Beruflich Dokumente
Kultur Dokumente
الدولة اإلخشيدية إحدى الدول اإلسالمية التي استقلت عن الدولة العباسية في مصر والشام .ترجع نسبة هذه الدولة
إلى محمد بن طغج الملقّب باإلخشيد ،الذي كان من موالي آل طولون ،فقلّده الخليفة الراضي باهلل والية مصر بعد
نجاحه في ص ِّ ّد هجوم العبيديين (الفاطميين) عليها؛ ولذا منحه الخليفة لقب اإلخشيد ،وهو اللقب الذي كان يطلق
على ملوك فرغانة .
ونجح أيضًا في التصدي ألمير األمراءابن رائقفي البر والبحروهزمه ،ومن ث َ َّم أصبح اإلخشيد من أكبر القوى في
العالم اإلسالمي ،ودافع عن الخليفة منعبثابنرائق،فاعترف له الخليفة بوالية مصر وراثة في أبنائه ،وأقره على
ما استولى عليه من بالدالشام ،ودخلت الحجاز في سلطانه.
وتصدى أيضًا ألطماع سيف الدولة الحمداني في الشام ،وهزمه في موقعة قنسرين ،ودخل حلب،وعقد معه
صل ًحا ،تنازل له الحمدانيون بموجبه عن شمالي سوريا.
مزدهرا في ميادين الفنون واآلداب والعلوم .كما
ً وقد شهدت مصر في عصر الدولة اإلخشيدية نشا ًطا حضاريًّا
اهتم اإلخشيديون بانتعاش األحوال االقتصادية في مصر ،وأولوا عنايتهم بالزراعة والصناعة والتجارة .
وعلي) ،وكانا صغيرين ،فحكما تحت وصاية مواله كافور الذياشتراه ورباه ّ تو ِّفّي اإلخشيد فخلفه ابناه (أنوجور
تربية عسكرية ،وأصبح يترقى إلى أن وصل إلى مرتبة قائد عام الجيش.
وقد استطاع كافور خالل وصايته أن يحافظ على تماسك الدولة ،وأن يدافع عنها ضد خطر الحمدانيين في
العبيدي
ّ الشمال ،والقرامطة الذين أغاروا على جنوبي بالد الشام ،وأمراء النوبة في الجنوب ،كما تصدى للزحف
باتجاه مصر.
وبعد وفاة كافور اإلخشيدي سنة 357هـ عمت الفوضى واالضطرابات معظم أنحاء مصر ،وتدهورت أحوالها
االقتصادية ،ولم تمض مدة طويلة على موته حتى دخل الفاطميون مصر سنة 358هـ،واستولوا عليها
من الخالفة العباسية.
اإلخشيديون في سطور
تأسست الدولة اإلخشيدية سنة 323هـ واستمرت حتى سنة 358هـ ،ومؤسسها هو محمد بن طغج
الملقب باإلخشيد ،واإلخشيد معناه "ملك الملوك" وطغج "عبد الرحمن" ،واإلخشيد لقب ملوك فرغانة ،وهي
إحدى بالد ما وراء النهر التي تتاخم بالد التركستان[1].
وكان طغج من موالي آل طولون ،وكان الخليفة الراضي باهلل ( 322ـ 329هـ) قد رضي عن محمد بن طغج
حينما صد هجوم الفاطميين على مصر سنة 323هـ فقلَّده واليتها ،وكانت عالقة اإلخشيديين بالخالفة عالقة
والء كامل حتى إن محمد بن طغج عرض على الخليفة العباسي المتقي هلل ( 329ـ 333هـ) أن ينتقل إلى
مقرا للخالفة ولكن الخليفة رفض.
مصر ويجعلها ً
وبالجملة فقد كان والة هذه الدولة متدينين ،فقد كان بالط اإلخشيد مجتمعًا للعلماء واألدباء ،وكان ابن طغج
يحضر ختمة القرآن في رمضان ويبكي عند سماعه[2].
][1ابن تغري بردي :النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة .357 ، 351 /1د /حمدي عبد المنعم:
محاضرات في تاريخ مصر اإلسالمية ،ص .80،81الموسوعة الميسرة في التاريخ اإلسالمي ،تقديم د/
راغب السرجاني . 353 / 1
][2األنطاكي :تاريخ األنطاكي ،ص .46ابن تغري بردي :النجوم الزاهرة .254 / 3الموسوعة الميسرة
في التاريخ اإلسالمي ،تقديم د /راغب السرجاني . 353 / 1
شجرة الحكم
][1د /طقوش :تاريخ الدولة العباسية ،ص .204د /حسن إبراهيم حسن :تاريخ اإلسالم .142 / 3
الموسوعة الميسرة في التاريخ اإلسالمي ،تقديم د /راغب السرجاني . 354 / 1
][1د /سيدة إسماعيل كاشف :مصر في عصر اإلخشيديين ،ص .299د /محمود الحويري :مصر في
العصور الوسطى األوضاع السياسية والحضارية ،ص. 133
][2المقريزي :الخطط .455 /2د /محمود الحويري :مصر في العصور الوسطى األوضاع السياسية
والحضارية ،ص. 134 ،133
][3د /طقوش :تاريخ الدولة العباسية ،ص .206 ،204د /حمدي عبد المنعم :محاضرات في تاريخ
مصر اإلسالمية ،ص. 298
][4د /علي إبراهيم حسن :مصر في العصور الوسطى من الفتح العربي إلى الفتح العثماني ،ص .437د/
محمود الحويري :مصر في العصور الوسطى األوضاع السياسية والحضارية ،ص. 135
][5أرشيبالد لويس :القوى البحرية والتجارة في حوض البحر المتوسط ،ترجمة /أحمد محمد عيسى،
مراجعة د /محمد شفيق غربال ،ص .257د /محمود الحويري :مصر في العصور الوسطى األوضاع
السياسية والحضارية ،ص. 136
][7أرشيبالد لويس :القوى البحرية والتجارة في حوض البحر المتوسط ،ص. 258
][8د /حمدي عبد المنعم :محاضرات في تاريخ مصر اإلسالمية ،ص . 273
][9أرشيبالد لويس :القوى البحرية والتجارة في حوض البحر المتوسط ،ص .257د /محمود الحويري:
مصر في العصور الوسطى األوضاع السياسية والحضارية ،ص. 136
لحظات حاسمة
في سنة 328هـ عقد اإلخشيد صل ًحا مع ابن رائق على الرغم من انتصار اإلخشيد عليه ،فقد كان اإلخشيد
يخشى أن تواصل الخالفة العباسية الحمالت عليه ،كما كان يخشى خص ًما آخر يهدده من ناحية مصر الغربية
وهو الخليفة الفاطمي ][1وكان من الممكن زوال الدولة سري ًعا لو لم يعقد اإلخشيد هذا الصلح مع ابن رائق .
وقد أوصى محمد اإلخشيد بن طغج بالملك من بعده لولديه الصغيرين أنوجور وعلي على أن يتولى كافور
الحبشي الوصاية عليهما ،وفعالً حكم كافور مصر اثنين وعشرين عا ًما كوصي حتى إذا توفي أنوجور وعلي
استب َّد بالحكم واعترفت الخالفة العباسية به حاك ًما على مصر.
وقد استطاع كافور خالل وصايته أن يحافظ على تماسك الدولة وأن يدافع عنها ضد خطر الحمدانيين في
الشمال ،والقرامطة الذين أغاروا على جنوبي بالد الشام ،وأمراء النوبة في الجنوب ،كما تصدى للزحف العبيدي
باتجاه مصر.
ثم حدث أن اضطربت األوضاع في مصر بعد وفاة كافور في عام 357هـ = 968م بفعل صغر سن خلفه أبو
الفوارس أحمد ،وعدم وجود شخصية قوية بين رجال البالط تستطيع ملء الفراغ الذي تركه؛ فأدرك الخليفة
العبيدي المعز سوء الحالة السياسية واالقتصادية في مصر فاستغلها واستولى على البالد في عام 358هـ =
969م[2].
][2ابن تغري بردي :النجوم الزاهرة .25 ،24 ،18 ،2 / 4د /طقوش :تاريخ الدولة العباسية ،ص
. 208 ،207
شهد أوائل عهد أنوجور ثورة داخلية فقد خرج والي األشمونيين المعروف باسم غلبون بعد أن استبد باألمور
في منطقة نفوذه حتى شكا منه التجار ،وقد أعدت الحكومة المركزية فرقة من الجند سارت إليه في جمادى
اآلخرة سنة 335هـ ولكن هذا الثائر دبر كمينًا لهم واستطاع أن يقتل ً
كثيرا منهم وأفلت قائدهم سادن
اإلخشيدي بنفسه.
ثم نظمت الحكومة جيشًا الخضاع غلبون ،ولكنه خالف الجيش اإلخشيدي في الطريق واستطاع الوصول إلى
الفسطاط ودخل دار اإلمارة واتفق مع أبي بكر محمد بن أحمد الماذرائي على أن يقوم بتدبير األمور في البالد،
ولكن الجيش اإلخشيدي كر على غلبون في الفسطاط وهزمه وطرده منها ،فخرج إلى الشرقية ولحقه الجند
اإلخشيديون ،وكانت بينهما معركة شديدة انتهت بقتل غلبون في ذي الحجة سنة 336هـ[1].
][1د /حمدي عبد المنعم :محاضرات في تاريخ مصر اإلسالمية ،ص . 95 ،94
][1محمود شاكر :التاريخ اإلسالمي ،الدولة العباسية .130 / 6د /طقوش :تاريخ الدولة العباسية ،ص
205ـ .207د /حمدي عبد المنعم :محاضرات في تاريخ مصر اإلسالمية ،ص . 92
][2د /محمود الحويري :مصر في العصور الوسطى األوضاع السياسية والحضارية ،ص .130
][3د /حمدي عبد المنعم :محاضرات في تاريخ مصر اإلسالمية ،ص .94
][4المقريزي :الخطط .197 /1د /محمود الحويري :مصر في العصور الوسطى األوضاع السياسية
والحضارية ،ص. 132
تشجيع األمراء اإلخشيديين للحياة العلمية
عندما حكم اإلخشيديون مصر ازداد تيار العلم واألدب قوة وتدفقًا وذلك ألن األمراء اإلخشيديين وكبار رجال
كثيرا من األيادي ،وقد روي أن اإلخشيد أعجب بعلم دولتهم كانوا يعطفون على العلماء واألدباء ويسدون إليهم ً
أحد الفقهاء فواله على سواحل مصر.
كافورا أمر بعشرين ألف دينار لتفرق على فقهاء الشافعية عندما علم أن الخليفة عبد الرحمن
ً وذكر ـ أيضًا ـ أن
الناصر األندلسي أرسل عشرة آالف دينار لتفرق على فقهاء المالكية ،وأن الوزير محمد بن علي بن مقاتل كان
يجري على سيبويه المصري مبلغًا من المال في كل شهر [1].
علماء الشرع
لقد تميز عهد الدولة اإلخشيدية بظهور عدد كبير من أعالم الفقه من أبناء مصر حظوا برعاية طيبة من األمراء
اإلخشيديين ،وكان لهم نشاط علمي ملحوظ في الحياة العلمية وكان على رأس الفقهاء الشافعية في هذا العهد
أبو بكر محمد بن جعفر الكناني المصري المعروف بابن الحداد
(ت 344هـ 955 /م ) الذي تولى القضاء والتدريس بمصر قال عنه ابن خلكان" :كان متصرفًا في علوم
كثيرة من علوم القرآن الكريم والفقه والحديث والشعر وأيام العرب والنحو واللغة وغير ذلك ،ولم يكن في زمانه
مثله ،وكان محببًا إلى الخاص والعام ،وحضر جنازته األمير أبو القاسم أنوجور بن اإلخشيد وكافور وجماعة من
أهل البلد"[2].
وظهر من فقهاء الشافعية ـ أيضًا ـ أبو رجاء محمد بن أحمد بن الربيع األسواني (ت 335هـ 946 /م )،
وعبد هللا بن محمد الخصيبي (ت 348هـ 959 /هـ ) وعبد هللا بن محمد بن عبد هللا بن الناصح (ت 365
هـ 976 /م )[3].
أما فقهاء المالكية فيأتي في مقدمتهم هارون بن محمد بن هارون األسواني ( ت 327هـ 939 /م
])[4وعلي بن عبد هللا بن أبي مصر اإلسكندراني ( ت 330هـ 942 /م ) وأبي بكر أحمد بن عمرو
الطحان ( ت 333هـ 944 /م ) ومحمد بن أحمد بن أبي يوسف الخالل (ت 339هـ 950 /م
])[5ومحمد بن يحيى بن مهدي بن هارون األسواني ( ت 340هـ 951 /م ) وأحمد بن محمد بن جعفر
األسواني ( ت 364هـ 975 /م ] )[6وغيرهم من العلماء .
األدباء والشعراء
ازدهر األدب في مصر في العصر اإلخشيدي ،لكن يالحظ أن حظ النثر كان أوفر من حظ الشعر ،وأن الشعر كانت
فيه المسحة العراقية والميل إلى السجع والمزاوجة مع إطناب في اللفظ وتكرار المعنى وإقبال على الجمل
القصيرة وكان فارس حلبة النثر الفني في العصر اإلخشيدي إبراهيم بن عبد هللا بن محمد النجيرمي ][7وممن
برز من أبناء مصر في األدب في العصر اإلخشيدي سيبويه المصري وهو أبو بكر محمد بن موسى بن عبد
العزيز الكندي الصيرفي (ت 358هـ 968 /م )[8].
أما الشعر في العصر اإلخشيدي فكان هزيالً نحيالً وال نكاد نجد من الشعراء المصريين من يصل إلى مكانة
شعراء العراق أمثال أبي تمام والبحتري وابن الرومي ومن شعراء مصر في هذا العصر أحمد بن محمد بن
إسماعيل بن القاسم بن إبراهيم بن طباطبا ( ت 345هـ 956 /م ) وقد روى الثعالبي أبياتًا من مختاراته
منها:
خليلي إني للثريا لحاسد ...وإني على صرف الزمان لواجد
أيبقى جميعًا شملها وهي سبعة ...وأفقد من أحببته وهو واحد؟
كذلك من لم تخترمه منية ...يرى عجبًا فيما يرى ويشاهد
والقاسم بن أحمد الرسي وهو ابن الشاعر السابق ،وأدرك القاسم الدولة الفاطمية ،وسعيد قاضي البقر ،وكان مقربًا
إلى اإلخشيد لما امتاز به من حلو الفكاهة وحسن الحديث ،ومحمد بن الحسن بن زكريا ،ومهلهل بن يموت
وغيرهم [9].
وقد زار مصر في العصر اإلخشيدي بعض الشعراء المشهورين منهم أبو الطيب المتنبي ،فأقام بها أربع سنوات
عند كافور اإلخشيدي يمدحه بغرض الحصول على منصب هام ولكنه لم ينل بغيته؛ فانقلب على كافور يهجوه
هجا ًء قاسيًا.
ومما قاله المتنبي في مدح كافور:
كفى بك دا ًء أن ترى الموت شافيًا ...وحسب المنايا أن يكن أمانيا][10
كما مدحه بقوله:
قواصد كافور توارك غيره ...ومن قصد البحر استقل السواقيا
فجاءت بنا إنسان عين زمانه ...وخلَّت بياضا ً خلفها ومآقيا][11
ولما لم يحقق المتنبي ما كان يطمع فيه من مناصب؛ نظم قصيدته الدالية المشهورة التي هجا فيها كافور
ومطلعها:
عدْتَ يا عي ُد ...بما مضى ِّأم ألمر فيكَ تجدي ُد
عي ُد بأيّة حا ٍل ُ
ومنها:
ال تشتر العبد إال والعصا معه ...إن العبيد ألنجاس مناكيد
من علم األسود المخصي مكرمة ...أقومه البيض أم آباؤه الصيد؟
أم أذنه في يد النخاس دامية ...أم قدره وهو بالفلسين مردود؟
وذاك أن الفحول البيض عاجزة ...عن الجميل فكيف الخصية السود][12
ومنها:
مصر تمهي ُد َ السوء سيده ...أو خانه فله في
ِّ أكلما اغتال عب ُد
فالحر مستعَب ُد والعب ُد معبود][13 ُّ صي إما َم اآلبقين بها ... صار ال َخ ُّ
النحاة
أما النحو فقد نبغ فيه جماعة من العلماء من أشهرهم محمد بن عبد هللا بن مسلم ( ت 330هـ 941 /م )
وابن والد أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد التميمي المصري مصنف كتاب " االنتصار لسيبويه " (ت
332هـ 943 /م ) ،وأبو جعفر النحاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي المصري ( ت
338هـ 949 /م)[14].
وأبو بكر محمد بن موسى بن عبد العزيز الكندي المصري .يعرف بابن الجبي ،نسبة إلى جبة موضع بمصر،
يلقب بسيبويه (ت 358هـ 969 /م )[15].
القصاص
كان بمصر في ذلك العصر جماعة من القصاص نذكر منهم :أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن الحسن
البغدادي المصري (ت 338هـ 949 /م ] )[16ومنهم أيضًا أئمة جامع عمرو بن العاص رضي هللا عنه
في ذلك العصر وهم عمر بن الحسن الهاشمي ،وسليمان بن محمد بن رستم ،والحسن بن موسى
الخياط [17].
المؤرخون
أما المؤرخون في العصر اإلخشيدي فكان لهم شأن عظيم منهم الحسن بن القاسم بن جعفر بن دحية أبو علي
الدمشقي ( ت 327هـ ] )[18وأبو عمر الكندي محمد بن يوسف بن يعقوب بن حفص بن يوسف التجيبي
( ت 350هـ ) يقول السيوطي :إن أبا عمر الكندي صنف كتاب فضائل مصر ،وكتاب قضاة مصر في زمن
كافور [19].
كذلك المؤرخ الحسن بن إبراهيم المعروف بابن زوالق ( ت 387هـ 997 /م ) ممن اهتموا بتدوين تاريخ
مصر وخططها ومن مؤلفاته كتاب "فضائل مصر" و"سيرة محمد بن طغج اإلخشيد" و"أخبار سيبويه
المصري" وغيرها من المصنفات[20].
وابن يونس وهو أبو سعيد عبد الرحمن بن أبي الحسن أحمد بن أبي موسى يونس بن عبد األعلى بن موسى بن
خبيرا بأيام الناس
ً ميسرة بن حفص بن حيان الصدفي المصري ( ت 347هـ ) صاحب تاريخ مصر ،كان
وتواريخهم ][21جمع لمصر تاريخين أحدهما وهو األكبر يختص بالمصريين ،واآلخر وهو صغير يشتمل
على ذكر الغرباء الواردين على مصر [22].
ومن المؤرخين الذين أدركوا العصر اإلخشيدي سعيد بن البطريق ( ت 328هـ 939 /م ) فقد كان بطريركًا
على اإلسكندرية ،كما مارس الطب فترة من الزمن بالفسطاط ،وألف كتابه المشهور " التاريخ المجموع على
التحقيق والتصديق " تناول فيه التاريخ منذ الخليقة إلى العصر الذي عاش فيه [23].
األطباء
ظهر عدد كبير من األطباء في الدولة اإلخشيدية نذكر منهم :نسطاس بن جريج كان نصرانيًا عال ًما بصناعة
الطب ،وكان في خدمة دولة اإلخشيد بن طغج ،ولنسطاس بن جريج من الكتب :كناش ،ورسالة إلى يزيد بن
رومان النصراني األندلسي في البول[24].
متميزا في معرفة األدوية المفردة وأفعالها ،وله من الكتب كتاب " التكميل في ً والبالسي فقد كان طبيبًا فاضالً
األدوية المفردة " ألَّفه لكافور اإلخشيدي[25].
ّللا محمد بن أحمد بن سعيد التميمي ،فقد كان مقامه أوالً بالقدس ونواحيها وله معرفة جيدة والتميمي أبو عبد ّ
متميزا أيضًا في أعمال الطب واالطالع على دقائقها ،وله خبرة فاضلة في ً بالنبات وماهياته والكالم فيه ،وكان
تركيب المعاجين واألدوية المفردة.
ّللا.انتقل إلى الديار المصرية ،وأقام بها إلى أن توفي رحمه ّ
وقال الصاحب جمال الدين بن القفطي في كتاب "إخبار العلماء بأخبار الحكماء" إن التميمي محمد بن أحمد بن
سعيد كان جده سعيد طبيبًا ،وكان له غرام وعناية تامة في تركيب األدوية ،وحسن اختيار في تأليفها ،وعنده
غوص على أمور هذا النوع ،واستغراق في طلب غوامضه ،وهو الذي أكمل الترياق الفاروق بما زاده فيه من
المفردات ،وذلك بإجماع األطباء على أنه الذي أكمله ،وله في الترياق عدة تصانيف ما بين كبير ومتوسط
ّللا بن طغج المستولي على مدينة الرملة ،وما انضاف إليها من البالد صا بالحسن بن عبد ّ وصغير ،وقد كان مخت ً
الساحلية وكان مغر ًما به وبما يعالجه من المفردات والمركبات ،وعمل له عدة معاجين ولخالخ طبية ودخن
دافعة للوباء وسطر ذلك في أثناء مصنفاته ،ثم أدرك الدولة العبيدية عند دخولها إلى الديار المصرية وصحب
الوزير يعقوب بن كلس وزير المعز والعزيز وصنف له كتابا ً كبيرا ً في عدة مجلدات سماه
"مادة البقاء بإصالح فساد الهواء ،والتحرز من ضرر األوباء".
كما ركب ترياقًا سماه مخلص النفوس قال عنه :هذا ترياق ألفته بالقدس وأحكمت تركيبه مختص ،نافع الفعل،
دافع لضرر السمومات القاتلة المشروبة والمصبوبة في األبدان ،بلسع ذوات السم من األفاعي والثعابين،
وأنواع الحشرات المهلكة والعقارب الجرارات وغيرها ،وذوات األربع واألربعين رجالً ،ومن لدغ الرتيالء
والعضايات مجرب ليس له مثل ،ثم ساق مفرداته وصورة تركيبه في كتابه المسمى بمادة البقاء ،ولما كان
بمصر صنف جوارشن وركبه وسماه "مفتاح السرور من كل الهموم ومفرح النفوس" ألفه لبعض إخوانه
بمصر ،وكان التميمي هذا موجودًا بمصر في سنة سبعين وثالثمائة .
وللتميمي من الكتب " رسالة إلى ابنه علي بن محمد في صنعة الترياق الفاروق والتنبيه على ما يغلظ فيه من
أدوية ،ونعت أشجاره الصحيحة وأوقات جمعها وكيفية عجنه ،وذكر منافعه وتجربته" ،وكتاب آخر في الترياق،
وقد استوعب فيه تكميل أدويته وتحرير منافعه ،وكتاب مختصر في الترياق ،وكتاب مادة البقاء بإصالح فساد
الهواء والتحرز من ضرر األوباء " صنفه للوزير أبي الفرج يعقوب بن كلس بمصر ،ومقالة في ماهية الرمد
وأنواعه وأسبابه وعالجه ،وكتاب الفحص واألخبار [26].
السياسيون
كان محمد بن طغج اإلخشيد من السياسيين البارعين ومما يذكر له في هذا المجال أنه حاول نفس المحاولة التي
قام بها أحمد بن طولون من قبل وهي نقل الخالفة العباسية إلى مصر لتكون تحت حمايته ،وكانت محاولة
اإلخشيد سنة 333هـ 944 /م حينما استبد األمراء األتراك بالخليفة العباسي المتقي باهلل ( 329هـ ـ
333هـ ) وتقاعس الحمدانيون في حلب عن نجدته فالتقى به اإلخشيد في الشام وأبدى له بالغ االحترام
والتقدير ،ودعاه إلى ترك بغداد والمجيء إلى مصر واإلقامة بها وكان مما قاله للخليفة " :يا أمير المؤمنين أنا
عبدك وابن عبدك ،وقد عرفت األتراك وغدرهم وفجورهم ،فاهلل في نفسك سر معي إلى الشام ومصر فهي لك
وتأمن على نفسك".
ولكن الخليفة فضل أال يترك عاصمة ملكه ،ورفض عرض اإلخشيد[27].
وال شك أنه لو أتيح لإلخشيد أن ينجح في جذب الخليفة إلى مصر لتغير ـ إلى حد ما ـ مستقبل الخالفة ومستقبل
مصر .
وكان كافور اإلخشيدي من أبرز السياسيين في العصر اإلخشيدي ،فقد عقد محمد بن طغج اإلخشيد قبل وفاته
لولده الصغير أبي القاسم أنوجور الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره عندما ولي الحكم ،فتولى الوصاية
عليه غالم أبيه كافور اإلخشيدي الذي أصبح صاحب النفوذ المطلق في الدولة اإلخشيدية.
فبعد وفاة محمد بن طغج اإلخشيد سنة 334هـ 946 /م انفرد كافور بالسلطة وأصبح صاحب األمر والنهي،
وكان يخرج ألنوجور كل سنة أربعمائة ألف دينار لتغطية نفقاته ،وعندما بلغ أنوجور سن الرشد حرضه بعض
المتصلين به على الثورة ضد كافور وتدبير شئون الدولة بنفسه ،فابتعد أنوجور عن كافور وقرر التوجه إلى
الرملة لمناوأته ،ولكن أمه خافت عليه وأخبرت كافور بخبره ،وانتهى األمر بالصلح بينهما ،وقد استطاع كافور
أن يحافظ على الدولة أثناء وصايته على أنوجور [28].
][1د /حمدي عبد المنعم :محاضرات في تاريخ مصر اإلسالمية ،ص .349
][2ابن خلكان :وفيات األعيان .198 ،197 / 4د /محمود الحويري :مصر في العصور الوسطى
األوضاع السياسية والحضارية ،ص. 134
][3األدفوي :الطالع السعيد ألسماء نجباء الصعيد ،ص .485السيوطي :حسن المحاضرة . 401 / 1
][7د /سيدة إسماعيل كاشف :مصر في عصر اإلخشيديين ،ص .325د /محمود الحويري :مصر في
العصور الوسطى األوضاع السياسية والحضارية ،ص. 137
][8المقريزي :المقفى .313 / 7د /محمود الحويري :مصر في العصور الوسطى األوضاع السياسية
والحضارية ،ص. 137
][9السيوطي :حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة .240 /1الثعالبي :يتيمة الدهر .370 / 1د/
مصطفى طه بدر :مصر اإلسالمية ،ص .279د /محمود الحويري :مصر في العصور الوسطى األوضاع
السياسية والحضارية ،ص .137د /حمدي عبد المنعم :محاضرات في تاريخ مصر اإلسالمية ،ص 363ـ
. 365
][10النويري :نهاية األرب في فنون األدب .306 / 2د /محمود الحويري :مصر في العصور الوسطى
األوضاع السياسية والحضارية ،ص .138 ،137د /حمدي عبد المنعم :محاضرات في تاريخ مصر
اإلسالمية ،ص . 366 ،365
][13يوسف البديعي :الصبح المنبي عن حيثية المتنبي ،ص .32د /محمود الحويري :مصر في العصور
الوسطى األوضاع السياسية والحضارية ،ص . 138
][14السيوطي :حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة .531 /1د /محمود الحويري :مصر في
العصور الوسطى األوضاع السياسية والحضارية ،ص .139 ،138د /حمدي عبد المنعم :محاضرات في
تاريخ مصر اإلسالمية،ص.357
][17د /سيدة إسماعيل كاشف :مصر في عصر اإلخشيديين ،ص .197د /حمدي عبد المنعم :محاضرات
في تاريخ مصر اإلسالمية،ص. 358
][20ابن خلكان :وفيات األعيان .92 ،91 / 2السيوطي :حسن المحاضرة .554 ،553 /1ابن
كثير :البداية والنهاية . 221 /11
][21السيوطي :حسن المحاضرة .147 / 1الذهبي :العبر في خبر من غبر . 142 / 1
][23د /سيدة إسماعيل كاشف :مصر في عصر اإلخشيديين ،ص .345د /محمود الحويري :مصر في
العصور الوسطى األوضاع السياسية والحضارية ،ص . 140
][27المقريزي :المقفى .750 ،749 /5ابن تغري بردي :النجوم الزاهرة .255 ، 254 / 3د/
محمود الحويري :مصر في العصور الوسطى األوضاع السياسية والحضارية ،ص . 131 ،130
][28ابن تغري بردي :النجوم الزاهرة 3م .293 ،292د /محمود الحويري :مصر في العصور
الوسطى األوضاع السياسية والحضارية ،ص . 131
لقد أشاد المؤرخون بمحمد بن طغج اإلخشيد ومدحوه فوصفه المقريزي قائالً" :وكان حاز ًما شديد التيقظ في
حروبه حسن التدين مكر ًما لألجناد شديد القوى ال يكاد يجر قوسه غيره حسن السيرة في الرعية نجيبًا
شه ًما "[1].
سا".ويقول عنه ابن تغري بردي ..." :وكان كافور عاقالً سيو ً
وقال الذهبي" :وكان كافور يدني الشعراء ويجيزهم ،تقرأ عنده في كل ليلة السير وأخبار الدولة األمويةوالعباسية
خبيرا
ً وله ندماء ،وكان عظيم الحمية ...زاد ملكه على ملك مواله اإلخشيد ،وكان كري ًما كثير الخلع والهبات،
بالسياسة ،فطنًا ذكيًا جيد العقل داهية ،كان يهادي المعز صاحب المغرب ويظهر ميله إليه ،وكذا يذعن بالطاعة
لبني العباس ،ويداري ويخدع هؤالء وهؤالء ،وتم له األمر"[2].
كان مغر ًما بالرمي ،وكان يداوم الجلوس غدوة وعشية لقضاء حوائج الناس ،وكان يتهجد ويمرغ وجهه ساجدًا
علي مخلوقا ً [3].
َّ ويقول :الل ُه َّم ال تُس ِّلّط
سا الأما الدكتورة /سيدة إسماعيل كاشف فتقول :ومع أن استقالل مصر في العصر اإلخشيدي كان استقالالً ملمو ً
شك فيه وإن ظلت الروابط الروحية ومقتضيات األحوال السياسية تربطها بالحكومة المركزية في بغداد من غير
أن تصل بها إلى التبعية المطلقة شأنها في ذلك شأن الدولة الطولونية ،إال أن استقالل الطولونيين كان يبدو لبعض
أثرا ،ولعل السبب في هذا أن اإلخشيديين لم يحاربوا الحكومة المركزية في بغدادالباحثين أوضح وأظهر ً
صراحة كما فعل أحمد بن طولون وابنه خمارويه [4].
ويقول الدكتور /محمود الحويري" :هنا نالحظ أن استقالل مصر في عصر اإلخشيديين في ظل تبعية اسمية
للخالفة العباسية لهو خير دليل على احتفاظ مصر بشخصيتها على نسق فريد ،يختلف تما ًما عن الدويالت التي
قامت في العالم اإلسالمي ،والتي نزعت إلى االستقالل القومي في فارس في القرنين الثالث والرابع الهجري (
التاسع والعاشر الميالدي )"[5].
ويقول الدكتور /حسن أحمد محمود ،والدكتور /أحمد إبراهيم الشريف ..." :إن الدولة التي أقامها اإلخشيد في
مصر أتاحت للشعب المصري أن يعيش فترة من الزمن في هدوء واستقرار بعيدًا عن الفوضى والفتن التي
انتابت الخالفة العباسية ،ومن أجل المحافظة على نفوذه في مصر والشام أسس اإلخشيد جيشًا قويًا ليعزز
سياسته الداخلية والخارجية على غرار ما فعله أحمد بن طولون قبله كما سار على نفس السياسة التي سار
عليها وهي تقربه من المصريين واكتساب ودهم والفوز بوالء األقباط الذين كانوا ال يزالون في ذلك الوقت قوة
يحسب لها حساب"[6].
][2الذهبي :تاريخ اإلسالم .174 / 6ابن تغري بردي :النجوم الزاهرة . 390 /1
][6د /حسن أحمد محمود ،د /أحمد إبراهيم الشريف :العالم اإلسالمي في العصر العباسي ،ص. 438
كافورا بمصر
ً يقول آدم متز عن لقب األمراء" :بهذا االسم كان يسمى والة البالد ـ وكذلك أبناء بيت الخالفة ـ إال
امتنع من التسمي باإلمارة ورأى تواضعًا أن يجرى على رسمه في المخاطبة باألستاذية"[1].
"وقد حسن حال مصر على يديه وعنى بالنظام فيها وأمر بضرب الدينار اإلخشيدي على عيار كامل وصلحت
النقود في عهده بعد فسادها ،وكان جيشه أعظم جيوش عصره"[2].
"كان الغالب على اإلخشيد الحياء ورقة الوجه ،وكان إذا صادر أحدًا لم يعذبه ولم يضربه ولم يضيق عليه ولم
يره حتى تنتهي المصادرة ،وكان رسمه أال يتعرض للحرم ،وكان يحب الصالحين ويكرمهم ويركب إليهم ويطلب
دعاءهم"[3].
"وكان الثلج يحمل من الشام إلى قصر كافور اإلخشيدي بمصر ليستعمل في تبريد المشروبات"[4].
"في عام 324هـ شرع اإلخشيد في إجراء حلبة السباق على رسم أحمد بن طولون"[5].
أما لينبول فيقول" :إن حكومة اإلخشيديين كانت من الناحية الشرعية ال تزيد عن كونها حكومة إقليمية تابعة
للخالفة العباسية ،أما من ناحية الواقع فإن هذه الحكومة كانت مستقلة استقالالً يكاد يكون تا ًما ،وكانت لها جميع
مظاهر الحكومات المستقلة تقريبًا"[6].
كما شهد البابا شنودة للدولة اإلخشيدية ،ومؤسسها محمد بن طغج اإلخشيد [ 334 – 323هـ – 935 /
946م] "الذي كان يبنى الكنائس بنفسه وتولى ترميمها"[7].
ويقول ـ أيضًا ـ " ونذكر أيضًا بعض نواحي محبة وتعاون ؛ فمثالً في الدولة اإلخشيدية كان محمد بن طغج
اإلخشيدي يحتفل مع األقباط بعيد الغطاس في جزيرة في النيل ،وقد أوقدوا حوله ألف قنديل]"[8
][1آدم متز :الحضارة اإلسالمية في القرن الرابع الهجري ،نقله إلى العربية /محمد عبد الهادي أبو ريدة / 1
.27
][2آدم متز :الحضارة اإلسالمية في القرن الرابع الهجري ،نقله إلى العربية /محمد عبد الهادي أبو ريدة / 1
.53
][3آدم متز :الحضارة اإلسالمية في القرن الرابع الهجري ،نقله إلى العربية /محمد عبد الهادي أبو ريدة / 1
.54
][4آدم متز :الحضارة اإلسالمية في القرن الرابع الهجري ،نقله إلى العربية /محمد عبد الهادي أبو ريدة / 2
.211
][5آدم متز :الحضارة اإلسالمية في القرن الرابع الهجري ،نقله إلى العربية /محمد عبد الهادي أبو ريدة / 2
.216 ،215
[6] Lan Poole:Ahist Of Egypt In The Middle Ages. P.86.
][7من خطاب البابا شنودة في احتفال وضع حجر األساس لمستشفى مارمرقس بحضرة الرئيس أنور
السادات في 11أكتوبر سنة 1977م ،انظر مجلة "وجهات نظر" ص .20 ،18عدد ديسمبر سنة
2005م ،القاهرة.
][8المؤتمر العام السادس عشر للمجلس األعلى للشئون اإلسالمية في الفترة من 8ـ 11ربيع األول عام
1425هـ 28 /إبريل ـ 1مايو 2004م ،وكان موضوع المؤتمر " التسامح في الحضارة اإلسالمية " ،
وكان ممن تحدث في هذا المؤتمر البابا شنودة الثالث.
بعد وفاة كافور اإلخشيدي في جمادى األولى سنة 357هـ /أبريل 968م عمت الفوضى واالضطرابات
معظم أنحاء مصر ،وتدهورت أحوالها االقتصادية ،فأصابها القحط والوباء والغالء الشديد الناجم عن نقص
فيضان النيل ،وهاجم القرامطة بالد الشام وامتد نفوذهم إليها ،في الوقت الذي عجزت فيه الخالفة العباسية عن
إعادة األمور إلى نصابها في مصر ،ولذلك اتصل المصريون بالفاطميين في بالد المغرب ،ودعوهم للحضور إلى
مصر رغبة في التخلص من األحوال السيئة التي تردوا فيها ،وساعدوهم على فتحها وإسقاط الدولة
اإلخشيدية[1].