Beruflich Dokumente
Kultur Dokumente
حمَنِ الرّحِيمِ
سمِ الِّ الرّ ْ
بِ ْ
إن الحمد ل ،نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهدّه ال فل مضلّ له ،ومن يضلل فل
هادي له .وأشهد أنّ ل إله إل ال ،وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.
المقدمة :
لقد كثر الحديث عن العولمة في السنوات العشر الخيرة من القرن العشرين بعد سقوط التحاد السوفيتي ،فتناولتها بالحديث الوساط
الجامعية والعلمية والتيارات الفكرية والسياسية المختلفة ،وأصبحت حديث الجتماعيين والفلسفة الوربيين وعلماء البيئة والطبيعة
وكثرت أعداد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات التي تحمل عناوينها "العولمة " أو النظام العالمي الجديد أو المتغيرات الدولية
الجديدة أو الكونية.
وأوّل من تبنى فكرة مفهوم العولمة بعد عالم السسيولوجيا الكندي "مارشال ماك" من جامعة تورنتو" -زبيغنيو بريجينسكي" مستشار
ن تقدّم أمريكا -التي تمتلك %65من المادة العلمية على
الرئيس المريكي كارتر (1980 -1977م) الذي أكدّ على ضرورة أ ّ
مستوى العالم -نموذجا كونيا للحداثة ،يحمل القيم المريكية التي يذيعونها دوما في الحرية وحقوق النسان) 1 ( .
ولقد صدرت كثير من المؤلفات باللغات الوربية والعربية التي تتناول هذه الظاهرة ،لدرجة أن المرء يكاد يحار في كيفية دراسة هذه
الظاهرة واللمام بموضوعها ،خاصة أن كل كاتب أو متحدث يتناولها بالدراسة والتحليل من جانب معين مثل الجانب القتصادي أو
الثقافي أو السياسي أو العلمي.
ومعظم الفكار والطروحات الغربية التي تتناول دراسة ظاهرة العولمة تقوم على ما طرحه الكاتب المريكي الياباني الصل "فرانسيس
فوكاياما" في كتابه (نهاية التاريخ والنسان الخير) ) 2( ،والتي يزعم فيه أننا وصلنا إلى نقطة حاسمة في التاريخ البشري تتحدد
بانتصار النظام الرأسمالي الليبرالي والديمقراطية الغربية على سائر النظم المنافسة لهما وأنّ العالم قد أدرك بعد فترة حماقة طويلة أن
الرأسمالية هي أفضل أنواع النظم القتصادية ،وأن الليبرالية الغربية هي أسلوب الحياة الوحيد الصالح للبشرية ،وأن الوليات المتحدة
المريكية وامتدادها القتصادي القيمي (النظام الرأسمالي المادي) أوربا يمثلن الدورة النهائية للتاريخ وأنّ النسان الغربي هو
النسان الكامل الخير) 3 ( .
ومن هنا وجدت الفلسفة العلمية الغربية في أفكار وأطروحات (فوكوياما) مادة تسوّغ بها سياسات الغرب الرعناء تجاه العالم
المعاصر ( . ) 4
والعولمة ترتبط في أذهان الكثير من الناس بالتقدم والرقي والنفتاح القتصادي ،ومع أن مفهوم العولمة ل يقتصر على الجانب
القتصادي بل يشمل الجوانب الجتماعية والبيئية ،والثقافية،والسياسية،إلّ أنّ الجانب القتصادي هو أبرز مظاهر العولمة .
ن الكلمة جديدة ولكنّ ما تصفه ليس بجديد ،بل يرى بعضهم أنّ السير نحوها بدأ منذ
المهتمون بقضية العولمة متفقون تقريباً على أ ّ
مئات السنين.
ولقد أصبح مصطلح العولمة متداولً منذ بداية التسعينات،وأصبح علماً على الفترة الجديدة التي بدأت بتدمير جدار برلين عام 1989م
وسقوط التحاد السوفييتي وتفككه ،وانتهت بتغلّب النظام الرأسمالي الغربي على النظام الشيوعي ،وانفراد الوليات المتحدة المريكية
بقيادة العالم المعاصر.
العولمة ثلثي مزيد ،يقال :عولمة على وزن قولبة،وكلمة "العولمة " نسبة إلى العَالم -بفتح العين -أي الكون ،وليس إلى العِلم -بكسر
العين -والعالم جمع ل مفرد له كالجيش والنفر ،وهو مشتق من العلمة على ما قيل ،وقيل :مشتق من العِلم ،وذلك على تفصيل مذكور
في كتب اللغة .فالعولمة كالرباعي في الشكل فهو يشبه (دحرجة) المصدر ،لكن (دحرجة) رباعي منقول ،أمّا (عولمة ) فرباعي مخترع
إن صح التعبير وهذه الكلمة بهذه الصيغة الصرفية لم ترد في كلم العرب،والحاجة المعاصرة قد تفرض استعمالها ،وهي تدل على
تحويل الشيء إلى وضعية أخرى ومعناها :وضع الشيء على مستوى العالم وأصبحت الكلمة دارجة على ألسنة الكتاب والمفكرين في
أنحاء الوطن العربي ) 5 ( .ويرى الدكتور أحمد صدقي الدجاني أن العولمة مشتقة من الفعل عولم على صيغة فوعل واستخدام هذا
ن العولمة تحتاج لمن يعممها على العالم) 6 ( .
الشتقاق يفيد أن الفعل يحتاج لوجود فاعل يفعل ،أي أ ّ
وننّبه إلى أن ّمجمع اللغة العربية بالقاهرة قرّر إجازة استعمال العولمة بمعنى جعل الشيء عالمياً ) 7 ( .والعولمة ترجمة لكلمة
Mondialisationالفرنسية ،بمعنى جعل الشيء على مستوى عالمي ،والكلمة الفرنسية المذكورة إنّما هي ترجمة“ “ Globalisation
النجليزية التي ظهرت أولً في الوليات المتحدة المريكية ،بمعنى تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل .فهي إذا مصطلح يعني
جعل العالم عالمًا واحدًا ،موجهًا توجيهًا واحدًا في إطار حضارة واحدة ،ولذلك قد تسمى الكونية أو الكوكبة ) 8 ( .ومن خلل المعنى
ن العولمة إذا صدرت من بلد أو جماعة فإنها تعني :تعميم نمط من النماط التي تخص ذلك البلد أو تلك اللغوي يمكننا أن نقول بأ ّ
ن العولمة “ “ Globalisation
الجماعة ،وجعله يشمل الجميع أي العالم كله ( . )9جاء في المعجم العالم الجديد ويبستر” “ WEBSTERأ ّ
هي :إكسابُ الشيء طابعَ العالمية،وبخاصة جعل نطاق الشيء ،أو تطبيقه،عالمياً) 10 ( .
العولمة إذاً من حيث اللغة كلمة غريبة على اللغة العربية ويقصد منها عند الستعمال -اليوم -تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل
العالم كله.
ومن الجدير بالذكر أن تعبير " العولمة " في التداول السياسي قد طرح من قبل كتاب أمريكان في السبعينات وبالتحديد من كتاب "ماك
لولهان وكينتين فيور":حول "الحرب والسلم في القرية الكونية" ،وكتاب "بريجسكي " :بين عصرين -دور أمريكا في العصر
اللكتروني" ( ) 11
اصطلحاً :إن كلمة العولمة جديدة ،وهي مصطلح حديث لم يدخل بعد في القواميس السياسية والقتصادية .وفي الواقع يعبر مصطلح
العولمة عن تطورين هامين هما :
-1التحديث ( . ) Modernity
ويرتكز مفهوم العولمة على التقدم الهائل في التكنولوجيا والمعلوماتية ،بالضافة إلى الروابط المتزايدة على كافة الصعدة على
الساحة الدولية المعاصرة .
لقد ظهرت العولمة أولً كمصطلح في مجال التجارة والمال والقتصاد ،ثم أخذ يجري الحديث عنها بوصفها نظام ًا أو نسقاُ أو حالة ذات
أبعاد متعددة ،تتجاوز دائرة القتصـاد ،فتشـمل إلى جانب ذلك المبادلت والتصال والسياسة والفكر والتربية والجتماع واليديولوجيا .
( )12
وقد أطلق على العولمة بعض الكتاب والمفكرين "النظام العالمي الجديد" -New World Order -وهذا المصطلح استخدمه الرئيس المريكي
جورج بوش-الب -في خطاب وجهه للمة المريكية بمناسبة إرساله القوات المريكية إلى الخليج (بعد أسبوع واحد من نشوب الزمة
في أغسطس 1990م ) وفي معرض حديثه عن هذا القرار ,تحدّث عن فكرة :عصر جديد ،وحقبة للحرية ،وزمن للسلم لكل
الشعوب .وبعد ذلك بأقل من شهر أشار إلى إقامة (نظام عالمي جديد) يكون متحررًا من الرهاب ,واكثر أمنا في طلب السلم ,عصر
تستطيع فيه كل أمم العالم أن تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم )13 ( .
وربّما يوحي هذا الطلق -النظام العالمي الجديد -بأن اللفظة ذات مضامين سياسية بحتة ،ولكن في الحقيقة تشمل مضامين سياسية
واقتصادية وثقافية واجتماعية وتربوية )14 ( ،بمعنى آخر تشمل مضامين تتعلق بكل جوانب الحياة النسانية.
ولقد فرضت العولمة نفسها على الحياة المعاصرة ،على العديد من المستويات ،سياسي ًا واقتصادياً ،فكرياً وعلمياً ،ثقافياً وإعلمياً،
تربوياً وتعليمياً )15 ( .يقول الرئيس المريكي السابق كلينتون" :ليست العولمة مجرد قضية اقتصادية بل يجب النظر إلى أهمية مسائل
البيئة والتربية والصحة") 16 ( .
والنظام العالمي الجديد هو في حقيقة أمره وطبيعة أهدافه ،نظامٌ صاغته قُوى الهيمنة والسيطرة لحداث نمط سياسي واقتصادي
واجتماعي وثقافي وإعلمي واحد وفرضه على المجتمعات النسانية كافة ،وإلزام الحكومات بالتقيّد به وتطبيقه ) 17 ( .
ولقد كثرت التعاريف التي توضح معنى العولمة ،نذكر هنا بعضاً منها ،ثم اذكر التعريف الذي أرى أنّه يعبر عن المعنى الحقيقي لظاهرة
العولمة.
* يقول جيمس روزانو أحد علماء السياسة المريكيين عن العولـمة" :إنّها العلقة بين مستويات متعددة لتحليل القتصاد والسياسة
والثقافة واليديولوجيا ،وتشمل :إعادة النتاج ،وتداخل الصناعات عبر الحدود وانتشار أسواق التمويل ،وتماثل السلع المستهلكة
لمختلف الدول نتيجة الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة ")18 ( .
* الكاتب المريكي الشهير ـ وليم جريدرـ في كتابه الصادر عام 1977م بعنوان( عالم واحد..مستعدون أم ل) ,وصف العولمة "بأنها
آلة عجيبة نتجت عن الثورة الصناعية والتجارية العالمية ,وأنّها قادرة علي الحصاد وعلي التدمير ,وأنّها تنطلق متجاهلة الحدود
الدولية المعروفة ,وبقدر ما هي منعشة ،فهي مخيفة .فل يوجد من يمسك بدفة قيادتها ،ومن ثمّ ل يمكن التحكم في سرعتها ول في
اتجاهاتها ".
* " نظام عالمي جديد يقوم على العقل اللكتروني ،والثورة المعلوماتية القائمة على المعلومات والبداع التقني غير المحدود ،دون
اعتبار للنظمة والحضارات والثقافات والقيم ،والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العالم" ( . )19
* "إنها حرية حركة السلع والخدمات واليدي العاملة ورأس المال والمعلومات عبر الحدود الوطنية والقليمية" ( . ) 20
*ويعرفها الدكتور مصطفى محمود فيقول " :العولـمة مصطلح بدأ لينتهي بتفريغ الوطن من وطنيته وقوميته وانتمائه الديني
ل خادم للقوى الكبرى")21 ( .والجتماعي والسياسي ،بحيث ل يبقى منه إ ّ
* العولمة هي " :العملية التي يتم بمقتضاها إلغاء الحواجز بين الدول والشعوب ،والتي تنتقل فيها المجتمعات من حالة الفرقة
والتجزئة إلى حالة القتراب والتوحد ،ومن حالة الصراع إلى حالة التوافق ،ومن حالة التباين والتمايز إلى حالة التجانس والتماثل،
وهنا يتشكل وعي عالمي وقيم موحدة تقوم على مواثيق إنسانية عامة" ( . ) 22
والمواثيق النسانية الواردة في هذا التعريف هي المواثيق التي يصنعها الغرب الكافر وأساسها نظرة علمانية مادية للوجود لتحقيق
مصالحه الخاصة ،ثم تصدر للعالم على أنها مواثيق إنسانية لصالح البشرية ،ول بأس أن تصدر بها القرارات الدولية من هيئة المم
المتحدة باعتبارها مؤسسة حامية للحقوق النسانية.
* "هي تعاظم شيوع نمط الحياة الستهلكي الغربي ،وتعاظم آليات فرضه سياسياً واقتصادياً وإعلمياً وعسكرياً ،بعد التداعيات
العالمية التي نجمت عن انهيار التحاد السوفيتي وسقوط المعسكر الشرقي" أو هي "محاولة لفرض الفلسفة البراجماتية النفعية
المادية العلمانية ،وما يتصل بها من قيم وقوانين ومبادئ وتصورات على سكان العالم أجمع")23 (.
هي" العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه هو الوليات المتحدة المريكية بالذات على بلدان العالم أجمع" وهي أيضاً
أيديولوجياً تعبر بصورة مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم وأمركته" ) 24 ( .أي محاولة الوليات المتحدة إعادة تشكيل العالم وفق
مصالحها القتصادية والسياسية ،ويتركز أساسا على عمليتي تحليل وتركيب للكيانات السياسية العالمية ،وإعادة صياغتها سياسيا
واقتصاديا وثقافيا وبشريا ،وبالطريقة التي تستجيب للمصالح الستراتيجية للوليات المتحدة المريكية.
* العولمة :منظومةً من المبادئ السياسية والقتصادية ،ومن المفاهيم الجتماعية والثقافية ،ومن النظمة العلمية والمعلوماتية،
ومن أنماط السلوك ومناهج الحياة ،يُراد بها إكراه العالم كلّه على الندماج فيها ،وتبنّيها ،والعمل بها ،والعيش في إطارها) 25 ( .
وبعد دراسة متأنية لظاهرة العولمة وأهدافها ووسائلها وتأثيراتها في واقع المجتمعات والشعوب يمكن أن تعرف العولمة بما يلي-:
" العولمة هي الحالة التي تتم فيها عملية تغيير النماط والنظم القتصادية والثقافية والجتماعية ومجموعة القيم والعادات السائدة
وإزالة الفوارق الدينية والقومية والوطنية في إطار تدويل النظام الرأسمالي الحديث وفق الرؤية المريكية المهيمنة ،والتي تزعم أنها
سيدة الكون وحامية النظام العالمي الجديد ".
والشيء الذي لبد من الوقوف عنده كثيراً هو أنّ العولمة كظاهرة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ترتبط أساسا بالمفهوم
القتصادي الرأسمالي -وفق الرؤية المريكية -في مراحله المتطورة،إن لم يكن في أعلى حالت تطوره ،أو لنقل سيطرته على القتصاد
العالمي وبالتالي السيطرة على كافة أشكال ومظاهر التطور النساني.
نشأتها - :
الول :يرى هؤلء الباحثون أن ظاهرة العولمة قديمة ،عمرها خمسة قرون ،أي ترجع إلى القرن الخامس عشر -زمن النهضة
الوربية الحديثة .-حيث التقدم العلمي في مجال التصال والتجارة ،ويدل على ذلك :أن العناصر الساسية في فكرة العولمة وهي:
ازدياد العلقات المتبادلة بين المم ،سواء المتمثلة في تبادل السلع والخدمات ،أو في انتقال رؤوس الموال ،أو في انتشار المعلومات
والفكار،أو في تأثر أمة بقيم وعادات غيرها من المم يعرفها العالم من ذلك التاريخ .
ولكن يقال :ثمّة أمور مهمة جديدة طرأت على ظاهرة العولمة في السنوات الثلثين الخيرة منها :
-اكتساح تيار العولمة مناطق مهمة في العالم كانت معزولة ،ومن هذه المناطق الدول الوربية الشرقية والصين.
-الزيادة الكبيرة في تنوع السلع والخدمات التي يجري تبادلها بين المم والشعوب ،وتنوع مجالت الستثمار التي تتجه إليها رؤوس
الموال.
-ارتفاع نسبة السكان -في دخل كل دولة -التي تتفاعل مع العالم الخارجي.
-النشاط المتزايد والفعال للشركات المتعددة الجنسيات في مجال تبادل السلع وانتقال رأس المال والمعلومات والفكار ،واتخاذها العالم
كله مسرحاً لعملياتها في النتاج والتسويق،وما تبع ذلك من هدم الحواجز الجمركية وإلغاء نظام التخطيط وإعادة توزيع الدخل ،والنظر
في دعم السـلع والخدمات الضرورية للسكان ،وتخفيض النفاق على الجيوش والجانب العسكري) 26 ( .
ن العولمة ظاهرة جديدة ،فما هي إل امتداد للنظام الرأسمالي الغربي بل هي المرحلة الخيرة من تطور النظام الثاني :يرى فريق آخر أ ً
الرأسمالي العلماني المادي النفعي ،وقد برزت في المنتصف الثاني من القرن العشرين نتيجة أحداث سياسية واقتصادية معينة منها:
انتهاء الحرب الباردة بين التحاد السوفيتي والوليات المتحدة المريكية عام 1961م ثم سقوط التحاد السوفيتي سياسياً واقتصادياً
عام 1991م ،وما أعقبه من انفراد الوليات المتحدة المريكية بالتربع على عرش الصدارة في العالم المعاصر وانفرادها بقيادته
السياسية والقتصادية والعسكرية ومنها :بروز القوة القتصادية الفاعلة من قبل المجموعات المالية والصناعية الحرة عبرة شركات
ومؤسسات اقتصادية متعددة الجنسيات مدعومة بصورة قوية وملحوظة من دولها) 27 ( .
يرى توماس فيردمان الصحافي اليهودي المريكي الذي يكتب في ( نيويورك تايمز ) " :إن العولمة الحالية هي مجرد جولة جديدة بعد
الجولة الولى التي بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بحكم التوسع الهائل في الرحلت البحرية باستخدام طاقة البخار
والتي أدت إلى اتساع حجم التجارة الدولية بشكل لم يسبق له مثيل" ( . ) 28ويرجع صاحبا كتاب فخ العولـمة البداية الحقيقية للعولمة
إلى عام 1995م ،حيث وجّه الرئيس السوفيتي السابق غوربا تشوف الدعوة إلى خمسمائة من قادة العالم في مجال السياسة والمال
والقتصاد في فندق فيرمونت المشهور في سان فرانسيسكو لكي يبنوا معالم الطريق إلى القرن الحادي والعشرين .وقد اشترك في هذا
المؤتمر المغلق أقطاب العولـمة في عالم الحاسوب والمال وكذلك كهنة القتصاد الكبار ،وأساتذة القتصاد في جامعات ستانفورد،
وهارفرد وأكسفورد .واشترك فيها من السياسيين ،الرئيس الميركي جورج بوش الب ،ووزير خارجيته شولتز ،ورئيسة الوزراء
البريطانية مارجريت تاتشر ،ورئيس وزراء مقاطعة سكسونيا وغيرهم) 29 ( .
ن معظم الكتاب يجمعون على أن هناك أربعة عناصر أساسية يعتقدون أنها أدت إلى بروز تيار العولمة ،وهي-:
"إ ّ
)1تحرير التجارة الدولية:ويقصدون به تكامل القتصاديات المتقدمة والنامية في سوق عالمية واحدة ،مفتوحة لكافة القوى
القتصادية في العالم وخاضعة لمبدأ التنافس الحر .
)2تدفق الستثمارات الجنبية المباشرة :حدثت تطورات هامة خلل السنوات الخيرة تمثلت في ظهور أدوات ومنتجات مالية مستحدثة
ومتعددة ،إضافة إلى أنظمة الحاسب اللي ووسائل التصال والتي كفلت سرعة انتشار هذه المنتجات،وتحوّلت أنشطة البنوك التقليدية
إلى بنوك شاملة ،تعتمد إلى حد كبير على إيراداتها من العمولت المكتسبة من الصفقات الستثمارية من خارج موازنتها العمومية
ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين هما-:
)3الثورة المعرفية:وتتمثًل في التقدم العلمي والتكنولوجي،وهو ميزة بارزة للعصر الراهن،وهذا التقدم العلمي جعل العالم أكثر
اندماجاً ،كما سهّل حركة الموال والسلع والخدمات ،وإلى حد ما حركة الفراد ،ومن ثمّ برزت ظاهرة العولمة ،والجدير بالذكر أنّ
صناعة تقنية المعلومات تترّكز في عدد محدود ،ومن الدول المتقدمة أو الصناعية دون غيرها.
)4تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات :هذا العصر بأنّه عصر العولمة فمن الصح وصفه بأنه عصر الشركات متعددة الجنسيات
باعتبارها العامل الهم لهذه العولمة.ويرجع تأثير هذه الشركات كقوة كبرى مؤثرة وراء التحولت في النشاط القتصادي العالمي إلى
السباب التالية -:
أ -تحكّم هذه الشركات في نشاط اقتصادي في أكثر من قطر وإشاعتها ثقافة استهلكية موحدة.
أقول :وإن كانت هـذه العولمة تسـتهدف هيمنة دولة واحدة-وهي الوليات المتحدة المريكية-على دول العالم أجمع فإن هذه الصورة
من العولمة لم تكن لتظهر فجأة دون بدايات أو مقدمات مهدت لها بصورة فاعلة ومخطط لها من القوى الرأسمالية ذات النزعة
الستعمارية .ومن ذلك إنشاء منظمة المم المتحدة،وما تبعها من مؤسسات مالية دولية :البنك الدولي للنشاء والتعمير ،وصندوق
النقد الدولي،ثمّ اتفاقية "الجات" (التفاقية العامة على الرسوم الجمركية والتجارة) التي تعود في تاريخها إلى سنة 1947م حيث
اجتمعت ثلث وعشرون دولة صناعية في جنيف للنظر في تحرير التجارة وفتح البواب بين هذه الدول ،وبدأت سريان هذه التفاقية
منذ أول يناير 1948م ،وبلغ عدد الدول الموقعة عليها سنة 1993م مائة وسبع عشرة دولة.
ث ّم معاهدة "ماستريخت" التي ضمت خمسة عشر بلداً صناعياً وظهور المناطق التجارية الحرة ،والتحادات الجمركية ،ثم الحداث
السياسية التي تتمثل بانتهاء الحرب الباردة ،ثم قيام الرئيس السوفيتي السبق-ميخائيل غورباتشوف-وبدعم أمريكي ملحوظ-عام
1985م بالعلن عن إصلح النظام القتصادي الشيوعي الذي سمي وقتها "البيروستويكا" وقد كان هذا العلن بمثابة العلن عن
سقوط الشيوعية وانهيار التحاد السوفيتي سياسياً واقتصادياً،وما تله من سقوط حائط برلين عام 1989م،واتحاد اللمانيتين،ثم حرب
الخليج الثانية عام 1991وما أسفرت عنه من تثبيت القواعد المريكية العسكرية في منطقة الخليج العربي .كل هذه الحداث ساهمت
إلى حد بعيد في تربع الوليات المتحدة المريكية على عرش النفوذ العالمي ،وبالتالي برز مصطلح "النظام العالمي الجديد" و"الحادية
القطبية والعولمة".
وظهر أوّل نظام تجاري دولي ملزم للقطار المنضوية تحت لوائه في شهر نيسان سنة 1995م ،حيث أعلن عن إنشاء المنظمة
العالمية للتجارة ( )w.t.oبمدينة مراكش المغربية ،وهي امتداد لتفاقية الجات .وهذه المنظمة تمثل أحد أركان النظام القتصادي العالمي
الجديد،وتختص بأعمال إدارة ومراقبة وتصحيح أداء العلقات التجارية،وستكون عامل مساعد للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي
لتنفيذ وإقرار النظام القتصادي العالمي الجديد .وأخيرًا تم دعم صرح العولمة بالتوقيع -في شباط عام 1997م بمدينة جنيف
بسويسرا-على أول اتفاق دولي يتعلق بتحرير المبادلت الخدماتية المتطورة،وخاصة فيما عرف "بالتكنولوجيا المعلوماتية" أو ثورة
التصالت) 31 ( .
وممّا ساعد على سرعة انتشار ظاهرة العولمة انضمام كثير من دول شرق أوربا إلى الحلف الطلسي ،وانفتاح دول أخرى على الحلف
نفسه،وانضمام كثير من الدول العربية إلى المنظمة العالمية للتجارة- ) 32 ( ،وبقية الدول تتفاوض للنضمام -ثم المؤتمرات القتصادية
المتلحقة التي تنظر لهذه العولمة كأمر حتمي ل مفر منه ،وإظهار مزاياها القتصادية والتنموية ومن أشهرها "منتدى دافوس
القتصادي" ثم المشروعات القتصادية السرائيلية التي تستهدف عولمة الشرق الوسط لصالح المشروع الصهيوني الذي يتمثل في
دولة إسرائيل الكبرى ،التي تسعى لتحقيقه اقتصادياً وثقافياً عبر بوابات اتفاقيات السلم التي تعقدها منفردة مع الدول العربية،
والتفاقيات القتصادية الثنائية مع دول المنطقة وعبر بوابات التطبيع ،التي تهيأ لها بكل قوة الوليات المتحدة المريكية وحلفاؤها في
المنطقة العربية ،وقد أضفى ذلك كله بعداً استراتيجياً جديداً على دعم الدور المريكي -ومن ورائه القوى الصهيونية المتحكمة في
السياسة والقيادة المريكية -لقيادة النظام العالمي الجديد.
"ومؤخراً ،ساهمت ثلثة عوامل في الهتمام بمفهوم العولمة في الفكر والنظرية،وفي الخطاب السياسي الدولي-:
-1عولمة رأس المال أي تزايد الترابط والتصال بين السواق المختلفة حتى وصلت إلى حالة أقرب إلى السوق العالمي الكبير ،
خاصة مع نمو البورصات العالمية.
-2التطور الهائل في تكنولوجيا التصال والنتقال والذي قلّل -إلى حد كبير -من أثر المسافة ،وانتشار أدوات جديدة للتواصل بين أعداد
أكبر من النّاس كما في شبكة النترنت.
-3عولمة الثقافة وتزايد الصلت غير الحكومية والتنسيق بين المصالح المختلفة للفراد والجماعات ،فيما يسمى الشبكات الدولية
Networkingحيث برز التعاون استنادًا للمصالح المشتركة بين الجماعات عبر القومية مما أفرز تحالفات بين القوى الجتماعية على
المستوى الدولي ،خاصة في المجالت النافعة مثل :الحفاظ على البيئة ،أو في المجالت غير القانونية كتنظيف الموال والمافيا الدولية
للسلح") 33 ( .
* ممّا سبق يتضح أنّ العولمة تتكون من العناصر الرئيسية التالية -:
-1تعميم الرأسمالية :إن تغلّب الرأسمالية على الشيوعية جعلها تعمم مبادئها على كل المجتمعات الخرى ،فأصبحت قيم السوق،
والتجارة الحرة ،والنفتاح القتصادي ،والتبادل التجاري ،وانتقال السلع ورؤوس الموال ،وتقنيات النتاج والشخاص ،والمعلومات،
هي القيم الرائجة ،وتقود ذلك أمريكا وتفرضها عن طريق المؤسسات العالمية التابعة للمم المتحدة ،وخاصة مؤسسة البنك الدولي ،
ومؤسسة النقد الدولي ،وعن طريق التفاقات العالمية التي تقرها تلك المؤسسات كاتفاقية الجات والمنظمة العالمية للتجارة وغيرها .
-2القطب الواحد :تفردت أمريكا بقيادة العالم بعد سقوط التحاد السوفييتي ،وتفكيك منظومته الدولية المسمى (حلف وارسو) ،إنه لم
تبلغ دولة عظمى في التاريخ قوّة أمريكا العسكرية والقتصادية ،مما يجعل هذا التفرد خطيراً على الخرين في كل المجالت
القتصادية ،والسياسية ،والثقافية ،والجتماعية.
-3ثورة التقنيات والمعلومات :مرّت البشرية بعدّة ثورات علمية منها ثورة البخار والكهرباء والذرّة ،وكان آخرها الثورة العلمية
والتكنولوجية وخاصة في مجال التطورات السريعة والمدهشة في عالم الحاسوب اللي (الكمبيوتر) ،وتوصل الحاسوب اللي الحالي
إلى إجراء أكثر من مليارين عملية مختلفة في الثانية الواحدة ،وهو المر الذي كان يستغرق ألف عام لجرائه في السابق ،أما المجال
الخر من هذه الثورة فهو التطورات المثيرة في تكنولوجيا المعلومات والتصالت ،والتي تتيح للفراد والدول والمجتمعات للرتباط
بعدد ل يحصى من الوسائل التي تتراوح بين الكبلت الضوئية،والفاكسات ومحطات الذاعة ،والقنوات التلفزيونية الرضية والفضائية،
التي تبث برامجها المختلفة عبر حوالي 2000مركبة فضائية،بالضافة إلى أجهزة الكمبيوتر،والبريد اللكتروني،وشبكة المعلومات
الدولية،التي تربط العالم بتكاليف أقل،وبوضوح أكثر على مدار الساعة ،لقد تحولت تكنولوجيا المعلومات إلى أهم مصدر من مصادر
الثروة،أو قوة من القوى الجتماعية والسياسية والثقافية الكاسحة في عالم اليوم)34 ( .
بين العولمة وعالمية السلم
ن السلم دين يتميز بالعالمية .والعالمية تعني:عالمية الهدف والغاية والوسيلة ،ويرتكز الخطاب القرآني على توجيه رسالة عالمية إّ
ك ِإلّ كَافّ ًة لِلنّاسِ بَشِيراً َو َنذِيرًا َولَكِنّسلْنَا َ
حمَةً ِل ْلعَالَمِينَ) النبياء 107وقال تعالى( :وَمَا أَرْ َ ك ِإلّ رَ ْسلْنَا َ
للناس جميعًا ،قال تعالى( :وَمَا أَرْ َ
س ل َي ْعلَمُونَ)سـبأ ،28:ووصف الخالق عز وجل نفسه بأنه "رب العالمين" وذكر ال تعالى الرسول صلى ال عليه وسلم َأكْثَرَ النّا ِ
خلَ َق ُكمْ وَاّلذِينَ مِنْ قَ ْب ِل ُكمْ َل َعّل ُكمْ َتتّقُونَ) البقرةَ ( ،21:و َكذَلِكَ
ع ُبدُوا رَ ّب ُك ُم اّلذِي َ
سا ْ مقترنًا بالناس والبشر جميعاً قال تعالى( :يَا َأ ّيهَا النّا ُ
ق مِنْ شهِيداً) البقرة( ،143:يَا أَ ّيهَا النّاسُ َقدْ جَا َء ُكمُ الرّسُولُ بِالْحَ ّ علَ ْي ُكمْ َ س وَ َيكُونَ الرّسُولُ َ علَى النّا ِ ش َهدَاءَ َ ج َعلْنَا ُكمْ ُأمّةً وَسَط ًا لِ َتكُونُوا ُ َ
س إِنّي رَسُولُ حكِيماً) النساءُ ( ،170:قلْ يَا َأ ّيهَا النّا ُ علِيماً َ ض َوكَانَ الُّ َ ت وَالَْرْ ِ ن لِّ مَا فِي السّمَاوَا ِ خيْراً َل ُكمْ وَإِنْ َتكْفُرُوا َفإِ ّ
َر ّب ُكمْ فَآمِنُوا َ
لّ وَرَسُولِهِ النّ ِبيّ الُْ ّميّ اّلذِي ُيؤْمِنُ بِالِّ َو َكلِمَاتِهِ ت وَالَْرْضِ ل ِإلَهَ ِإ ّل ُهوَ ُيحْيِي َويُمِيتُ فَآ ِمنُوا بِا ِ الِّ ِإَل ْي ُكمْ جَمِيعاً اّلذِي لَ ُه ُملْكُ السّمَاوَا ِ
ن ) العراف.158: وَاتّ ِبعُوهُ َل َعّلكُمْ َتهْ َتدُو َ
ن حضارة إنً الحضارة السلمية قامت على القاسم المشترك بين حضارات العالم ،فقبلت الخر ،وتفاعلت معه أخذأً وعطاءً ،بل إ ّ
السلم تعاملت مع الختلف بين البشر باعتباره من سنن الكون ،لذلك دعا الخطاب القرآني إلى اعتبار الختلف في الجنس والدين
واللغة من عوامل التعارف بين البشر .اتساقًا مع نفس المبادئ ،إنّ السلم يوحّد بين البشر جميعاً رجالً ونساءً ،في قضايا محددة:
أصل الخلق والنشأة ،والكرامة النسانية والحقوق النسانية العامة ،ووحدانية الله،وحرية الختيار وعدم الكراه ،ووحدة القيم
والمثل النسانية العليا .
ومن هنا تظهر الختلفات جلية بين مفهوم عالمية السلم ومفهوم "العولمة" فبينما تقوم الولى على رد العالمية لعالمية الجنس
البشري والقيم المطلقة ،وتحترم خصوصيته ،وتفرد الشعوب والثقافات المحلية ،ترتكز الثانية:على عملية نفي أو استبعاد لثقافات
المم والشعوب ومحاولة فرض ثقافة واحدة لدول تمتلك القوة المادية وتهدف عبر العولمة لتحقيق مكاسب السوق ل منافع البشر( .
) 35
ن أبناء يؤكّد الدكتور محسن عبد الحميد -أستاذ التربية بجامعة بغداد -وجود فرق كبير بين المصطلحين (العالمية والعولمة) فيقول :إ ّ
هذا العالم بمختلف قبائله وشعوبه ولغاته وملله ونحله يعيشون على هذه الرض ،ولذا فل بد أن يتفاهموا فيما بينهم ،تمهيدًا للتعاون
الدائم على خير الجميع ،ول مانع من أن يأخذ بعضهم من بعض .ول يجوز أن يفرض وبالكراه بعضهم على بعض لغته أو دينه أو
مبادئه أو موازينه .فالختلف في هذا الطار طبيعي جداً والتعاون ضروري أبداً ،لمنع الصدام والحروب والعدوان .ويضيف :إنّ
تاريخ البشرية عامة وتاريخ السلم خاصة ،لم يرد فيه دليل على أنّ المسلمين خطوا للبشرية طريقًا واحدًا ،ووجهة واحدة وحكمًا
واحدًا ونظامًا واحدًا ،وعالماً واحدًا بقيادة واحدة ،ليس بالجبار والكراه.بل اعترفوا بواقع الديان واللغات والقوميات عاملوها معاملة
كريمة ،بل خداع ول سفه ول طعن من الخلف ،ولذلك عاش في المجتمع السلمي من أهل الملل الخرى من اليهود والنصارى
والصابئة والمجوس ،وغيرهم بأمان واطمئنان ،وأما المم التي كانت تعيش خارج العالم السلمي ،فقد عقدت الدولة السلمية معها
س إِنّامواثيق ومعاهدات في قضايا الحياة المتنوعة .والتوجيه الساس في بناء العلقات الدولية في السلم قوله تعالى ( :يا أيها النّا ُ
لّ أَتْقَاكُم)ْ الحجرات .11.:وأما العولمة التي هي الترجمة
شعُوبًا َوقَبَا ِئ َل لِ َتعَارَفُوا إِنّ َأكْرَ َم ُكمْ عِ ْندَ ا ِ
ج َعلْنَا ُكمْ ُ
ن َذكَرٍ وَأُنثَى وَ َ
خلَ ْقنَا ُكمْ مِ ْ
َ
العربية للكلمة النجليزية( ) GLOBALIZATIONفهي مصطلح يعني جعل العالم عالمًا واحدًا ،موجهًا توجيهًا واحدًا في إطار حضارة
واحدة ،ولذلك قد تسمى الكونية أو الكوكبة) 36 ( .
وثمة فرق بين عالمية السلم والعولمة ،فالسلم يقوم على العدل وإنصاف المظلوم ،ويرفض العتداء ،ويعترف بحق الخر في الدين
والرأي المخالف ،أما العولمة فتقوم على الظلم ،وتفتقد للعدل ،وتهدف لصالح الستكبار الغربي ،وضد مصالح الشعوب الفقيرة
الخرى ،وفقا لسياسة التبعية التي تفسر العلقة بين الغرب المتقدم ،وبين العالم الثالث المتأخر.
يقول أحد الكتاب الفرنسيين عن النظام الرأسمالي المريكي :كلما ازداد هذا النظام الرأسمالي الجشع إمعانًا وانتشارًا بالعولمة ،ازدادت
النتفاضات والحروب العرقية والقبلية والعنصرية والدينية للتفتيش عن الهوية القومية في المستقبل .وكلما تَفَشت المعلوماتية
والجهزة التلفزيونية والسلكية واللسلكية ،تكبّلت اليدي بقيود العبودية ،وازدادت مظاهر الوحدة والنعزال والخوف والهلع دون
عائلة ول قبيلة ول وطن .وكلما ازداد معدل الحياة سوف تزداد وسائل القتل ،وكلما ازدادت وسائل الرفاهية سوف تزداد أكثر فأكثر
جرائم البربرية والعبودية ) 37 ( .
ن السلم يدعو إلى طلب العلم النافع الذي يفيد النسان ،ويحقق والخير،ويحق الحق ،وكلّ ما جاءت به المدنية الحديثة من علوم
ث ّم إ ّ
ومخترعات وابتكارات ،مما فيها نفع للناس ،ويحارب كل علم ضار فيه فساد النسان أو هلكه ،أو إشاعة الشر في حياته ،بينما
العولمة بخلف ذلك ،فرغم ما أنتجته من المخترعات والبتكارات إل أنها ابتدعت علوماً ضار ًة أو ابتكرت ابتكارات مخربة للخلق
والقيم ،ومفسدة بل ومهلكة للنسان .
وأيضاً فغزو المسلمين للعالم كان بدافع حضاري فريد ،لقد كانوا ي ُعدّون أنفسهم أصحاب رسالة عالمية موجهة للناس كافة ،كلّفوا هم
بتبليغها إليهم بالوسائل السّلميّة ،والذين كانوا من المسلمين يهاجرون إلى البلد الخرى إنما هاجروا طلباً للرزق ،وكانت مهمة
الشهادة على الناس وتبليغهم السلم ماثل ًة أمامهم ،فأثّروا في البلد التي هاجروا إليها تأثيراً كبيراً ،ونقلوا إليها دينهم وأخلقهم
وقيمهم ولغتهم ،ولم يتأثروا بهم إل في أمور ل تتعارض مع دينهم ،بل قد يكون بعضها من مقتضيات الدعوة إليه ،أما غزو الغرب
للعالم فقد كان في أساسه لسباب استعمارية ولمصالح اقتصادية ،وقائم على التعصب العنصري ،كان الغربيون أيضاً يرون أنّ لهم
رسالة أخرى وهي أن يجعلوا العالم نصراني ًا ،يكفر بالدين الحق الذي اختاره ال تعالى للبشرية .
ن العولمة تبشر
لقد روّج دعاة العولمة في الغرب وعملؤهم في المنطقة العربية مجموعة من المقولت لصالح العولمة،ومن ذلك :أ ّ
بالزدهار القتصادي والتنمية والرفاهية لكل المم والعيش الرغيد للناس كلهم ،والنتعاش ،ونشر التقنية الحديثة ،وتسهيل الحصول
على المعلومات والفكار عبر الستفادة من الثورة المعلوماتية الحديثة ،وإيجاد فرص للنطلق للسواق الخارجية ،وتدفق الستثمارات
الجنبية التي تتمتع بكفاءة عالية ،وبالتالي ينتعش القتصاد الوطني والقومي .
ولكن سرعان ما اكتشف الباحثون والمفكرون أن تلك المقولت ما هي إل شعارات استهلكية جوفاء.يقول أ.د محمد حسن رسمي(
عميد كلية الحاسبات والمعلومات-جامعة القاهرة ) " :إنّ العولمة طوفان كاسح لن يقف في طريقها رافض أن يتفهم فكرها وفلسفتها
وآلياتها ،إذا كان يملك سدًا منيعاً يهزم ويلتها ويسخر لنفسه ,ونظام العولمة في حد ذاته يدعم القوياء ،ويطحن الضعفاء،ويضحك
الصحاب،ويبكي الضعفاء،بل يمكن صنّاعها من التحكم والسيطرة ،وامتلك مقدرات ومستقبل المتفرجين المذهولين الصامتين
المنتظرين لمعجزات السماء") 38 ( .
ولقد أدركت الدول الفقيرة والنامية أن طغيان العولمة واحتكارات الشركات الدولية إنما يزيدها فقرًا ،وخضوعاً للسياسات الرأسمالية
الغربية فأخذت تستنفر جهودها للدفاع عن حقوقها في مواجهة هذه العولمة ،فلقد حذّر مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا من العولمة
في المجال القتصادي ،وقال " :إن منظمة التجارة العالمية تسمح للدول الغنية بابتلع الدول الفقيرة ") 39 ( .
ومن القوال التي تؤكد المخاطر الجدية للعولمة على مقدرات الحكومات والشعوب ،ما جاء في كلمة للرئيس الفرنسي جاك شيراك
ن العولمة بحاجة إلى ضبط ،لنّها تنتج شروخاً اجتماعيةً ألقاها بمناسبة اليوم الوطني الفرنسي ( 14يوليو 2000م ) ،حيث قال " :إ ّ
كبيرةً وإن كانت عاملَ تق ّدمٍ فهي تثير أيضاً مخاطر جدّية ينبغي التفكير فيها جيداً ومن هذه المخاطر ثلثة :أولها أنها تزيد ظاهرة
القصاء الِجتماعي وثانيها:أنها تنمي الجريمة العالمية،وثالثها:أنها تهدد أنظمتنا القتصادية" ) 40 ( .وأيض ًا ما ذكره الكاتب المريكي
الشهير وليم جريدر في كتابه الصادر عام 1977م " :عالم واحد مستعدون أم ل" - OneWorldReadyOrNoحيث ببّن صفات العولمة ،
وكشف خطورة آثارها ،فوصف العولمة ,بأنها آلة عجيبة نتجت عن الثورة الصناعية والتجارية العالمية ,وإنّها قادرة علي الحصاد
وعلي التدمير ,وإنها تنطلق متجاهلة الحدود الدولية المعروفة ,وبقدر ما هي منعشة فهي مخيفة ،فل يوجد من يمسك بدفة قيادتها،
ومن ثم ل يمكن التحكم في سرعتها ول في اتجاهاتها ،وهو يري إنّ تلك الثورة المادية التي حررت رأس المال وجعلت المادة تسبق
الفكر ،وتتخطي جمود السياسات ,كانت نتيجتها ظهور تحولت عظمي في العالم أجمع ,وبقدر ما بعثت وأنعشت الطموح والرغبة في
تكديس الثروات,خلفت وراءها عدم الستقرار وعدم المان وبقدر ما أتاحت من تكنولوجيات حديثة ,فإنها بعثت البربرية من جديد .
ن أول ما يستوقفنا هو :أنّ الذين يطرحونه ينظرون إلى التفاعل البشري على وعندما نعود إلى مفهوم العولمة كما يطرحه الغرب فإ ّ
أنّه تفاعل بين طرف ذكي قوي وطرف غبي ضعيف.طرف يمتلك ،وطرف يجب أن يكون فاقدًا للتملك.وإذا نظرنا إلى آلية هذه العولمة
يبرز لنا على الفور مفهوم إلغاء الخر .وليس بالضرورة أن يكون هذا اللغاء هو الفناء التام للوجود .إنما تدل اللية الغربية على أن
العولمة هي الفرز الحقيقي بين سيد وعبد ،بين منتج ومستهلك ،بين من يصنع التكنولوجيا ويؤسس لتقدم علمي سريع وبين من يُراد
له أن ينسلخ عن ماضيه الحضاري تماماً،وعن عقيدته وينبهر بمعالم التقدم العلمي الغربي السريع ) 41 ( .
ترتبط عملية العولمة بتدويل النظام القتصادي الرأسمالي ،حيث تمّ توحيد الكثير من أسواق النتاج والستهلك ،وتمّ التدخل المريكي
في الوضاع القتصادية للدول ،وخاصة دول العالم الثالث ،عبر المؤسسات المالية الدولية :كصندوق النقد الدولي،والبنك الدولي،التي
تمارس الملءات القتصادية المغايرة لمصالح الشعوب ،وبالتالي تحقق العولمة لصحابها عدة أهدف كبيرة في المجال القتصادي هي
-:
أولً :السيطرة على رؤوس المال العربية ،واستثماراتها في الغرب فالعالم العربي الذي تتفاقم ديونه بمقدار ( )50ألف دولر في
الدقيقة الواحدة هو نفسه الذي تبلغ حجم استثماراته في أوروبا وحدها ( )465مليار دولر عام 1995م ،بعد أن كانت ( )670ملياراً
عام 1986م فنتيجة عدم الستقرار السياسي والقتصادي والتبعية النفسية للغرب تصب هذه الموال هناك لتدار حسب المنظومة
الغربية ) 42 ( .
ثانياً :الهيمنة المريكية على اقتصاديات العالم من خلل القضاء على سلطة وقوة الدولة الوطنية في المجال القتصادي ،بحيث تصبح
الدولة تحت رحمة صندوق النقد الدولي ،حين تستجدي منه المعونة والمساعدة عبر بوابة القروض ذات الشروط المجحفة،وخاضعة
لسيطرة الحتكارات والشركات المريكية الكبرى على اقتصاد الدول ( ،) 43ولعل تركيا والمكسيك وماليزيا من النماذج الواضحة للدول
التي عصف بها تيار العولمة لصالح المستثمرين المريكيين ( . ) 44يقول رئيس وزراء ماليزيا :مهاتير محمد الذي عانت بلده من
ن العالم المعولم لن يكون أكثر عدلً ومساواة .وإنما سيخضع للدول القوية المهيمنة .وكما أدى
آثار العولمة في السنوات الخيرة " :إ ّ
انهيار الحرب الباردة إلى موت وتدمير كثير من الناس ،فإنّ العولمة يمكن أن تفعل الشيء نفسه ،ربّما أكثر من ذلك في عالم معولم
سيصبح بإمكان الدول الغنية المهيمنة فرض إرادتها على الباقين الذين لن تكون حالهم أفضل مما كانت عليه عندما كانوا مستعمرين
من قبل أولئك الغنياء ")45 ( .
ن العولمة تجعل العالم كله قرية صغيرة تتحكم فيها الزعامة المريكية وبطانتها اليهودية بمصائر
ويقول الدكتور عماد الدّين خليل ":إ ّ
المم والدول والشعوب ،وتضع مقدراتها المالية والقتصادية -في نهاية المر -تحت قبضتها ،تفعل بها ما تشاء من أجل تحقيق أهداف
نفعية (براغماتية) صرفة لصالح مراكز الهيمنة الغربية على حساب المم والدول والشعوب") 46 ( .
ن الدول العربية ـ كإحدى المناطق المستهدفة بالعولمةـ بلغت ديونها الخارجية عام 1995م )250( :مليار دولر ،وتتفاقم ديونها بما إّ
مقداره ( )50ألف دولر في الدقيقة الواحدة ،ول شك أنّه كلما ارتفعت وتيرة الديون كلما ترسّخت التبعية ووُجدت الذريعة للتدخل،
وبسبب هذه الديون ـالتي بدأت بتشجيع من الغرب عن طريق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين يعملن على إغراق الدول
المستهدفة بالديون ـ أصبح اقتصاد معظم هذه الدول متخبطاً ،يستطيع وبصعوبة بالغة ملحقة خدمة الديون وفوائدها المتراكمة ،فهي
في الحقيقة وسيلة لبسط النفوذ على البلد تماماً كما كانت في الماضي ) 47 ( .وللعلم فقد أكد التقرير القتصادي الصادر عن مجلس
ل ستخسر سنوي ًا ما بين 1.5إلى 2مليار دولر بانضمامها وتطبيقها لقرارات اتفاقية التعريفةالوحدة القتصادي العربي أن الجزائر مث ً
الجمركية "الجات") 48 ( .
ثالثاً :تحقيق مصالح المجموعات الغنيّة في الدول الغربية والقوى المتحالفة معها في الدول الخـرى علـى حسـاب شـعوب العالـم ،وممّا
يدل على ذلك فشل تجربة "النمور السيوية":ومنها إندونيسيا وماليـزيا،حيث لم تسـتطع تحقيـق المصالح القتصـادية المطلـوبـة
لشـعوبها ،إذ عملت الشركات المتعددة الجنسيات على إحداث هذا الفشل ،وقام أحد المستثمرين الجانب-أحد رموز العولمة -الملياردير
"جورج سورش" باللعب في البورصة مما أدى إلى ضرب التجـارة التنمويـة وإحباطهـا ) 49 ( .ولقد أدلى جورج سوروش نفسه
بشهادة لذعة أمام الكونغرس الميركي فقال فيها:بدل من أن تتصرف أسواق المال مثل البندول فإنها تصرفت مثل كرة التهديم
ن استخلصنا الخير بأن أسواق المال سوف تواصل تقريب العالم بعضه إلى بعض المعدنية،وراحت تقوض دولة تلو الخرى ،وعليه فإ ّ
هو استخلص مثير للجدل والخلف ) 50 ( .
ن هذه الشركات تعد الرض كلها سوقًا كبيرًا لها ،بما فيها ومن فيها بحيث تتنافس في اقتسام هذه الراضي دون أي اعتبار لقيم أو إّ
أخلق ،وهي نادراً ما تدخل في شكل استثمارات مباشرة طويلة المد وإنما تدخل بما يعرف بالموال الطائرة ،في استثمارات قصيرة
الجل وسريعة الفوائد والتي تحقق لها عوائد هائلة ،دون أن يكون لذلك مردود على التنمية المحلية .وإن حدث وقدمت استثمارات
مباشرة ،فإنّها قبل ذلك تأخذ ما يكفيها من التسهيلت والضمانات السياسية والقتصادية التي ل تحظى بها رؤوس الموال
المحلية،وهو ما يعرقل القتصاد المحلي،زيادة على ذلك ،فإن معظم أنشطتها تقتصر على السلع الستهلكية ذات العائد السرع نتيجة
ن الشركات المتعددة الجنسيات أدى تطورها وتضخمها إلى تعميق للنمط الستهلكي السائد ) 51 ( .يقول الدكتور مجدي قرقر" :إ ّ
العولمة اقتصادياً ،وتعدد أنشطتها في كل المجالت :الستثمار والنتاج والنقل والتوزيع والمضاربة ،ووصل المر إلى أنّها قد صارت
تؤثر في القرار السياسي والبعد الثقافي والمعرفي ،وفي ظل العولمة استطاعت هذه الشركات الستفادة من فروق السعار ،من نسبة
الضرائب ،من مستوى الجور لتركيز النتاج في المكان الرخص وبعد ذلك ينقل النتاج إلى المكان الذي يكون فيه مستوى السعار
أعلى ويتم تسويقه هناك") 52 ( .
في يوم 19/6/2000م عقد في القاهرة مؤتمر ض ّم الدول الخمسة عشر-أفريقية وآسيوية-من الدول النامية -أكدّ المتحدثون فيه أنّ
القتصاد العالمي الجديد هو لصالح فئة قليلة تزيدها غنى فوق غناها ،على حساب الدول الكثيرة الفقيرة ،وهو يدفع الدول النامية إلى
مقبرة الفقر .
-4إدارة القتصاديات الوطنية وفق اعتبارات السوق العالمية بعيدًا عن متطلبات التنمية الوطنية.
( ) 53 -5العمل على إعادة هيكلة المنطقة العربية في ضوء التكتلت الدولية.
ويمكن أن يضاف إلى ذلك-:
" -6الغواء القتصادي :ويعني إغواء الدول المتواضعة تقنيّا وعلميّا واقتصاديّا بمشاركة العمالقة في مشاريع عابرة القارات ،وهذه
المشاريع كل مكوناتها من الخارج ،وربما فتحوا لهم بعض السواق ،وبعد أن يكون البلد الفقير قد دفع دم الشعب ،وضحى بحاضره
ومستقبله في مثل هذه المشاريع تتم عملية السيطرة أو الجهاض ،إنّ شيئًا من هذا قد تم في ماليزيا وإندونيسيا.
-7السيطرة القتصادية ذات المظاهر المتعددة ،منها :شراء موارد الدول المستضعفة وموادها الخام بأقل السعار ،وإعادة تصنيعها ثمّ
بيعها لها في صورة جديدة بأغلى السعار ،وفي حالة البترول يضيفون إليه ضريبة يسمونها ضريبة الكربون ،وهي تعني ضريبة تلوث
أجوائهم نتيجة الشطط التصنيعي") 54 ( .
ومن أخطار هذه العولمة أيضاً:
أ -تركيز الثروة المالية في يد قلة من الناس أو قلة من الدول ،فـ 358ملياردير في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه أكثر من
نصف سكان العالم .و %20من دول العالم تستحوذ على %85من الناتج العالمي الجمالي ،وعلى %84من التجارة العالمية،
ن %5،19من الستثمار المباشر و %08من التجارة الدولية تنحصر في ويمتلك سكانها %85من المدخرات العالمية.إذاً نكتشف إ ّ
منطقة من العالم يعيش فيها %82فقط من سكان العالم .
ج -تعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس بل بين المواطنين في الدولة الواحدة ،واختزال طاقات شعوب العالم إلى طاقة
دفع لماكينة الحياة البراجماتية الستهلكية للقوى الرأسمالية والسياسة الغربية المسيطرة ) 57 ( .لقد كان المدافعون -بحسن نية عن
العولمة -يراهنون على أن العولمة ستؤدي إلى ارتفاع مستوى دخل الفرد على المستوى العالمي ،وبالتالي تخف ظاهرة الفقر التي
تعاني منها كثير من دول العالم ,لكن الحقائق والرقام ،تكشف عن واقع مؤلم مختلف ,ففي الوقت الذي ازداد معدل دخل الفرد ،فإنّه
صاحب هذه الزيادة اتساع في الهوة الشاسعة بين مستوى الدخل في الدول الغنية والدول الفقيرة ،فمازال دخل أكثر من مليارين إنسان
ل يزيد على 60دولراً في الشهر ،ما يعني أن خطر الفقر مازال يطل برأسه القبيح على دول كثيرة في العالم.
وقد أرجع تروس سكوت الستاذ الجامعي في إدارة العمال – في بحثه عن أسباب التفاوت بين النظرية والواقع في مفهوم العولمة-
إلى سببين ,السبب الول :أن الدول الغنية مازالت تص ّر على وضع العوائق في وجه هجرة العمالة من الدول الفقيرة إليها ،ففي العام
1997م سمحت الوليات المتحدة الميركية بهجرة 737ألف وافد فقط ،في حين لم تسمح الدول الوروبية إل بهجرة 665ألفاً،
ومجموع العددين ل يمثل سوى 4في المائة من العمالة المهاجرة المتوقعة ،إلى جانب ذلك ترفض الدول الغنية استيراد المنتجات
الزراعية من الدول الفقر ,أما السبب الثاني :فيعود إلى أن الدول الفقيرة فشلت نتيجة لسوء حكوماتها في اجتذاب رؤوس الموال من
الخارج) 58 ( .
د -استئثار قلة من سكان الدولة الواحدة بالقسم الكبر من الدخل الوطني والثروة المحلية ،في الوقت الذي يعيش أغلبية السكان حياة
القلة والشقاء ويوضح ذلك أن عشرين بالمائة من الفرنسيين يتصرفون فيما يقرب من سبعين بالمائة من الثروة الوطنية ،وعشرين
بالمائة من الفرنسيين ل ينالون من الدخل الوطني سوى نسبة ستة بالمائة ) 59 ( .
هـ -النمو المطرد للبطالة ،وانخفاض الجور وما يرتبط بها من تقليص في قدرة المستهلكين واتساع دائرة المحرومين ،وقد دلت
الحصائيات على حقائق خطيرة ،ففي العالم ( )800مليون شخص يعانون من البطالة وهذا الرقم في ازدياد ،وفي السنوات العشرة
الخيرة عملت 500شركة من أكبر الشركات العالمية على تسريح أربعمائة ألف عامل -في المتوسط -كل سنة ،على الرغم من ارتفاع
أرباح هذه الشركات بصورة هائلة ،فإحدى هذه الشركات منحت للمساهمين فيها مبلغ خمسة مليون دولر لكل منهم ( ) 60والشركات
المريكية تسرّح مليونين من العمال) 61 ( .
ونتيجة لذلك ظهرت عدائية كثير من منظمات المجتمع المدني الغربية،وخاصة في الوليات المتحدة للعولمة ،وخاصة المنظمات
العمالية ،واتحادات الشغل التي تراقب أثر عولمة القتصاد على معدلت أجور العمال ،وعلى نسبة البطالة في الغرب) 62 ( .
ن تشكل شبكة دولية عبروإنّ الفقر الناتج عن البطالة حتما يقود إلى اتساع دائرة الجريمة فالعولمة تسمح وبيسر للعصابات بأ ّ
(النترنت) وتمكن المتهربين من دفع الضرائب من نقل أموالهم إلكترونيا إلى أمكنة أخرى ،فمن روسيا وحدها وصل إلى العالم الغربي
منذ عام 1990م خمسون مليار دولر بطريقة غير شرعية ،ويقدر خبراء المن أن ثروة منظمات المافيا في النمسا وحدها تتجاوز
تسعة عشر مليار دولر ،كل هذا يجري على حساب الدولة التي بدأت تئن تحت ضائقة الفقر لتقلص الضرائب وهروبها ،وهذا يعني
ضعف الخدمات الجتماعية والتعليمية والصحية التي تقدمها الدولة ،وتتضاعف حدة مشكلة الفقر،وتصبح أشدّ خطورة،وبالنتيجة فإنّ
شرعية هذه الدولة واستقرارها يصبحان مهددان) 63 ( .
و -فرض السياسات القتصادية والزراعية على دول العالم -وخاصة النامية -بهدف تعطيل التنمية القتصادية ،وإبقائها سوق ًا
استهلكية رائجة للمنتجات الغربية ،وتسليم إرادتها السياسية للقوى الحاكمة في أمريكا .ففي بعض الدول انخفضت معدلت النمو عام
98م بأكثر من %100وارتفعت معدلت البطالة بنسبة خطيرة أدت إلى حدوث مشكلت اجتماعية عديدة من أهمها زيادة نسبة الفقر
والمية ( . ) 64
يقول ساكيكو فوكيربار" :ما دام القتصاد ومفاهيم السوق من العناصر الساسية في العولمة فإن التنمية البشرية لن تأخذ حظها الذي
تستحق من هذه العولمة") 65 ( .
ز -إضعاف قوة موارد الثروة المالية العربية المتمثلة في النفط حيث تم إضعاف أهميته كسلعة حينما تم استثناؤه من السلع التي
تخضع لحرية التجارة الدولية -أسوة بتجارة المعلومات -من تخفيض الضرائب والقيود الجمركية المفروضة عليه من الدول
المستهلكة ،فما زالت هذه الدول وعلى رأسها الوليات المتحدة المريكية ترفض اعتبار النفط والمشتقات البتروكيماوية من السلع التي
يجب تحريرها من القيود الجمركية والضرائب الباهضة التي تفرضها الدول المستهلكة ،وبذلك تجني هذه الدول الرباح الهائلة من
وراء ذلك ،وهي تعادل ثلثة أمثال العائدات إلى الدول المنتجة في الوقت الحاضر ،بل أصدر الكونجرس المريكي تشريعاً يقضي بفرض
العقوبات على دول في منظمة أوبيك إذا شاركت في رفع أسعار النفط أو تثبيتها) 66 ( .
ح -ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الدول السلمية ،نتيجة إلغاء هذه الدول الدعم المالي الذي كانت تقدمه للسلع الغذائية ،وبسبب
الحتكار والمنافسة غير المتكافئة من الدول الكبرى ،وبسبب قيود الجودة وشروط المواصفات العالمية التي تفرضها التفاقيات
التجارية والصناعية الدولية ،وهي شروط ل تقدر الدول السلمية النامية على الوفاء بها ( . ) 67ويترتب على ذلك ابتعاد الحكومات
عن التدخل في النشاط القتصادي وقصر دورها في حراسة النظام .وأن تبقى السواق السلمية سوقاً مفتوحاً رائجاً أمام المنتجات
والبضائع الوربية والمريكية ،وأن تقّوض المصانع والمؤسسات الوطنية والقتصاد الوطني ) 68 ( .
ط -عملية الغراق :ومن مخاطر العولمة ظهور عملية الغراق التي ترتبط بالسعر ,وذلك بأن تطرح في السواق سلع مستوردة
بأسعار تقل كثيرًا عن سعر المثيل في السوق المحلي ,أو عن سعر المثيل في سوق الدولة المنتجة لهذه السلعة وتصدرها ,أو انخفاض
سعر البيع عن سعر تكلفة النتاج ,ويتم تداولها لفترة زمنية ,بهدف استرداد نفقاتها وتحقيق الربح ,تلك هي الحالت الثلث التي تعتبر
فيها السلع المستوردة بمثابة سلع أو واردات إغراق .
وهذه المشكلة ظهرت مع دخول العولمة وإلغاء التعرفة الجمركية ,أو الحد منها على بعض السلع ,حيث كان قديمًا ل يمكن حدوث ذلك
لن الدول كانت تتحكم في سعر السلعة بزيادة سعر الجمارك ,مما يؤدي إلى زيادة سعر المنتج المستورد عن المنتج المحلي أو على
القل يساويه في الثمن ,ولكن مع فتح السواق أمام التجارة العالمية ,فإننا سنشهد حالت إغراق كثيرة ،وكذلك تجاوزات ل نضمن إلى
أي مدى ستصل عواقبها" )69 ( .
تعريف العولمة ..
هي عصا استعمارية جديدة قائمة على هيمنة القيم الغربية بوجه عام ..و القيم المريكية بوجه خاص ..و هي ثورة عالمية اقتصادية ..
ثقافية ..و اجتماعية ..من اهدافها القضاء على القيم السلمية الخاصة ..و كل هذا باسم حماية القليات و حقوق النسان و متابعة
مجريات المور ..و كل هذا قشرة خارجية تغلف اغراضها الصهيونية الداخلية ..
و هو نوع جديد من الستعمار الغربي و الهيمنة المريكية لستغلل المم من خلل محق الهوية و المصالح الثقافية الوطنية ..
و هو ايضا غزو ديني ..ثقافي ..اجتماعي ..اقتصادي و سياسي يستهدف القيم و الفضائل و الهوية ..
-امركة العالم – قرية عالمية – كوكبة – سلعنة – كوننة – الخطبوط الستعماري – النظام العالمي الجديد – الكوكبية – الكلية " نسبة
الى الكل اي كل انسان على هذه الرض " و تعرف بالنجليزية globalization
و بالفرنسية
Mondialisation
العولمة ظاهرة قديمة حديثة ..شديدة الغموض و صعبة التحديد ..لزمت الحضارات جميعا ..و قد طالب بها الفلسفة عبر العصور ..و
من خلل الدعوة الى تجاوز الحدود الجغرافية و السياسية كما طالب بها السلم الذي الغى الحدود و الجنسية و الطبقات و الفروق
الفردية ..فجاءت دعوة عالمية بل حدود و ل احتكار ..و قد اتخذت هذه العولمة منحنى سلبي مع نهاية الحرب العالمية الثانية فانقسمت
الى عولمتين :
-1عولمة سوفيتية حاولت وضع قبضتها على العالم و صيغته على شاكلتها عبر الممية
-2عولمة امريكية " صهيونية " سعت الى نفس الهدف و ل تزال ..
و قد بدأت فكرة العولمة منذ الستينات من هذا القرن في تصدير البريق العلمي لخدمة السوق التجاري .و يعتبر العامل الساسي و
المسؤل عن نشأة هذه الظاهرة و استمرارها و اتساعها هو التقدم او التطور التكلنوجي ..فالكرة الرضية اصبحت تشاهد الحدث الواحد
في نفس الوقت حيث دائما ما تقترن العولمة بالقهر الثقافي " فرض الثقافة على الغير "
المرحلة الولى :بأخذ الشياء المادية و الصناعية و الحربية اخذا استهلكيا ..
المرحلة الثانية :اخذ العادات المادية كاشكال اللباس و الثاث و الطعام ..
المرحلة الرابعة :اخذ العقائد و التصورات فتكون قد ذابت و انمحت شخصيتها الساسية
خدمة البشرية بجعل العالم كله كقرية واحدة ..توحد مصيرها بازاله الحواجز الجغرافية بينها ..و اشاعة القيم النسانية في عالمها و
حماية هذه القيم و مقاومة الرقابة التي تحد من حرية النسان القتصادية و السياسية و الثقافية و تعمل على توحيد الجهود لتحسين
حياة النسان عن طريق نشر التقنية الحديثة من مراكزها في العالم المتقدم اقتصاديا الى اقصى اطراف الرض و على رأسها امريكا التي
تساعد باقي العالم في حل كشاكله حبا في الخير للنسانية
تهدف العولمة الى جمع ذرية ابراهيم في وجهة واحد و هي البراهيمية ..و هم ذرية اليهود و النصارى و المسلمين ..لتكوين عالمي
يتبعه الجميع من خلل انفتاح هذه الديان الثلثة على بعضها البعض بينما التوجه الحقيقي هو للمسلمين فقط ..و تعمل على الفصل بين
جانبي النسان المادي و الروحي لتتجه الى اشباع احدهما دون الخر ..
تهدف العولمة الى وضع العالم في سوق واحد يحكمه نظام اقتصادي واحد بتوجيه من القوى الرأسمالية الكبرى و تهدف الى الستغلل
القتصادي من جانب الشركات العملقة لكل طاقات و موارد الدول الضعيفة و سلب خيرات المسلمين و اهمها البترول و الغاز بمعنى
مزيد من المتخلفين للمتقدمين و مزيد من التبعية
تهدف العولمة الى ازالة خصوصية الشعوب التي تحافظ على مبادئها و قيمها المنبثقة عن ايطار ديني و تقهر معتقدات المم و مقدساتها
و انماط الحياة فيها و تعمل على تذويب الفروق التي تعني الصالة و الحضارة بكل ابعادها و تهيمن بثقافتها على كافة الشعوب ..
مما سبق نستخلص الهدف النهائي للعولمة و هو ان يعتلي الغرب و خاصة اليهود عرش العالمية و يبسط ثقافته و حضارته و خاصة
على المسلمين و يصبح هو السيد بل منازع و الكل تابعون له بعد تذويب هويتهم الثقافية و الدينية ...الخ ..
عولمة اجتماعية
1عولمة المفاهيم
2عولمة اعلمة
3عولمة بيئية ..
عولمة ثقافية
1عولمة تكلنوجية " علمية "
2عولمة في مجال التصالت
عولمة سياسية
1عولمة اقتصادية
2عولمة عسكرية ..
وسائل العولمة ..
المعلومات التي تتدفق من شبكات العلم مثل " الذاعة و التلفيزيون و افلم الكرتون بقنواتع الفضائية و شبكات النترنت و الصحافة
و الكومبيوتر "
القتصاد هو مركز العولمة و محورها " فتح البنوك مثل البنوك الدولية " .
المرأة هي المحور الذي ترتكر عليه التجارة العالمية و المحلية و هي قلب المعركة .
استغلت العولمة لصالحها المجالت التربوية كنشر المدارس الجنبية لمحاولة تغيير ألسنة الشعوب و تعميم اللغة النجليزية لتصبح لغة
التخاطب و انتشار الجامعات المفتوحة في كل البلد العربية و غيرها .
آثار العولمة
-الرتقاء بالمنظمات الدولية و منظمات البيئة للقضاء على التلوث البيئي .
-تكثيف العلقات الجتماعية عبر العالم فتبدو الحداث كأنها في مجتمع واحد .
-بناء علقات اقتصادية جديدة بين بلدان العالم مثل بناء مشاريع مشتركة
-القضاء على المراض و الوبئة فالثورة العلمية القادمة بشرى للعديد من المرضى الذين استعصى علجهم عن طريق تقدم الوسائل و
البحوث الطبية .
آثارها السلبية
-تحطيم مقومات المجتمع الصلية من مبادئ و قيـــم و ديـــــن و استحداث مقومات اخرى .
-تركيز الثروة عند فئة معينة من الناس و بالتالي اتساع الفروق بين طبقات المجتمع عن طريق منح فرص العمل لــ % 20من السكان
فقط .
-تشويه انســــانية المرأة و انتزاع مكانتها الحضارية و الثقافية و الجتماعية حتى تصبح بل تاريخ و ل وعي و ل ذاكرة و صار الهم
الكبر عولمة جسدها و ذلك من عدة نواحي
أ – اعادة صياغة المرأة من خلل السينما التي لم تنتزع عنها ملبسها فقط ،بل نزعت انسانيتها لتصبح انسانا اقرب الى الحيوان
المستغل لغراض منحرفة .
ب – طمس الشخصية الجتماعية و النسانية للمرأة و عن طريق ابراز مفاتنها بما يسمى الموضة و الزياء لتتحول الى جسد مادي و
سلعة سوق عام كالبهيمية و كل ذلك من اجل الخلل بدورها الساسي في صناعة و تربية الجيل القوي و ذلك باخراجها من مصنعها
الساسي " البيت "
-تفشي البطالة التي تدفع الفراد الى الهجرة بحثا عن العمل .
-تاثيرها على هوية الطفل و على نظرته الى نفسه فينظر الى نفسه نظرة دونية و يصل لدرجة التقليد العمى فيصبح مفقود الهوية .
كل هذه الثار سردت على سبيل المثال و ليست على سبيل الحصر ..
من المستفيد و من الخاسر .. :
ان العولمة تعمل جنبا الى جنب مع الماسونية و الصهيونية لفقار الشعوب العربية من عقيدتها و لغتها و ثرواتها لتصبح من بعد كل
ذلك مكانا مباحا لنشر دوافعهم العدوانية .و الذي يقود حركة العولمة هو نظام التجارة و هو نظام اعمى و اصم ،ل يعرف سوى الربح
و تكديس الموال و لو على حساب القيم و المبادئ .فهو يطبق مبدئ " كل قبل ان تؤكل " و لذلك فإن المستفيد من العولمة هي الدول
المتقدمة مثل امريكا و اوروبا ،و الخاسر فيها هي الدول القل تقدما و الدول الفقيرة .
لكي نواجه العولمة علينا اول التصدي للتبعية و ذلك عن طريق :
-الحفاظ على الهوية السلمية و استعادة روح المسؤولية و التشبث بها و نشرها بين الجيال البشرية ،تلك الهوية المستمدة من كتاب
ال و سنة نبيه صلى ال عليه و سلم ..و تركيز المستعمر على اهيمة ثقافتها السلمة الرائعة و حضارتها القوية و وجودها في كل
حركة و سكنة نعيشها
و يعيشها ابناؤنا " اعادة تنشيط الثقافة القرآنية لنه يهدي للتي هي اقوم – حبل ال المتين "
-تزويد مخازن الثقافة و مراكزها عن طريق القرآن الكريم و السنة الشريفة ..
-اكتساب البناء القيم الخلقية و الدينية ..و النتماء لدينهم و وطنهم و الهتمام بالكيف و ليس بلكم " بناء الذات المسلمة قول و
عمل "
-تأسيس رأي سياسي اسلمي بين الدول و ذلك بالمواجهة سياسيا و عسكريا و اقتصاديا ..
-التمسك باللغة العربــية و التي لبد ان تكون من اولويات اهتمامنا لتكوين نهضة اسلمية ..
-مواجهة العولمة التي تاتي عبر النترنت " شبكة المعلومات " بإقامة المراقبة على مدخلتها رقابة اسلمية و سياسية ..و التعامل
الواعي مع الفكار الوافدة على اساس ثوابتنا و منهجنا القويم ..
-القتناع بان النسان له دور حضاري عليه ان يؤديه فالمسلم له رسالة عالمية و لبد من استعادة معظم مسؤلية هذه الرسالة ..
-لبد من التعايش السلمي الذي يحفظ هويتنا و تفوقنا الدائم في التاثير على الخرين ..
-الهتمام بتربيـــة الجيل تربية اسلمية و الهتمام بالتعليم و التركيز على احكام الدين و قواعده في التربية ..
-العمل على الحفاظ على خصوصيات المم و حضارتها و ثقافتها و تقاليدها ..
-العمل بكل ما اوتينا من قوة لتحويل العولمة الى أسلمة بإذن ال تعالى ..
العولمة ..