Beruflich Dokumente
Kultur Dokumente
مقدمة
كتبت هذه الرسالة بعد مطالعة الكاتب للرسالة التي كتبها الشاعر أحمد
زكي أبو شادي بعنوان "عقيدة اللوهية" ،فلم تكن إذن دراسة معدة
لبحث موضوع اللحاد والعقيدة الدينية ،فل نتوقع رسالة مليئة
بالبراهين والدلئل لثبات وجهة نظر صاحبها ،بل هي مجرد خواطر
كتبت على إثر مطالعته رسالة أبو شادي ،أو بالحرى هي مزيج من
الذكريات والنطباعات وفي جزء منها تعرض فقط للبرهان "العلمي"
" .أو"الرياضي
إن السباب التي دعتني للتخلي عن اليمان بال كثيرة منها ما هو "
علمي بحت ومنها ما هو فلسفي صرف ومنها ما هو بين بين ومنها ما
يرجع لبيئتي وظروفي ومنها ما يرجع لسباب سيكلوجية ،وليس من
" شأني في هذا البحث أن أستفيض في ذكر هذه السباب
فلو شاء الكاتب أن يأتينا بدراسة وافية شاملة عن هذا الموضوع لفعل ،
وكان ينوي ذلك بالفعل كما قلنا سابقا عندما كان ينوي تأليف كتاب عن
.عقيدته الدينية الفلسفية ،لكن هذا لم يكن مقصد صاحب الرسالة
:نص الرسالة
كتبت على أثر مطالعة "عقيدة اللوهية" للدكتور أحمد زكي أبو(
)شادي
:توطئة
الواقع أنني درجت على تربية دينية لم تكن أقوم طريق لغرس العقيدة
الدينية في نفسي .فقد كان أبي من المتعصبين للسلم والمسلمين ،
وأمي مسيحية بروتستانتية ذات ميل لحرية الفكر والتفكير ،ول عجب
في ذلك فقد كانت كريمة البروفيسور وانتهوف الشهير .ولكن سوء
حظي جعلها تتوفى وأنا في الثانية من سني حياتي ،فعشت أيام
طفولتي حتى أواخر الحرب العظمى مع شقيقتي في الستانة ،وكانتا
تلقناني في تعاليم المسيحية وتسيران بي كل يوم أحد الى الكنيسة .أما
أبي فقد انشغل بالحرب وكان متنقل بين ميادينها فلم أعرفه أو أتعرف
عليه إل بعد أن وضعت الحرب أوزارها ،ودخل الحلفاء الستانة .
غير أن بعد والدي عني لم يكن ليمنعه عن فرض سيطرته علي من
الوجهة الدينية ،فقد كلف زوج عمتي وهو أحد الشرفاء العرب أن يقوم
بتعليمي من الوجهة الدينية ،فكان يأخذني لصلة الجمعة ويجعلني
أصوم رمضان وأقوم بصلة التراويح ،وكان هذا كله يثقل كاهلي
كطفل لم يشتد عوده بعد ،فضل عن تحفيضي القرأن .والواقع أني
حفظت القرأن وجودته وأنا ابن العاشرة ،غير أني خرجت ساخطا
على القرأن لنه كلفني جهدا كبيرا كنت في حاجة إلى صرفه إلى ما
هو أحب إلى نفسي ،وكان ذلك من أسباب التمهيد لثورة نفسية على
السلم وتعاليمه .ولكني كنت أجد من المسيحية غير ذلك ،فقد كانت
شقيقتاي –وقد نالتا قسطا كبيرا من التعليم في كلية المريكان بالستانة
ل تثقلن علي بالتعليم الديني المسيحي وكانتا قد درجتا على اعتبار أن
كل ما تحتويه التوراة والنجيل ليس صحيحا .وكانتا تسخران من
.المعجزات ويوم القيامة والحساب ،وكان لهذا كله أثر في نفسيتي
كانت مكتبة والدي مشحونة بألف الكتب وكان محرما على الخروج
والختلط مع الطفال الذين هم من سني ،ولقد عانيت أثر هذا
التحريم قي فردية تبعدني عن الجماعة فيما بعد ،ولم يكن في
مستطاعي الخروج إل مع شقيقتي وقد ألفت هذه الحياة وكنت أحبهما
حبا جما فنقضي وقتنا معا نطالع ونقرأ ،فطالعت وأنا ابن الثامنة
مؤلفات عبد الحق حامد وحفظت الكثير من شعره ،وكنت كلفا
بالقصص الدبية فكنت أتلو لبلزاك وجي دي موباسان وهيغو من
الغربيين أثارهم ،ولحسين رحمي الروائي التركي المشهور قصصه ،
وأتى والدي إلى الستانة وقد وضعت الحرب أوزارها ،ودخل الحلفاء
الستانة ،ولكن لم يبقى كثيرا حيث غادرها مع مصطفى كمال إلى
الناضول ليبدأ مع زعماء الحركة الستقللية حركتهم ،وظللت أربع
سنوات من سنة 1919إلى 1923في الستانة قابعا أتعلم اللمانية
والتركية على يد شقيقتي والعربية على يد زوج عمتي ،وفي هذه
الفترة قرأت لداروين أصل النواع وأصل النسان وخرجت من
قرائتهما مؤمنا بالتطور .وقرأت مباحث هكسلي وهيكل والسر ليل
وبيجهوت وأنا لم أتجاوز الثالثة عشرة من سنى حياتي .وانكببت أقرأ
في هذه الفترة لديكارت وهوبس وهيوم وكانت ،ولكني لم أكن أفهم كل
ما أقرأه لهم .وخرجت من هذه الفترة نابذا نظرية الرادة الحرة ،
وكان لسبينوزا وأرنست هيكل الثر الكبر في ذلك ،ثم نبذت عقيدة
.الخلود
إن السباب التي دعتني للتخلي عن اليمان بال كثيرة منها ما هو
علمي بحت ومنها ما هو فلسفي صرف ومنها ما هو بين بين ومنها ما
يرجع لبيئتي وظروفي ومنها ما يرجع لسباب سيكلوجية .وليس من
شأني في هذا البحث أن أستفيض في ذكر هذه السباب ،فقد شرعت
منذ وقت أضع كتابا عن عقيدتي الدينية والفلسفية ولكن غايتي هنا أن
أكتفي بذكر السبب العلمي الذي دعاني للتخلي عن فكرة "ال" وإن كان
هذا ل يمنعني من أعود في فرصة أخرى ) إذا سنحت لي ( لبقية
.السباب
وقبل أن أعرض السباب لبد لي من اتطراد لموضوع إلحادي ،فأنا
ملحد ونفسي ساكنة لهذا اللحاد ومرتاحة إليه ،فأنا ل أفترق من هذه
الناحية عن المؤمن المتصوف في إيمانه .نعم لقد كان إلحادي بداءة
ذي بدء مجرد فكرة تساورني ومع الزمن خضعت لها مشاعري
فاستولت عليها وانتهت من كونها فكرة إلى كونها عقيدة .ولي أن
أتسأل :ما معنى اللحاد ؟
:يجيبك لودفيج بخنر زعيم ملحدة القرن التاسع عشر
والواقع أن هذا التعريف سلبي محض ،ومن هنا ل أجد بدا من رفضه
. :والتعريف الذي أستصوبه وأراه يعبر عن عقيدتي كملحد هو
اللحاد هو اليمان بأن سبب الكون يتضمنه الكون في ذاته وأن ثمة "
" ل شيء وراء هذا العالم
ومن مزايا هذا التعريف أن شقه الول إيجابي محض ،بينما لو أخذت
وجهته السلبية لقام دليل على عدم وجود ال ،وشقه الثاني سلبي
.يتضمن كل ما في تعريف بخنر من معاني
) :يقول عمانوئيل كانط ) 1804-1724
أنه ل دليل عقلي أو علمي على وجود ال" و "أنه ليس هنالك من "
" دليل عقلي أو علمي على عدم وجود ال
وبما أن كل واحد من هذه الوجه محتمل مجيئه إذا رمينا زهر النرد ،
.فإن مبلغ الحتمال لهذه الوجه يحدد معنى الصدفة التي نبحثها
إن نسبة احتمال هذه الوجه تابعة لحالة اللعب بزهر النرد ،ولكن لنا
:أن نتساءل
ما نسبة احتمال هذه الوجه تحت نفس الشرائط ،فمثل لو فرضنا أنه
:في المرة " ن" كانت النتيجة هي
شيش=دش xك =6شيش xل 6
فما أوجه مجيء الدش في المرة )ن+س(؟
إذا فرضنا أن الحالة الجتماعية هي "ح" كان لنا أن نخلص من ذلك
بأن اللعب إذا رمى زهر النرد )ن=س( من المرات وكان مجموعها
)مثل 36مرة فاحتمال مجيء الدش هنا في الواقع )\1:ن+س
.وبما أن ق+س= 36مرة فكأن النسبة الحتمالية هي 36\1
فإذا أتى الدش مرة من 36مرة لما عد ذلك غريبا لنه محتمل الوقوع
،ولكن ليس معنى ذلك أن الدش لبد من مجيئه لن هذا يدخل في باب
أخر قد يكون باب الرجم .وكلما عظمت مقدار "س" في المعادلة
)ن+س( تحدد مقدار "ح" أي النسبة الحتمالية وذلك خضوعا لقانون
العداد العظمى في حسابات الحتمال .ومعنى ذلك أن قانون الصدفة
.يسري في المقادير الكبيرة
مثال ذلك أن عملية بتر الزائدة الدودية نسبة نجاحها . %95أعني أن
95حالة تنجح من 100حالة ،فلو فرضنا أن مائة مريض دخلوا أحد
المستشفيات لجراء هذه العملية فإن الجراح يكون مطمئنا إلى أنه
سيخرج بنحو 95حالة من هذه العمليات بنجاح ،فإذا ما سألته :يا
دكتور ما نسبة احتمال النجاح في هذه العملية ؟ فإنه يجيبك 95في
المائة ،ويكون مطمئنا لجوابه ،ولكنك إذا سألته :يا دكتور ما نسبة
احتمال النجاح في العملية التي ستجريها لفلن ؟ فإنه يصمت ول
.يجيبك ،لنه يعجز عن معرفة النسبة الحتمالية
هذا المثال يوضح معنى قانون في أنها تتصل بالمقادير الكبيرة والكثرة
العديدة ،ويكون مفهوم سنة الصدفة وجه الحتمال في الحدوث،
ويكون السبب والنتيجة من حيث هما مظهران للصلة بين حادثتين في
النطاق الخاضع لقانون العدد العظم الصدفي حالة إمكان محض .
ومعنى هذا أن السببية صلة إمكان بين شيئين يخضعان لقانون العدد
العظم الصدفي ،فمثل لو فرضنا أن الدش أتى مرة واحدة من 36
مرة أعني بنسبة 1:36مرة ففي الواقع نحن نكون قد كشفنا عن صلة
إمكان بين زهر النرد ومجيء الدش ،وهذا قانون ل يختلف عن
.القوانين الطبيعية في شيء
إذا يمكننا أن نقول أن الصدفة التي تخضع العالم لقانون عددها العظم
تعطي حالت إمكان .ولما كان العالم ل يخرج عن مجموعة من
الحوادث ينتظم بعضها مع بعض في وحدات وتتداخل وتتناسق ثم
تنحل وتتباعد لتعود من جديد لتنتظم….وهكذا خاضعة في حركتها هذه
لحالت المكان التي يحددها قانون العدد العظم الصدفي ،ومثل
العالم في ذلك مثل مطبعة فيها من كل نوع من حروف البجدية مليون
حرف وقد أخذت هذه الحركة في الصطدام * فتجتمع وتنتظم ثم
تتباعد وتنحل هكذا في دورة لنهائية ،فل شك أنه في دورة من هذه
الدورات اللنهائية لبد أن يخرج هذا المقال الذي تلوته الن ،كما أنه
في دورة أخرى من دورات اللنهائية لبد أن يخرج كتاب "أصل
النواع" وكذا "القرأن" مجموعا منضدا مصححا من نفسه ،ويمكننا
إذن أن نتصور أن جميع المؤلفات التي وضعت ستأخذ دورها في
الظهور خاضعة لحالت احتمال وإمكان في اللنهائية ،فإذا اعتبرنا
)ح( رمزا لحالة الحتمال و)ص( رمزا للنهائية كانت المعادلة الدالة
:على هذه الحالت
ح=ص
وعالمنا ل يخرج عن كونه كتابا من هذه الكتب ،له وحدته ونظامه
.وتنضيده إل أنه تابع لقانون الصدفة الشاملة
:يقول ألبرت أينشتاين صاحب نظرية النسبية في بحث قديم له
مثلنا إزاء العالم مثل رجل أتى بكتاب قيم ل يعرف عنه شيئا ،فلما "
أخذ في مطالعته وتدرج من ذلك لدرسه وبان له ما فيه من أوجه
التناسق الفكري شعر بأن وراء كلمات الكتاب شيئا غامضا ل يصل
لكنهه ،هذا الشيء الغامض الذي عجز عن الوصول إليه هو عقل
مؤلفه ،فإذا ما ترقى به التفكير عرف أن هذه الثار نتيجة لعقل إنسان
عبقري أبدعه .كذلك نحن إزاء العالم ،فنحن نشعر بأن وراء نظامه
" شيئا غامضا ل تصل إلى إدراكه عقولنا ،هذا الشيء هو ال
:ويقول السير جيمس جينز الفلكي النجليزي الشهير
إن صيغة المعادلة التي توحد الكون هي الحد الذي تشترك فيه كل "
الموجودات .ولما كانت الرياضيات منسجمة مع طبيعة الكون كانت
لنابه .ولما كانت الرياضيات تفسر تصرفات الحوادث التي تقع في
الكون وتربطها في وحدة عقلية فهذا التفسير والربط ل يحمل إل على
طبيعة الشياء الرياضية ،ومن أجل هذا ل مندوحة لنا أن نبحث عن
عقل رياضي يتقن لغة الرياضة يرجع له هذا الكون ،هذا العقل
" الرياضي الذي نلمس أثاره في الكون هو ال
وأنت ترى أن كليهما " والول من أساطين الرياضيات في العالم
والثاني فلكي ورياضي من القدر الول" عجز عن تصور حالة
الحتمال الخاضعة لقانون الصدفة الشاملة والتي يتبع دستورها العالم ،
.ل لشيء إل لتغلب فكرة السبب والنتيجة عليهما
الواقع أن أينشتين في مثاله انتهى إلى وجود شيء غامض وراء نظام
الكتاب عبر عنه بعقل صاحبه ) مؤلفه( والواقع أن هذا احتمال
محض ،لنه يصح أن يكون خاضعا لحالة أخرى ونتيجة لغير العقل ،
ومثلنا عن المطبعة وحروفها وإمكان خروج الكتب خضوعا لقانون
الصدفة الشامل يوضح هذه الحالة .أما ما يقول السير جيمس جينز
فرغم انه أخطأ في اعتباره الرياضة طبيعة الشياء لن نجاح الوجهة
الرياضية في ربط الحوادث وتفسير تصرفاتها ل يحمل على أن طبيعة
الشياء لن نجاح الوجهة الرياضية في ربط الحوادث وتفسير
تصرفاتها ل يحمل على أن طبيعة الشياء رياضية بل يدل على أن
هنالك قاعدة معقولة تصل بينه وبين طبيعة الشياء .فالشياء هي
الكائن الواقع والرياضيات ربط ما هو واقع في نظام ذهني على قاعدة
العلقة والوحدة .وبعبارة أخرى أن الرياضيات نظام ما هو ممكن
والكون نظام ما هو واقع ،والواقع يتضمنه الممكن ،ولذلك فلواقع
حالة خصوصية منه .ومن هنا يتضح أنه ل غرابة في انطباق
الرياضيات على الكون الذي نألفه بل كل الغرابة في عدم انطباقها لن
لكل كون رياضياته المخصوصة ،فكون من الكوان مضبوط
.بالرياضيات شرط ضروري لكونه كونا
من هنا يتضح أن السير جينز انساق تحت فكرة السبب والنتيجة كما
انساق أينشتين إلى التماس الناحية الرياضية في العالم وهذا جعلهما
يبحثان عن عقل رياضي وراء هذا العالم وهذا خطأ لن العالم إن كان
نظام ما هو واقع خاضعا لنظام ما هو ممكن فهو حالة احتمال من عدة
حالت والذي يحدد احتماله قانون الصدفة الشامل ل السبب الول
.الشامل
خاتمة
إن الصعوبة التي أرى الكثيرين يواجهونني بها حينما أدعوهم إلى
النظر إلى العالم مستقل عن صلة السبب والنتيجة ،وخاضعا لقانون
:الصدفة الشامل ترد إلى قسمين
الول :لن مفهوم هذا الكلم رياضي صرف ومن الصعب التعبير في
غير أسلوبها الرياضي ،وليس كل إنسان رياضي عنده القدرة على
.السير في البرهان الرياضي
الثاني :أنها تعط العالم مفهوما جديدا وتجعلنا ننظر له نظرة جديدة
غير التي ألفناها .ومن هنا جاءت صعوبة تصور مفهوماتها لن
.التغير الحادث أساسي يتناول أسس التصور نفسه
ولهذه السباب وحدها كانت الصعوبة قائمة أمام هذه النظرة الجديدة
.ومانعة الكثيرين اليمان بها
أما أنا شخصيا فل أجد هذه الصعوبة إل شكلية ،والزمن وحده قادر
على إزالتها ،ومن هنا ل أجد بدا من الثبات على عقيدتي العلمية
والدعوة إلى نظريتي القائمة على قانون الصدفة الشامل الذي يعتبر في
.الوقت نفسه أكبر ضربة للذين يؤمنون بوجود ال