Beruflich Dokumente
Kultur Dokumente
تتأثر الحياة الموسيقية في بلد ما بطبيعة ذلك البلد وتاريخه وعقائده وتراثه؛ واألردن يُمثّل وضعا ً مميّزا ً بين البالد العربية؛ ويمكن أن يعتبر نموذجا ً لكثير
س ُ
ط األردن عدّة بلدان عربية هي :السعودية جنوبا ً والعراق شرقا ً وسوريا شماالّ وفلسطين غرباً ،وهو ي والمناخي واالجتماعي .يتو ّ
منها في تكوينه الجغراف ّ
ليس بعيدا ً عن مصر أيضاً .لقد أضفى هذا الموقع على موسيقى األردن تنّوعا ً وغنى .ومن الجدير بالذكر أن األردن يتكون من مناطق صحراوية وسهلية
وجبليّة إلى جانب غور األردن حيث يجري نهر األردن ليصب في البحر الميّت الذي يُعتبر أخفض مكان في العالم عن سطح البحر .فالصحراء والبادية
أنتجت غنا ًء بدويا ً يُمثل حياة البدو بشعره وألحانه من الهجيني (ال ُحداء) والسامر (التهليل) واألهازيج (األراجيز) أوالفاردة؛ ففي تكرار األلحان وامتداد بعض
النغمات – كما هو الحال في الفاردة -تنعكس الصحراء بامتدادها ومفاوزها ومسارات قوافلها .أما ّ في السهول مثل منطقة حوران فنسمع الدّبكات المتوارثة
ممثّلة للعقائد القديمة وطقوس آلهة الخصب والمطر ،وتعكس الفرح بالمحاصيل والشكر لآللهة؛ فأتت إيقاعاتها حيويّة وألحانها مزيّنة وكلماتها تمثّل عالم
الزراعة كقولهم في غناء \"على دلعونا\":
جرت
مرود الكحل بالعين ّ مرت
مرت ما ّ
مرت ّ
مرت ما ّ
ّ
التاريخ القديم:
لقد كان األردن مأهوالً منذ أقدم العصور ،وتُثبت حفريات عين غزال بالقرب من ع ّمان نشأة مجتمعا ٍ
ت بدائية لهم طقوس ولغة ،وعندهم أدوات يستخدمونها
طورت مواقعها لتصبح أولى المدن في العالم .ومن هذه المدن أريحا وربّة عمون اللتان كانتا
في حياتهم اليوميّة .ويبدو أن مثل هذه المجتمعات في المنطقة ّ
صنتان في ذلك الزمن الغابر .وفي أيام يشوع أقام بنو جاد العبرانيون في سفح جبل ربّة عمون وامتزجوا مع قاطنيها وتزاوجوا معهم حتى أنهم
مدينتان مح ّ
صب وتغنّت على إيقاع الدفوف والمزمار بأغا ٍن اتصفت
عشتروت وكاموش وملكوم من آلهة العمونيين .ورقصت فتيات بني جاد حول النّ ُ
َ عبدوا بعالً و
َ
صر نجد العمونيين يُع ِّبّرون عن فرحهم عند تدميره القدس بالدّبك والتصفيق؛ وهذا المشهد عبّر عنه سكان النقب
بالخالعة والمجون .وفي عهد نبوخذ ن ّ
ُصوران عازفين على الكناره يُرافقان رقصا ً للدبكة أو ما يشبهها،
األقدمين ،كما يشهد على ذلك رسمان في النّقب يعودان إلى ما يقارب ألفين قبل الميالد ي ّ
يحركه بيده أثناء الرقّص.
"للواح\" يحمل منديالً ّ
حتى أن فيهما رسما ً \ ّ
(ولد حوالي سنة 64قبل المسيح – و توفّي عام 19بعد المسيح) أقدم أثر حول الموسيقى العربية ،ويتحدث عن األنباط الذين سكنوا األردن
لقد كتب سترابو ُ
حيث توجد آثار البتراء حتى يومنا هذا .وفي كتابه المسمى \"الجغرافيا\" يقول سترابو واصفا ً إحدى مآدب ملك األنباط.
\"لقد كانوا يتناولون طعامهم كل ثالثة عشر شخصاً حول مائدة ،ولكل مائدة ُو ِّّظف موسيقيان ...والملك هنا مدرك تماماً للحياة االجتماعية ،فهو ال يرضيه أن
يخدم نفسه فقط بل كثير ًا ما يخدم اآلخرين ويقدّم لهم الطعام بيديه\".
كما استطاع األنباط أن يضعوا المنطقة تحت إدارتهم بما في ذلك سوريا ودمشق .ولهذا يمكن أن تكون موسيقى األنباط قد تأثرت بالشعوب المجاورة ،ولعلّهم
مر الزمن حول النار أو أثناء التنقل في الصحراء الالمتناهية االمتداد.
غنوا أشعارهم كما يفعل البدو على ّ
ولقد ازدهرت تدمر بعد أن استطاع اإلمبراطور الروماني تراجان ( 68 -54ميالدية ) أن يُخضع األنباط في البتراء .ولكن وبعد القضاء على مدينة تدمر
ضعت كل المناطق التابعة لسيطرة األنباط تحت إشراف الغساسنة والمناذرة .وكان الغساسنة حلفا ٌء للبيزنطيين ،أما المناذرة ،الذين بنوا مدينتهم في الحيرة،
ُو ِّ
فوقعوا تحت تأثير الساسانيين الفرس.
ولقد حفظت أشعار العصر الجاهلي بعض تأثيرات الروم والفرس على العرب بما يتناسب وأحاسيسهم وأذواقهم؛ ولذلك بقيت اآلثار الرومانية في الوطن
العربي جسدا ً دون روح ،غريبةً عن الوسط الحضاري العربي .وفي هذا السياق ال بد من ذكر ظهور النصرانية في هذه المنطقة من العالم حيث تعمد المسيح
صر سكان المنطقة وشيّدوا الكنائس في أنحاء األردن وفلسطين ورتلوا في صلواتهم األلحان التي امتاز بها سكانها ،وال زالت الكنائس
بمياه نهر األردن وتن َّ
ت شرقية متنوعة.
الشرقية تتغنى بألحان في مقاما ِّ
لقد شهدت فلسطين واألردن في زمن األمويين والعباسيين تطورا ً ملحوظا ً فلقد بنى الخلفاء فيهما القصور والمساجد والتي تقف اليوم شاهدة برهافة الفن
اإلسالمي .لقد كان األمويون يطلبون مغنّي المدينة ومكة إلى دمشق ويُجزلون لهم العطاء .ولقد كان بعضهم يرافق الخلفاء واألمراء في رحالتهم إلى
القصور والحيران التي بنوها في الصحراء حيث كانوا يغنّون لهم يرفهون عنهم .ومن هذه القصور قصر عمرة في األردن الذي تحتوي جدرانه على
جداريات مرسومة لعازفين وراقصين.
وعُرف عن العباسيين حبهم الشديد للموسيقى والذي يفوق حُبّ أسالفهم األمويين .ووثائق تلك الحقبة التاريخية تد ّل على عناية العباسيين بالموسيقى
والمشتغلين بها ،وكتاب األغاني زاخر باألمثلة عن مغنين وعازفين مجيدين كان يفاخر بهم البالط الخلفاء .
ولقد كان من عادة الخلفاء األمويين والعباسيين أن يدفعوا بأبنائهم للصحراء ردحا من الزمن ليكتسبوا فصاحة اللسان بعد أن بدأ األعاج ُم بإفساد العربية إلى
أن فشا اللحن .وفي هذه الفترة أيضا ً ازداد تأثير األعاجم في الموسيقى.
لقد دام الحكم التركي قرابة أربعة قرون ولم تكن حكومة اسطنبول تبدي إال القليل من العناية بالواليات البعيدة ،ولذلك لم تكن لألردن مثالً من أهمية إال
لوجوده على طريق الحج إلى مكة والمدينة ،اهتمت الحكومة العثمانية بحماية طريق الحج وقوافله فقط.
وفي مضمار الموسيقى ،فقد تبع األتراك بشكل عام الخطوط اللحنية واإليقاعية التي ُرسمت في العصور العربية السالفة .ولعلّ الموسيقى الدينية كانت أكثر
تألقا ً وشدّا ً للنفس ،ففي زوايا المتصوفة َو َجدت الموسيقى الروحية عناية فائقةً.
لقد كانت الحالة الموسيقية في األردن في بداية تأسيس المملكة تُماثل وتُجاري حالتها في أثناء الحكم العثمانيَ ،مثلها في ذلك مثل فلسطين التي تعرف
الموسيقى الشعبية والموسيقى الدينية الصوفية .ومن سوريا ومصر أتت تأثيرات الموسيقى التقليدية كالموشحات واألغاني التقليدية وغير ذلك من القوالب
الموسيقية .وشرقي األردن التي كانت بعيدة عن العناية الحكومية وعن المراكز الثقافية الكبرى في العصر العثماني ،سمح للحياة البدوية إلى جانب األغاني
أغان متميّزة من أنواع السامر والهجيني مثالً.
ٍ الشعبية القروية أن تفرض وجودها كما فرضته األغنية البدوية .وفي جميع المناطق األردنية نسمع
بعد االحتالل اإلنكليزي عام ،1917بدأ التأثير األوروبي بإنفاذ جذوره في األردن وفلسطين .وبنفس الفترة بدأ اليهود يأتون إلى فلسطين بأعداد وفيرة مهيّئين
بذلك تأسيس دولة إسرائيل .ولقد استبان الصراع ضدّ القوى األجنبية واتّضح بأغاني تلك الفترة الشعبية الطابع؛ هذا الصراع الذي وصل إلى درجة الثورة
العزف على آال ٍ
ت موسيقية أوروبية. َ ضدّ االستعمار في عامي .1939 -1936في هذه المرحلة – أي منذ بدء االحتالل – تعلّم بعض الموسيقيين الفلسطينيين
ولقد ش ّكل بعض الموسيقيين العرب واليهود أول فرقة لإلذاعة التي تأسست في القدس عام .1936لقد كان باإلمكان أن تحظى الموسيقى بفلسطين بمستوى
المع لو أن نفير الحرب لم يصدح بين العرب واليهود قُبيل انتهاء فترة االنتداب البريطاني عام .1948
أما الموسيقى في شرقي األردن فبقيت كما كانت عليه سابقاً ،وبالرغم من ذلك فإن األغنية األردنية قد ُمثِّلت من بعض الموسيقيين الشرق أردنيين الذين
كانوا آنئذ يبثون أغانيهم الشعبية من إذاعة القدس.
في عام 1946ت ُ ّوج األمير عبد هللا ملكا ً على األردن ،و بهذا بدأ العمل لتطوير الدولة ولكن لألسف ،بعد سنتين لم تُسمع في المنطقة إال ضجّة المدافع
واألسلحة؛ وعن هذه األحداث نجد ما يلي مكتوبا ً في دليل ّ
زوار المملكة"\ :في عام ،1948اشتركت األردن مع القوى العربية األخرى في حرب لمواجهة
التوسع اإلسرائيلي .وبعد اتفاق وقف إطالق النار في عام ،1948وبعد التصويت اختار الجزء الباقي من فلسطين (الضفة الغربية) والذي حرره الجيش
العربي ،أن يصبح جزء ًا من المملكة األردنية الهاشمية\".
لقد شارك جميع سكان المملكة أردنيون وفلسطينيون ،من الضفة الغربية أم من المهاجرين في بناء الوطن .ونشهد في هذه الفترة تأسيس فرقة دار اإلذاعة
برام هللا وفرقتين من موسيقى الجيش .وفي هذه الفترة وتحت رعاية الملك عبد هللا األول ُوضعت بذور النهضة المقبلة وأسسها.
جوا ً ُمناسبا ً للتعبير عن أنفسهم وكذلك لالستمتاع في مناسبات األفراح االجتماعية خاصة ،ولقد
إن قسطا ً من ال ُحريّة واالستقرار في هذه المرحلة أ ّمن للناس ّ
والرقص علما ً بأنّ غالبية سكان األردن كانوا من الفالحين والبدو .ولذلك فإن رقص الدبكة والسحجة من
كان من عادات الناس أن يقوموا بأنفسهم بالغناء ّ
الرقصات الجماعية التي يقوم بها أهل الفرح وأصدقاؤهم وخاصة في مناسبات الزواج .وقد يدعو أصحاب الفرح أحد الشعراء /المغنين الشعبيين إلحياء
قوالي فلسطين أحيوا حفالت في شرقي األردن قبل النكبة والهجرة عام 1948من أمثال خليل
الحفل .ولقد قرأت على نمر سرحان أن بعض هؤالء من \" ّ
محمد كاشور .ولم يقتصر ذلك عليهم ،فإن عائالت كثيرة تجد أصولها ومنابتها في غير مكان إقامتها من الوطن العربي ،وهذا طبيعي قبل أن تصطنع
الحدود.
إن االستقرار واألمن الذي استطاع بنو هاشم أن يديموه في األردن ،والذي استطاع الملك عبد هللا بن الحسين تثبيته من أهم البُنى التحتيّة لنشأة وتطور الثقافة
والفنون في المستقبل .لقد استمر الشعب بممارسة نشاطاته الفنية في المناسبات االجتماعية والوطنية والدينية كما اعتاد على ذلك منذ أجيال بعيدة
الفترة الثانية:
في الحادي عشر من شهر آب عام 1952أصبح الحسين ،الذي كان ال يزال في السابعة عشرة من عمره عاهالً للمملكة.
ولقد بذلت الحكومة األردنية في عهد الملك الشاب ،كل ما بوسعها للحفاظ على االستقرار والنظام مهيأة المناخ المناسب للنهضة االقتصادية والثقافية .ويذكر
الغرباء واألجانب اللذين يعرفون األردن بأنه أفضل بالد الشرق العربي إدارة.
ولقد أحرزت الحياة الثقافية والتعليمية تقدما ً ملحوظا ً بالرغم من األزمات الصعبة التي تح ّملها األردن.
وفي عهد الحسين أنشأت الحكومة مؤسسات موسيقية مثل دار اإلذاعة والتلفزيون في عمان ،ومعهد الموسيقى ،وفرقة الرقص الشعبي .كما أصدرت مجلتي
أفكار والفنون الشعبية ،وأصبحت وزارة ُ التربية تعتبر الموسيقى مساوية األهمية لغيرها من الموضوعات الثقافية والتعليمية ولذلك أسست قسما ً لتأهيل
معلمين لها في معهد تدريب المعلمين في عمان .وفي هذه الحقبة أُنشئت جمعيات ومراكز فنية وثقافية ،ومن َمهامها تنظيم النشاطات الموسيقية والمسرحية
والمهرجانات وحفالت الرقص والمعارض الفنية .كما أُنشأت عام 1981 -1980في جامعة اليرموك دائرة الفنون الجميلة ّ
لتدرس جميع الفنون عامه
والموسيقى خاصة على رأسها ،ولقد تحولت في عام 2001إلى كلية الفنون الجميلة وأحد أقسامها قسم الموسيقى؛ وكذلك فرق موسيقى القوات المسلحة
واألمن العام وفرقة اإلذاعة والتلفزيون كما نود اإلشارة إلى مهرجان جرش ،وإنشاء المعهد الوطني للموسيقى ،واألكاديمية األردنية للموسيقى ،ورابطة
الموسيقيين التي أصبحت اآلن نقابة الفنانين.
توفي الملك الحسين بن طالل في السابع من شباط ،1999كما توج الملك عبد هللا الثاني بن الحسين ملكا ً في نفس اليوم.
لم يتوان الملك عبد هللا الثاني في إظهار دعمه وتشجيعه للحركة الفنية والموسيقية ،إذ بادر إلى دعم الحركة الموسيقية بإطالق مهرجان األغنية األردنية،
وجائزة الملك عبد هللا الثاني لإلبداع الموسيقي التي تبرع بها جاللته شخصيا ً لعام 2001؛ وكانت الجائزة والمهرجان تتويجا ً للعمل الموسيقي في األردن
عامة على مدى ثمانين عاما ً من تاريخه الحديث .ولقد أقيم المهرجان ّ
األول في .2001/9/1
المصدر:
"بتصرف\"
ُّ الحياة الموسيقية في األردن ،د .عبد الحميد حمام ،وزارة الثقافة ،عمان\ .2008 ، -