Sie sind auf Seite 1von 155

‫أنا ليه ليبرالى ؟‬

‫‪2‬‬

‫أنا ليه ليبرالي؟‬


‫مقالت شابة عن الليبرالية‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪3‬‬

‫عنوان الكتاب‪ :‬أنا ليه ليبرالي؟‬


‫مقالت شابة عن الليبرالية‬
‫المحرران‪ :‬د‪ .‬رونالد ميناردوس‬
‫أحمد ناجي‬
‫الناشر ‪ :‬مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات‬
‫قطعة رقم ‪ 7399‬ش ‪ 28‬من ش ‪ – 9‬المقطم – القاهرة‬
‫ت‪ ،‬ف ‪25075917 :‬‬
‫‪e.mail : mahrosa@ mahrosa.com‬‬
‫رئيس مجلس الدارة ‪ :‬فريد زهران‬

‫حقوق الطبع محفوظة لمؤسسة فريدريش ناومان‬


‫رقم اليداع ‪2009 / 11929 :‬‬
‫الترقيم الدولى ‪7-310-313-977-978 :‬‬

‫تم طباعة هذا الكتاب بدعم من مؤسسة فريدريش ناومان‬


‫من أجل الحرية بالقاهرة‪.‬‬
‫الفكار الواردة فى هذا الكتاب ل تعبر بالضرورة عن وجهة‬
‫نظر مؤسسة فريدريش ناومان ول وجهة نظر اتحاد الشباب‬
‫الليبرالي المصري ولكنها تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها ‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪4‬‬

‫الفهرست‬

‫‪5‬‬ ‫تمهيد‬

‫‪7‬‬ ‫مقدمة‬

‫‪13‬‬ ‫الفصل الول‪ :‬محاولت لتعريف الليبرالية‬


‫‪15‬‬ ‫أركان الليبرالية‬
‫‪21‬‬ ‫لن الثراء في الختلف‬
‫‪29‬‬ ‫الليبرالية لحماية التنوع‬
‫‪35‬‬ ‫من أجل حرية الختيار‬
‫‪41‬‬ ‫الحرية المسئولة‬
‫‪45‬‬ ‫مرونة الليبرالية سر استمرارها‬

‫‪55‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬لنني إنسان‬


‫‪57‬‬ ‫الليبرالية شرط الوجود النساني‬
‫‪65‬‬ ‫نظرية محورها النسان‬
‫‪71‬‬ ‫الليبرالية هى حرية الختيار‬
‫‪75‬‬ ‫ليه أنا إنسان‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪5‬‬

‫‪83‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬ليبرالية مصرية‬


‫‪85‬‬ ‫لنني مؤمن بالحرية‬
‫‪93‬‬ ‫الليبرالية القتصادية‪ :‬تكافؤ الفرص أساسًا للمنافسة‬
‫‪101‬‬ ‫حلول ليبرالية لزمات المجتمع المصري‬
‫‪111‬‬ ‫المختلف عنى مش ضدي‬

‫‪115‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬تجارب خاصة‬


‫‪117‬‬ ‫دقيقة حرية‬
‫‪123‬‬ ‫اعتنقت مبادئ الليبرالية قبل أن أعرف اسمها‬
‫‪127‬‬ ‫كنت إسلميا متشددا ولكن أصبحت ليبراليا ‪....‬‬
‫‪139‬‬ ‫إنها ليــبراليــتــي‬
‫‪145‬‬ ‫اخترت الليبرالية‪ ..‬لنني امرأة‬
‫‪149‬‬ ‫حتى تحب مريم وطنها‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪6‬‬

‫تمهيد‬

‫يحتوي الكتاب الذي تحمله بين يديك على عشرين مقالة متميزة‬
‫قدمها شباب من المصريين الذين اشتركوا في مسابقة لكتابة مقال تحت‬
‫عنوان "أنا ليه ليبرالي؟"‪ ،‬هذه المسابقة هى الولى من نوعها في‬
‫مصر‪ ،‬أقيمت في النصف الول من عام ‪ 2009‬تحت رعاية كل من‬
‫مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية وكذلك اتحاد الشباب‬
‫الليبرالي المصري‪ ،‬كما حظيت بدعم الشركاء العلميين جريدة‬
‫"المصري اليوم" وإذاعة "حريتنا"‪.‬‬

‫ولقد بلغ إجمالي المقالت المقدمة ‪ 76‬مقالة تم دراستها من جانب‬


‫فريق من كبار المحكّمين الذين قاموا بتصنيف جودتها ونوعيتها وفقا‬
‫لمجموعة من المعايير المحددة‪ ،‬من بينها الجودة الدبية والمضمون‬
‫والرسالة الليبرالية المقدمة وكذلك أصالة الحُجج المستخدمة‪ .‬تكون‬
‫فريق المحكّمين من‪:‬‬
‫الستاذ الدكتور‪ /‬علي الدين هلل‪ ،‬الستاذ بكلية القتصاد والعلوم‬
‫السياسية جامعة القاهرة ووزير الشباب السبق‬
‫الدكتور‪ /‬وحيد عبد المجيد‪ ،‬خبير بمركز الدراسات السياسية‬
‫والستراتيجية بالهرام ونائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب‬
‫الدكتور‪ /‬جمال عبد الجواد‪ ،‬خبير بمركز الدراسات السياسية‬
‫والستراتيجية بالهرام وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة المريكية‬
‫بالقاهرة‬
‫الستاذ‪ /‬شارل فؤاد المصري‪ ،‬سكرتير التحرير التنفيذي بجريدة‬
‫المصري اليوم‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪7‬‬

‫وضمانا للتزام الحيادية في الختيار فقد تم حذف أسماء كاتبي‬


‫المقالت من النصوص المقدمة إلى لجنة التحكيم‪.‬‬
‫وقد حصلت مقالة الستاذ‪ /‬محمد سعد محمد بعنوان "مرونة‬
‫الليبرالية سر استمرارها" علي المركز الول في المسابقة‪.‬‬

‫وهذه المسابقة لكتابة مقال بهذا الشأن وكذلك المطبوعة التي نحن‬
‫بصدها الن إنما تستهدفان إعطاء فرصة للشباب المصري لكي‬
‫يشرحوا بكلماتهم وتعبيراتهم الخاصة ماذا يعني لهم أن يكون الفرد‬
‫ليبراليا اليوم‪ .‬ويري القائمون على تنظيم المسابقة أن مجرد دعوتهم‬
‫للشباب كي يعبروا عن أفكارهم ومعتقداتهم هو في أساسه انتهاج‬
‫لقاعدة ليبرالية أساسية‪.‬‬

‫ويطمح هذا الكتاب في أن يساهم في المناقشة الجارية حول‬


‫المبادئ والقيم الليبرالية ومدى صلة السياسة الليبرالية بتلك البقعة من‬
‫العالم‪ .‬ولذا ندعوك للنضمام إلى هذه المناقشة‪.‬‬
‫لمزيد من التفاصيل الرجاء مراجعة الموقع اللكتروني‬
‫‪www.librali.net‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪8‬‬

‫المقدمة‬

‫بقلم‪ :‬د‪ .‬رونالد ميناردوس‬


‫المدير القليمي لمؤسسة‬
‫فريدريش ناومان‬

‫يُعد الليبرالية إحدى التيارات السياسية العظيمة‪ ،‬إل أنه في الوقت‬


‫نفسه يصعب أن نجد كلمة في القاموس السياسي لعصرنا أثارت جدلً‬
‫مثلما أثارته تلك الكلمة‪ .‬فبينما ل تحمل الكلمة بالنسبة للعديد من‬
‫الشخاص‪ -‬الليبراليين بالتأكيد‪ -‬سوى دللت إيجابية‪ ،‬فهى لعنة‬
‫بالنسبة لكثير من مُعادي الليبرالية إذ يتعاملون معها هكذا‪.‬‬

‫ويتجلى ذلك النقسام بوضوح في مصر شأنها في ذلك شأن بقاع‬


‫أخرى في العالم العربي ولقد تضافرت جهود ائتلفية شملت تحالفا قويا‬
‫بين أيدلوجيات الفكر المحافظ‪ ،‬والصولي وشبة التقدمي في سعي‬
‫متواصل لتصوير الفكر الليبرالي بأنه فكر شيطاني‪ .‬واستخدم‬
‫مناصرو تلك الحملة المناهضة لليبرالية كافة ضروب الوصف القبيح‬
‫للتحقير من شأن الليبراليين واصفين إياهم باللخلقية‪ ،‬والطمع‬
‫واللوطنية‪ ،‬إلى جانب أنهم‪ -‬في نظر هؤلء‪-‬يخضعون للنفوذ الجنبي‬
‫ويتسمون باللحاد بل ومناهضة الديان‪.‬‬

‫ولمواجهة تلك المزاعم والدعاءات الباطلة ينبغي على الليبراليين‬


‫أن يأخذوا جانب الهجوم اليدلوجي ويقومون بإقناع الغلبية (الصامتة)‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪9‬‬

‫بأن ما يردده خصومهم عنهم ليس فقط من قبل الضيم والخبث ولكنه‬
‫أيضا مضلل في بعض الحيان‪.‬‬

‫ومن إحدى التحديات الهامة أمام الليبرالية والتي تُعد في الوقت‬


‫ذاته إحدى مميزاتها هي أن الليبرالية‪ ،‬بعكس التيارات السياسية‬
‫الخرى‪ ،‬ترفض فلسفة الدوغمائية أو الوثوقية‪ ،‬فالليبرالية في جوهرها‬
‫نقيض للوثوقية إذ إنها ل تقدم إجابة أيدلوجية قاطعة للمشاكل المتشابكة‬
‫والمعقدة‪ ...‬فالليبراليون يحبون النقاش قبل التوصل إلى نتيجة‪،‬‬
‫ويطرحون السئلة قبل إعطاء إجابات‪ .‬وهذا النفتاح للنقاش والرغبة‬
‫في الستفسار عن كل صغيرة وكبيرة تقريبا ل ينبغي سؤ تفسيرهما‬
‫على أنهما انعكاس لفتقار الليبراليين إلى المبادئ والقيم‪ ،‬بل على‬
‫العكس فالليبراليون لديهم مبادئ محددة واضحة وضوحا شديدا بل‬
‫وبعضها تعد غير قابلة للجدال‪.‬‬

‫وفي صميم تلك المواقف تأتي حرية الفرد‪ ،‬فتعزيز تلك الحرية‬
‫وحمايتها من كافة أنواع التعدي إنما هو جوهر كافة المساعي‬
‫الليبرالية‪ .‬والنظام الليبرالي ل ينظر إلى حرية الفرد بمنائي عن‬
‫المسئولية‪ ،‬المر الذي يضيف لليبرالية بُعدا اجتماعيا‪ .‬وفي المفهوم‬
‫الفلسفي السياسي فإن تصدر حرية الفرد وأولويته في الفكر الليبرالي‬
‫هو الذي يفضي إلى المفاهيم العظيمة الخاصة بحقوق النسان وسيادة‬
‫القانون والمساواة في الفرص داخل المجتمع‪ ،‬فكل تلك المفاهيم‬
‫العظيمة للحضارة النسانية‪ ،‬التي تدخل في عداد " البتكارات"‪ ،‬إنما‬
‫هي نتاج لعدد ل حصر له من المعارك والصراعات على مر القرون‪،‬‬
‫معارك كان فيها دوما الليبراليون‪ ،‬رجالً ونساء في المقدمة‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪10‬‬

‫وإذا كانت الليبرالية ‪-‬كما أسلفنا‪ -‬تتعارض مع فلسفة الدوغمائية‪،‬‬


‫فمن الطبيعي أن نجد الليبراليين يدلفون إلي مناقشات طويلة تتعلق‬
‫بتفسير مبادئهم الساسية‪ -‬وما تحمله تلك المبادئ من معاني في خضم‬
‫واقع الحياة (السياسية) اليومية‪ .‬ولذلك يصبح من العدل في ذلك المقام‬
‫أن نجادل ونقود البراهين على أن الليبرالية ليس لها نموذج واحد فقط‬
‫يناسب كافة المجتمعات والبلدان في أي مرحلة تاريخية ولكن يجوز أن‬
‫تختلف برامجها من حيث الولويات والنقاط المحورية باختلف المناخ‬
‫السياسي والقتصادي والثقافي والتاريخي‪.‬‬

‫وإني أقول ذلك من واقع تجاربي وخبراتي في العمل لمؤسسة‬


‫ليبرالية في بقاع مختلفة في العالم على مدار العشرين سنة الماضية‪ ،‬إذ‬
‫أنه بعد التعامل مع الليبراليين في العديد من البلدان مثل اليونان‬
‫وكوريا الجنوبية والفلبين وتايوان والن في مصر والعالم العربي‪ ،‬تولّد‬
‫لدي الدراك بأنهم جميعا يواجهون تحديات سياسية واجتماعية‬
‫واقتصادية وثقافية تختلف اختلفا جوهريا من بلد إلى آخر وبالتالي فهم‬
‫مضطرون بحكم الظروف إلى إيجاد إجابات سياسية خاصة بظروف‬
‫بلدانهم لتلك التحديات المحلية ‪ .‬ورغم هذا التباين‪ ،‬إل أنهم ل يزالون‬
‫متحدين يجمعهم اليمان بأنه في نهاية المطاف يبقى تعزيز حرية الفرد‬
‫هو غاية السعي السياسي‪.‬‬

‫ومن ضمن خبراتي الكثر إثارة ومتعة منذ مجيئي إلى تلك البقعة‬
‫من العالم قبل عامين ونصف هى اكتشاف ما أرغب في أن أطلق عليه‬
‫ديناميكية الليبرالية المصرية‪ ،‬فالمصريون الليبراليون أقوى كثيرا من‬
‫حيث العدد والقدرة الفكرية مما يعتقد الكثير من الناس من داخل‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪11‬‬

‫وخارج البلد بل‪ ،‬ما يبعث على السعادة‪ ،‬أن الليبرالية المصرية‬
‫تحمل قدرات يمكن أن تجعلها في المستقبل أقوى كثيرا من المنظمات‬
‫القائمة التي تزعم تمثيلها لليبرالية الن‪ ،‬ودعوني أُعقب سريعا أن ذلك‬
‫ليس فقط بسبب قصور تلك المنظمات وإنما هو أيضا نتاج لمناخ‬
‫سياسي فقير الدعم أو ‪-‬بصراحة تامة‪ -‬معاد للتعبئة السياسية‬
‫الليبرالية‪.‬‬

‫ويقودني هذا السياق مباشرة لمقالت هذا الكتاب‪ ،‬فهى تعكس ثراء‬
‫الفكر الليبرالي وأصالته بين الشباب المصري‪ .‬ولشد ما كان إعجابنا –‬
‫نحن مؤسسة فريدريش ناومان وكذلك المحكّمين بتلك المسابقة الذين‬
‫قاموا بتحليل المقالت المقدمة بعناية فائقة وبأكثر قدر ممكن من‬
‫الحيادية‪ -‬لشد ما كان إعجابنا بما كتب أثناء قراءة المقالت‪ .‬وفي‬
‫النهاية كانت مهمتنا لختيار ‪ 20‬مقالً مما نراه الكثر قيمة بين‬
‫المقالت المقدمة شديدة الصعوبة‪.‬‬

‫وأنني بصفتي المدير القليمي لمؤسسة فردريش ناومان أود أن‬


‫أهنئ كل كاتبي المقالت عن إسهاماتهم وأدعوكم جميعا لقراءة‬
‫الصفحات التالية من الكتاب آملً أن تتفقوا معي في النهاية على أن كل‬
‫مقالة من المقالت تتضمن إسهاما فريدا ومثيرا للخطاب المصري‬
‫الليبرالي‪ ،‬فهى تقدم رؤية عن تعريف الشباب المصري لليبرالية وكيف‬
‫كان للفكار الليبرالية تأثيرا على حياتهم كما تعطي رؤية على نحو‬
‫عام عن الكيفية التي يمكن بها‪ -‬في رأي الشباب المصري‪ -‬لليبرالية‬
‫أن تغير مستقبل بلدهم تغيرا إيجابيا‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪12‬‬

‫ومن خلل لقاءاتي مع شباب مصري ليبرالي‪ ،‬رجالً ونساءَ‬


‫التقيت بنماذج وطنية معاصرة ممن لديهم اهتمام شخصي كبير‬
‫بمستقبل هذه المة العظيمة ولكن المفعمة بالمشاكل ‪ .‬وأنه لمن دواعي‬
‫الفخر للمؤسسة التي أعمل بها أن تكون على صلة بهؤلء النخبة من‬
‫الشباب ويسعدنا أن نكون الراعين لهذه المطبوعة حتى يمكن‬
‫لصواتهم أن تصل إلى قاعدة أكبر من الجمهور‪ .‬فكم هي باقية‬
‫الليبرالية التي تجسدها وثائق هذا الكتاب في عقول (وأيضا قلوب)‬
‫الشباب المصري‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪13‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪14‬‬

‫الفصل الول‬
‫محاولت لتعريف‬
‫الليبرالية‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪15‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪16‬‬

‫أركان الليبرالية‬

‫أحمد سيد حسين محمد‬

‫مواليد ‪ .1983‬يعد رسالة الدكتوراه حول مسار النظم‬


‫السياسية المقارنة‪ ،‬قسم العلوم السياسية‪ ،‬كلية‬
‫القتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‪ .‬أعمل‬
‫بقطاع العلم والتصال‪ ،‬جامعة الدول العربية‪.‬‬
‫شاركت في العديد من أنشطة المجتمع المدني‬
‫والمنظمات الشبابية داخل وخارج مصر‪ ،‬ومن أبرزها‬
‫مشاركتي في دورتين لمؤسسة فريدريش ناومان‬
‫‪ .2008-2007‬أحلم بعالم مثالي تسوده قيم العدالة‬
‫والتسامح والمساواة والحرية وعدم التمييز‪ ،‬عالم‬
‫خالي من الحروب والنزاعات‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪17‬‬

‫في عالم تتعدد فيه الفكار والراء‪ ،‬وتتنوع فيه النظريات‬


‫واليديولوجيات‪ ،‬وتتشابك فيه القيم والغايات‪ .‬خرجت الليبرالية بمفاهيمها‬
‫ومبادئها‪ ،‬تقدم للعالم خلصة خبرة تاريخية تدب بجذورها في التاريخ‬
‫النساني‪ ،‬ترسم حدودا للعلقات الجتماعية بين البشر‪ ،‬تبني فكرا‬
‫اقتصاديا‪ ،‬وتشيد بناءا سياسيا‪ ،‬جميعا تسمو فوق التمايزات والختلفات‪،‬‬
‫وتعلي من قيمة الفرد دون النظر لخلفياته‪ ،‬إنما لكونه فردا في حد ذاته‪.‬‬
‫وعندما أسأل نفسي "أنا ليه ليبرالي؟"‪ ،‬أجد السؤال يتبدل في ذهني‬
‫تلقائيا‪" ،‬كيف ل أكون ليبراليا؟"‪.‬‬
‫يرجع مفهوم الليبرالية –دون الطالة‪ -‬إلى النظام السياسي الذي‬
‫ظهر وتطور في إنجلترا من القرن ‪ ،17‬وكان من أبرز مفكريه ديفيد‬
‫هيوم‪ ،‬وآدم سميث‪ .‬وقد كان مفهوم الحرية الفردية والتي يحددها‬
‫القانون هو الذي أثر على الحركات الليبرالية في القارة الوروبية‪ ،‬كما‬
‫أصبح الدعامة التي استندت إليها التقاليد السياسية المريكية‪ .‬فسرعان‬
‫ما شاع استخدام مصطلح الليبرالية‪ ،‬وقصد به في ذلك الوقت –بداية‬
‫تكوين مفهوم الليبرالية‪ -‬أنصار المذهب البرلماني‪ ،‬ودعاة حرية الفكر‪،‬‬
‫وحرية التجارة‪ ،‬وحرية الملكية الخاصة‪ ،‬أي اليمان بإمكانية تحقيق‬
‫الرخاء العالمي من خلل إطلق القوى الطبيعية‪ ،‬وتحريرها من‬
‫القيود‪ ،‬والثقة في قدرة الفرد على تحقيق سعادته الخاصة‪ ،‬وسعادة‬
‫مجتمعه في آن واحد‪.‬‬
‫إن مفهوم الليبرالية في مجتمعاتنا يشوبه الكثير من اللبس‬
‫والغموض‪ .‬إذ يعتقد معارضوا الليبرالية أن الليبرالية ترتبط بالنحلل‬
‫الخلقي‪ ،‬وأنها ما هي إل دعوة للتفسخ‪ ،‬والفجور‪ ،‬ومحاربة الديان‪.‬‬
‫فهل هذه هي الليبرالية حقا؟!‪ .‬دعونا نستعرض سويا – من وجهة‬
‫نظري‪ -‬أهم القيم التي تستند إليها الليبرالية‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪18‬‬

‫الفرد‪ :‬فقيم وإجراءات الليبرالية تبدأ وتنتهي بالفرد‪ ،‬باعتباره شخص له‬
‫هويته المنفصلة‪ .‬وأن سعي الفرد لتحقيق ذاته وتنمية قدراته‪ ،‬هو‬
‫الغرض الساسي الذي يجب أن تسعى ورائه الدولة‪ ،‬وهي القيمة‬
‫السياسية النهائية‪ .‬وعليه فإن الليبرالية تسعى نحو استبعاد العوائق التي‬
‫تحول دون تطوير الفرد لذاته‪.‬‬
‫الملكية‪ :‬يرى معارضوا الليبرالية أنه من أبرز مثالبها‪ ،‬صعوبة التوفيق‬
‫بين حق الملكية الفردية من ناحية‪ ،‬وحق جميع الفراد في تطوير‬
‫قدراتهم –المبدأ الخلقي الساسي لليبرالية كما ذكرنا سالفا‪ -‬من‬
‫ناحية أخرى‪ .‬أي أن حق الملكية الفردية يدعم علقات القوة والطبقية‬
‫بين الفراد‪ ،‬مما يفرغ مبدأ حق الفراد في تطوير وتنمية قدراتهم من‬
‫محتواه‪ .‬إل أن الملكية الفردية ليبراليا‪ ،‬تقوم على مبدأ عدم الستبعاد‪.‬‬
‫أي أن حق الملكية الفردية ل يستبعد الخرين من النتفاع بشيء ما‪،‬‬
‫ومقابل ذلك يتعامل الفرد بالمثل‪ ،‬أي ل يستبعد من الخرين‪ .‬فمفهوم‬
‫الملكية في الفكر الليبرالية أوسع بكثير من مجرد التركيز على ملكية‬
‫الفرد الذاتية مقابل حق الخرين‪.‬‬
‫المساواة‪ :‬أحد الركان المحورية والقيم الجوهرية في الفكر الليبرالي‪.‬‬
‫وهي تستند على عدة أبعاد هي‪ ،‬المساواة السياسية‪ ،‬أي المساواة أمام‬
‫صناديق النتخاب‪ ،‬فكل من تنطبق عليه الشروط يحق له التصويت‬
‫بنفس الوزن لغيره‪ ،‬والمساواة في الترشيح للمناصب ما توافرت‬
‫شروط الترشيح في شخص المرشح‪ .‬المساواة القانونية‪ ،‬فالفراد ل‬
‫يتميزون أمام القانون‪ .‬المساواة في الحراك الجتماعي‪ ،‬فكل فرد في‬
‫المجتمع له الحق في النتقال من طبقة إلى أخرى وفقا لقدراته‬
‫وكفاءته‪ .‬المساواة القتصادية‪ ،‬أن يضمن لكل فرد تأمين مستوى‬
‫اقتصادي معين "المن القتصادي" وليس المساواة في الدخل بين كافة‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪19‬‬

‫المواطنين‪ .‬المساواة الجتماعية‪ ،‬أي أن الكل سواء دينا وعرقا وجنسا‬


‫ونوعا ولونا وفكرا‪ ...‬فالكل سواسية في الحقوق والواجبات‪.‬‬
‫الحرية‪ :‬تعد أهم قيمة في الفكر الليبرالي‪ .‬فالمجتمع الحر والدولة الحرة‬
‫هما المقصد من وراء الليبرالية‪ .‬فالحرية الليبرالية لها شرطان‪ ،‬غياب‬
‫القيود الخارجية على السلوك الذي يرغب فيه الفرد‪ ،‬وغياب التعديد‬
‫الخارجي الذي ل يمكن مقاومته‪ .‬أي عدم وجود قيود تحد من تمتع‬
‫الفرد في بحقه في ممارسة ما يرغب فيه‪ ،‬وعدم وجود تهديدات‬
‫يخشاها إذا ما أقدم على هذا الفعل‪ .‬ومن أمثلتها الحرية من النتماء‬
‫الحزبي‪ ،‬حرية الفكر‪ ،‬حرية النتماء الديني‪ ،‬حرية العقيدة‪ ...‬وجميعها‬
‫حريات فردية يجب أل يقابلها قيود أو تهديدات تحد من التيان بها من‬
‫قبل الفرد‪.‬‬
‫فالليبرالية تركز على الفرد والحياة السياسية‪ ،‬وتذهب إلى أن‬
‫السياسة صنعة وفن وضعه النسان‪ ،‬والحكومة ليست أمرا طبيعيا‪،‬‬
‫وإن كانت أمرا ضروريا‪ .‬أما الطبيعي فهو الحرية النسانية‪ ،‬فل هي‬
‫مكتسبة‪ ،‬ول هي منحة من أحد‪ ،‬والبشر متساوون جميعا‪ .‬كما أنه من‬
‫أبرز مقولت الليبرالية‪ ،‬أن العقل البشري قادر وحده على تحديد شكل‬
‫الحياة الفضل للنسان‪ ،‬كما تؤكد التسامح الديني والخلقي‪ ،‬وسعة‬
‫الفق ورحابة الصدر في تقبل الرأي الخر‪.‬‬
‫من خلل هذه القيم ‪ -‬والتي هي قيم النسان بطبيعته ‪ -‬رأيت أن‬
‫الليبرالية هي التعبير عن شخصي‪ .‬هي التعبير عن كوني إنسانا لي من‬
‫الحقوق ما يقابل ما علي من واجبات‪ .‬وجدت ما أؤمن به من أن الكل سواء‬
‫مهما اختلفت أيديولوجياتهم وأفكارهم وألوانهم وأعراقهم وجنسهم‪ ،...‬وأن‬
‫المرأة هي عماد المجتمع بجوار الرجل على قدم المساواة‪ .‬وأن حريتي‬
‫كفرد – مع احترام حرية الخرين ‪ -‬هي من أسمى قناعاتي‪ .‬وأن العدالة‬
‫الجتماعية التي مادمت أبغيها هي التعبير الصادق عن ما تصبو إليه‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪20‬‬

‫الليبرالية من خلل قوى السوق ومن خلل قيمها الخرى‪ ،‬بما يعود على‬
‫الفرد نفسه وعلى المجتمع ككل بكل ما هو إيجابي‪.‬‬
‫والن‪ ،‬دعونا نتصور أن المجتمع المصري قد تحول إلى الفكر‬
‫الليبرالي من خلل حكومته ومجتمعه‪ ،‬فكيف سيكون المستقبل؟‪.‬‬
‫ل شك أن المواطن الذي ينشأ في جو من الحرية‪ ،‬ويربى على‬
‫احترام الخرين والعناية بهم وبخيرهم ومصلحتهم‪ ،‬ويقابل بصدر‬
‫رحب الراء المخالفة لمعتقداته‪ ،‬هو المواطن القادر على أن يحيا حياة‬
‫إنسانية رفيعة‪ ،‬فيكون شخصية قادرة على الخلق والبداع‪ ،‬وعلى تنمية‬
‫ملكاته إلى أقصى حد‪ .‬كما أن الليبرالية تساعد المجتمعات على‬
‫التخلص من الصراعات والخلفات بالطرق السلمية‪ ،‬فكل مجتمع به‬
‫اختلفات‪ ،‬والليبرالية تضفي الشرعية على الختلف بين أشكال‬
‫التعبير‪ ،‬وتسعى ليجاد حلول وسط عن طريق الحوار ونبذ العنف‪،‬‬
‫وذلك من خلل وجود مؤسسات وميكانيزمات لحل الصراعات‪ ،‬تعمل‬
‫على توسيع نطاق المشاركة السياسية وحماية الحريات‪ .‬كما تضمن‬
‫الليبرالية للمجتمع التغيير السلمي‪ ،‬وذلك من خلل ما تتيحه من إمكانية‬
‫الحراك الجتماعي‪ ،‬وإتاحة الفرص المتساوية للجميع في الوصول إلى‬
‫المناصب العليا مادامت الكفاءة والقدرات متوفرة‪ ،‬مما يقي المجتمع أية‬
‫هزات اجتماعية‪ ،‬قد تصل إلى عنف اجتماعي ل تحمد عقباه‪ .‬ومن هنا‬
‫فسوف تساعد الليبرالية في القضاء على كافة أشكال الفساد والواسطة‬
‫والمحسوبية خاصة في الحصول على الوظائف –وهي أكثر ما يهم‬
‫الشباب‪ -‬ومن ثم معالجة أخطر مشاكل المجتمع المصري تدريجيا‬
‫وهي البطالة‪ ،‬واختفاء الطبقة الوسطى‪ .‬بالضافة إلى أنها سوف تدعم‬
‫التعاقب المنتظم للسلطة‪ ،‬ومن ثم تجديد الدماء في المجتمع‪ ،‬وثقله‬
‫بأفكار جديدة‪ ،‬والتي من شانها تحقيق التنمية والرخاء داخل المجتمع‪،‬‬
‫وتقيد الشعور بالغتراب‪ ،‬وعدم النتماء‪ .‬كما أن تحقيق العدالة سيكون‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪21‬‬

‫محورا بارزا في مستقبل المجتمع المصري‪ ،‬وذلك نظرا لما تتيحه‬


‫الليبرالية من إمكانية التغيير والتطوير في حال وجود قوانين ل تحق‬
‫العدالة‪ ،‬كما أنها تتيح للجميع المساواة أمام القانون‪ ،‬بما يحقق العدالة‬
‫بكافة أشكالها السياسية والجتماعية والقتصادية والقانونية‪...‬ناهيك‬
‫عن أهم ما يميز الليبرالية‪ ،‬والذي سوف يكون فاعل رئيسيا في رسم‬
‫المستقبل‪ ،‬وهو تدعيم الحريات‪ ،‬والتي وإن تصارعت فيما بينها أو فيما‬
‫بينها وبين غيرها من القيم‪ ،‬فإن الليبرالية تنسق بين الحريات بعضها‬
‫البعض وبينها وبين القيم‪ ،‬بما يؤدي لكبر تدعيم ممكن وتحقيق للعدالة‬
‫والمساواة‪ ،‬وهنا تتحقق الديمقراطية الصحيحة التي تلتقي فيها مصلحة‬
‫الفرد مع مصلحة الجماعة على صعيد واحد‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن القول بأن الليبرالية تدعو إلى الحوار‪ ،‬واحترام التنوع‬
‫الفكري‪ ،‬والعيش المشترك‪ ،‬والتسامح مع الخر على اختلف آرائه‬
‫وتوجهاته وعرقه ودينه‪ ،‬والعتراف بحقوقه في الوجود والحرية‬
‫والسعادة‪ .‬الليبرالية هي الحياد اليجابي تجاه الديان جميعها‪ ،‬وليس‬
‫العدائية تجاه الدين كما يعتقد البعض‪ ،‬فهي حماية للديان كلها‪ .‬الليبرالية‬
‫تعمل على تعزيز مفهوم المواطنة ليعيش أفراد المجتمع كلهم على قدم‬
‫المساواة في الدولة بغض النظر عن دياناتهم أو أعراقهم أو ألوانهم‪ .‬وهي‬
‫بذلك ل تعني إلغاء الدين ومحاربته‪ ،‬ولكن تعني عدم زج المقدس بلعبة‬
‫المصالح الدنيوية‪ ،‬فأخطر ما يكون هو استغلل عاطفة الدين لغراض‬
‫سياسية‪ .‬الليبرالية هي النسانية إلى أقصى مداها‪ ،‬التي تؤمن بأن النسان‬
‫هو ركيزة الحياة‪ .‬الليبرالية هي التي تؤمن بأن الفكر الحر والحريات‬
‫المسئولة هي قدر البشرية‪ ،‬وأساس ارتقائها وعزتها‪ .‬الليبرالية تبني‬
‫النسان ذا الرادة الحرة والمجتمع الحر‪ ،‬فمن دون هذا الفكر الحر لن‬
‫يكون هناك إبداع‪ .‬الليبرالية تسعى إلى نبذ العنف‪ ،‬وتنادي بالعدالة‬
‫النسانية المجردة من هويات العنصرية الزائفة‪ .‬الليبرالية التي أعادت‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪22‬‬

‫المرأة حقوقها‪ .‬الليبرالية التي هي منظومة القيم المجتمعية والثقافية‬


‫والنسانية التي تدعو إلى البناء ل الهدم‪.‬‬
‫"فكيف ل أكون ليبراليا؟"‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪23‬‬

‫لن الثراء في الختلف‬

‫سينثيا فرحات‬

‫مواليد ‪ .1980‬طالبة في الجامعة الحديثة للعلوم‬


‫والفنون قسم أعلم‪ .‬شاركت في تأسيس حزب‬
‫سياسي ليبرالي ‪ ،2007 - 2004‬وشاركت في‬
‫تنظيم العديد من النشطة السياسية الليبرالية‬
‫والحقوقية مع منظمات مدنية مصرية ودولية‪.‬‬
‫بالضافة لخبرتي في العمل كمنسقة لشبكة‬
‫الليبراليين العرب بالتعاون مع مؤسسة فريدريش‬
‫ناومان ‪ .2008‬إلي جانب هوايتي كمثالة وكاتبة‪.‬‬
‫أحلم بوجود مناخ سياسي مدني ومتحضر في مصر‬
‫كنماذج النظمة السياسية العالمية الناجحة التي‬
‫تسهل كافة جوانب الحياة لمواطنيها والتي اكتشفت‬
‫أن السبيل المثل لتحقيقها هو العمل والكفاح‬
‫السياسي والمدني الليبرالي بكل شغف وحب لهذا‬
‫الوطن ولحقوق النسان الغير منقوصة لكافة‬
‫مواطنين مصر علي كل المستويات أسوة بمواطنين‬
‫العالم الحر‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪24‬‬

‫"الطريقة الوحيدة للتعامل مع عالم غير حر هو أن تتحرر تماما‬


‫حتي يكون وجوهر وجودك حالة من معارضته"‬
‫ألبير كامو‪.‬‬

‫قال الكثير من المفكرين والعلماء والفلسفة أن السئلة الجيدة‬


‫تتضمن إجاباتها‪ ،‬ومنه نستطيع أن نستنتج أن الفكار الصالحة تحمل‬
‫آليات تطبيقها بنجاح‪ ،‬وهذا سؤال يُصنف من تلك السئلة التي تجيب‬
‫عن نفسها بطريقة ما إذا كنا نستند للملحظة والتجربة الحياتية الواقعية‬
‫لتشكيل أرائنا ومنهجية تفكيرنا‪ ،‬لننا لم نتعود في المنطقة العربية أن‬
‫نتساءل عن المصطلحات والتي تُعرفنا بل والتي في بعض الحيان‬
‫نحارب لجلها دون الوقوف أمام هذا النوع من التساؤل‪ ،‬والذي هو في‬
‫بعض الحيان مُجرم لننا لم نختار معظم الهويات التي تُعرفنا بل هي‬
‫هويات متوارثة ملفقة جاهزة للرتداء في معظم الحيان‪.‬‬
‫وتوجد بعض المواد القانونية مخصصة لمعاقبة المشككين‬
‫والمتسائلين فيها‪ ،‬لحماية أفكار لم نختارها لتمثلنا وهذا يشير لحرج‬
‫المأزق الذي أوقعنا أنفسنا فيه والذي ل يتحدث جيدا عن أفكارنا‬
‫ومنهجيتها‪ ،‬ولكننا تربينا علي اعتناق أفكار والدفاع عنها وأحيانا‬
‫الموت لجلها دون رفاهية مسألتها وتحليلها واختبارها بموضوعية أو‬
‫التشكيك في صلحيتها أو درجة استطاعة تطبيقها‪ ،‬ولذلك لم نُهيئ‬
‫للتساؤل حتي عن أكثر الفكار خصوصية مثل الدين والتوجه‬
‫السياسي ومعظم التعريفات التي نمثل بها أنفسنا هي هويات ملقنة لنا‬
‫تُعرفنا وتختزلنا فكيرا ووجوديا دون رفاهية رفضها‪ .‬النظم السياسية‬
‫والقانونية والعقابية الغير ليبرالية تحمي عدم التساؤل والنقد والتشكيك‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪25‬‬

‫بها وهذا سبب كافي للبرهنة علي عدم صلحية تطبقها‪ ،‬ونحتاج الكثير‬
‫من الشجاعة لمواجهة اعترافنا بذلك أمام أنفسنا‪.‬‬
‫ولماذا الليبرالية؟ إن اختياري الفردي لمصلح الليبرالية ليكون‬
‫أحدي التعريفات الرئيسية التي أعرف بها نفسي لم يأتي فقط عن اقتناع‬
‫بفكرة‪ ،‬بل وأكثر من ذلك بكثير‪ ،‬الليبرالية هي فلسفة سياسية‬
‫واجتماعية فكرية وجدت نفسي أتعامل بها وأنا أحاول عيش قيم أخاء‬
‫واحتمال بوضع حقوق كل من حولي كأحدي أولوياتي في حياتي‬
‫ل من أكون‬‫اليومية وطموحي لكون فقط بذرة صغيرة من الحل بد ً‬
‫عامل سلبي في معادلة المشكلة‪ ،‬وأحدي النقاط الجوهرية التي تجعلني‬
‫أجد فخر في تمثيل ذاتي بذلك المصطلح لن الليبرالية قادرة علي‬
‫طرح نفسها في صيغة تساؤل نقضي مثل هذا وتحتمل أن أكتب الن‬
‫في صالحها أو ضدها وتكفل لي نفس الحقوق في كلتا الحالتين دون‬
‫أي انتقاص أو ترهيب لكن الليبرالية نظام سياسي واقتصادي ونهج في‬
‫التفكير الفلسفي والحياتي اليومي ل يوجد فيه نظام عقابي لمن يشكك‬
‫به ويحلله وينقضه‪ ،‬بل حرا تختاره‪ ،‬وحرا تنقضه‪ ،‬وحرا ترفضه‬
‫أيضا‪ ،‬بل وما هو أكثر من ذلك‪ ،‬ستكفل لي الليبرالية العلن‬
‫والجهار بعدم إعجابي ورفضي لها من خلل قنواتها المختلفة! ولذلك‬
‫ل أقبل أن أمثل نفسي بفكرة إل إذا تقبلت تلك الفكرة رفضي لها إن‬
‫قررت أن افعل ذلك في يوم من اليام‪ ،‬ولكن تلك الدرجة من الحتمال‬
‫إن أودت لشيء فهو أن تجعلني أكثر تمسكا بها‪.‬‬
‫الليبرالية تفترض بى المسؤولية والهلية العقلية لتحمل عاتق‬
‫الحرية‪ ،‬التي هي أصعب في رأيي من الولدة داخل منظومة مُحكمة‬
‫من العبودية الفكرية التي توفر ظاهريا التنصل عن المسؤولية الفردية‬
‫التي تأتي مع الفرادنية لنها ترمي علي عاتقي الختيار الذي لم‬
‫يُعرض للرقابة الفكرية المتشددة‪ ،‬بل كل شيء أمامي وعليّ أن اختار‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪26‬‬

‫وأتخذ القرار وأتحمل العواقب‪ ،‬وتلك هي مسؤولية الحرية‪ ،‬ولكن‬


‫ليست تلك الحرية التي تُروج لها النظم الغير الليبرالية‪ ،‬فهم يصورون‬
‫لنا أن الحرية هي الباحية والجريمة‪ ،‬وكأن ليست في تلك النظم‬
‫كغيرها الباحية والجريمة بكل أشكالها‪ ،‬ولكن التعتيم والتستر يزيدها‬
‫تأججا وعدم المواجهة يعطي تلك السلبيات المناخ التعتيمي المثل‬
‫لتفاقمهما‪.‬‬
‫ولكن الليبرالية هي أن تعرف من خلل حق نشر كل الفكار‬
‫والمعلومات وتداول المعرفة السلمية من خلل أي قناة تواصل‪ ،‬هي‬
‫التي توفر لك مناخ حر تتعرف علي نفسك به وتتقابل مع هويتك‬
‫المدفونة تحدت اللفاظ المؤدلجة المملة علينا عنوة‪ ،‬هي أن تختار بعد‬
‫أن تتعرف علي ذاتك وعلي العالم من حولك‪ ،‬ليس بما يقال عنه من‬
‫خلل قنوات أعدائه بل تعرفه كما أختار العالم الخر الحر تمثيل‬
‫نفسه‪ ،‬وتتحمل نتائج المعرفة ثم عواقب الختيار ومن ثم العتراف‬
‫مسؤوليته لنه ل فضل لنا في اختيار الفضيلة إذا كانت كل اختياراتنا‬
‫المتاحة ملقنة تعسفنا ولكن اختيار أي قيمة إنسانية أو أخلقية في جو‬
‫من الحرية هو البرهان الحقيقي والختبار الحقيقي لجوهر حقيقتنا وتلك‬
‫مساحة توفرها لي الليبرالية لري نفسي في ضوء حقيقي وأختار من‬
‫أكون ولماذا‪ ،‬بناء عن التجربة والخطأ بحرية ومسؤولية فردية وتلك‬
‫هي الليبرالية بالنسبة لي‪ ،‬لقد قال القاضي المريكي الراحل بوتر‬
‫ستيوارت "إن الرقابة هي انعكاس عدم ثقة المجتمع في نفسه"‪ ،‬وحجب‬
‫المعلومات وتحجيم الفكار وقمعها هي الحكم علينا أننا غير مؤهلين‬
‫للحرية لننا ل نستطيع تحملها هو حكم مسبق علينا بانعدام الهلية‬
‫العقلية من خلل حجب الفكار والمعلومات رقابيا لجعلنا أكثر عبودية‬
‫للفكار السائدة المباركة بالحكومات الديكتاتورية‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪27‬‬

‫اختياري الفردي لتمثيل نفسي بالليبرالية ليس فقط بتوجه نابع عن‬
‫حبي للتسامح بل أيضا للبرجماتية المنفعية وللستفادة‪ ،‬ولذلك هي‬
‫تحمل بذرة الرتقاء الذاتي الذي هو سمة رئيسية للكوكب الذي نعيش‬
‫فيه‪ ،‬إن الليبرالية هي تراكم معرفي لمئات السنين من النضال البشري‬
‫الرتقائي في الحضارة النسانية‪ ،‬فكرة تبلورت عبر مئات السنين من‬
‫التجربة والخطأ والتسامح‪ ،‬لخلق مناخ يصلح لتطبيق الحريات السياسية‬
‫والفردية والقتصادية والعلوم والفنون والفكار السلمية تحت مسمي‬
‫الليبرالية أي الحرية التي هي أحدي أولي أهداف الجنس البشري منذ‬
‫حقب وعصور ماضية‪ ،‬وأكثر من ذلك فهو منهج سياسي وفكري‬
‫يصلح لمئات السنين القادمة وإن ظهرت فكرة أفضل منها فإن‬
‫الليبرالية قابلة للتطور معها وعدم إقصائها‪ .‬فهي فلسفة جسور وأبواب‬
‫مفتوحة وليست حوائط جاهزة مغلقة‪ ،‬أو هويات ملقنة‪.‬‬
‫الليبرالية نهج في التفكير تبلور بالمنهج العلمي التجريبي في‬
‫التفكير العلمي والنقدي وأثبتت استطاعة تطبيقها ونجاحها فأصبحت‬
‫أعتنقها لجل احتياج شديد لتطبيقها لخلق لنفسي مناخ يحتضن مساري‬
‫الرتقائي بما أنني جزء من هذا الكوكب في تلك اللحظة التاريخية‪،‬‬
‫ولن الرتقاء والتغيير سمة جوهرية لكوكب الرض ولن ينتظر أن‬
‫اعترف به أم ل‪ ،‬ولن يتقهقر للخلف بى أو بدوني‪ ،‬ولكن العتراف‬
‫بالتطور والرتقاء حاجة لي كفرد وكجزء من المجتمع لكون في‬
‫تماهى مع طبيعة التطور لتصالح مع العالم ومع وجدي فيه وأجد‬
‫لنفسي مساحة صغيرة لبدع في حياتي علي المستوي الفردي‬
‫والجتماعي‪.‬‬
‫الليبرالية (الحرية أو التحررية) من الفكار القليلة في العالم التي‬
‫تطرح النقض الذاتي والغيري كأحدي أقطابها الرئيسية لنها أحدي‬
‫نتاج التراكم البشري التجريبي النسبي الذي اكتشف أن الحرية هي‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪28‬‬

‫الرضية المثلي والمعمل الحقيقي للتجربة والخطأ من أجل التطور‬


‫وبالتالي النجاح‪ ،‬وأحدي العمدة الساسية التي تركز عليها هي الخر‬
‫"المختلف"‪ ،‬دون تجريم الختلف وإلصاق به صفات سلبية جاهزة‪.‬‬
‫الخر ليس هو الجحيم كما قال سارتر‪ ،‬ولكن الخر هو النعيم كما‬
‫أثبتت الليبرالية التي تمشي في حالة تماهى مع الواقعية أن "الختلف‬
‫ثراء"‪ .‬لقد تربينا في المجتمع المصري أن الختلف أحدي مظاهر‬
‫الخطر‪ ،‬الذي يجب تجنبه بقدر المكان ويجب العمل علي القضاء‬
‫عليه‪ ،‬فقط لكتشف أن الختلف هو منجم من الذهب من الموارد‬
‫التعليمية والتثقيفية والرتقائية والسلمية‪ ،‬فكم الفائدة التي تعود عليّ‬
‫بشكل فردي من تعاملي علي سبيل المثال مع مسيحيين أرثوذكس‬
‫وكاثوليك وأنجيليين ومسلمين سُنة وشيعة وقرآنيين وبهائيين ول دينيين‬
‫وسيخ وهندوس وبوذيين‪ ،‬فتعاملي مع كل هؤلء أضاف لي من الفكار‬
‫والتعليم والثراء والحتمال والتسامح والمنطق أكثر بكثير من تعاملي‬
‫بفكرة واحدة سُجنت فيها ورأيت العالم بعيونها وإسقاط أحكام جاهزة‬
‫علي كل شيء‪ .‬فالليبرالية التي اعتنقتها في عقلي لوفر لنفسي مناخ‬
‫صحي أعيش فيه هي التي تطبقها بعض الحكومات الغربية التي جعلت‬
‫من دولها مأوي حتي لمن لم يؤمنون بها وفي بعض الحيان من عملوا‬
‫ضدها‪ ،‬فخلقت الليبرالية مناخ اجتماعي وسياسي يتطلع للعيش فيه حتي‬
‫من يرفضون الفكرة ويعارضونها ويحاربونها‪ ،‬حتي هم سعوا للعيش‬
‫في رحابها! فكم من الفكار السائدة لدينا تتحمل قوة اتخاذ هذا الموقف؟‬
‫فهل نستطيع بأفكارنا السائدة الحالية أن نكون ملذا لمن يرفضون‬
‫أفكارنا مثلما فعلت المجتمعات والدول الليبرالية مع معارضيها؟‬
‫فهل علي سبيل المثال يستطيع سلمان رشدي أن يأتي لدينا ونكفل‬
‫له الحماية وحقوقه كاملة وهو يرفض أحدي هوياتنا الساسية مثلما‬
‫كفلت بريطانيا الحماية والحقوق لمعارضيها من دول أخري وهم‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪29‬‬

‫أعلنوا كراهيتهم لها بشكل كامل مثل عمر بكري وهو دائما كان‬
‫يرفضها وينقضها إلي أن قرر إعلن الحرب المسلحة عليها بعد سنين‬
‫من الرفاهية والعيش من خير دافعي الضرائب النجليز الذي شجع‬
‫علي ممارسة العنف ضدهم؟ فهل نستطيع بغير الليبرالية أن نصل إلي‬
‫تلك الدرجة من الرقي وأعطاء فرص لمعارضينا إن عبروا عن نفسهم‬
‫بالطرق السلمية والغير عنيفة؟‬
‫فنحن ل نقبل المختلفين معنا والمعارضين لنا لذلك ل تجد في‬
‫الدول الغير ليبرالية تداول سلمي للسلطة‪ ،‬ل تجد مشهد بقوة المشهد‬
‫الذي رأيناه في الوليات المتحدة المريكية عندما أنحني الرجل‬
‫البيض أمام الرجل السود الذي أستعبده منذ عهد قريب وهو يعطيه‬
‫مفتاح البيت البيض ليحكمه منه‪.‬‬
‫هذا المشهد الذي هز العالم كان من المشاهد القليلة التي رأيتها‬
‫وجعلتني أسعد لوجودي في تلك اللحظة التاريخية وأشاهد هذا المشهد‬
‫الذي لم يكن فقط بطله الرجل السود الذي أنتصر علي القمع‬
‫والعبودية‪ ،‬بل النتصار الكبر كان للرجل البيض الذي أنتصر وهزم‬
‫عنصريته‪ .‬وهذا المشهد هو إجابة سؤال لماذا أنا ليبرالية فهي‬
‫النتصار علي عنصرياتنا الفردية قبل أن تكون انتصار لمن نعطيهم‬
‫حقوقهم‪.‬‬
‫لقد قال أبرهان لينكلن "كما ل أقبل أن أكون عبد‪ ،‬ل أقبل أن أكون‬
‫سيد"‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬كما ل أقبل أن أكون ضحية للقمع ل أقبل أن أكون‬
‫طرفا صامت لصالحة‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪30‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪31‬‬

‫الليبرالية لحماية التنوع‬

‫أمير معدى‬

‫مواليد ‪1986‬طالب بالفرقة السادسة‪ ،‬طب‬


‫بشرى‪ ،‬جامعة طنطا‬

‫أتمنى حياة عادلة لكل من يعيش على أرض هذا‬


‫الوطن ‪.‬وأحلم بأن يتمتع كل فرد بحقوقه كاملة في‬
‫الفكر والتعليم والصحة والعيش بطريقة تحفظ‬
‫كرامته‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪32‬‬

‫في روايته " فيرونيكا تُقرر أن تموت " ذكر باولو كويلوا على‬
‫لسان إحدى شخصيات الرواية وهى مريضة فى مستشفى للمجانين‬
‫قصة تقول ‪:‬‬
‫"أراد ملك إحدى البلد أن يدمر مملكة كاملة‪ ..‬دس جرعة سحرية فى‬
‫البئر التي يشرب منها السكان‪ .‬كل من يشرب من البئر سوف يصاب‬
‫بالجنون‪ ..‬في الصباح التالي شرب كل السكان من البئر‪ ،‬وأصابهم الجنون‬
‫بخلف الملك وعائلته‪ ،‬الذين كانت لديهم بئر خاصة بهم وحدهم‪ ،‬وكان هَم‬
‫الملك من ذلك هو أن يخضع كل من فى مملكته لوامره‪ ،‬وأن يستمر في‬
‫حكمه للبلد دون أي توتر أو ثورات‪.‬لكن ما حدث كان غير ذلك‪ ،‬فبعد أن‬
‫أصدر الملك سلسلة من الوامر والحكام المتعلقة بالمن والصحة العامة‪،‬‬
‫وجد نفسه أكثر قلقًا‪ .‬فرجال الشرطة والمخبرون شربوا أيضًا من الماء‬
‫المسمم وفكروا فى أن قرارات الملك كانت شاذة ولم َيْأبَهوا بها‪ .‬عندما سمع‬
‫سكان المملكة بتلك الوامر والحكام‪ ،‬اقتنعوا جميعا بأن الملك قد جُن‬
‫وأصبح يُصدر أوامر غير منطقية‪ ،‬فساروا في مظاهرة إلي القصر مطالبين‬
‫بخلعه من الحكم ‪ .‬لم يجد الملك سوى أن يشرب هو الخر من ماء الجنون‬
‫وبذلك يكون مثلهم سواء ‪ .‬وبدأ مباشرة في الحديث غير المنطقي ‪ .‬ندم‬
‫وتاب مواطنوه على الفور ‪ .‬الن حينما صار الملك يمتلك كل تلك الحكمة‬
‫فى رأيهم ؛ لِم ل يُسمح له بالستمرار فى حكم البلد‪ ....‬وظلت البلد تعيش‬
‫فى سلم‪ ،‬رغم أن سكانها يتصرفون بطريقة مختلفة عن جيرانهم‪،‬‬
‫واستطاع الملك أن يستمر في الحكم حتى آخر أيامه"‪.‬‬
‫هذا ما يحدث بالفعل في كل الدول الشمولية العربية الن التي يحكمها‬
‫زعمائها بالحديد والنار‪ ،‬ل هَم لهم سوى الجلوس أطول فترة ممكنة على‬
‫كراسي السلطة ول يحتاج منهم ذلك سوى َتغْييب الوعي لدى شعوبهم‪.‬‬
‫في بلدنا الحبيبة ل َيهُم من يحكمنا كيف وصل مستوى الوعى أو‬
‫المستوى الثقافي لدى شعبهم‪ .‬فهم مرتاحون لما وصلنا إليه بل أحيانًا‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪33‬‬

‫يُزايدون علينا‪ ،‬فإذا كانت هناك نبرة دينية فى السواق قاموا بالمزايدة‬
‫عليها والظهور بأنهم أكثر ول ًء للدين‪ .‬وإذا عَلت الصوات المنادية‬
‫بحقوق القليات‪ ،‬قاموا ببعض التعيينات البهلوانية لهم فى مراكز عُليا‬
‫ولكن في حدود المسموح به‪.‬‬
‫في هذه القصة البسيطة نجد أيضا أن للحقيقة حتمًا أكثر من‬
‫وجه‪ .‬فليس شرطًا أن تكون هي ما تتفق عليه الغلبية وما تخلف‬
‫عنها فهو خطأ‪ .‬لذا فإنه في مجتمعاتنا الشمولية تغيب فكرة الحرية‬
‫الفردية ويصبح الفرد جزءًا من منظومة شاملة لفرق بين أي من‬
‫عناصرها كأنها نُسخ متطابقة ل تتغير‪ ..‬لديهم نفس الفكار‪ ..‬نفس‬
‫العواطف‪ ...‬يثورون معا ويخضعون معا دون اختلف بينهم‪ ،‬رغم أن‬
‫هذا يتنافى مع أبسط قوانين الحياة‪ ..‬فالحياة في الصل قائمة على‬
‫الختلف‪ ..‬حتى إنني أظن أنه لو اتفق شعب بأكلمه على فكرة‪،‬‬
‫فالرجح إما أن تلك الفكرة خاطئة‪ ،‬أو أن الشعب به مس من التخلف‪.‬‬
‫هذا النوع من الشعوب يتشابهون في صفاتهم ومستوياتهم النفسية‬
‫والعقلية‪..‬فل تختلف غالبًا في خيالها وأمانيها وهمومها وقدرتها على‬
‫الغضب‪.‬أو الرضا…قد تجد تفاوتا لكنه ضئيل وغير جرئ وليس‬
‫بفعال‪..‬بل هم متقاربون في صفاتهم الفكرية تقاربًا يجعلهم متفقين في‬
‫أحكامهم على الشياء ورؤيتهم لها وتلؤمهم معها مهما ناقضتهم وآلمتهم‪.‬‬
‫فهم يرون جميع الشياء من بعد واحد…في حجم واحد…ولون‬
‫واحد…فيمارسونها دون أن يروا أي خطأ فيها‪.‬‬
‫ستجد أننا لو خلطنا كبار الزعماء والحكماء والدباء والمعلمين‬
‫وممن يعدون أساتذة وأدباء وكتابا ومفكرين‪..‬لو خلطنا هؤلء‬
‫بالجماهير وأبناء الطبقات الكادحة …ثم حاولنا أن نجد فروقا بين‬
‫الفريقين في تفسيرهم للمور والقضايا الحيوية الكبرى…وفى قدرتهم‬
‫على تفسير ورؤية الشياء …لما وجدنا فرقا‪..‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪34‬‬

‫‪..‬فلغة الفريقين تختلف حتما دون أن تختلف الفكار‪ ،‬أو يختلف‬


‫القبول والرفض والذكاء والغباء …كما تختلف الملبس والزياء دون‬
‫أن تختلف النفوس‪..‬فتجد أكثر الناس ليتكلموا بأكثر الكلمات تقدما‬
‫ليعلنوا عن أكثر المعاني والفكار تخلفا‪.‬‬
‫ستجد صمتا مميتا…صمتا عقليا‪..‬صامتون بعقولهم ورؤيتهم‬
‫وبأخلقهم وأحاسيسهم عن جميع الشياء وجميع الحداث‪.‬‬
‫هم ل يتقاتلون ول يتزاحمون ول يتناقضون مع أي شيء ول مع‬
‫أي حدث ل بأفكارهم ول نظراتهم‪ ..‬هم فقط سلة مهملت للشياء‬
‫والحداث… وليسو عملء‪ ،‬ول مقاتلين‪ ،‬ول مخاصمين أو منافسين أو‬
‫أندادًا‪..‬هم يتعايشون مع السوق ومع الحداث‪.‬‬
‫كل ذلك…جعلهم مؤدبين ومتواضعين ومتسامحين وكرماء جدًا‬
‫في فهمهم‪ ..‬ورؤيتهم ونظرتهم وتألمهم…جعلهم ل يغضبون‬
‫وليثورون من أجل حياة افضل‪ ..‬ل يعرفون قيمتها‪.‬‬
‫يتجمدون في كل تاريخ هم ع ند م ستوى وا حد من البؤس والج هل‬
‫والتخلف… هم دو ما م ستعدون لهذا التج مد نف سيا وأخلق يا واجتماع يا‬
‫وعقلييا…ل يرفضونيه‪ ،‬أو ينكرونيه‪ ،‬أو يتخطونيه لو كان ممكنيا إن‬
‫يتركونه لَ ما يطيقون أن يظلوا هكذا…فالبشر يتقدمون لنهم ل يطيقون‬
‫التخلف ويتقدمون لنهم ل يطيقون السكوت‪!.‬‬
‫قد تطرحون سؤال‪ ،‬ما علقة ما سبق بالليبرالية ؟‬
‫فالجابة ستكون حتما عنى أنا‪ ،‬لماذا أنا ليبرالي ؟‬
‫وكيف أرى الليبرالية ؟‬
‫قد وضحت فيما سبق أن القاعدة هي الختلف والتنوع وأن‬
‫القصية هي قضية النسان وحريته في أن يفكر ويمتلك ويقرر‪.‬‬
‫والليبرالية هي التي تحمي ذلك الختلف والتنوع‪ ..‬فهي تعطي كل‬
‫فرد الحق فى ممارسة حريته دون التعرض لحرية الخرين‪ .‬وتحميه‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪35‬‬

‫من التسلط والستبداد الدينى والسياسي‪ .‬فالفرد هو الساس الذي يمكن‬


‫عليه بناء القوانين‪ ،‬هذه القوانين التى يجب أن تحمي حق كل فرد فى‬
‫العقيدة‪ ،‬الفكر‪ ،‬الجنس‪ ،‬التعلم‪ ،‬النتخاب‪.‬‬
‫الليبرالية تدعم حق الفرد ضد القوانين والعادات والتقاليد التي تقيد‬
‫الحرية الشخصية‪ ،‬ضد تدخل الدولة في الحياة الشخصية‪ .‬الليبرالية‬
‫تدعم الكثير من الحريات الثقافية من أداب وفنون وإبداع‪.‬‬
‫الليبرالية تدعم الحرية القتصادية حيث تريد سيطرة قليلة أو‬
‫عدم وجود سيطرة على السوق‪ ،‬وترك السوق يتحكم في نفسه من‬
‫صعود وهبوط على قاعدة العرض والطلب والمتغيرات الخرى دون‬
‫تدخل الدولة‪ ،‬وذلك بوضع قيود حماية أو حدودا للصعود أو النزول‪.‬‬
‫فهي تعتبر أن قيمة السلع تحددها خيارات الفراد‪.‬‬
‫تعطى الليبرالية للفرد حرية التعبير‪ ،‬الخصوصية‪ ،‬العبادة‪،‬‬
‫المحاكمة العادلة والتحرر من العبودية‪.‬وحرية الحتجاج‪ .‬لذلك فإنه‬
‫عند الحديث عن مستقبل الليبرالية فى مصر‪ ،‬فلشك أنه لكي تكون‬
‫هنالك ليبرالية ناجحة وفاعلة لبد من ديمقراطية‪ ،‬ول يوجد ديمقراطية‪،‬‬
‫ولن تستمر بدون حرية التى هي الساس الصلب لليبرالية‪.‬‬
‫ل يمكن تطبيق الليبرالية دون الحماية الكاملة للحقوق المدنية‬
‫لجميع أفراد المجتمع بالتساوي‪ .‬وإذا كانت الديمقراطية فى مصر‬
‫تُمارس شكل فقط لنها بعيدة عن الممارسة الفعلية فى النتخاب‬
‫والتصويت وحرية التعبير عن الرأي وحرية تكوين أحزاب فلن تكون‬
‫هناك ليبرالية‪ ،‬فإن سُلبت الحرية فل أساس لليبرالية‪.‬‬
‫هناك نقطة هامة أيضا َأوَد ذكرها وهي أن الليبرالية أعم وأشمل‬
‫من الديمقراطية‪ ،‬كيف؟‬
‫‪ -1‬قد تكون هناك ديمقراطية فى مصر يومًا ما ولكن ليس شرطًا أن‬
‫تحمى حرية التعبير والنشر مثل وحقوق القليات‪ ،‬لنها سوف‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪36‬‬

‫تكون فقط حكم الغلبية الذين وصلوا بأصوات الشعب‪ ،‬يحكمون‬


‫كما يشاءون لن لديهم الصوات الكافية والقانون بيدهم‪ ،‬أما في‬
‫حال تطبيق الفكر الليبرالي فكل هذه الحقوق حتمًا ستكون‬
‫خوّف عليها من سلطة الغلبية‪ ،‬لنه سوف يتم‬ ‫مضمونة ول تَ َ‬
‫الفصل بين السلطات الثلث‪ ،‬التشريعية والتنفيذية والقضائية‪،‬‬
‫حيث المبدأ هنا أنه ل يمكن لنفس الشخص ممارسة اكثر من‬
‫سلطة‪ ،‬فل يستطيع أن يصدر تشريعات إل بموافقة السلطات‬
‫التنفيذية المنتخبة من الشعب‪ ،‬أي البرلمان‪.‬‬
‫‪ -2‬لن َيغْلُب على الدولة دين معين أو مذهب معين في حال وصول‬
‫الغلبية بهذا الدين أو المذهب إلى الحكم وتضيع حينها حقوق‬
‫القليات الدينية التي تختلف معه‪.‬لن السلطات تكون نابعة من‬
‫أفراد منتخبين من كل أطياف المجتمع باختلفاته الدينية والفكرية‪،‬‬
‫وبالتالي سيكون هناك تمثيل ولو بسيط للقلية الدينية‪ ،‬والذي يؤدي‬
‫بدوره بالدفاع عن مصالحها‪.‬‬
‫‪ -3‬لن تكون هناك معارضة حادة للسلطة بل هادئة لن خسارة تلك‬
‫المعارضة هى خسارة مرحلية‪ ،‬وهى خسارة سياسية فقط ل‬
‫ضَياع فيها للحقوق‪ ،‬التي تضمنها لهم الليبرالية‪.‬‬
‫‪ -4‬ثقافة احترام الخر وحقوق الغير سوف تكون ممارسة فعلية فى‬
‫المجتمع‪ ،‬ثقافة يمارسها المجتمع يوميًا في البيت العمل‪،‬‬
‫والمدرسة‪ ،‬والشارع‪ ،‬وليست ثقافة انتخابية لمليء صناديق‬
‫القتراع فقط‪.‬‬
‫‪ -5‬اختيار وزراء الحكومات ليس فقط أمرًا في يد رئيس الجمهورية‬
‫بل سيكون تحت مسائلة البرلمان‪.‬‬
‫لكل ما سبق فإنني أرى أن الليبرالية قد تحمي تلك الشعوب‬
‫ال ُمغَيّبة‪ ،‬وتنهض بهم من تحت أنقاض التخلف والعبودية‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪37‬‬

‫من أجل حرية الختيار‬

‫محمد زكي عبد التواب بشير‬


‫الشيمي‬

‫مواليد أكتوبر ‪ .1980‬بكالوريوس هندسة من جامعة‬


‫حلوان ‪ 2003‬بتقدير جيد وحاصل علي دبلومه نظم‬
‫قوي كهربية من جامعة القاهرة ‪ ،2005‬مهندس‬
‫صيانة معدات وآلت كهربية بالبنك المركزي‬
‫المصري‪.‬عضو مؤسس بحزب الغد ‪ 2004‬وعضو‬
‫بلجنة التدريب والتثقيف السياسي بها منذ مارس‬
‫‪ 2005‬ووكيلها منذ عام ‪ .2006‬عضو مؤسس‬
‫بمؤسسة حلم الديمقراطية (تحت التأسيس)‪ .‬شاركت‬
‫في دورة الحزاب الفعالة التي أقيمت بالردن مارس‬
‫‪ 2009‬تحت رعاية المعهد الجمهوري الدولي‪ .‬شاركت‬
‫في تأسيس بعض المواقع والمجموعات علي شبكة‬
‫النترنت التي تؤيد الليبرالية والدولة العلمانية‬
‫أحلم بخلق ثقافة ليبرالية حقيقية بين المواطنين‬
‫المصريين وأن تصبح مصر دولة حديثة‬
‫ليبرالية ديمقراطية علمانية‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪38‬‬

‫لما كان النسان في الصل حرا قيده الستبداد والطغيان ولما كان‬
‫يسعي باستمرار لستعادة طبيعته بأن يكون حرا من كل القيود التي‬
‫قيدته بغير اختياره أو موافقته‪ ،‬فقد اخترت أن أكون مع النسان‬
‫الطبيعي‪ ،‬النسان الحر‪ ،‬النسان الليبرالي‪ ،‬اخترت أن أكون ليبراليا‪.‬‬
‫إذا خُير النسان الحر ليختار بين أن يكون هو صاحب القرار‪،‬‬
‫وبين أن يفوض الخرين ليقرروا نيابة عنه‪ ،‬فلشك أنه سيختار‬
‫الولي‪ ،‬سيختار حريته واستقلليته وكرامته وسينبذ كل سلطة شمولية‬
‫معممة مفروضة عليه من الخرين بدعوي المصلحة‪ ،‬أن النسان الحر‬
‫أعلم بمصلحته وبخياراته وبما يريده وبما يرغبه من كل البشر جميعا‪،‬‬
‫لذا ولني حر فأنا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن الحرية الفردية تتبعها بالضرورة الستقللية في التفكير‪ ،‬تلك‬
‫الستقللية التي تجعلك تفكر بل حدود أو قيود والتي تحولك من أسر‬
‫النقل‪ ،‬والحفظ وفكرة القطيع إلي رحابة العقل وفكر البداع‪ ،‬ولن‬
‫النسان وُجد ليبدع بالستفادة من تجارب السابقين وليس ليلوك‬
‫تجاربهم جيلً بعد جيل‪ ،‬ولني فكر ولست أسطوانة مسجلة تعمل‬
‫بالضغط علي زر فأنا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن التفكير المستقل يقود إلي رأي مستقل يمثل صاحبه في كل‬
‫مرحلة من مراحل حياته وتطوره الفكري والنقدي واتساع تجاربه‪،‬‬
‫ولنه بالرأي المستقل تبني المم وليس بقطع المحفوظات ولني‬
‫صاحب رأي مستقل فأنا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن الرأي المستقل يؤدي إلي حرية الختيار واتخاذ القرار في‬
‫كل اعتقاد للمرء‪ ،‬ولنه باختلف وتنوع العتقادات السياسية والدينية‬
‫والمذهبية يظهر الحوار الحضاري وأخلق النقاش والخلف‪ ،‬ويرتفع‬
‫المستوي الثقافي للمجموع‪ ،‬ولني أؤمن أنه عندما يكون النسان حرا‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪39‬‬

‫في العتقاد فيما يشاء تزول معظم أسباب الصراع بين البشر‪ ،‬ولني‬
‫أكره التعصب والطائفية والقمع باسم المصلحة العامة بكافة أشكالهم‬
‫فأنا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن حرية الختيار واتخاذ القرار هي البوابة الوحيدة للمسئولية‪،‬‬
‫لن كل قرار اتخذه النسان باختياره هو وحده من يستطيع تعديله أو‬
‫تصحيحه او إلغاءه لذا فإنه يتحمل كل تبعة تنتج عن اختياراته‬
‫وقراراته‪ ،‬يتحمل هذه المسئولية طائعا مختارا دون خوف أو قهر أو‬
‫إجبار‪ ،‬ولنه ل يمكن أن تنجح ما لم تنقح مواقفك باستمرار وتمتلك‬
‫شجاعة وجرأة المسئولية‪ ،‬ولني اعتدت أن أتحمل مسئولياتي فأنا‬
‫ليبرالي‪.‬‬
‫ولن المسئولية التي يشارك فيها كل فرد بالصالة عن نفسه‬
‫فيقرر لنفسه ويحاسب نفسه هي أساس الديمقراطية ولن مبدأ المساءلة‬
‫ونظريات الحقوق والواجبات لن تزدهر إل في مجتمع يدرك كل فرد‬
‫من أفراده انه حر تماما ومسئول عن اختياراته فيبدأ في مناقشة‬
‫القضايا العامة وينطلق في المشاركة فيها فتصبح الديمقراطية حقيقة‬
‫وليست فيلما هابطا‪ ،‬ولني ديمقراطي لذا فأنا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن الديمقراطية هي التي تدفع وتنمي فكر المساواة وتسقط‬
‫التمييز القائم علي أساس الدين أو الجنس أو اللون أو العرق أو‬
‫القومية‪ ،‬وبالتالي تقف كحائط صد في وجه الشمولية والستبداد‬
‫والتمييز والفاشية بكل مظاهرهم وخصائصهم سواء تلك المبنية علي‬
‫أساس القومية أو علي أساس الدين أو حتى علي أساس الطبقة‪ ،‬وتحول‬
‫أفراد المجتمع إلي مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات دون أدني‬
‫تمييز‪ ،‬ولني أؤمن بالمساواة الكاملة وأكره التمييز بكل أشكاله فأنا‬
‫ليبرالي‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪40‬‬

‫ولن إيمان النسان بأنه مساوٍ للخرين وهم مساوون له مساواة‬


‫كاملة هو ما يفتح الباب لنهيار العنصرية والتبادل الثقافي الحقيقي بين‬
‫الشعوب المختلفة والتعاطي علي أساس الرضية الكثر اتساعا في‬
‫الكون فكلنا إنسان‪ ،‬وكلنا ينبغي أن نتعامل علي هذا الساس‪ ،‬فإن هذا‬
‫التبادل الثقافي والحضاري يتحرك باتجاه فهم أعم وأشمل لمختلف‬
‫الشعوب والثقافات‪ ،‬ويقود إلي عالم التحضر والمدنية والندماج الثقافي‬
‫ل من عالم الحروب والهمجية والنزاعات العنصرية‪ ،‬ولن‬ ‫والسلم بد ً‬
‫النفتاح علي العالم وليس النعزال عنه هو مفتاح القيمة الحضارية‬
‫الحقيقية‪ ،‬ولنني منفتح علي العالم فأنا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن النفتاح علي العالم هو ما يعزز التبادل التجاري بين‬
‫الشعوب‪ ،‬ويعزز ارتباطها علي أسس ومصالح تجارية‪ ،‬ولن التجارة‬
‫هي دائما وعبر التاريخ الجانب المضيء في التعامل بين الشعوب فيما‬
‫كانت الحروب هي الجانب المظلم‪ ،‬ولن التجارة هي مفتاح النهضة‪،‬‬
‫ولنني أؤيد إقامة علقات الشعوب علي أساس المصالح والمنافع‬
‫التجارية لذا فأنا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن حرية التجارة بين الشعوب هي التي تدفع باتجاه تقليل‬
‫العتماد علي الدولة من جهة وتمنع سيطرة البيروقراطية وأجهزة‬
‫الدولة علي كل تفاصيل الحياة من جهة أخري فتعود الدولة إلي دورها‬
‫الطبيعي وإلي حجمها الطبيعي والذي يتطلب منها أن تقوم فقط بكل ما‬
‫هو ضروري ول يمكن الستغناء عنه‪ ،‬وتخرج الدولة من دور الرقيب‬
‫والحسيب والمانح والمانع‪ ،‬وتعود لتصبح جهازا إداريا يقوم بمهامه‬
‫الموكلة إليه فقط‪ ،‬ولني عدو لبيروقراطية الدولة فانا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن القضاء علي بيروقراطية الدولة وإعادتها إلي حجمها‬
‫الطبيعي هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الشفافية وتسهيل الرقابة علي‬
‫أجهزة الدولة المختلفة‪ ،‬ولن الشفافية هي التي تتيح الحصول علي‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪41‬‬

‫المعلومة وتداولها ونقلها والتباحث فيها‪ ،‬مما يسهل العمل العلمي‬


‫والصحفي من جهة والعمل الرقابي من جهة أخري ويحول المناخ‬
‫الفكري والعلمي من مناخ الشائعات إلي مناخ الحقائق ولنني من‬
‫أنصار الحقيقة فأنا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن الشفافية هي سبيل مكافحة الفساد المستشري في جوانب‬
‫المنظومة الدارية للدولة‪ ،‬ولن الفساد يحطم أي إنجاز يمكن أن يتم‬
‫تحقيقه‪ ،‬ولنني ضد الفساد فانا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن مكافحة الفساد تطلق العنان لتكافؤ الفرص بعيدا عن كافة‬
‫أشكال الوساطة والمحسوبية والرشوة والحتكار وتعيد العتبار إلي‬
‫قيمة العمل بجد التي نحتاجها الن بشدة‪ ،‬ويفتح الباب السليم للحراك‬
‫والترقي الجتماعي دون مجاملت أو تمييز‪ ،‬بل علي أساس الكفاءة‬
‫والعمل الجاد فقط‪ ،‬ولنني اعشق العمل الجاد معا فانا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن العمل الجاد يحيي قيم المنافسة الحقيقية‪ ،‬ويعيد التنافسية علي‬
‫أساس موضوعي وعملي‪ ،‬ولن التنافسية تخلق الحماية الحقيقية‬
‫للمستهلك وللمنتج معا‪ ،‬لندخل في المنافسة الحقيقية مع العالم‪ ،‬ولنني‬
‫أعشق روح التحدي فأنا ليبرالي‪.‬‬
‫ولن روح التحدي هي التي تصنع المبادرة الفردية والتي عن‬
‫طريقها يحدث كل تغيير أو تطور حضاري أو ثقافي أو علمي ذو قيمة‬
‫عبر التاريخ‪ ،‬هذه المبادرة مهما كان دافعها هي دائما قاطرة التغيير‬
‫وعجلة الحركة إلي المام‪ ،‬ولنني اعشق التغيير وأكره الجمود فأنا‬
‫ليبرالي‪.‬‬
‫وأنا ليبرالي لن الجمود المرتكز علي النظريات ذات اليوتوبيا‬
‫الوهمية هو اكبر قاتل للبداع والحراك الثقافي والفني وهو في الوقت‬
‫ذاته أكبر عدو لعقلنية التفكير‪ ،‬فإنه يؤدي بالضرورة في محصلته إلي‬
‫القمع والجبار باسم الخضوع للمجتمع‪ ،‬ولنه ينبغي الحفاظ علي‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪42‬‬

‫حيوية وحركة وإبداع المجتمع فإنني أرفض بشكل قاطع أي مظهر من‬
‫مظاهر شمولية الدولة وقمعها للفرد علي أي أساس ل يرتضيه هو‬
‫منفردا باختياره الكامل‪.‬‬
‫وليبرالي لن اختيار كل فرد يخالف اختيار غيره‪ ،‬وقناعاته‬
‫ووجهات نظره تخالف غيره لذا ينبغي أن يكون النظام محايدا تماما‬
‫في كل ما يخص شئون الفرد الخاصة واعتقاده‪ ،‬ونظامه وينبغي أن‬
‫يفصل العتقاد الديني الشخصي الذي يحق لكل فرد أن يعتقده‬
‫ويمارسه عن منظومة الدولة‪ ،‬وأل تتدخل الدولة فيما ل يعنيها ول تقوم‬
‫بأي دور كرقيب أو وسيط‪ ،‬يحدد للفراد ما يعتقدون وما يفعلون‪.‬‬
‫وليبرالي لن كل اتجاه غير ليبرالي يحتوي نوعا من العنصرية‬
‫أما العنصرية القومية أو الدينية أو الطبقية أو عنصرية اللون أو‬
‫العنصرية علي أساس الجنس‪ ،‬كما أنني مؤمن تماما بمساواة كل‬
‫البشر‪ ،‬وتطابق المساواة بشكل كامل داخل حدود دولة معينة بين كل‬
‫مواطنيها مهما كانت اختلفاتهم دون تهميش أو تمييز علي أساس‬
‫عرقي أو لغوي أو ديني‪.‬‬
‫وليبرالي لني أؤمن بحرية إقامة والنضمام للتجمعات السياسية‬
‫والدينية والنقابية والمهنية والعمالية بمجرد الخطار ودون تدخل أو‬
‫قمع أو توجيه من الدولة‪.‬‬
‫وختاما أنا ليبرالي لني أتعلم من تجارب الخرين‪ ،‬والتجربة خير‬
‫دليل علي استيعاب الليبرالية للحاجات الطبيعية الساسية للنسان‪،‬‬
‫وفشل وعدم تناغم نظريات أخري حتي مع الطبيعة البشرية العادية‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪43‬‬

‫الحرية المسئولة‬

‫إنجي عباس أبو العز‬

‫مواليد ‪ ،1982‬حاصلة على بكالوريوس العلم‬


‫‪ ،2005‬وفي مرحلة إعداد رسالة الماجستير‪ ،‬قسم‬
‫الذاعة والتليفزيون‪ ،‬كلية العلم‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬
‫أعمل معيدة بكلية العلم‪ ،‬الجامعة الحديثة‬
‫للتكنولوجيا والمعلومات‪ .‬لدي العديد من النشاطات في‬
‫مجال العلم والعمل الهلي والمدني‪ ،‬ومن أهمها‬
‫تجربتي بحضور الندوة التي نظمتها مؤسسة‬
‫فريدريش ناومان ‪ .2007‬أحلم بمصر ديمقراطية‬
‫خالية من الفساد‪ ،‬ومجتمع حر متحضر‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪44‬‬

‫تعد الجابة المنطقية لسؤال ليه أنا ليبرالي؟ هي‪...‬أنا ليبرالي‬


‫لنني أؤمن بالحرية والمساواة‪ .‬ولكن‪ ،‬ما حدود الحرية المتاحة؟ هل‬
‫هي حرية الفرد أم حرية المجتمع أم حرية الوطن أم حرية النظام؟ وما‬
‫المقصود بالمساواة؟‬
‫الحرية لها تعبيرات مختلفة فقد تعني السلم‪ ،‬المحبة‪ ،‬التعاون‪،‬‬
‫العدالة‪ .‬ولكن‪ ،‬كثيرا ما يساء فهم الحرية من المفهوم الليبرالي‪ ،‬حيث‬
‫يعرفها البعض على إنها الهتمام بحرية الفرد دون الكتراث لحريات‬
‫الخرين! في حين أن الحرية التي لبد أن يؤمن بها كل ليبرالي هي‬
‫"الحرية المسئولة"‪ ..‬بمعنى آخر‪ ،‬حرية تقابلها مسؤولية‪ .‬وكل ليبرالي‬
‫لبد أنه يؤمن بمقولة "حرية يدك تنتهي عند بداية أنفي"‪ .‬وبالتالي الليبرالية‬
‫تضع في اعتبارها مصالح الفراد داخل النظام أو الدولة‪ ،‬لذا وجب على‬
‫كل فرد داخل الوطن أن يعي تماما ما هي حقوقه وما هي واجبات وعلى‬
‫النظام أن يستوعب ذلك أيضا‪ ،‬حتى يتحقق التوازن في هذه العلقة‬
‫المتبادلة‪ ،‬والمتفاعلة‪ ،‬والمتشابكة‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬تعمل الليبرالية على نشر‬
‫مناخ ديمقراطي حر متقدم‪ ،‬وتقوم على خلق بيئة صحية تمكن أفرادها من‬
‫التواصل مع الخرين بشكل بناء وبكل سهولة ويسر‪.‬‬
‫ومقولة "حرية يدك تنتهي عند بداية أنفي" ليست بالكلم المجرد أو‬
‫البلغي لكنها مقولة تحمل في طياتها مغرى عميق عن الحرية من‬
‫المنظور الليبرالي‪ ،‬فأنت حر ما لم تضر‪ ،‬ودون الخوض في تفاصيل‬
‫مفاهيم الليبرالية ومبادئها الكثيرة يكفي أن ‪-‬من وجهه نظري‬
‫الشخصية في كوني ليبرالية‪ -‬الليبرالية تحمي وتصون حريتي‬
‫الشخصية كما تحمي حرية الخرين‪.‬‬
‫وكثيرا ما نرى هجوما واضحا على الليبرالية في كونها تدافع عن‬
‫الحرية الشخصية باعتبارها تهديدا لمصلحة المجتمع‪ .‬والجابة أو الرد‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪45‬‬

‫على هذا الهجوم تكمن في بطن الشعر كما يقال‪ ،‬فالليبرالية تدافع عن‬
‫حريتي الشخصية وهذه الحرية حرية مسئولة‪ ،‬أي ل ضرر ول ضرار‪،‬‬
‫فإذا كان من حقي استنشاق هواء نقي‪ ،‬فمن حق المدخن أن يخصص له‬
‫أماكن للتدخين بعيدة عني‪ ،‬وإذا كان من حقي انتخاب شخص ما يمثلني‬
‫في البرلمان‪ ،‬فمن واجب الدولة أن تكفل حق الترشح لكل مواطن وتوفر‬
‫له المن والمان‪ ،‬وكذلك حرية إنشاء الحزاب‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫وباعتباري ليبرالية معتدلة ل أميل للتطرف في أي تيار من‬
‫التيارات الفكرية‪ ،‬أرى أن مستقبل الوطن وشباب هذا الوطن هو إتباع‬
‫منهج الليبرالية بشكل مسئول‪ ،‬وأن يعرفوا تماما ما لهم وما عليهم دون‬
‫التخفي تحت مقولة "أنا حر" دون أن يلزمها كلمة "ومسئول أيضا"‪.‬‬
‫أما بخصوص مبدأ المساواة‪ - ،‬وقد تم الشارة إليه فيما سبق‪-‬‬
‫فتعني من المنطلق الليبرالي المساواة الجوهرية في الحقوق‬
‫والواجبات بين الفراد دون تمييز أو تفضيل بينهم مهما كان نوعهم‪،‬‬
‫أو انتمائهم‪ ،‬أو عقيدتهم‪ ،‬أو لونهم‪.. ،‬إلخ‪ .‬فليس هناك أحد يعلو فوق‬
‫القانون‪ ،‬ول يضطهد أحد بسبب لونه أو عرقه‪ ،‬أو لكونه مسلم أو‬
‫مسيحي‪ ،‬ول تفريق بين رجل أو امرأة‪ ،‬فالكل سواسية أمام القانون‪.‬‬
‫وبالتالي عندما يتحقق مبدأ المساواة ينتج عن ذلك تحقيق العدالة داخل‬
‫المجتمع وحماية حرية الفراد كل على حد سواء‪.‬‬
‫ورغم عدم تعرضي لكافة جوانب الليبرالية بالشكل الكافي‪ ،‬إل‬
‫أنني أرى أن الليبرالية تيار يحمل في طياته مبادئ عديدة وقيمة لعل‬
‫أهمها مبدأ الحرية والمساواة‪ ،‬وهذان المبدآن يكفيان للرد على عنوان‬
‫المقال‪ ..‬لهذا أنا ليبرالية!!‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪46‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪47‬‬

‫مرونة الليبرالية سر استمرارها‬

‫محمد سعد محمد‬

‫مواليد يناير ‪ .1977‬حاصل على ليسانس آداب‬


‫‪-‬اجتماع ‪ -‬جامعة السكندرية ‪ 1999‬دبلومه‬
‫دراسات عليا في الرشاد السياحي من نفس الجامعة‬
‫‪2003‬‬
‫بدأت العمل السياسي كعضو تحت السن بحزب الوفد‬
‫سنة ‪ 1993‬انضممت إلي حزب الغد سنة‬
‫‪2005‬‬
‫اشتركت في حملة انتخابات الرئاسة‪ ،‬تم انتخابي‬
‫عضو بهيئة مكتب حزب الغد بالسكندرية سنة‬
‫‪ .2007‬شاركت في عدد من الفعاليات لمؤسسة‬
‫فريدريش ناومان كان أهمها رحلة ألمانيا لدراسة‬
‫المنظمات الشبابية ذات الطابع السياسي والقتصادي‬
‫في ألمانيا مع عدد من شباب الحزاب الليبرالية‬
‫العربية ‪..‬‬
‫أحلم بمصر وطنا يحمل سمات مختلفة ترفض التمييز‬
‫على أي أساس سواء ديني أو جنسي أو عرقي‪ ،‬أحلم‬
‫بمصر وطنا خالي من الستبداد والفساد وطنا لكل‬
‫مواطنيه‪ .‬احلم بوطنا تتحقق فيه الحلم‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪48‬‬

‫أحسبني من هذا الجيل الذي تفتح وعيه على التغيرات الكبرى –‬


‫أو النهيارات الكبرى ‪ -‬في العالم‪ ،‬انهيار سور برلين الذي لم يكن‬
‫مجرد سور يفصل بين اللمانيتين بل كان خط فاصل بين فكرتين‬
‫يشكلن عالمين مختلفين أحدهما عالم يكون النسان فيه هو الغاية‬
‫والهدف وذلك لتحقيق رفاهيته ورخاءه‪ ،‬والخر عالم يتحول فيه‬
‫النسان إلى مجرد وسيلة وأداة لتحقيق غايات تتجاوزه وتعلو‬
‫عليه(وهي في كل الحوال ل تتحقق)‪.‬‬
‫لم يكن هدم سور برلين سنة ‪ 1989‬مجرد هدم لسور من الحجار‬
‫بل كان هدما لحجار أيدلوجية او أيديولوجيات حجرية نظرت إلى‬
‫الفرد نظرة دونية وحولت النسان لمجرد ترس في آلة للوصول للجنة‬
‫– التي ل تأتي أبدا ‪.-‬‬
‫وكان انهيار السور بمثابة رصاصة الرحمة على ما كان يعرف‬
‫بالتحاد السوفيتي تلك المبراطورية العملقة التي تزعمت الكتلة‬
‫الشيوعية لسبعة عقود‪ ،‬وسقط التحاد السوفيتي بعدما عجزت ألته‬
‫العسكرية الجبارة وآلة القمع الداخلي الرهيبة وآلة التضليل العلمي‬
‫الضخمة كل ذلك عجز عن منع هذا السقوط‪ ،‬حيث كان السقوط من‬
‫داخل النسان الفرد الذي زعمت الثورة البلشفية أنها قامت من أجله‪،‬‬
‫عجز هذا النسان عن تحقيق الهداف العليا للجماعة وللدولة بقدر ما‬
‫عجزت هذه الجماعة وهذه الدولة عن تأمين حقوقه وترسيخ حرياته ‪.‬‬
‫كان لنهيار التحاد السوفيتي أكثر من معنى ولكن كان المعنى‬
‫الهم هو أن الدول تبقى وتدوم بقدر ما حافظت على حريات الفراد‬
‫وليس بقدر ما تكدسه من ترسانة عسكرية وقدرات قمعية‪.‬‬
‫كان هذا المشهد هو ما شكل الوعي الكوني لجيل شاب من‬
‫الليبراليين المصريين وهو الجيل الذي وٌلد في أواخر السبعينات وأوائل‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪49‬‬

‫الثمانينات وهي الفترة التي شهدت تغيرات إقليمية ومحلية أثرت على‬
‫المجتمع المصري وجذبته بعيدا عن القيم الليبرالية‪ ،‬وكانت أهم هذه‬
‫التغيرات‬
‫‪-1‬ظهور الثروة في دول الخليج العربي وهجرة العديد من أبناء‬
‫الطبقة الوسطى المصرية لهذه الدول وعودتهم وقد اكتسبوا‬
‫ثقافة أكثر محافظة وأقل ليبرالية ‪.‬‬
‫‪-2‬تعزيز وجود التيارات الدينية وهي تيارات تناهض الفكار‬
‫الليبرالية وتضعها في مواجهة متعسفة وغير حقيقية مع الدين‪.‬‬
‫‪-3‬على الرغم من المؤشرات التي كانت تبشر بانفراجة سياسية‬
‫خاصة بعد عودة الحزاب إل أن هذه المؤشرات لم تصل إلى‬
‫النتائج المرجوة‪ ،‬فتم التضييق على المفكرين الليبراليين سواء‬
‫من قبل الدولة أو من قبل التيارات الدينية للدرجة التي دفع‬
‫فيها عدد من المفكرين حياتهم دفاعا عن مواقفهم‬
‫التنويرية(مثل فرج فوده)‬
‫‪-4‬دعم الغرب لسرائيل على حساب الحق الفلسطيني المشروع‬
‫أدى لظهور حالة تحفز ورفض ضد كل ما هو غربي بما في‬
‫ذلك القيم التنويرية‪ ،‬وهذا خلط مُخل بين القيم الحضارية التي‬
‫لها طابع إنساني عالمي وبين اختيارات الغرب السياسية‪.‬‬
‫‪-5‬كان لمصر تراث ليبرالي كبير بدأ من القرن ال ‪ 19‬الى‬
‫‪ ،1952‬عجزت التيارات الليبرالية التي ظهرت لحقا على‬
‫استعادة قوته وذلك نظرا لختلف الظروف التاريخية‬
‫والسياسية والضعف التنظيمي لهذه التيارات‪.‬‬
‫‪-6‬قام الحزب الحاكم بتطبيق سياسات اقتصادية لم تحظى بقبول‬
‫شعبي مثل التصفية (غير المدروسة) للقطاع العام وما‬
‫صاحبها من عمليات بيع عشوائي وبأقل من القيمة السوقية في‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪50‬‬

‫ظل اتهامات متزايدة بالفساد‪ ،‬وقد تم كل ذلك تحت شعار‬


‫الليبرالية مما أدى لحالة تشويش حول المصطلح‪.‬‬
‫كل ما سبق أدى إلى أن يخرج جيل جديد من الليبراليين‬
‫المصريين وهو مثقل بتراكمات سنوات ماضية ولكنه في نفس الوقت‬
‫مسلح بثورة معلوماتية‪-‬هي الكبر في التاريخ‪-‬أتاحت لنا معرفة‬
‫التطور النساني في اتجاه قيم الحرية والتعايش والتسامح وقبول الخر‬
‫والمساواة في الحقوق والواجبات وغيرها من القيم الليبرالية وهي القيم‬
‫التي يظهر المجتمع المصري في أشد الحاجة إليها وذلك بعد حالة‬
‫النسداد في الشرايين السياسية والجتماعية لهذا الوطن‪.‬وحالة الفرز‬
‫على أساس الدين التي ظهرت بوضوح مؤخرا‪.‬‬
‫ظهرت الفكرة الليبرالية في ظروف تاريخية في نهايات العصور‬
‫الوسطى‪ -‬تشبه إلى حدا ما ظروف مصر في بداية اللفية الثالثة‪ -‬؛‬
‫حيث سيطرت في ذاك الوقت مؤسسة دينية تحتكر السماء؛واستبداد‬
‫سياسي يحتكر الرض‪ ،‬ودفع الناس الثمن في الحالتين وتم قمع‬
‫الحريات مرة باسم الدين وأخرى باسم الجماعة وثالثة باسم الدولة‪.‬‬
‫وكان الستبداد السياسي والديني هو القاسم المشترك بين العالم‬
‫وقتها‪..‬شرقا خلفاء يستخدمون الفقهاء للتخلص من معارضيهم‬
‫واضطهاد كل من يخالفهم (والمثلة تتعدد تبدأ من الحسين إلى عبد ال‬
‫ابن الزبير والجعد أبن أدهم والمقفع ول تنتهي بأبو حنيفة وأبن حنبل‬
‫وأبن رشد)‪ ،‬وغربا تحالفت الكنيسة مع الملوك والمراء القطاعيين‬
‫فكان الحكم باسم الدين وكان الملوك إرادة ال على الرض وكل من‬
‫يخالف أو يعارض أو يفكر بطريقة مختلفة كان يدفع الثمن (والمثلة‬
‫تبدأ من محاكم التفتيش ول تنتهي بجاليليو)‬
‫غير أن المصادفة التاريخية كانت في صالح الغرب الوربي الذي‬
‫كان منحناه الحضاري في صعود وللسف كان المنحنى الحضاري‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪51‬‬

‫للشرق في حالة تراجع‪ ،‬لذا ظهرت في أوربا الفكار التي ترفض‬


‫الحكم بالحق اللهي حيث أن ال لم يفوض أحد لكي يتحكم في عباده‬
‫باسمه كما لم يفوض أحد ليكون وسيطا لتفسير الكون دونا عن الناس‪.‬‬
‫وظهرت النظريات التي ترى أن الحكم بمفهومه السياسي هو عقد‬
‫بين طرفين يصيغوه وفقا لرادتهم الحرة‪ ،‬وهو عقد بشري متغير‬
‫وليس إلهيا مقدسا لذا فيجوز تغييره وتعديله وتطويره وهو ما عُرف‬
‫بنظريات العقد الجتماعي‪.‬‬
‫كانت الفكرة الهم في نظريات العقد الجتماعي تلك الفكرة التي‬
‫قدمها جون لوك وهي فكرة الحقوق الطبيعية أي إنني أنا وأنت وكل‬
‫البشر حكاما ومحكومين قد ولدوا بحقوق متساوية ل يسمو فيها إنسان‬
‫على أخر مهما كانت الختلفات الدينية أو العرقية أو النوعية أو‬
‫الطبقية التي بينهم‪ ،‬كما ل يجوز لي سلطة دينية أو دنيوية أن تجرد‬
‫الفراد من هذه الحقوق‪..‬وهي كالتالي‪..‬‬
‫‪ -1‬الحق في الحياة‪.‬‬
‫‪ -2‬الحق في العتقاد والتعبير عن هذا العتقاد بحرية‪.‬‬
‫‪ -3‬الحق في التملك‪ ،‬حيث كانت الملكية حكرا على طبقة القطاعيين‬
‫مما سهل لهم احتكار الثروة والسلطة‪ ،‬والحتكار سواء كان بمعناه‬
‫السياسي أو القتصادي هو أمر ضد الليبرالية تماما‪.‬‬
‫ول أنكر أن جزء كبير من هذه الفكار له جذور في تراثنا‪،‬‬
‫فالحضارة النسانية سلسلة متتالية يكمل بعضها البعض‪ ،‬وكما نستفيد‬
‫من أفكار ظهرت في الغرب استفاد الغرب من أفكار لها جذور لدينا ‪.‬‬
‫إن السهام الكبر لمفكري الغرب كان صياغة هذه الفكار لتحدد‬
‫شكل واضح لحرية الفرد ل يسمح للسلطة سواء كانت دينية أو سياسية‬
‫اختراقه أو انتهاكه‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪52‬‬

‫وبناءا على فكرة الحقوق الطبيعية ظهر ما يمكن أن نسميه‬


‫منظومة القيم الليبرالية‪ ،‬أي القيم التي ل يمكن أن تتحقق الليبرالية‬
‫بدونها‪..‬وأهم هذه القيم في اعتقادي قيمة الختلف فالليبرالية تؤمن بأن‬
‫البشر مختلفين بطبعهم سواء في أفكارهم أو خلفياتهم الدينية والثقافية‬
‫والعرقية والجتماعية‪ ،‬كما ترى إن أفضل ما في البشر هو اختلفهم‪،‬‬
‫فهذا الختلف هو ما يؤدي إلى البداع والتنافس والتطوير‪.‬‬
‫وحول قيمة الختلف ظهر عدد من القيم الساسية مثل قبول‬
‫الخر (أي قبول من يختلف معك) والتسامح (أي أن تقبل أن يكون لهذا‬
‫المختلف رؤية مخالفة‪ ،‬وله كل الحق في التعبير بكل الطرق السلمية‬
‫عن هذه الرؤية) والتعايش(أي العيش والتواجد المشترك للفكار‬
‫المختلفة جنبا إلى جنب دون أن يسعى طرف لستبعاد أو إقصاء‬
‫الطراف الخرى)‪ ،‬نسبية الحقيقة(أي انه ل يوجد رأي يحتكر دون‬
‫سواه الحق المطلق‘فالحقيقة نسبية تختلف من فرد لخر على حسب‬
‫نظرة كل طرف وطريقة تفكيره)‪.‬‬
‫كما يظهر عدد أخر من القيم المرتبطة بالرؤية السياسية لليبرالية‬
‫والتي تنطلق من أن البشر كلهم لهم نفس الحقوق الطبيعية لذا‬
‫فالليبرالية تؤمن بدولة القانون التي يتساوى فيها كل الفراد أمام‬
‫القانون حكاما كانوا أو محكومين‪ ،‬كما تؤمن الليبرالية بمسئولية الحاكم‬
‫أي أن الحاكم وصل إلى الحكم بموجب تفويض حر أو عقد من الفراد‬
‫المحكومين‪ ،‬وهذا التفويض يقابله مسئولية‪ ،‬فالحاكم دائما موضع‬
‫مسائلة ومحاسبة شعبية لمراجعة مدى التزامه بشروط العقد أو‬
‫الدستور‪ ،‬ويمكن محاسبة الحكم وعزل الحاكم إذا ما أخل بالشروط أو‬
‫إذا ما توافقت إرادة الفراد على عزله‪.‬‬
‫وبما إن الليبرالية ضد الحتكار فهي تؤمن بالتداول السلمي‬
‫للسلطة عن طريق التنافس السياسي بين الفكار المختلفة (وذلك عن‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪53‬‬

‫طريق النتخاب الحر الذي يختار فيه الفراد من ينوب عنهم لدارة‬
‫شئونهم العامة أو من يمثلونهم في تشريع القوانين ومراقبة الحكومة‬
‫فيما يعرف بالبرلمان)‪.‬‬
‫والليبرالية على المستوى القتصادي قائمة على فكرة حرية التملك‬
‫مع حرية التنافس داخل السوق وذلك ل يتم إل عن طريق منع‬
‫الحتكار وتشجيع التنافس حيث تؤمن الليبرالية أن التنافس في‬
‫القتصاد ‪ -‬كما في السياسة ‪ -‬سيؤدي لرفع كفاءة الخدمات والسلع‪.‬‬
‫ربما يكون أكثر ما يدهشني في الليبرالية هذه القدرة المذهلة على‬
‫نقد الذات وتصحيح الخطاء‪ ،‬ففي الوقت الذي وقعت فيه العديد من‬
‫الفكار أسرى للجمود العقائدي والنغلق الفكري طورت الليبرالية من‬
‫أدائها القتصادي‪ ،‬فبعد أن فشلت أفكار كانت تدعو لترك السوق يعمل‬
‫وفقا للياته دون تدخل من الدولة استطاعت الليبرالية أن تستوعب‬
‫أخطائها القتصادية وظهرت مدارس ليبرالية تنادي بتدخل الدولة‬
‫لضبط السوق ومنع الحتكار أو استغلل العاملين أو إهدار حقوق‬
‫الفرد سواء كان عاملً أو مُستهلكا‪ ،‬فظهرت في الدول الليبرالية حزمة‬
‫قوانين تُحّرم الحتكار وتفرض ساعات محددة للعمل ومستوى محدد‬
‫للجور وأيام للجازات والعطل ومستوى قياسي لجودة السلع وشبكة‬
‫ضخمة للمان الجتماعي كالتأمين ضد البطالة والعجز والمرض‬
‫والشيخوخة وامتيازات متعددة عجزت الدول التي أدعت أنها قامت من‬
‫أجل حقوق العمال على مجاراتها‪.‬‬
‫هذه المرونة القتصادية صاحبتها مرونة سياسية حيث كانت‬
‫تطبيقات الليبرالية تختلف من بلد لخر ومن تيار سياسي إلى تيار‬
‫أخر‪ ،‬اختلفات كانت تؤدي إلى إثراء الفكرة الليبرالية دون الخلل‬
‫بمضمونها‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪54‬‬

‫أدهشني أكثر في الليبرالية احترامها للخصوصية الثقافية للشعوب‪،‬‬


‫فهي ليست ضد الختلفات كما ذكرنا بل تتعايش معها وتتفاعل‪ ،‬كما‬
‫إنها لم تكن ضد الدين كما يصورها البعض بل كانت دائما دعوة‬
‫للتسامح الديني والثقافي تضمن لكل فرد اعتناق ما يتوافق مع قناعاته‬
‫دون إجبار أو تدخل في العتقاد الديني ودونما أن يكون هذا العتقاد‬
‫سببا لي تمييز أو اضطهاد‪.‬‬
‫لذا فإن تسامح الليبرالية مع الختلف الديني والمذهبي هو‬
‫الضامن الوحيد والحل المثل لمجتمعات تتنوع فيها المذاهب الدينية‬
‫دون إقصاء لتباع مذهب أو دين‪.‬‬
‫لذا فل تتعجب كثيرا حينما تعرف أن الليبرالية هي واحدة من أقدم‬
‫الفكار التي ظهرت في الدولة المصرية الحديثة في بدايات القرن الي‬
‫‪ ،19‬اختلطت الليبرالية بالخصوصية المصرية فظهرت في صورة‬
‫مصرية خالصة‪ ،‬وقدمها لنا أول ما قدم شيوخ مٌعممين (وليسوا‬
‫خواجات ببرانيط)حيث ظهرت بدايات التراث الليبرالي في مصر مع‬
‫أفكار للزهري(حسن العطار)ودعوة منه للستفادة من المنتج‬
‫الحضاري الغربي بما يتناسب معنا‪ ،‬ثم تبعه أزهري أخر هو (رفاعة‬
‫الطهطاوي) الذي ترجم الدستور الفرنسي وأنبهر بالقانون الذي يساوي‬
‫بين المواطنين حكاما ومحكومين وكان على الرغم من تحفظه على‬
‫بعض مظاهر المدنية الوربية ل يخفي إعجابه بتراث الحريات‬
‫الوربي‪ ،.‬ثم تبعه شيخ أخر قادم من سوريا هو (عبد الرحمن‬
‫الكواكبي)الذي دفع حياته ثمنا لكشفه لما أسماه(طبائع الستبداد) في‬
‫الفكر السياسي العربي‪ ،‬ول ننسى المُصلح الديني الكبير الشيخ محمد‬
‫عبده وماله من أراء مستنيرة لصلح الجمود الديني الذي أخّر التقدم‬
‫لقرون‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪55‬‬

‫وتوالت السماء لما يمكن أن نسميه بشيوخ عصر النهضة‬


‫المصرية أو الباء المؤسسين لليبرالية المصرية حيث تم تتويج نضالهم‬
‫بواحدة من أعظم ثورات مصر إن لم تكن أعظمهم وهي ثورة الشعب‬
‫المصري ‪ 1919‬للمطالبة بالستقلل والدستور وهي الثورة التي‬
‫أنتجت دستور ‪ 1923‬الذي أقر ولول مرة في التاريخ المصري أن‬
‫المة المصرية هي مصدر كل السلطات‪ ،‬وتشكلت على أثر هذا‬
‫الدستور ما يسمى بالحقبة الليبرالية والتي كانت على الرغم من‬
‫عيوبها‪ -‬مثل انقلب القصر على الشرعية الدستورية وتدخل سلطات‬
‫الحتلل النجليزي‪ -‬إل إنها فترة شهدت تداول للسلطة بين أحزاب‬
‫مختلفة(على الرغم من تدخلت القصر ضد الرادة الشعبية)‪ ،‬وتألق‬
‫الحريات الكاديمية وازدهار الحياة الدبية والفنية وشهدت مصر‬
‫عمالقة ما بين أُدباء وشعراء وفنانين وعلماء وسياسيين‘مما يعني أن‬
‫التجربة كانت في حالة نمو على الرغم من سلبياتها ولكن بدل من‬
‫البناء على هذا التراث العظيم تم هدمه تماما والنقلب عليه بعد يوليو‬
‫‪ 1952‬والذي بدأ حقبة جديدة لها مالها وعليها ما عليها ولكن أسوأ ما‬
‫كان عليها أنها انقلبت على هذا التراث الليبرالي الكبير‪.‬‬
‫إن الليبرالية ليست مجرد أيدلوجيا جامدة بل مشروع حضاري‬
‫إنساني يعطي للنسان الفرد مجال خاص يتمتع فيه بحرية الختيار‬
‫والتفكير والفعل ل سلطان عليه إل ضميره وقناعاته وذلك دون‬
‫العتداء على حقوق الخرين‪.‬‬
‫وأظن إن هذا المشروع هو القادر على النطلق بقدرات النسان‬
‫ومواهبه التي تعطلت وتيبست بفعل عوامل الستبداد والقمع السياسي‬
‫والجتماعي‪..‬‬
‫علشان كل ده‪ ....‬أنا ليبرالي‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪56‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪57‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫لنـنـي‬
‫إنـســان‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪58‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪59‬‬

‫الليبرالية شرط الوجود النساني‬

‫بلل عبد الله صابر عبد المنعم‬

‫مواليد ‪ .1987‬طالب بالسنة النهائية قسم علوم‬


‫سياسية ‪ -‬كلية تجارة ‪ -‬جامعة حلوان‪ .‬شاركت‬
‫فى دورة تدريبية بمركز الهرام للدراسات‬
‫السياسية والستراتيجية‪ .‬ودورة تدريبية عن‬
‫المجتمع المدني بالجامعة المريكية ‪.2008‬‬
‫ورشة عمل عن الليبرالية بمؤسسة فريدريش‬
‫ناومان ‪2009‬‬
‫أحلم بوجود نخبة إستراتيجية تقود المجتمع‬
‫والدولة في مصر وفق المنهج والمبادئ الليبرالية‬
‫وشعب على درجة عالية من النفتاح بشكل يحقق‬
‫عملية انتقال ديمقراطي ناجح في مصر تراعى‬
‫خصوصيات البيئة المصرية‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪60‬‬

‫في إحدى ورش العمل التي شاركت فيها مؤخرًا كان قد طُلب من‬
‫الحضور في بداية عمل الورشة أن يقوم كل منهم بتعريف نفسه من‬
‫خلل جملة واحدة يجد فيها أنها تعبر عن أفكاره‪ ،‬أو أهدافه أو قناعاته‪،‬‬
‫باختصار جملة تعبر عنه‪ .‬وقتها قمت بالتعبير عن نفسي بأنني قلت ‪:‬‬
‫" إنني أحاول أن أكون موجودًا ؛ لعل في هذه الجملة ما يلخص إجابتي‬
‫عن سؤال لماذا أنا ليبرالي‪.‬‬
‫ولكن الكلم على هذا النحو قد يبدو أنه ينطوي على شيء من‬
‫الغموض‪ ،‬المر الذي يستوجب معه البدء بتوضيح كل من معنى‬
‫الوجود‪ ،‬ومعنى الليبرالية ثم بيان العلقة بينهما‪.‬‬
‫ولتكن البداية بالبحث في مفهوم الوجود ؛ فما أقصده بكلمة‬
‫الوجود ليس المعنى السطحي والمباشر‪ ،‬أو البعد المادي الملموس‬
‫لمفهوم الوجود‪ ،‬بأن يكون شيء ما موضوعًا في مكان ما بشكل يمكن‬
‫إدراكه‪ ،‬فيكون هذا الشيء موجودًا ؛ إنما ما أقصده بمعنى كلمة‬
‫الوجود – على القل حسب فهمي لمعنى الوجود – هو أن أستطيع أن‬
‫أحيا ويتحقق كياني بالشكل الذي أريده وأراه مناسبا لي‪ ،‬أي أنني أرى‬
‫أن الرادة هي محور الوجود‪ ،‬فل وجود بدون إرادة حرة‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫الحرية هي أساس أي وجود حقيقي‪ ،‬ودون توفر تلك الحرية ي التي‬
‫تعد شرطا ضروريا لتحقيق الوجود ي ل يمكن الحديث عن وجود‬
‫إنساني حقيقي لنه في هذه الحالة سوف يصبح وجودا وهميا‪ ،‬وشكلً‬
‫من أشكال العدم ‪.‬‬
‫وإذا كنيا قيد اعتبرنيا أن الحريية هيي الشرط الضروري الول‬
‫لتحقيق الوجود النساني‪ ،‬فإن هذه الحرية ما هي إل أحد وجه يّ العملة‬
‫ف قط‪ ،‬بين ما الو جه ال خر لعملة الوجود يتم ثل في الذات ية‪ ،‬فالمرء‪ -‬أي‬
‫مرء ‪ -‬ل ي ستطيع أن يح قق وجود أ حد سواه هو شخ صيا‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪61‬‬

‫العاميل الشخصيي ضروري هيو الخير لكيي يتحقيق الوجود بمعناه‬


‫الحقي قي‪ .‬وإذا أرد نا أن ند مج مع نى الحر ية ومع نى الذات ية في كل مة‬
‫واحدة فتلك هي "الفرد ية" ؛ فالفرد ية هي الرادة الحرة الم ستقلة للفرد‬
‫والتي من خللها يستطيع أن يعبر عن ذاته‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬يمكن القول‬
‫بأن الفرديية والوجود النسياني بمعناه الحقيقيي وجهيين لعملة واحدة‪،‬‬
‫على القل وفق تصوري الشخصي‪.‬‬
‫هذا عن معنى الوجود‪ ،‬فماذا إذن عن الليبرالية؟‬
‫دون الدخول في كثير من التفاصيل النظرية حول مصطلح‬
‫الليبرالية‪ ،‬يمكن القول وباختصار بأن البيئة المفاهيمية لذلك المصطلح‬
‫تتمحور حول معنى كلمة الحرية وشجرة المصطلحات الخرى‬
‫المتفرعة منها‪ ،‬وبالخص حرية الفرد‪ ،‬ولكن دون أن يعنى ذلك‬
‫النانية‪ ،‬ودون إهمال أيضا لهمية المجتمع ودوره‪ ،‬بل إن حرية الفرد‬
‫هنا ل غنى عنها لصحة المجتمع ككل‪ ،‬وهذا ما سوف نعود إليه بعد‬
‫قليل ‪ .‬ولكن ما نود أن نشير إليه أول ً‪ ،‬هو كيف أن فقدان أحد‬
‫عنصريّ الوجود النساني بالمعنى السابق ذكره – أي الحرية والذاتية‬
‫‪ -‬يؤدى بشكل مباشر إلى التحول عن الليبرالية ‪.‬‬
‫يمكن القول بأن إلغاء وجود الفرد يمكن أن يتم بإحدى طريقتين‪،‬‬
‫فإما أن يتم إلغاء وجود الشخص بشكل رأسي‪ ،‬وإما أن يحدث هذا‬
‫بشكل أفقي ؛ بشكل رأسي ؛ أي أن يتم سلب حرية الفرد من خلل‬
‫سلطة أعلى منه ولصالحها‪ ،‬وفى هذه الحالة فإننا نتحول من الليبرالية‬
‫إلى السلطوية أو الشمولية ؛ أما الشكل الفقي الذي يتم من خلله إلغاء‬
‫وجود الفرد‪ ،‬فهو فقدان العنصر الثاني من عناصر الوجود‪ ،‬وهو‬
‫الذاتية‪ ،‬ول يتم ذلك إل لصالح أشخاص آخرين في المجتمع‪ ،‬وفى هذه‬
‫الحالة نكون قد تحولنا من الليبرالية إلى الشتراكية‪ .‬بعبارة أخرى ؛‬
‫فإنه في الحالة الولى فإن وجود الفرد ينسحق ويتماهى مع صورة‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪62‬‬

‫وجود أعلى‪ ،‬بينما في الحالة الثانية فإن وجود الفرد يذوب في وجود‬
‫أوسع‪ ،‬وفى الحالتين ل يمكن إدراكه بشكل مستقل‪.‬‬
‫وإذا لم تكن هناك حرية فإنه ل يمكن الحديث عن مسؤولية‪،‬‬
‫فالفرد غير الحر ل يمكن أن يطالب بأن يكون مسئول‪ ،‬وعلى قدر هذه‬
‫الحرية التي يتمتع بها الفرد يستطيع أن يكون مسؤولً‪ ،‬وإذا تحققت‬
‫المسؤولية لدى كل فرد في المجتمع فسوف يتحقق النظام والنضباط‬
‫الذاتي لهذا المجتمع‪ ،‬أما إذا كان النظام والنضباط الجتماعي‬
‫مفروضا وبشكل قسري على أفراد وعناصر المجتمع‪ ،‬فسوف تكون‬
‫الفوضى أو النهيار أو النفجار هي المآل والمصير المحتوم لهذا‬
‫المجتمع‪ ،‬أو هذا النظام المختل ؛ ولنا في بعض النظمة الشيوعية‬
‫ل عن التحاد‬ ‫والشمولية في شرق أوربا سابقا خير مثال‪ ،‬هذا فض ً‬
‫السوفيتي السابق طبعا‪.‬‬
‫ويتصل كذلك بمعنى الحرية مفهوم احترام الملكية الخاصة‪،‬‬
‫وتجدر الشارة هنا إلى بديهة مهمة قد ل يدركها البعض‪ ،‬وهى أن حق‬
‫الملكية الخاصة أمر يختلف عن حق احترام الملكية الخاصة‪ ،‬فقد يكون‬
‫حق التملك موجودا في بعض النظمة غير الليبرالية إل أنه أحيانا ل‬
‫يكون هناك حماية كافية ويظل خطر المصادرة أو التأميم قائما‪.‬‬
‫كذلك يمكن أن ننظر إلى مفهوم احترام الملكية الخاصة من زاوية‬
‫مختلفة نسبيا عن الفهم التقليدي والنمطي لمعنى الملكية الخاصة ولكن‬
‫دون أن نبتعد مطلقا عن معنى الحرية‪ ،‬وهي أن الملكية الخاصة ليست‬
‫متعل قة ف قط بالشياء الماد ية ال تي من المم كن أن يتملك ها أو يكت سبها‬
‫الفرد وإل لن يكون هذا الحق مكفولً للفقراء‪ ،‬إنما أيضا من الممكن أن‬
‫ينسيحب هذا الحيق على ملكيية الفرد لذاتيه بشكيل كاميل‪ ،‬على القيل‬
‫الشخص الراشد‪ ،‬فهنا نجد أنه حتى أفقر فقراء العالم يمتلك هذا الحق‪،‬‬
‫فاحترام الملكيية الخاصية يوجيب على القيل احترام حريية التصيرف‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪63‬‬

‫والحريية الشخصيية لدى أي فرد‪ ،‬ومين المعروف أنيه حتيى هذا الفهيم‬
‫المبسط لحق احترام الملكية الخاصة يُنتهك في صور وأشكال متعددة‪،‬‬
‫وعلى م ستويات مختل فة‪ ،‬بدءًا من تد خل الب عض في شؤون الخر ين‪،‬‬
‫ل إلى التجار بالبشير‪ .‬ومين المعروف أن الحريات الشخصيية‬ ‫ووصيو ً‬
‫واحترام الملكية الخاصة أحد الركان الرئيسية في الليبرالية كمذهب أو‬
‫كنظام للفرد وللمجتمع‪.‬‬
‫في صميم الحرية الشخصية تقع حرية العقيدة‪ ،‬تماما كما تقع‬
‫حرية ممارسة الشعائر الدينية في صميم الحريات العامة‪ ،‬والسؤال‬
‫إذن‪ ،‬ما هو الشيء الضامن لشيوع ذلك الجو العام من احترام الحريات‬
‫الدينية‪ ،‬إنه ول شك شيوع حالة من التسامح في المجتمع بما يجعل كل‬
‫فرد يحترم الختلف والتنوع الخلق الموجود في أي مجتمع ‪ .‬وإذا‬
‫كان التسامح أمر معنوي في المقام الول فإن ضمان شيوعه في أي‬
‫مجتمع أمر ينقلنا إلى الحديث عن الدولة المدنية‪ ،‬والتي تعد الضامن‬
‫الساسي لعدم سيطرة التطرف الذي من الممكن أن تمارسه إحدى‬
‫الجماعات المسيطرة في المجتمع ضد الجماعات الخرى‪.‬‬
‫وعلى الرغيم مين عدم وجود مصيطلح الدولة المدنيية فيي تارييخ‬
‫الفكير السيياسي وأنيه مصيطلح حدييث نسيبيا يي ميا كان موجودا هيو‬
‫مصطلح الحكومة المدنية ي إل إنه يمكن فهم هذا المصطلح ودللته‬
‫بشكل مبسط من خلل فهم نقيضه‪ ،‬أي الدولة الدينية‪ ،‬فإذا كانت الدولة‬
‫الدينيية هيي الدولة التيي تسيتند فيي عناصيرها‪ ،‬وأركانهيا الرئيسية إلى‬
‫رؤى ودعاوى ومعتقدات‪ ،‬وأحكام دينية تخص جماعة معينة مسيطرة‪،‬‬
‫يى لذلك دولة‬‫يا‪ ،‬وهي‬ ‫يع مواطنيهي‬ ‫يي دولة جميي‬‫ية هي‬
‫فإن الدولة المدنيي‬
‫ديمقراطيية ؛ ول تتجلى ديمقراطيتهيا ومدنيتهيا فقيط فيي الحكومية‬
‫وأ سلوبها في التعا طي مع مختلف شؤون الحكم‪ ،‬إن ما يظ هر ذلك أيضا‬
‫في جميع أركان وعناصر بنية الدولة بأكملها‪ ،‬وبشكل يتيح حفظ الطابع‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪64‬‬

‫المدني للدولة حتى في حالة وصول تيار سياسي ذو توجهات دينية إلى‬
‫مقالييد الحكيم بشكيل ديمقراطيي‪ .‬وتتخيذ الدولة المدنيية وفيق المنظور‬
‫الليبرالي موقفا حياديا من جميع الديان‪ ،‬وهنا قد يقول قائل أن النظمة‬
‫الشيوعيية كانيت تتخيذ أيضا موقفا حياديا حيال مختلف الديان ؛ لعيل‬
‫هذا يقتضي بداية التفرقة بين كل من الحياد اليجابي‪ ،‬والحياد السلبي‬
‫تجاه الديان‪.‬‬
‫فالحياد السلبي تجاه الديان ي الذي تتميز به النظمة الشيوعية ي‬
‫يجعيل تلك النظمية تتخيذ موقفا معاديا للحريات الدينيية‪ ،‬أو بالحرى‬
‫للديان جميع ها دون تفر قة ب ين د ين وآ خر؛ أ ما بالن سبة الليبرال ية ‪-‬‬
‫والمقارنة هنا نظرية صِرفة ‪ -‬نجدها تتخذ موقفا مُؤيّدا للحريات الدينية‬
‫وبشكيل محاييد تجاه جمييع الديان‪ ،‬وبذلك تسيتطيع القليات الدينيية أن‬
‫تحيا وتعيش في كنف الدولة الليبرالية دون أي تمييز ضدها‪ ،‬بل ليست‬
‫القليات الدينية فقط هي من تنعم بالمساواة في ظل الدولة المدنية‪ ،‬بل‬
‫القليات بصفة عامة‪ ،‬أيما كان أساس تميزها‪ ،‬وذلك بالطبع على عكس‬
‫ما يحدث في ظل الدولة غير المدنية‪.‬‬
‫واتصال بالحديث عن الحرية الفردية من ناحية‪ ،‬والطابع المدني‬
‫للدعوة الليبرالية من ناحية أخرى‪ ،‬يأتي مفهوم المجتمع المدني كمفهوم‬
‫رئ يس في المذ هب الل يبرالي ؛ والمجت مع المد ني في أب سط معان يه هو‬
‫م ستوى اجتما عي يتو سط العل قة ب ين الموا طن والحكو مة‪ ،‬فيقوم بف عل‬
‫مال ي ستطيع الفرد العادي القيام به بمفرده‪ ،‬و فى ن فس الو قت ل يج عل‬
‫الموا طن في حا جة ما سة دائما إلى اللجوء إلى الحكو مة‪ ،‬و هو بذلك –‬
‫أي المجتمع المد ني ‪ -‬يزيد قدرة الموا طن على الف عل بأن يخلق فضاءً‬
‫جديدا لممارسة الحرية والفعل الجتماعي بشكل يتجاوز قدرة المواطن‬
‫المحدودة على إتا حة ذلك المجال بنف سه لممار سة حري ته‪ ،‬و فى الو قت‬
‫نف سه يز يد من ا ستقللية الموا طن في مواج هة الحكو مة؛ ال مر الذي‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪65‬‬

‫يؤدي في النهاية إلى زيادة حرية الفرد من جهة‪ ،‬وفاعلية المجتمع من‬
‫جهة أخرى‪.‬‬
‫ل من الفرد والمجت مع‬ ‫تلك الحر ية والديناميك ية ال تي يتم يز به ما ك ٌ‬
‫الليبرالي‪ ،‬وهي ما ينتج عنها ما يطلق عليها مفهوم المنافسة؛ فالمنافسة‬
‫الحرة هنيا هيي الفراز الطيبيعي لذلك المجتميع اللييبرالي؛ فبفضيل‬
‫المنافسية يسيتطيع المجتميع أن يمارس وظيفتيه وقدرتيه على الفرز‬
‫والنتخاب ل صالح الف ضل ‪ -‬النتخاب بمعناه العام ‪ -‬وذلك ما يج عل‬
‫المجت مع في حالة دائ مة من التجدد والتطو ير الذا تي‪ ،‬م ما يجن به حالة‬
‫الجمود والثبات التيي دائما ميا تكون التهمية التيي توجههيا النظريية‬
‫المارك سية للمجت مع الرأ سمالي والل يبرالي‪ ،‬فإذا كا نت المارك سية تقول‬
‫بالطا بع الجدلي وال صراعي للمجت مع في حالة سيادة النظام الرأ سمالي‬
‫‪ -‬حييث الرأسيمالية قرينية الليبراليية على الصيعيد القتصيادي ‪ -‬فإن‬
‫الليبرالية في ظل سيادة قيم الشفافية واقتصاد السوق واحترام الحريات‬
‫العامية وحيق الملكيية الخاصية‪ ،‬وبالطبيع فإن دولة القانون تسيتطيع أن‬
‫تحافيظ على المجتميع فيي حالة اسيتقرار ‪ -‬ولييس جمود ‪ -‬دائم عيبر‬
‫إتاحة الفرصة للفضل وكل ذي موهبة كي يستطيع أن يُوظّف ويستغل‬
‫إمكانياتيه لصيالحه الخاص كميا لصيالح المجتميع‪ ،‬وبذلك تظيل هناك‬
‫فرصية دائمية فيي الترقيي والصيعود والحراك الجتماعيي بميا يبقيى‬
‫المجتميع فيي حالة مسيتمرة مين الحيويية والتجدد والتطور للفضيل‪،‬‬
‫وبذلك فإن المجت مع الل يبرالي ي ستطيع أن يج نب نف سه أخطار الثورات‬
‫والنفجارات الجتماع ية ؛ ول عل في الحد يث عن ما يطلق عل يه خيار‬
‫الطر يق الثالث ما يُغني نا عن أ ية أمثلة أخرى عن قدرة الليبرال ية على‬
‫تجديد نفسها باستمرار‪.‬‬
‫ف ما ي سمى بالطر يق الثالث هو طر يق و سط‪ ،‬أو حل و سط ب ين‬
‫الليبراليية والشتراكيية ؛ ولكنيه يظيل أقرب إلى الليبراليية منيه إلى‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪66‬‬

‫الشتراكيية‪ ،‬فقيد ولد الطرييق الثالث مين رحيم دول هيي ليبراليية‬
‫بالسياس‪ ،‬وتلك الدول بالخيص كانيت ( أمريكيا كلينتون ) و(فرنسيا‬
‫شيراك) (وألمان يا شرودر) ‪ .‬إذن فإن تلك المو جة قد ظهرت بال ساس‬
‫في ت سعينيات القرن الما ضي‪ ،‬أي ب عد انهيار غالب ية الن ظم الشتراك ية‬
‫فيي العالم‪ .‬وقيد كان الهدف مين سيياسات الطرييق الثالث التغلب على‬
‫مشكلت الفقر والتفاوت الطبقي‪ ،‬فتم أخذ مفهوم العدالة الجتماعية من‬
‫الشتراكيية وتطيبيقه فيي تلك الدول الليبراليية‪ ،‬وأصيبح لتلك الدول‬
‫مسؤولية اجتماعية أكبر تجاه مواطنيها‪.‬‬
‫بالطبع هناك مفاهيم ومعاني أخرى تتصل بالفهم الليبرالي ؛‬
‫كمنهج حياة للفرد‪ ،‬وللمجتمع بل ‪ ،‬وكمنهج تفكير أيضا ؛ إنما ما أردنا‬
‫بيانه من خلل هذا العرض الموجز والسريع لبعض المفاهيم الرئيسة‬
‫المتعلقة بالليبرالية‪ ،‬هو كيف أن الليبرالية تكاد تكون هي الوجه المثل‬
‫المعبر عن المعنى الحقيقي والسمى للوجود النساني بتقديسها للحرية‪،‬‬
‫ل سيما حرية الفرد كشرط ل غنى عنه لحرية‪ ،‬بل وصحة وسلمة أي‬
‫مجتمع إنساني‪ ،‬وأحسبني بذلك قد أكون أجبت إجابة واضحة عن‬
‫سؤال "أنا ليه ليبرالي؟" ‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪67‬‬

‫نظرية محورها النسان‬

‫محمد مجدي محمد أحمد أبو زيد‬

‫مواليد أغسطس ‪ .1985‬ليسانس آداب قسم التاريخ‬


‫جامعة السكندرية ‪ .2006‬عضو في حزب الغد المصري‬
‫منذ يناير ‪ ،2006‬وكيل تنظيم لجنة العجمي سابقا‪ ،‬وحاليا‬
‫رئيس لجنة التدريب والتثقيف بالحزب بالسكندرية‪ .‬حاصل‬
‫علي دورة تدريبية عن تفعيل الحزاب السياسية التي‬
‫نظمها المعهد الجمهوري الدولي ‪ .I.R.I‬وحاصل علي‬
‫دورة تدريبية عن إعداد القيادات الشبابية في الحزاب‬
‫السياسية المصرية التي نظمتها الجمعية المصرية للتوعية‬
‫القانونية‪ ،‬شاركت في ورشة عمل نحو قانون انتخابي‬
‫جديد التي نظمتها جمعية العروبة لحقوق النسان‬
‫بالسكندرية‪.‬‬
‫أحلم بوجود تيار ليبرالي قوي داخل المجتمع المصري يقف‬
‫أمام المد الصولي المتوغل حاليا في المجتمع المصري‬
‫بشكل ينذر بالخطر والعواقب الوخيمة‪ .‬كما أحلم بحياة‬
‫سياسية سليمة قوية يكون فيها تداول سلمي وحقيقي‬
‫للسلطة دون احتكار وهيمنة ومضايقات سلطوية‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪68‬‬

‫إذا سألتني لِما أنتَ ليبرالي ؟‬


‫أرد عليك ببساطة لني أولً وأخيرا‪ :‬إنسان‪.‬‬
‫وستسألني‪ :‬وما العلقة ؟‬
‫أقول لك إن الصل في النسان الحرية؛ والليبرالية هي أصدق‬
‫تعبير عنها؛ فهي مٌستنبطة من القانون الطبيعي والذي يعبر عن‬
‫متطلبات النسان الساسية واحتياجاته‪ ،‬وهي المتطلبات والحتياجات‬
‫التي من الصعب أن يختلف عليها اثنان؛ ذلك أن القانون الطبيعي‬
‫بمعني آخر هو تعبير عن (الفطرة)‪ ،‬بل هو الفطرة التي فٌطر النسان‬
‫عليها‪ .‬فمن منا ل يحب أن يعيش في حرية بعيدا ً عن تدخلت‬
‫الخرين‪ ،‬ومن منا ل يحب أن يجاهر برأيه دون مصادرة وممانعة‬
‫ومحاكمة‪ ،‬من منا ل يحب أن يتقبله الناس بمزاياه ونقائصه كما يتقبلهم‬
‫هو بمزاياهم ونقائصهم ؟ ومن منا ل يحب أن تكون له ملكيته‬
‫الخاصة‪ ،‬ومن منا يرضي أن تدار أمور الحياة دون أن يكون له الحق‬
‫في المشاركة ؟ ‪.‬‬
‫أستطيع أن أتفهم جيدا كل ما ستقوله عن القيود والضغوط‬
‫والمشاكل والمشاغل وغيرها كثير من السباب التي يٌمكن أن توردها‬
‫احتجاجا أو يأسا‪ ،‬وأنا أشاركك الرأي‪ ،‬واتفق معك‪ ،‬ربما في كثير أو‬
‫قليل مما ستقول‪ ،‬لكني أنبهك مرة أخري إلي فحوي سؤالي أليس حب‬
‫الحرية الفردية وحب المجاهرة بالرأي وحب الملكية الخاصة وحب‬
‫المشاركة في إدارة المور العامة‪ ،‬كلها في الساس أمور محببة‬
‫للنسان‪ ،‬أمور تؤكد علي فرديته وتميزه‪ ،‬وتؤكد طبعا علي(أهمية‬
‫وجوده)‪ ،‬علي إنسانيته‪.‬‬
‫الليبرالية إذن نشأت من القانون الطبيعي الذي هو الفطرة في‬
‫النسان‪ ،‬ولهذا هي ضد كل ما يكبل هذه الحقوق؛ فهي ضد الستبداد‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪69‬‬

‫السياسي‪ ،‬وضد القصاء والرهاب الفكري‪ ،‬وضد تحويل البشر إلي‬


‫مجرد وسائل لغايات؛ ففي الليبرالية النسان هو الغاية النهائية في "‬
‫الفكر الليبرالي يبدأ من ضرورة العتراف بالفرد وبمجال خاص له‬
‫‪1‬‬
‫يستقل فيه وتظهر فيه قدراته البداعية‪".‬‬
‫و تطلب مني أن أُبسط عباراتي ؟‬
‫فأقول لك إن الليبرالية تستند علي قيم أساسية‪ ،‬أراها منطقية جدا ً‬
‫ول أظن عاقل ً أو منصفا ً يرفضها‪ ،‬هي‪ :‬التسامح‪ ،‬والحرية الفردية‪،‬‬
‫وحق التملك‪ .‬فالتسامح نابع من حقيقة أن البشر مختلفون جنسا ً أو دينا‬
‫ً أو اعتقادا ً أو لونا ً أو لسانا ً ومحاولة جمعهم علي رأي واحد هو‬
‫وهم سخيف وأمر غير واقعي ومستحيل وإن هذه الختلفات بينهم‬
‫تضعنا أمام احتمالين إما أن يرفض كل واحد الخر ويكون في قطيعة‬
‫وعداء معه ومن ثم في صراعات وحروب؛ ولنا عبرة في الحروب‬
‫الدينية التي قامت في العصور الوسطي في أوربا التي نشبت بين عقائد‬
‫مختلفة داخل المسيحية أو كالحروب الصليبية بين أوربا (المسيحية)‬
‫والشرق الدنى (المسلم) وهي حروب يمكن توصيفها بي " حروب‬
‫مطلقات "‪ 2‬وهنا خطورة المطلقات حين تتحول – خصوصا – إلي‬
‫أيديولوجيات‪.‬و المهم إما أن يتقبل كل منا الخر باختلفاته‪ ،‬ول نكتفي‬
‫بهذا بل نتذكر أن الجامع الكبر بيننا هو (النسانية) فيكون هدفنا‬
‫السمي هو العمل من أجل تقدمها وخيرها وإما أن يكون الدمار‪ .‬و"‬
‫‪3‬‬
‫في الشئون الثقافية يكون التنوع شرطا ً للتقدم"‬
‫و الحرية الفردية هي أسمي ما يملكه النسان فهي المعبرة عنه‬
‫وعن تفرده والنسان بطبعه يحب أن يكون متميزا ولهذا فلكل إنسان‬
‫عالمه الخاص وقيمه الخاصة ونظرته المختلفة عن الخرين إلي‬

‫‪ 11‬حازم الببلوي ‪ :‬دور الدولة في القتصاد ص ‪.173‬‬


‫‪ 22‬الفكرة هنا مقتبسة من كتاب مُلك الحقيقة المطلقة لـ د‪ .‬مراد وهبة ‪.‬‬
‫‪ 33‬السلطة والفرد‪ :‬برتراند راسل‪ ،‬ترجمة د‪ .‬لطفية عاشور‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪70‬‬

‫الحياة‪ ،‬فإذا منعناه من حريته الفردية منعناه من وجوده الحق وحكمنا‬


‫عليه بالموت حيا‪ ،‬وما أصعبه من حكم‪.‬و الحرية الفردية يندرج تحتها‬
‫حرية العتقاد فاليمان محله القلب ولم يهتد ِ العلماء بعد‪ ،‬ولن يهتدوا‬
‫يوما ً‪ ،‬لختراع جهاز يكشف لنا عن معتقدات الفرد الحقيقية ؛ لن هذا‬
‫المر ل يعرفه إل النسان نفسه‪ ،‬وعلي هذا فل يجب مطلقا فرض‬
‫تمييز علي إنسان لمجرد إن اعتقاده مخالف لعتقادي ول لعتقاد‬
‫الغلبية‪ .‬ويندرج تحت الحرية الفردية كل ما يرتئيه النسان خيرا له‬
‫طالما ل يعتدي علي حقوق الخرين ول يؤذيهم وطالما ل تتسبب‬
‫حريته هذه في إفساد حريات الخرين وحياتهم‪.‬‬
‫وينبغي أيضا أن ل يقف مانع أمام الفراد من ممارسة حريتهم‬
‫الفكرية كيفما أرادوا‪ ،‬حتى لو بدا أن أفكارهم خطر علي المجتمع‬
‫وضد التجاه السائد‪ ،‬فربما أثبتت اليام إنهم علي حق؛ فمثلً " اختفت‬
‫ممارسات أكل لحوم البشر والتضحية البشرية وصيد الرءوس نتيجة‬
‫للعتراضات الخلقية علي العرف الجتماعي التقليدي‪.4" .‬‬
‫أما بالنسبة لحق التملك؛ فهو نتيجة للحرية الفردية؛ في" الحرية‬
‫تتطلب تنوع الملكيات‪ 5".‬فتكون الملكية الخاصة هي مكافأة الطبيعة‬
‫لجهد النسان في تقويمها وتعميرها‪ ،‬وكلٍ حسب طاقته وجهده وذكائه‪،‬‬
‫وبالطبع فإن هذا من شأنه حصول التنافس بين الناس‪ ،‬وهذا التنافس‪،‬‬
‫رغم ما قد يعتريه من مشاكل‪ ،‬هو أمر جيد في كل الحوال لنه‬
‫يستنفر الهِمم ويقدح الذهان ويشجع علي البداع‪.‬و حق التملك هذا هو‬
‫الساس الذي قامت عليه الرأسمالية‪ ،‬ورغم كل ما مرت به من أزمات‬
‫وانتكاسات وظيٌن إنها زالت‪ ،‬فإنها في كل مرة تعود من جديد بشكل‬
‫أقوي بعد أن تصحح من نفسها‪ ،‬وهو دليل علي مرونتها وقدرتها علي‬
‫التكيف مع كل الوضاع والظروف‪.‬‬

‫‪ 44‬السلطة والفرد‪ :‬برتراند راسل‪ ،‬ترجمة د‪ .‬لطفية عاشور ‪.‬‬


‫‪ 55‬حازم الببلوي‪ :‬المرجع السابق ص ‪.174‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪71‬‬

‫وألخص لك ما سبق في جملة واحدة‪ :‬إن لليبرالية شقين‪ ،‬شق‬


‫اقتصادي هو السوق وشق سياسي هو الديمقراطية‪.‬‬
‫فما علقة الديمقراطية بالليبرالية ؟‬
‫إن " الديمقراطية الوحيدة التي تتفق مع الفكر الليبرالي هي‬
‫الديمقراطية الدستورية‪ ،‬أي التي تضع حدودا علي كل سلطة حماية‬
‫‪6‬‬
‫لمجال خاص لحرمة الفراد في أموالهم وحرياتهم‪".‬‬
‫وألخص لك ما قلته في ‪:‬‬
‫أن الليبرالية هي نظرية محورها النسان‪ ،‬وهي مستمدة من‬
‫القانون الطبيعي‪ ،‬وهي تعني غياب القيود والضوابط الخارجية والتهديد‬
‫الخارجي علي ما يرغب في فعله‪ ،‬وإن كانت حريته لبد أن تتم في‬
‫إطار مراعاة حريات الخرين أيضا‪.‬‬
‫والليبرالية هي إطار يسمح بأقصى تفاعل إيجابي داخله بين كافة‬
‫الختلفات‪ ،‬وهو ما يتطلب علي القل التفاق علي حد أدني بين كافة‬
‫الطراف‪ ،‬ومن ثم فهي ضد التعصب ومع الحوار لخر نفس ممكن‬
‫ويكفي القول أن الليبرالية " دعوة إلي الحرية وحقوق النسان"و" دعوة‬
‫إلي السلم فلم يخبرنا التاريخ بأية حروب وقعت بين دول تأخذ بالنظم‬
‫‪7‬‬
‫الليبرالية فهذه نظم منطقها الحوار والمنافسة وليس القهر أو الحرب"‪.‬‬

‫‪6 6‬حازم الببلوي ‪ :‬المرجع السابق‪.‬‬


‫‪77‬حازم الببلوى ‪ :‬المرجع السابق‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪72‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪73‬‬

‫الليبرالية هى حرية الختيار‬

‫نانى محمد‬

‫مواليد ‪ ،1985‬بكالوريوس تجارة " إدارة أعمال "‬


‫‪ ،2006‬أعمل محررة صحفية بجريدة المال " قسم‬
‫الثقافة والفنون " في الجزء المتعلق بالثقافة‬
‫والدب‪ ،‬شاركت في "مؤتمر العلميين‬
‫الديمقراطيين" و"‪ " maj school‬بإتحاد الشباب‬
‫الليبرالي‪ ،‬كما شاركت في مشروعات تابعة‬
‫لليونيسيف ‪.‬‬
‫أحلم بأن تتخلص مصر من العبودية التي أرى أنها‬
‫مازالت تسيطر على عقول الكثيرين‪ ،‬وان يتفهموا‬
‫أننا لن نتغير إل إذا أردنا‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪74‬‬

‫أعتقد أنني ليبرالية قبل حتى أن أعي ما هي الليبرالية‪ ،‬ول كيفية‬


‫تطبيقها‪ ،‬أقتنع منذ طفولتي أن لكل شخص الحق في حرية التفكير‬
‫والختيار لنفسه‪ ،‬وفكرة أن يكون هناك شخصا واحدا ممسكا ومهيمنا‬
‫على كافة أوراق اللعبة ما هي إل نوع من أنواع التعتيم والسيطرة‬
‫على التطور والبداع‪ ،‬فكنت رغم صغر سني أسمع ما يدور حولي‬
‫وأحاول الستفادة منه قدر المكان ولم يكن في مخيلتي أنني سوف‬
‫أنجح طوال الوقت أو أنني لن أقابل أي عقبات أو معوقات في طريقي‪،‬‬
‫بل على العكس فكنت دوما أفترض الفشل قبل النجاح ولكنى كنت‬
‫متأكدة أن هذا الفشل ما هو إل خطوة من خطوات النجاح الكبر ‪...‬‬
‫كان والدي يحاولن أن يصبا في عقلي كافة تجاربهما وخبراتهما‪،‬‬
‫حتى ل أقع في أخطاء قد تعصف بوجداني‪ ،‬أو تدمر أمل ما بداخلي‪،‬‬
‫إل أن ني أ صررت أن تكون لي تجار بي الخا صة ال تي لم ي سبقني إلي ها‬
‫أحد حتى ولو فشلت فيها فمن المؤكد أننى سوف أتعلم منها‪.‬‬
‫اقتن عت أ نه من ح قي أن أف كر وأ حب وأحلم وأح يا ك ما أر يد‪ ،‬من‬
‫ح قي أن أتعلم ما أفضله وأر كل بعيدا ما أبغ ضه‪ ،‬من ح قي أ سير في‬
‫طرقاتيي آمنية دون أن يهدد أمنيى أحيد‪ ،‬فلماذا أخاف لكونيي فتاة‪ ،‬هيل‬
‫هناك فر قا ب ين الف تى والفتاة سوى الفروق التكوين ية ال تي خلق نا ب ها؟‬
‫أعتقد أن هناك المزيد من الفروق العقلية التي تختلف من إنسان لخر‬
‫وليس من ذكر لنثى‪.‬‬
‫اهتممت بكون كل من حولي له الحق في كل شيء مثلى تماما‪ ،‬وإذا‬
‫كنت أعتنق مذهبا ما وأؤمن به وأمارس شعائره بحرية فلم ل أقبل أنه بل‬
‫اختلف طبائع الب شر حولي‪ ،‬يكون هناك آخر ين من حق هم اعتناق ع كس‬
‫ما أعتنق وعليهم ممارسة كل شعائر ما يؤمنون به‪ ،‬وبعد أن كان عقلي ل‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪75‬‬

‫يع سوى وجود الديان الثلث المتعارف عليها‪ ،‬بمرور الوقت كان عندي‬
‫تقبل وجود اعتقادات دينية مختلفة تماما عن المتعارف عليه في المجتمع‬
‫المصري الذي أحيا بقلبه‪ ،‬ولم يكن منى بعد أن أدركت ماهية الواقع إل‬
‫أن أتقبل ما يدور حولي‪ ،‬وأؤكد على أن فكرة اختلف الديان والمعتقدات‬
‫ل تهدد فكرة السلم بين الناس‪ ،‬وكل ما يدور حولي من حروب ومعارك‬
‫يومية على الديان وازدرائها ل يعد التنوع سببا لها ولكنى توصلت إلى‬
‫أن فكرة محاولة ال سيطرة على الخر هي ال سبب الحقي قي وراء كل هذا‪،‬‬
‫فإذا أراد فرد ميا أن يسييطر على عقول مين حوله أقنعهيم بمبدئه وفكرتيه‬
‫حتى صار بينهم قائدا‪ ،‬وليس للسباب التي ذكرها أية علقة بسبب شنه‬
‫العديد من الثورات ضد مجموعة ما‪ ،‬والغرض الحقيقي يظل مكتوما بقلبه‬
‫على الرغم من معرفة الكثير به إل أنه وبطبيعة المتعارف علية ل يجرؤ‬
‫أحد على التفوه بشيء ‪.‬‬
‫وحين اعترتني الرغبة في التعرف على مسمى واضح لفكاري كانت‬
‫إلى حيد ميا تشبيه الليبراليية‪ ،‬فأردت أن أفهمهيا جيدا وأتعرف عليهيا وعلى‬
‫السباب التي أدت إلى ظهور ذلك النظام الذي قام بتغيير دول بأكملها ‪.‬‬
‫فكانت الليبرالية كما أ سفر بحثي عن نتائجه هي حرية الفرد التامة‬
‫في كافة جوانب الحياة وكل ما يتعلق به وبفكرة وما يريد ويتمنى‪ ،‬تدور‬
‫حيا ته حول محورة ك ما الرض‪ ،‬فل يتد خل ب ها أ خر وال كل م سئول عن‬
‫نفسه‪ ،‬فلكل حق الختيار والحب والمشاركة الجتماعية والسياسية‪ ،‬حق‬
‫التعبير‪ ،‬والرأي الحر المنزه عن أي قيود يطلقها البعض في وجه الخر ‪.‬‬
‫الليبرالية هي الليبرالية التي اتخذتها منهجا منذ طفولتي بغير وعى‬
‫م نى أو إدراك‪ ،‬هي حر ية الختيار دون سيطرة أ حد على معتقدا تي‬
‫ومسمياتي وطرقي في الحياة‪ .‬هكذا أصبحت ليبرالية‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪76‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪77‬‬

‫ليه أنا إنسان‬

‫معتز محمد عبد الحميد محمود المصرى‬

‫مواليد الزقازيق أغسطس ‪ 1988‬م ‪ .‬يدرس تخصص‬


‫الهندسة المعمارية بكلية الهندسة جامعة الزقازيق ‪.‬‬
‫شارك في العديد من أنشطة منظمة ‪iEARN‬‬
‫العالمية في مجالت المشروعات التربوية (حول‬
‫حقوق الطفل والمرأة) بالمشاركة مع وزارة التربية‬
‫والتعليم فى الفترة بين عامي ‪2005 – 2002‬‬
‫‪.‬شارك في حضور مؤتمر الشباب السابع لمنظمة‬
‫‪ iEARN‬في اليابان في يوليو ‪ . 2003‬أحد منظمي‬
‫مؤتمر الشباب الول في مصر تحت رعاية السيدة‬
‫سوزان مبارك – أغسطس ‪.2004‬‬
‫تتمحور أحلمي لمستقبل أفضل لمصر حول نقطة‬
‫رئيسية أظنها هي المحور الرئيسي لكل المشكلت في‬
‫مصر‪ ،‬أل وهي عودة الثقة بين السلطة والشعب‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪78‬‬

‫‪ "-‬أنا مش فاهم إيه وجه إعتراضك على الى انا بقوله دا ‪" ..‬‬
‫‪..‬‬
‫‪ "-‬هوا كدا ‪ ..‬أنا قلت الى عندى ‪ ..‬مش هتروحلهم يعنى مش‬
‫هتروحلهم ‪.. " ..‬‬
‫‪ "-‬يا سيدى إنتا مالك بيا ‪ ..‬انا (حر) ‪............ .. " !!! ..‬‬
‫كانت ابتسامته حينما سمع هذه الكلمة هى من أول ما أقحم الى‬
‫إدراكى أن هنالك (سُلطة) ما ‪..‬‬
‫منطق سليم‪ ..‬هذا الرجل حر بالتأكيد‪ ..‬لكن الرجل الخر ل يظن‬
‫ذلك‪ ..‬وربما ل يعرف أيضا‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫منذ أكثر من ‪ 14‬عاما كان سماعي لهذا الموقف الذي بدأت به‬
‫مقالتي للتو‪ ،‬لم يكن إدراكي قد أكتمل ليبلور فكرة وجود سلطات حاكمة‬
‫على الفرد‪ ..‬لكنني أدركت في تلك اللحظة بالذات أن أحد الرجلين له‬
‫سلطة على الخر طالما أن هنالك صراع‪ ..‬وتأكد لي ذلك حينما رأيت‬
‫ابتسامة التهكم على وجه أحدهم حينما سمع كلمة واحدة "أنا حر"‪.‬‬
‫كان لتكرار هذا الموقف معى أنا شخصيا فى فترات متتالية أثر‬
‫كبير فى إدراكى لهمية أن أكون (حرا) كرغبة شخصية لى‪ .‬كنت‬
‫حينما أجد نفسى محاصرا ول مفر من أن أرضخ لى ضغوط بغض‬
‫النظر عن مصدرها‪ ،‬أشعر وكأن هنالك خطأً ما فيما يحدث‪ .‬شعور‬
‫طبيعى مسيطر علينا جميعا‪ ،‬كل منا يتوق الى حريته وبطريقته‬
‫ولسبابه‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪79‬‬

‫إن أعدنا مشاهدة المشهد السابق وأكلمنا اللحظات التالية لتلك‬


‫البتسامة المتهكمة من ذى السلطة‪ ،‬نجد تلك النظرة البائسة على وجه‬
‫من أراد الحرية‪ ،‬لقد أدرك للحظة أنه ل يستطيع‪.‬‬
‫‪ ...‬توقف المشهد !‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫كانت هذه هى البداية‪ ،‬وبتراكم الحداث والمشاهد والمواقف‬


‫أدركت أن المر ليس بهذه السهولة‪ ..‬لم ل يستطيع كل منا أن يحصل‬
‫على حريته كما يريد‪ ،‬ولم ل نرغب بكامل حريتنا في كل الوقات!‬
‫وببطء وبدون أن أدرى تكونت لدى نظرة مجردة عما يحدث!‬
‫هنالك فرد يبحث عن قيمة أيا كانت وربما هي كامنة في أفعاله‪،‬‬
‫وهنالك سلطات حاكمة‪ ،‬وهنالك صراع‪ ،‬وربما إتفاق ‪ ..‬نتيجة للتعاقد‬
‫بين الطرفين !‬
‫فى المشهد السابق بدا لى أن ممثل السلطة امتلك القرار دون تعاقد‬
‫مسبق‪ ..‬ولذلك كان الصراع‪ ،‬ولكنى أعود وأقول‪ ..‬لم رفض الكثيرون‬
‫قيمة كالحرية في بعض الزمان في مقابل قيمة كالمن‪ ،‬أتدرون لم ؟‬
‫لنهم لم يدركوا أنه أمن هش !‬
‫و لننا أدركنا القيم بطريقة الهرم المقلوب !‬
‫‪ 15‬عاما أحاول أدراك تلك العلقات المعقدة‪ ..‬أهى الحرية سابقة‬
‫على المن‪ ،‬أم المن سابق على الحرية ‪ ..‬أم الحرية سابقة على‬
‫الضوابط الخلقية!‬
‫كل منا يبحث عن قيمة وكل منا له تعاقداته‪ ،‬الصداقة تعاقد‬
‫والعمل تعاقد والزواج تعاقد والوكالة تعاقد والدين تعاقد‪ ،‬كل مما سبق‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪80‬‬

‫تعاقد يؤدى الى سلطات متبادلة‪ ..‬في خضم ذلك نبحث عن القيمة ول‬
‫ندرى أهو الطريق الصحيح أن نتمسك بالحرية أم المن أم أم أم !!‬
‫لن ألقى بإجاباتي في جعبتك الن‪ ،‬ربما قد نختلف فى ذلك‪ ،‬ولكن‬
‫سنحل أحجية صغيرة أولً‪" ،‬أنت موظف عادى فى شركة ضخمة‪،‬‬
‫أدركت أن هنالك تلعبا ما في أوراق هامة تخص المعاملت المالية‬
‫مثلً‪:‬‬
‫أخبرنى ما الذى ستختار فعله مما يلي‪:‬‬
‫‪-‬ستبلغ السلطات المعنية بذلك وتخاطر بأن تفقد وظيفتك ول‬
‫تجد وظيفة أخرى فى القريب العاجل‪ ..‬بالتأكيد هنالك تأثير‬
‫على المور العائلية بسبب عدم توافر المصروفات الخاصة‬
‫بالمنزل وما إلى ذلك‪.‬‬
‫‪-‬ستؤثر الصمت وأنت تعلم أنه ذلك خطأ بكل الحوال ‪ ..‬ستجد‬
‫ذلك أكثر أمنا واستقرارا وأنه ل علقة لك بهذا من قريب أو‬
‫بعيد لنك تستلم أموالك شهريا كما هى بغض النظر عن‬
‫تلعبات الشركة ! "‬
‫إن كنت ممن اختار الحل الول فأنت ممن يبحثون عن قيمة‬
‫كالضوابط الخلقية ترى أن ذلك صحيحا بغض النظر عما سيحدث‬
‫بعد ذلك‪ ،‬وإن اخترت الحل الثانى فأنت ممن يؤثرون قيمة كالمن‪،‬‬
‫وأن الستقرار أفضل من أى شيء آخر‪ ،‬ويرى البعض أن الحرية‬
‫كقيمة كامنة فى الثنتين‪ ،‬وأنك في كل الحالتين تبحث عن حريتك‬
‫وخلصك في أي منهما‪..‬‬
‫ولكنى أرى المر بشكل مُختلف!‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪81‬‬

‫الحرية ليست كامنة ول هي المبتغى‪ .‬الحرية هي القيمة البتدائية‬


‫التي تصل عن طريقها إلى القيم الخرى‪ ،‬ل العكس‪ .‬بمعنى أنه إن‬
‫أردت أن تصل إلى المن يجب أن تمر بالحرية وإن أردت أن تصل‬
‫إلى الضوابط الخلقية لبد وأن تمر بالحرية‪ ،‬ل العكس‪.‬‬
‫في كل الختيارين لبد وأن نعيد صياغة التصرف على أساس أن‬
‫النسان حر‪ ،‬لن اختياره لي من الختيارين هي حريته بطبيعة‬
‫الحال‪ ،‬ولكن فلنرى‪ ..‬لبد وأن نقيس في إطار الحرية التعاقدات الغير‬
‫قابلة للفسخ مثل الزواج والتي كانت بكامل حريتنا في الساس!‬
‫لذلك ل يجب أن يكون هنالك صراع‪ ..‬بل يجب أن نضع في‬
‫الحسبان الزواج القائم كأحد محددات الحرية المطلقة في التصرف‪،‬‬
‫سيتسرع البعض ويقول إذن فهو الحل الثاني!‬
‫خطأ‪ ..‬حيث أنه – من وجهة نظري – المن غير سابق على‬
‫الحرية بل العكس فإن المن المزيف في الحل الثاني ربما ينته بطرد‬
‫مفاجئ من الشركة‪ ،‬أو حتى القتل لنهاء وجودك‪ ..‬لو أنهم علموا‬
‫بمعرفتك بالتلعب !‬
‫حريتي تكفل لي أمنا أكثر مصداقية !‬
‫لكن إن حصلنا على الحرية المشروطة بضوابط التعاقدات السليمة‬
‫والتي كانت على أساس حر‪ ..‬فإنه لبد من استشاره الزوج في أخذ‬
‫قرار إبلغ السلطات والبحث عن عمل في نفس الوقت‪.‬‬
‫المن دون الحرية ‪ ..‬شيء مزيف !‬
‫الضوابط الخلقية – المختلفة من مكان إلى مكان ‪ -‬كأساس‬
‫مطلق ‪ ..‬قد يدمر بعض التعاقدات القائمة على ( الحرية )‪ .‬لكن إن‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪82‬‬

‫مررنا بالحرية فى الساس فإنها توصلنا الى الحلول السليمة‪ ،‬ولك‬


‫( الحرية ) فى أن تقبل رأي أو ل !‬
‫وهكذا وصلت إلي نتائج مفادها أننا كأفراد نبحث عن القيمة في‬
‫كل أفعالنا ‪ ..‬أو بلفظ آخر هي تظهر في أفعالنا‪ ،‬ولدينا تعاقداتنا والتي‬
‫تقوم فيها السلطات الحاكمة والتي قامت بحريتنا أو ل‪ ،‬ولدينا‬
‫صراعاتنا واتفاقاتنا تبعا للتعاقدات والمصالح !‬
‫أن حريتنا هى الساس ‪ ..‬ل المن المزيف ول أى قيم مطلقة‪.‬‬
‫إذن ‪ ..‬لم ل تكون حرية الجماعات ‪ ..‬ل حرية الفراد‪ ،‬لن لكل‬
‫فرد شخصية وتفرد ‪ ..‬نحن لسنا قوالب جاهزة ولهذا فشلت القوالب‬
‫الجاهزة‪ ،‬لكل منا ما يميزه وهذا هو التكامل‪ ،‬المجتمع هو مجموعة من‬
‫الفراد بينهم تعاقدات قابلة للتعايش‪ ،‬نعم ‪ ..‬التعاقدات هى القابلة‬
‫للتعايش لنها أساس قيام المجتمعات والدول‪.‬‬
‫وحينما يزيد العدد نقدم البرلمانات بالوكالة‪ ،‬كل مجموعة من‬
‫الشخاص بينهم أكثر (الراء القائمة على الحرية الفردية وأكثر‬
‫التعاقدات ) تجانسا يقدمون أكثر الفراد قدرة بينهم للدفاع عن تعاقداتهم‬
‫مع الخرين‪.‬‬
‫إنها الديمقراطية ‪ ..‬نعم ‪ ..‬بدأت بالحرية أيضا !‬
‫لهذا أنا ليبرالي‪ ،‬لني ل أجد أن الليبرالية مذهب أو قالب سابق‬
‫الصنع والصب‪ ،‬بل لنها شيء أصيل فى الطبيعة النسانية حتى وإن‬
‫لم ندرك‪ ،‬حتى وإن أنكرناه على أنفسنا وغيرنا‪ ،‬نحن أحرار ونريد‬
‫الحرية ونتعامل بالحرية‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪83‬‬

‫أتدرون لم أريد الليبرالية !!‬


‫حتى تُسمع كلمة ذلك الفلح البائس الذى ضاع كل محصوله‬
‫بسبب مبيدات فاسدة !‬
‫حتى تُسمع كلمة ذلك العامل الفقير الذى طرد من المصنع بدون‬
‫وجه حق !‬
‫حتى تُسمع كلمة ذلك الموظف الذى يعمل ‪ 10‬ساعات يوميا‬
‫ويتقاضى ‪ 200‬جنيه شهريا !‬
‫حتى تُسمع كلمة ذلك الشاب الذى ل يجد عملً ول يدرى هل‬
‫سيتزوج أم ل !‬
‫حتى تُسمع كلمة ذلك الب الذى مات إبنه فى عبارات الموت أو‬
‫فى سفن الهجرة المطاطية !‬
‫حتى تُسمع كلمة ذلك التلميذ الذى يجلس مع ‪ 5‬آخرين على " دكة‬
‫" واحدة ‪ ..‬واحدة فقط !‬
‫حتى تُسمع كلمة هؤلء الذين يريدون للوطن شرفا وعزة وكرامة!‬
‫حتى تُصبح تلك السلطات الحاكمة ‪ ..‬حاكمة بالتعاقدات ‪ ..‬ل‬
‫بالظلم والجور !‬
‫إن كانوا يرون أنها حريتهم فى أن يفعلوا ذلك ‪ ..‬فللسف بيننا‬
‫تعاقد ‪ ..‬وسنريهم حريتنا !‬
‫جيلنا يمتلك تلك الطاقة أكثر من أي جيل عاش فى ظل قيم أمن‬
‫مزيفة‪ ،‬وقيم دين ودولة مزيفة‪ .‬جيلنا يحترم الحرية ويشعر بها ويعرف‬
‫أنها هنا‪ ،‬ولكنهم أخفوها عن العين‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪84‬‬

‫الليبرالية هى حريتك كفرد‪ ،‬وهى متأصلة فيك‪ ،‬لن يعطيها لك‬


‫أحدا ول تنتظرها من أحد‪ ،‬ول هى مسجونة‪ ،‬بل مختفية تحت طيات‬
‫النسيان ورماد حريق الماضى !‬
‫الليبرالية هى التى مكنتنى من كتابة هذا المقال‪ ،‬وهى التي جعلت‬
‫لديك الرغبة في أن تقرأه‪ ،‬وهى حريتك في أن تُعجب بهذا الكلم أو ل!!‬
‫أتدرون لم قمت بتغيير عنوان المقال !!‬
‫ل أن أستشف من داخلى ‪" ..‬‬
‫لننى حينما جلست مع نفسى محاو ً‬
‫ليه أنا ليبرالى " !‬
‫لم أجد سببا واضحا ‪ ..‬بل وجدت نفسى ليبراليا بدون أسباب !‬
‫وجدت أننى كل شيء آخر لنني ليبرالى ‪ ..‬ولنه كان لى الحرية‬
‫فى اختيار كل تصرف وخطوة فى حياتى ‪..‬‬
‫لهذا يتحول السؤال الى ‪ " ..‬ليه أنا إنسان " !!‬
‫الليبرالية ل يُستدل عليها ‪ ...‬الليبرالية يُستدل بها !!‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪85‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫ليبرالية‬
‫مصرية‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪86‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪87‬‬

‫لنني مؤمن بالحرية‬

‫إسماعيل النجار‬

‫مواليد عام ‪ .1985‬تخرجت من قسم اللغة‬


‫النجليزية بكلية اللسن (جامعة عين شمس) في عام‬
‫‪ .2007‬في الوقت الحالي أعمل مترجما بدولة‬
‫المارات العربية المتحدة‪ .‬كنت في السابق عضوا‬
‫بأحد الحزاب السياسية المصرية‪ ،‬وكانت لي مدونة‬
‫أنشر فيها كتاباتي عن السياسة والليبرالية‪ ،‬ولكني‬
‫في الوقت الحالي اكتفي بنشر آرائي على موقع‬
‫فيسبوك‪.‬‬
‫أحلم بأن تصبح مصر دولة مدنية متقدمة يتمتع‬
‫مواطنوها بالحرية والرخاء والسلم‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪88‬‬

‫أنا ليبرالي لنني مؤمن بحرية الفرد ومركزيته‪ ،‬باعتبار أن جميع‬


‫الفراد يولدون أحرارا وأسياد أنفسهم دون أي وصاية أو تحكم أو قمع‬
‫أو إكراه أو إجبار تفرضه أية سلطة أبوية أو سياسية أو أمنية أو دينية‬
‫أو فكر ية أو ثقاف ية أو مجتمع ية أو ب سبب التقال يد الجتماع ية والدين ية‬
‫المحافظة‪.‬‬
‫أنا ليبرالي أؤمن بالروح الفردية القوية والمبادرة واستقللية الفرد‬
‫وكرامتيه وحريتيه فيي التعيبير والبداع والعتقاد والعميل والكسيب‬
‫المشروع والتملك بدون قيود وغيرها من الحقوق التي تجعل الفرد هو‬
‫المحرك الذي يدفع المجتمع إلى المام‪.‬‬
‫أنيا لييبرالي لننيي أؤمين بأن حريية الخريين تنتهيي عندميا تبدأ‬
‫حريتي‪ ،‬وبالمثل حريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الخرين دون تعسف‬
‫أو تقييد أو قمع أو كبت أو إكراه أو إجبار‪.‬‬
‫أنيا لييبرالي لننيي أؤمين بالحريات الفرديية والمدنيية والسيياسية‬
‫والقت صادية الدين ية وحقوق الن سان‪ ،‬وبأن ها جميعا حقوقا أ ساسية ل كل‬
‫فرد وليست منحة أو تفضل من أحد‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لنني أؤمن بحرية التعبير والبداع والبتكار والتغيير‬
‫والتجديد والتمرد على ما هو قائم‪ ،‬وأؤمن بحرية الفراد وحرية وسائل‬
‫العلم والصحافة والتدوين وكافة الشكال الخرى للتعبير عن الرأي‬
‫والضمير والمعتقد والفكر والثقافة والفن والدب‪.‬‬
‫أنيا لييبرالي لننيي أرفيض القيود وكافية أنواع الكبيت والقميع‬
‫يتقرار‬‫ين والسي‬ ‫يد الحريات بدعاوى الحفاظ على المي‬‫والجبار وتقييي‬
‫والسييلم الجتماعييي أو التفرغ للخطار الخارجييية‪ ،‬وأرفييض‬
‫اليديولوجيات الفاشية القصائية التي تقصي نوع اجتماعي كالمرأة‪ ،‬أو‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪89‬‬

‫طبقات اجتماعيية بأكملهيا‪ ،‬أو القليات الدينيية‪ ،‬والقوميية والعرقيية‬


‫واللغوية والثقافية‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لنني أؤمن بحرية البداع والبتكار والتعبير‪ ،‬وأرفض‬
‫تدخل السلطات السياسية والمنية والجهات الدينية في العملية البداعية‬
‫أو ال فن والدب والفكار‪ ،‬وأر فض مُ صادرة العمال الفن ية والبداع ية‬
‫بدعوى السياءة لسيمعة البلد أو المسياس بالرموز أو الديان أو قييم‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫أنيا لييبرالي لننيي أرفيض التضيييق على الصيحفيين والمدونيين‬
‫والفنانيين والمبدعيين والمفكريين وجرجرتهيم إلى المحاكيم وحبسيهم‬
‫وتغريمهيم وسيحب الجوائز منهيم بناء على تدخيل شيوخ الحسيبة‬
‫والتيارات والجهات الرسيمية السيياسية والمنيية والدينيية السيلمية‬
‫والمسيحية والتيارات المحافظة‪.‬‬
‫أ نا ل يبرالي لن ني أر فض الترا جع عن التقدم الذي أحرز ته م صر‬
‫فيي اتجاه الدولة المدنيية والحياة العصيرية لصيالح أفكار ومفاهييم‬
‫ماضويية عتيقية عفيي عليهيا الزمين والتيي تسيجل تراجعا خطيرا عين‬
‫الشوط الكيبير الذي قطعيه المجتميع المصيري قبيل عقود بفضيل جهود‬
‫التنوير والتثقيف التي قام بها رواد التنوير والتحديث في القرنين التاسع‬
‫عشر والعشرين‪.‬‬
‫أ نا ل يبرالي لن ني مؤ من بالدولة المدن ية الحدي ثة‪ ،‬ال تي تقوم على‬
‫أساس مبدأ المواطنة الذي يجعل جميع المواطنين متساوين في الحقوق‬
‫والواجبات أمام الدولة والد ستور والقانون‪ ،‬ب غض الن ظر عن الد ين أو‬
‫العرق أو الجنس أو الطبقة الجتماعية أو المنطقة الجغرافية في جميع‬
‫القضايا والمسائل الشخصية والعامة‪ ،‬وضمان تكافؤ الفرص من خلل‬
‫ت طبيق المعاي ير الموضوع ية للعدالة والم ساواة في التعا مل مع جم يع‬
‫أفراد الشعب بحيث يتمتع الجميع بحقوق سياسية ومدنية واحدة‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪90‬‬

‫أنيا لييبرالي لننيي أرفيض الظلم الواقيع على المرأة فيي المجتميع‬
‫المصري من تهميش وتشييئ والتمييز ضدها في التشريعات والقوانين‬
‫والممارسيات المجتمعيية التيي تنفيذ ضدهيا كالتحرش والختان والزواج‬
‫المبكير والقسيري وفيي بعيض الحيان الحرمان مين التعلييم والعميل‬
‫وغيره من الممارسات الضارة بدعوى الدين والعادات والتقاليد وصون‬
‫المرأة وحمايتها من نفسها ومن الخرين‪.‬‬
‫أنيا لييبرالي لننيي أتألم لمعاناة القليات الدينيية ومنهيا اضطهاد‬
‫البهائييين فيي مصير وحرمانهيم مين كافية الحقوق المدنيية والسيياسية‬
‫والجتماع ية والخدم ية وح تى ا ستخراج الوراق الثبوت ية كبطا قة الر قم‬
‫القوميي وشهادات الميلد والوفاة والتجنييد ومعاملت البنوك بحييث‬
‫أصاب الشلل حياتهم وتضاعفت معاناتهم‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لنني أرفض التمييز الواقع على المسيحيين في تولي‬
‫الوظائف العامة وفي التشريعات والقضاء وتقييد حريتهم في بناء دور‬
‫العبادة‪ ،‬وأرفيض التميييز والضطهاد الواقيع على الشيعية والقرآنييين‬
‫والملحديين واللدينييين مين السيلطات السيياسية والمنيية والتشريعيية‬
‫والتيارات الدينية وأفراد المجتمع ككل‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لنني أؤمن بالفصل التام بين الدين والدولة فيما يخص‬
‫التشريعات والقوانيين‪ ،‬وأرفيض تدخيل رجال الديين فيي السيياسة أو‬
‫التشريعات أو القتصاد أو المجال العام إل بصفتهم مواطنين عاديين ل‬
‫يتميزون في أي شيء عن باقي المواطنين‪.‬‬
‫أنيا لييبرالي مؤمين بضرورة وجود نظام لييبرالي لدارة شؤون‬
‫ية‬
‫يه الديمقراطيي‬
‫يلطة وقوامي‬ ‫يع ضمانات لعدم احتكار السي‬ ‫الدولة‪ ،‬يضي‬
‫والتعدد ية ال سياسية والحزب ية والنقاب ية في ظل نظام د ستوري ي سمح‬
‫بالتداول السلمي لل سلطة ب ين الحزاب المدنية المتنافسة في النتخابات‬
‫البرلمانية والرئاسية النزيهة والشفافة‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪91‬‬

‫أنا ليبرالي لنني أؤ من بالدستور الذي ي حد من سلطات الحكو مة‬


‫وتدخلهيا فيي حياة الفراد ويوازن بيين السيلطات ويصيون اسيتقلل‬
‫القضاء ويحميي الحريات الفرديية والمدنيية والسيياسة والقتصيادية‬
‫وحقوق النسان ويسعي لتحقيق المساواة القانونية المبدئية بين الجميع‬
‫بل تمييز على أساس الدين أو الجنس أو الطبقة الجتماعية‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لنني أؤمن بالتعددية الفكرية وتنوع التيارات السياسية‬
‫والفكرية المدنية وأؤمن بحق جميع التيارات السياسية والفكرية المدنية‬
‫(غير الدينية‪/‬الطائفية وغير العسكرية وغير العنصرية وغير العنفية)‬
‫فيي إعلن الحزاب والجمعيات والتجمعات والمنظمات والمؤسيسات‬
‫المدنية دون قيود أمنية أو سياسية أو بيروقراطية‪.‬‬
‫أ نا ل يبرالي لن ني أر فض احتكار ال سلطة من جا نب حزب مع ين‬
‫وأر فض التزو ير وأر فض البيروقراطية والمحسوبية والف ساد ال سياسي‬
‫والداري والمالي‪ ،‬وأؤمن بالصلح والتغيير وترسيخ مبادئ المسائلة‬
‫والمحاسيبية والشفافيية والحوكمية والدارة الرشيدة للموارد الماليية‬
‫والقتصادية والثروات الطبيعية‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لنني أرفض قانون الطوارئ الخانق للحريات وللحياة‬
‫ال سياسية والحزب ية في م صر‪ ،‬وأر فض انتهاكات حقوق الن سان ال تي‬
‫تحدث في أقسام الشرطة والسجون والمعتقلت‪ ،‬وأرفض التحايل على‬
‫الدستور والقانون وتفصيل القوانين التي تنتهك الحريات وتقيدها وتضع‬
‫العراقيل أمام ممارستها وتميز ضد المعارضين والقليات‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لنني أؤمن بالحق في التظاهر والضراب والعتصام‬
‫والع صيان المد ني والتج مع والتجم هر دون إخلل بال من أو النظام أو‬
‫الممتلكات العا مة أو الخا صة وغير ها من أشكال الت عبير وإبداء الرأي‬
‫بالتنسيق مع الجهات التنظيمية المعنية‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪92‬‬

‫أنيا لييبرالي لننيي مؤمين بضرورة تكافيؤ الفرص فيي الصيعود‬


‫والرتقاء الجتماعيي والقتصيادي والسيياسي لجمييع أفراد المجتميع‬
‫وإتاحتها أمام الجميع كل حسب قدراته ومهاراته وخبراته بغض النظر‬
‫عن المعايير غير الموضوعية وذلك من خلل المساواة القانونية التامة‬
‫ب ين الجم يع دون أ ية امتيازات طبق ية أو فئو ية أو طائف ية أو عرق ية أو‬
‫نوعية‪.‬‬
‫أنيا لييبرالي لننيي أؤمين بضرورة أن يكون للمجتميع المدنيي‬
‫بمنظماتيه وجمعياتيه وحركاتيه دور قوي وفاعيل فيي المجتميع وقيادة‬
‫التغييير وتطويير المفاهييم والقييم والفكار والتوعيية والتثقييف بحقوق‬
‫الن سان وتنم ية الموارد البشر ية ون شر التعل يم والثقا فة والتوع ية بقي مة‬
‫العقيل والبداع والبتكار والمبادرة الفرديية ومسياعدة الفئات المهمشية‬
‫والمحرومة من الميزات‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لنني مؤمن بالحرية القتصادية في ظل نظام السوق‬
‫وضرورة ا ستكمال ال صلحات القت صادية في م صر بشفاف ية و سن‬
‫تشريعات اقت صادية وإدار ية جديدة من شأن ها ج عل م صر دولة جاذ بة‬
‫للسيتثمارات الوطنيية والعربيية والجنبيية عين توفيير البيئة المناسيبة‬
‫للسيتثمار والسيتفادة مين تجارب الخريين فيي القضاء على الفسياد‬
‫المالي والداري وتسييهيل الجراءات والقضاء على البيروقراطييية‬
‫والسياسات والممارسات الطاردة والمنفرة من السوق المصري‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لن الليبرالية انتصرت على غيرها من اليديولوجيات‬
‫الشموليية التيي ركزت على الحقوق الجماعيية وتقدييس دور الدولة‬
‫وتدخل ها في حياة الفرد ل صالح الجما عة لتحق يق الم ساواة القت صادية‬
‫الق سرية ال صورية ب ين الجم يع و في سبيل ذلك سحقت الحقوق الفرد ية‬
‫والسياسية والمدنية والقتصادية للفرد‪ ،‬وهو ما ثبت انهياره وفشله في‬
‫تحقيق أي إصلح حقيقي لحياة البشر‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪93‬‬

‫أ نا ل يبرالي لن مبادئ وأفكار وخصيائص الليبرال ية أهلتهيا لقيادة‬


‫العالم فهيي وعاء مرن نسيبيا وليسيت وصيفة ثابتية بجرعات محددة‬
‫ونسب صارمة ل يمكن زيادتها أو خفضها بحيث أصبحت قادرة على‬
‫التكييف ميع المجتمعات التيي طبقيت فيهيا عين طرييق التركييز على‬
‫الصلح والتنمية‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لن الليبرالية هي مجموعة مبادئ وأفكار ومفاهيم تتسم‬
‫ين‬‫يا مي‬‫يريا أو طبقيا أو أيديولوجيي‬ ‫يذ موقفا عنصي‬ ‫يامح ول تتخي‬ ‫بالتسي‬
‫يس إيديولوجيات أخرى‬ ‫اليديولوجيات والفكار والشخاص‪ ،‬على عكي‬
‫اتخذت من نظم كالرأسمالية وطبقات اجتماعية بأكملها كطبقة الغنياء‬
‫وأصحاب المشاريع وأفكار كالدين وشرائح اجتماعية كشرائح المتدينين‬
‫أو غ ير المتدين ين أو القليات الدين ية والعرق ية واللغو ية والثقاف ية أعداء‬
‫إيديولوجيين لها‪.‬‬
‫أ نا ل يبرالي لن ني أؤ من بالق يم الوطن ية والدولة القوم ية الم صرية‬
‫التيي تضيم جمييع المصيريين باختلف مواقعهيم الجغرافيية وأديانهيم‬
‫ومذاهبهم ومعتقداتهم الفكرية ولهجاتهم وطبقاتهم الجتماعية ودون أي‬
‫تمي يز غ ير موضو عي ب ين أبناء الش عب الم صري‪ ،‬وتت يح ل هم فرص‬
‫التمك ين وفرص ال صعود الجتما عي والقت صادي وال سياسي المتكافئة‬
‫دون تمييز أو إقصاء أو تهميش‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪94‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪95‬‬

‫سا‬
‫الليبرالية القتصادية‪ :‬تكافؤ الفرص أسا ً‬
‫للمنافسة‬
‫ديانا أحمد فؤاد يوسف‬

‫مواليد أغسطس ‪ . 1985‬حاصلة على ليسانس‬


‫حقوق انجليزي‪ -‬كلية الحقوق‪ -‬جامعة‬
‫السكندرية‪ .‬محامية‪ ،‬عضو اتحاد المحامين‬
‫الليبراليين‪ ،‬أمين لجنة المرأة بإتحاد المحامين‬
‫الليبراليين‪ .‬شاركت في الدورة التدريبية لمؤسسة‬
‫فريدريش ناومان بألمانيا التي أقيمت تحت عنوان‬
‫"دور المنظمات الحكومية والحزاب السياسية فى‬
‫السياسة والمجتمع المدنى"‪.‬‬
‫اتمنى ان يصل التيار الليبرالى فى مصر سواء على‬
‫الصعيد السياسى أو فيما يتعلق بالعنصر البشرى‬
‫لدرجة عالية من التطور والنمو تؤهله لن يصبح‬
‫البديل الوحيد المنطقى لنظام الحكم الحالى فى‬
‫مصر‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪96‬‬

‫كثيرًا ما كنت أحاور نفسي بخصوص تلك المسألة‪ ،‬وانتهى بنفس‬


‫السؤال‪ :‬أنا ليه ليبرالية؟ والسبب في ذلك أنني لم أفكر من قبل في‬
‫معنى أن أكون ليبرالية‪ ،‬أو أن اعتنق الفكر الليبرالي فلقد نشأت في‬
‫أسرة ليبرالية‪ ،‬وكانت كل انساق القيم والمفاهيم والفكار التي يطرحها‬
‫التيار الليبرالي في مصر تتحول بعد ذلك إلى مواضع للجدل ؛ هي‬
‫بالنسبة لي مسلمات غير قابلة للنقاش‪ ،‬وما دفعني حقا للبحث عن‬
‫مميزات اليمان بالليبرالية هو أحد السئلة التي طرحها على أحد‬
‫الصدقاء المنتمين لجماعة الخوان المسلمين‪ ،‬فلقد تساءل وبمنتهى‬
‫البساطة " تقولين إن الليبرالية تدعو للديمقراطية وحقوق النسان ‪,‬‬
‫وماذا في ذلك فكل التيارات السياسية تدعو للديمقراطية وحقوق‬
‫النسان؟ إذن لشيء يميز الليبرالية سوى أنها مسمى غربي يراد به‬
‫التعبير عن مشكلة وطنية "‪.‬‬
‫انطلقا من السؤال السابق بدأت البحث عن الهدف من الليبرالية؟‬
‫هل هي مجرد حل للزمة السياسية والجتماعية التي يحياها المجتمع‬
‫المصري في الفترة الحالية أي أنها مجرد رد فعل‪ ،‬أم أن المسألة في‬
‫حقيقتها أعمق من ذلك؟‬
‫الليبرالية في مغزاها هي عبارة عن أسلوب لحياة الفرد‬
‫واستمرارية المجتمع وهى تعلى من قيمة الحرية كسبب رئيس للتطور‬
‫فالليبرالية ليست مجرد فكرة نشأت لمواجهة أزمة ما ؛ سواء أكانت‬
‫سياسية‪ ،‬أو اقتصادية‪ ،‬أو اجتماعية لتقدم حلول يوتوبية تصل‬
‫بالمجتمع لمرحلة انعدام الزمة إنما هي وسيلة لبناء المجتمع وتأسيسه‬
‫على قاعدة من احترام الحرية‪ ،‬واليمان بقيمتها للوصول بالفراد‬
‫لمرحلة تؤهلهم لمواجهة مختلف الزمات والتعامل معها ووضع حلول‬
‫منطقية لتلك الزمات انطلقا من طبيعة المجتمع واحتياجاته‪ .‬الليبرالية‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪97‬‬

‫هي وسيلة لخلق مجتمع قادر على وضع حلول مبتكرة لمشاكله تؤهله‬
‫لتجاوز تلك المشاكل وليست أيدلوجية تسعى لوضع حلول مسبقة‬
‫لمشاكل لم تخلق بعد ؛ ليصبح الحل جزءًا من المشكلة‪.‬‬
‫ليست قضية الليبرالية في الساس هي دفع المواطنين قصرًا‬
‫للذهاب إلى صناديق النتخاب‪ ،‬ول تعريفهم بمفاهيم مكررة عن أهمية‬
‫حقوق النسان‪ ،‬ول عن مزايا حرية السوق‪ ،‬وإنما القضية الساسية‬
‫لليبرالية هي خلق مواطن حر على وعى تام بحقوقه السياسية في‬
‫الدولة وبأهميته كفرد في المجتمع وبقدرة صوته النتخابي على‬
‫التغيير‪ ،‬والمواطن في ذلك لن يجد نفسه مضطرًا للتصويت‪ ،‬وإنما‬
‫سوف يصوت بكامل إرادته ليعطى صوته لمن يشعر أنه يستحقه بغض‬
‫النظر عما إذا كان المرشح مختلف الجنس‪ ،‬أو الدين‪ ،‬أو اللون ‪.‬‬
‫فالليبرالية في نشرها للوعي بأهمية الحرية السياسية تفتح الباب لظهور‬
‫مبدأ تكافؤ الفرص‪ ،‬فجميع المواطنين بشر متساويين أمام القانون لهم‬
‫حقوق‪ ،‬وعليهم واجبات‪ ،‬ويستطيعون الوصول إلى طريق الديمقراطية‬
‫استنادًا إلى وعيهم الكامل والتام بها‪ ،‬فالمسألة ليست تعريف المواطن‬
‫بالديمقراطية وإنما خلق مواطن ديمقراطي يسعى إلى الديمقراطية من‬
‫تلقاء نفسه‪.‬‬
‫الليبرالية كفكرة لها بعد سياسي تسعى لدارة المجتمع عن طريق‬
‫خلق مناخ ديمقراطي يسعى لتداول السلطة كوسيلة لدارة البلد‪،‬‬
‫وهى في ذلك تختلف عن باقي التيارات السياسية في جملة قصيرة‪،‬‬
‫ولكنها شديدة اليحاء أل وهى" قبول الخر" فلخر اختلفه ميزة‬
‫يمكن قبولها والتعامل معها أيضا الستفادة منها فالليبرالية ليست‬
‫أيدلوجية تضع مواصفات معينة لقبول معتنقيها ؛ بحيث تنتهي إلى‬
‫القولبة أو التقوقع وإنما هي ترقى على مستوى اليدلوجيات بل إنني‬
‫أستطيع القول بأنها تصلح كوسيلة لدارة اليدلوجيات بما تتمتع به من‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪98‬‬

‫إعلء لمفهوم الحرية ولقيمة الخر‪ .‬بذلك يمكن القول ‪ :‬إن التعامل مع‬
‫الليبرالية استنادا إلى هذا المنطلق يحررها من أسر المقارنة مع مختلف‬
‫التيارات الخرى الموجودة الن في المجتمع المصري فهي قيمة قبل‬
‫أن تصبح شعار سياسي‪ ،‬وإن كان تحويلها إلى أيدلوجية منافسة‬
‫ليدلوجيات أخرى متواجدة الن في المجتمع المصري‪ ،‬أو شعار‬
‫سياسي لحزب‪ ،‬أو منظمة قد حال دون منحها حقها الطبيعي في‬
‫الظهور‪ ،‬وفى العلن عن نفسها بل إنها وإلى حد كبير قد تحولت‬
‫لمعنى مستهلك وربما مثار للسخرية في مجالس عوام المصريين‬
‫أما عن علقة الليبرالية بحقوق النسان‪ ،‬فالليبرالية تدعو لحقوق‬
‫النسان استنادا إلى مفهوم حرية الفرد والمساواة بين جميع المواطنين‬
‫إمام القانون ل فرق بين مواطن وآخر بناء على الدين ‪ ،‬أو اللون ‪،‬‬
‫أو الجنس فجميعهم بشر لهم حقوق وعليهم واجبات وجميعهم أعضاء‬
‫في مجتمع خلق ليوفر لهم الراحة والنظام في مقابل إلزامهم بالمسؤولية‬
‫الجتماعية تجاه بعضهم البعض‪ ،‬وتجاه المجتمع‪ .‬والليبرالية في‬
‫دعوتها لحقوق النسان ل تقصر حقوق النسان على فئة دون أخرى‬
‫باعتبار أن هناك فئة مؤهلة للتمتع بتلك الحقوق وفئة أخرى ل‬
‫تستحقها‪ ،‬فالليبرالية ل تعطى المواطن الشريف الحق في سلمة جسده‬
‫من العتداء والتعذيب وتسلب اللص ذلك الحق لمجرد أن هناك‬
‫ظروف معينه دفعته للنحراف وعلى أساس أنه يستحق ذلك‪ .‬كذلك‬
‫فهي تضمن حرية المواطن في إبداء رأيه بحرية في مجتمع حر‪ ،‬ول‬
‫تحرم المرشح مختلف الديانة‪ ،‬أو المرشحة النثى من الترشيح لعلى‬
‫المناصب على أساس اختلفات ل يد لهم فيها‪ .‬كذلك فالليبرالية وعلى‬
‫ساس من مبادئ الحرية والمساواة ل تحرم أي مواطن من اللتحاق‬
‫بأي وظيفة استنادًا إلى دينه‪ ،‬أو جنسه‪ ،‬أو لونه‪ ،‬كما أنها تضمن حق‬
‫الضعف أو الكثر فقرًا في الحصول على كامل حقوقه ؛ حيث إن‬
‫الفقر أو الضعف ليس مبررًا منطقيًا لعزل أي مواطن عن المجتمع‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪99‬‬

‫أيضا فالليبرالية في دعوتها لحقوق النسان ل تُطالب في الساس‬


‫برأب صدع حدث عفوا في قيم ومفاهيم المجتمع‪ ،‬فأدى به إلى حاله‬
‫غير مسبوقة من انعدام القيم الخلقية‪ ،‬والمفاهيم شديدة الصلة بحقوق‬
‫النسان‪ ،‬وإنما هي تهدف في رسالتها الصلحية إلى خلق وعى‬
‫اجتماعي بحقيقة حقوق النسان وطبيعة تلك الحقوق عن طريق تنشأة‬
‫فرد مؤمن بحقوق النسان كمسلمات غير قابلة للنقاش‪ ،‬وقادر على‬
‫الدفاع عنها باعتبار أن سلب تلك الحقوق منه يمس أشد المساس‬
‫بطبيعته الدمية‪.‬‬
‫والليبرال ية في تأهيل ها للفرد وتعري فه بحقو قه الدم ية تنأى بالمجت مع‬
‫عن أن يصل لمرحلة التهام الذات عن طريق منح تلك الحقوق لفئات من‬
‫الناس وحرمان الخر ين منها لسباب غير موضوعيه كارتفاع المستوى‬
‫التعليميي‪ ،‬أو المادي كميا يحدث فيي مصير ؛ حييث إن كرامية الفقراء‬
‫ومتوسيطي التعلييم وأجسيادهم مسيتباحة فيي ظيل النظام البوليسيي شدييد‬
‫القسيوة والسييطرة فيي حيين أن الغنياء يتمتعون بكيل حقوق النسيان‪،‬‬
‫وكرامتهم وأجسادهم ل يمكن المساس بها بأي صورة من الصور‪.‬‬
‫كذلك فالليبرالية ل تعترف بحقوق الغلبية وتحرم القليات من‬
‫تلك الحقوق سواء كانوا أقليات دينية‪ ،‬أو عرقية‪ ،‬وإنما هي تعترف‬
‫بحقوق الجميع في إطار من المساواة أمام القانون وإمام ال‪ ،‬وهي في‬
‫ذلك تحافظ على المجتمع من التفكك ومن النزاعات المسلحة ومن‬
‫الحروب الهلية والتي تنتج من انتهاك حقوق فئة لحساب فئة أخرى‪،‬‬
‫وهى في ذلك أيضا تختلف عن باقي التيارات السياسية‪ ،‬وحركات‬
‫الصلح في المجتمع المصري فهي ل تقبل القصاء تحت أي ظرف‬
‫من الظروف‪ ،‬فالمسلم ل يتميز عن المسيحي‪ ،‬أو اليهودي‪ ،‬أو البهائي‬
‫والجميع لهم الحق في التمتع بنفس الحقوق في مجتمع سيادة القانون‪.‬‬
‫كذلك فليس هناك أي ميزة لسكان الوجه القبلي‪ ،‬أو البحري عن سكان‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪100‬‬

‫النوبة ذوى البشرة السمراء‪ ،‬أو سكان سيناء ذوى الصول العربية‬
‫فجميعهم مواطنين مصريين وبشر متساويين في الحقوق والواجبات‪.‬‬
‫وبتلك الصورة سالفة الذكر يتضح أن الليبرالية بإعلئها لقيمة‬
‫الفرد وقيمة حريته وآدميته تساهم وبصورة إيجابية في إصلح‬
‫المجتمعات التي تعانى من استفحال المشاكل الجتماعية ومنها المجتمع‬
‫المصري والذي انتهى به المطاف إلى حالة غير مسبوقة من التردي‬
‫في مجال حقوق النسان وهى في ذلك ل تقدم حل منقوص وإنما‬
‫منظومة متكاملة من القيم النسانية يتم تطبيقها معا لتساعد على‬
‫النهوض بالمجتمع‪ ،‬وانتشاله من مستنقع العنصرية والقسوة ‪.‬الليبرالية‬
‫بتعريفها للمواطن بطبيعة حقوقه الدمية تسمح له ببناء المجتمع على‬
‫أسس غير قابلة للنهيار ل يمكن المساس بها عند أصعب الظروف‪،‬‬
‫وهى في إعدادها للنسان المتميز تمهد الطريق لعداد إنسان ذو قدرة‬
‫على الشتغال بالسياسة لدارة مجتمعه‪ ،‬وذو قدرة على الشتغال‬
‫بالقتصاد لدارة حياته‪.‬‬
‫أما عن البعد القتصادي لليبرالية فهو من أشد الجوانب في الفكر‬
‫الليبرالي إثارة للهجوم والنتقادات حيث إنها تطالب بحرية السوق‬
‫والتي يتصورها البعض على أنها " دع الغنياء يراكمون ثرواتهم‬
‫‪8‬‬
‫واترك الفقراء لمصيرهم"‬
‫لكن هل الليبرالية حقا هي نظام اقتصادي متوحش يهدف في‬
‫الساس إلى زيادة ثروات الغنياء وسلب أقوات الفقراء ؟ وهل السبب‬
‫الساسي في ما نعانيه الن في المجتمع المصري من مشاكل اقتصادية‬
‫شديدة القسوة يرجع إلى سياسات تحرير السوق ؟‬
‫الملحظ الن أن ما يحدث في المجتمع المصري من تعليق كل‬
‫أسباب الزمات القتصادية المستمرة التي نعانيها في مصر على‬

‫‪ 8‬د‪.‬رفعت لقوشة ‪,‬الليبرالية والمجتمع المصري الزمة والدليل ص ‪11,10‬‬


‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪101‬‬

‫شماعة الفكر الليبرالي هو نوع من الفهم الخاطئ لليبرالية القتصادية‬


‫نتج عن التطبيق الخاطئ للسياسات الليبرالية في مجال القتصاد‪.‬‬
‫الليبرالية في الساس تسعى إلى سوق مفتوح تتم فيه المنافسة استنادا‬
‫إلى مبدأ تكافؤ الفرص حيث تدعو إلى المنافسة العادلة‪ ،‬ونبذ السياسات‬
‫الحتكارية‪ ،‬والتي تؤدى إلى تحويل مسار الثروة‪ ،‬والقضاء على آمال‬
‫وطموحات الكثير من المشروعات‪ ،‬والتي تجاهد في ظل السياسات‬
‫الحتكارية للبقاء وليس للصعود‪ .‬والملحظ هنا أن مشكلة الليبرالية‬
‫القتصادية تظهر في المجتمع المصري من خلل آليات التطبيق‪ ،‬والتي‬
‫تؤثر بالسلب على انطباعات الناس عن الليبرالية القتصادية‪.‬‬
‫الليبرالية تحترم تماما حق الفراد في الملكية‪ ،‬وهى في ذلك ل‬
‫تفرق بين غنى وفقير‪ ،‬بل إن الحفاظ على ملكية الفقراء هو من أهم‬
‫أسس الليبرالية القتصادية‪ ،‬وهى في ذلك تساهم في زيادة دخول‬
‫‪9‬‬
‫الفقراء عن طريق زيادة إيقاع النمو بمعدلت مرتفعة‪.‬‬
‫الليبرالية في دعوتها إلى حرية السوق تعترف بحق جميع الفراد‬
‫في الندماج في النظام القتصادي الجديد‪ ،‬فهي في ذلك ل تقبل‬
‫بالقصاء‪ ،‬وتحافظ على مبدأها الدائم في قبول الخر المختلف‪ .‬فالخر‬
‫المختلف من حقه دخول السوق‪ ،‬والمنافسة المشروعة‪ ،‬وزيادة ثروته‬
‫مادام يستحق ذلك‪.‬‬
‫المهم الن ليس تعريف المجتمع بسياسات ليبرالية اقتصادية وإنما‬
‫كيفية تطبيق تلك السياسات فحرية السوق‪ ،‬وحق الفراد في تكافؤ‬
‫الفرص‪ ،‬والمنافسة المشروعة لن يتم في ظل وجود منظومة فساد‬
‫شديدة القوة والسيطرة تمتد فروعها إلى النظام الحاكم نفسه‪ .‬إلى جانب‬
‫ذلك فالفساد ل يمكن القضاء عليه إل عن طريق قضاء مستقل شديد‬
‫القوة والحياد‪ ،‬والملحظ أن كل تلك الظروف ل تتوافر في المجتمع‬

‫‪ 9‬المصدر السابق‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪102‬‬

‫المصري في الفترة الحالية‪ .‬إذن مجمل القول إن أزمة الليبرالية في‬


‫مجال القتصاد ترجع وبصفة رئيسة لليات التطبيق‪ ،‬وليس لطبيعة‬
‫النظام الليبرالي‪.‬‬
‫من خلل كل ما سبق فإنني حاولت شرح السبب الساسي الذي‬
‫يجعلني اعتنق الفكر الليبرالي ‪ ،‬وأؤمن به كحل مناسب للمشاكل‬
‫شديدة التعقيد والتي يعانى منها المجتمع المصري سواء على المستوى‬
‫السياسي‪ ،‬أو القتصادي‪ ،‬أو الجتماعي ‪ .‬فعلى صعيد المستوى‬
‫السياسي تؤمن الليبرالية بحتمية خلق نظام ديمقراطي قائم على تداول‬
‫السلطة اعتمادًا على مبدأ التعددية الحزبية‪ ،‬وعلى صعيد المستوى‬
‫الجتماعي تؤمن بضرورة خلق مجتمع يؤمن إيمانًا تامًا غير منقوص‬
‫بحقوق النسان‪ ،‬وعلى صعيد المستوى القتصادي فالليبرالية تدعو‬
‫لصلح القتصاد عن طريق حرية السوق في إطار من الشفافية‪،‬‬
‫وتحت مظلة القانون وأتمنى أن أكون قد وفقت في إعطاء التفسير‬
‫السليم والموضوعي لتلك المفاهيم من خلل المقال السابق‪ ،‬وكذلك‬
‫أتمنى أن ينجح هذا المقال في إيصال المفهوم الحقيقي للفكر الليبرالي‬
‫للمواطن المصري‪ ،‬وأن يصبح خطوة ولو بسيطة في إنصاف الليبرالية‬
‫مسلوبة الحق غائبة التقدير في المجتمع المصري‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪103‬‬

‫حلول ليبرالية لزمات المجتمع‬


‫المصري‬
‫شادي محمد حسين الرخاوى‬

‫مواليد يناير ‪ .1987‬بكالوريوس الهندسة جامعة‬


‫المنصورة ‪ .2009‬عضو بحزب الجبهة الديمقراطية‪.‬‬
‫شاركت في الدورة التدريبية لتأسيس منظمة الشباب‬
‫التابعة لحزب الجبهة الديمقراطية (جبهة الشباب‬
‫الحر) تحت رعاية مؤسسة فريدريش ناومان العين‬
‫السخنة ‪ -‬أغسطس ‪ .2006‬ساهمت في تنظيم‬
‫سمينار ثقافي عن "المفاهيم الليبرالية" تحت رعاية‬
‫مؤسسة فريدريش ناومان ‪ -‬المنصورة ديسمبر‬
‫‪ .2007‬وسمينار ثقافي عن "الليبرالية السياسية‬
‫ومفهوم الدولة المدنية" تحت رعاية مؤسسة‬
‫فريدريش ناومان ‪ -‬المنصورة يونيو ‪2008‬‬
‫أتمنى خلق تواجد مؤثر وفاعل للقوى السياسية‬
‫المصرية بما يؤثر بشكل ايجابي على مسيرة التحول‬
‫الديمقراطي ويعمل في النهاية لصالح الجماهير‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪104‬‬

‫تلقيت تعليمي في المرحلة العدادية في إحدى المدارس الخاصة‬


‫والتي يمولها ويديرها مجموعة من قيادات جماعة الخوان‪.‬‬
‫وقد تبنى إداريو المدرسة مبدأين في سياستهم التربوية للتلميذ‬
‫أول ‪ :‬أن يتم تحفيظ القرآن بدون تفسير‬
‫ثانيا ‪ :‬العتماد على نظرية المؤامرة في تحليل الظواهر السياسية‬
‫والجتماعية لثبات أنهم وحدهم حماة الدين وحراس بوابة‬
‫الخلص‪ ،‬وقد كان دأب أسلفهم من محترفي تسييس الدين‬
‫هو تشويه فكرة الدولة المدنية انطلقا من رفض الليبرالية‬
‫للسلطة الدينية وإطلق ما هو نسبى ليُخيل للعامة أن دعوة‬
‫الفصل بين السلطة الدينية والمدنية هي في الساس رفض‬
‫للدين وتخالف السلم باعتبار انه دين ودولة‪ ،‬ونتيجة لذلك‬
‫ومع تراجع التيارات الليبرالية على المستوى الثقافي‬
‫والسياسي فان كلمة ليبرالي غالبا ما تثير حفيظة الكثيرين‬
‫من العامة ذلك لنهم يرون أنه من غير الطبيعي أن يرفض‬
‫النسان نظاما إلهيا محكما ويستبدله بآخر من صنع البشر‬
‫ل يمكن أن يرقى في إحكامه إلى مستوى الكيان الديني‪،‬‬
‫سواء كان هذا الحلل باسم الليبرالية أو غيرها ‪.‬‬
‫وحقيقة فان تعريف الليبرالية والذي يخلص إلى " ضرورة تحديد‬
‫نمط العلقة بين الفرد والمجتمع والدولة بما يؤمن اتزان الفرد الداخلي‬
‫كانسان والخارجي كعضو فاعل في المجتمع" يقتضى عدم الخلط بين‬
‫السلطة الدينية والمدنية انطلقا من الرغبة في حماية الدين من سطوة‬
‫الدولة باعتباره المقوم الخلقي الرئيسي الذي يضمن استقرار الفرد‬
‫روحيا في إطار العبادة وعقليا بتدبير معنى الحياة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪105‬‬

‫حماية الشأن العام من مسئولين يخفون أزماتهم وسوء اختياراتهم في‬


‫عباءة الدين‪.‬‬
‫وتشير الجذور التاريخية إلى ارتباط فكرة تسييس الدين بالمآسي‬
‫النسانية الكبرى‪ ،‬فعرفت أوروبا إبان عصر الباباوات محاكما للتفتيش‬
‫وحروبا بين الكاثوليك والبروتستانت‪ ،‬وعرف الشرق السلمى فتنة‬
‫قاتل فيها حفظة القرآن الكريم وأهل بيت النبوة بعضهم البعض‪.‬‬
‫والمرء يرى رجال يتمسكون بظاهر الشريعة دون جوهره‬
‫ويدعون لنفسهم سلطة دينية ل أصل لها في السلم لينطلقوا منها إلى‬
‫السلطات الخرى‪.‬‬
‫وخرجت علينا فرقة تنادى بأنه ل يجوز الخروج على الحاكم وان‬
‫الليبرالية كفر‬
‫وجاءت فرقة أخرى تسعى إلى تكفير الخرين لثبات أنهم‬
‫أصحاب الحق اللهي في تقرير مصير المة وان الشريعة السلمية‬
‫هي الدستور الساسي للبشرية مما يعنى أن كل من ل يؤمن بالسلم‬
‫يعتبر خارجا على القانون المر الذي شكل الساس الفكري لعمليات‬
‫الشحن الطائفي الغير مسئول – ولن لكل فعل رد فعل فقد ظهر‬
‫الشحن الطائفي أيضا على الجانب القبطي – المر الذي أسفر عن‬
‫أزمة تعايش بين المسلمين والقباط وجعل فكرة المواطنة موضع‬
‫جدل بعد أن كانت سمة أساسية للشخصية المصرية وطمس معالم‬
‫الوطن الواحد‬
‫وظهرت فرقة ثالثة تتاجر بإيمان البسطاء وترفع شعارا مطاطا "‬
‫السلم هو الحل" يتشكلون في إطاره حسب الحاجة لن السلم‬
‫بطبيعته حمال أوجه ويمكن تفسيره بأكثر من شكل‪.‬‬
‫وأنا كمصري أرى أن الليبرالية بفصلها بين السلطات هي‬
‫الضمان الكيد لنزاهة الحياة السياسية القائم على الشفافية ورفض‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪106‬‬

‫التضليل وأشير إلى أن الليبرالية ليست إيديولوجية بمعنى أنها ليست‬


‫قائمة على أسس جامدة وإنما تنظم العلقات بين الفرد والمجتمع‬
‫والدولة في إطار القوانين الطبيعية للشياء ويتبلور دور الليبراليين في‬
‫الكشف عن تلك القوانين وصياغة ما يفرضه الواقع من مستجدات في‬
‫إطارها‪ ،‬ولذلك فان المجتمع الليبرالي يؤمن بالتطور الطبيعي للنظم‬
‫والفراد والمؤسسات وينبذ العنف الثوري الذي عادة ما يتجاوز الواقع‬
‫الفعلي ويأتي بإيديولوجيات جاهزة يحاول فرضها مما يسبب في‬
‫المحصلة ردة شاملة تعود بالمجتمع إلى مرحلة ما قبل البداية وقد‬
‫يؤدى العنف الثوري إلى تفكيك الجبهة الداخلية لنه غالبا ل يستند‬
‫على شرعية لقتسام السلطة فضل عن ذلك فان النظم الثورية عموما‬
‫تمجد من الفرد الزعيم وتعتبره رجل القدار مما يعد مدخل لهدم الحياة‬
‫الديمقراطية ويشكل تهديدا لحرية الفراد‪.‬‬

‫لماذا أرى في الليبرالية فكرة جيدة لمستقبلي ومستقبل الشباب‬


‫المصري؟ (أزمة المواطنة كمثال)‬
‫تعرفت على صديقين قبطيين وفى حديث مع احدهما وجدته‬
‫متحفظا على كلمة ال اكبر رافضا حتى كتابتها على العلم المصري‬
‫في بعض الفلم السينمائية معلل ذلك " مصر مش بلد المسلمين‬
‫لوحدهم" أما الخر فقد سمعته يغنى ال اكبر بدون تحفظ‪ ،‬ولفت‬
‫انتباهي الفارق في فهم كل منهما لفكرتي الحرية والنتماء ‪.‬‬
‫فالول انعزالي بطبعه ويرى أن انتماءه للكنيسة وحدها‪ ،‬والثاني‬
‫متفتح ومتسامح ويحلم بمصر الدولة المدنية وبتحليل الزمة وجدت‬
‫أنها محصلة أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية شاملة‬
‫تراكمت نتيجة لتخلى القيادات المسئولة عن فكرة الدولة المدنية وغياب‬
‫القيم الليبرالية وعلى رأسها‪-:‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪107‬‬

‫•الحرية والتسامح والمساواة وسيادة القانون‪:‬‬


‫أن الحرية الليبرالية هي التي تؤمن اتزان الفرد الداخلي كانسان‬
‫انطلقا من العتراف بان لكل فرد مجال حيوي يمارس فيه اختياراته‬
‫وحقوقه وفى المقابل فهو مسئول عن دوره في المجتمع ويعتبر الشأن‬
‫العام شانا خاصا به ؛ وعليه فهو مستعد أن يبذل جزءا من جهده‬
‫لخدمة الشأن العام ومن ثم فان دعوة الفردية ل تأتى بإطار أناني‬
‫يفرض على الناس انعزالية تفصلهم عن المجتمع والدولة بل إن‬
‫الليبرالية ترفض التهميش الجتماعي وتلح على الفردية رغبة في‬
‫خلق إطار مرن يسمح للفراد بتنمية مهاراتهم والتعبير عنها مما يخلق‬
‫تعددية في ميادين الحياة وبتداول الفكار فان الرأي العام يتجه لنتخاب‬
‫الصلح وعلى الصعيد السياسي تشكل الفردية مدخل لخلق تعددية‬
‫سياسية مما يعد من دعائم الحياة الديمقراطية ويمهد لتداول السلطة‬
‫كذلك فان المفهوم الشامل للدولة باعتبار إنها مجموع الرض‬
‫والمؤسسات والفراد يستند على حرية الفرد كأساس لسيادة الدولة على‬
‫اعتبار أن الفرد هو من يقوم بحماية الرض والمؤسسات‪ ،‬والتاريخ‬
‫يعرف أناس شيدوا قصورا لكنهم عجزوا عن الدفاع عنها‪.‬‬
‫ويتمحور دور الدولة( دولة المؤسسات) ومنظمات المجتمع المدني‬
‫في العمل على تنمية المهارات الذاتية للفرد من خلل المنظومة‬
‫التعليمية والعلمية بما يجعله قادرا على ممارسة حقوقه وواجباته‬
‫بعيدا عن الفوضوية أو السلبية ‪.‬‬
‫ويقودنا الحديث إلى سيادة القانون باعتبار انه الطار المنظم‬
‫للعلقة بين الفراد بحيث ل تطغى حرية احدهم على الخرين ولن‬
‫المة هي مصدر السلطات فان القانون يستمد سيادته من كونه معبرا‬
‫عن إرادة المة ومتماشيا مع واقعها (و كلنا نعرف كيف يؤكد الدستور‬
‫المصري على أن الشريعة السلمية هي مصدر التشريع بما ل يتوافق‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪108‬‬

‫مع واقع المة الفعلي – فالقانون ل يطبق الجلد ول قطع اليد مثل –‬
‫ونعرف أيضا أن السلطة التنفيذية ممثلة في كبار رجال الدولة تسعى‬
‫لبسط سيطرتها على القضاء من خلل وزارات ومجالس تخالف في‬
‫وجودها جوهر الفكر الليبرالي القائم على الفصل بين السلطات‪ ،‬ونذكر‬
‫كيف مررت التعديلت الدستورية الخيرة في غفلة من المواطنين‬
‫والقوى السياسة بين مقاطع ومعارض) وكل هذه المور تنال من فكرة‬
‫سيادة القانون وتجعلها حبرا على ورق ‪.‬‬
‫وأنى أؤكد على ضرورة استقلل القضاء عن السلطة التنفيذية لن‬
‫هذا يوفر ضمانا رقابيا يحرس الدولة وسيادتها ويحمى حقوق الفراد من‬
‫تجاوز مسئولي السلطة التنفيذية ويحدد مسئوليات الفراد تحديدا قاطعا‬
‫ويحقق المساواة والتي ل تعنى أن يكون الجميع متساويين في المستوى‬
‫المادي والجتماعي ( فهذا مستحيل عمليا نتيجة اختلف المزايا النسبية‬
‫للفراد) وإنما نعنى بمبدأ المساواة في الفرص وحق تقرير المصير‪،‬‬
‫بحيث ل يتضمن النظام مزايا تمنح لبعض الفراد أو الفئات تساعدهم في‬
‫التميز على الخرين بل يجب أن تكون الفرص متاحة للجميع وان يكون‬
‫معيار التميز بين الفراد ناتجا عن المزايا الفردية وكل هذه المور‬
‫يضمنها القضاء المستقل والقانون ذو السيادة ‪.‬‬

‫•الهوية المصرية ومفهوم الدولة المدنية ‪:‬‬


‫تناولت في فقرة سابقة دور التأسلم السياسي في تشويه فكرة‬
‫النتماء‪ ،‬والحقيقة أن القيادات الحكومية قد ابتعدت بكيان الدولة عن‬
‫مواطنيها فانصرف المواطنون إلى أنفسهم وشرعوا يبحثون عن كيان‬
‫بديل حيث ل امن دولة ول طوارئ‪.‬‬
‫ولن الدولة بتدخلها البوليسي منعت السياسة في أماكنها الشرعية‬
‫(الحزاب والنقابات والمجالس النيابية‪ )....‬فانتقلت السياسة إلى أماكنها‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪109‬‬

‫غير الشرعية (المساجد والكنائس) فخرج علينا مواطن مسلم يهتف بال‬
‫وطنية في السلم وأخر قبطي يشعر بان انتماءه الرئيسي إلى الكنيسة‪.‬‬
‫وظهر شعار السلم هو الحل بديل عن الدين ل والوطن للجميع‪،‬‬
‫وقد كان الظرف مواتيا بعد أن أطلق السادات يد التيارات السلمية‬
‫وسمح لها بالعمل العام في مقابل إجهاض الحركة اليسارية‪.‬‬
‫وكمصري أؤكد على ضرورة تدعيم فكرة الدولة المدنية رغبة في‬
‫حل الزمات التي تراكمت بفعل الفساد وغياب الديمقراطية وتصحيح‬
‫مفهوم النتماء ‪.‬‬
‫وحقيقة فان جوهر العملية الديمقراطية في أن تكون نتائج‬
‫النتخابات معبرة فعل عن إرادة الناخبين‪ ،‬مما يعنى تمثيل فاعل‬
‫لمختلف الطوائف داخل المجالس التشريعية والنيابية فضل عن أن‬
‫الحكومة المنتخبة ديمقراطيا تستند إلى غطاء من الشرعية يضمن‬
‫تماسك الجبهة الداخلية وتسعى دائما إلى استرضاء الرأي العام‪.‬‬

‫•تداول السلطة ‪:‬‬


‫أثبتت التجارب أن تداول السلطة من الضمانات الساسية لسلمة‬
‫العملية الديمقراطية وذلك لنه يحفز القيادات السياسية بمختلف‬
‫اتجاهاتها على تطوير مهاراتهم ويسمح لهم بتشكيل تكتلت برلمانية‬
‫تسعى من خلل العمل العام إلى الحصول على أغلبية تمكنهم من‬
‫الوصول إلى الحكم‪ ،‬فضل عن ذلك فان التغيير بين أوساط النخبة‬
‫الحاكمة يسمح بتفجير طاقات البداع مما يساعد على تطور العملية‬
‫السياسية‪ ،‬أما السلطة المترهلة فإنها تحيط نفسها بمجموعة من‬
‫المسئولين الفاسدين الذين ل هم لهم سوى الحتفاظ بمناصبهم‬
‫ولسد الفراغ الذي تسببه اللشرعية فإنهم يلجئون إلى القمع‬
‫البوليسي‪ ،‬مما يشكل تعديا على حرية الفراد ويكرس الفساد المؤسسي‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪110‬‬

‫الذي يزيد بدوره من ظاهرة الفقر والتهميش الجتماعي بحيث تسعى‬


‫النخبة الحاكمة إلى تفضيل الفراد الموالين لها على حساب الخرين ‪.‬‬
‫وأخيرا فان الفساد المؤسسي يلتهم سيادة الدولة مما يجعل دور‬
‫المجتمع المدني ‪ -‬والمنوط به الحفاظ على سيادة الدولة ‪ -‬مفرغا من‬
‫المضمون ذلك الفراغ الذي ينتقل بدوره إلى الفراد مما ينشر ثقافة‬
‫السلبية والبتذال‪.‬‬

‫•دور فاعل للمنظمات الحقوقية وهيئات المجتمع المدني‬


‫وأحزاب المعارضة والصحافة المستقلة‪:‬‬
‫يكفل القانون المصري نظاما رقابيا على الوزارات والمؤسسات‬
‫الحكومية وكبار المسئولين من خلل صلحيات نواب البرلمان (طلبات‬
‫الحاطة والستجوابات) ومن خلل هيئات متخصصة مثل الجهاز‬
‫المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الدارية‪ ،‬لكن هذا ل يلغى دور‬
‫المجتمع المدني والصحافة المستقلة وأحزاب المعارضة (و التي ل‬
‫تعارض من اجل المعارضة وإنما ترفض الفساد والسلبية) في حراسة‬
‫سيادة الدولة فالسلطة المترهلة قد تتمكن من فرض سيطرتها على تلك‬
‫الجهزة – وهى في النهاية أجهزة حكومية‪ -‬بتمكين كبار الموظفين‬
‫الموالين لها من الوصول إلى رئاسة تلك الجهزة مما يجعل رقابتها‬
‫شكلية وغير ذات مضمون فضل عن ذلك فان الحكومة تسعى أن‬
‫تكون رقابة مجلس الشعب هامشية وذلك بتشكيل أغلبية برلمانية‬
‫موالية لها‪ ،‬و قد تتخذ القيادات المسئولة إجراءات تعسفية ضد النواب‬
‫المشاغبين الذين يتمكنون من الوصول إلى المجلس‪ ،‬وفى هذه المرحلة‬
‫تشكل الجهات السابق ذكرها ومعها القضاء المستقل إطارا رقابيا حرا‬
‫يحافظ على سيادة الدولة من جهة ومن جهة أخرى يستثمر الطاقات‬
‫الفردية للفراد استثمارا ايجابيا ‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪111‬‬

‫•اقتصاديات السوق ‪:‬‬


‫تعتبر الملكية الخاصة أقوى دافع لتحريك آلية السوق في إطار‬
‫المنافسة ويؤدى في النهاية إلى زيادة النتاج‪ ،‬و يعتبر حق الملكية‬
‫ضمانا أصيل للحرية لنه يكفل توزيع الثروات توزيعا قائما على‬
‫المكانيات الذاتية ويفتح الباب أمام المنافسة بين الفراد والتي تعتبر‬
‫محركا أساسيا للبداع وفى المقابل فان تركيز الثروة في القطاع العام‬
‫والذي تتولى إدارته الحكومة يعد مدخل لقمع الحريات وانخفاض‬
‫مستوى الدخل لنه يبطئ من عجلة النتاج ول يخلق ضمانات لعدالة‬
‫التوزيع مما يقود عمليا إلى ما يسمى " رأس مالية الدولة " أي إن‬
‫القيادات العليا هي التي تتركز بين أيديها الثروات ‪.‬‬
‫وفي هذه المرحلة ل تشكل التشريعات ضمانا كافيا للعدالة‬
‫الجتماعية لن السلطة والثروة والتشريع كلها أمور تجتمع في قبضة‬
‫حكومة لبد وان تكون مستبدة أما في نظام السوق الحر فان‬
‫التشريعات تعد آلية محورية لتطبيق العدالة فالثروة في يد الفراد‬
‫المؤمنين بسيادة الدولة ‪.‬‬
‫ويشير د‪ /‬رفعت لكوشة إلى دور الدولة فيما يلي‪:‬‬
‫•دعم الفقراء لتخفيف أعبائهم وتطبيقا للعدالة الجتماعية‪،‬‬
‫فالدولة حين تطرح أراضى مخفضة لتشجيع الستثمار أو‬
‫ترفع الجمارك على السلع المستوردة دعما لصحاب المصانع‬
‫فإنها مسئولة عن دعم الفقراء مثلما دعمت غيرهم‪.‬‬
‫•مكافحة الحتكار وتركيز الثروة لنه يؤدى إلى إفلس‬
‫صغار المستثمرين وتقليص السوق ورفع السعار خارج‬
‫حدود المنافسة الشريفة ‪.‬‬
‫•تنظيم التعايش بين أنماط النتاج المختلفة بما يدعم فكرة‬
‫المنافسة فيمكن على سبيل المثال أن يفرض القانون على‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪112‬‬

‫محلت السوبر ماركت أن تغلق في موعد محدد ويعفى‬


‫أصحاب المحال الصغيرة من هذا لتشجيعهم على التطور‬
‫والمنافسة‪.‬‬
‫******‬

‫وبهذه المعايير يمكن للمجتمع أن يصحح أزماته بنفسه وتطبيقا‬


‫على أزمة المواطنة فان مقومات الدولة المدنية قادرة على تقويض‬
‫السس التي قامت عليها الزمة بداية من تسييس الدين وحتى التهميش‬
‫الجتماعي‪ ،‬ونرى في اقتصاديات السوق علجا للفقر والبطالة تلك‬
‫المور التي انحدرت بالمصريين إلى مستوى غير آدمي من الفاقة‬
‫والفراغ وجعلت نفوس المصريين وقودا قابل جدا للشتعال ‪.‬‬
‫وأخيرا فإننا ليبراليون لن مصر تستحق ان تكون في مصاف‬
‫المم المتقدمة ‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪113‬‬

‫المختلف عنى مش ضدي‬

‫مريم مراد على‬

‫مواليد سنة ‪ .1987‬طالبه بالسنة النهائية بكلية‬


‫الصيدلة جامعة القاهرة‪.‬‬
‫عضوه بحزب الجبهة الديمقراطية منذ يوليو‬
‫‪ 2007‬وعضو بالمكتب المركزي لمنظمة الشباب‬
‫والهيئة العليا للحزب وحضرت عدة أيام تثقيفية‬
‫تحت رعاية منظمة فريدريش ناومان‪.‬‬
‫أتمنى أن تتحول الليبرالية من كلمات نناقشها‬
‫على الورق إلي أفعال تتحقق وتنتشر في الشارع‬
‫المصري الذي اشعر باستعداده لقبول تيار‬
‫ليبرالي قوى‪ ،‬لذا علينا نحن الليبراليون أن‬
‫نتواجد بشكل فعال على الساحة ونقترب أكتر‬
‫بقيمنا لرجل الشارع العادي الذي استغله التيار‬
‫الديني جيدا بينما يمكننا نحن أن نبنى بتيارنا‬
‫مصر أخرى نتمناها جميعا‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪114‬‬

‫أنا ليبراليه علشان أنا إنسانه حرة ونفسي أعيش في وطن حر‪.‬‬
‫بس لحظه واحده‪ .‬مش لزم يكون عندنا مشكله من كلمة حرية‪.‬و مش‬
‫لزم نوجه نفسنا إلى التابوهات كلما ذكرت كلمة الحرية‪ .‬أنا ليبراليه‬
‫يعنى باحثه عن الحرية بمعناها اليجابي‪.‬‬
‫حريتي أنى أفكر أنى اعبر أنى اعترض أنى اختار اللي‬
‫يحكمني‪.‬أنى أقول ل حريتي أن صوتي يوصل من غير تزوير‪.‬حريتي‬
‫كفتاه كاملة الهلية وليس نصف إنسان‪.‬دى حريتي اللي ربنا كفلها لي‬
‫لكن المجتمع بيحاول يسحبها منى‪.‬حريتي في الختيار بشكل عام‪.‬‬
‫أنا ليبراليه لني مؤمنه بحرية العقيدة ومقتنعة أن مش من حقي‬
‫أتدخل في اعتقاد حد أو اجبره على اعتقادي وده اللي ربنا كفله لكل‬
‫إنسان قبل ما احنا نطالب بيه‪ .‬أنا ليبراليه‪ ،‬لني مؤمنه بالدولة المدنية‬
‫القائمة على المساواة بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الدين‪.‬‬
‫مؤمنه أن القانون لبد أن يطبق على الجميع على حد سواء‪.‬أنا‬
‫ليبراليه لني مش مهتمة اسأل كل شخص بتعامل معاه عن دينه واحدد‬
‫شكل التعامل على الساس ده‪ .‬أنا ليبراليه لن الدين ل ومش من حقي‬
‫انصب نفسي مكان ربنا وأحاكم الناس على معتقداتهم‪.‬‬
‫أنا ليبراليه لني مش بكره اى حد مختلف عنى في اى حاجه‪.‬‬
‫ومقتنعة أن الختلف سنة الحياة‪ .‬وأن مستحيل الناس يكونوا كربون‬
‫من بعض‪ .‬أنا ليبراليه علشان بحلم بمستقبل أفضل لبلدي وعندي‬
‫اعتقاد أن الليبرالية وسيله مناسبة جدا لتحقيق الهدف ده‪ .‬وفي نفس‬
‫الوقت أنا مش ضد اى أفكار ثانيه حتى لو كانت ضد الليبرالية لن‬
‫الليبرالية هي تقبل الخر‪ ،‬بالرغم أن الخر مش دايما بيتقبل ده‪.‬‬
‫أنا ليبراليه علشان أنا بحب أفكر بدون قيود ولني مؤمنه أن‬
‫الحفظ والصم والنقل بدون تفكير عمرهم ما كانوا سبب في تقدم المم‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪115‬‬

‫بالعكس هما أول طريق التخلف والجهل علشان كده حرية الفكر هي‬
‫دايما اللي بتؤدى للبداع وكل العباقرة على مدار التاريخ كان تفكيرهم‬
‫مختلف كان تفكيرهم حر وبالتالي أبدعوا لما تمردوا على الفكر السائد‪.‬‬
‫أنا ليبراليه علشان الليبرالية مش بتجبرنى أفكر في طريق معين أو‬
‫اقتنع بفكره معينه لو خرجت عنها أبقى فقدت ليبراليتي‪ .‬لكن الليبرالية‬
‫بتساعدنى أنى أنا اللي ابني فكره أؤمن بيها مش العكس‪.‬أنى أفكر قبل ما‬
‫اقتنع ولما اقتنع أكون فعل توصلت للقتناع عن طريق عقلي‪.‬‬
‫أنا ليبراليه لن الليبرالية علمتني أن المختلف عنى مش ضدي‪.‬‬
‫وإن الخر مش منبوذ مهما كان‪ .‬أنا ليبراليه لن الليبرالية بتمنع أنى‬
‫أتحاسب على افكارى أو أنى احاسب حد على أفكاره مهما كانت‬
‫صادمه‪.‬لن الليبرالية علمتني إن التفكير هو اللي بيصلح الفكار ولو‬
‫كانت افكارى مش صح النهارده التفكير العقلني بيساهم في تصحيحها‬
‫بكره‪ .‬مش التهديد والوعيد هو اللى بيغير الفكار‪.‬‬
‫أنا ليبراليه لن الفكار حرة وليها أجنحه محدش يقدر يمنعها‬
‫توصل للناس‪.‬أنا ليبراليه‪ ،‬لن الليبرالية علمتني أتقبل الرأي المضاد‬
‫والمختلف معايا‪ .‬أنا ليبراليه لن الليبرالية أسلوب حياه ومعاها بتقدم‬
‫للفضل‪ .‬علشان كده نفسي أشوف مصر دوله ليبراليه وأشوف‬
‫المجتمع قادر يتقبل كل أبنائه بكل أطيافهم‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪116‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪117‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫تـجــارب‬
‫خـاصــة‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪118‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪119‬‬

‫دقيقة حرية‬

‫هانى الخياط‬

‫مواليد ‪ 1978‬مهندس مدني‪ .‬شاركت في العديد‬


‫من الدورات والمؤتمرات التي نظمتها مختلف‬
‫منظمات المجتمع المدني العاملة بمجال الديمقراطية‬
‫وحقوق النسان‪ . .‬وكيل سابق أمانة التثقيف‬
‫السياسي في حزب الغد ثم سكرتير عام الشباب في‬
‫حزب الجبهة الديمقراطية‪ ،‬تركت مجال السياسة‬
‫للهتمام بالمجتمع المدني فاعمل الن كمدير لمركز‬
‫رؤيا مصرية واحلم لمصر أن تكون دولة ليبرالية‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪120‬‬

‫لماذا أنا ليبرالي ؟؟؟ عزيزي القارئ أعتقد أنك تنتظر منى أن‬
‫ى أن أتحدث عن مزايا‬‫أسرد النقاط التي جعلتني ليبراليا وينبغي عل ّ‬
‫الليبرالية وينبغي وينبغي‪ .‬ولكنى عوضا عن كل ذلك‪ ،‬دعني آخذك‬
‫أولً إلى رحلة مثيرة وشيقة‪ ،‬دعني أحكى لك حكاية شاب مصري‬
‫متميز وبعد ذلك سنكمل حديثنا عن الليبرالية‪.‬‬
‫كان مثله مثل أي طفل مصري آخر قد فرغ من يوم دراسي ممل‪،‬‬
‫ولكن لم يخ ُل هذا اليوم من بعض اللعب والشقاوة البريئة مع أقرانه‪ .‬صعد‬
‫على درجات سلم منزلة وهو يتوقع نفس السيناريو ونفس ردود الفعال‪.‬‬
‫فسيجد والدته في انتظاره فاتحة ذراعيها لستقباله بحضن دافئ‪ ،‬وهو‬
‫كعادته سيحاول أن يتملص من بين أيديها ليجرى إلى المطبخ ليتذوق‬
‫الطعام ولكن أمه تنهره‪ .‬وسينتظر عودة والده من العمل ‪.‬كل هذه التقاليد‬
‫وأكثر قد تعود عليها‪ ،‬ولكن في هذا اليوم كان كل شيء مختلف؛ فعند‬
‫اقترابه من منزلة أحس بقبضة مفاجئة تعصر قلبه لتنبئه بخبر أليم‪ ،‬وقد‬
‫تأكد من هذا الشعور عند صعوده درجات السلم ورؤية جيرانه كأنهم في‬
‫انتظاره‪ ،‬وهم ينظرون إليه نظرة يملؤها الحزن والشفقة علية ‪ .‬وعند باب‬
‫الشقة وجد والدته في انتظاره وقد اتشحت بالسواد‪ ،‬والدموع تنهمر من‬
‫عينيها‪.‬لم يحتج لحد ليخبره أن والده قد وافته المنية‪ ،‬وقد استقبل هذا‬
‫الخبر بصدمة صامتة حيث لم يب ِد أي رد فعل‪ ،‬كأن انسلخت روحه عنه‪،‬‬
‫وأصبح بل احاسيس أو مشاعر‪.‬‬
‫بعد بضعة أيام من الحداد‪ ،‬شعر بداخله أن كل شيء قد صار مختلف‬
‫الن؛ فهو ليس شأن أي طفل آخر‪ ،‬فقد ذاق مرارة الحزن مبكرا‪ ،‬وصار‬
‫وحيدا في هذه الدنيا وعليه أن يجد طريقه بمفرده‪ ،‬وأخذ ينظر إلي الدنيا‬
‫نظرة مختلفة‪ ،‬لعل هذا يجعله يطمح إلي أن يكون متميزا‪ ،‬فعندما تكون‬
‫مختلف ل تملك إل طريق من أثنين؛ أن تكون متميز‪ ،‬أو تكون نكرة‪,‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪121‬‬

‫فعندما كان يسأل السؤال التقليدي‪ ”:‬ماذا تريد أن تكون عندما يكبر؟؟" كان‬
‫يجيب بتلقائية شديدة ‪":‬رجل أعمال أو عالم"‪ ،‬وكان يري صدمة السائل‬
‫الذي كان يتوقع الجابة التقليدية ؛ وهي دكتور أو مهندس‪ .‬ولكن بحسه‬
‫الصغير وجد أن يكون عالما أو رجل أعمال ليس كافيا‪ ،‬ووجد ضالته‬
‫المنشودة في قصص النبياء‪ ،‬وسير العظماء من السياسيين الذين غيروا‬
‫مجرى حياة البشرية للفضل‪ ،‬فكان يعلم بداخلة أنه إنسان متميز‪ ،‬ولم‬
‫يُخلق ليكون فردا في قطيع‪.‬‬
‫لم يرضَ بالقوالب الجاهزة المعلبة عن الحياة ومعنى الشياء‪ ،‬فقد‬
‫أراد أن يجد مفاهيمه الخاصة لكل شيء‪ ،‬ووجد ضالته في مكتبة‬
‫والدأصله‪ .‬احتوت على مئات الكتب‪.‬فقد ألتهم معظم الكتب بها‪ ،‬وعندما‬
‫يفرغ من كتاب كان يناقش ويجادل من هم أكبر منة سنا‪ ،‬ل يقبل بأي‬
‫شيء دون التمحيص والبحث عن أصله‪.‬وقد تربى به التفكير النقدي‬
‫للحياة‪ ،‬وتربى داخلة النقد الذاتي‪.‬‬
‫ومرت السنون وأصبح شابا في مقتبل عمره‪ ،‬وبسبب قراءاته‬
‫المتعددة للكتب التي فتحت له عالم مختلف واسع؛ علم أن هذا العالم‬
‫ليس الدنيا الصغيرة التي تحتوى دائرة أصدقائه وأهله فقط‪ ،‬ولكنه عالم‬
‫أوسع من ذلك بكثير‪ .‬وقد أراد أن يكتشف هذا العالم المثير‪ ،‬فوجد‬
‫الحل أن يُحضر العالم إليه عن طريق التعرف على الجانب الذين‬
‫يقيمون بالحي‪ ،‬فهم كثيرون‪ ،‬ومن مختلف الجنسيات‪ .‬وكان كلما اقترب‬
‫منهم ومن حياتهم وجد أن هذا عالم ملئ بالثقافات والمعتقدات مختلفة‪.‬‬
‫وقد تعلم منهم أنه مهما اختلف مع أحد فلبد أن يتقبله كما هو‪ ،‬وأل‬
‫يهدف لجبار الخر على اعتناق أفكاره الخاصة‪ ،‬ففي النهاية كلنا‬
‫بشر من حقنا أن نختلف‪ ،‬ول نستطيع أن نكون نسخة واحدة متطابقة‬
‫متكررة‪ ،‬إل وقد صار العالم في غاية الملل‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪122‬‬

‫قد تولد أيضا عنده حس بالمسئولية تجاه نفسه ومجتمعه‪ ,‬فعلى‬


‫الرغم أنه يفتخر بأنه فرد حر‪ ،‬ولكنه يعلم أنه ل‬
‫يعيش في جزيرة منعزلة‪ ،‬وأن له دور تجاه أهله ووطنه‪.‬وقد‬
‫انخرط في العمل العام ل يبغى شهرة أو مال ولكنه ل يبغى إل‬
‫الصلح بقدر ما استطاع‪ .‬وليست مفاجأة أنه وجد نفسه ينضم إلى‬
‫حزب ليبرالي‪ ،‬فمبدأ الليبرالية هي أقرب شيء لحياته ومبادئه ‪ .‬وتعلم‬
‫في الحزب الدفاع عن الحرية ليست حريته الخاصة فقط‪ ،‬ولكن حرية‬
‫بلده وشعبها‪ .‬وقد أصبح يحمل بين طيات قلبه حلمه الخاص؛حلمه‬
‫بوطن ديمقراطي يختار الشعب مسئوليه‪ ،‬وأن يكون هناك رقيب‬
‫عليهم‪ ،‬ويحاسبهم إذا أخطئوا ‪ .‬يحلم بوطن ل يفرق بين أبنائه‪ ،‬فكلنا‬
‫ل وأخيرا فل فرق‬ ‫مصريين أمام القانون والدستور‪ ،‬وأمام الحكومة أو ً‬
‫بين مسيحي أو مسلم‪ ،‬ول فرق بين نوبي أو صعيدي أو بدوى من‬
‫سيناء؛ ل فرق بين أح ٍد أو آخر‪.‬‬
‫يحلم بوطن يستطيع كل فرد فيه أن يعبر عن رأيه بصراحة‬
‫ووضوح من خلل العلم الحر‪ .‬يحلم بمواطنين يبنون مستقبلهم‪،‬‬
‫ومستقبل الوطن عن طريق العلم والتخطيط والعمل‪ ،‬وليس عن طريق‬
‫التكال والخرافات‪ .‬ويحلم بأشياء كثيرة ويبذل كل ما يستطيع لتحقيق‬
‫هذا الحلم‪ ،‬فالحلم صنعت لنحققها‪ ،‬ونراها على ارض الواقع‪ ،‬ولم‬
‫تُخلق الحلم لتعيش وتموت في خيالنا‪.‬‬
‫هل أعجبتك القصة؟ أعلم أنها ليست النهاية التي تريدها‪ ،‬ولكن‬
‫صاحب هذه القصة ل يعلم نهايتها حتى الن‪ ،‬ول‬
‫يعلمها إل ال ‪ .‬فهو الن يجلس في مكتبه ليكتب هذه المقالة‪،‬‬
‫ليعبر عن رأيه‪ ،‬ويكشف النقاب عن جزء من حياته‪.‬‬
‫دعنا نرجع لتكملة المقالة والحديث عن الليبرالية كما وعدكم‪ ،‬فكما‬
‫رأيتم أن الليبرالية ليست مجرد مبدأ ننادى به على منابر أو في‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪123‬‬

‫الندوات‪ ،‬ول على سطور المقالت‪ .‬فالليبرالية التي أراها هي أخلق‬


‫وسمات شخصية نتعامل بها في حياتنا اليومية‪ ،‬هي نظرتنا الخاصة‬
‫للحياة‪ ،‬ورغم ذلك ل تندهش عندما تجد من ينادى بالليبرالية‪ ،‬وهو‬
‫أبعد من يكون عنها‪ ،‬وقد ترى من ينادى باحترام المرأة‪ ،‬وهو أكثر من‬
‫يستغل المرأة( جنسيا‪ ,‬ماليا ‪ ,‬عاطفيا)‪ .‬وقد تجد أيضا من ينادى‬
‫بالديمقراطية وهو أكثر إنسان ديكتاتور في تعاملته في عملة‪ ،‬ومع‬
‫أسرته‪ .‬وقد تجد من يناقشك ليحاول جاهدا أن يقمعك عندما يجدك‬
‫مختلف معه فهو يملك الحقيقة المطلقة فقط‪ ،‬ولبد من إخراس أي‬
‫صوت آخر مختلف‪ .‬كل هذا‬
‫بسبب أن أفكاره عن الليبرالية قد حُبست داخل عقله‪ ،‬ولم تتوغل‬
‫داخل قلبه‪ ،‬وروحه لتكوين مزيج متناسق فيما بينهم‪.‬‬
‫ولكن متى نري الليبرالية وهي تبنى مستقبل مصر وبقية بلدان‬
‫المنطقة‪ ،‬ليصبح عالمنا أكثر تقدما وأكثر سلما وأكثر رقيا واتساقا‬
‫مع العالم المتحضر ؟‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪124‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪125‬‬

‫اعتنقت مبادئ الليبرالية قبل أن‬


‫أعرف اسمها‬
‫دعاء عاطف العطار‬

‫مواليد مايو ‪ 1989‬كفر الزيات محافظة الغربية‪،‬‬


‫تدرس العلم بكلية الداب‪ .‬صاحبة مدونة "كلمتى"‬
‫ومدونة "أوقاتنا الحلوة"‪ .‬كما ساهمت في حملة‬
‫"عروسة من غير شبكة" على موقع الفيسبوك‪ ،‬وتدعو‬
‫الحملة إلى إلغاء التكاليف المبالغ فيها في الزواج‪.‬‬
‫أحمل داخلي توجها ليبراليا جعلني ل أريد أن أقيد‬
‫بحزب معين أو أفكار معينه‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪126‬‬

‫لم أكن أعرف معنى الليبرالية‪ ،‬أو ما معنى أن يكون النسان‬


‫ليبراليا إل بعد التحاقي بالكلية‪ ،‬ولكن العجيب في المر أنني كنت‬
‫ليبرالية دون أن أدرى‪ .‬أي أن أفكاري ومبادئ كانت ليبرالية‪ ،‬ولم‬
‫أعرف أن هذا ما يسمى بالليبرالية‪ ،‬وحينما عرفت مفهوم الليبرالية‬
‫وأفكارها ومبادئها اكتشفت أنها تتطابق مع أفكاري ومبادئ‪ ،‬ومنذ تلك‬
‫الوقت وأنا أقول للجميع أنني ليبرالية‪.‬‬
‫والسؤال الن ‪ :‬ما هي الفكار التي كنت أتبناها‪ ،‬والتي جعلتني‬
‫أصبح ليبرالية ؟ وللجابة عليه يجب أن نسأل أنفسنا‪ ..‬لماذا أعطاني‬
‫ال العقل ؟‬
‫ستجد أنه أعطاك إياه لتميز بين ما هو ضار‪ ،‬وما هو نافع‪ ،‬وبين ما‬
‫هو صالح‪ ،‬وما هو طالح وعليك أن تختار ‪ .‬أنت الذي تميز وليس‬
‫غيرك‪ ،‬وأنت من تختار وليس سواك‪ .‬فلم يقصر ال العقل على شخص‬
‫بعينه بل أعطاه لكل شخص‪ ،‬ولذلك فسوف يُحاسب ك ٌل منا عن سلوكياته‪،‬‬
‫ول يصح أبدًا أن يفكر لي غيري‪ ،‬أو يقرر ماذا يجب أن أكون ؟‬
‫فأنا مسئول عن عقلي‪ ،‬إذا فأنا مسئول عن تصرفاتي‪ ،‬إذا سأتحمل‬
‫نتائجها‪ ،‬ومن منطلق إيماني بذلك لم أكن أريد أن يأخذ لي أحد قرارا‬
‫معينا ‪ .‬فحينما جاءت مرحلة الثانوية العامة وكان على أن أختار أي‬
‫الكليات سألتحق بها؟‬
‫كنيت أرغيب بشده فيي اللتحاق بكليية الداب ( قسيم إعلم )‪،‬‬
‫وبالف عل حدث‪ ،‬ولكن ني تعر ضت لضغوط كثيرة للت حق ب ما هو أعلى‬
‫من تربية وعلوم وغيرها ‪ .‬وكنت دائمًا أتساءل ‪:‬‬
‫من سيلتحق أنا أم هم؟‬
‫من سيفشل أنا أم هم ؟‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪127‬‬

‫ومادمت لن أضر أحدا بتحقيق رغبتي هذه إذا فليس من حق أحد‬


‫أن يملي عليّ رغبته‪ ،‬فكان هذا مبدأي أنه مادام لديك عقل‪ ،‬إذا فلتفكر‬
‫‪ ...‬فلتختار ‪ ...‬فلتقرر‪ ،‬ول تجعل أحد يقوم بذلك عنك‪ ،‬وكذلك بالنسبة‬
‫للدين ‪ .‬كنت أؤمن دوما أنه ل إكراه في الدين فهذه تعاليمنا‪.‬‬
‫وفى الثانوية العامة كانت لدى صديقة تدعى مارى‪ ،‬وكانت مارى‬
‫صديقة _ بما تحمله الكلمة من معاني _ كنت أرى بها الكثير من‬
‫الصفات الحميدة‪ ،‬والتي لم أجدها في بعض المسلمين‪ .‬لم نتحدث يوما‬
‫عن الدين لنني كنت مقتنعة أن هذه حرية شخصيه‪ .‬ل يمكن لي أن‬
‫أفرض عليها ديني كما أنني ل أحب أن تفرض هي الخرى دينها‬
‫على‪ .‬كنت دوما أجد في الحديث معها متعه ولم أشعر يوما أنها لكونها‬
‫مسيحية أن أبتعد عنها‪ ،‬أو أنبذها بالعكس تماما ‪.‬هذه كانت أفكاري قبل‬
‫أن أعرف أن هذه المبادئ هي الليبرالية بعينها‪ ،‬وحينما التحقت بالكلية‪،‬‬
‫وعرفت ما تعنيه الليبرالية‪ .‬وجدتها تعنى حرية الفرد وتحريره من‬
‫القيود السلطوية الثلثة ( السياسية والقتصادية والثقافية) بل وتتكيف‬
‫الليبرالية مع قيم كل مجتمع فتختلف في المجتمع الشرقي المحافظ عن‬
‫الغربي المتحرر‪ ،‬وهى بذلك ليست تقليدا أعمى للغرب بل هي حرية‬
‫متوافقة مع مبادئ المجتمع وقيمه‪ ،‬وما عرفته أيضا أن المنطلق‬
‫الساسي في الفلسفة الليبرالية هو أن الفرد هو الساس‪ .‬تدور الليبرالية‬
‫حول فلسفة الحياة برمتها‪.‬‬
‫هذا عن الليبرالية ولو جئنا لنطبق هذا في مصر سنجد ثمة‬
‫مشكلت‪ ،‬فتكمن مشكلتنا في مصر أن النجاح عندنا شخص‪ ،‬وأننا‬
‫دوما نحتاج إلى قائد لنسير ورائه وليس قائد نختاره ونقرر معه‪ ،‬فإذا‬
‫غاب القائد انهار المجتمع‪ ،‬وإذا غاب الرئيس تدمرت المؤسسة‪ ،‬وإذا‬
‫مات رئيس الدولة فالنتصار للعداء والهزيمة المؤكدة لنا‪،‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪128‬‬

‫فجميعنا يفكر بعقل شخص واحد‪ ،‬أو بمعنى أدق ل نفكر ونتركه هو‬
‫يفكر لنا‪.‬‬
‫المشكلة في مصر أن الليبرالية والديمقراطية والحرية شكليه فقط‬
‫وتخلو من الجوهرية‪ ،‬فكل قائد يريد أن يكون هو المر الناهي‬
‫المتحكم‪ ،‬ول مجال للنقاش‪ ،‬ل مجال لختيار الصلح والدهى‪ ،‬والمر‬
‫من ذلك أن الشعب عنده حالة من المبالة‪ ،‬فالشعب سعيد بعدم تحمله‬
‫للمسئولية فهو يبحث عن قائد يرمى عليه أثقاله ويوجه إليه إصبع‬
‫التهام‪ ،‬ول يلقى باللوم على نفسه‪ ،‬وهذا بالطبع سر تخلفنا عن غيرنا‬
‫من الدول المتقدمة ‪.‬‬
‫خير مثال على ذلك تولى أوباما الحكم‪ ،‬فلم يكن يحدث هذا في بلد‬
‫ل تعرف الديمقراط ية‪ .‬إذا تمع نت في مبادئ الليبرال ية ستجد في ها حلً‬
‫لكثير من مشاكلنا‪ ،‬فأنت ستقرر من سيحكمك‪ ،‬وستفكر مع من يحكمك‪،‬‬
‫و ستعدل على من يحك مك‪ ،‬لت جد في نها ية ال مر أ نك أ نت من تح كم‬
‫نفسيك‪ .‬وبالتالي سيينتج لنيا جييل قادر على التفكيير والختيار وتحميل‬
‫المسئولية سيخرج لنا مجتمع بعيد عن السلطوية والديكتاتورية والتمييز‬
‫والتطرف سيصبح ل كل م نا أفكاره و فى الو قت نف سه سيحترم ال خر‪،‬‬
‫فالليبرالية من وجهة نظري باختصار‪:‬‬
‫‪ -‬أن تفكر ول تجعل غيرك يفكر لك ‪.‬‬
‫‪ -‬أن ُت َقرِرِ ول ُيقَرّر لك ‪.‬‬
‫‪ -‬أن تتحمل نتيجة أخطائك ول تلقى باللوم على غيرك ‪.‬‬
‫‪ -‬ولنك ستفكر وستقرر وستتحمل نتيجة أخطائك‪ ،‬فأيضا ل‬
‫تفرض على غيرك شيء‪ ،‬ول تفكر ول تقرر له لنه في النهاية‬
‫ل منا مسئول عن نفسه وعن تصرفاته‪.‬‬
‫كٌ‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪129‬‬

‫كنت إسلميا متشددا‬


‫ولكن أصبحت ليبراليا ‪....‬‬
‫وليد زامل زغير ليلو‬

‫مواليد ‪ .1978‬بكالوريوس قانون جامعه بغداد ‪2001‬‬


‫– ‪ .2002‬مدير الشعبة القانونية والكيانات السياسية –‬
‫المفوضية العليا المستقلة للنتخابات‬
‫شاركت في الدورة التي إقامتها مؤسسة (فريدريش‬
‫ناومان اللمانيه ) لعدد من أعضاء الجمعية الوطنية‬
‫النتقالية للفترة من ‪ 7‬إلى ‪ 11‬تشرين الول ‪2005‬‬
‫حول موضوع (التسوية الدستورية العراقية) في‬
‫العاصمة الردنية‪ .‬شاركت في الدورة التي إقامتها‬
‫مؤسسة (فريدريش ناومان اللمانيه) لعدد من أعضاء‬
‫مجلس النواب العراقي حول ( خيارات التنوع وأنماط‬
‫الفدراليات ) للفترة من ‪ 20‬إلى ‪ 24‬أيلول ‪ 2006‬في‬
‫العاصمة الردنية‪ .‬شاركت في الدورة التدريبية التي‬
‫أقامها المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية‬
‫بالتعاون مع المؤسسة الدولية للنظمة النتخابية حول‬
‫الكيانات السياسية والتعامل معها وإجراءات التسجيل‬
‫والتصديق للفترة من ‪ 12‬إلى ‪ 17‬كانون الثاني ‪2008‬‬
‫في اربيل ‪ -‬كردستان العراق ‪.‬‬
‫أسعى لقامة حزب قوي ذا قاعدة شعبيه يسعى لنشر‬
‫المفاهيم الليبرالية وإقامه دوله القانون في بلدي‬
‫المتنوع العراق والطياف والديانات وكذلك إقامه‬
‫ورش عمل للشباب العراقي حول نشر المفاهيم‬
‫الليبرالية وتعميقها وتعزيزها وترسيخها ‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪130‬‬

‫كثر في الونة الخيرة الصيحات الرامية للحد من تدخل الدين في‬


‫إدارة الدولة وتقلييص نفوذ رجال الديين فيي صيناعة القرار وتشرييع‬
‫القوان ين المنظ مة لحياة الن سان ب سبب الثار ال كبيرة الناج مة عن زج‬
‫رجل الدين في ادارة الدولة وفسح المجال امامه لتبوأ مناصب مرموقة‬
‫مهدت لسييطرة التقالييد الدينيية فيي العراف السيياسية وبالتالي زيادة‬
‫القيود على حر ية الفراد في ممار ساتهم لحقوق هم العتياد ية والحد يث‬
‫هنيا يدور حول التشدد الدينيي لكين النتماء الدينيي السيمح الخالي مين‬
‫القيود المتع صبة والعراف الجاهل ية المقيدة لحقوق الفراد بل ال تي قد‬
‫تصيل الى تقيييد حيق الحياة بالنسيبة للنسياء كميا هيو معروف فيي وئد‬
‫البنات فيي الجاهليية اميا الديين السيلمي السيمح الخالي مين القيود‬
‫والتعصيب فانيه يهدف الى نفيس الهداف التيي نادى بهيا اصيحاب‬
‫المذهب الليبرالي في العالم لن الحرية المطلقة هي فوضى فلبد من‬
‫النطلق من كون الحر ية م سؤولية ي جب ان تمارس بو عي وانضباط‬
‫في اطار القانون وعل يه يم كن النطلق من ه نا في صياغة التعر يف‬
‫لخاص باليبرالية وهي ‪:‬‬
‫الليبراليية هيي احترام لدولة الحيق والقانون‪ ،‬والحيد مين سيلطة‬
‫الدولة‪ ،‬وتحر ير الن سان من عبود ية أخ يه الن سان‪ ،‬وتشج يع ال سوق‬
‫الحرة‪ .‬فإذا كيف لي كمسلم أن ل أكون ليبراليا؟‬
‫الــعــرض ‪:‬‬
‫اميا عين مفهوم الليبراليية وخصيائصها فيمكين اجماله بالتيي‬
‫وحسب وما ورد في الموسوعة الحرة فهي ‪:‬‬
‫المفهوم والخصائص ‪:‬‬
‫الليبراليية (‪ )liberalism‬اشتقيت كلمية ليبراليية مين لييبر ‪liber‬‬
‫و هي كل مة لتين ية تع ني ال حر ‪.‬الليبرال ية حال يا مذ هب أو حر كة و عي‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪131‬‬

‫اجتماعيي سيياسي داخيل المجتميع‪ ،‬تهدف لتحريير النسيان كفرد‬


‫وكجماعة من القيود السلطوية الثلثة (السياسية والقتصادية والثقافية)‪،‬‬
‫وقيد تتحرك وفيق أخلق وقييم المجتميع الذي يتبناهيا تتك يف الليبراليية‬
‫حسيب ظروف كيل مجتميع‪ ،‬وتختلف مين مجتميع غربيي متحرر إلى‬
‫مجت مع شر قي محا فظ‪ .‬الليبرال ية أي ضا مذ هب سياسي واقت صادي معا‬
‫ف في ال سياسة تع ني تلك الفل سفة ال تي تقوم على ا ستقلل الفرد والتزام‬
‫الحريات الشخصيية وحمايية الحريات السيياسية والمدنيية وتأيييد النظيم‬
‫الديمقراط ية البرلمان ية وال صلحات الجتماع ية‪.‬المنطلق الرئي سى في‬
‫الفلسيفة الليبراليية هيو أن الفرد هيو السياس‪ ،‬بصيفته الكائن الملموس‬
‫للنسيان‪ ،‬بعيدا عين التجريدات والتنظيرات‪ ،‬ومين هذا الفرد وحوله‬
‫تدور فل سفة الحياة برمت ها‪ ،‬وتن بع الق يم ال تي تحدد الف كر وال سلوك معا‪.‬‬
‫فالن سان يخرج إلى هذه الحياة فردا حرا له ال حق في الحياة أولً‪.‬و من‬
‫حيق الحياة والحريية هذا تنبيع بقيية الحقوق المرتبطية‪ :‬حيق الختيار‪،‬‬
‫بمع نى حق الحياة ك ما يشاء الفرد‪ ،‬ل ك ما يُشاء له‪ ،‬و حق الت عبير عن‬
‫الذات بمختلف الوسائل‪ ،‬وحق البحث عن معنى الحياة وفق قناعاته ل‬
‫و فق ما يُملى أو يُفرض عل يه‪ .‬بإيجاز العبارة‪ ،‬الليبرال ية ل تع ني أك ثر‬
‫من حق الفرد ي النسان أن يحيا حرا كامل الختيار في عالم الشهادة‪،‬‬
‫أميا عالم الغييب فأمره متروك فيي النهايية إلى عالِم الغييب والشهادة‪.‬‬
‫الحر ية والختيار ه ما ح جر الزاو ية في الفل سفة الليبرال ية‪ ،‬ول ن جد‬
‫تناقضا ه نا ب ين مختل في منظري ها مه ما اختل فت نتائج هم من ب عد ذلك‬
‫الحجر‪ ،‬سواء كنا نتحدث عن هوبز أو لوك أو بنثام أو غيرهم‪ .‬هوبز‬
‫كان سيلطوي النزعية سيياسيا‪ ،‬ولكين فلسيفته الجتماعيية‪ ،‬بيل حتيى‬
‫السلطوية السياسية التي كان يُنظر لها‪ ،‬كانت منطلقة من حق الحرية‬
‫والختيار الولي‪ .‬لوك كان ديموقرا طي النز عة‪ ،‬ول كن ذلك أيضا كان‬
‫نابعا من حق الحرية والختيار الولي‪ .‬وبنثام كان نفعي النزعة‪ ،‬ولكن‬
‫ذلك كان نابعا أيضا مين قراءتيه لدوافيع السيلوك النسياني (الفردي)‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪132‬‬

‫الولى‪ ،‬وكانت الحرية والختيار هي النتيجة في النهاية‪ .‬وفي العلقة‬


‫بيين الليبراليية والخلق‪ ،‬أو الليبراليية والديين‪ ،‬فإن الليبراليية ل تأبيه‬
‫لسيلوك الفرد طالميا أنيه لم يخرج عين دائرتيه الخاصية مين الحقوق‬
‫يخا‬‫يارمة خارج ذلك الطار‪ .‬أن تكون متفسي‬ ‫يا صي‬
‫والحريات‪ ،‬ولكنهي‬
‫أخلقيا‪ ،‬فهذا شأ نك‪ .‬ول كن‪ ،‬أن تؤذي بتف سخك الخل قي الخر ين‪ ،‬بأن‬
‫تثميل وتقود السييارة‪ ،‬أو تعتدي على فتاة فيي الشارع مثلً‪ ،‬فذاك ل‬
‫يعود شأنك‪ .‬وأن تكون متدينا أو ملحدا فهذا شأنك أيضا‪.‬‬
‫اما خصائصها فهي ‪:‬‬
‫•الليبرال ية ع كس الراديكال ية ل تعترف بمرجع ية ليبرال ية‬
‫مقدسية؛ لنهيا لو قدسيت أحيد رموزهيا إلى درجية أن‬
‫يتحدث بلسانها‪ ،‬أو قدست أحد كتبها إلى درجة أن تعتبره‬
‫المعيبر الوحييد أو السياسي عنهيا‪ ،‬لم تصيبح ليبراليية‪،‬‬
‫ولصبحت مذهبا من المذاهب المنغلقة على نفسها‪.‬‬
‫مرجعيية الليبراليية هيي فيي هذا الفضاء الواسيع مين القييم التيي‬
‫تتمحور حول النسيان‪ ،‬وحريية النسيان‪ ،‬وكرامية النسيان‪ ،‬وفردانيية‬
‫النسيان‪ .‬الليبراليية تتعدد بتعدد اللييبراليين‪ .‬وكيل لييبرالي فهيو مرجيع‬
‫لييبراليته‪ .‬وتارييخ الليبراليية المشحون بالتجارب الليبراليية المتنوعية‪،‬‬
‫والنتاج الثقافي المتمحور حول قيم الليبرالية‪ ،‬كلها مراجع ليبرالية‪ .‬لكن‬
‫أ يا من ها‪ ،‬ل يس مرج عا ملز ما‪ ،‬وم تى ألزم أو حاول اللزام‪ ،‬سقط من‬
‫سجل التراث الليبرالي‪.‬‬
‫تقوم الليبراليية على اليمان بالنزعية الفرديية القائمية على حريية‬
‫الف كر والت سامح وإحترام كرا مة الن سان وضمان ح قه بالحياة وإعتبار‬
‫الم ساواة أ ساسا للتعاون ومنطل قا لحترام الفراد وضمان حريت هم ول‬
‫يكون هناك أي دور للدولة فييي العلقات الجتماعييية أو النشطيية‬
‫القتصادية إل في حالة الخلل بمصالح الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪133‬‬

‫وتقوم الليبراليية أيضيا على تكرييس سييادة الشعيب عين طرييق‬


‫القتراع العام وذلك لت عبير عن إرادة الش عب والتخلص من الف ساد في‬
‫المجتميع وإحترام مبدأ الفصيل بيين السيلطات التشريعيية والقضائيية‬
‫والتنفيذ ية وأن تخ ضع هذه ال سلطات للتعد يل من أ جل ضمان الحريات‬
‫الفرد ية ولل حد من المتيازات الخا صة ور فض ممار سة ال سيادة خارج‬
‫المؤسسات لكي تكون هذه المؤسسات معبرة عن إرادة الشعب‪.‬‬

‫الخاتمة ‪:‬‬
‫مميا تقدم مين حجيج وبراهيين سييقت لبيان مفهوم الليبراليية‬
‫ومميزاتها وخصائصها ‪.....‬‬
‫أبيين السيباب التيي دفعتنيي للتحول مين التشدد الدينيي إلى تبنيي‬
‫النظر ية الليبرال ية كنظر ية للح كم لماذا أ نا أ صبحت ل يبرالي ب عد أن‬
‫ك نت من ا شد المتحم سين للنظر ية الدين ية في الح كم وحاكم يه الد ين‬
‫وتدخله فيي الشؤون الحياتيية بمختلف تفرعاتهيا ولكنيي هنيا ل أرفيض‬
‫الد ين مطل قا كنظر ية للح كم ول كن أنطلق من انتمائي الدي ني والعقائدي‬
‫بوا سطة النظر ية الليبرال ية في الح كم وأجعله نموذ جا أ صبو إل يه في‬
‫حياتي للسباب التية‪:‬‬
‫‪ -1‬دولة الحق والقانون ‪:‬‬
‫إن مفهوم الليبرال ية ل يس بجد يد‪ .‬فأ حد مبادئه ال ساسية ي جد أ صله‬
‫فيي المعتقدات اليهوديية والغريقيية القديمية التيي تؤمين بوجود "قانون‬
‫أعلى" يمكن بموجبه مساءلة الجميع بمن فيهم الحاكم نفسه‪ .‬ولقد رسخ‬
‫السلم بعد نزوله هذا المفهوم في الفكر الجماعي وأكد على أن الحكام‬
‫ليسوا المصدر العلى للسلطة‪ ،‬فهم أيضا يخضعون لسلطة القانون‪.‬‬
‫فالليبراليية ل تعنيي غياب القواعيد والقوانيين‪ ،‬وإنميا هيي دعوة‬
‫لخضاع الجم يع إلى ن فس القوا عد والقوان ين بح يث أل يكون أحدٌ فوق‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪134‬‬

‫القانون‪ .‬فدولة الحيق والقانون هيي التيي تحدد الفرق بيين الديمقراطيية‬
‫والدكتاتورية‪ .‬فالمجتمعات التي ل تكرس دولة الحق والقانون وتسمح‬
‫للنخ بة الحاك مة بأن تُ سَخّر القوان ين لم صلحتها الشخ صية وأن تفرض‬
‫على المحكوميين نميط عيشهيم هيي مجتمعات أقرب إلى الشيوعيية‬
‫والفاشية ول تمت للسلم بصلة‪.‬‬
‫‪ -2‬دور محدود للدولة ‪:‬‬
‫دولة الحيق والقانون تدعيو إلى المسياواة بيين الحاكيم والمحكوم‪.‬‬
‫وب ما أن الحكام يملكون و سائل الكراه ( سن القوان ين‪ ،‬وال سيطرة على‬
‫الجيش والشرطة) فمن الضروري الحد من سلطاتهم‪ .‬فمنحهم سلطات‬
‫واسيعة وغيير محدودة تفتيح لهيم البواب على مصيراعيها مين أجيل‬
‫تسخير أجهزة الدولة ومؤسساتها لخدمة مصالحهم الشخصية‪.‬‬
‫فالدولة‪ ،‬ممثلة بالحكام‪ ،‬هي مؤسسة يفوّض من خللها المواطنون‬
‫ال سلطة للحا كم‪ .‬ف هي ت ستمد شرعيت ها و سلطاتها من الش عب‪ .‬وب ما أن‬
‫الدولة مؤسسة قوية تملك وسائل الكراه‪ ،‬فالخطر الحقيقي يكمن في أن‬
‫يتسلم زمامها أشخاص سيئون‪ ،‬فتتحول وسائل الكراه من أدوات تخدم‬
‫مصالح الشعب إلى أدوات تستعمل ضده‪ .‬لذا ومنعا لتسلط الدولة‪ ،‬لبد‬
‫من الحد من صلحياتها‪ .‬ول يتم ذلك عامة إل عبر وضع دستور فعال‬
‫ير سم بش كل وا ضح مهام الحكام وي حد من نفوذ ال سلطة التنفيذ ية عن‬
‫طرييق مراقبتهيا ومسياءلتها مين قبيل السيلطات الخرى (التشريعيية‬
‫والقضائية)‪.‬‬
‫ك ما أن ال سلم كديا نة لم يعرف مفهوم ال سلطة الدين ية المركز ية‪.‬‬
‫بل على العكس من ذلك‪ ،‬فالمؤمنون أحرار في اتخاذ قراراتهم استنادا‬
‫ل ما يملكون من معلومات‪ .‬ف ما يم كن أن نتعل مه من ال سلم هو أ نه‬
‫ي ستوجب على من بيده ال سلطة أن يدع الش عب حرًا في أ خذ قرارا ته‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪135‬‬

‫وأن ل يجبره على المتثال لهواء أقلية شاءت ال صدف أن تكون على‬
‫راس السلطة‪.‬‬
‫‪ -3‬الحرية الفردية ‪:‬‬
‫دور الدولة المحدود يعنيي أن الفراد أحرارا ليتصيرفوا بالشكيل‬
‫الذي يرونه مناسبا شريطة أن ل يعتدوا على حرية الغير‪ .‬فحرية الفرد‬
‫تتوقف عندما تبدأ حرية الخرين‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬فإن الفكر الليبرالي‬
‫يَعتبر أن الفرد هو المكون والنواة الساسيين للمجتمع‪ .‬فما المجتمع إل‬
‫مجموعية مين الفراد يسيعى كيل واحيد منهيم لتحقييق مصيالحه‬
‫واحتياجاته‪ .‬وكما أن للفرد الحرية بالنضمام إلى أي كيان اجتماعي أو‬
‫قضية ما‪ ،‬فيجب أن يكون أيضا حرا بالنفصال عن هذا الكيان أو تلك‬
‫القض ية م تى أراد‪ .‬فل ي جب إجبار الفرد على البقاء في إطار أو كيان‬
‫اجتماعي أو المتثال لرادة جماعة ما‪ .‬وهذا الفكر يتطابق مع مبادىء‬
‫السلم الذي حرر النسان من عبودية أخيه النسان لكي يعبد ال رب‬
‫العالميين‪ .‬لذا فحرمان الفرد مين حريية الختيار يتناقيض ميع روح‬
‫السلم إذ يتعارض مع إرادة الخالق‪.‬‬
‫فعلى كيل فرد أن يحترم كرامية نظيره مهميا كان أصيله ودينيه‬
‫وجنسه‪ .‬وبعبارة أخرى يجب احترام الختلف بين الفراد‪ .‬ولكل فرد‬
‫واجبات وحقوق كواجيب احترام الخير وحقيه على الخير بالحترام‪.‬‬
‫والهيم مين ذلك‪ ،‬فإن مبدأ احترام الحريية الفرديية يفترض عدم تدخيل‬
‫الدولة في حياة الفراد الخاصة طالما أنهم لم يعتدوا على حرية الغير‪.‬‬
‫‪ -4‬السوق الحرة ‪:‬‬
‫من المعروف أن الليبراليين يدافعون عن نظام السوق الحرة‪ .‬لكن‬
‫أسباب هذا الموقف تُفهم‪ ،‬في أغلب الحيان‪ ،‬بشكل خاطئ‪ .‬فالبعض ل‬
‫يتوانى عن اتهام الليبراليين بالدفاع عن التفاوت بين الفقراء والغنياء‪.‬‬
‫وبطبي عة الحال فهذه اتهامات غ ير صحيحة‪ .‬فالل يبراليون يؤيدون نظام‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪136‬‬

‫السوق الحرة لنه النظام القتصادي الوحيد الذي يحترم كرامة الفراد‪.‬‬
‫حرمان الفرد مين حقيه بالختيار‪ ،‬حتيى فيي المجال القتصيادي‪ ،‬هيو‬
‫إنكار لكرامة النسان ولقدرته على تقرير مصيره‪.‬‬
‫يؤييد البعيض فكرة مسيؤولية الدولة عين تأميين المسياواة فيي‬
‫المجت مع‪ .‬ولكن هم بذلك ي سقطون أول في خ طأ أخل قي وثان يا في خ طأ‬
‫عملي وتطيبيقي‪ .‬فأنيا أعتقيد كمسيلم أن ال خلقنيا متسياوين‪ .‬وحتيى لو‬
‫كانت فكرة فرض الم ساواة القت صادية جذا بة أخلق يا‪ ،‬فإن التجر بة قد‬
‫أثب تت أن تد خل الدولة لفرض هذه الم ساواة قد أدى على أرض الوا قع‬
‫إلى المزييد مين التفاوت بيين الفراد‪ .‬فأنيا أتعجيب عندميا يُصيوّر‬
‫ال سياسيون أن ال حل لدرء ف شل الدولة في إر ساء الم ساواة القت صادية‬
‫هوا لمزيد من التدخل تحت مظلة الدولة الراعية‪.‬‬
‫هل يصح لنا ان نفكر بشئ اسمه ليبرالية عراقية خاصة ‪:‬‬
‫بعد أن جرب العراقيون أربعة سنوات من تداول السلطة بطريقة‬
‫ديمقراطية خاصه‪ ,‬قد تختلف عن انواع كثيرة من الديمقراطيات في‬
‫العالم‪ .‬ولهذا المفروض للباحث الوطني أن يبحث عن أنواع‬
‫الديمقراطيات المتعامل بها في العالم‪ ,‬ثم شرح الديمقراطية‬
‫العراقيةالخاصة‪.‬‬
‫ولعيل هناك خلط كيبير بيين الديمقراطيية والليبراليية ميع ان هناك‬
‫انواع كثيرة من اشكال الليبراليات المتعامل بها في العالم خصوصا في‬
‫الدول الوروب ية الغرب ية وأمري كا‪ .‬واي ضا نل حظ خلط ب ين الليبرال ية‬
‫والفكير اليمينيي‪ .‬اطرح هذه التسياؤلت للبحيث والمناقشية للتوصيل‬
‫لمعرفة هذه المصطلحات بشكل يسهل عملية التوعية لدى أبناء الشعب‬
‫العراقي ‪.‬‬
‫المنطق يقول النقيضان ل يلتقيان‪ ...‬وهنا القصد أن السلم يدعوا‬
‫لحكم ماجاء به القرآن ول يمكن النقاش فيه‪...‬واذا كان البعض يحاول‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪137‬‬

‫تحويل المصطلح اللتيني للعربي‪ ,‬فيقول البديل الشورى فهذا غير‬


‫صحيح‪...‬الشورى ليست الديمقراطية‪ .‬ولهذا بحث أخر يأتي في محله‪.‬‬
‫قد تكون هناك نقاط اتفاق بين السلم كمنهج حياة متكامل مع السلوب‬
‫الديمقراطي للحكم ويعتمد على مباديء حقوق النسان المتفق عليه‬
‫عالميا وفيها نقاط إلتقاء وخلف كثيرة‪ .‬لكن أين التناقض بين السلم‬
‫والديمقراطية‪ .‬نعم الديمقراطية تعتمد على النتخابات لكي ترشح‬
‫مجموعة تدير زمام أمور المجتمع وفق القوانين المتفق عليها وحسب‬
‫توافقها مع مواد الدستور المصوت عليه من قبل جميع افراد الشعب‪.‬‬
‫لكن آيات القرآن الكريم ل يمكن التصويت عليها فهي ثابة غير متغير‬
‫ول يمكن تؤيلها من قبل سياسي غير مطلع في فنون ودراسات‬
‫حوزوية بحت‪ ,‬وعلوم عربية لغوية وتاريخية والحديث وعلم الرجال‬
‫ومعرفة الناسخ والنسوخ والمتشابه وغيرها من علوم يختص بها علماء‬
‫الدين ل غيرهم‪ .‬فإذا ما استعصية أمرا فقهيا او حياتيا يتلجئون للعالم‬
‫العادل والمجتهد العلم للدلء برايه ويتخذ ذلك الرأي دون أي‬
‫تصويت أو مجادلة‪ .‬يمكن ان يعدل أو يتغير لكن من قبل عالم آخر‬
‫أعلم أو بعد وفاة العالم الذي اصدر تلك الفتوى‪.‬‬
‫في الديمقراطية حديث آخر‪ ,‬حيث يمكن العتراض على قرار تتخذه‬
‫الحكومة المنتخبة مع أنه لها الحق بإتخاذ القرار‪ ,‬لكن حين يرى‬
‫الشعب بأن القرا ل يناسبها يخرج الشعب في تظاهرات احتجاج لتغيير‬
‫ذلك القرار وبعد الضغط ومن خلل وسائل سلمية ديمقراطية اجازها‬
‫الدستور يمكن للحكومة ان تتراجع عن ذلك القرار‪ ,‬وإن اصرت‬
‫الحكومة على القرار رغم أنف الشعب‪ ,‬فالشعب سوف ل ينسى‬
‫ويحاول تغيير تلك الحكومة في النتخابات التالية ليعطي صوته‬
‫لحكومة أخرى‪ .‬في حين من المستحيل التظاهر على فتوى‪ ,‬ولن نسمع‬
‫أن حدث ذلك في تأريخ السلم‪...‬وقد يقول قائل بأن هناك اجماع على‬
‫ما اتخذه العالم من فتوى والمر مقبول من قبل الجميع‪ .‬نعم هذا‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪138‬‬

‫صحيح لن العامة من الناس ليس لهم الحق على العتراض أبدا‪ ,‬بل‬
‫الحد القصى من العتراض قد يكون هو ان يتحول العامي لمجتهد‬
‫آخر يقلده‪ .‬هذا مثل بسيط للتناقض‪ ,‬وهناك أمثلة كثيرة وخطرة قد‬
‫تحدد بها أمن أمة بكاملها‪ .‬وقد يؤدي لهلك بشر أو اسعادهم‪...‬ولكن‬
‫الموجز ما في المر‪...‬أن في حالة الديمقراطية يعطى للمجتمع حق‬
‫التدخل في المور الحياتية أكثر مما هو عليه في الحكم السلمي حيث‬
‫تحصر أهم المور وأخطرها بيد أصحاب العلم والجتهاد وينفي دور‬
‫الفرد ومجموعة الفراد‪.‬‬
‫الشعب العراقي يبحث عن ليبرالية تضمن له العدالة والمن‪ ,‬لن‬
‫تجرب ته مع الحزاب ال تي تتوالت على ال سلطة خلل العوام الرب عة‬
‫الماضية‪ .‬ولكن الشعب العراقي متخوف أيضا من مصطلحات غربية‬
‫خوفا من التهامات النتمائية للغرب ‪ ...‬والمفاهيم التي باتت تتعارض‬
‫مع الوطن ية ح سب الترب ية المتلقات والم جبرة عل يه طيلة فترة اللنظام‬
‫المقبور‪ .‬م ثل ال ستعمار والخيا نة والغرب الكا فر‪...‬و ما الى ذلك من‬
‫امور تضع هم في مأزق التق بل للجد يد‪ ...‬مع ان الش عب العرا قي يب حث‬
‫عن بديل وقد ذاقوا المرين‪ .‬الليبرالية العراقية سوف تتحدث عن الفرد‬
‫وأهميتيه فيي السيتمرار بالحياة بكرامية دون ان يسيتغل مين الحزاب‬
‫والحكومية‪ .‬لكين الشعيب ينتظير ويضحيي ول يحصيل على شييء أبدا‬
‫غ ير الجوع والع طش والموت ال سريع والبط يء‪ .‬ب سبب الخلفات على‬
‫السلطة للكسب المادي المتخم‪...‬لكن الظاهر من ذاق طعم السلطة وبدأ‬
‫بسرقة ثروات البلد ل يتخم بل يريد المزيد‪ .‬الليبرالية مفهوم أوروبي‬
‫غر بي يع مل من أ جل الفرد واحتاجا ته ب كل مع نى الكل مة‪ ,‬وي سعى في‬
‫الوقت ذاته لتحرير الفرد من كل اشكال الستغلل‪ .‬فالليبرالية ل يفرق‬
‫ب ين قوم ية وأخرى‪ ,‬ول ب ين د ين وآ خر‪ ,‬ول ب ين مذ هب ومذ هب‪ .‬ل‬
‫علقة للفكر الليبرالي باي أعتقاد خاص بالفرد بل يدعم هذا الفرد لكي‬
‫يختار العقيدة الذي يؤمين بهيا‪ ,‬والقوميية الذي ينتميي لهيا‪ .‬أن الفكير‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪139‬‬

‫الليبرالي يريد تقليص سلطة الحكومة ويهتم بالشأن القتصادي لتطوير‬


‫الفراد بغض النظر عن أي انتماء خاص بهم‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪140‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪141‬‬

‫إنها ليــبراليــتــي‬
‫محمـد ماهـر‬

‫مواليد ‪ 1983‬بالقاهرة‪ .‬خريج كلية تجارة ‪ .2004‬قمت‬


‫بتغيير مجالي للصحافة والعلم فقد اجتزت البرنامج‬
‫التدريبي لجريدة وطني لتدريب الصحفيين وإعداد قادة‬
‫الرأي واعمل حاليا صحفي بجريدة المال – مسئول ملف‬
‫القليات الدينية والعرقية بصفحة إصلح سياسي بالجريدة‬
‫– كما أعكف مع مجموعه من أصدقائي بتأسيس مؤسسة‬
‫حلم الديمقراطية (حلم ليبرالي مصري)‪ .‬عضو في اتحاد‬
‫الشباب الليبرالي المصري‪.‬‬
‫شاركت في عدد من أنشطة المجتمع المدني مثل دورة "‬
‫كيفية تطوير الليبرالية في المجتمع المصري " والتي‬
‫نظمها اتحاد الشباب الليبرالي بالتعاون مع مؤسسة‬
‫فريدريش ناومان في أكتوبر ‪ 2008‬بالسماعيلية‪ ،‬كما‬
‫شاركت في دورة المعهد الجمهوري الدولي لتعزيز قدرات‬
‫الحزاب السياسية بالردن ‪.‬‬
‫أحلم أن تستعيد مصر وجهها الليبرالي لتمارس دورها‬
‫الطبيعي كمركز إشعاع تحرري وديمقراطي في المنطقة‬
‫كما كان في السابق ‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪142‬‬

‫ماذا تعني الليبرالية بالنسبة لي ؟ وكيف أصبحت ليبرالي ؟ ولماذا‬


‫أنا ليبرالي في الساس ؟ أسئلة كثيرة انتابتني تباعا وأنا أحاول الجابة‬
‫علي سؤال المسابقة الرئيسي (أنا ليه ليبرالي) إجابات كثيرة وأفكار‬
‫متعددة غمرت خليا ذهني لبرهة من الوقت جعلتني اعدل بعدها من‬
‫ل إليه‬
‫قراري بعدم المشاركة في المسابقة لضيق الوقت والذي كنت ميا ً‬
‫منذ علمت بالمسابقة‪.‬‬
‫استبد بي الحماس وتجرعت رشفة من الشاي ذو اللون الداكن وبدأت‬
‫اجتر الذكريات والفكار وأحاول أن اسطرها علي الورق وقد كان ‪.‬‬
‫وحتى استرجع ذكرياتي بتسلسل زمني تساءلت ( هو من امتي‬
‫وأنا ليبرالي فعل ) إلي أن اختمرت الجابة بذهني حيث أنني علي‬
‫قناعة بأنني مازلت حديث العهد بالليبرالية وان ليبراليتي اعتمدت في‬
‫بنائها علي مجموعة من الخبرات المتراكمة والقراءات المتعددة فضل‬
‫عن إنها ارتبطت باستقرار بندول أفكاري تجاه اليمين باستمرار وعدم‬
‫وجود نوازع يسارية فضل عن وجود ميل عام للحريات الفردية إل‬
‫أن هذا الميل لم يبلغ مستوي عميق إل مع ترسخ الفكار الليبرالية في‬
‫ذهني في مراحلي السنية العلى ‪.‬‬
‫فقد خاض عقلي ذو الستة والعشرون ربيعا تجارب محدودة نسبيا‬
‫في المستنقعات الفكرية للسلم السياسي إذ أنني كنت أميل لهذا التجاه‬
‫الفكري وأنا حديث العهد بالسياسة واجتذبتني وقتها أفكارا علي غرار‬
‫العدالة الشعرية المنشودة في المجتمع السلمي‪ ،‬ولم تغمرني لحظة‬
‫شك عندئذ في أن يوتوبيا السلمية حلم يمكن تحقيقه إذا ما توفرت‬
‫بعض الرادة والظروف المناسبة متأثرا في ذلك ببعض الكتابات‬
‫السلمية ذات النكهة العروبية وقتها‪ ،‬إلى أن حدث تحول تدريجي في‬
‫مؤشر بوصلتي الفكرية فمع تطور الحداث المتلحقة ومع انهيار‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪143‬‬

‫برجي التجارة العالميان بنيويورك في سبتمبر ‪ 2001‬انهارت قناعتي‬


‫بمدي جدوى الحلول التي يقدمها أصحاب النظرية الدينية وترسخت‬
‫لدي قناعه لن يمكنني تجاهلها ما حييت بعد ذلك أل وهي أن كل القوي‬
‫الراديكالية ما هي إل مزرعة لقوي التطرف والستبداد وان شجرة‬
‫التدين المرضي ل تطرح إل ثمار العنف والقتل بل والذبح أحيانا‬
‫أخرى ‪.‬‬
‫ثم تحولت خلفيتي الفكرية إلي النقيض تماما ومن جنه المثالية إلي‬
‫جحيم الواقعية ومع الواقعية ل تجدي حلولً غير البرجماتية القاسية‬
‫والنفعية التي ل هوادة فيها والمر عندئذ بسيط ل يحتاج لتعقيدات‬
‫فكرية من أي نوع فالمصلحة هي المحك وإذا ذهب مقياس المصلحة‬
‫يمينا فاللتزام بالجانب اليمن فريضة واجبة والدعوة للسوق الحر سنه‬
‫محببة وإذا تغير المؤشر لليسار أصبحت الدعوة لتعظيم دور الدولة في‬
‫القتصاد واجب مقدس‪ ،‬إل انه بمرور الوقت لم استطع هضم أن تكون‬
‫قواعد اللعبة بالنسبة لي منحصرة في البعاد البرجماتية الضيقة ‪.‬‬
‫ووقتها لم أكن اعلم عن الليبرالية الكثير إل أن سمعتها السيئة‬
‫كانت تسبق المصطلح دوما حيث كان يتم استخدام الليبرالية كمرادفا‬
‫طبيعيا للنحلل والفوضى في كثير من الخطابات وبعض وسائل‬
‫العلم أيضا‪ ،‬وكان يتم تقديم النموذج الغربي علي انه النموذج‬
‫الليبرالي الكافر الفاسق الماجن الذي ل تحكمه عادات أو تقاليد أو حتى‬
‫قيم دينية ( وفق ما كان يتردد من كلم عام وقتها ) ‪.‬‬
‫إل أن ترسخ الميل الشديد لليمان بالحريات الفردية وما تشمله‬
‫من أركان مثل ( حرية الفكر بالضافة إلي اختيار الدين والمعتقد &‬
‫الحق في تداول المعلومات & الحق في سلمة الجسد‪ ...‬الخ ) لعب‬
‫دورا محوريا في صياغة مواقفي الليبرالية بعد ذلك‪ ،‬حيث كنت دوما‬
‫التزم بالمصالح الفردية ضد ما يطلق عليه بحقوق الجماعة أو الشعب‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪144‬‬

‫تجاه الفرد مستندا لبسط قاعدة ليبرالية – كما علمتها بعد ذلك – أن‬
‫الحرية فطرية ل يمكن انتزاعها أو حجبها تحت أي مسمي وتحت أي‬
‫ظروف وان قيمة الحرية تسمو فوق باقي القيم‪ ،‬وان لها الولوية‬
‫القصوى علي جدول أولوياتي الفكرية ‪.‬‬

‫لماذا أنا ليبرالي ‪..‬؟‬

‫•لقد اقتنعت منذ نعومة أظافري أن مرجعيتي الوحيدة يجب أن‬


‫تبقي داخل جمجمتي‪ ،‬وان قيمة الحرية في الختيار هي قدس‬
‫القداس الذي ل يجوز تدنيسه تحت أيه مزاعم ومن هنا جاء‬
‫اتفاقي مع الليبرالية حيث أن مفهومي عن الليبرالية إنها ل‬
‫تفرض نسق فكري مغلق جامد يستغرق النواحي النظرية‬
‫ويقضي علي قيمة الختيار الساسية في النسان بل أن‬
‫الليبرالية تسعي حثيثا لتشكيل الوعي وتطويره لدي الفرد دون‬
‫اللتزام بخطوط أيدلوجية ثابتة‪ ،‬ولقد قرأت لكينز بعد ذلك ما‬
‫يدعم تصوري حيث قال " أنا ليبرالي بمعني أنني متفتح لكل‬
‫فكر جديد ولست أسير لبرامج فكرية محددة سلفا "‬
‫•إيماني بالتعددية التي تقرها وتحافظ عليها الليبرالية فلقد كنت‬
‫أتساءل دوما عن السباب التي من اجلها خلقنا ال مختلفون ؟‬
‫ولقد استغرقنى كثيرا هذا التساؤل واستدرجني إلي مناطق‬
‫فلسفية عميقة إل أنني تيقنت من أن الختلف الفكري‬
‫والعقائدي والنوعي وكل أنواع الختلف ما هي إل ثراءً‬
‫إنسانيا ضخما يجب المحافظة عليه وتدعيمه وكنت أتخيل‬
‫دائما مثال البستان الذي يحتوي عدد كبير من الزهار ذات‬
‫اللوان والروائح المختلفة والذي يكون أفضل كثيرا من‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪145‬‬

‫البستان الذي يحتوي نوع واحد ولون واحد من الزهار " أن‬
‫التعددية هي الحصن الول لليبرالية في تقديري ولهذا أيضا‬
‫أنا ليبرالي "‬
‫•ل أنكر أن انبهاري بتاريخ حزب الوفد شكل حجر الزاوية في‬
‫بلورة شخصيتي الليبرالية وازددت قناعة بان أحوال مصر‬
‫كانت أفضل في ظل الشعبية الكاسحة لحزب الوفد وذلك قبيل‬
‫اعتلء الضباط الحرار لسدة الحكم ومع استيلء البكباشي‬
‫جمال عبد الناصر ومجموعة الشاوس الخرين علي السلطة‪،‬‬
‫انهارت التجربة الليبرالية في مصر إلي غير رجعه ( حتى‬
‫الن حتى القل ) وازددت مقتا تجاه النظام الذي افرزه ناصر‬
‫ومازالت فلوله تحكم حتى كتابة هذه السطور ‪.‬‬
‫•وبالضافة إلي ما سبق كانت لدي مجموعة من النزعات‬
‫التمردية للخروج من دوائر المحرمات التي يفرضها عليك‬
‫المجتمع‪ ،‬أو بالحرى تابوهات‪ ،‬تابوهات سياسية وأخلقية‬
‫ودينية وتبقي في النهاية مبنية علي مجموعه من الفكار‬
‫النمطية السائدة في المجتمع وحقيقة لم أجد إل الليبرالية‬
‫والفكار التحررية كدرع واقي استخدمه لمحاولة اختراق مثل‬
‫هذه الدوائر ومحاولة تفنيد مزاعمها بحجج منطقية وأسانيد‬
‫عقلية ولن الليبرالية ضد النمطية وضد الضغط علي‬
‫الحريات الفردية تحت مزاعم التابوهات فلقد قررت أن أكون‬
‫ليبراليا ما حييت – عفوا لكن الحكام المطلقة ل تعرفها‬
‫الليبرالية – ولذلك فان ليبراليتي تحتم علي أن أقول بأنني‬
‫سوف أكون ليبراليا حتى يتضح لي أن هناك أفكارا أخري‬
‫أحق بالعتناق ‪.‬‬
‫ولهذا انا ليبرالي‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪146‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪147‬‬

‫اخترت الليبرالية‪ ..‬لنني امرأة‬

‫هند حسن‬

‫مواليد ‪ .1979‬دبلوم الصناعات المتقدمة عام‬


‫‪ 1998‬والن أدرس إعلم بجامعة القاهرة ‪.‬‬
‫أعمل بالصحافة من خلل جريدة سواسية المستقلة‬
‫التي تصدر في محافظة السويس بالضافة لكتابة‬
‫السيناريو ‪.‬‬
‫أتمنى في المستقبل أن يدرك الشعب المصري قيمة‬
‫الحرية وأن يعي تماما أن تقدمه مرتبط بحريته‬
‫السياسية والفكرية والدينية والقتصادية‪ ،‬ول أظن‬
‫أن ذلك سيحدث دون وجود مؤسسات إعلمية‬
‫وأحزاب ليبرالية قوية تدعم الفكار الليبرالية‬
‫وتنشرها وتروج لها بين مختلف فئات الشعب‬
‫لذلك أحلم بأن توجد مثل هذه الحزاب والمؤسسات‬
‫وأن تعمل بجد واجتهاد كبير دون يأس أو كلل حيث‬
‫أن مهمة تغيير الفكار الخاطئة التي ترسخت في‬
‫العقول هي من أصعب المهام وأشقها ‪..‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪148‬‬

‫منذ أن كنت صغيرة وأنا أعلم أن النسان بعد الموت لن يذهب إل‬
‫لحدى المكانيين‪ ،‬الجنة أو النار‪ ،‬وأن عمله وحده هو الذي سيحدد إلى‬
‫أي المكانيين سيذهب‬
‫أي أن النسان حر وقادر على الختيار وله مطلق الحرية في أن‬
‫يفعل ما يشاء دون إكراه وكيفما يحلو له‪ ،‬وإل كيف سيحاسبنا ال على‬
‫أعمال أُجبرنا عليها أو فعلناها قهرا ‪.‬‬
‫وفيما بعد أخذ مفهوم حرية النسان يتبلور لدي وتتحدد ملمحه‬
‫شيئا فشيئا‪ ،‬فقد اكتشفت وجود الخر‪ ،‬هذا الذي يخالفني في كل شيء‬
‫في معتقدي وديني‪ ،‬اتجاهي السياسي‪ ،‬عاداتي وفكرى وأرائي‪ ،‬بل هو‬
‫على النقيض منى تماما وأنه حر وأنني مطالبة باحترام اختياراته‬
‫الدينية والفكرية والسياسية‪ ،‬تماما مثلما أطالبه باحترام اختياراتي‬
‫الدينية والفكرية والسياسية وإن مساحة الختلف بيننا مهما اتسعت فل‬
‫يجب أن تفسد علقة الود والصداقة والحترام بيني وبين هذا الخر‪.‬‬
‫لكن قبول الخر وسعة الفق في التفكير هذه غير موجودة عند‬
‫جميع الناس بل للسف ل يتمتع بها غير القليلين‪ ،‬أما الغالبية العظمى‬
‫منهم فيحكمهم التطرف والتعصب الشديدين‪.‬‬
‫بداية من التعصب الديني والفكري ونهاية بالتعصب للعادات‬
‫والتقاليد البدائية‪ ،‬ول يقف هذا التعصب عند حد نفى وتحقير الخر بل‬
‫وصل إلى حد تكفيره وقتله‪.‬‬
‫وكأن النسان في نظر هؤلء عبدا للمعتقد الديني أو الفكرة أو‬
‫العادة حتى وإن كانت خرقاء بالية وأن كل موروثاتهم الثقافية والدينية‬
‫من الثوابت التي يجب أن يسلم بها النسان دون أن يتجرأ عقل على‬
‫مناقشتها أو رفضها أو إعادة النظر فيها‪ .‬وإذا ما أستمر التعصب‬
‫الديني والفكري في بسط سلطانه وفرض سيطرته على المجتمع فسوف‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪149‬‬

‫نتحول جميعا إلى قطعان ماشية تُساق بالعصا وسواء كانت عصا الدين‬
‫أو عصا الستبداد السياسي فالنتيجة واحدة‪ .‬انتهاك حرية النسان وقتل‬
‫إرادته الحرة وقدرته على الختيار والحجر على تفكيره‪.‬‬
‫لذلك فقد اخترت الليبرالية حيث يظل النسان حرا قادرا على‬
‫الختيار‪ ،‬ل أحد يُملى عليه أفكاره أو يفتش في ضميره‪ ،‬اخترت‬
‫الليبرالية حيث ل يستطيع أحد أن ينتزع ديني من قلبي ليحاكمه‬
‫ويكفرني ثم يسفك دمى‪.‬‬
‫اخترت الليبرالية لنني أؤمن أن حرية التفكير والقدرة على التخيل‬
‫هي فقط التي تضمن لنا البداع‪ ،‬فل يمكن أن نبدع ونتطور على الوراق‬
‫أو في المعامل ونحن نضع أمام عقولنا حائط سد أسمه الحرام أو العيب‬
‫أو حائط تحدى قدرة ال الذي بدأ يبنيه المعممون في معامل البحاث‪،‬‬
‫برغم أنه ل يوجد وجه للمقارنة بين مقدرة ال ومشيئته ومحاولت‬
‫النسان البسيطة لفهم الكون من حوله وتطوير حياته ‪.‬‬

‫اخترت الليبرالية لنني امرأة ‪:‬‬


‫امرأة قُدر لها أن تعيش ضمن المجتمعات العربية حيث ل‬
‫يدركون عن المرأة سوى أنها هذا المخلوق الذي وُلد من رحم‬
‫الشيطان‪ ،‬فهي باب الخطيئة هي الثارة والفتنة هي الهَم والبلء الذي‬
‫يُبلى به الب ويصبر عليه حتى يُبلى به رجل أخر يُدعى الزوج‪ ،‬لذلك‬
‫يجب أن تُخبأ هذه المرأة وأن تختفي تحت رداء أسود وأن يوضع على‬
‫فمها شريط وعلى عينيها غطاء وأن تدفن في المنزل حتى يأمن‬
‫المجتمع شرها‪.‬‬
‫وكأن المرأة ليست بإنسان خلقه ال حر وله إرادة وله الحق في‬
‫تقرير مصيره واختيار قراراته ‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪150‬‬

‫اخترت الليبرالية لنني امرأة تعيش في مجتمع كل من فيه وصى‬


‫عليها من أب لخ لزوج لبن‪ ،‬كل رجل في هذا المجتمع هو وهو فقط‬
‫الذي يحدد كم الحرية الذي سيهبه للمرأة وفق تصوره‪ .‬مجتمع كل من هَب‬
‫ودَب فيه يفتى في شأن المرأة ويبت فيه إل هي عليها فقط السمع والطاعة‪.‬‬
‫مجتمع الرجل فيه يتمتع بحرية الخطأ أما المرأة فل تستطيع حتى‬
‫الختيار بين صوابين‪.‬‬

‫اخترت الليبرالية لنني إنسان جنسه امرأة‪.‬‬


‫اخترت الليبرالية لنني أؤمن بالدولة المدنية حيث تُحفظ قدسية‬
‫الدين في المساجد والكنائس والمعابد بينما تُحفظ الحقوق المدنية‬
‫والمواطنة بواسطة القوانين التي تضعها الدولة‪ ،‬قوانين ثابتة‪ ،‬واضحة‬
‫ل لبس فيها ول مجال لجتهادات المعممين وأصحاب اللُحى أو‬
‫تفسيراتهم الشخصية‪ ،‬قوانين تساوى بين كافة المواطنين دون تفرقة‬
‫وتحفظ حقوقهم جميعا‪.‬‬
‫اخترت الليبرالية لنني أخشى أن أنام ليلة وأستيقظ فأجد هؤلء‬
‫قصار الثياب طوال اللُحى المسمون جماعة النهى عن المنكر والمر‬
‫بالمعروف قد عبروا البحر واحتلوا بلدنا ليسوقونا بالسياط‪...‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪151‬‬

‫حتى تحب مريم وطنها‬

‫شهاب عبد المجيد وجيه‬

‫مواليد فبراير ‪ .1984‬بكالوريوس هندسه جامعة‬


‫حلوان مايو ‪ 2008‬مهندس الكتروميكانيك في‬
‫مجموعة دجله للستثمار العقاري‪ .‬عضو مؤسس‬
‫بحزب الجبهة ورئيس جبهة الشباب الحر ‪ -‬الجناح‬
‫الشبابي بالحزب ‪ -‬وعضو بالمكتب التنفيذي‬
‫للحزب وناشط ليبرالي‬
‫اشكر كل من علمني أن أتقبل الخر وأتفهمه وأحلم‬
‫بعالم يتقبل فيه الجميع بعضهم ويعلمون أن خلفهم‬
‫ومنافستهم تثريهم وتبنى لهم مستقبل أفضل ‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪152‬‬

‫لم أكن اعرفها ولكن انهار البراءة والعذوبة التي غمرت ملمحها لم‬
‫تكن من النوع الذي تخطئه العين‪ ,‬كنت في احد الحلقات النقاشة – الزلية‬
‫الجدلية – حول اتفاقية كامب ديفيد والسلم وحتى أكون صادق فأنى لم‬
‫انتبه – كما لم ينتبه كثيرون – لموضوع المناقشة حتى جاء دورها في‬
‫الحديث‪ ,‬كانت لهجتها الفلسطينية واضحة متماشية مع ملمح وجهها‬
‫العربية‪ ,‬اسمي مريم‪ ,‬فلسطينية مسيحية من سكان غزة ‪ ,‬هكذا بدأت‬
‫كلمها ولم تنضم – كما انضم اغلب الحضور – في مسابقة أقوى شعار‬
‫حنجورى ولكنها حكت حكايتها بمنتهى الصدق والحب فهي كما كل سكان‬
‫غزة عانت من جراء الحتلل السرائيلي وتم اضطهادها ل لشيء سوى‬
‫كونها عربية مسيحية تحيى في ظل احتلل يسلب حريتها وأرضها‬
‫وعندما برق أمل جديد بفضل نضالها ونضال أشقائها وأتى نظام حكم‬
‫ذاتي تنظمه عملية ديمقراطية أتت حكومة تمثل ديكتاتورية الغلبية‬
‫لترغمها أن ترتدي الحجاب – مع كل احترامها له – لترغمها أن ل‬
‫تستمع إلى تلك الترانيم التي تعشقها بصوت عال وإل هاجمتها شرطة‬
‫الغلبية وكم من انتهاك للحرية يرتكب باسم الديمقراطية ‪ ,‬فكانت مريم‬
‫ضحية ديمقراطيه غير ليبراليه‪.‬‬
‫عزيزي القارئ قبل أن تبدأ بتوجيه السباب واللعنات على مريم‬
‫وعلى كاتب هذه السطور وتبدأ في الحديث عن أن حرية الرض تجئ‬
‫قبل حرية الفراد وأن كل شيء يهون في سبيل الوطن وأن حرية مريم‬
‫في معتقداتها ل تساوى شيء بجانب إيجاد وطن متماسك ‪ ,‬استسمحك قبل‬
‫كل هذا أن تتخيل معي مستقبل مريم في ظل الوضاع الحالية‪.‬‬
‫هل تظن أن مريم – القلية – ستحب وطن ل يحبها؟ هل تظن‬
‫أنها ستنتمي لوطن يرفضها ول يعترف بحقوقها؟ هل تظن أنها‬
‫ستصمد قوية أمام رنين ذهب الحتلل ووعوده لها بالحرية؟ وهل‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪153‬‬

‫سيصمد وطن مخوخ أقليته تبحث عن حريتها في الخارج عندما‬


‫اضطهدها أخوتها في الداخل؟‬
‫تعالى معي ننقل المثال لمصر‪ ...‬مصر وطن أغلبيته الحقيقية هي‬
‫مجموعة كبيرة من القليات العرقية والمذهبية والفكرية‪ ,‬تخيل معي إذا‬
‫سيطرت أغلبية الطيف الواحد على هذا الوطن وفرضت طيفها على‬
‫كل من فيه وفضلت عرقها على سائر عروقه هل سيبقى انتماء؟ هل‬
‫سيبقى سلم؟ هل سيبقى وطن؟‬
‫من اجل هذا‪ ,‬أنا ليبرالي‪ ....‬أنا ليبرالي لنى أؤمن أن الدولة لم‬
‫تنشئ لتفرض رأيها على قاطنيها ولكنها أنشئت لتحترم حقوقهم‬
‫وحريتهم‪,‬‬
‫أنا ليبرالي لنى ل أؤمن بتلك الدولة التي تطعمك وتعلمك وتشغلك‬
‫على هواها وفي إطار إمكانيتها التي ستكون دوما محدودة بسبب نقص‬
‫الحماس للعمل وحبه وكيف تتوقع أن يتحمس شخص للعمل وهو يرى أن‬
‫الكل يثاب بالمثل ‪ ,‬من ل يعمل يثاب مثل من يعمل‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لني أؤمن بحكم الغلبية التي يجب أن تحترم حقوق‬
‫القلية‪ ,‬أنا ليبرالي لني أؤمن بالمنافسة وأنها الوسيلة الوحيدة لحياة أفضل‬
‫طالما أن المنافسة في إطار إشراف القانون ‪ ,‬فالمنافسة السياسية تأتى‬
‫بالفضل للسلطة والمنافسة القتصادية تأتى بالرخص والجود للمواطن‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لنى ارفض احتكار السلطة واحتكار القتصاد‬
‫واحتكار الحقيقة‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لني أؤمن بدولة القانون ل دولة الفرد الواحد أو دولة‬
‫الفكرة الواحدة‪ ,‬أنا ليبرالي لني أؤمن أن العالم يتطور ول يقف عند‬
‫ايدولوجيا جامدة مهما كان اسمها والليبرالية بطبيعتها هي نقيض‬
‫لليدولوجيا الجامدة‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪154‬‬

‫أنا ليبرالي لنى أؤمن بتكامل العالم وتعاونه من خلل التجارة‬


‫الحرة والتواصل الثقافي ‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لنى أؤمن أن سيادة القانون وحدها تكفل للمواطن‬
‫العيش الكريم وعدالة الفرص وحدها تحقق أفضل النتائج‪.‬‬
‫أنا ليبرالي لنى أود أن تحب مريم وطنها وأن تبنيه يد بيد مع‬
‫أخوتها من مختلف الديان والفكار ‪.‬‬
‫أنا ليه ليبرالى ؟‬
‫‪155‬‬

Das könnte Ihnen auch gefallen