ّ‬ ‫عنكبو ِ‬
‫ة ال َ‬
‫ما بين أنسج ِ‬

‫ة‬
‫مضيئ ِ‬
‫سهام ال ُ‬
‫ة في امتداِد ال ِّ‬
‫مرشوق ٌ‬

‫للشمس‪,‬‬

‫ف‪..‬‬
‫(رفر ْ‬

‫مك ‪-‬‬
‫س أما َ‬
‫فلي َ‬

‫ن‪ :‬صاحون ‪-‬‬


‫ن والمستباحو َ‬
‫والبشُر المستبيحو َ‬

‫ليس أمامك غيُر الفراْر‪..‬‬

‫الفرار الذي يتجدّد‪ .‬ك ُ َّ‬


‫ل صباح!)‬ ‫ُ‬

‫(‪)2‬‬

‫والطيوُر التي أقعدتْها مخالَط ُ‬


‫ة الناس‪,‬‬

‫رها‪..‬‬
‫س ِ‬ ‫ش َ‬
‫فوقَ منا ِ‬ ‫عي ِ‬
‫ة ال َ‬
‫ت طمأنين ُ‬
‫مر ْ‬

‫ت‪,‬‬
‫خ ْ‬
‫فانت َ‬
‫ت‪,‬‬
‫خ ْ‬
‫وبأعينِها‪ ..‬فارت َ‬
‫َ‬
‫ل الطّعام ِ المتا ْ‬
‫ح‬ ‫ىء حو َ‬ ‫ت أن تُقأ َ‬
‫ق َ‬ ‫وارتض ْ‬

‫ذَبح‪,‬‬
‫ة ال ّ‬
‫سكين ِ‬
‫ها‪ ..‬غيُر َ‬
‫ما الذي يَتَبقي ل َ‬

‫ر النهايه‪.‬‬
‫غيُر انتظا ِ‬

‫ة القمح‬
‫ة‪ ..‬واهب َ‬
‫إن اليدَ الدمي َ‬

‫سلح!‬ ‫ف تَس ُّ‬


‫ن ال ِّ‬ ‫ف كي َ‬
‫تعر ُ‬

‫(‪)3‬‬

‫الطيوُر‪ ..‬الطيوْر‬

‫ط الخيْر!‬ ‫جثمانَها‪ ..‬في ال ُّ‬


‫سقو ِ‬ ‫ض ُ‬
‫تحتوي الر ُ‬
‫ُ‬
‫والطّيُوُر التي ل تَطيْر‪..‬‬

‫ش‪ ,‬واستَسلَم ْ‬
‫ت‬ ‫ت الري َ‬
‫طو ِ‬

‫ت‬
‫هل تُرى علِم ْ‬

‫ح قصيٌر‪ ..‬قصيْر?!‬
‫عمَر الجنَا ِ‬
‫أن ُ‬

‫حياة‬
‫ح َ‬
‫الجنا ُ‬

‫ح َردى‪.‬‬
‫والجنا ُ‬

‫ح نجاة‪.‬‬
‫والجنا ُ‬

‫سدى!‬
‫ح‪ُ ..‬‬
‫والجنا ُ‬

‫الجنوبي‬

‫صورة‬

‫هل أنا كنت طفل ً‬

‫أم أن الذي كان طفل ً سواي‬

‫هذه الصورة العائلية‬


‫كان أبي جالساً‪ ،‬وأنا واق ُ‬
‫ف ‪ ..‬تتدلى يداي‬

‫رفسة من فرس‬
‫َ‬
‫تركت في جبيني شجاً‪ ،‬وعل ّمت القلب أن يحترس‬

‫أتذكر‬

‫سال دمي‬

‫أتذكر‬

‫مات أبي نازفا ً‬

‫أتذكر‬

‫هذا الطريق إلى قبره‬

‫أتذكر‬

‫أختي الصغيرة ذات الربيعين‬

‫ل أتذكر حتى الطريق إلى قبرها‬

‫المنطمس‬

‫أو كان الصبي الصغير أنا ؟‬

‫أن ترى كان غيري ؟‬

‫أحدق‬

‫لكن تلك الملمح ذات العذوبة‬

‫ل تنتمي الن لي‬

‫و العيون التي تترقرق بالطيبة‬

‫الن ل تنتمي لي‬

‫ت عني غريبا ً‬
‫صر ُ‬

‫ولم يتبق من السنوات الغربية‬

‫ال صدى اسمي‬


‫وأسماء من أتذكرهم ‪-‬فجأة‪-‬‬

‫بين أعمدة النعي‬

‫أولئك الغامضون ‪ :‬رفاق صباي‬

‫يقبلون من الصمت وجها فوجها فيجتمع الشمل كل صباح‬

‫لكي نأتنس‪.‬‬

‫وجه‬

‫كان يسكن قلبي‬

‫وأسكن غرفته‬

‫نتقاسم نصف السرير‬

‫ونصف الرغيف‬

‫ونصف اللفافة‬

‫والكتب المستعارة‬

‫هجرته حبيبته في الصباح فمزق شريانه في المساء‬

‫ولكنه يعد يومين مزق صورتها‬

‫واندهش‪.‬‬

‫خاض حربين بين جنود المظلت‬

‫لم ينخدش‬

‫واستراح من الحرب‬

‫عاد ليسكن بيتا ً جديدا ً‬

‫ويكسب قوتا ً جديدا‬

‫يدخن علبة تبغ بكاملها‬

‫ويجادل أصحابه حول أبخرة الشاي‬

‫لكنه ل يطيل الزيارة‬


‫عندما احتقنت لوزتاه‪ ،‬استشار الطبيب‬

‫وفي غرفة العمليات‬

‫لم يصطحب أحدا ً غير خف‬

‫وأنبوبة لقياس الحرارة‪.‬‬

‫فجأة مات !‬

‫لم يحتمل قلبه سريان المخدر‬

‫وانسحبت من على وجهه سنوات العذابات‬

‫عاد كما كان طفل ً‬

‫سيشاركني في سريري‬

‫وفي كسرة الخبز‪ ،‬والتبغ‬

‫لكنه ل يشاركني ‪ ..‬في المرارة‪.‬‬

‫وجه‬

‫ومن أقاصي الجنوب أتى‪،‬‬

‫عامل ً للبناء‬

‫كان يصعد "سقالة" ويغني لهذا الفضاء‬

‫كنت أجلس خارج مقهى قريب‬

‫وبالعين الشاردة‬

‫كنت أقرأ نصف الصحيفة‬

‫والنص أخفي به وسخ المائدة‬

‫لم أجد غير عينين ل تبصران‬

‫وخيط الدماء‪.‬‬

‫وانحنيت عليه أجس يده‬

‫قال آخر ‪ :‬ل فائدة‬


‫صار نصف الصحيفة كل الغطاء‬

‫و أنا ‪ ...‬في العراء‬

‫وجه‬

‫ليس أسماء تعرف أن أباها صعد‬

‫لم يمت‬

‫هل يموت الذي كان يحيا‬

‫كأن الحياة أبد‬

‫وكأن الشراب نفد‬

‫و كأن البنات الجميلت يمشين فوق الزبد‬

‫عاش منتصباً‪ ،‬بينما‬

‫ينحني القلب يبحث عما فقد‪.‬‬

‫ليت "أسماء"‬

‫تعرف أن أباها الذي‬

‫حفظ الحب والصدقاء تصاويره‬

‫وهو يضحك‬

‫وهو يفكر‬

‫وهو يفتش عما يقيم الود ‪.‬‬

‫ليت "أسماء" تعرف أن البنات الجميلت‬

‫خبأنه بين أوراقهن‬

‫وعلمنه أن يسير‬

‫ول يلتقي بأحد ‪.‬‬

‫مرآة‬

‫‪-‬هل تريد قليل ً من البحر ؟‬


‫‪-‬إن الجنوبي ل يطمئن إلى اثنين يا سيدي‬

‫البحر و المرأة الكاذبة‪.‬‬

‫‪-‬سوف آتيك بالرمل منه‬

‫وتلشى به الظل شيئا ً فشيئا ً‬

‫فلم أستبنه‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪-‬هل تريد قليل ً من الخمر؟‬

‫‪-‬إن الجنوبي يا سيدي يتهيب شيئين ‪:‬‬

‫قنينة الخمر و اللة الحاسبة‪.‬‬

‫‪-‬سوف آتيك بالثلج منه‬

‫وتلشى به الظل شيئا ً فشيئا ً‬

‫فلم أستبنه‬

‫بعدما لم أجد صاحبي‬

‫لم يعد واحد منهما لي بشيئ‬

‫‪-‬هل نريد قليل ً من الصبر ؟‬

‫‪-‬ل ‪..‬‬

‫فالجنوبي يا سيدي يشتهي أن يكون الذي لم يكنه‬

‫يشتهي أن يلقي اثنتين‪:‬‬

‫الحقيقة و الوجه الغائبة‪.‬‬

‫فى انتظار السيف‬

‫سرة‪:‬‬
‫وردة فى عروة ال ّ‬

‫ماذا تلدين الن ؟‬

‫طفل ‪ ..‬أم جريمة ؟‬


‫وابة القدس ؟‬
‫أم تنوحين على ب ّ‬

‫عادت الخيل من المشرق‪،‬‬

‫عاد (الحسن العصم ) والموت المغير‬

‫ى ‪ ،‬وبالوجه اللصوصى ‪،‬‬


‫بالرداء الرجوان ّ‬

‫وبالسيف الجير‬

‫فانظرى تمثاله الواقف فى الميدان ‪..‬‬

‫(يهتّز مع الريح ‪)!.‬‬

‫انظرى من فرجة الشبّاك ‪:‬‬

‫أيدى صبية مقطوعة ‪..‬‬

‫سنان‬
‫مرفوعة ‪ ..‬فوق ال ّ‬

‫(‪..‬مردفا زوجته الحبلى على ظهر الحصان)‬

‫أنظرى خيط الدم القانى على الرض‬

‫((هنا مّر ‪ ..‬هنا ))‬

‫فانفقأت تحت خطى الجند ‪...‬‬

‫عيون الماء ‪،‬‬

‫واستلقت على التربة ‪ ..‬قامات السنابل ‪.‬‬

‫ثم‪..‬ها نحن جياع الرض نصطف ‪..‬‬

‫لكى يلقى لنا عهد المان ‪.‬‬

‫ينقش السكة باسم الملك الغالب ‪،‬‬

‫يلقى خطبة الجمعة باسم الملك الغالب ‪،‬‬

‫يرقى منبر المسجد ‪..‬‬

‫بالسيف الذى يبقر أحشاء الحوامل ‪.‬‬

‫***‬
‫تلدين الن من يحبو‪..‬‬

‫فل تسنده اليدى ‪،‬‬

‫ومن يمشى ‪ ..‬فل يرفع عينيه الى الناس ‪،‬‬

‫خاس ‪:‬‬
‫ومن يخطفه الن ّ‬

‫قد يصبح مملوكا يلطون به فى القصر‪،‬‬

‫يلقون به فى ساحة الحرب ‪..‬‬

‫لقاء النصر ‪،‬‬

‫هذا قدر المهزوم ‪:‬‬

‫ل أرض ‪ ..‬ول مال ‪.‬‬

‫ول بيت يردّ الباب فيه ‪..‬‬

‫دون أن يطرقه جاب ‪..‬‬

‫وجندى رأى زوجته الحسناء فى البيت المقابل)‬

‫متك الولى العظيمة‬


‫أنظرى أ ّ‬

‫أصبحت ‪ :‬شرذمة من جثث القتلى ‪،‬‬

‫حادين يستجدون عطف السيف‬


‫وش ّ‬

‫والمال الذى ينثره الغازى ‪..‬‬

‫فيهوي ما تبقى من رجال ‪..‬‬

‫وأرومة ‪.‬‬

‫أنظرى ‪..‬‬

‫ل تفزعى من جرعة الخزى‪،‬‬

‫أنظرى ‪..‬‬

‫حتى تقيه ما بأحشائك ‪..‬‬

‫من دفء المومة ‪.‬‬


‫***‬

‫تقفز السواق يومين ‪..‬‬

‫وتعتاد على ((النقد)) الجديد‬

‫تشتكى الضلع يومين ‪..‬‬

‫وتعتاد على الصوت الجديد‬

‫وأنا منتظر ‪ ..‬جنب فراشك‬

‫مى ارتعاشك_‬
‫جالس أرقب فى ح ّ‬

‫صرخة الطفل الذى يفتح عينيه ‪..‬‬

‫على مرأى الجنود! (يوليو ‪)1970‬‬

‫سفر أ مل د نقل‬

‫(الصحاح الول)‬

‫ن ما سيكُو ْ‬
‫ن!‬ ‫ن‪ :‬ما كا َ‬ ‫ت ترح ُ‬
‫ل فوق قضيبي ِ‬ ‫قطارا ُ‬
‫ال ِ‬

‫ه‪,‬‬
‫ت قهوت َ ُ‬
‫ع المو ُ‬
‫والسماءُ‪ :‬رمادٌ;‪ ..‬به صن َ‬

‫ت‪,‬‬
‫قه الكائنا ُ‬ ‫ثم ذَراه كي تَتَن َ َّ‬
‫ش َ‬ ‫ّ‬

‫ن والفئِده‪.‬‬ ‫ن ال َّ‬ ‫س ّ‬
‫شرايي ِ‬ ‫ل بي َ‬ ‫فين َ‬

‫فُّر‪:‬‬
‫ء ‪ -‬خلل الّزجاج ‪ -‬ي َ ِ‬ ‫ك ُّ‬
‫ل شي ٍ‬

‫ة ال َّ‬
‫ء‪,‬‬
‫ضو ِ‬ ‫رذاذُ الغبا ِ‬
‫ر على بُقع ِ‬

‫ح‪,‬‬
‫ري ِ‬
‫ة ال ّ ِ‬
‫أغني ُ‬

‫ر‪,‬‬ ‫َ‬
‫قنْطرةُ النه ِ‬

‫مدهْ‪.‬‬
‫ر والع ِ‬
‫عصافي ِ‬
‫ب ال َ‬
‫سر ُ‬
‫ِ‬

‫فُّر‪,‬‬
‫ءي ِ‬ ‫ك ُّ‬
‫ل شي ٍ‬

‫سكُه اليدُ‪,‬‬
‫فل الماءُ تُم ِ‬

‫ن‪.‬‬
‫عيو ْ‬
‫ت ال ُ‬
‫شرفا ِ‬ ‫حل ْم ل يتب َّ‬
‫قى على ُ‬ ‫وال ُ ُ‬
‫***‬

‫ن‪..‬‬ ‫ت تَرح ُ‬
‫ل‪ ,‬والراحلو ْ‬ ‫والقطارا ُ‬

‫ن‪ ..‬ول يَصلُو ْ‬


‫ن!‬ ‫صلُو َ‬
‫يَ ِ‬

‫(الصحاح الثاني)‬

‫سنترال‪:‬‬

‫ت‬
‫ط للفتيا ِ‬
‫أع ِ‬

‫ة‪-‬‬
‫ة البارد ِ‬
‫ن الى جانب الل ِ‬
‫م َ‬
‫‪ -‬اللواتي يَن َ ْ‬

‫ت الخيا ْ‬
‫ل)‬ ‫(شاردا ِ‬

‫س‪..‬‬
‫عْر ِ‬
‫ت; حتى أجيءَ الى ال ُ‬
‫م المو ِ‬
‫رقمي; رق َ‬

‫حدهْ!‬
‫ة الوا ِ‬
‫ذي الليل ِ‬

‫أَعطِه للرجا ْ‬
‫ل‪..‬‬

‫ن‬
‫ح‪ ,‬ويرتحلو َ‬ ‫حبيباتهم في ال َّ‬
‫صبا ِ‬ ‫عندما يلث ُ ُ‬
‫مون َ‬ ‫ِ‬

‫قتا ْ‬
‫ل!!‬ ‫ت ال ِ‬
‫جبَها ِ‬
‫الى َ‬

‫(الصحاح الثالث)‬

‫ب تَنْمو‪.‬‬ ‫ة ال َ‬
‫قل ِ‬ ‫هوٌر; على حا َ‬
‫ف ِ‬ ‫ال ُ‬
‫شهوُر‪ُ :‬ز ُ‬

‫مطفأهْ‪.‬‬ ‫عيون ال َّ‬


‫شتائي َّ ِ‬ ‫قها ال َّ‬
‫وتُحر ُ‬
‫ة ال ُ‬ ‫ت ال ُ‬
‫س ذا ُ‬
‫شم ُ‬

‫***‬

‫زهرةٌ في إناءْ‬

‫ك‪..‬‬
‫ب ‪ -‬بيني وبين َ ِ‬
‫ل الح ِّ‬ ‫ج ‪ -‬في أ َّ‬
‫و ِ‬ ‫تتو َّ‬
‫ه ُ‬

‫ح طفلً‪ ..‬وأرجوح ً‬
‫ة‪ ..‬وامرأة‪.‬‬ ‫تُصب ُ‬

‫رداء‬
‫زهرةً في ال ّ ِ‬

‫حياءْ‬
‫قها في َ‬ ‫فت َّ ُ‬
‫ح أورا ُ‬ ‫تَت َ َ‬

‫ة الهاِدئه‪.‬‬ ‫خاضُّر في الم ْ‬


‫شي ِ‬ ‫عندما نَت َ َ‬
‫غناء‬
‫زهرةُ من ِ‬

‫ك‬ ‫تَتَوَّردُ فوق كَمنجا ِ‬


‫ت صوت ِ‬

‫فئه‪.‬‬
‫ة الدا ِ‬ ‫ك ال ُ‬
‫قبل ُ‬ ‫حين تفاجئ ِ‬

‫زهرةٌ من بُكاء‬

‫ة‪,‬‬
‫ر الصغير ِ‬ ‫ت ال ّ ِ‬
‫شجا ِ‬ ‫ك ‪ -‬في لحظا ِ‬
‫ة عيني ِ‬
‫شجير ِ‬ ‫تتج َّ‬
‫مدُ ‪ -‬فوقَ ُ‬

‫أشواكُها‪ :‬الحز ُ‬
‫ن‪ ..‬والكِبرياءْ‪.‬‬

‫ر صغيـْر‬
‫زهرةٌ فوق قب ٍ‬

‫ك‪..‬‬
‫ع نحو ِ‬
‫تنحني; وأنا أتحاشى التطل َ‬

‫ع الَخيْر‪.‬‬
‫في لحظات الودَا ِ‬
‫تَتَعَّرى; وتلت ُّ‬
‫ت جاءْ‪.‬‬ ‫ل ‪ -‬إذا ال َّ‬
‫صم ُ‬ ‫ل لي ٍ‬ ‫ف بالدَّم ِ‬
‫ع ‪ -‬في ك ِّ‬

‫ساء‬
‫ر الم َ‬
‫عدْ غيُرها‪ ..‬من زهو ِ‬
‫لم ي َ ُ‬

‫هذه الزهرةُ ‪ -‬اللؤلؤه!‬

‫(الصحاح الرابع)‬

‫ت‬ ‫تحب ُ‬
‫ل الفتيا ْ‬

‫مه َّ‬
‫ن الى العائله‪.‬‬ ‫في زيارات أعما ِ‬
‫َ‬
‫سل ّم "الحا ِ‬
‫فله"‬ ‫م على ُ‬ ‫ه َّ‬
‫ن الزحا ُ‬ ‫ض ُ‬
‫ه ُ‬
‫ج ِ‬
‫ثم‪ ..‬ي ُ ْ‬

‫وترام ال َّ‬
‫ضجيج!‬

‫***‬

‫ت‬ ‫ب ال َّ‬
‫سيدا ْ‬ ‫تذه ُ‬

‫دة الشامله!‬
‫ح َ‬ ‫م َّ‬
‫ن بالو ْ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن أسنانَه َّ‬
‫ن َ‬
‫في ُ ْ‬ ‫ج َ‬
‫عال ْ‬
‫لي ُ َ‬

‫ن "الخليج"!‬
‫ن الهوى بلِسا ِ‬ ‫وي ُ ِ‬
‫جدْ َ‬

‫***‬

‫عل َ ِ‬
‫ب العازله‬ ‫صيدليَّات وال ُ‬
‫يا أبانا الذي صاَر في ال َّ‬
‫ه"‬
‫د "القابِل ْ‬
‫جنا من ي ِ‬
‫ن ّ‬

‫ب‬
‫عربات وثيا ِ‬
‫ة ال َ‬
‫ح َ‬ ‫س‪-‬ت ّ‬
‫فا َ‬ ‫َ‬
‫ضم ‪ -‬في جن ّة البؤ ِ‬
‫نَجنّا‪ ..‬حين نق ُ‬
‫ج!!‬
‫خرو ْ‬‫ال ُ‬

‫(الصحاح الخامس)‬

‫جنودْ‪.‬‬
‫ف ال ُ‬
‫صفو َ‬
‫ن ُ‬
‫صرخين‪ ..‬وتخترقي َ‬
‫ت ْ‬

‫ة‪..,‬‬
‫ت الخير ِ‬
‫ق في اللحظا ِ‬
‫نتعان ُ‬

‫مقصل َ ْ‬
‫ه‪.‬‬ ‫ة‪ ..‬من سلّم ال ِ‬
‫ت الخير ِ‬
‫في الدرجا ِ‬

‫ك!‬
‫ه ِ‬
‫س وج َ‬ ‫أتح َّ‬
‫س ُ‬

‫ة?)‬
‫ي الرمل ْ‬
‫م َ‬
‫ة أم أ ِّ‬
‫ي المستحيل ُ‬
‫(هل أنت طِفلت َ‬

‫ك!‬
‫ه ِ‬
‫س وج َ‬
‫أتحس ُ‬

‫مأ ُ‬
‫ك أعمى;‪.‬‬ ‫(ل ْ‬

‫مل َ ِ ّ‬
‫ف اعترافي‬ ‫ولكنَّهم أرف ُ‬
‫قوا مقلتي ويدي ب َ‬

‫لتنظَره السلُطا ُ‬
‫ت‪..‬‬

‫ة‪..‬‬
‫ة‪ ..‬كلم ً‬
‫ه كلم ً‬
‫ي راجعت ُ‬
‫ف أن ِّ َ‬
‫فتعر َ‬

‫ه بيدي‪..‬‬ ‫ثم و َّ‬


‫قعت ُ ُ‬ ‫َ‬

‫ت!‬
‫ة تنتهي بي الى المو ِ‬
‫ق لي جمل ً‬
‫ق ُ‬ ‫‪ -‬ربما د َّ‬
‫س هذا المح ِّ‬

‫ي بعدَ‬ ‫ي يد َّ‬
‫ي وعين َّ‬ ‫م وعدوا أن يُعيدوا ال َّ‬
‫لكنه ْ‬

‫ه!)‬
‫انتهاِء المحاكمة العاِدل ْ‬

‫ه‬
‫ت ل ينتهي يا ابنتي الثاكل ْ‬
‫ن المو ِ‬
‫زم ُ‬

‫ه‬
‫ن الزلزل ْ‬ ‫ل من نبَّأ النا َ‬
‫س عن زم ِ‬ ‫ت أ َّ‬
‫و َ‬ ‫وأنا لس ُ‬

‫ق‪..‬‬ ‫ل من قال في ال ُّ‬


‫سو ِ‬ ‫ت أ َّ‬
‫و َ‬ ‫وأنا لس ُ‬

‫ه!‪.‬‬
‫ن القنبل ْ‬
‫ش ‪ -‬تحتض ُ‬
‫ع ِّ‬
‫ة ‪ -‬في ال ُ‬
‫إن الحمام َ‬

‫ري الى شفتيك‪,‬‬


‫ل س ِّ‬ ‫َ‬
‫قبّلبيني;‪ ..‬لنق َ‬
‫لنقل شوقي الوحيد‬

‫لك‪ ,‬للسنبله‪,‬‬

‫ه‬
‫م في السنة المقبل ْ‬
‫للُزهور التي تَتَبْرع ُ‬

‫قبّليني‪ ..‬ول تدْمعي‪..‬‬

‫ع تَحجبني عن عيونِك‪..‬‬
‫ب الدم ِ‬
‫ح ُ‬
‫س ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫مثقله‬ ‫في هذه الل ّحظ ِ‬
‫ة ال ُ‬

‫ت بيننا ال ُّ‬
‫ستُُر الفا ِ‬
‫صله‬ ‫كثُر ْ‬

‫ستارا ً جديدْ!‬
‫ل تُضيفي إليها ِ‬

‫(الصحاح السادس)‬

‫ه‪.‬‬
‫س في هذه الزاوي ْ‬
‫كان يجل ُ‬

‫ه‬
‫ب‪ ,‬والمرأةُ العاري ْ‬
‫كان يكت ُ‬
‫َ‬
‫ض فتنتَها بالث ّم ْ‬
‫ن‪.‬‬ ‫د; تعر ُ‬ ‫تتج َّ‬
‫ول بين الموائ ِ ِ‬

‫ب;‬
‫حر ِ‬ ‫عندما سألَتْه َ‬
‫عن ال َ‬

‫قال لها‪..‬‬

‫ه‬
‫ة الغالي ْ‬
‫ل تخافي على الثرو ِ‬

‫ن‬ ‫عد ُّ‬


‫و الوط ْ‬ ‫ف َ‬

‫ن‬ ‫مثلُنا‪ ..‬ي ْ‬


‫ختت ْ‬

‫ه‪,‬‬ ‫سل َ َ‬
‫ع الجنبي َّ ْ‬ ‫ق ال ّ‬
‫مثلنا‪ ..‬يعش ُ‬

‫ر‪,‬‬
‫م الخنازي ِ‬
‫يكره لح َ‬

‫ه!‬ ‫ع للبندقي َّ ِ‬
‫ة‪ ..‬والغاني ْ‬ ‫يدف ُ‬

‫ت!‬
‫‪ ..‬فبك ْ‬

‫ه‪.‬‬
‫س في هذه الّزاوي ْ‬
‫كان يجل ُ‬

‫عندما مَّرت المرأةُ العاري ْ‬


‫ه‬
‫ت له إنها لن تُطيل ال ُ‬
‫قعودْ‬ ‫ودعاها; فقال ْ‬

‫جنودْ‬
‫ت ال ُ‬
‫مستشفيا ِ‬
‫ش ُ‬ ‫ح تُ َ‬
‫فت ّ ُ‬ ‫فهي منذُ الصبا ِ‬

‫ه‬ ‫عن أخيها المحاصر في الض َّ‬


‫ة الثاني ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ِ‬

‫ض‪ ..‬لكنَّه ل يعودْ!)‬


‫ت الر ُ‬
‫(عاد ِ‬

‫ه‬
‫ه القاسي ْ‬ ‫ت كَيف تحتم ُ‬
‫ل العبءَ طِيلة غربت ِ‬ ‫وحك َ ْ‬

‫ه‬
‫سها الضافي ْ‬
‫س ‪ -‬حين يجيءُ ‪ -‬ملب َ‬
‫ف تلب ُ‬
‫ت كي َ‬
‫وحك ْ‬

‫ت عيد‬
‫ه‪ ..‬ذا َ‬
‫ه صورةً بين أطفال ِ ِ‬
‫هل ُ‬
‫وأَرت ْ ُ‬

‫‪ ..‬وبكت!!‬

‫(الصحاح السابع)‬

‫ن أني وحيدٌ;‪..‬‬
‫أشعر ال َ‬

‫ل‪..‬‬
‫ة في اللي ِ‬
‫وأن المدين َ‬

‫هقه)‬ ‫حها وبناياتِها ال َّ‬


‫شا ِ‬ ‫(أشبا َ‬

‫ن غارقه‬
‫سف ٌ‬
‫ُ‬

‫ن‪.‬‬ ‫ع‪ ..‬منذُ ِ‬


‫سني ْ‬ ‫ت ثم رمتْها الى القا ِ‬
‫ة المو ِ‬
‫نهبتْها قراصن ُ‬

‫س ربَّانُها فوقَ حافتِها‪,‬‬


‫أسندَ الرأ َ‬

‫ه;‬ ‫محطّم ٌ‬
‫ة تحت أقدام ِ‬ ‫ر ُ‬
‫ة خم ٍ‬
‫وزجاج ُ‬

‫وبقايا وسام ٍ ثمين‪.‬‬

‫وقه‬ ‫َ‬ ‫ة ال َّ‬ ‫شبَّث ب َّ‬


‫وت َ‬
‫ت في الر ِ‬
‫صم ِ‬ ‫س فيها بأعمد ِ‬
‫حارةُ الم ِ‬

‫ن‪.‬‬ ‫يتسلَّل من بين أسمالِهم سم ُ‬


‫ك الذكريات الحزي ْ‬

‫ه‪..,‬‬
‫وخناجُر صامت ٌ‬

‫ه‪,‬‬
‫ب نابت ٌ‬
‫وطحال ُ‬

‫ط النافقه‪.‬‬
‫قط ِ‬ ‫سل ٌ‬
‫ل من ال ِ‬ ‫و ِ‬

‫ن‬
‫ح في ذلك العالم ِ المستكي ْ‬
‫ن بالرو ِ‬
‫ض ال َ‬
‫ليس ما ينب ُ‬
‫ح)‬ ‫علَمٍ‪( ..‬كان في هب ّ ِ‬
‫ة الري ِ‬ ‫ج من َ‬
‫غير ما ينشُر المو ُ‬

‫ه في هذه الُّرقع ِ‬
‫ة الضي ِّقه!‬ ‫ك ك َّ‬
‫في ْ ِ‬ ‫والن يفر ُ‬

‫ق‪..‬‬ ‫ت الكَسير ِ‬
‫ة يخف ُ‬ ‫ساريا ِ‬ ‫سيظ ُّ‬
‫ل‪ ..‬على ال َّ‬ ‫َ‬

‫ب‪ ..‬رويداً‪ ..‬رويداً‪..‬‬


‫حتى يذو َ‬

‫ن‬ ‫ُ‬
‫ويصدأ فيه الحني ْ‬

‫ة‪,‬‬
‫ح‪ ..‬ثاني ً‬
‫م الري َ‬
‫دون أن يلث َ‬

‫ض‪,‬‬
‫أو‪ ..‬يرى الر َ‬

‫رقه!‬
‫مح ِ‬
‫سها ال ُ‬
‫شم ِ‬ ‫أو‪ ..‬يتن َّ‬
‫هدَ من َ‬

‫(الصحاح الثامن)‬

‫ه‪.‬‬
‫سيدتي المسبل ْ‬
‫ه‪َ ..‬‬
‫آ ِ‬

‫ودودْ‪.‬‬
‫ت ال َ‬
‫ت واللفتا ِ‬
‫صم ِ‬
‫آه‪ ..‬سيدةَ ال ّ‬

‫***‬

‫مقفله‬ ‫ل الش َّ‬


‫ن داخ َ‬
‫ة ال ُ‬
‫ق ِ‬ ‫لم يك ْ‬

‫ط وحيدْ‪.‬‬
‫غيُر ق ٍ‬
‫َ‬
‫ل سل ّتها ال ُ‬
‫مثقله‬ ‫حين عادت من ال ُّ‬
‫سوق تحم ُ‬

‫ت أن ساعي البريدْ‬
‫عرف ْ‬

‫مَّر‪..‬‬
‫َ‬

‫ب‪..‬‬
‫ة البا ِ‬ ‫(في ُ‬
‫فتح ِ‬

‫ب‪,‬‬
‫خطا ُ‬
‫كان ال ِ‬

‫طريحاً‪..‬‬

‫ككاب ال َّ‬
‫شهيدْ!)‬ ‫ِ‬
‫ق ٌ‬
‫ط في الولوله!‬ ‫‪ ..‬قفز ال ِ‬

‫ك جيرانِها الَسئِله‬
‫قفزت من شبابي ِ‬
‫ت ال َّ‬
‫شُرودْ‬ ‫ت والكلما ِ‬
‫آه‪ ..‬سيدةَ الصم ِ‬

‫آه‪ ..‬أيتُها الَرملَه!‬

‫(الصحاح التاسع)‬

‫قرمزي َّ َ‬
‫ة‬ ‫دائما ً ‪ -‬حين أمشي ‪ -‬أرى ال ُّ‬
‫ستْرةَ ال ُ‬

‫ن الزحام‪.‬‬
‫بي َ‬

‫د َ‬
‫ل فوقَ الكتِف‪.‬‬ ‫ك المته ِّ‬
‫وأرى شعَر ِ‬

‫دّ َ‬
‫ل‪..‬‬ ‫هك المتب ِ‬
‫وأرى وج َ‬

‫ت‪,‬‬
‫فوق مرايا الحواني ِ‬

‫صور الجانبي َّ ِ‬
‫ة‪,‬‬ ‫في ال ُّ‬

‫ت‪,‬‬
‫ت الوحيدا ِ‬
‫ت البنا ِ‬
‫في لفتا ِ‬

‫م‪.‬‬
‫حلول الظل ْ‬
‫محبين عندَ ُ‬
‫ن خدوِد ال ُ‬
‫في لمعا ِ‬

‫ف‪.‬‬
‫لك ّ‬ ‫س ك ِّ‬
‫فك‪ ..‬في ك ِّ‬ ‫م َ‬
‫س مل َ‬ ‫دائما ً أتح َّ‬
‫س ُ‬

‫ب‪,‬‬ ‫المقاهي التي وهبَتْنَا ال َّ‬


‫شرا َ‬

‫الزوايا التي ل يرانا بها الناس‪,‬‬

‫ك يبت ُّ‬
‫ل فيها‪..‬‬ ‫ن شعُر ِ‬ ‫تل َ‬
‫ك الليالي التي كا َ‬

‫صبي‪,‬‬
‫ع َ‬
‫ر ال َ‬
‫ن بصدري من المط ِ‬
‫فتختبيئي َ‬

‫الهدايا التي نتشاجُر من أجلِها‪,‬‬

‫خصام‬
‫ت ال ِ‬
‫ع في لحظا ِ‬ ‫ج َّ‬
‫م ُ‬ ‫ن التي تت َ‬
‫ت الدخا ِ‬
‫حلقا ُ‬

‫منتصف!‬ ‫دائما ً أن ِ‬
‫ت في ال ُ‬

‫ت بيني وبين كِتابي‪,‬‬


‫أن ِ‬

‫ن فراشي‪,‬‬
‫وبيني وبي َ‬

‫ن هدُوئي‪,‬‬
‫وبيني وبي َ‬

‫ن الكَل ْ‬
‫م‪.‬‬ ‫وبيني وبي َ‬
‫ك يجلِدني‬
‫سجني‪ ,‬وصوت ِ‬ ‫ذكريات ُ ِ‬
‫ك ِّ‬

‫ف!‬
‫ج ْ‬
‫تت ِ‬
‫ك ‪ -‬ليس ْ‬
‫ودمي‪ :‬قطرةٌ ‪ -‬بين عيني ِ‬

‫فامنحيني ال َّ‬
‫سلم!‬

‫م!‬ ‫امنحيني ال َّ‬


‫سل ْ‬

‫(الصحاح العاشر)‬

‫ر اللّيل‪ ...‬آه‪..‬‬
‫ع في آخ ِ‬
‫الشوار ُ‬

‫ت‪.‬‬
‫ر ‪ -‬البيو ْ‬ ‫ت ال ُ‬
‫قبو ِ‬ ‫عتبا ِ‬
‫ن في َ‬
‫ه َ‬ ‫ل متَّشحا ٌ‬
‫ت‪ ..‬يُن َ ْ‬
‫هن ِ ْ‬ ‫أرام ُ‬

‫ة‪,‬‬
‫ح ذابل ً‬ ‫عه َّ‬
‫ن مصابي َ‬ ‫م ُ‬ ‫قطرةً‪ ..‬قطرةً; تتساق ُ‬
‫ط أد ُ‬

‫ت!‬
‫ل‪ ,‬ثم‪ ..‬تمو ْ‬
‫ة اللي ِ‬
‫جن ِ‬
‫تتشبث في و ْ‬

‫ل ‪ -‬آه‪..‬‬
‫ع ‪ -‬في آخر اللي ِ‬
‫الشوار ُ‬

‫ت‪.‬‬
‫عنْكبو ْ‬ ‫خيو ٌ‬
‫ط من ال َ‬

‫ة في مخالبِها‪,‬‬
‫ت ‪ -‬عالق ٌ‬ ‫ح ‪ -‬تل َ‬
‫ك الفراشا ُ‬ ‫مصابي ُ‬
‫وال َ‬
‫ح ُّ‬
‫ل شيئاً‪ ..‬فشيئا‪..‬‬ ‫تتل َّ‬
‫وى‪ ..‬فتعصرها‪ ,‬ثم تَن ْ َ‬

‫فتمت ُّ‬
‫ص من دمها قطرةً‪ ..‬قطرةً;‬

‫ت!‬ ‫ح‪ُ :‬‬


‫قو ْ‬ ‫فالمصابي ُ‬

‫ل ‪ -‬آه‪..‬‬
‫ر اللي ِ‬
‫ع ‪ -‬في آخ ِ‬
‫الشوار ُ‬

‫ت‬ ‫ي ال َّ‬
‫صمو ْ‬ ‫ر البد ّ‬ ‫ة ال َ‬
‫قم ِ‬ ‫م على راح ِ‬
‫ع تنا ُ‬
‫أفا ٍ‬

‫ح‪..‬‬ ‫ة يَ ْ‬
‫غدُو‪ ..‬مصابي َ‬ ‫ستَطيل ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ال ُ‬ ‫ن الجلوِد المف َّ‬
‫ضض ِ‬ ‫لَ َ‬
‫معا ُ‬

‫ت;‬
‫ة الضوِء‪ ,‬يغفو بداخلِها المو ُ‬
‫سموم َ‬
‫م ْ‬
‫َ‬

‫ت‪,‬‬
‫ب القمُر‪ :‬انطفأ ْ‬ ‫حتى إذا َ‬
‫غَر َ‬

‫م‬ ‫غلى في شرايينها ال ُّ‬


‫س ُّ‬ ‫و َ‬

‫ت!‬
‫سكون الممي ْ‬ ‫تَنز ُ‬
‫فه‪ :‬قطرةً‪ ..‬قطرةً; في ال ُ‬

‫ع‪ ..‬وحدي!‬
‫ن الشوار ِ‬
‫ت بي َ‬
‫وأنا كن ُ‬
‫ح‪ ..‬وحدي!‬
‫وبين المصابي ِ‬

‫جلْدي‪.‬‬
‫ن بين قميصي و ِ‬ ‫أتصب َّ ُ‬
‫ب بالحز ِ‬

‫ت!‬ ‫َ‬
‫قطرةً‪ ..‬قطرةً; كان حبي يمو ْ‬

‫ه‪..‬‬
‫س ِ‬
‫ج من فرادي ِ‬
‫وأنا خار ٌ‬

‫ت!‬
‫ة تُو ْ‬ ‫وْر َ‬
‫ق ِ‬ ‫دون َ‬

‫زهور‬
‫(وهي من أوراق الغرفة رقم ‪ 8‬التي قضي فيها نحبه في المعهد‬
‫القومي للورام)‬

‫رد‪,‬‬
‫ن الو ِ‬ ‫وسل ٌ‬
‫لم َ‬

‫ة وإفاقه‬
‫ن إغفاء ٍ‬
‫حها بي َ‬
‫ألم ُ‬

‫ة‬ ‫وعلى ك ِّ‬


‫ل باق ٍ‬

‫ملِها في بِطاقه‬
‫م حا ِ‬
‫اس ُ‬

‫***‬

‫ه‬
‫ت الجميل ْ‬
‫ث لي الَزهرا ُ‬
‫تَتَحد ُ‬
‫َ‬
‫ة‪-‬‬
‫ت ‪ -‬دهش ً‬
‫ع ْ‬ ‫أن أعيُنَها ات َّ َ‬
‫س َ‬

‫قطْف‪,‬‬
‫ة ال َ‬
‫َلحظ َ‬

‫صف‪,‬‬ ‫ة ال َ‬
‫ق ْ‬ ‫َلحظ َ‬

‫ه!‬
‫لحظة إعدامها في الخميل ْ‬

‫ث لي‪..‬‬
‫تَتَحد ُ‬

‫ساتين‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫شها في الب َ‬
‫ن على عر ِ‬
‫تم ْ‬
‫قط ْ‬ ‫أنها َ‬

‫منادين‪,‬‬
‫ن أيدي ال ُ‬
‫ن‪ ,‬أو بي َ‬
‫ج الدكاكي ِ‬
‫ضها في ُزجا ِ‬
‫عْر ِ‬
‫ت على َ‬
‫ق ْ‬ ‫ثم أ َ َ‬
‫فا َ‬

‫ة العابِرهْ‬
‫ضل ُ‬
‫حتى اشتَرتْها اليدُ المتَف ِّ‬

‫ث لي‪..‬‬
‫تَتَحد ُ‬

‫ي‪..‬‬
‫ت إل ّ‬
‫كيف جاء ْ‬
‫ضَر)‬
‫قها الخ ْ‬ ‫(وأحزانُها الملَكي ُ‬
‫ة ترفع أعنا َ‬

‫عمَر!‬
‫ي ال ُ‬
‫كي تَتَمني ل َ‬

‫سها الخرهْ!!‬
‫وهي تجودُ بأنفا ِ‬

‫***‬

‫ه‪..‬‬ ‫ك ُّ‬
‫ل باق ْ‬

‫ه‬
‫ن إغماءة وإفاق ْ‬
‫بي َ‬

‫ه‬
‫ة‪ ..‬ثاني ْ‬
‫ى ‪ -‬بالكاِد ‪ -‬ثاني ً‬
‫مثل ِ َ‬
‫س ِ‬
‫تتنف ُ‬

‫ه‪...‬‬
‫ت ‪ -‬راضي ْ‬
‫مل ْ‬
‫رها ح َ‬
‫وعلى صد ِ‬

‫ه!‬
‫م قاتِلها في بطاق ْ‬
‫اس َ‬

‫خطاب غير تاريخي‬

‫سترخي أخيراً‪..‬‬
‫ت تَ ْ‬
‫أن َ‬

‫فوداعاً‪..‬‬

‫ن‪.‬‬
‫ح الدي ْ‬
‫صل َ‬
‫يا َ‬

‫ص الموتى‬
‫ي الذي تراق َ‬ ‫يا أيُها الطَب ُ‬
‫ل البِدائ ُّ‬

‫ن‪.‬‬
‫عه المجنو ِ‬
‫على إيقا ِ‬

‫ن‬ ‫ب ال َ ّ‬
‫فلِي ِ‬ ‫يا قار َ‬

‫صنه‬
‫ن القرا ِ‬
‫سف ُ‬
‫م ُ‬ ‫شتَّتت ْ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ب الغرقى الذين َ‬
‫للعر ِ‬

‫عنه‪.‬‬
‫ة الفرا ِ‬
‫وأدركتهم لعن ُ‬

‫ة‪ ..‬بعدَ سنه‪..‬‬


‫وسن ً‬

‫ن"‪..‬‬
‫حطي ْ‬
‫صارت لهم " ِ‬

‫ن‬
‫عنّي ْ‬
‫د ال ِ‬ ‫ة الطِّ ِ‬
‫فل‪ ,‬وأكسيَر الغ ِ‬ ‫تميم َ‬

‫(جبل التوباد حياك الحيا)‬


‫(وسقى الله ثرانا الجنبي!)‬

‫ل التُر ْ‬
‫ك‬ ‫مَّر ْ‬
‫ت خيو ُ‬

‫شر ْ‬
‫ك‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫خيو ُ‬
‫مرت ُ‬
‫َ‬

‫ك ‪ -‬النَّسر‪,‬‬
‫خيول المل ِ‬
‫مرت ُ‬

‫ن‬
‫ر الباقي ْ‬
‫ت خيول التت ِ‬
‫مر ْ‬

‫ونحن ‪ -‬جيل ً بعد جيل ‪ -‬في ميادي ِ‬


‫ن المراهنه‬

‫صنه!‬
‫ت الح ِ‬
‫ت تح َ‬
‫نمو ُ‬

‫د التَّهوي ْ‬
‫ن‬ ‫ع‪ ,‬في جرائ ِ‬
‫مذيا ِ‬
‫ت في ال ِ‬
‫وأن َ‬

‫ف الفارين‬
‫تستوق ُ‬

‫حطّي ْ‬
‫ن"‪..‬‬ ‫ب فيهم صائِحاً‪ِ " :‬‬
‫تخط ُ‬

‫عقا َ‬
‫ل تارةً‪,‬‬ ‫وترتدي ال ِ‬

‫ن‬
‫ملبس الفدائيي ّ ْ‬
‫وترتدي َ‬

‫ي مع الجنود‬ ‫ب ال َّ‬
‫شا َ‬ ‫وتشر ُ‬

‫شنه‬
‫ت الخ ِ‬
‫معسكرا ِ‬
‫في ال ُ‬

‫ة‪,‬‬
‫ع الراي َ‬
‫وترف ُ‬

‫ن المرتهنَة‬
‫حتى تستردَ المد َ‬

‫ن‬
‫مسكي ْ‬ ‫ق الناَر على جواِد َ‬
‫ك ال ِ‬ ‫وتطل ُ‬

‫ت ‪ -‬أيها الَّزعيم‬
‫حتى سقط َ‬

‫واغتالتْك أيدي الك َ َ‬


‫هنه!‬

‫***‬

‫عنه‪)..‬‬
‫د َ‬
‫ت بالخل ِ‬
‫غل ُ‬ ‫(وطني لو ُ‬
‫ش ِ‬

‫ن ‪ -‬نَفسي!)‬
‫س الم ِ‬
‫(نازعتني ‪ -‬لمجل ِ‬

‫***‬
‫ح الدين‬
‫نم يا صل َ‬

‫رك الورودُ‪..‬‬ ‫نم‪ ..‬تَتَدلى فوقَ َ‬


‫قب ِ‬

‫كالمظل ِّيين!‬

‫ن‬
‫حني ْ‬
‫ة ال َ‬
‫ن في نافذ ِ‬
‫ن ساهرو َ‬
‫ونح ُ‬

‫ن‬
‫سكي ْ‬
‫ح بال ِّ‬ ‫نُق ّ‬
‫شر التُفا َ‬

‫سنه"!‬
‫ض الح َ‬ ‫ه "ال ُ‬
‫قرو َ‬ ‫ونسأ ُ‬
‫ل الل َ‬

‫ة‪:‬‬
‫فاتح ً‬

‫ن‪.‬‬
‫آمي ْ‬

‫بكائيات‬

‫‪1‬‬
‫عائدون؛‬

‫وأصغر إخوتهم (ذو العيون الحزينة)‬

‫يتقلب في الجب‪!،‬‬

‫أجمل إخوتهم‪ ..‬ل يعود!‬

‫وعجوز هي القدس (يشتعل الرأس شيبا)‬

‫تشم القميص‪ .‬فتبيض أعينها بالبكاء ‪،‬‬

‫ول تخلع الثوب حتى يجئ لها نبأ عن فتاها البعيد‬

‫أرض كنعان ‪ -‬إن لم تكن أنت فيها ‪ -‬مراع من الشوك!‬

‫يورثها الله من شاء من أمم‪،‬‬

‫فالذي يحرس الرض ليس الصيارف‪،‬‬

‫إن الذي يحرس الرض رب الجنود!‬

‫آه من في غد سوف يرفع هامته؟‬

‫غير من طأطأوا حين أَّز الرصاص؟!‬


‫ومن سوف يخطب ‪ -‬في ساحة الشهداء ‪-‬‬

‫سوى الجبناء؟‬

‫ومن سوف يغوى الرامل؟‬

‫إل الذي‬

‫سيؤول إليه خراج المدينة!!؟‬

‫‪.................‬‬
‫‪2‬‬

‫أرشق في الحائط حد المطواة‬

‫والموت يهب من الصحف الملقاة‬

‫أتجزأ في المرآة‪..‬‬

‫يصفعني وجهي المتخفي خلف قناع النفط‬

‫"من يجرؤ أن يضع الجرس الول‪ ..‬في عنق القط؟"‬


‫‪....................‬‬
‫‪3‬‬

‫منظر جانبي لفيروز‬

‫(وهى تطل على البحر من شرفة الفجر)‬

‫لبنان فوق الخريطة‪:‬‬

‫منظر جانبي لفيروز‪..،‬‬

‫والبندقية تدخل كل بيوت (الجنوب)‬

‫مطر النار يهطل‪ ،‬يثقب قلباً‪ ..‬فقلبا‬

‫ويترك فوق الخريطة ثقباً‪ ..‬فثقباً‪..‬‬

‫وفيروز في أغنيات الرعاة البسيطة‬

‫تستعيد المراثي لمن سقطوا في الحروب‬

‫تستعيد‪ ..‬الجنوب!‬
‫‪..................‬‬
‫‪4‬‬

‫البسمة حلم‬

‫والشمس هي الدينار الزائف‬

‫في طبق اليوم‬

‫(من يمسح عنى عرقي‪ ..‬في هذا اليوم الصائف؟)‬

‫والظل الخائف‪..‬‬

‫يتمدد من تحتي؛‬

‫يفصل بين الرض‪ ..‬وبيني!‬

‫وتضاءلت كحرف مات بأرض الخوف‬

‫(حاء‪ ..‬باء)‬

‫(حاء‪ ..‬راء‪ ..‬ياء‪ ..‬هاء)‬

‫الحرف‪ :‬السيف‬

‫مازلت أرود بلد اللون الداكن‬

‫أبحث عنه بين الحياء الموتى والموتى الحياء‬

‫حتى يرتد النبض إلى القلب الساكن‬

‫لكن‪!!..‬‬
‫‪...........‬‬
‫‪5‬‬

‫منظر جانبي لعمان عام البكاء‬

‫والحوائط مرشوشة ببقايا دم لعقته الكلب‬

‫ونهود الصبايا مصابيح مطفأة‪..‬‬

‫فوق أعمدة الكهرباء‪..‬‬

‫منظر جانبي لعمان؛‬

‫والحرس الملكى يفتش ثوب الخلفية‬


‫وهى يسير إلى "إيلياء"‬

‫وتغيب البيوت وراء الدخان‬

‫وتغيب عيون الضحايا وراء النجوم الصغيرة‬

‫في العلم الجنبي‪،‬‬

‫ويعلو وراء نوافذ "بسمان" عزف البيان!‬


‫‪.............‬‬
‫‪6‬‬

‫اشترى في المساء‬

‫قهوة‪ ،‬وشطيرة‪.‬‬

‫واشترى شمعتين‪ .‬وغدارة؛ وذخيرة‪.‬‬

‫وزجاجة ماء!‬
‫………‬

‫عندما أطلق النار كانت يد القدس فوق الزناد‬

‫(ويد الله تخلع عن جسد القدس ثوب الحداد)‬

‫ليس من أجل أن يتفجر نفط الجزيرة‬

‫ليس من أجل أن يتفاوض من يتفاوض‪..‬‬

‫من حول مائدة مستديرة‪.‬‬

‫ليس من أجل أن يأكل السادة الكستناء‪.‬‬

‫‪..........‬‬
‫‪7‬‬

‫ليغفر الرصاص من ذنبك ما تأخر!‬

‫ليغفر الرصاص‪ ..‬يا كيسنجر!!‬

‫سفر التكوين‬

‫(الصحاح الول)‬
‫في البدء كنت رجل‪ ..‬وامرأة‪ ..‬وشجرة‪.‬‬
‫ت أبا ً وابنا‪ ..‬وروحا ً قدُسا‪.‬‬ ‫كن ُ‬
‫ح‪ ..‬والمسا‪..‬‬ ‫ت الصبا َ‬ ‫كن ُ‬
‫والحدقة الثابتة المدورة‪.‬‬
‫………‬
‫وكان عرشي حجرا ً على ضفاف النهر‬
‫وكانت الشياه‪..‬‬
‫ل حول الزهُر‪..‬‬ ‫ترعى‪ ،‬وكان النح ُ‬
‫ن والوُّز يطفو في بحيرة السكون‪،‬‬ ‫يط ُّ‬
‫والحياة‪..‬‬
‫ض ‪ -‬كالطاحونة البعيدة!‬ ‫تنب ُ‬
‫حين رأيت أن كل ما أراه‬
‫ب من الملل!‬ ‫ل ينقذُ القل َ‬

‫***‬
‫ت الديكة‬
‫(مبارزا ُ‬
‫كانت هي التسلية الوحيدة‬
‫في جلستي الوحيدة‬
‫بين غصون الشجر المشتبكة! )‬

‫(الصحاح الثاني)‬

‫ت لنفسي لو نزلت الماء‪ ..‬واغتسلت‪ ..‬لنقسمت!‬ ‫قل ُ‬


‫ت)‬
‫ْ‬ ‫وابتسم‬ ‫لزدوجت‪..‬‬ ‫انقسمت‪..‬‬ ‫(لو‬
‫وبعدما استحممت‪..‬‬
‫ً‬
‫ج الزهُر وشاحا من مرارة الشفاهْ‬ ‫تناس َ‬
‫ّ‬
‫ت فيه جسدي المصطك‪.‬‬ ‫لفف ُ‬
‫(وكان عرشي طافيا‪ ..‬كالفلك)‬
‫ورف عصفور على رأسي؛‬
‫وحط ينفض البلل‪.‬‬
‫حدقت في قرارة المياه‪..‬‬
‫حدقت؛ كان ما أراه‪..‬‬
‫وجهي‪ ..‬مكلل بتاج الشوك‬

‫(الصحاح الثالث)‬

‫ب في الرض‪ ،‬لكنه لم يكن!‬ ‫ت‪ :‬فليكن الح ُ‬ ‫قل ُ‬


‫ب‪،‬‬
‫ت‪ :‬فليذهب النهُر في البحُر‪ ،‬والبحر في السح ِ‬ ‫قل ُ‬
‫ب‪ ،‬ينبت‬‫ب في الخص ِ‬ ‫ب‪ ،‬والجد ُ‬
‫والسحب في الجد ِ‬
‫خبزا ً ليسندَ قلب الجياع‪ ،‬وعشبا لماشية‬
‫ً‬
‫ن‪.‬‬
‫ب في صحراء الشج ْ‬ ‫الرض‪ ،‬ظل لمن يتغر ُ‬
‫ت ابن آدم ‪ -‬ينصب أسواره حول مزرعة‬ ‫ورأي ُ‬
‫الله‪ ،‬يبتاع من حوله حرسا‪ ،‬ويبيع لخوته‬
‫ت العجاف لتعطى اللبن‬
‫ب البقرا ِ‬
‫الخبز والماء‪ ،‬يحتل ُ‬

‫***‬

‫ت فليكن الحب في الرض‪ ،‬لكنه لم يكن‪.‬‬ ‫قل ُ‬


‫أصبح الحب ملكا ً لمن يملكون الثمن!‬
‫‪.. .. .. .. ..‬‬
‫ن‬
‫ب ذلك غير حس ْ‬ ‫ورأى الر ُّ‬

‫***‬

‫ل في الرض؛ عين بعين وسن بسن‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬فليكن العد ُ‬


‫ً‬
‫قلت‪ :‬هل يأكل الذئب ذئبا‪ ،‬أو الشاه شاة؟‬
‫ول تضع السيف في عنق اثنين‪ :‬طفل‪ ..‬وشيخ مسن‪.‬‬
‫ت ابن آدم يردى ابن آدم‪ ،‬يشعل في‬ ‫ورأي ُ‬
‫ل‪،‬‬
‫س خنجرهُ في بطون الحوام ِ‬ ‫المدن الناَر‪ ،‬يغر ُ‬
‫يلقى أصابع أطفاله علفا للخيول‪ ،‬يقص الشفاه‬
‫ورودا ً تزين مائدة النصر‪ ..‬وهى تئن‪.‬‬
‫أصبح العدل موتاً‪ ،‬وميزانه البندقية‪ ،‬أبناؤهُ‬
‫صلبوا في الميادين‪ ،‬أو شنقوا في زوايا المدن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فليكن العدل في الرض‪ ..‬لكنه لم يكن‪.‬‬
‫أصبح العدل ملكا ً لمن جلسوا فوق عرش الجماجم بالطيلسان ‪-‬‬
‫الكفن!‬
‫………‬
‫ن!‬‫ورأى الرب ذلك غير حس ْ‬

‫***‬

‫قلت‪ :‬فليكن العقل في الرض‪..‬‬


‫تصغي إلى صوته المتزن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هل يبتنى الطير أعشاشه في فم الفعوان‪،‬‬
‫هل الدود يسكن في لهب النار‪ ،‬والبوم هل‬
‫يضع الكحل في هدب عينيه‪ ،‬هل يبذر الملح‬
‫من يرتجى القمح حين يدور الزمن؟‬

‫***‬

‫ورأيت ابن آدم وهو يجن‪ ،‬فيقتلع الشجر المتطاول‪،‬‬


‫يبصق في البئر يلقى على صفحة النهر بالزيت‪،‬‬
‫يسكن في البيت؛ ثم يخبئ في أسفل الباب‬
‫قنبلة الموت‪ ،‬يؤوى العقارب في دفء أضلعه‪،‬‬
‫ويورث أبناءه دينه‪ ..‬واسمه‪ ..‬وقميص الفتن‪.‬‬
‫أصبح العقل مغتربا ً يتسول‪ ،‬يقذفه صبية‬
‫بالحجارة‪ ،‬يوقفه الجند عند الحدود‪ ،‬وتسحب‬
‫منه الحكومات جنسية الوطني‪ ..‬وتدرجه في‬
‫قوائم من يكرهون الوطن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فليكن العقل في الرض‪ ،‬لكنه لم يكن‪.‬‬
‫سقط العقل في دورة النفي والسجن‪ ..‬حتى يجن‬
‫…………‬
‫ورأى الرب ذلك غير حسن!‬

‫(الصحاح الرابع)‬

‫قلت‪ :‬فلتكن الريح في الرض؛ تكنس هذا العفن‬


‫قلت‪ :‬فلتكن الريح والدم… تقتلع الريح هسهسة؟‬
‫الورق الذابل المتشبث‪ ،‬يندلع الدم حتى‬
‫الجذور فيزهرها ويطهرها‪ ،‬ثم يصعد في‬
‫السوق‪ ..‬والورق المتشابك‪ .‬والثمر المتدلي؛‬
‫فيعصره العاصرون نبيذا ً يزغرد في كل دن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فليكن الدم نهرا ً من الشهد ينساب تحت فراديس عدن‪.‬‬
‫هذه الرض حسناء‪ ،‬زينتها الفقراء لهم تتطيب‪،‬‬
‫يعطونها الحب‪ ،‬تعطيهم النسل والكبرياء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ل يسكن الغنياء بها‪ .‬الغنياء الذين‬
‫يصوغون من عرق الجراء نقود زنا‪ ..‬وللئ‬
‫تاج‪ .‬وأقراط عاج‪ ..‬ومسبحة للرياء‪.‬‬
‫إنني أول الفقراء الذين يعيشون مغتربين؛‬
‫يموتون محتسبين لدى العزاء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فلتكن الرض لى‪ ..‬ولهم!‬
‫(وأنا بينهم)‬
‫حين أخلع عنى ثياب السماء‪.‬‬
‫فأنا أتقدس ‪ -‬في صرخة الجوع ‪ -‬فوق الفراش الخشن!‬

‫***‬

‫(الصحاح الخامس)‬

‫حدقت في الصخر؛ وفى الينبوع‬


‫رأيت وجهي في سمات الجوع!‬
‫حدقت في جبيني المقلوب‬
‫رأيتني ‪ :‬الصليب والمصلوب‬
‫صرخت ‪ -‬كنت خارجا ً من رحم الهناءة‬
‫صرخت؛ أطلب البراءة‬
‫كينونتي‪ :‬مشنقتي‬
‫وحبلي السري‪:‬‬
‫حبلها‬
‫المقطوع!‬

‫الوقوف على قدم واحدة!‬

‫كادت تقول لى ((من أنت ؟))‬


‫(‪ ..‬العقرب السود كان يلدغ الشمس ‪..‬‬

‫وعيناه ال ّ‬
‫شهيتان تلمعان ! )‬

‫_أأنت ؟!‬

‫لكنّى رددت باب وجهى ‪ ..‬واستكنت‬

‫(‪ ..‬عرفت أنّها ‪..‬‬

‫تنسى حزام خصرها ‪.‬‬

‫فى العربات الفارهة !‬

‫***‬

‫أسقط فى أنياب اللحظات الدنسة‬

‫أتشاغل بالرشفة من كوب الصمت المكسور‬

‫بمطاردة فراش الوهم المخمور‬

‫أتلشى فى الخيط الواهن ‪:‬‬

‫ما بين شروع الخنجر ‪ ..‬والرقبة‬

‫ما بين القدم العاربة وبين الصحراء الملتهبة‬

‫ما بين الطلّقة ‪ ..‬والعصفور ‪ ..‬والعصفور !‬

‫***‬

‫يهتّز قرطها الطويل ‪..‬‬

‫يراقص ارتعاش ظلّه ‪..‬‬

‫على تل ّ‬
‫فتات العنق الجميل‬

‫وعندما تلفظ بذر الفاكهة‬

‫وتطفىء التبغة فى المنفضة العتيقة الطراز‬

‫تقول عيناها ‪ :‬استرح !‬


‫والشفتان ‪ ..‬شوكتان !!‬

‫***‬

‫(تب ّ‬
‫قين أنت ‪ :‬شبحا يفصل بين الخوين‬

‫وعندما يفور كأس الجعة المملوء ‪..‬‬

‫فى يد الكبير ‪:‬‬

‫يقتلك المقتول مرتين!‬

‫أتأذنين لى بمعطفى‬

‫أخفى به ‪..‬‬

‫عورة هذا القمر الغارق فى البحيرة‬

‫عورة هذا المتسول المير‬

‫وهو يحاور الظلل من شجيرة إلى شجيرة‬

‫سر الساقين‬
‫ف لعصفور مك ّ‬
‫يطالع الك ّ‬

‫يلقط حبّة العينين‬

‫لنه صدّق _ ذات ليلة مضت _‬

‫عطاء فمك الصغير ‪..‬‬

‫عطاء حلمك القصير ‪..‬‬

‫كلمات سبارتكوس الخيرة‬

‫ول ) ‪:‬‬
‫( مزج أ ّ‬

‫المجد للشيطان ‪ ..‬معبود الرياح‬

‫من قال " ل " في وجه من قالوا " نعم "‬

‫من علّم النسان تمزيق العدم‬

‫من قال " ل " ‪ ..‬فلم يمت ‪,‬‬

‫وظ ّ‬
‫ل روحا أبديّة اللم !‬
‫( مزج ثان ) ‪:‬‬

‫معلّق أنا على مشانق الصباح‬

‫و جبهتي – بالموت – محنيّة‬

‫لنّني لم أحنها ‪ ..‬حيّه !‬

‫‪... ...‬‬

‫يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين‬

‫منحدرين في نهاية المساء‬

‫في شارع السكندر الكبر ‪:‬‬

‫ي‬
‫ل تخجلوا ‪..‬و لترفعوا عيونكم إل ّ‬

‫لنّكم معلقون جانبي ‪ ..‬على مشانق القيصر‬

‫ي‬
‫فلترفعوا عيونكم إل ّ‬

‫ي‬
‫لربّما ‪ ..‬إذا التقت عيونكم بالموت في عبن ّ‬

‫يبتسم الفناء داخلي ‪ ..‬لنّكم رفعتم رأسكم ‪ ..‬مّره !‬

‫صخره‬
‫" سيزيف " لم تعد على أكتافه ال ّ‬

‫يحملها الذين يولدون في مخادع الّرقيق‬

‫و البحر ‪ ..‬كالصحراء ‪ ..‬ل يروى العطش‬

‫ن من يقول " ل " ل يرتوي إل ّ من الدموع !‬


‫ل ّ‬

‫‪ ..‬فلترفعوا عيونكم للثائر المشنوق‬

‫فسوف تنتهون مثله ‪ ..‬غدا‬

‫و قبّلوا زوجاتكم ‪ ..‬هنا ‪ ..‬على قارعة الطريق‬

‫فسوف تنتهون ها هنا ‪ ..‬غدا‬

‫فالنحناء مّر ‪..‬‬

‫و العنكبوت فوق أعناق الرجال ينسج الردى‬


‫فقبّلوا زوجاتكم ‪ ..‬إنّي تركت زوجتي بل وداع‬

‫و إن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها بل ذراع‬

‫فعلّموه النحناء !‬

‫علّموه النحناء !‬

‫الله ‪ .‬لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال ل !‬

‫و الودعاء الطيّبون ‪..‬‬

‫هم الذين يرثون الرض في نهاية المدى‬

‫لنّهم ‪ ..‬ل يشنقون !‬

‫فعلّموه النحناء ‪..‬‬

‫م من مفر‬
‫و ليس ث ّ‬

‫ل تحلموا بعالم سعيد‬

‫فخلف ك ّ‬
‫ل قيصر يموت ‪ :‬قيصر جديد !‬

‫وخلف ك ّ‬
‫ل ثائر يموت ‪ :‬أحزان بل جدوى ‪..‬‬

‫و دمعة سدى !‬

‫( مزج ثالث ) ‪:‬‬

‫يا قيصر العظيم ‪ :‬قد أخطأت ‪ ..‬إنّي أعترف‬


‫دعني‬

‫ها أنذا أقبّل الحبل الذي في عنقي يلتف‬

‫فهو يداك ‪ ،‬و هو مجدك الذي يجبرنا أن نعبدك‬

‫دعني أك ّ‬
‫فر عن خطيئتي‬

‫أمنحك – بعد ميتتي – جمجمتي‬

‫ي‬
‫تصوغ منها لك كأسا لشرابك القو ّ‬

‫‪ ..‬فان فعلت ما أريد ‪:‬‬


‫إن يسألوك مّرة عن دمي الشهيد‬

‫و هل ترى منحتني " الوجود " كي تسلبني " الوجود "‬

‫ي‬
‫فقل لهم ‪ :‬قد مات ‪ ..‬غير حاقد عل ّ‬

‫و هذه الكأس – التي كانت عظامها جمجمته –‬

‫وثيقة الغفران لي‬

‫يا قاتلي ‪ :‬إنّي صفحت عنك ‪..‬‬

‫في اللّحظة التي استرحت بعدها منّي ‪:‬‬

‫استرحت منك !‬

‫لكنّني ‪ ..‬أوصيك إن تشأ شنق الجميع‬

‫أن ترحم ال ّ‬
‫شجر !‬

‫ل تقطع الجذوع كي تنصبها مشانقا‬

‫ل تقطع الجذوع‬

‫فربّما يأتي الربيع‬

‫" و العام عام جوع "‬

‫فلن تشم في الفروع ‪ ..‬نكهة الثمر !‬

‫وربّما يمّر في بلدنا الصيف الخطر‬

‫فتقطع الصحراء ‪ .‬باحثا عن الظلل‬

‫فل ترى سوى الهجير و الرمال و الهجير و الرمال‬

‫ي في الضلوع !‬
‫و الظمأ النار ّ‬

‫يا سيّد الشواهد البيضاء في الدجى ‪..‬‬

‫يا قيصر الصقيع !‬

‫( مزج رابع ) ‪:‬‬

‫يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان في انحناء‬


‫منحدرين في نهاية المساء‬

‫ل تحلموا بعالم سعيد ‪..‬‬

‫فخلف ك ّ‬
‫ل قيصر يموت ‪ :‬قيصر جديد ‪.‬‬

‫و إن رأيتم في الطريق " هانيبال "‬

‫ي على أبواب " روما " المجهدة‬


‫فأخبروه أنّني انتظرته مد ّ‬

‫و انتظرت شيوخ روما – تحت قوس النصر – قاهر البطال‬

‫و نسوة الرومان بين الزينة المعربدة‬

‫ظللن ينتظرن مقدّم الجنود ‪..‬‬

‫عدة‬
‫ذوي الرؤوس الطلسيّة المج ّ‬

‫لكن " هانيبال " ما جاءت جنوده المجنّدة‬

‫فأخبروه أنّني انتظرته ‪..‬انتظرته ‪..‬‬

‫لكنّه لم يأت !‬

‫و أنّني انتظرته ‪..‬حتّى انتهيت في حبال الموت‬

‫و في المدى ‪ " :‬قرطاجه " بالنار تحترق‬

‫" قرطاجه " كانت ضمير الشمس ‪ :‬قد تعلّمت معنى الركوع‬

‫و العنكبوت فوق أعناق الرجال‬

‫و الكلمات تختنق‬

‫يا اخوتي ‪ :‬قرطاجة العذراء تحترق‬

‫فقبّلوا زوجاتكم ‪،‬‬

‫إنّي تركت زوجتي بل وداع‬

‫و إن رأيتم طفلى الذي تركته على ذراعها ‪ ..‬بل ذراع‬

‫فعلّموه النحناء ‪..‬‬

‫علّموه النحناء ‪..‬‬


‫علّموه النحناء ‪..‬‬

‫ماريـا‬

‫ماريّا ؛ يا ساقية المشرب‬

‫اللّيلة عيد‬

‫لكنّا نخفي جمرات التنهيد !‬

‫صبى النشوة نخبا ‪ ..‬نخبا‬

‫صبى حبّا‬

‫قد جئنا اللّيلة من أجلك‬

‫لنريح العمر المتشّرد خلف الغيب المهلك‬

‫في ظ ّ‬
‫ل الهداب الغريقيّة !‬

‫ما أحلى استرخاءه حزن في ظلّك‬

‫في ظ ّ‬
‫ل الهدب السود‬

‫‪...................‬‬

‫ماذا يا ماريّا ؟‬

‫الناس هنا كالناس هنالك في اليونان‬

‫بسطاء العيشة ‪ ،‬محبوبون‬

‫ل يا ماريّا‬

‫الناس هنا – في المدن الكبرى – ساعات‬

‫ل تتخلّف‬

‫ل تتو ّ‬
‫قف‬

‫ل تتصّرف‬

‫آلت ‪ ،‬آلت ‪ ،‬آلت‬

‫كفى يا ماريّا‬
‫نحن نريد حديثا نرشف منه النسيان !‬

‫‪..........................‬‬

‫ماذا يا سيّدة البهجة ؟‬

‫العام القادم في بيتي زوجة ؟ !‬

‫قد ضاعت يا ماريّا من كنت أودّ‬

‫ماتت في حضن آخر‬

‫لكن ما فائدة الذكرى‬

‫ما جدوى الحزن المقعد‬

‫نحن جميعا نحجب ضوء الشمس و نهرب‬

‫كفى يا ماريّا‬

‫نحن نريد حديثا نرشف منه النسيان‬

‫‪..................‬‬

‫قولي يا ماريّا‬

‫أوما كنت زمانا طفلة‬

‫يلقي الشعر على جبهتها ظلّه‬

‫ول رجل دخل الجنّة واستلقى فوق الشطآن‬


‫من أ ّ‬

‫علقت في جبهته من ليلك خصله‬

‫ول قبله‬
‫ض الثغر بأ ّ‬
‫ف ّ‬

‫ب‬
‫ول ح ّ‬
‫أو ما غنّيت ل ّ‬

‫غنّينا يا ماريّا‬

‫ب العذب‬
‫أغنية من سنوات الح ّ‬

‫‪........................‬‬

‫ما أحلى النغمة‬


‫جم معناها كلمة ‪ ..‬كلمة‬
‫لتكاد تتر ّ‬

‫غنّيها ثانية ‪ ...‬غنّي‬

‫( أوف ‪.‬‬

‫هم‬
‫ل تتج ّ‬

‫ما دمت جواري ‪ ،‬فلتتبسم‬

‫ب‬
‫بين يديك و جودي كنز الح ّ‬

‫عيناي اللّيل ‪ ..‬ووجهي النور‬

‫شفتاي نبيذ معصور‬

‫صدري جنّتك الموعودة‬

‫ب‬
‫و ذراعي وساد الر ّ‬

‫سم‬
‫ب ‪ ،‬تب ّ‬
‫سم للح ّ‬
‫فين ّ‬

‫هم‬
‫ل تتج ّ‬

‫هم )‬
‫ل تتج ّ‬

‫‪..........................‬‬

‫هم‬
‫ما دمت جوارك يا ماريّا لن أتج ّ‬

‫حتّى لو كنت الن شبابا كان‬

‫فأنا مثلك كنت صغيرا‬

‫أرفع عيني نحو الشمس كثيرا‬

‫لكنّي منذ هجرت بلدي‬

‫و الشواق‬

‫تمضغني ‪ ،‬و عرفت الطراق‬

‫مثلك منذ هجرت بلدك‬

‫و أنا أشتاق‬
‫أن أرجع يوما ما للشمس‬

‫أن يورق في جدبي فيضان المس‬

‫‪.......................‬‬

‫قولي يا ماريّا‬

‫العام القادم يبصر ك ّ‬


‫ل منّا أهله‬

‫كي أرجع طفل ‪ ..‬و تعودي طفله‬

‫لكنّا اللّيلة محرومون‬

‫صبى أشجانك نخبا ‪ ..‬نخبا‬

‫صبى حبّا‬

‫فأنا ورفاقي‬

‫قد جئنا اللّيلة من أجلك !‬

‫قالت‬

‫ي‬
‫قالت ‪ :‬تعال إل ّ‬

‫واصعد ذلك الدرج الصغير‬

‫قلت ‪ :‬القيود تشدّني‬

‫و الخطو مضنى ل يسير‬

‫مهما بلغت فلست أبلغ ما بلغت‬

‫وقد أخور‬

‫درج صغير‬

‫ن طريقه ‪ ..‬بل مصير‬


‫غير أ ّ‬

‫فدعى مكاني للسى‬

‫وامضي إلى غدك المير‬


‫فالعمر أقصر من طموحي‬

‫و السى قتل الغدا‬

‫***‬

‫قالت ‪ :‬سأنزل‬

‫قلت ‪ :‬يا معبودتي ل تنزلي لي‬

‫قالت ‪ :‬سأنزل‬

‫قلت ‪ :‬خطوك منته في المستحيل‬

‫ما نحن ملتقيان‬

‫حد المل النبيل‬


‫رغم تو ّ‬

‫‪... ...‬‬

‫نزلت تدقّ على السكون‬

‫رنين ناقوس ثقيل‬

‫و عيوننا متشابكات في أسى الماضي الطويل‬

‫ي‬
‫تخطو إل ّ‬

‫و خطوها ما ض ّ‬
‫ل يوما عن سبيل‬

‫و بكى العناق‬

‫و لم أجد إل ّ الصدى‬

‫إل ّ الصدى‬

‫شيء يحترق‬

‫شيء في قلبي يحترق‬

‫إذ يمضي الوقت ‪ ...‬فنفترق‬

‫و نمدّ اليدي‬

‫ب‬
‫يجمعنا ح ّ‬
‫و تفّرقها ‪ ..‬طرق‬

‫***‬

‫‪ ..‬ولنت جواري ضاجعه‬

‫و أنا بجوارك ‪ ،‬مرتفق‬

‫و حديثك يغزله مرح‬

‫و الوجه ‪ ..‬حديث متّسق‬

‫ترخين جفونا‬

‫أغرقها سحر‬

‫فطفا فيها الغرق‬

‫ي‬
‫و شبابك حان جبل ّ‬

‫أرز ‪ ،‬و غدير ينبثق‬

‫ي و حدي‬
‫و نبيذ ذهب ّ‬

‫مصطبح منه و مغتبق‬

‫و تغوص بقلبي نشوته‬

‫تدفعني فيك ‪ ..‬فتلتصق‬

‫و أمدّ يدين معربدتين‬

‫فثوبك في ك ّ‬
‫في ‪..‬‬

‫مّزق‬

‫ف‬
‫و ذراعك يلت ّ‬

‫و نهر من أقصى الغابة يندفق‬

‫مك‬
‫و أض ّ‬

‫شفة في شفة‬

‫فيغيب الكون ‪ ،‬و ينطبق‬


‫‪...............‬‬

‫و تموت النار‬

‫فنرقبها‬

‫بجفون حار بها الرق‬

‫خجلى !‬

‫و شفاهك ذائبه‬

‫و ثمارك نشوى تندلق‬

‫تعليق على ما حدث في مخيم الوحدات‬

‫‪1‬‬

‫قلت لكم مرارا‬

‫إن الطوابير التي تمر‬

‫في استعراض عيد الفطر و الجلء‬

‫(فتهتف النساء في النوافذ انبهارا)‬

‫ل تصنع انتصارا‪.‬‬

‫إن المدافع التي تصطف على الحدود‪ ،‬في الصحارى‬

‫ل تطلق النيران ‪ ..‬ال حين تستدير للوراء‬

‫إن الرصاصة التي ندفع فيها ‪ ..‬ثمن الكسرة و الدواء‬

‫ل تقتل العداء‬

‫لكنها تقتلنا ‪ ..‬إذا رفعنا صوتنا جهارا‬

‫تقتلنا ‪ ،‬وتقتل الصغارا‬


‫‪...........‬‬
‫‪2‬‬

‫قلت لكم في السنة البعيدة‬


‫عن خطر الجندي‬

‫عن قلبه العمى‪ ،‬وعن همته القعيدة‬

‫يحرس من يمنحه راتبه الشهري‬

‫وزيه الرسمي‬

‫ليرهب الخصوم بالجعجعة الجوفاء‬

‫والقعقعة الشديدة‬

‫لكنه ‪ ..‬إن يحن الموت‬

‫فداء الوطن المقهور و العقيدة ‪:‬‬

‫فر من الميدان‬

‫وحاصر السلطان‬

‫واغتصب الكرسي‬

‫وأعلن "الثورة" في المذياع و الجريدة !‬


‫‪....................‬‬
‫‪3‬‬

‫قلت لكم كثيرا‬

‫إن كان لبد من الذرية اللعينة‬

‫فليسكنوا الخنادق الحصينة‬

‫(متخذين من مخافر الحدود ‪ ..‬دورا)‬

‫لو دخل الواحد منهم هذه المدينة ‪:‬‬

‫يدخلها ‪ ..‬حسيرا‬

‫يلقي سلحه ‪ ..‬على أبوابها المينة‬

‫لنه ‪ ..‬ل يستقيم مرح الطفل‬

‫وحكمة الب الرزينة‬

‫من المسدس المدلى من حزام الخصر‬


‫في السوق ‪..‬‬

‫وفي مجالس الشورى‬

‫***‬

‫قلت لكم‬

‫لكنكم‬

‫لم تسمعوا هذا العبث‬

‫ففاضت النار على المخيمات‬

‫وفاضت ‪ ..‬الجثث‬

‫وفاضت الخوذات و المدرعات‪.‬‬

‫سبتمبر ‪1970‬‬

‫العينان الخضراوان‬

‫العينان الخضراوان‬

‫وحتان‬
‫مر ّ‬

‫في أروقة الصيف الحّران‬

‫أغنيتان مسافرتان‬

‫أبحرتا من نايات الرعيان‬

‫بعبير حنان‬

‫بعزاء من آلهة النور إلى مدن الحزان‬

‫سنتان‬

‫ب‬
‫و أنا أبني زورق ح ّ‬

‫يمتد عليه من الشوق شراعان‬

‫كي أبحر في العينين الصافيتين‬

‫إلى جزر المرجان‬


‫ما أحلى أن يضطرب الموج فينسدل الجفنان‬

‫و أنا أبحث عن مجداف‬

‫عن إيمان !‬

‫***‬

‫في صمت " الكاتدرائيات " الوسنان‬

‫صور " للعذراء " المسبّلة الجفان‬

‫ب صلة الغفران‬
‫يا من أرضعت الح ّ‬

‫و تمطي في عينيك المسبّلتين‬

‫شباب الحرمان‬

‫ردّي جفنيك‬

‫لبصر في عينيك اللوان‬

‫أهما خضراوان‬

‫كعيون حبيبي ؟‬

‫كعيون يبحر فيها البحر بل شطآن‬

‫ب‬
‫يسأل عن الح ّ‬

‫عن ذكرى‬

‫عن نسيان !‬

‫و العينان الخضراوان‬

‫وحتان !‬
‫مر ّ‬

‫خمس أغنيات إلى حبيبتي‪!..‬‬

‫علي جناح طائر‬

‫مسافر‪..‬‬
‫مسافر‪..‬‬

‫تأتيك خمس أغنيات حب‬

‫تأتيك كالمشاعر الضريرة‬

‫من غربة المصب‬

‫إليك‪ :‬يا حبيبتي الميره‬

‫الغنية الولى‬

‫مازلت أنت‪.....‬أنت‬

‫تأتلقين يا وسام الليل في ابتهال صمت‬

‫لكن أنا ‪،‬‬

‫أنا هنـــــــا‪:‬‬

‫بل (( أنا ))‬

‫سألت أمس طفلة عن اسم شارع‬

‫فأجفلت‪..........‬ولم ترد‬

‫بل هدى أسير في شوارع تمتد‬

‫وينتهي الطريق إذا بآخـر يطل‬

‫ع‪،‬‬
‫تقاط ُ‬

‫تقاطع‬

‫مدينتي طريقها بل مصير‬

‫فأين أنت يا حبيبتي‬

‫لكي نسير‬

‫معا‪،......‬‬

‫فل نعود‪،‬‬

‫لنصل‪.‬‬
‫الغنية الثانية‬

‫تشاجرت امرأتان عند باب بيتنا‬

‫قولهما علي الجدران صفرة انفعال‬

‫لكن لفظا واحدا حيرني مدلوله‬

‫قالته إحداهن للخرى‬

‫قالته فارتعشت كابتسامة السرى‬

‫تري حبيبتي تخونني‬

‫أنا الذي ارش الدموع ‪..‬نجم شوقنا‬

‫ولتغفري حبيبتي‬

‫فأنت تعرفين أن زمرة النساء حولنا‬

‫قد انهد لت في مزلق اللهيب المزمنة‬

‫وانت يا حبيبتي بشر‬

‫في قرننا العشرين تعشقين أمسيا ته الملونة‬

‫قد دار حبيبتي بخاطري هذا الكدر‬

‫لكني بل بصر‪:‬‬

‫أبصرت في حقيبتي تذكارك العريق‬

‫يضمنا هناك في بحيرة القمر‬

‫عيناك فيهما يصل ألف رب‬

‫وجبهة ماسية تفنى في بشرتها سماحة المحب‬

‫أحسست أني فوق فوق أن اشك‬

‫وأنت فوق كل شك‬

‫وإني أثمت حينما قرأت اسم ذلك الطريق‬

‫لذا كتبت لك‬


‫لتغفري‬

‫الغنية الثالثة‬

‫ماذا لديك يا هوى‬

‫اكثر مما سقيتني‬

‫اقمت بها بل ارتحال‬

‫حبيبتي‪ :‬قد جاءني هذا الهوى‬

‫بكلمة من فمك لذا تركته يقيم‬

‫وظل ياحبيبتي يشب‬

‫حتى يفع‬

‫حتى غدا في عنفوان رب‬

‫ولم يعد في غرفتي مكان‬

‫ما عادت الجدران تتسع‬

‫حطمت يا حبيبتي الجدران‬

‫حملته ‪ ،‬يحملني ‪،‬‬

‫الى مدائن هناك خلف الزمن‬

‫اسكرته ‪ ،‬اسكرني‬

‫من خمرة أكوابها قليلة التوازن‬

‫لم افلت‬

‫من قبضة تطير بي الى مدى الحقيقة‬

‫بأنني أصبحت‪....،‬اشتاق يا حبيبتي‬

‫بكائية ليلية‬

‫للوهلة الولى‬
‫قرأت في عينية يومه الذي يموت فيه‬

‫رأيته في صحراء " النقيب " مقتول ‪..‬‬

‫منكفئا ‪ ..‬يغرز فيها شفتيه ‪،‬‬

‫و هي ل تردّ قبلة ‪..‬لفيه !‬

‫نتوه في القاهرة العجوز ‪ ،‬ننسى الزمنا‬

‫ولين‬
‫نفلت من ضجيج سياراتها ‪ ،‬و أغنيات المتس ّ‬

‫تظلّنا محطّة المترو مع المساء ‪ ..‬متعبين‬

‫و كان يبكى وطنا ‪ ..‬و كنت أبكي وطنا‬

‫ب الشعار‬
‫نبكي إلى أن تنص ّ‬

‫نسألها ‪ :‬أين خطوط النار ؟‬

‫و هل ترى الرصاصة الولى هناك ‪ ..‬أم هنا ؟‬

‫و الن ‪ ..‬ها أنا‬

‫ل طول اللّيل ل يذوق جفني وسنا‬


‫أظ ّ‬

‫أنظر في ساعتي الملقاة في جواري‬

‫حتّى تجيء ‪ .‬عابرا من نقط التفتيش و الحصار‬

‫تتّسع الدائرة الحمراء في قميصك البيض ‪ ،‬تبكي شجنا‬

‫سرت في " النقب " رأيتك !‬


‫من بعد أن تكي ّ‬

‫تسألني ‪ " :‬أين رصاصتك ؟ "‬

‫" أين رصاصتك "‬

‫م تغيب ‪ :‬طائرا ‪ ..‬جريحا‬


‫ث ّ‬

‫تضرب أفقك الفسيحا‬

‫ض ّ‬
‫فة الخرى ‪ ،‬و ترجو كفنا !‬ ‫تسقط في ظلل ال ّ‬

‫و حين يأتي الصبح – في المذياع – بالبشائر‬


‫ستائر‬
‫أزيح عن نافذتي ال ّ‬

‫فل أراك ‪! ..‬‬

‫أسقط في عاري ‪ .‬بل حراك‬

‫اسأل إن كانت هنا الرصاصة الولى ؟‬

‫أم أنّها هناك ؟؟‬

‫الـمـوت فـى الـفـراش‬

‫‪-1-‬‬

‫‪:‬أيها السادة‬

‫‪..‬لم يبق اختيار‬


‫مهُر ‪ ..‬من العياء‬‫‪..‬سقط ال ُ‬
‫‪..‬وانحلت سيور العربة‬
‫‪..‬ضاقت الدائرة السوداء حول الرقبة‬
‫ف‬
‫‪..‬صدرنا يلمسه السي ُ‬
‫!!‪..‬وفى الظهر الجدار‬

‫‪-2-‬‬

‫‪:‬أيها السادة‬
‫‪..‬لم يبق انتظار‬
‫ك وعبدْ‬
‫ت لمملو ٍ‬
‫قد منعنا جزية الصم ِ‬
‫"وقطعنا شعرة الوالى " ابن هند‬
‫‪..‬ليس ما نخسرهُ الن‬
‫‪..‬سوى الرحلة من مقهى الى مقهى‬
‫ر‪ ..‬لعاْر‬
‫!!ومن عا ٍ‬

‫****‬

‫‪..‬على محطات القرى‬


‫ت السهادْ‬ ‫ترسو قطارا ُ‬
‫و‬ ‫ن‬
‫ُ ّ‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫استرخاءة‬ ‫فى‬ ‫الغبار‬ ‫أجنحة‬ ‫فتنطوى‬
‫د‬
‫ت بالسوا ْ‬‫والنسوة المتشحا ُ‬
‫و‬‫تحت المصابيح ‪ ،‬على أرصفة الرس ّ‬
‫و‬
‫ذابت عيونهن فى التحديق والرن ّ‬
‫ل وجوه الغائبين منذ أعوام الحداد‬ ‫‪..‬ع َّ‬
‫و‬
‫تشرقُ من دائرة الحزان والسل ّ‬

‫****‬
‫ن‬
‫ينظرن ‪ ..‬حتى تتآكل العيو ُ‬
‫‪..‬تتآكل الليالى‬
‫و‬
‫ت من الرواح والغد ّ‬ ‫‪..‬تتآكل القطارا ُ‬
‫و‬
‫والغائبون فى تراب الوطن – العد ّ‬
‫‪..‬ل يرجعون للبلد‬
‫!!‪..‬ل يخلعون معطف الوحشة عن مناكب العياد‬

‫‪-3-‬‬

‫‪..‬نافورة حمراء‬
‫ل بين العربات‬‫َ‬ ‫ف ّ‬ ‫‪..‬طفل يبيع ال ُ‬
‫‪..‬مقتولة تنتظر السيارة البيضاء‬
‫ك أنفه على عمود النوْر‬ ‫كلب يح ُّ‬
‫ٌ‬
‫ت‬
‫ب ‪ ..‬وطاول ْ‬‫ع ‪ ..‬ونردٌ صاخ ٌ‬ ‫مقهى ‪ ..‬ومذيا ٌ‬
‫ألوية ملويه العناق فوق الساريات‬
‫‪..‬أندية ليلية‬
‫ة ضوئية‬ ‫‪..‬كتاب ٌ‬
‫ت‬
‫الصحف الدامية العنوان ‪ ..‬بيض الصفحا ْ‬
‫‪..‬حوائط وملصقات‬
‫(تدعو لرؤية (الب الجالس فوق الشجرة‬
‫!!والثورة المنتصرة‬
‫‪:‬إيقاعات‬
‫سرحان‪ ...‬يا سرحان‬
‫‪..‬والصمت قد هدَّ ْ‬
‫ك‬
‫ك‬ ‫حتى متى وحد ْ‬
‫فُرك السجان ؟‬ ‫خ ِ‬
‫يَ ْ‬

‫****‬

‫ل‬ ‫ل ‪ ..‬أو ن ُ ْ‬
‫قت َ ْ‬ ‫قت ُ ُ‬‫‪..‬ن ْ‬
‫ب‬
‫هذا الخيار الصع ْ‬
‫‪..‬وشلنا بالرعب‬
‫عَّز ْ‬
‫ل‬ ‫‪..‬تََردُّدُ ال ُ‬

‫****‬

‫ن‬
‫فى البيت ‪ ،‬فى الميدا ْ‬
‫قت َ ُ‬
‫ل ‪ ..‬يا سرحان‬ ‫!!ن ُ ْ‬
‫أبخرةُ الشاى ‪ ..‬تدور فى الفناجين ‪ ،‬وتشرئب‬
‫م شمل العائلة‬‫‪..‬يلت َ ُّ‬
‫‪..‬إل الذى فى الصحراء القاحلة‬
‫ر وذئب‬ ‫‪..‬يرقد فى أمعاء طائ ٍ‬
‫‪..‬يهبط من صورته المقابله)‬
‫ن‬‫‪..‬يلتف حول رأسه الدامى شريط الحز ْ‬
‫ن‬
‫س قرب الرك ْ‬
‫يجل ُ‬
‫‪..‬يصغى إلى ثرثرة الفواه والملعق المبتذلة‬
‫ق فى وقفته ‪ ..‬نصفين‬ ‫ينش ُّ‬
‫ب فى منتصف الفنجان ‪ ..‬قطرتين‬ ‫يص ُّ‬
‫من دمه‬
‫(ينكسر الفنجان ‪ ..‬شظيتين‬
‫‪..‬ينكسر النسيان‬
‫‪..‬وهو يعود باكياً‬
‫‪..‬إلى إطار الصورة المجللة‬
‫!!!‪..‬بآية القرآن‬
‫‪:‬إيقاعات‬
‫‪..‬الدم قبل النوم‬
‫نلبسه ‪ ..‬رداء‬
‫والدم صار ماء‬
‫‪..‬يراق كل يوم‬

‫****‬

‫الدم فى الوسائدْ‬
‫ن‬‫بلونه الداك ْ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫الساخ‬ ‫وواللبن‬
‫د‬
‫تبيعه الجرائ ْ‬

‫****‬

‫د‬
‫اللبن الفاس ْ‬
‫د‬
‫اللبن الفاس ْ‬
‫اللبن الفاسدْ‬
‫د‬
‫يخفى الدم – الشاه ْ‬

‫‪-4-‬‬

‫" أموت فى الفراش ‪ ..‬مثلما تموت العير "‬


‫‪..‬أموت ‪ ،‬والنفير‬
‫‪..‬يدق فى دمشق‬
‫أموت فى الشارع ‪ :‬فى العطور و الزياءْ‬
‫ت ‪ ..‬والعداءْ‬
‫أمو ْ‬
‫‪..‬تدوس وجه الحق‬
‫ح ‪" ..‬‬
‫" وما بجسمى موضع ال وفيه طعنة برم ْ‬
‫ح‬‫جر ْ‬
‫‪ ..‬إل وفيه ُ‬
‫‪..‬إذن‬
‫"‪ ..‬فل نامت أعين الجبناء"‬

‫أمل دنقل ‪1970 -‬‬

‫العار الذي نتّقيه‬


‫هذا الذي يجادلون فيه‬

‫مه ‪ ،‬و من أبوه‬


‫قولي لهم عن أ ّ‬

‫أنا و أنت ‪.‬‬

‫حين أنجبناه ألقيناه فوق قمم الجبال كي يموت !‬

‫لكنّه ما مات‬

‫عاد إلينا عنفوان ذكريات‬

‫لم نجتريء أن نرفع العيون نحوه‬

‫لم نجتريء أن نرفع العيون‬

‫نحو عارنا المميت‬

‫***‬

‫ها طفلنا أمامنا غريب‬

‫ترشفه العيون و الظنون بازدرائها‬

‫و نحن ل نجيب‬

‫( و ربّما لو لم يكن من دمنا‬

‫كنّا مددنا نحوه اليدا‬

‫كنّا تبنّيناه راحمين نبله المهين )‬

‫لكنّه ‪ ..‬ما زال يقطع الدروب‬

‫يقطع الدروب‬

‫و في عيوننا السى المريب‬

‫***‬

‫" أوديب " عاد باحثا عن اللذين ألقيناه للردى‬

‫نحن اللّذان ألقياه للردى‬

‫و هذه المّره لن نضيعه‬


‫و لن نتركه يتوه‬

‫ناديه‬

‫مه التي ضنت عليه بالدفء‬


‫قولي إنّك أ ّ‬

‫و بالبسمة و الحليب‬

‫قولي له أنّي أبوه‬

‫( هل يقتني ؟ ) أنا أبوه‬

‫ما عاد عارا نتّقيه‬

‫مه‬
‫العار ‪ :‬أن نموت دون ض ّ‬

‫من طفلنا الحبيب‬

‫من طفلنا " أوديب "‬

‫الملهى الصغير‬

‫لم يعد يذكرنا حتّى المكان !‬

‫كيف هنا عنده ؟‬

‫و المس هات ؟‬

‫قد دخلنا ‪..‬‬

‫لم تنشر مائدة نحونا !‬

‫لم يستضفنا المقعدان !!‬

‫الجليسان غريبان‬

‫فما بيننا إل ّ ‪ .‬ظلل الشمعدان !‬

‫أنظري ؛‬

‫قهوتنا باردة‬
‫ويدانا ‪ -‬حولها – ترتعشان‬

‫وجهك الغارق في أصباغه‬

‫رسما‬

‫( ما ابتسما ! )‬

‫سام فيها ‪..‬‬


‫في لوحة خانت الر ّ‬

‫لمستان !‬

‫تسدل الستار في المسرح‬

‫فلنضيء النوار‬

‫ن الوقت حان‬
‫إ ّ‬

‫أمن الحكمة أن نبقى ؟‬

‫سدة !!‬

‫قد خسرنا فرسينا في الرهان !‬

‫قد خسرنا فرسينا في الرهان‬

‫مالنا شوط مع الحلم‬

‫ثان !!‬

‫نحن كنّا ها هنا يوما‬

‫و كان وهج النور علينا مهرجان‬

‫يوم أن كنّا صغارا‬

‫نمتطي صهوة الموج‬

‫إلى ش ّ‬
‫ط المان‬

‫كنت طفل ل يعي معنى الهوى‬

‫و أحاسيسك مرخاه العنان‬

‫قطّة مغمضة العينين‬


‫في دمك البكر لهيب الفوران‬

‫عامنا السادس عشر ‪:‬‬

‫رغبة في الشرايين‬

‫و أعواد لدان‬

‫ها هنا ك ّ‬
‫ل صباح نلتقي‬

‫بيننا مائدة‬

‫تندي ‪ ..‬حنان‬

‫قدمان تحتها تعتنقان‬

‫و يدانا فوقها تشتبكان‬

‫إن تكلّمت ‪:‬‬

‫ترنّمت بما همسته الشفتان الحلوتان‬

‫و إذا ما قلت ‪:‬‬

‫أصغت طلعة حلوة‬

‫مازتان !‬
‫وابتسمت غ ّ‬

‫أكتب الشعر لنجواك‬

‫ي البيان )‬
‫( و إن كان شعرا ببغائ ّ‬

‫كان جمهوري عيناك ! إذا قلته ‪ :‬ص ّ‬


‫فقتا تبتسمان‬

‫و لكن ينصحنا الهل‬

‫فل نصحهم عّز‬

‫و ل الموعد هان‬

‫لم نكن نخشى إذا ما نلتقي‬

‫غير أل ّ نلتقي في ك ّ‬
‫ل آن‬

‫ليس ينهانى تأنيب أبي‬


‫ليس تنهاك عصا من خيزران !!‬

‫الجنون البكر ولّى‬

‫و انتهت سنة من عمرنا‬

‫أو ‪ ..‬سنتان‬

‫و كما يهدأ عنف النهر‬

‫ن قارب البحر‬
‫إ ّ‬

‫وقارا ‪ ..‬واتّزان‬

‫هدأ العاصف في أعماقنا‬

‫حين أفرغنا من الخمر الدنان‬

‫مة‬
‫مة الق ّ‬
‫قد بلغنا ق ّ‬

‫هل بعدها إل ّ ‪ ...‬هبوط العنفوان‬

‫افترقنا ‪..‬‬

‫( دون أن نغضب )‬

‫ل يغضب الحكمة صوت الهذيان‬

‫ما الذي جاء بنا الن ؟‬

‫سوى لحظة الجبن من العمر الجبان‬

‫لحظة الطفل الذي في دمنا‬

‫لم يزل يحبو ‪..‬‬

‫و يبكو ‪..‬‬

‫فيعان !‬

‫لحظة فيها تناهيد الصبا‬

‫و الصبا عهد إذا عاهد ‪ :‬خان‬

‫أمن الحكمة أن نبقى ؟‬


‫سدى‬

‫قد خسرنا فرسينا في الرهان‬

‫***‬

‫قبلنا يا أخت في هذا المكان‬

‫كم تناجى ‪ ،‬و تناغى عاشقان‬

‫ذهبا‬

‫م ذهبا‬
‫ث ّ‬

‫و غدا ‪..‬‬

‫ب فيه آخران !‬
‫يتساقى الح ّ‬

‫فلندعه لهما‬

‫ساقيه ‪..‬‬

‫دار فيها الماء‬

‫مادار الزمان !!‬

‫رسالة من الشمال‬

‫بعمر – من الشوك – مخشوشن‬

‫بعرق من الصيف لم يسكن‬

‫ب ‪ ،‬به كاهن‬
‫بتجويف ح ّ‬

‫له زمن ‪ ..‬صامت الرغن ‪:‬‬

‫أعيش هنا‬

‫ل هنا ‪ ،‬إنّني‬

‫جهلت بكينونتي مسكني‬

‫غدي ‪ :‬عالم ض ّ‬
‫ل عنّي الطريق‬

‫مسالكه للسدى تنحني‬


‫علماته ‪ ..‬كانثيال الوضوء‬

‫على دنس منتن ‪ .‬منتن‬

‫م العطور‬
‫تفح السواسن س ّ‬

‫فأكفر بالعطر و السوسن‬

‫صه‬
‫و أفصد و همي ‪ ...‬لمت ّ‬

‫صني ‪..‬‬
‫صني الوهم ‪ ،‬يمت ّ‬
‫فيمت ّ‬

‫***‬

‫ملكي ‪ :‬أنا في شمال الشمال‬

‫أعيش ‪ ..‬ككأس بل مدمن‬

‫ترد الذباب انتظارا ‪ ،‬و تحسو‬

‫ون‬
‫جمود موائدها الخ ّ‬

‫غريب الحظايا ‪ ،‬بقايا الحكايا‬

‫من اللّيل لليل تستلنّي‬

‫ش ابتسامتي على ك ّ‬
‫ل وجه‬ ‫أر ّ‬

‫سد في دهنه اللّين‬


‫تو ّ‬

‫و يجرحني الضوء في ك ّ‬
‫ل ليل‬

‫مرير الخطى ‪ ،‬صامت ‪ ،‬محزن‬

‫سربيت به – كالشعاع الضئيل –‬

‫إلى حيث ل عابر ينثني‬

‫هي اسكندريّة بعد المساء‬

‫شتائيّة القلب و المحضن‬

‫شوارعها خاويات المدى‬

‫سوى ‪ :‬حارس بي ل يعتني‬


‫ودودة كلبين كي ينسل‬

‫ورائحة ال ّ‬
‫شبق المزمن‬

‫ملكي ‪ ..‬ملكي ‪ ..‬تساءل عنك‬

‫اغتراب التفّرد في مسكني‬

‫سفحت لك اللّحن عبر المدى‬

‫طريقا إلى المبتدأ ردّني‬

‫و عيناك ‪ :‬فيروزتان تضيئان‬

‫في خاتم الله ‪ ..‬كالعين‬

‫تمدّان لي في المغيب الجناح‬

‫مدى ‪ ،‬خلف خلف المدى الممعن‬

‫سألتهما في صلة الغروب‬

‫ب ‪ ،‬و الموت ‪ ،‬و الممكن‬


‫عن الح ّ‬

‫و لم تذكرا لي سوى خلجة‬

‫من الهدب قلت لها ‪ :‬هيمني !‬

‫هواي له شمس تنهيدة‬

‫إلى اليوم بالموت لو تؤمن‬

‫و كانت لنا خلوة ‪ ،‬إن غدا‬

‫لها الخوف أصبح في مأمن‬

‫مقاعدها ما تزال النجوم‬

‫ج إلى صمتها المؤمن‬


‫تح ّ‬

‫حكينا لها ‪ ،‬و قرأنا بها‬

‫بصوت على الغيب مستأذن‬

‫دنّوا ‪ ،‬دنّوا ففي جعبتي‬


‫ب سنى ‪ ،‬سنى‬
‫حكايات ح ّ‬

‫صقلت به الشمس حتّى غدت‬

‫مرايا مساء لتزيّني‬

‫وصفت لك النجم عقدا من‬

‫ع على صدرك المفتنى‬


‫الماس ش ّ‬

‫أردتك قبل وجود الوجود‬

‫وجودا لتخليده لم أن‬

‫تغّربت عنك ‪ ،‬لحيث الحياة‬

‫مناجم حلم بل معدن و دورة كلبين ينسّل‬

‫ورائحة ال ّ‬
‫شبق المزمن‬

‫***‬

‫ملكي ‪ :‬ترى ما يزال الجنوب‬

‫مشارق للصيف لم تعلن‬

‫ضممت لصدري تصاويرنا‬

‫تصاوير تبكي على المقتنى‬

‫سآتي إليك أجر المسير‬

‫خطى في تصلبّها المذعن‬

‫سآتي إليك كسيف تحطّم‬

‫ف فارسه المثخن‬
‫في ك ّ‬

‫سآتي إليك نحيل ‪ ..‬نحيل‬

‫كخيط من الحزن لم يحزن‬

‫***‬

‫أنا قادم من شمال الشمال‬


‫لعينين – في موطني – موطني !‬

‫الحداد يليق بقطر الندى‬

‫جوقة ‪:‬‬
‫قطُر الندى ‪ ..‬يا خال‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫خي ّال‬
‫مهٌر بل َ‬ ‫ِ‬
‫‪----‬‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫عي‬ ‫يا‬ ‫‪..‬‬ ‫الندى‬ ‫قطر‬
‫أميرةُ الوجهين‬
‫‪---‬‬
‫صوت ‪:‬‬

‫كان (خمارويه ) راقدا على بحيرة الزئبق‬

‫وكانت المغنيات والبنات والحور‬

‫يطأن فوق المسك والكافور‬

‫ش أمام قصره المغلق‬


‫والفقراءُ والدراوي ُ‬

‫ينتظرون الذهب المبدور‬

‫ينتظرون حفة صغيرة ‪ ..‬من نور ‪.‬‬


‫جوقة ‪:‬‬

‫ن‬
‫قطر الندى ‪ ..‬يا عي ْ‬
‫أميرةُ الوجهين‬
‫‪---‬‬
‫قطر الندى ‪..‬‬
‫قطر الندى ‪..‬‬

‫صوت ‪ :‬هودجها يخترقُ الصحراء‬

‫تسبقه النباء‬

‫أمامها الفرسان ألف ألف‬

‫وخلفها الخصيان ألف ألف‬

‫تعبر في سيناء‬

‫جوقة ‪:‬‬
‫قطر الندى ‪ ..‬يا ليل‬
‫تسقط تحت الخيل‬
‫‪---‬‬
‫قطر الندى ‪ ..‬يا مصر‬
‫قطر الندى في السر‬
‫‪--‬‬
‫(استمرار) ‪:‬‬
‫تعبر في سيناء‬

‫تعبر مضارب البدو ‪ ،‬وفي نضوب الماء‬

‫عند انتصاف الصيف ‪.‬‬

‫تحلم بالوصول للردن‬

‫ل حول مائه‬ ‫ترخى أعن ّ َ‬


‫ة الخيو ِ‬

‫تغسل وجوه الحزن‬

‫جوقة ‪:‬‬
‫‪ ..‬يا مصر‬ ‫قطر الندى‬
‫في السر‬ ‫قطر الندى‬
‫‪..‬‬ ‫قطر الندى‬
‫‪..‬‬ ‫قطر الندى‬

‫الصوت والجوقة ‪:‬‬

‫‪ ..‬كان (خمارويه) راقدا على بحيرة الزئبق‬

‫ة القيلولة‬
‫قي نوم ِ‬

‫فمن ترى ينقذ هذه الميرة المغلولة؟‬

‫من يا ترى ينقذها؟‬

‫من يا ترى ينقذها؟‬

‫‪ ...‬بالسيف‬

‫أو بالحيلة ؟!‬

‫(‪)1969‬‬

‫شجوية‬
‫ت الكَمان؟‬
‫ت صو ُ‬
‫سر ُ‬ ‫لماذا يُتاب ِ ُ‬
‫عني أينما ِ‬

‫ت العتيقه‪,‬‬ ‫أسافُر في ال َ‬
‫قاطرا ِ‬

‫ن)‬
‫سنِّي َ‬
‫م ِ‬ ‫(كي أتحدَّث لل ُ‬
‫غرباء ال ُ‬

‫ت‬
‫عجل ِ‬
‫ة ال َ‬ ‫ع صوتي ليُغطي على ض َّ‬
‫ج ِ‬ ‫أرف ُ‬

‫ب‬ ‫ر الحديدي َّ ِ‬
‫ة القل ِ‬ ‫قطا ِ‬
‫ت ال ِ‬
‫وأغفو على نَبَضا ِ‬
‫َ‬
‫(تهدُُر مثل الطّواحين)‬

‫لكنَّها بغت ً‬
‫ة‪..‬‬

‫تَتباعدُ شيئا ً فشيئا‪..‬‬

‫ويصحو نِداءُ الكَمان!‬

‫***‬

‫مهرجانات‪:‬‬‫س‪ ,‬في ال َ‬ ‫أسيُر مع النا ِ‬


‫ُُ‬
‫ي‪..‬‬
‫ّ‬ ‫حاس‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫جنو‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫لبو‬ ‫صغى‬ ‫أ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ي‪..‬‬
‫د الحماس ّ‬‫غباُر النَّشي ِ‬ ‫حلقي ُ‬ ‫يمل ُ َ‬

‫لكنّني َ‬
‫فجأةً‪ ..‬ل أرى!‬

‫ف أمامي!‬
‫صفو ُ‬
‫تَتَلشى ال ُ‬

‫عدا‪..‬‬
‫مبْت ِ‬
‫ت ُ‬ ‫ب ال َّ‬
‫صو ُ‬ ‫ر ُ‬
‫وينس ِ‬

‫ورويداً‪..‬‬

‫ت الكَما ْ‬
‫ن!‬ ‫رويدا ً يعودُ الى القل ِ‬
‫ب صو ُ‬

‫***‬

‫لماذا إذا ما تهيَّأت للنوم‪ ..‬يأتي الكَمان?‪..‬‬

‫ن بعيد‪..‬‬ ‫فأصغي له‪ ..‬آتيا ً من َ‬


‫مكا ٍ‬

‫ك‪,‬‬ ‫ف ال َّ‬
‫شبابي ِ‬ ‫ح خل َ‬
‫ة الري ُ‬
‫مهم ُ‬
‫ه ْ‬
‫ت‪َ :‬‬
‫فتصم ُ‬

‫ة في أُذنُي‪,‬‬
‫وساد ِ‬
‫ض ال ِ‬
‫نب ُ‬
‫قلْبي‪..,‬‬
‫ت َ‬
‫ع دقا ُ‬
‫تَتراج ُ‬

‫ن لم أُزرها!‬
‫مد ٍ‬ ‫وأرح ُ‬
‫ل‪ ..‬في ُ‬

‫ة!‬
‫ض ٌ‬
‫ف ّ‬
‫عها‪ِ :‬‬
‫شوار ُ‬

‫ة‪..‬‬ ‫ط الَش َّ‬


‫ع ِ‬ ‫خيو ِ‬
‫وبناياتُها‪ :‬من ُ‬

‫ة!‬
‫ر‪ ..‬واقف ً‬ ‫ض َّ‬ ‫ألْقى التي وا َ‬
‫ة النه ِ‬
‫ف ِ‬ ‫عدَتْني على َ‬
‫ُّ‬
‫ب‬
‫م الغري ُ‬
‫ط اليما ُ‬ ‫وعلى كَتفيها يح‬
‫ُّ‬
‫ن!‬
‫ط الحنا ْ‬ ‫ومن راحتيها يغ‬
‫ُ‬
‫أحب ُّ ِ‬
‫ك‪,‬‬

‫ب بنادقْ!‬
‫ن‪ ..‬كعو َ‬
‫صاَر الكما ُ‬

‫ق‪.‬‬
‫م الحدائ ْ‬
‫وصاَر يما ُ‬

‫ن‬
‫لآ ْ‬ ‫ل تَسق ُ‬
‫ط في ك ِّ‬ ‫قناب َ‬

‫ب الكَما ْ‬
‫ن!‬ ‫و َ‬
‫غا َ‬

‫أيدوم النهر ؟‬

‫أيدوم لنا بستان الزهر‬

‫و البيت الهادئ عند النهر‬

‫أم يسقط خاتمنا في الماء‬

‫و يضيع ‪ ..‬يضيع مع التيار‬

‫و تفرقنا اليدي السوداء ‪..‬‬

‫و نسير على طرقات النار ‪..‬‬

‫ل نجرؤ تحت سياط القهر‬

‫أن نلقي النظرة خلف الظهر‬

‫و يغيب النهر‬

‫**‬
‫أيدوم لنا البيت المرح‬

‫نتخاصم فيه و نصطلح‬

‫دقات الساعة و المجهول‬

‫تتباعد عني حين أراك‬

‫و أقول لزهر الصيف ‪ ..‬أقول‬

‫لو ينمو الورد بل أشواك‬

‫و يظل البدر طوال الدهر‬

‫ل يكبر عن منتصف الشهر‬

‫آه يا زهر ‪..‬‬

‫لو دمت لنا ‪..‬‬

‫أو دام النهر ‪.‬‬

‫‪1980‬‬

‫ضد من ؟؟؟‬

‫ف العمليات‪,‬‬ ‫في ُ‬
‫غَر ِ‬

‫ض‪,‬‬
‫ء أبي َ‬
‫ب الطبا ِ‬
‫كان نِقا ُ‬

‫ف أبيض‪,‬‬
‫ن المعاط ِ‬
‫لو ُ‬

‫ة الراهبات‪,‬‬
‫ض‪ ,‬أردي ُ‬
‫ت أبي َ‬
‫ج الحكيما ِ‬
‫تا ُ‬

‫ت‪,‬‬
‫الملءا ُ‬

‫قطْن‪,‬‬
‫ش وال ُ‬
‫ة الشا ِ‬
‫ة‪ ,‬أربط ُ‬
‫ن السّر ِ‬
‫لو ُ‬

‫ل‪,‬‬
‫ص ِ‬
‫م ْ‬ ‫ومِ‪ ,‬أُنبوب ُ‬
‫ة ال َ‬ ‫ص المن ِّ‬
‫قر ُ‬
‫َ‬
‫ب الل ّبن‪,‬‬
‫كو ُ‬
‫ك ُّ‬
‫ن‪.‬‬
‫ه ْ‬ ‫قلْبي ال َ‬
‫و َ‬ ‫ع بِ َ‬
‫ل هذا يُشي ُ‬
‫ن!‬ ‫ض يذكِّرني بالك َ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ك ُّ‬
‫ل هذا البيا ِ‬
‫فلماذا إذا م ُّ‬
‫ت‪..‬‬

‫ن‪..‬‬ ‫مت َّ ِ‬
‫شحي َ‬ ‫ن ُ‬
‫يأتي المعزو َ‬

‫حدادْ?‬
‫ن ال ِ‬
‫ت لو ِ‬
‫بشارا ِ‬

‫هل ل َّ‬
‫ن السوادْ‪..‬‬

‫ت‪,‬‬
‫ن النجاة من المو ِ‬
‫هو لو ُ‬

‫ن‪,‬‬
‫ة ضدّ‪ ..‬الزم ْ‬
‫ن التميم ِ‬
‫لو ُ‬

‫***‬

‫ضدُّ م ْ‬
‫ن‪..‬؟؟‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن ‪ -‬اطْمأ ْ‬
‫ن‬ ‫ف َ‬
‫قا ِ‬ ‫خ َ‬
‫ب ‪ -‬في ال َ‬
‫ومتى القل ُ‬

‫***‬

‫ل الَص ِ‬
‫دقاء‪..‬‬ ‫بين لونين‪ :‬أستقب ِ ُ‬

‫ي قبرا‬
‫ن يرون سرير َ‬
‫الذي َ‬

‫ي‪ ..‬دهرا‬
‫وحيات َ‬

‫ة‬
‫عميق ِ‬
‫ن ال َ‬
‫وأرى في العيو ِ‬

‫ة‬
‫ن الحقيق ِ‬
‫لو َ‬

‫ن!‬
‫ب الوط ْ‬
‫ن تُرا ِ‬
‫لو َ‬

‫سفر الخروج‬

‫(أغنية الكعكة الحجرية)‬

‫(الصحاح الول)‬

‫أيها الواقفون على حافة المذبحة‬


‫أشهروا السلحة!‬
‫سقط الموت‪ ،‬وانفرط القلب كالمسبحة‪.‬‬
‫والدم انساب فوق الوشاح!‬
‫المنازل أضرحة‪،‬‬
‫والزنازن أضرحة‪،‬‬
‫والمدى‪ ..‬أضرحة‬
‫فارفعوا السلحة‬
‫واتبعوني!‬
‫أنا ندم الغد والبارحة‬
‫رايتي‪ :‬عظمتان‪ ..‬وجمجمة‪،‬‬
‫وشعاري‪ :‬الصباح!‬

‫(الصحاح الثاني)‬

‫دقت الساعة المتعبة‬


‫رفعت أمه الطيبة‬
‫عينها‪!..‬‬
‫(دفعته كعوب البنادق في المركبة!)‬
‫…………‬
‫دقت الساعة المتعبة‬
‫نهضت؛ نسقت مكتبه‪..‬‬
‫(صفعته يد‪..‬‬
‫‪ -‬أدخلته يد الله في التجربة!)‬
‫………‬
‫دقت الساعة المتعبة‬
‫جلست أمه؛ رتقت جوربه‪..‬‬
‫(وخزته عيون المحقق‪..‬‬
‫حتى تفجر من جلده الدم والجوبة!)‬
‫……………‬
‫دقت الساعة المتعبة!‬
‫دقت الساعة المتعبة!‬

‫(الصحاح الثالث)‬

‫عندما تهبطين على ساحة القوم؛ ل تبدئي بالسلم‪.‬‬


‫فهم الن يقتسمون صغارك فوق صحاف الطعام‬
‫بعد أن أشعلوا النار في العش‪..‬‬
‫والقش‪..‬‬
‫والسنبلة!‬
‫وغدا ً يذبحونك‪..‬‬
‫بحثا ً عن الكنز في الحوصلة!‬
‫وغدا تغتدي مدن اللف عام‪!.‬‬
‫مدنا‪ ..‬للخيام!‬
‫مدنا ً ترتقي درج المقصلة!‬

‫(الصحاح الرابع)‬

‫دقت الساعة القاسية‬


‫وقفوا في ميادينها الجهمة الخاوية‬
‫واستداروا على درجات النصب‬
‫شجرا ً من لهب‬
‫تعصف الريح بين وريقاته الغضة الدانية‬
‫فيئن‪" :‬بلدي ‪ ..‬بلدي"‬
‫(بلدي البعيدة!)‬
‫………‬
‫دقة الساعة القاسية‬
‫"انظروا ‪"..‬؛ هتفت غانية‬
‫تتلوى بسيارة الرقم الجمركي؛‬
‫وتمتمت الثانية‪:‬‬
‫سوف ينصرفون إذا البرد حل‪ ..‬وران التعب‪.‬‬
‫……………‬
‫دقت الساعة القاسية‬
‫كان مذياع مقهى يذيع أحاديثه البالية‬
‫عن دعاة الشغب‬
‫وهم يستديرون؛‬
‫يشتعلون ‪ -‬على الكعكة الحجرية ‪ -‬حول النصب‬
‫شمعدان غضب‬
‫يتوهج في الليل‪..‬‬
‫والصوت يكتسح العتمة الباقية‬
‫يتغنى لعياد ميلد مصر الجديدة!‬

‫(الصحاح الخامس)‬

‫اذكريني!‬
‫فقد لوثتني العناوين في الصحف الخائنة!‬
‫لونتني‪ ..‬لني ‪ -‬منذ الهزيمة ‪ -‬ل لون لى‪..‬‬
‫(غير لون الضياع!)‬
‫قبلها؛ كنت أقرأ في صفحة الرمل‪..‬‬
‫(والرمل أصبح كالعملة الصعبة‪،‬‬
‫الرمل أصبح‪ :‬أبسطة‪ ..‬تحت أقدام جيش الدفاع)‬
‫فاذكريني؛‪ ..‬كما تذكرين المهرب‪ ..‬والمطرب العاطفي‪.‬‬
‫وكاب العقيد‪ ..‬وزينة رأس السنة‪.‬‬
‫اذكريني إذا نسيتني شهود العيان‬
‫ومضبطة البرلمان‬
‫وقائمة التهم المعلنة‬
‫والوداع!‬
‫الوداع!‬

‫(الصحاح السادس)‬

‫دقت الساعة الخامسة‬


‫ظهر الجند دائرة من دروع وخوذات حرب‬
‫ها هم الن يقتربون رويداً‪ ..‬رويداً‪..‬‬
‫يجيئون من كل صوب‬
‫والمغنون ‪ -‬في الكعكة الحجرية ‪ -‬ينقبضون‬
‫وينفرجون‬
‫كنبضة قلب!‬
‫يشعلون الحناجر‪،‬‬
‫يستدفئون من البرد والظلمة القارسة‬
‫يرفعون الناشيد في أوجه الحرس المقترب‬
‫يشبكون أياديهم الغضة البائسة‬
‫لتصير سياجا ً يصد الرصاص!‪..‬‬
‫الرصاص‪..‬‬
‫الرصاص‪..‬‬
‫وآه‪..‬‬
‫تغنون‪" :‬نحن فداؤك يا مصر"‬
‫"نحن فداؤ ‪"..‬‬
‫وتسقط حنجرة مخرسة‬
‫معها يسقط اسمك ‪ -‬يا مصر ‪ -‬في الرض!‬
‫ل يتبقى سوى الجسد المتهشم‪ ..‬والصرخات‬
‫على الساحة الدامسة!‬
‫دقت الساعة الخامسة‬
‫………‬
‫دقت الخامسة‬
‫………‬
‫دقت الخامسة‬
‫………‬
‫وتفرق ماؤك ‪ -‬يا نهر ‪ -‬حين بلغت المصب!‬

‫***‬

‫المنازل أضرحة‪،‬‬
‫والزنازن أضرحة‪،‬‬
‫والمدى أضرحة‪،‬‬
‫فارفعوا السلحة!‬
‫ارفعوا‬
‫السلحة!‬

‫‪1972‬‬

‫الموت في لوحات (‪)1‬‬

‫مصفوفة حقائبي على رفوف الذاكرة‬

‫و السفر الطويل ‪..‬‬

‫يبدأ دون أن تسير القاطرة !‬


‫رسائلي للشمس ‪..‬‬

‫س!‬
‫تعود دون أن تم ّ‬

‫رسائلي للرض ‪..‬‬

‫ض!‬
‫تردّ دون أن تف ّ‬

‫يميل ظلّي في الغروب دون أن أميل !‬

‫و ها أنا في مقعدي القانط ‪.‬‬

‫وريقة ‪ ..‬و ريقة ‪ ..‬يسقط عمري من نتيجة الحائط‬

‫و الورق الساقط‬

‫يطفو على بحيرة الذكرى ‪ ،‬فتلتوي دوائرا‬

‫و تختفي ‪ ..‬دائرة ‪ ..‬فدائرة !‬

‫الموت في لوحات (‪)2‬‬

‫شقيقتي " رجاء " ماتت و هي دون الثالثة ‪.‬‬

‫سري‬
‫مي ال ّ‬
‫ماتت و ما يزال في دولب أ ّ‬

‫ي!‬
‫ض ّ‬
‫صندلها الف ّ‬

‫ي‬
‫صوف ّ‬
‫دارها المشغول ‪ ،‬قرطها ‪ ،‬غطاء رأسها ال ّ‬

‫ي!‬
‫أرنبها القطن ّ‬

‫و عندما أدخل بهو بيتنا الصامت‬

‫فل أراها تمسك الحائط ‪ ..‬علّها تقف !‬

‫أنسى بأنّها ماتت ‪..‬‬

‫أقول ‪ .‬ربّما نامت ‪..‬‬

‫أدور في الغرف ‪.‬‬

‫مي بصوتها الخافت‬


‫و عندما تسألني أ ّ‬
‫أرى السى في وجهها الممتقع الباهت‬

‫و أستبين الكارثة !‬
‫‪..................‬‬

‫الموت في لوحات (‪)3‬‬

‫عرفتها في عامها الخامس و العشرين‬

‫و الزمن العنّين ‪..‬‬

‫ينشب في أحشائها أظفاره الملويّة‬

‫صلّت إلى العذراء ‪ ،‬طو ّ‬


‫فت بك ّ‬
‫ل صيدليّة‬

‫تقلّبت بين الرجال الخشنين !‬

‫‪ ..‬و ما تزال تشتري اللّفائف القطنيّة !‬

‫‪ ..‬ما تزال تشتري اللّفائف القطنيّة !‬

‫‪... .. .. ... ... ...‬‬

‫و حين ضاجعت أباها ليلة الرعد‬

‫جرت بالخصب و الوعد‬


‫تف ّ‬

‫و اختلجت في طينها بشارة التكوين !‬

‫لكنّها نادت أباها في الصباح ‪..‬‬

‫فظ ّ‬
‫ل صامتا !‬

‫هّزته ‪ ..‬كان ميّتا !!‬


‫‪........................‬‬

‫الموت في لوحات (‪)4‬‬

‫من شرفتي كنت أراها في صباح العطلة الهاديء‬

‫تنشر في شرفتها على خيوط النور و الغناء‬

‫ثياب طفبيها ‪ ،‬ثياب زوجها الرسميّة الصفراء‬

‫قمصانه المغسولة البيضاء‬


‫تنشر حولها نقاء قلبها الهانيء‬

‫و هي تروح و تجيء‬

‫‪... ... ... ... ... ... ...‬‬

‫و الن بعد أشهر الصيف الرديء‬

‫رأيتها ‪ ..‬ذابلة العينين و العضاء‬

‫صمت و البكاء‬
‫تنشر في شرفتها على حبال ال ّ‬

‫ثيابها السوداء !‬

‫‪............‬‬
‫الموت في لوحات (‪)5‬‬

‫هج العذبة‬
‫حبيبتي في لحظة الظلم ؛ لحظة التو ّ‬

‫ي جثّة رطبه !‬
‫تصبح بين ساعد ّ‬

‫ينكسر الشوق بداخلي ‪ ،‬و تخفت الرغبة‬

‫أموء فوق خدّها‬

‫أضرع فوق نهدها‬

‫م جلدها‬
‫أودّ لو أنفذ في مسا ّ‬

‫لكن ‪ ..‬يظ ّ‬
‫ل بيننا الزجاج ‪ ..‬و الغياب ‪ ..‬و الغربة !‬

‫‪... .. .... ... ... ... ... ..‬‬

‫سرت ما بيننا حواجز الّرهبة‬


‫وذات ليلة ‪ ،‬تك ّ‬

‫فاحتضنتني ‪ ..‬بينما نحن نغوص في قرار التربة‬

‫تبعثرت في رأسها شرائح الصورة و النجوم‬

‫و اختلطت في قلبها الزمنة الهشيم‬

‫لكنّها و هي تناجى‬

‫سمعتها تناديني‬

‫باسم حبيبها الذي قد حطّم اللّعبة‬


‫مخلّفا في قلبها ‪ ..‬ندبة !!‬

‫صفحات من كتاب الصيف والشتاء‬

‫‪ - 1‬حمامة‬

‫ت في الشارع ال َّ‬
‫ضوضاءْ‬ ‫سَر ْ‬
‫حين َ‬
‫ِ‬

‫ق‬ ‫ة ال َّ‬
‫سائ ْ‬ ‫مجنون ُ‬
‫ت سيارةٌ َ‬
‫ع ْ‬ ‫واند َ‬
‫ف َ‬

‫ق‬
‫قها الزاع ْ‬
‫ت بُو ِ‬
‫ق صو َ‬
‫تطل ُ‬

‫د الَشياءْ‪:‬‬
‫في كب ِ‬

‫ة بيضاءْ‬
‫ت حمام ٌ‬ ‫فَّز َ‬
‫ع ْ‬ ‫تَ َ‬

‫ة مصْر‪..‬‬
‫ل نهض ِ‬
‫(كانت على تمثا ِ‬

‫حل ُ ُ‬
‫م في استِرخاءْ)‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫ة النُّحا ْ‬
‫س‬ ‫قب َّ ِ‬
‫ة الجامع ِ‬ ‫ت‪ ,‬وحطّ ْ‬
‫ت فوقَ ُ‬ ‫طار ْ‬

‫س‬ ‫َ‬
‫ة‪ ,‬تلتقط النفا ْ‬
‫لهث ً‬

‫ت الساعه‬
‫وفجأةً‪ :‬دندن ِ‬

‫س‬
‫ت الجرا ْ‬
‫ودق ِ‬

‫ت في ال ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه!‬
‫مرتاع ْ‬
‫ق‪ُ ..‬‬
‫ف ِ‬ ‫فحل ّق ْ‬

‫ة التي استقَّر ْ‬
‫ت‬ ‫أيتُها الحمام ُ‬

‫س الجسْر‬
‫فوقَ رأ ِ‬

‫ر يَدَهُ‪..‬‬ ‫شرط ُّ‬


‫ي المرو ِ‬ ‫(وعندما أداَر ُ‬
‫َ‬
‫ظنتُه ناطوراً‪ ..‬يصدُّ الطّيْر‬

‫ت رعباً!)‬
‫فامتَل ْ‬

‫ة التَّعبى‪:‬‬
‫أيتها الحمام ُ‬

‫ه‬
‫ة الحزين ْ‬
‫ب هذه المدين ِ‬
‫قبا ِ‬
‫دُوري على ِ‬
‫ت فيها‪ ..‬والسى‪ ..‬والذُّعْر‬
‫شدي للمو ِ‬
‫وأن ِ‬

‫حتى نرى عندَ ُ‬


‫قدوم ِ الفجْر‬

‫ملقى‪..‬‬
‫ك ال ُ‬
‫ح ِ‬
‫جنا َ‬

‫ه‬
‫ل في المدين ْ‬
‫ة التّمثا ِ‬
‫على قاعد ِ‬

‫ه!‬ ‫ة ال َّ‬
‫سكين ْ‬ ‫‪ ..‬وتعرفين راح َ‬

‫‪ - 2‬ساق صناعية‬

‫م‬ ‫فيه قب َ‬
‫ل عا ْ‬ ‫ت ِ‬
‫ق الذي نزل ُ‬ ‫في ال ُ‬
‫فند ِ‬

‫ه‬ ‫شاَركَني ال ُ‬
‫غرف ْ‬

‫ه‬ ‫ق ال ُّ‬
‫شرف ْ‬ ‫فأغل َ‬
‫َ‬
‫م َ‬
‫قام‬ ‫ب ال ُ‬
‫مشج ِ‬
‫ستَْرةَ) فوقَ ال ِ‬ ‫عل ّ َ‬
‫ق (ال ُّ‬ ‫و َ‬

‫م)‬
‫ب والسل ْ‬
‫ب (الحر ِ‬
‫وعندما رأى كتا َ‬

‫ه‪..‬‬ ‫ي‪ :‬اربدَّ وج ُ‬


‫ه ُ‬ ‫بين يد َّ‬

‫ه‬ ‫ف جفنُه‪ ..‬ر َّ‬


‫ور َّ‬
‫ف ْ‬

‫ب الَّرجف ْ‬
‫ه‬ ‫فغال َ‬

‫م‬
‫غرا ْ‬ ‫صبِي َّ ٍ‬
‫ة طارحها ال َ‬ ‫وق َّ‬
‫ص عن َ‬

‫وكان عائدا ً من الحر ِ‬


‫ب‪ ..‬بل وسام‬

‫ه‬ ‫ع َ‬
‫ف ْ‬ ‫ض ْ‬
‫ق‪َ ..‬‬
‫فلم تُطِ ْ‬
‫َ‬
‫ر والطّعام!‬
‫ولم يجدْ ‪ -‬حين صحا ‪ -‬إل بقايا الخم ِ‬

‫م‬
‫ة عن الدّم ِ الحرا ْ‬
‫ثم روى حكاي ً‬

‫ه‪..‬‬ ‫ش َ‬
‫ف ْ‬ ‫ق َر ْ‬
‫(‪ ..‬الصحراءُ لم تُطِ ْ‬

‫ه‪)..‬‬ ‫صي ْ َ‬ ‫فظ َّ‬


‫ف ْ‬ ‫ه َ‬
‫ل فيها‪ ,‬يشتكي ربيع ُ‬

‫م‬
‫ختا ْ‬
‫ة ال ِ‬
‫ص الحزين َ‬ ‫وظ َّ‬
‫ل يروي القص َ‬
‫ه‬
‫ه ُ‬
‫حتى تلشى وج ُ‬

‫م‬ ‫حب الدُّخا ِ‬


‫ن والكَل ْ‬ ‫س ُ‬
‫في ُ‬

‫ه‬ ‫ت الو ْ‬
‫قف ْ‬ ‫ت بِه‪ ,‬وطال ِ‬
‫ج الصو ُ‬
‫وعندما تحشر َ‬

‫ت رأسي عنه‪..‬‬
‫أدر ُ‬

‫ه‬ ‫ع َّ‬
‫ف ْ‬ ‫عتَه ال َ‬
‫حتى ل أرى دم َ‬

‫ن‪..‬‬ ‫ومن خليا جسدي‪ :‬تف َّ‬


‫صدَ الحز ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫وبل ّل الم َ‬
‫سا ْ‬

‫ن أنني أنام‬
‫وحين ظ ّ‬
‫َ‬
‫ة في الظّل ْ‬
‫م‬ ‫ه الصناعي َ‬
‫ع ساق ُ‬
‫رأيته يخل ُ‬

‫عدا ً تنهيدةً‬
‫ص ِّ‬
‫م َ‬
‫ُ‬

‫ه‬ ‫ت جو َ‬
‫ف ْ‬ ‫قد أحر َ‬
‫ق ْ‬

‫‪ - 3‬شتاء عاصف‬

‫ل)‪..‬‬ ‫م الَّر ْ‬
‫م ْ‬ ‫كان (ترا ُ‬

‫م ْ‬
‫ل‬ ‫ح ْ‬
‫ت ال َ‬ ‫عجاً‪ ,‬كامرأ ٍ‬
‫ة في اخريا ِ‬ ‫منْب َ ِ‬
‫ُ‬

‫ع‬ ‫ت في ال ّ‬
‫شار ْ‬ ‫وكن ُ‬

‫ع)‬
‫ب الساط ْ‬
‫أرى شتاءَ (الغض ِ‬

‫ح الوراقَ والمعاطِفا‬
‫يكتس ُ‬

‫ع‬
‫ص ْ‬
‫سكونِها النا ِ‬
‫وكانت الحجاُر في ُ‬

‫فا‬ ‫ة بالمطر الذي تو َّ‬


‫ق َ‬ ‫مغسول ً‬
‫ِ‬

‫ع‬
‫مذيا ْ‬
‫ن في ال ِ‬
‫وكا َ‬

‫ع‬
‫ة اليقا ْ‬
‫ة حزين ُ‬
‫أغني ٌ‬

‫ت منه ما كفى‪)..‬‬
‫عن (ظالم لقي ُ‬
‫َ‬
‫قد (عل ّموه كيف يجفو‪ ..‬فجفا)‬

‫س‬
‫ت فوق الشاطىء الياب ْ‬
‫س ُ‬
‫جل ْ‬

‫ج البَحْر‬
‫وكان مو ُ‬

‫ع خدَّ الصخر‬
‫يصف ُ‬

‫وينطوي ‪ -‬حينا ً ‪ -‬أمام وجهه العاب ْ‬


‫س‪..‬‬

‫ج‬
‫ع الموا ْ‬
‫ج ُ‬
‫‪ ..‬وتر ِ‬

‫ج‬
‫هتا ْ‬
‫م ْ‬
‫سها ال ُ‬
‫حه برأ ِ‬
‫تنط ُ‬
‫ودون أن تَك ُ َّ‬
‫ف عن صراعها اليائس‪!..‬‬

‫ودون أن تك ُ َّ‬
‫ف عن صراعها اليائس‪!..‬‬

‫استريحي‬

‫ليس للدور بقيّة‬

‫انتهت ك ّ‬
‫ل فصول المسرحيّة‬

‫فامسحي زيف المساحيق‬

‫و ل ترتدي تلك المسوح المرميّة‬

‫ما تحتها‬
‫و اكشفي البسمة ع ّ‬

‫من حنين ‪ ..‬و اشتهاء ‪ ..‬و خطيّة‬

‫ستها‬
‫كنت يوما فتنة قد ّ‬

‫كنت يوما‬

‫ظمأ القلب ‪ ..‬وريّه‬

‫***‬

‫لم تكوني أبدا لي‬

‫ب الذي من سنتين‬
‫إنّما كنت للح ّ‬

‫قطف التفاحتين‬
‫م ألقى‬
‫ث ّ‬

‫ببقايا القشرتين‬

‫و بكى قلبك حزنا‬

‫فغدا دمعة حمراء‬

‫بين الرئتين‬

‫و أنا ؛ قلبي منديل هوى‬

‫جففت عيناك فيه دمعتين‬

‫و محت فيه طلء ال ّ‬


‫شفتين‬

‫و لوته ‪..‬‬

‫في ارتعاشات اليدين‬

‫كان ماضيك جدار فاصل بيننا‬

‫كان ضلل شبحيّه‬

‫فاستريحي‬

‫ليس للدور بقيّة‬

‫أينما نحن جلسنا‬

‫ي‬
‫ارتسمت صورة الخر في الركن القص ّ‬

‫كنت تخشين من اللّمسة‬

‫أن تمحي لمسته في راحتي‬

‫و أحاديثك في الهمس معي‬

‫إنّما كانت إليه ‪..‬‬

‫ي‬
‫ل إل ّ‬

‫فاستريحي‬

‫لم يبق سوى حيرة السير على المفترق‬


‫كيف أقصيك عن النار‬

‫و في صدرك الرغبة أن تحتلقي ؟‬

‫كيف أدنيك من النهر‬

‫و في قلبك الخوف و ذكرى الغارق ؟‬

‫أنا أحببتك ح ّ‬
‫قا‬

‫إنّما لست أدري‬

‫أنا ‪ ..‬أم أنت الضحيّة ؟‬

‫فاستريحي ‪ ،‬ليس للدور بقيّة‬

‫أوتوجراف‬

‫لن أكتب حرفا فيه‬

‫فالكلمة – إن تكتب – ل تكتب‬

‫من أجل الترفيه‬

‫( و الوتوجراف الصامت تنهدل الكلمات عليه ‪،‬‬

‫تحيّيه‬

‫و تطّرز ك ّ‬
‫ل مثانيه !‬

‫ماضيك‬

‫و ماضي الوتوجراف –‬

‫بقايا شوق مشبوه‬

‫بصمات الذكرى فيك ‪ ،‬وفيه‬

‫شاق المحمومه أدمت ك ّ‬


‫ل دواليه‬ ‫و خطى الع ّ‬

‫لكنّي أطرد ك ّ‬
‫ل ذباب الماضي عن بابي‬

‫فدعيه‬
‫غيري قد يصبح سطرا من ورق‬

‫يقلّبه من يجهله أو من يدريه‬

‫غيري قد ينبش تابوتا بّراق اللّون‬

‫تع ّ‬
‫فن خافيه‬

‫لكنّي أطرد ك ّ‬
‫ل ذباب الذكرى‬

‫عن غدي المشدوه‬

‫عن ثوبي ‪ ،‬و طعامي ‪ ،‬و فراشي‬

‫عن خطوة تيهى‬

‫‪.................‬‬

‫يا أصغر من كلماتي‬

‫لن أكتب فيه‬

‫شاق المحمومة أدمت ك ّ‬


‫ل دواليه !‬ ‫فخطى الع ّ‬

‫من مذكرات المتنبي‬

‫أكره لون الخمر في القنٌِينة‬

‫لكنني أدمنتها‪ ..‬استشفاء!‬

‫لنني منذ أتيت هذه المدينة‬

‫وصرت في القصور ببغاء!‪:‬‬

‫عرفت فيها الداءّ!!‬


‫‪.......................‬‬

‫ي كافور‬
‫أمثل ساعة الضحى بين يد ْ‬

‫ليطمئن قلبه‪ ،‬فما يزال طيره المأسور‬

‫ل يترك السجن ول يطير!‬


‫أبصر تلك الشفة المثقوبة‬

‫ووجهه المسودٌّ‪ ،‬والرجولة المسلوبة‬

‫‪ ..‬أبكي علي العروبة!‬

‫‪...........................‬‬

‫يومئ‪ ،‬يستنشدني‪ :‬أنشده عن سيفه الشجاع‬

‫وسيفه في غمده‪ ..‬يأكله الصدأ!‬

‫وعندما يسقط جفناه الثقيلن‪ ،‬وينكفئ‪.‬‬

‫أسير مثقل الخطي في ردهات القصر‬

‫أبصر أهل مصر‪..‬‬

‫ينتظرونه‪ ..‬ليرفعوا إليه المظلمات والرقاع!‬

‫‪ ..‬جاريتي من حلب‪ ،‬تسألني 'متي نعود؟'‬

‫قلت ‪ :‬الجنود يملون نقط الحدود‬

‫مابيننا وبين سيف الدولة‬

‫قالت‪ :‬سئمت من مصر‪ ،‬ومن رخاوة الركود‬

‫فقلت‪ :‬قد سئمت مثلك القيام والقعود‬

‫بين يدي أميرها البله‪.‬‬

‫لعنت كافورا‬

‫ونمت مقهورا‪..‬‬

‫خولة' تلك البدويّة ال ٌّ‬


‫شموس‬ ‫' ّ‬

‫لقيتها بالقرب من 'أريحا'‬

‫ة‪ ،‬ثم افترقنا دون أن نبوحا‬


‫سويع ٌ‬

‫لكنها كل مساء في خواطري تجوس‬

‫يفتر بالشوق وبالعتاب ثغرها العبوس‬


‫أشم وجهها الصبوحا‬

‫أضم صدرها الجموحا!‬


‫‪... ... ...‬‬
‫سألت عنها القادمين في القواف ْ‬
‫ل‬

‫فأخبروني أنها ظلت بسيفها تقات ْ‬


‫ل‪..‬‬

‫في الليل تجاّر الرقيق عن خبائها‬

‫حين أغاروا‪ ،‬ثم غادروا شقيقها ذبيحا‬

‫والب عاجزا كسيحا‬

‫واختطفوها‪ ،‬بينما الجيران يرنون من المنازل‬

‫يرتعدون جسدا وروحا‬

‫ل يجرؤون أن يغيثوا سيفها الطريحا!‬

‫‪.. .. ..‬‬
‫ساءلني كافور عن حزني‬

‫فقلت إنها تعيش الن في بيزنطة‬

‫شريدةٌ‪ ..‬كالقطة‬

‫تصيح 'كافوراه‪ ..‬كافوراه‪'..‬‬

‫فصاح في غلمه أن يشتري جارية رومي ٌّ‬


‫ة‬

‫تجلد كي تصيح 'وا روماه‪ ..‬وا روماه‪'..‬‬

‫‪ ..‬لكي يكون العين بالعين‬

‫ن بالس ٌّ‬
‫ن!)‬ ‫والس ٌ‬

‫في الليل‪ ،‬في حضرة كافور‪ ،‬أصابني السأم‬

‫في جلستي نمت‪ ..‬ولم أنم‬

‫حلمت لحظة بكا‬

‫وجندك الشجعان يهتفون‪ :‬سيف الدولة‬

‫وأنت شمس تختفي في هالة الغبار عند الجولة‬


‫ممتطيا ٌ جوادك الشهب‪ ،‬شاهرا حسامك الطويل المهلكا‬

‫تصرخ في وجه جنود الروم‬

‫بصيحة الحرب‪ ،‬فتسقط العيون في الحلقوم!‬

‫تخوض‪ ،‬ل تبقي لهم إلي النجاة مسلكا‬

‫تهوي‪ ،‬فل غير الدماء والبكا‬

‫ثم تعود باسما‪ ..‬ومنهكا‬

‫والصبية الصغار يهتفون في حلب‪:‬‬

‫'يا منقذ العرب'‬

‫'يا منقذ العرب'‬

‫حين تعود‪ ..‬باسما‪ ..‬ومنهكا‬

‫حلمت لحظة بكا‬

‫حين غفوت‬

‫لكنني حين صحوت‪:‬‬

‫وجدت هذا السيد الرخوا‬

‫تصدر البهوا‬

‫يقص في ندمائه عن سيفه الصارم‬

‫وسيفه في غمده يأكله الصدأ!‬

‫وعندما يسقط جفناه الثقيلن‪ ،‬وينكفئ‪..‬‬

‫م الخادم‪!..‬‬
‫يبتس ّ‬

‫‪ ..‬تسألني جارتي أن أكتري للبيت حراٌسا‬

‫فقد طغي اللصوص في مصر‪ ..‬بل رادع‬

‫ي القاطع‬
‫فقلت‪ :‬هذا سيف ّ‬

‫ضعيه خلف الباب‪ ..‬متراسا!‬


‫(ما حاجتي للسيف مشهورا‬

‫مادمت قد جاورت كافورا؟)‬

‫‪' ..‬عيد بأية حال عدت يا عيد؟‬

‫بما مضي؟ أم لرضي فيك تهويد؟‬

‫'نامت نواطير مصر' عن عساكرها‬

‫وحاربت بدل منها الناشيد‬

‫ناديت‪ :‬يا نيل هل تجري المياه دما‬

‫لكي تفيض‪ ،‬ويصحو الهل إن نودوا؟‬

‫'عيد بأية حال عدت يا عيد؟‬

Das könnte Ihnen auch gefallen