Sie sind auf Seite 1von 11

‫األكادميية للدراسات‬

‫اإلجتماعية واإلنسانية‬

‫املاهية و الوجود عند الفارابي‬


Essence and Existence in Al-Farabi's Philosophy
-‫وهران‬- ‫محيدي بوجلطية خرية طالبة دكتوراه جبامعة حممد بن أمحد‬
-‫وهران‬- ‫ الزاوي احلسني جبامعة حممد بن أمحد‬/‫د‬.‫ أ‬:‫إشراف‬
hamidi_kheira@yahoo.fr

‫ملخص‬
‫ ونجد الفارابي من بين الفالسفة األوائل الذين‬،‫تعتبر الماهية و الوجود من أهم المقوالت الفلسفية الوجودية‬
‫ لقد قمنا في هذا‬.‫حاولوا من خالل مقولتي الماهية و الوجود المشاركة في هذا البناء الفلسفي الوجودي‬
‫ إذ وضعنا مقارنة بسيطة بين األنطولوجية‬،‫البحث بعرض أهم المواقف الفلسفية من مسألة الماهية والوجود‬
‫ لنبين من خاللها االختالق الجوهري القائم بين‬،‫ األرسطية واألفلوطينية‬،‫الفارابية واألنطولوجية االفالطونية‬
‫ والحظنا أن الفارابي هو أول من صرح بالمغايرة‬.‫ وما مدى أصالة الفارابي من كل ذلك‬،‫تلك األنطولوجيات‬
،‫ وأرسطو يقول بالربط بين الماهية والوجود‬،‫ ألن أفالطون يؤكد على أصالة الماهية‬،‫بين الماهية والوجود‬
‫ وانتقلنا بعد ذلك لتحديد نوعية العالقة التي تجمع الماهية بالوجود‬.‫كما أن أفلوطين يقر بأصالة الماهية‬
‫ ثم‬.‫ على الميتافيزيقا ونظرية المعرفة‬،‫ ووجدنا أن لهذه العالقة أثر على عدة مجاالت فكرية‬،‫عند الفارابي‬
‫ مبتدئين بأهم االنتقادات التي أثرت‬،‫خصصنا المحور األخير للحديث عن أهم النتائج المترتبة عن هذه العالقة‬
‫ وفي‬.‫ وهذه ما نسميها بالنتائج السلبية‬،‫ والتي حاولت ابراز أهم التناقضات التي وقع فيها‬،‫على فلسفة الفارابي‬
‫ حتى على‬،‫المقابل تكلمنا عن أهم النتائج اإليجابية التي كان لها أثر كبير وعظيم على الفلسفات األخرى‬
.‫ وماهي أهم االفكار التي استطاع من خاللها الفارابي تغيير مجرى الفكر الفلسفي‬،‫الفكر الفلسفي المعاصر‬
‫وهكذا نكون قد بينا أن فكر الفارابي يمثل المظهر األبرز لقضية الماهية والوجود في تاريخ تطور الفلسفة‬
.‫ إذ أنه قام بصياغة جديدة للمفاهيم أكثر استقاللية عن المفاهيم الالهوتية السابقة‬،‫اإلسالمية‬
.‫ الميتافيزيقا‬،‫ نظرية المعرفة‬،‫ الوجود‬،‫ الماهية‬: ‫الكلمات الدالة‬

Abstract
Essence and existence are the most important existential and philosophical categories. Al Farabi is among the first
philosophers who tried through these categories to participate in the existential and philosophical construction. In this
paper we would like to show the most important philosophical positions towards the issue of essence and existence and
to compare between various ontologies mainly the ones of ‘Al Farabi, Plato, Aristotle and Plotinus’, in order to show the
fundamental differences between them and the extent of originality in Al farabi’s point of view.
Although Plato confirmed the authenticity of essence, Aristotle confirmed the link between essence and existence, and
Plotinus acknowledged the authenticity of essence, it is worth to notice that Al Farabi is the first who distinguished
between essence and existence as. Moreover, we intend to determine the specific relationship that combines essence
and Existence in Al-Farabi's philosophy, mainly because this relationship has an impact on several areas of thought such
as metaphysics and theory of knowledge.
Finally, we will show, on the one hand, the most important consequences of this relationship, beginning by the important
critics that have affected Al Farabi’s philosophy and tried to highlight his most important contradictions, or negative
results. On the other hand, we will highlight the most important positive results that have significant impact on great
philosophies, even on contemporary philosophical thought, and to investigate the most important ideas through which
Al Farabi would have changed the course of philosophical thought. To conclude we can state that Al farabi represents
the most prominent appearance of the issue of Essence and Existence in the history of Islamic philosophy, as he has
drafted new concepts, more independent from the previous ones.
Keywords: Essence; Existence; Metaphysics; Theory of Knowledge.

40 - 30 ‫ ص‬. 2013 ‫ جوان‬- 10 ‫ قسم األداب و الفلسفة العدد‬/‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب‬ 30
‫املاهية و الوجود عند الفارابي‬
‫مكتسبة بالتجربة‪ ،‬وال مستخلصة بالتجريد من احملسوسات‪،‬‬ ‫مقدمة‬
‫إمنا هي تصورات تامة وواضحة بذاتها‪ .‬فـ"الوجود" من أكثر‬
‫املفاهيم اليت ينتزعها الذهن من مجيع املوجودات بديهية‪،‬‬ ‫من أهم املواضيع الفلسفية الشائكة اليت عرفها الفكر‬
‫فهو ليس حباجة إىل تعريف‪ «،‬إال من حيث أنه مدلول للفظ‬ ‫البشري بصفة عامة‪ ،‬و الفكر العربي اإلسالمي بصفة‬
‫دون آخر‪ ،‬فيعرف تعريفا لفظيا يفيد فهمه من ذلك اللفظ‪،‬‬ ‫خاصة‪ ،‬هو موضوع املاهية و الوجود‪ ،‬وهذا املوضوع هو األكثر‬
‫ال تصوره يف نفسه‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪ :‬تعريف الوجود‪ ،‬العامل‪،‬‬ ‫قابلية ألن تلتقي فيه النظريات الفلسفية مع املعارف‬
‫أو الكون‪ ،‬أو التحقق العيين يف اخلارج‪،‬أو مبا به ينقسم الشيء‬ ‫العلمية‪ ،‬وأن تتفاعل فيه هذه و تلك‪ ،‬حبيث يصبح التفاعل‬
‫إىل حادث أو قديم‪ ،‬فهذه كلها تعريفات لفظية ال تفيد الشيء‬ ‫هذا مقياسا للمواقف و اإلجتاهات و املستويات الفكرية‪.‬‬
‫املع ّرف»(‪ .)2‬إن التعريف اللفظي خيفي حقيقة الشيء املع ّرف‪،‬‬ ‫إننا جند يف الفلسفة دائما موقفني من مسألة املاهية و الوجود‪،‬‬
‫وهذا يعين أنه ال معنى لتعريف الشيء مبا هو أخفى منه‪ ،‬وعليه‬ ‫موقفا يقول بأصالة املاهية‪ ،‬وموقفا آخر يقول بأصالة الوجود‪.‬‬
‫إن تعريف" الوجود" غري ممكن إن حاول أحد ذلك‪ ،‬ألنه من‬ ‫يتمثل املوقف األول يف أن املاهية هي األصل يف النظام الكوني‪،‬‬
‫أكثر املفاهيم بداهة‪.‬‬ ‫وموقف أفالطون صريح باحنيازه إىل جانب أصالة املاهية‪ .‬أما‬
‫املوقف الثاني فيتمثل يف كون الوجود قبل املاهية‪ ،‬أي كونه‬
‫يف قسم املعرفة‪ ،‬عندما تنعكس أحد املعلومات احلضورية (أي‬ ‫األصل‪ ،‬ففي الفلسفة القدمية اليونانية قبل أفالطون‪ ،‬كان‬
‫اليت تتم بال واسطة‪ ،‬فهي تنكشف للعامل أو الشخص مباشرة)‬ ‫اإلجتاه العام منذ طاليس حنو أصالة الوجود‪ ،‬فقد كان كل‬
‫يف الذهن‪ ،‬فإنها تظهر بصورة قضية بسيطة حمموهلا "موجود"‪،‬‬ ‫جهد الفلسفة منصرفا إىل البحث عن املادة األوىل للعامل‪ ،‬اإل‬
‫أي القضية اليت مفادها وجود املوضوع فقط يف اخلارج مثل‪":‬‬ ‫أن هذه األصالة أخذت طابعا أسطوريا الهوتيا حبتا‪.‬إال أننا يف‬
‫اإلنسان املوجود"‪ .‬ولو مل يكن لدى الذهن مفهوم واضح عن‬ ‫هذا البحث نريد معرفة موقف الفارابي من مسألة املاهية و‬
‫"الوجود" ملا متكن من القيام مبثل هذا النشاط‪ 2 .‬ــــ املاهية‬ ‫الوجود‪ .‬إن فكر الفارابي ميثل املظهر األبرز لقضية املاهية و‬
‫عند الفارابي‪ :‬يتحدث الفارابي يف معظم كتبه الفلسفية عن‬ ‫الوجود يف تاريخ تطور الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬إذ أنه قام بصياغة‬
‫لفظة "املاهية"‪ ،‬إذ أن كل« ما جياب به يف "ما" يسمونه بلفظة‬ ‫جديدة للمفاهيم أكثر استقاللية عن املفاهيم السابقة‪ .‬هلذا‬
‫ما أو املاهية»(‪ )3‬فكل سؤال عن ما هو الشيء تكون اإلجابة عنه‬ ‫السبب‪ ،‬فإننا نتساءل إن كان الفارابي يقول بأصالة املاهية‬
‫مباهية الشيء‪ ،‬وتنسب لفظة املاهية إىل ما‪ ،‬و األصل املائية‪،‬‬ ‫فقط‪ ،‬أم أنه قال بأصالة الوجود فقط‪ ،‬أم نظرته ملوضوع‬
‫قلبت اهلمزة هاء لئال يشتبه باملصدر املأخوذ من لفظ ما‪ ،‬ونعين‬ ‫املاهية والوجود أخذت طابعا جديدا؟ فماهو نوع هذه العالقة؟‬
‫مباهية الشيء‪ ،‬ما به الشيء هو هو‪ ،‬و مادامت ماهية الشيء هي‬ ‫احملور األول‪ :‬املاهية والوجود عند الفارابي‬
‫(‪)4‬‬
‫هي‪ ،‬فهي ال موجودة و ال معدومة‪ ،‬و ال كلية و ال جزئية‪.‬‬
‫و عليه فإن ماهية الشيء‪ ،‬ما به يكون الشيء هو هو ال غريه‪،‬‬ ‫يعترب الفارابي حسب معلوماتنا أول فيلسوف حاول حل هذه‬
‫إذ أننا عندما نلتفت إىل ماهية الشيء مع قطع النظر عن أية‬ ‫املعضلة الفلسفية الشائكة‪ ،‬املتمثلة يف عالقة املاهية بالوجود‪،‬‬
‫حيثية‪ ،‬فسوف جند مفهوما فحسب‪ ،‬ال يتضمن معنى الوجود‬ ‫بشكل جدي وواضح‪ ،‬وعليه ماذا يعين الفارابي بالوجود؟ و ماذا‬
‫وال معنى العدم‪ ،‬وال يستلزم معنى كونه كليا و ال معنى‬ ‫يعين باملاهية؟ أول ما سنقوم به هو توضيح مفهوم الوجود‬
‫كونه جزئيا‪ .‬و هلذا يوصف هذا املفهوم مرة بالوجود‪ ،‬و أخرى‬ ‫لننتقل إىل مفهوم املاهية عند الفارابي‪ ،‬وهذه النقلة أسبابها‬
‫بالعدم‪ ،‬و يتصف تارة بكونه كليا‪ ،‬و أخرى بكونه جزئيا‪ ،‬وهذه‬ ‫معرفية ال منهجية‪ ،‬وهذا ما سيتبني لدينا من خالل عملية‬
‫الصفات خارجة عن ذات املفهوم‪ ،‬هلذا السبب كانت املاهية من‬ ‫التحليل الفلسفي‪.‬‬
‫حيث هي هي‪ ،‬ال موجودة و ال معدومة‪ ،‬و ال كلية و ال جزئية‪.‬‬ ‫‪1‬ـ الوجود عند الفارابي‪ :‬إن الفلسفة‪ ،‬حدها و ماهيتها‪ ،‬العلم‬
‫إذ أن املاهية تطلق غالبا على األمر املتعقل‪ ،‬مثل قولنا التعقل‬ ‫باملوجودات مبا هي موجودة‪ ،‬و العلم عند الفارابي ينقسم إىل‬
‫من اإلنسان وهو احليوان الناطق‪ ،‬وذلك مع قطع النظر عن‬ ‫« تصور مطلق‪ ،‬كما يتصور الشمس و القمر و العقل و النفس‪،‬‬
‫الوجود اخلارجي‪ ،‬و األمر املتعقل من حيث هو معقول يف جواب‬ ‫و إىل تصور مع تصديق‪ ،‬كما يتحقق كون السموات كاألكر‬
‫ماهو يسمى ماهية‪ ،‬و من حيث ثبوته يف الواقع اخلارجي يسمى‬ ‫بعضها يف بعض‪ .‬ويعلم أنا العامل حمدث‪ ،‬فمن التصور ما ال يتم إال‬
‫(‪)5‬‬
‫حقيقة‪.‬‬ ‫بتصور يتقدمه كما ال ميكن تصور اجلسم ما ال يتصور الطول‬
‫و العرض و العمق‪ ،‬وليس إذا احتاج تصور إىل تصور يتقدمه‬
‫إن ماهية الشيء‪ ،‬ماهي إال تلك اخلصائص الثابتة اليت يدركها‬
‫يلزم ذلك يف كل تصور‪ .‬بل البد من اإلنتهاء إىل تصور يقف و ال‬
‫العقل‪ ،‬و اليت تبقى على حاهلا دون أن يطرأ عليها أي تغيري‪.‬‬
‫يتصل بتصور يتقدمه‪ ،‬كالوجوب و الوجود و اإلمكان‪ ،‬فإن هذه‬
‫فقد يكون ما الشيء أو ماهية الشيء تدل على« أن املطلوب من‬
‫ال حاجة بها إىل تصور شيء قبلها يكون مشتمال بتصورها‪ ،‬بل‬
‫الشيء تصور ذات الشيء فقط‪ ،‬ال معرفة وجوده و ال معرفة‬
‫هذه معان ظاهرة صحيحة مركوزة يف الذهن‪ .‬ومتى رام أحد‬
‫شيء آخر سوى ذاته‪ ،‬ال مقداره و ال زمانه و ال مكانه‪ .‬و ذلك مثل‬
‫إظهار هذه املعاني بالكالم عليها ‪ ،‬فإمنا ذلك تنبيه للذهن‪ ،‬ال إنه‬
‫قولنا ما و ما هو‪ .‬فإن متى قلنا ما الشيء أو ما هو الشيء‪ ،‬فإمنا‬
‫يروم إظهارها بأشياء هي أشهر منها»(‪ .)1‬نالحظ من خالل قول‬
‫نطلب بهذا احلرف تصور ذات الشيء ال غري‪ ...‬و مسألتنا ما هو‬
‫الفارابي أن الوجوب و الوجود و اإلمكان تصورات ذهنية غري‬
‫الشيء إذا طلب منها معرفة ذات الشيء‪ ،‬فإمنا يصلح أن يكون‬
‫‪31‬‬ ‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب‪ /‬قسم األداب و الفلسفة العدد ‪ - 10‬جوان ‪ . 2013‬ص ‪40 - 30‬‬
‫محيدي بوجلطية خرية | أد‪ .‬الزاوي احلسني‬
‫بعد املعرفة بوجود الشيء‪ .‬و الدليل على ذلك أنا لو قلنا فيما ال الثاتبة اليت تعرب عن ذات الشيء لتجعله متميزا عن غريه‪.‬‬
‫نراه و ال نعلم وجوده ما ذاك الشيء‪ ،‬وما هو الشيء لكان القول احملور الثاني‪:‬عالقة املاهية بالوجود عند الفارابي‬
‫باطال‪ .‬و قد يطلب به فهم معنى(‪)6‬اإلسم‪ ،‬و ذلك قد ال ميتنع أن من أهم املعاني اليت يقال عليها"املوجود"هي ماهو منحاز مباهية‬
‫ما خارج النفس تصورت أو مل تتصور‪ .‬و قد يكون املنحاز مباهية‬ ‫يكون قبل املعرفة بوجود الشيء‪».‬‬
‫ما على اإلطالق‪ ،‬مبعنى قد يكون الشيء منحاز مباهية متصورة‬ ‫إن ذات الشيء تقال على ماهية الشيء و أجزاء ماهيته‪ ،‬و بشكل‬
‫فقط و ال تكون هي بعينها خارج النفس‪ ،‬أي أن هذه املاهية تكون‬ ‫عام لكل ما أمكن أن جياب به يف جواب " ماهو" ذلك الشيء‪،‬‬
‫متخيلة‪ .‬مثل قولنا "اخلالء"‪ ،‬فإن اخلالء له ماهية ما متصورة‬ ‫ويكون اجلواب بذكر اخلصائص الذاتية اليت متيزه عن غريه‬
‫أو متخيلة و ليست خارج النفس‪.‬وعليه قد يكون الشيء منحاز‬ ‫من األشياء‪ ،‬وهي دائما ثابتة فيه‪ .‬إن زمن و مكان وجود الشيء‬
‫مباهية ما دون أن تتحقق يف الواقع العيين‪ ،‬فالوجود ليس من‬ ‫ال يعرب عن حقيقة وذات الشيء‪ ،‬بل هي عناصر عرضية غري‬
‫مستلزمات طبيعة "اخلالء"‪ ،‬وإمنا هو شيء عارض له قد يتحقق‬ ‫جوهرية يف الشيء‪ ،‬مبعنى أنها ال تعرب عن ماهية الشيء‪ .‬ومن‬
‫وقد ال يتحقق‪.‬إذ جيوز أن حتصل ماهية الشيء يف العقل فقط‪،‬‬ ‫املستحسن أن يكون البحث عن ماهية الشيء بعد معرفة وجود‬
‫مثل قولنا أن ماهية املثلث أنه شكل حييط به ثالثة أضالع‪،‬‬ ‫الشيء‪ ،‬فالبحث عن ماهو الشيء‪ ،‬يكون عن ذلك الشيء الذي‬
‫وجيوز أن حتصل يف نفوسنا هذه املاهية وال يكون للمثلث‬ ‫نراه‪ ،‬أي ما كانت ماهيته منحازة خارج النفس وتصورت‬
‫وجود‪ ،‬ولو كان الوجود مقوم من مقومات املاهية ملا تصور فهم‬ ‫يف النفس‪.‬و إذا أردنا البحث عن ماهية الشيء الذي ال نراه‪،‬‬
‫(‪)8‬‬
‫املثلث‪.‬‬ ‫مثل اخلالء‪ ،‬فماهية اخلالء تكون إمسا شارحا للفظ اخلالء‪،‬‬
‫وعليه أصبح الوجود يطرأ على املاهية‪ ،‬وليس مقوم من‬ ‫فالطلب هو فهم معنى اإلسم فقط‪ ،‬ألن ماهيته متصورة يف‬
‫مقوماتها الذاتية‪ ،‬وهذا ما يثبته لنا الفارابي من خالل كتابه‬ ‫النفس فقط و غري متصورة حارج النفس‪ ،‬ونستطيع القول إن‬
‫(‪)9‬‬
‫"التعليقات" قائال‪« :‬الوجود من لوازم املاهيات ال من مقوماتها»‬ ‫اخلالء موجود بالقوة ال بالفعل‪ ،‬أي أنه جمرد ماهية ما غري‬
‫و يقصد الفارابي من هذا الكالم أن الوجود ليس من مستلزمات‬ ‫متحققة يف الوجود اخلارجي‪.‬‬
‫املاهية‪ ،‬وال هو مقوم من مقوماتها‪ ،‬وليست املاهية متضمنة يف‬ ‫هناك أمر يستعمل يف افادة ما يتعرف مبسألة ما هو الشيء‪،‬‬
‫معنى الوجود‪ ،‬وال هذا متضمنا يف معنى املاهية‪ ،‬وهذا الكالم‬ ‫وهو يتمثل يف أحد األمرين « إما أمر يدل عليه بلفظ مفرد‪،‬‬
‫ينطبق على املوجودات فقط‪ .‬لكن هناك حالة خاصة تكون فيها‬ ‫أو أمر يدل عليه بلفظ مركب‪ .‬مثال ذلك قول القائل ماهذا‬
‫املاهية متضنمة يف معنى الوجود‪ ،‬و الوجود متضمن يف معنى‬ ‫الشيء ــــ فلننزل أن املسؤول عنه كانت خنلة ــــ فإن اجمليب‬
‫املاهية‪ ،‬وهذا ينطبق على اخلالق أي اهلل عزوجل‪ « ،‬لكن احلكم‬ ‫متى قال هذا الشيء هو خنلة‪ ،‬فقد استعمل يف إفادته أمر يدل‬
‫يف األول الذي ال ماهية له غري اإلنية‪ ،‬يشبه أن يكون الوجود‬ ‫عليه باسم مفرد‪ ،‬ومتى قال هذه شجرة تثمر الرطب‪ ،‬فقد‬
‫(‪)10‬‬
‫حقيقة‪ ،‬إذا كان على صفة‪ ،‬وتلك الصفة ماهية الوجود‪».‬‬ ‫استعمل يف اجلواب أمرا يدل عليه بقول مركب‪ .‬و بأي هذين‬
‫أي ال متييز بني املاهية والوجود يف األول عند الفارابي‪ ،‬ألنهما‬ ‫أجاب اجمليب به فقد وفى السائل مطلوبه‪ ...‬فاألمر الذي ينبغي‬
‫يعربان عن الشيء نفسه‪.‬‬ ‫أن يستعمل يف جواب ماهو الشيء إذا كان يدل عليه بلفظ‬
‫مركب‪ ،‬فإنه يسمى ماهية الشيء‪ ،‬ويسمى أيضا القول الدال إن املاهية قد تكون منقسمة‪ ،‬وقد تكون غري منقسمة‪ .‬أما‬
‫على ما هو الشيء‪،‬أو على جوهر (‪)7‬الشيء‪ ،‬أو على إنية الشيء‪ ،‬ماكانت ماهيته منقسمة فإن" املوجود" و" الوجود" خيتلفان‬
‫فيه‪ ،‬فيكون " املوجود" هو باجلملة‪ ،‬ومجلته ما دل عليه إمسه‬ ‫ويسمى قول جوهر الشيء أيضا ‪».‬‬
‫عندما نريد معرفة ماهو الشيء‪ ،‬فإننا نعرب عنه إما بلفظ مفرد‪( ،‬هي ذات املاهية)‪ ،‬و الوجود هو ماهية ذلك الشيء امللخصة‪ ،‬أي‬
‫وإما بلفظ مركب‪ ،‬مثل قولنا ماهو هذا املشار إليه‪ ،‬وكان هذا ما دل عليه حده‪ ،‬أو جزء جزء من أجزاء اجلملة‪ ،‬إما جنسه أو‬
‫املشار إليه هو خنلة‪ ،‬فتكون اإلجابة عن السؤال املطروح إما أن فصله‪ «،‬و املوصوف جبنس جنس من األجناس العالية فوجوده‬
‫هذا الشيء هو خنلة‪ ،‬و قد عرب عنه باسم مفرد‪ ،‬وإما أن هذا هو جنسه‪ ،‬و أيضا هو داخل يف معنى الوجود الذي هو املاهية أو‬
‫الشيء هو شجرة مثمرة‪ ،‬وقد عرب عنه باسم مركب‪ ،‬وهذا ما جزء ماهية‪ ،‬فإن جنسه هو جزء ماهيته وهو ماهية ما به‪ ،‬و إمنا‬
‫(‪)11‬‬
‫يسمى باملاهية‪ ،‬أو على أنه دال على جوهر الشيء‪ ،‬أو على أنه يكون ذلك يف ما ماهيته منقسمة »‬
‫دال على إنية الشيء‪.‬إن معنى جوهر الشيء هو ذات الشيء و لقد ميز الفارابي بني "املوجود" و "الوجود" وهذا ما كانت ماهيته‬
‫ماهيته و جزء ماهيته‪ ،‬فالذي هو ذات يف نفسه و ليس هو ذاتا منقسمة‪ .‬ونستطيع القول إن هذا التمييز له مغزى ميتافيزيقي‬
‫لشيء أصال‪ ،‬هو جوهر على اإلطالق‪ ،‬لذلك قال الفارابي إن حمض‪ ،‬ألن املوجودات اليت هلا ماهية منقسمة ال ميكننا وصفها‬
‫ما يسمى باملاهية قد يسمى أيضا جبوهر الشيء‪ .‬و ما يسمى بالوجود‪،‬ألنها توجد يف الواقع العيين مبعنى موجودة‪ ،‬والوجود‬
‫باملاهية قد يدل أيضا على" إنية" الشيء ألن هذا اللفظ يدل شيء آخر‪.‬وهذا ماسيثبته الفارابي يف هذه الفقرة و اليت من‬
‫الثبات و الدوام و الكمال و الوثاقة يف الوجود‪ ،‬ويف العلم بالشيء‪ ،‬خالهلا تقوم كل فلسفته‪ «.‬و كل ما كانت ماهيته غري‬
‫وهذا هو بعينه ماهية الشيء‪ .‬و عليه نكون قد أشرنا إىل بعض منقسمة فهو إما أن يكون موجودا ال يوجد‪ ،‬وإما أن يكون معنى‬
‫املصطلحات و املعاني الفلسفية اليت تقرب الذهن إىل إدراك وجوده و أنه موجود شيئا واحدا‪ ،‬ويكون أنه وجود و أنه موجود‬
‫مفهوم املاهية عند الفارابي‪ ،‬فهي تلك اخلصائص اجلوهرية‬
‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب‪ /‬قسم األداب و الفلسفة العدد ‪ - 10‬جوان ‪ . 2013‬ص ‪40 - 30‬‬ ‫‪32‬‬
‫املاهية و الوجود عند الفارابي‬
‫معنا واحد بعينه‪ .‬فاملوجود املقول على جنس جنس من األجناس الفارابي‪ ،‬و سنقول أن معنى« "الوجوب" و "الوجود" و"اإلمكان"‬
‫العالية فإن الوجود و املوجود فيها معنى واحد بعينه‪ .‬و كذلك هي أمور ال ميكن الربهنة عليها‪ ،‬ألنها ال توصف بصدق و ال‬
‫(‪)13‬‬
‫ما ليس يف موضوع و ال موضوع لشيء أصال فإنه أبدا بسيط بكذب‪ ،‬بل ينبه الغافل عنها إىل معانيها‪» .‬‬
‫املاهية‪ ،‬فإن وجوده و إنه موجود شيء واحد بعينه»(‪ )12‬و يقصد لقد لقب الفارابي باملعلم الثاني ألنه كان بارعا يف صناعة‬
‫الفارابي باملوجود الذي ماهيته غري منقسمة‪ ،‬و أن يكون معنى املنطق‪ ،‬يعين أنه يأتي يف املرتبة الثانية بعد "املعلم األول" أرسطو‬
‫وجوده و أنه موجود شيئا واحدا هو اهلل عزوجل‪ ،‬فهو ال ينقسم يف الثقافة اإلسالمية‪ .‬نالحظ من خالل ما جاء به الفارابي يف‬
‫يف ذاته بالقول‪ ،‬أي أنه ال ينقسم إىل أشياء بها جتوهره‪ .‬و إذا كتابه "عيون املسائل"‪،‬أن املشاكل امليتافيزيقية مثل‪ :‬مشكلة‬
‫افرتضنا أن ماهيته منقسمة‪ ،‬مبعنى تتكون من أجزاء هي حده‪" ،‬الوجود" و "الوجوب" و "اإلمكان"‪ ،‬و هل العامل حمدث أم قديم‪،‬‬
‫أو فصله‪ ،‬أو جنسه أو مادته‪ ،‬أو صورته‪ ،‬فإن األجزاء اليت بها هلا عالقة وطيدة و صرحية باملنطق‪ ،‬و هكذا يصرح الفارابي‬
‫جتوهره هي أسباب وجوده‪ ،‬على جهة ما تكون املعاني اليت تدل أن « العلم الذي نعلم به هذه الطرق‪ ،‬و توصلنا تلك الطرق إىل‬
‫(‪)14‬‬
‫عليها أجزاء احلد أسبابا لوجود الشيء احملدود‪ .‬و إذا كان ال تصور األشياء‪ ،‬و إىل التصديق‪ ،‬هو علم املنطق‪».‬‬
‫ينقسم هذا اإلنقسام فهو واحد من كل اجلهات‪ ،‬من جهة ماهو‬
‫إن املوجودات اعتمادا على هذه التصورات الواضحة بذاتها‬
‫موجود الوجود الذي خيصه‪ .‬إن اخلالق عزوجل وجوده ضروريا‬
‫يف الذهن هي نوعان‪« :‬أحدهما إذا اعترب ذاته مل جيب وجوده‪،‬‬
‫و أكيد‪ ،‬ألنه خالق هذا الكون مبا فيه من موجودات‪ ،‬أزلي أبدي‬
‫ويسمى ممكن الوجود‪ ،‬والثاني إذا اعترب ذاته وجب وجوده‬
‫و بسيط املاهية‪،‬أي ما كانت ماهيته غري منقسمة‪ ،‬مبعنى غري‬
‫ويسمى واجب الوجود‪ )15(».‬يقسم الفارابي املوجودات إىل‬
‫مركبة من أجزاء و إال كان وجوده مركبا وهو بسيط و غري‬
‫قسمني‪" ،‬ممكن الوجود" و "واجب الوجود"‪ ،‬والقسمة الثنائية‬
‫منقسم‪ .‬و هذه هي أهم األسباب اليت جتعل من " املوجود االول"‬
‫اليت اعتمدها فيلسوفنا هي على مستوى التصور الذهين فقط‬
‫أي اهلل‪ ،‬أن يكون معنى وجوده و أنه موجودا شيئا واحدا‪ ،‬ويف‬
‫للوجوب و اإلمكان العقليني‪ .‬و الغاية األوىل و األخرية من هذه‬
‫الوقت نفسه ما كانت ماهيته غري منقسمة‪ ،‬و أن وحدته عني‬
‫القسمة‪ ،‬الوصول إىل العلة األوىل‪ ،‬اليت بنى عليها الفارابي‬
‫ذاته‪ ،‬فلذلك يكون احنيازه عما سواه توحده يف ذاته‪.‬‬
‫ميتافيزيقاه‪ ،‬وهي علة وجود كافة املوجودات وهذا ما يسميه‬
‫و هكذا نكون قد توصلنا إىل أهم مبدأ أنطولوجي اعتمد عليه بـ "السبب األول"‪.‬‬
‫الفارابي يف بناء فلسفته الوجودية‪ ،‬وهذا املبدأ قائم على فكرة‬
‫أوالـ ممكن الوجود‪ :‬من أهم اخلصائص اجلوهرية اليت يتميز‬
‫التمييز بني املاهية و الوجود يف األشياء‪ ،‬أي كل ما كانت هويته‬
‫بها ممكن الوجود عند الفارابي« إذا فرضناه غري موجود‪ ،‬مل يلزم‬
‫غري ماهيته و كانت هويته من غريه‪ ،‬وهذا التمييز ال يعين الفصل‬
‫عنه حمال‪ ،‬فال غنى بوجوده عن علة‪ .‬و إذا وجد صار واجب‬
‫بينهما‪ ،‬بل هناك عالقة ربط بني املاهية و الوجود خصوصا‬
‫الوجود بغريه‪ .‬فيلزم من هذا أنه كان مما مل يزل ممكن الوجود‬
‫إذا كان " املوجود" منحازا مباهية ما خارج النفس و تصورت‬
‫بذاته‪ ،‬واجب الوجود بغريه‪...‬و األشياء املمكنة ال جيوز أن متر‬
‫يف النفس‪.‬وهذا التمييز أساسه ميتافيزيقي ليجعل من اهلل أو‬
‫بال نهاية يف كونها علة و معلوال‪...‬بل ال بد من انتهائها إىل‬
‫"املوجود األول" العلة األوىل اليت ليست يف موضوع و ال موضوع‬
‫شيء‪ ،‬هو املوجود األول‪ )16(».‬على غرار ثنائية الوجود القائمة‬
‫لشيء أصال‪ ،‬و اليت متنح الوجود للذات‪ .‬فاملاهية و الوجود هما‬
‫على الوجوب و اإلمكان‪ ،‬فحتى املمكن يف ذاته حيمل يف طياته‬
‫شيء واحد يف اهلل ال خيتلف مدلول أحدهما فيه عن اآلخر‪ ،‬أي هو‬
‫ثنائية واضحة‪ ،‬ممكن الوجود بذاته‪ ،‬واجب الوجود بغريه‪ .‬ومن‬
‫وحده ماهيته عني وجوده ووجوده عني ماهيته‪.‬و من هنا نالحظ‬
‫أهم املعاني اليت حتمل على املوجودات املمكنة هو مفهوم"القوة"‬
‫اإلختالف اجلوهري القائم بني فلسفة الفارابي و فلسفة كل‬
‫و"الفعل"‪ ،‬إن املوجود بالقوة هو اإلمكان الصرف (ممكن الوجود‬
‫من أفالطون القائمة على فكرة أصالة املاهية (املثل)‪ ،‬و أرسطو‬
‫بذاته)‪ ،‬و املوجود بالفعل هو انتقال املوجود من حالة اإلمكان‬
‫القائمة على الربط بني املاهية و الوجود‪ ،‬و أفلوطني القائمة على‬
‫الصرف إىل حالة الوقوع أو الوجوب (واجب الوجود بغريه)‪.‬‬
‫الربط بني املاهية و الوجود فال انفصال بينهما‪ ،‬ألنه كان ينادي‬
‫أــ ممكن الوجود يف حيز اإلمكان الصرف‪:‬‬ ‫برد الكثرة إىل الوحدة‪ ،‬و غايته وحدة الوجود‪.‬‬
‫إذا كانت هذه هي العالقة اليت جتمع بني املاهية و الوجود عند ‪1‬ـــ املوجود بالقوة بالنسبة إىل الفارابي ماله ماهية ما‪ ،‬دون أن‬
‫الفارابي‪ ،‬فما نوع هذه العالقة؟ و ما خصوصيتها؟ نستطيع يشرتط الوجود‪ ،‬ألن ممكن الوجود يف حيز اإلمكان غري متحقق‬
‫حتديد نوعية هذه العالقة انطالقا من نوعية الرابط الذي يف الواقع‪ ،‬بل هو من عمل العقل و الذهن‪ ،‬وهنا نالحظ الفصل‬
‫جيمع بينهما أو الذي يفصل بينهما‪ ،‬وهكذا سنصل إىل النتيجة القائم بني املاهية و الوجود عند الفارابي‪ ،‬ال الربط الذي ينادي‬
‫املرغوبة‪ ،‬و على هذا األساس تكون نوعية العالقة بني املاهية و به أرسطو‪.‬‬
‫‪2‬ــ ممكن الوجود يف حيز اإلمكان الصرف عام‪ ،‬ألنه ماهية‬ ‫الوجود كالتالي‪:‬‬
‫حمضة‪ ،‬قابل للتصور و التشكل‬ ‫احملور الثالث‪ :‬نوعية العالقة بني املاهية و الوجود‬
‫‪1‬ـ عالقة ميتافيزيقية‪ :‬أشرنا سابقا إىل أن "الوجود" و "الوجوب" ‪3‬ــ وجود هذا املمكن ذهين فقط‪ ،‬هلذا السبب ال نستطيع‬
‫و "اإلمكان" من التصورات البديهية القائمة يف الذهن عند إدراكه باحلواس‪ ،‬بل الميكننا إدراكه اإل بالتأمل و التفكري‪.‬‬
‫إن احلواس ال تدرك اإل صاحب التحديد و التشكل‪ ،‬وممكن‬
‫‪33‬‬ ‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب‪ /‬قسم األداب و الفلسفة العدد ‪ - 10‬جوان ‪ . 2013‬ص ‪40 - 30‬‬
‫محيدي بوجلطية خرية | أد‪ .‬الزاوي احلسني‬
‫إذا كانت "اجلواهر األوىل"‪ ،‬بالنسبة إىل الفارابي غري حمتاجة‬ ‫الوجود يف حيز اإلمكان الصرف مل يتحدد ويتشكل بعد‪ ،‬هلذا‬
‫يف وجودها إىل شيء آخر‪ ،‬فهي هلذا السبب أقدم يف اجلوهرية‬ ‫السبب أيضا ال نستطيع إدراكه باحلواس‪.‬و ممكن الوجود يف‬
‫من "اجلواهر الثواني"‪ .‬و إذا كانت"اجلواهر الثواني" مفاهيم‬ ‫حيز اإلمكان الصرف يأخذ إسم "املاهية"‪ ،‬و هنا يساوي "املثال"‬
‫كلية ثابتة غري متغرية‪ ،‬مثل‪ :‬اإلنسان‪ ،‬احليوان‪ ،‬و كانت‬ ‫عند أفالطون‪ )17(.‬أي أن ممكن الوجود يف حيز اإلمكان الصرف‬
‫"اجلواهر األوىل" مآهلا الزوال‪ ،‬فإن "اجلواهر الثواني" أحق باسم‬ ‫ال وجود له يف اخلارج‪ ،‬بل هو ماهية فقط‪.‬‬
‫اجلوهرية من "اجلواهر األوىل" ‪.‬إن احلديث عن "اجلواهر‬ ‫ب‪ -‬ممكن الوجود يف حالة الوقوع أو الوجوب‪:‬‬
‫األوىل" و "اجلواهر الثواني" هو احلديث عن " الوجود و املاهية"‬
‫‪1‬ــــ انتقال املمكن من حال اإلمكان الصرف إىل حال الوقوع‬
‫عند الفارابي‪ ،‬وهذا يف فلسفته املنطقية‪ ،‬مادامت هذه املفاهيم‬
‫بالفعل‪ ،‬أو حال الوجوب بالغري‪ ،‬أو التشخص أو اإلنتقال إىل‬
‫مل تربط بعد خبالق الكون الذي يضفي الصبغة امليتافيزيقية‬
‫اهلوية‪ ،‬وهنا يتغري املفهوم بفضل حركة اإلنتقال‪ ،‬من القوة‬
‫على املوضوع‪.‬‬
‫إىل الفعل‪ ،‬فيصبح ممكن الوجود خاصا‪ ،‬جزئيا‪ ،‬فردا أو مشخصا‪،‬‬
‫‪6‬ــــ حتول ثنائية املمكن (املوجودة يف الذهن فقط) إىل وحدة‬ ‫بعدما كان ممكن الوجود بالقوة‪ ،‬إذ كانت فيه املاهية منفصلة‬
‫يف اخلارج ‪ .‬سئل الفارابي عن األشياء العامة(املاهية)‪ ،‬كيف‬ ‫عن الوجود‪ .‬و يف هذه احلالة نستطيع القول إن ممكن الوجود‪،‬‬
‫يكون وجودها يف اخلارج؟ فكانت إجابته كالتالي‪ « :‬ما كان‬ ‫وهو يف حالة الوقوع‪ ،‬يساوي ظل "املثال" عند أفالطون‪.‬‬
‫وجوده بالفعل بوجود شيء آخر‪ ،‬فوجوده على القصد الثاني‪،‬‬
‫فوجوده بالعرض‪ .‬و وجود األشياء العامة‪ ،‬أعين الكليات‪ ،‬إمنا‬ ‫‪2‬ـــ بعدما كان ممكن الوجود وجوده يف الذهن فقط‪ ،‬أصبح‬
‫يكون بوجود األشخاص‪ ،‬فوجودها إذن بالعرض‪ .‬و لست أعين‬ ‫و وجوده اآلن خارج الذهن و التصور العقلي‪ ،‬وبعدما كان‬
‫بقولي هذا أن الكليات هي أعراض‪ ،‬فيلزم أن تكون كليات‬ ‫بالعقل فقط‪ ،‬أصبح إدراكه اآلن باحلس ألنه متعني‪.‬‬
‫اجلواهر أعراضا‪ ،‬لكي أقول‪ :‬إن وجودها بالفعل على اإلطالق‬ ‫‪3‬ــــ إن ممكن الوجود سواء أكان موجود بالقوة أو بالفعل‪ ،‬فهو‬
‫إمنا هو بالعرض‪ )19(».‬إن وجود "ممكن الوجود بذاته" يف اخلارج‬ ‫ال يتمتع بضرورة الوجود‪ ،‬بل هذه الضرورة تصل إليه من‬
‫يكون بالعرض‪ ،‬ألن حتقق الكليات (املاهيات) يف اخلارج أو يف‬ ‫قبل موجود آخر‪ ،‬وهو"واجب الوجود"‪ ،‬وهذا املوجود بالنسبة إىل‬
‫األعيان ال يتم إال بارتباطها مع األشخاص‪ ،‬لذلك وجودها‬ ‫الفارابي هو اخلالق‪ ،‬واخللق تبعا لذلك إمنا هو إعارة هذا الوجود‪.‬‬
‫بالعرض‪ .‬و الفارابي يقصد بذلك‪ ،‬أن الوجود عارض على‬ ‫أصبح ممكن الوجود وجوبه من غريه‪ ،‬بعد أن كان من ذاته عند‬
‫املاهية‪ ،‬وليس مقوم من مقوماتها ‪ .‬فأصبح مفهوم التشخص‬ ‫أرسطو‪ ،‬و أضيف الوجود إىل املاهية بفعل واجب الوجود‪ .‬فبعدما‬
‫عند الفارابي الزما ذاتيا للوجود‪ ،‬و ليس للماهية‪ .‬وهكذا تتضح‬ ‫كان اإلله عند أرسطو مل يوجد الوجود فهو علة غائية فقط‪،‬‬
‫لنا أن مسألة الوجود مل تطرح على الساحة الفكرية من دون‬ ‫أصبح علة فاعلة عند الفارابي‪ ،‬ألن اهلل هو خالق الكون‪.‬‬
‫مسبقات‪ ،‬بل كان الفارابي أول من مهد هلذه الفكرة لتصبح‬
‫‪4‬ــــ يف حالة الوقوع أو الفعل يرتبط مفهوم الوجود باملاهية‪،‬‬
‫فيما بعد أساس أنطولوجي تقوم عليه العديد من الفلسفات‪،‬‬
‫بعدما كانت املاهية يف حالة اإلمكان الصرف منفصلة عن‬
‫وخاصة منها الفلسفة الوجودية‪ ،‬ألنها يف احلقيقة تبدأ‬
‫الوجود‪ .‬و من هنا نالحظ اإلختالف األنطولوجي القائم بني‬
‫فلسفتها من مقولة الوجود أوال و من املاهية ثانيا‪ ،‬فاإلنسان‬
‫موجود أوال و هذا الوجود هو سابق للماهية‪.‬‬ ‫كل من أفالطون‪ ،‬و أرسطو‪ ،‬وأفلوطني‪ ،‬و أنطولوجية الفارابي‪.‬‬
‫أفالطون ال يعرتف إال باملاهيات يف ذاتها(املثل)‪ ،‬أرسطو يرفض‬
‫ثانياـ واجب الوجود‪ :‬إن األشياء املمكنة ال تستطيع على سبيل‬ ‫القول باملاهيات فقط‪ ،‬بل جيب أن يكون هناك ربط بني املاهية‬
‫الدور أن متر بال نهاية‪ ،‬بل ال بد أن تستند يف وجودها إىل علة‬ ‫و الوجود‪ ،‬و أفلوطني هو اآلخر يربط بني املاهية (العلم العقلي)‬
‫أوىل وهي "واجب الوجود "‪ .‬إن معرفتنا لألول غري مكتسبة‬ ‫و الوجود عن طريق التأمل و النظر‪.‬‬
‫بالتجربة‪ ،‬فهو املوجود الذي تستمد عنه املوجودات املمكنة‬
‫الوجود‪ ،‬لكي تتحقق يف اخلارج‪ ،‬لذلك فهو كامل و هي ناقصة‪.‬‬ ‫‪5‬ـــ يعترب ممكن الوجود جوهرا يف حال اإلمكان الصرف‪ ،‬و‬
‫لكن الفارابي ال يعتمد فحسب على دليل "اإلمكان" و "الوجوب"‪،‬‬ ‫حال الوقوع و الوجوب‪ .‬لقد كان ممكن الوجود بذاته جمرد‬
‫بل هناك دليل آخر قائم على فكرتي املاهية (الذات) و الوجود‬ ‫مفهوم كلي‪ ،‬أو ماهية ما‪ ،‬وهذا ما يسميه الفارابي بـ "اجلواهر‬
‫(اهلوية)‪ ،‬وهذا هو الدليل اجلوهري الذي نريد من خالله إظهار‬ ‫الثواني"‪ ،‬أما إذا وقع ممكن الوجود‪ ،‬أصبح واجب بغريه‪ ،‬وصار‬
‫العالقة امليتافيزيقية‪ ،‬اليت جتمع بني املاهية و الوجود‪.‬‬ ‫بعد وقوعه ضمن جوهرتيه خاصا‪ ،‬أو جزئيا‪ ،‬أو هوية‪ ،‬وهذا ما‬
‫إن حتقق املمكنات يف اخلارج ليس من ذاتها‪ ،‬كما أن التحقق‬ ‫يسميه الفارابي بـ" اجلواهر األوىل" « إن اجلواهر األوىل اليت‬
‫الفعلي« من مجلة العوارض الالزمة‪ ،‬وليس من مجلة اللواحق‬ ‫هي األشخاص غري حمتاجة يف وجودها(اخلارجي) إىل شيء‬
‫اليت تكون بعد املاهية‪ .‬إذ كل الحق فإما أن يلحق الذات من ذاته‬ ‫سواها‪ .‬و أما اجلواهر الثواني‪ ،‬كاألنواع و األجناس‪ ،‬فهي يف‬
‫و يلزمه‪ ،‬و إما أن يلحقه من غريه‪ .‬و حمال أن يكون الذي ال وجود‬ ‫وجودها(اخلارجي) حمتاجة إىل األشخاص‪ .‬فاألشخاص إذن‬
‫له يلزمه شيء يتبعه يف الوجود‪ .‬فمحال أن تكون املاهية يلزمها‬ ‫أقدم يف اجلوهرية‪ ،‬وأحق بهذا اإلسم من الكليات‪ .‬و جهة أخرى‬
‫شيء حاصل إال بعد حصوهلا‪ ،‬و ال جيوز أن يكون احلصول يلزمه‬ ‫من جهات النظر‪ ،‬إن كليات اجلواهر ملا كانت ثابتة قائمة‬
‫بعد احلصول‪ ،‬و الوجود يلزمه بعد الوجود‪ ،‬فيكون أنه كان قبل‬ ‫باقية‪ ،‬و األشخاص ذاهبة و مضمحلة‪ ،‬فالكليات إذن أحق‬
‫نفسه‪ ،‬فال جيوز أن يكون الوجود من اللواحق اليت للماهية عن‬
‫(‪)18‬‬
‫باسم اجلوهرية من األشخاص‪».‬‬

‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب‪ /‬قسم األداب و الفلسفة العدد ‪ - 10‬جوان ‪ . 2013‬ص ‪40 - 30‬‬ ‫‪34‬‬
‫املاهية و الوجود عند الفارابي‬

‫نفسها‪ .‬إذا الالحق ال يلحق الشيء عن نفسه‪ ،‬إال احلاصل الذي املعنى األول‪ :‬عدم املغايرة بني املاهية و الوجود‪ ،‬فال ينسب الوجود‬
‫إذا حصل عرضت له أشياء سببها هو‪ » .‬نالحظ أن التحقق إىل املاهية و ال املاهية إىل الوجود‪ ،‬ألن النسبة توجب املغايرة‪ ،‬و‬
‫(‪)20‬‬

‫الفعلي للممكنات (املاهيات) يف اخلارج ليس من طبيعتها‪ ،‬لذا هذا هو ما يتحقق يف واجب الوجود أو اهلل‪.‬‬
‫فهو عارض الزم للماهية‪ ،‬فالوجود (اهلوية) الزم من لوازم‬
‫املاهية أو هو عارض هلا‪ ،‬بل إن الوجود (اهلوية) ليس داخال يف املعنى الثاني‪ :‬املغايرة بني املاهية و الوجود‪ ،‬أي أنه ال توجد‬
‫ماهية األشياء‪ .‬و على هذا األساس‪ ،‬ال يعترب الفارابي الوجود عالقة بني املاهية و الوجود‪ ،‬ألن املاهية تتضمن مفهوم‬
‫من لواحق املاهية‪ ،‬مبعنى تابعا هلا‪ ،‬مادامت املاهية مل حتصل اإلمكان‪ .‬و يصدق هذا املعنى على ممكن الوجود يف حيز اإلمكان‬
‫بعد يف الوقوع العيين‪ ،‬و عليه ال نستطيع القول إن الذي ال الصرف(بالقوة)‪.‬‬
‫وجود له يف اخلارج يلزمه شيء يتبعه يف الوجود‪ .‬لكن لو قلنا إن املعنى الثالث‪ :‬الوجود عارض للماهية‪ ،‬وليس مقوم من‬
‫الوجود تابعا للماهية‪ ،‬أو هو من مجلة لواحقها‪ ،‬فهذا اإلفرتاض مقوماتها‪ ،‬والعرض هنا مبعنى حدوثه وظهوره إىل عامل‬
‫يعين أن الوجود معلوال هلا‪ ،‬لكن« العلة ال توجب معلوال إال إذا العيان‪ )24( .‬و يصدق هذا املعنى على ممكن الوجود يف حيز‬
‫وجبت‪ ،‬و قبل الوجود ال تكون وجبت‪ ،‬فال يكون الوجود (اهلوية) الوقوع الفعلي(بالفعل)‪.‬‬
‫مما تقتضيه املاهية فيما وجوده غري ماهيته‪ ،‬بوجه من الوجوه‪ .‬لكي نصرح بأن عالقة املاهية بالوجود عالقة ميتافيزيقية‪،‬‬
‫فيكون‪ ،‬إذن‪ ،‬املبدأ الذي عنه الوجود غري املاهية‪ .‬وذلك ألن كل‬
‫ال بد أن تكون عالقة الواجب بذاته باملوجودات املمكنة‪ ،‬عالقة‬
‫مقتضى‪ ،‬فإما من نفس الشيء‪ ،‬و إما من غريه‪ .‬و إذا مل تكن‬
‫خلق‪ ،‬أو كما يسميه الفارابي بـ"الفيض"‪،‬أي هناك عالقة‬
‫اهلوية للماهية عن نفسها‪ ،‬فهي هلا من غريها‪ .‬فكل ما هويته‬
‫اخلالق مبخلوقاته‪ .‬و هكذا تتحول الرؤية الفارابية من النظر‬
‫غري ماهيته‪ ،‬وغري املقومات ملاهيته فهويته من غريه‪ ...‬ينتهي إىل‬
‫املنطقي إىل النظر امليتافيزيقي‪ ،‬بعدما فرض الفارابي "اإلمكان"‬ ‫(‪)21‬‬
‫املبدأ‪ ،‬الذي ال ماهية له مباينة للهوية‪».‬‬
‫و "الوجوب" و "الوجود"‪ ،‬على أنها تصورات بديهية و ذهنية‪،‬‬
‫إذا كانت املاهية هي اإلمكان الصرف‪ ،‬أي أنها غري واجبة أصبحت اآلن هذه التصورات متحققة يف العامل امليتافيزيقي‬
‫الوجود‪ ،‬و الوجود مضاف إليها من اخلارج‪ ،‬مبعنى عارض عليها‪ ،‬عن طريق "الفيض"‪ .‬و لنظرية الفيض عند الفارابي مبادئ‬
‫فهي ال تستطيع أن تكون علة ملعلول يأتيها من اخلارج‪ .‬هلذا أساسية‪ ،‬تتمثل يف‪:‬‬
‫فإن الوجود من لوازم املاهية و ليس مقوم من مقوماتها‪ ،‬ألن‬
‫الوجود ليس من طبيعة األشياء‪ ،‬و هذا ما كانت هويته غري أـــ أنه فعل ضروري ناشئ عن األول‪ ،‬ليس بالقصد و اإلختيار‪،‬‬
‫ماهيته و هويته من غريه‪ .‬أما ما كان الوجود من طبيعته‪ ،‬فهو بل باإلجياب‪.‬‬
‫ال يكون « وجوده غري ماهيته‪ ،‬ألن املاهية غري اآلنية‪ ،‬و الوجود ب ــ ال يفيض عن الواحد إال واحد‪ ،‬و هذا األخري حيمل الكثرة‬
‫الذي اآلنية عبارة عنه عارض للماهية‪ ،‬وكل عارض معلول‪ ،‬يف ذاته‪.‬‬
‫ألنه لو كان موجودا بذاته ما كان عارضا لغريه‪ ،‬إذ ما كان ج ــــ ال حيتاج اهلل يف فيض العامل عنه إىل شيء خارج عن ذاته‪،‬‬
‫عارضا لغريه فله تعلق بغريه‪ ،‬و علته إن كان غري املاهية‪ ،‬فال بل العامل يفيض عنه لذاته‪ ،‬و بذاته‪.‬‬
‫يكون واجب الوجود الذي تتعلق به كل املوجودات‪ ،‬و إن كان‬
‫علته املاهية‪ ،‬فاملاهية قبل الوجود ال تكون علة‪ ،‬ألن السبب ما له د ــــ ترتيب املوجودات من حيث درجة األفضلية و الكمال‪ ،‬من‬
‫وجود تام‪ ،‬فقبل الوجود ال يكون له وجود‪ ،‬فثبت أن واجب الوجود أعلى إىل أسفل‪.‬‬
‫لقد صاغ الفارابي نظرية الفيض صياغة جديدة‪ ،‬عقالنية‬ ‫(‪)22‬‬
‫آنيته ماهيته‪» .‬‬
‫إذن نتبني من كل ما قلناه أن املوجودات املمكنة(العامل) هويتها دينية‪ ،‬مع احملافظة على أهم مبادئها‪ ،‬إذ أصبحت العالقة بني‬
‫غري ماهيتها‪ ،‬و واجب الوجود (اهلل) الذي من طبيعته الوجود‪ ،‬الواحد و الكثرة‪ ،‬بالنسبة إىل الفارابي نقطة الدعامة األوىل‬
‫هويته غري مباينة ملاهيته‪ .‬وهذه هي العالقة امليتافيزيقية اليت للبناء الفلسفي بأكمله‪ .‬إن اهلل (واجب الوجود) نشأ عنه فيض‪،‬‬
‫وهذا الفيض هو العامل (اإلمكان)‪ ،‬و املوجودات اليت فاضت عن‬ ‫صرح بها الفارابي‪ ،‬ليميز بني املوجودات و واجدها‪.‬‬
‫اهلل تريد العودة إىل مصدرها األصلي‪ ،‬فهي يف تنازل مستمر‬
‫هناك مالحظة مهمة أشار إليها الدكتور حممد البهي و هي‪:‬‬
‫« أنه يف احلديث عن املاهيات و حتققها يف اخلارج‪ ،‬وهل ذلك من حيث درجة الكمال‪ ،‬فكل موجود أقل مما فوقه‪ ،‬و أفضل مما‬
‫حيصل هلا من نفسها أم بفعل فاعل‪ ،‬اشتبكت البحوث املنطقية و حتته‪ ،‬وهكذا يستمر الكمال يف التناقص حتى يتالشى يف نهاية‬
‫امليتافرييقية بعضها ببعض‪ .‬فالتعبري باملاهيات و ما يتبعه من أنها املطاف عندما يصل الفيض عند املادة‪.‬‬
‫كليات عامة‪ ،‬و أن تشخصها ضمن أفرادها‪ ...‬إخل من التعبريات يعزز الفارابي العلم اإلهلي من خالل نظرية الفيض معتمدا يف‬
‫املنطقية‪ ،‬و الكالم عن العلة و الفعل‪ ،‬و عن احلدوث و الوقوع‪ ،‬ذلك على أهم مبادئ هذه النظرية و هو مبدأ التعقل و العلم‬
‫« فاألول يعقل ذاته‪ ،‬و إن كانت ذاته بوجه ما هي املوجودات‬ ‫(‪)23‬‬
‫وهل بالذات أم بالعرض‪ ،‬يتصل بدائرة امليتافيزيقا‪» .‬‬
‫من خالل عرضنا لإلمكان بنوعيه‪ ،‬ممكن الوجود يف حيز اإلمكان كلها‪ .‬فإنه إذا عقل ذاته‪ ،‬فقد عقل بوجه ما املوجودات كلها‪،‬‬
‫الصرف‪ ،‬و ممكن الوجود يف حيز الوقوع الفعلي‪ ،‬و الوجوب بذاته‪ ،‬ألن سائر املوجودات‪ ،‬إمنا اقتبس كل واحد منها الوجود عن‬
‫(‪)25‬‬
‫نستخلص أن الفارابي قد حقق ثالثة معان باملغايرة بني املاهية وجوده‪» .‬‬
‫أول ما أبدعه األول‪ ،‬هو العقل‪ ،‬فهو واحد بالعدد‪ ،‬و كثري‬ ‫و الوجود‪ ،‬وتتمثل هذه املعاني يف‪:‬‬
‫‪35‬‬ ‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب‪ /‬قسم األداب و الفلسفة العدد ‪ - 10‬جوان ‪ . 2013‬ص ‪40 - 30‬‬
‫محيدي بوجلطية خرية | أد‪ .‬الزاوي احلسني‬
‫إىل غاية واحدة‪ .‬لكننا عندما ننظر إىل نظرية املعرفة عند‬ ‫بالعرض‪ ،‬ألنه ممكن الوجود بذاته وواجب الوجود باألول‪،‬‬
‫كل من أفالطون و أرسطو‪ ،‬جندها خمتلفة‪ ،‬ألنها غري قائمة‬ ‫و ليست الكثرة يف العقل صادرة عن األول‪ ،‬بل هي الزمة له‬
‫على األسس نفسها‪ .‬إذ أن أفالطون يقول بفطرية املعرفة ‪ ،‬و‬ ‫إلمكانه بذاته ووجوب حدوثه بغريه‪ .‬و حيصل من العقل األول‬
‫أرسطو يقول إنها مكتسبة بالتجربة‪ ،‬فاألول عقلي أو مثالي‪،‬‬ ‫الذي يعلم ذاته و يتعقلها عقل ثاني‪ ،‬و ال تكون فيه كثرة إال‬
‫و الثاني حسي أو واقعي‪ .‬إننا ال جند تقابال بني عامل احلس و‬ ‫بالوجه الذي ذكرناه‪ ،‬وحيصل من العقل األول‪ ،‬مبا هو جوهر‬
‫عامل العقل عند الفارابي‪ ،‬بل هناك معرفة حسية و معرفة‬ ‫غري متجسم و مفارق وجود السماء األول‪ .‬و هكذا تستمر عملية‬
‫عقلية متكاملة فيما بينها‪ ،‬ليحقق الوحدة‪ .‬تنقسم املعرفة‬ ‫الفيض للعقول املفارقة و األجسام السماوية‪ ،‬حتى العقل‬
‫عند الفارابي إىل قسمني‪ :‬املعرفة احلسية‪ ،‬و املعرفة العقلية‪.‬‬ ‫العاشر و كرة القمر‪ .‬و يقصد بالعقل العاشر العقل الفعال‪،‬‬
‫فاألوىل تدرك اجلزئيات بصورها املادية‪ ،‬و الثانية تدرك‬ ‫فهو« سبب وجود األنفس األرضية من وجه‪ ،‬و سبب وجود‬
‫املعاني الكلية اجملردة‪ ،‬و ال ميكن أن حتصل املعرفة العقلية إال‬ ‫(‪)26‬‬
‫األركان األربعة‪ ،‬بوساطة األفالك‪ ،‬من وجه آخر‪» .‬‬
‫بعد حصول املعرفة احلسية‪ ،‬أي هناك مراحل معرفية علينا‬ ‫نستطيع من خالل عرضنا لنظرية الفيض‪ ،‬و حلديثنا عن‬
‫تتبعها‪ ،‬من احملسوس ننتقل إىل املعقول‪ .‬و هكذا يبين الفارابي‬ ‫األجرام السماوية‪ ،‬وعن عامل الكون و الفساد‪ ،‬التمييز بني هذين‬
‫نظريته يف املعرفة على الوجود‪ ،‬الذي يعتربه شرط أساسي و‬ ‫العاملني املختلفيني من خالل فكرة اإلمكان و الوجوب و عالقتها‬
‫ضروري حلصول املعرفة‪ ،‬ألنه عن طريق إدراك اجلزئيات‬ ‫باملاهية و الوجود‪.‬‬
‫(اهلوية) اليت يف اخلارج ندرك املعاني الكلية(املاهيات)‪ .‬و هلذا‬
‫أوال‪ :‬األجرام السماوية واجبة الوجود لألول‪ ،‬أما املوجودات‬
‫قال حسني مروة ‪ ،‬إن الوجود هو األصل عند الفارابي‪ ،‬يف جمال‬
‫األخرى فممكنة الوجود بذاتها و قد تصبح بالفعل‪ .‬األجرام‬
‫نظرية املعرفة من خالل كتابه " النزعات املادية يف الفلسفة‬
‫السماوية « مل تكن بالقوة أصال‪ ،‬و ال يف وقت من األوقات‪ ،‬بل‬
‫العربية اإلسالمية"‪.‬‬
‫هي دائما بالفعل‪ )27(».‬لكن املوجودات األخرى اليت هي أجسام أو‬
‫هي يف أجسام‪ ،‬أي املوجودات اليت دون األجرام السماوية موجودة بعدما ب ّينا ضرورة الوجود و املاهية عند الفارابي‪ ،‬يف جمال‬
‫بالقوة دائما‪ ،‬وهي مستعدة للتمام و الكمال‪ ،‬وهذا عند احتادها نظرية املعرفة‪ ،‬حناول اآلن توضيح الدور الذي يقوم به‬
‫اإلنسان من خالل املراحل املعرفية السابقة‪ .‬يرى الفارابي‬ ‫بالصورة فقط‪.‬‬
‫أن لإلنسان موقفا إجيابيا من عملية املعرفة‪ ،‬فانتقال صورة‬
‫ثانيا‪ :‬األجرام السماوية خلقت من العدم‪ ،‬إذ أن األول« يعطيها‬
‫املوجودات من احلس إىل العقل مل حيصل عفوا‪ ،‬بل بالتدخل‬
‫الوجود األبدي‪ ،‬و يدفع عنها العدم مطلقا‪ ،‬ال مبعنى أنه يعطيها‬
‫من قبل اإلنسان نفسه‪ ،‬فاحملسوسات ال تفصح عما وراءها من‬
‫وجودا جمردا‪ ،‬بعد كونها معدومة‪ )28(».‬مل تكن قبل وجود‬
‫املعاني‪ ،‬لكن العقل هو الذي يدرك هذه املعاني الكلية بعد توجهه‬
‫األجرام السماوية‪ ،‬موجودات أخرى قبلها‪ ،‬هلذا فهي خملوقة‬
‫إىل موضوع اإلدراك‪ .‬إن اإلختالف القائم بني الناس يف الوصول‬
‫من العدم الصرف‪ ،‬فاألول مل يضيف إليها الوجود بعد كونها‬
‫إىل املعقوالت‪ ،‬لدليل واضح على إجيابية اإلنسان يف عملية‬
‫معدومة‪ ،‬ألنها مل تكن موجودة بالقوة لتمر إىل حالة الفعل‬
‫املعرفة‪ )29( .‬و هكذا يتبني لنا‪ ،‬أن لإلنسان دور فعال ورئيسي يف‬
‫باإلطالق‪ ،‬و هكذا فضل األول أن يعطيها الوجود األبدي‪.‬عندما‬
‫حصوله على املعرفة العقلية‪.‬‬
‫يتحدث الفارابي عن اخللق من العدم‪ ،‬أي األجرام السماوية‪،‬‬
‫يفضل استعمال كلمة"إبداع"‪.‬أما املوجودات األخرى‪ ،‬اليت يتحدث الفارابي يف كتابه "رسالة يف العقل" عن العقول املختلفة‬
‫حتت فلك القمر‪ ،‬ناقصة‪ ،‬ألنها خليط من وجود وال وجود اليت هلا عالقة بنظرية املعرفة‪ ،‬مبتدءا بالعقل املنفعل(بالقوة)‪،‬‬
‫فهي ممكنة الوجود بذاتها و تنتظر الوجوب من غريها لتقع يف ودوره يف عملية املعرفة ثم يتحدث عن انتزاعه ملاهيات املوجودات‬
‫و صورها دون موادها‪ ،‬و عن حصول تلك الصور أي املعقوالت و‬ ‫الوجود اخلارجي‪.‬‬
‫انتقاهلا من معقوالت بالقوة إىل معقوالت بالفعل و هذا العمل‬
‫ثالثا‪ :‬من ناحية املاهية و الوجود‪ ،‬نالحظ يف األجرام السماوية‪،‬‬
‫املعريف حيصل يف العقل بالفعل‪ .‬إال أن املعرفة عند الفارابي ال‬
‫أن املاهية ترتبط بالوجود دائما‪ ،‬أما يف املوجودات املمكنة فقد‬
‫تنتهي عند هذا احلد‪ ،‬بل عندما تصبح املعقوالت قائمة يف العقل‬
‫يكون إتصال و قد يكون إنفصال بني املاهية و الوجود‪.‬‬
‫و يدركها كما لو كانت غري خارجة عن ذاته‪ ،‬فإنه يف هذه‬
‫يتبني لنا ان لنظرية الفيض عند الفارابي عالقة وطيدة احلالة يسمى عقال مستفادا‪ .‬و يأتي بعد ذلك العقل الفعال الذي‬
‫مبسألة املاهية و الوجود‪ ،‬و هكذا نكون قد أشرنا إىل العالقة له دورا فعاال يف نظرية املعرفة‪ ،‬فهو الذي يتم بواسطته انتقال‬
‫العقل و املعقوالت من القوة إىل الفعل‪ ،‬من اإلمكان إىل الوجود‪.‬‬ ‫امليتافيزيقية اليت قد جتمع أو تفصل بني املاهية و الوجود‪.‬‬
‫‪2‬ــ عالقة معرفية‪ :‬حتتل نظرية املعرفة مكانة هامة يف فهو عقل ما بالفعل و مفارق للمادة‪ ،‬فهو ماهية جمردة يف ذاتها‪،‬‬
‫املباحث الفلسفية‪ ،‬حتى أن هلا مكانة عالية عند الكثري من ال بتجريد غريها هلا عن املادة و عن عالئق املادة‪ ،‬بل هي ماهية‬
‫الفالسفة و من بينهم الفارابي‪ ،‬الذي حاول أن يدرسها من كلية موجودة‪ .‬إن املعقوالت اليت يشتمل عليها هذا العقل‪ ،‬هي‬
‫خالل نظرية الفيض ملا هلا من عالقة وطيدة باملاهية و الوجود‪ .‬املثل األفالطونية‪ ،‬إال أن أفالطون جيعلها قائمة بذاتها‪ ،‬أما‬
‫لقد تأثر فيلسوفنا باحلكيمان أفالطون و أرسطو ألنهما الفارابي فإنه يضع هذه املثل يف العقل الفعال أو كما يسميه‬
‫املبدعان للفلسفة‪ ،‬ألن املسائل اليت تناوهلما احلكيمان تهدف بالروح األمني و روح القدس‪ ،‬و هكذا تصبح املعرفة اإلنسانية عند‬

‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب‪ /‬قسم األداب و الفلسفة العدد ‪ - 10‬جوان ‪ . 2013‬ص ‪40 - 30‬‬ ‫‪36‬‬
‫املاهية و الوجود عند الفارابي‬
‫بأصالة الوجود‪ ،‬وهذه النظرة األنطولوجية الصرحية تساعد‬ ‫الفارابي مرتبطة بعامل كوني خارج عن النفس‪ ،‬و تسمى هده‬
‫على تطور العلوم الطبيعية اليت تقوم على أساس الوجود‬ ‫املعرفة الكاملة باملعرفة اإلشراقية‪ .‬و هكذا نالحظ أن نظرية‬
‫اخلارجي للظواهر الطبيعية‪.‬و من جهة ماهي مرتبطة مبا بعد‬ ‫العقول عند الفارابي مرتبطة أشد اإلرتباط بإهلياته‪ .‬إن الغرض‬
‫الطبيعة ينادي الفارابي بأصالة املاهية‪ ،‬ويف هذا املضمار يقول‬ ‫من احلديث عن املعرفة اإلشراقية هو عالقة املاهية بالوجود‬
‫الفارابي‪ ،‬إن املعقوالت األوىل حتصل لإلنسان بطرقتني‪ :‬طريق‬ ‫بهذه املعرفة‪ ،‬بعدما كانت معرفة اإلنسان للماهيات تقوم على‬
‫العقل الفعال بإعطائه القوة الناطقة شيئا يشبه فعل الشمس‬ ‫أساس انتزاع العقل اإلنساني هلا من األشياء احلسية‪ ،‬أصبحت‬
‫يف البصر‪ ،‬و طريق احملسوسات اليت تكون حمفوظة يف املتخيلة‬ ‫اآلن بوساطة الفيض اإلهلي و بالذات عن طريق واهب الصور‬
‫من جتارب حسية سابقة‪ .‬و من خالل هذين الطريقني حتصل‬ ‫وهو العقل الفعال‪ .‬من ثم فإن وجود املاهيات أصبح بالذات يف علم‬
‫املعرفة لإلنسان‪ ،‬و عليه نالحظ أصالة الفارابي يف نظرية‬ ‫اهلل‪ ،‬أي أن وجودها أصبح فيما بعد الطبيعة و قد كانت قبل ذلك‬
‫املعرفة‪ ،‬مقارنة مع أفالطون الذي يعرتف بأصالة املاهية(املثل)‬ ‫يف الطبيعة‪ ،‬و اآلن أصبح وقوف اإلنسان على املاهيات عن طريق‬
‫فقط‪ ،‬ومع أرسطو الذي يعرتف بالربط القائم بني املاهية و‬ ‫‪)30(.‬‬
‫صلته باهلل‪ ،‬وليس عن طريق إنساني من عقل و حس‬
‫الوجود‪.‬أي أن الفارابي مل يكن فقط جامعا ملختلف الفلسفات‬ ‫من أهم النتائج املرتتبة عن نطرية املعرفة عند الفارابي هي‬
‫اليونانية القدمية‪ ،‬بقدر ما كانت هناك أصالة يف تفكريه‬ ‫كالتالي‪:‬‬
‫الفلسفي‪ ،‬إذ أنه استطاع من خالل تلك الفلسفات اخلروج‬
‫أــ قبل أن تتصل الطبيعة مبا بعدها يف البحث الفلسفي‪ :‬لقد كان‬
‫عن املألوف‪ ،‬لذلك نراه يقول بأصالة الوجود و يف الوقت نفسه‬
‫اإلنسان وحده الذي يدرك حبواسه العامل الطبيعي الذي حييط به‬
‫بأصالة املاهية يف نظرية املعرفة‪ ،‬و هذا ما مل يتعرض إليه أحد‬
‫ألنه جزء منه‪ ،‬و عن هذا اإلدراك للهويات حتصل املعرفة احلسية‬
‫من هؤالء‪.‬‬
‫أو اجلزئية‪ ،‬و عن اجلزئيات حتصل الكليات أو املاهيات‪ .‬و عليه‬
‫احملورالرابع‪ :‬النتائج املرتتبة عن عالقة املاهية بالوجود‪:‬‬ ‫نستنتج أن وجود الكلي قائم يف اجلزئيات‪،‬ألن الكلي ينتزع من‬
‫‪1‬ـ النتائج السلبية‪ :‬أول شيء نبدأ به كالمنا‪ ،‬و هو احلديث عن‬ ‫اجلزئيات‪ ،‬كما أن للكلي وجود ثان الحق حيصل بعد اإلنتزاع‬
‫أهم اإلنتقادات اليت وجهت إىل الفارابي‪ ،‬وهل هلذه اإلنتقادات‬ ‫من اجلزئيات بطريق التجريد‪ ،‬و من هنا حتصل املعرفة العقلية‬
‫تأثري سليب على فلسفته‪ ،‬أم أن فلسفة الفارابي رغم هذه‬ ‫الثابتة‪ .‬و الحظنا عند الفارابي‪ ،‬أن الوجود هو األصل يف جمال‬
‫اإلنتقادات‪ ،‬قدمت للفلسفة بشكل عام و الفلسفة اإلسالمية‬ ‫نظرية املعرفة‪ ،‬أي لو ال وجود اهلويات ملا حتصلنا عى املاهيات‪ ،‬أي‬
‫بشكل خاص الكثري‪.‬‬ ‫أن الفارابي ينظر دائما إىل الوجود اخلارجي كأصل موضوعي‬
‫أوالـ من الناحية امليتافيزيقية‪:‬‬ ‫للماهية يف موضوع املعرفة‪.‬‬
‫أـ نقد القدماء‪ :‬سنعرض أهم إنتقادات القدماء املختلفة اليت‬ ‫ب ــ إتصال الطبيعة مبا بعدها يف البحث الفلسفي وعالقة‬
‫كانت موجهة إىل الفارابي‪ ،‬و سنختار ضمنها جمموعة من‬ ‫نظرية املعرفة بالفيض اإلهلي‪ :‬بعدما كانت املاهيات تستخلص‬
‫فالسفة اإلسالم الذين نظروا إىل موضوع املاهية و الوجود من‬ ‫من الوجود اخلارجي و يتدخل فيها اإلنسان‪ ،‬سلب هذا اإلنسان‬
‫منظار خاص‪.‬‬ ‫حق املعرفة‪ ،‬و أصبح اآلن يعرف الوجود األمسى عن طريق‬
‫الفيض‪ .‬حبيث أصبح وجود املاهيات وجود خاص مستقل بذاته‬
‫نقد الغزالي‪ :‬يف إبطال قوله إن وجود األول بسيط أي هو وجود‬
‫متقدم على وجود اجلزئيات‪ ،‬و العقل اإلنساني يتلقاه من العقل‬
‫حمض و ال ماهية و ال حقيقة يضاف الوجود إليها‪ ،‬بل الوجود‬
‫الفعال‪ ،‬و هذا يتلقاه من العقل الذي فوقه‪ ،‬و هكذا حتى يصل‬
‫الواجب له كاملاهية لغريه‪ «.‬هذا رجوع إىل منبع التلبيس يف‬
‫إىل العقل اإلهلي‪ .‬و من هنا نالحظ انفصال أو مغايرة املاهية‬
‫إطالق لفظ الوجود الواجب‪ ،‬فإنا نقول‪ :‬له حقيقة و ماهية‬
‫للوجود‪ ،‬فبعدما كانت املاهيات تنتزع مباشرة من الوجود‬
‫و تلك احلقيقة موجودة أي ليست معدومة منفية و وجودها‬
‫اخلارجي احملسوس‪ ،‬أصبحت اآلن يف جمال ما بعد الطبيعة يف‬
‫مضاف إليها‪ ،‬و إن أحبوا أن يسموه تابعا و الزما فال مشاحة‬
‫العقل الفعال واهب الصور‪ ،‬و هو الذي تستمد منه تلك املاهيات‪.‬‬
‫يف األسامي بعد أن يعرف أنه ال فاعل للوجود بل مل يزل هذا‬
‫و هذا ال يعين إال أنه هناك أصالة يف املاهية اليت تشرق و تتنزل‬
‫الوجود قدميا من غري علة فاعلية‪ .‬فإن عنوا بالتابع و املعلول‬
‫علينا من األعلى‪ ،‬و يف هذا الصدد يضع الفارابي هلذه املعرفة‬
‫أن له علة فاعلية فليس كذلك‪ ،‬و إن عنوا غريه فهو مسلم و‬
‫القائمة على أصالة املاهية شروط وهي‪ ،‬ليس يف وسع كل‬
‫ال استحالة فيه إذ الدليل مل يدل إال على قطع تسلسل العلل‪،‬‬
‫إنسان أن تفاض عليه األمور العامة‪ ،‬بل يكون للذين يسعون‬
‫وقطعه حبقيقة موجودة و ماهية ثابتة ممكن فليس حيتاج‬
‫إىل تطهري أنفسهم عن طريق اجملاهدة‪ ،‬حتى تفاض عليهم‬
‫فيه إىل سلب املاهية‪ )31(».‬الغزالي يرفض بتاتا أن تكون هناك‬
‫املعرفة من اهلل‪ .‬فبعدما كان اإلنسان فاعال يف نظرية املعرفة‪،‬‬
‫مشاركة يف املاهية بني واجب الوجود بذاته و واجب الوجود‬
‫أصبح اآلن منفعال‪ ،‬و بالتالي جلوء الفارابي إىل العقل الفعال‬
‫بغريه أي مشاركة يف لفظ واجب الوجود‪ ،‬لكن الفارابي يقول‬
‫الستكمال عملية التفكري‪ ،‬هو جلوء إىل عقل من اخلارج‪ ،‬و من‬
‫يف كتابه"التعليقات"‪،‬إننا« ال نعرف حقيقة األول‪ ،‬بل نعرف‬
‫عامل امليتافيزيقا خصوصا‪.‬‬
‫منه أنه جيب له الوجود‪ ،‬و هذا الزم من لوازمه ال حقيقة‪ ،‬و‬
‫مقارنة مع ما ذكرناه من نتائج‪ ،‬نالحظ أن الفارابي يف نعرف بواسطة هذا الالزم لوازم أخرى‪ ،‬كالوحدانية و سائر‬
‫نظرية املعرفة‪ ،‬من جهة ما هي مرتبطة بالطبيعة‪ ،‬ينادي‬
‫‪37‬‬ ‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب‪ /‬قسم األداب و الفلسفة العدد ‪ - 10‬جوان ‪ . 2013‬ص ‪40 - 30‬‬
‫محيدي بوجلطية خرية | أد‪ .‬الزاوي احلسني‬
‫بوساطة الفيض اإلهلي‪ ،‬أو عن طريق تأثري العقل الفعال فيه و‬ ‫الصفات‪ )32(» .‬وهذا الكالم يعين أن الفارابي ال يقول أن وجوب‬
‫هذا ما يسمى باملعرفة اإلشراقية‪ .‬لكن املفكر جعفر آل ياسني ال‬ ‫الوجود هو ماهية األول‪ ،‬بل هو الزم من لوازمه ال مقوم من‬
‫يرى يف ذلك تناقضا‪ ،‬فاملعقوالت بالنسبة إليه متر مبرحلتني و‬ ‫مقوماته الذاتية‪ ،‬هلذا السبب ال جيد حرج يف تسمية العقول‬
‫جوديتني‪ « :‬أوهلما تلك اليت ترتبط باحملسوسات قبل أن تستوي‬ ‫املفارقة بالوجود الواجب‪ ،‬لكن هذا الوجود يكون من واجب‬
‫صورها‪...‬و األخرى تلك اليت تبلغ فيها حال األنطباع فعليا‪ ،‬فتكون‬ ‫الوجود بذاته‪ ،‬وعليه ليست هناك مشاركة بني واجب الوجود‬
‫صورا جمردة‪ ،‬فكأن املعرفة هي ذات العقل الذي أصبح بالفعل‬ ‫بذاته مع واجب الوجود بغريه من حيث املاهية‪ ،‬فاألول ماهيته‬
‫يف مرحلته هذه‪ ،‬و ليست هناك قبليات ما وراء احلس قائمة‬ ‫عني وجوده و الثاني ماهيته مرتبطة بوجوده‪.‬‬
‫بذاتها كي حتقق صور هذه املعرفة‪ ،‬سوى مفهوم اإلستعداد‬ ‫ب ـ نقد احملدثني‪ :‬اخرتنا من بني هؤالء احملدثني املفكر اإلسالمي‬
‫ليس غري‪...‬أقول‪ ،‬يف احلالتني يبقى العقل اإلنساني عبارة عن‬ ‫حممد البهي‪.‬‬
‫إستعداد لتقبل هذه املعرفة احلسية و املفارقة‪ ،‬و تبقى القوة‬
‫(‪)35‬‬
‫الناطقة هي املنظومة املتكاملة من املعرفة اإلنسانية‪».‬‬ ‫نقد حممد البهي‪ :‬يرى حممد البهي يف كتابه"اجلانب اإلهلي‬
‫من التفكري اإلسالمي" أن الفارابي مل يتفطن للصعوبات اليت‬
‫‪2‬ـ النتائج اإلجيابية‪ :‬إن اإلنتقادات اليت وجهت إىل الفارابي ال‬ ‫وقع فيها‪ ،‬ومن أهمها« و ألن الوجود يطرأ على العامل املمكن‬
‫تضعف من فلسفته‪ ،‬ألنه يعود إليه الفضل يف اكتشاف عالقة‬ ‫املستعد فقط ألن يكون حقيقة‪ ،‬و ليس هو يف نفسه حقيقة‪،‬‬
‫املغايرة املوجودة بني املاهية و الوجود‪ ،‬اليت مل تكن ألفالطون و‬ ‫و نشأ إشكال حاصله كيف تصري املاهية غري احلقيقة حاملة‬
‫ال ألرسطو و أفلوطني‪ .‬و هلذه املغايرة تأثري إجيابي على الفكر‬ ‫للوجود‪ ،‬مع أن غري احلقيقي ال ميكن أن يكون حامال للحقيقي؟‬
‫الفلسفي بشكل عام‪.‬‬ ‫و الفارابي مل يرى هذه الصعوبة‪ ،‬ألن الوجود بناء على رأيه‬
‫‪1‬ـــ دور املاهية و الوجود عند الفارابي يف رسم نظرية الفيض‬ ‫يطرأ من اخلارج على املاهيات‪.‬وهو يف الواقع مشابه للتشخص‬
‫و جعلها أكثر عقالنية‪ :‬إن لعالقة املاهية بالوجود دور عظيم‬ ‫أي طروءه مشابه لتحديد العام‪ ،‬و حتويله الشيء إىل مفرد‪...‬و‬
‫يف رسم نظرية الفيض الفارابية‪ ،‬اليت أخذت طابعا خاصا‬ ‫بهذا حتمل املاهيات يف نفسها الوجود احلقيقي‪ )33(» .‬إن الفارابي‬
‫مع الفارابي‪ ،‬هلذا كان الفارابي أكثر عقالنية يف تقييمه‬ ‫مل يرى يف ذلك صعوبة أو إشكال‪ ،‬ألن الوجود يأتي من اخلارج‬
‫لألمور اإلجتماعية و األخالقية و امليتافيزيقية القائمة على‬ ‫إلضفاء احلقيقة على املاهيات لكي تتحقق و يف ذلك تكتمل‬
‫املصدر الفيضي العقالني‪ .‬و يف هذا الصدد يقول"علي حسني‬ ‫حقيقتها‪.‬و هذه املالحظة مهمة ألنها نقطة انتباه غفل عنها‬
‫اجلابري"‪ ،‬إن عقالنية الفارابي جاءت نتاج منطق فيضي قائم‬ ‫الفارابي‬
‫على الرتابط السبيب بني عامل األرض و عامل السماء‪ ،‬مبعنى‬ ‫ثانياـ من الناحية املعرفية‪:‬‬
‫أن العناصر األرضية معلوالت تستمد وجودها من عامل السماء‪.‬‬
‫هذا إىل جانب ما استوعبه من علم تشرحيي يتصل باإلنسان‬ ‫من بني أهم اإلعرتاضات اليت ترتبت عن عالقة املاهية بالوجود‬
‫و بدنه و قواه‪ ،‬احتل بينها العقل مكانة عالية‪ ،‬فهو املسري و‬ ‫عند املعلم الثاني من الناحية املعرفية هي‪:‬‬
‫املنظم الرئيسي حلياة اإلنسان من التجربة احلسية اليت‬ ‫دور اإلنسان يف العملية املعرفية عند الفارابي إجيابي و سليب‪،‬‬
‫مصدرها الوجود اخلارجي إىل التجربة الروحية اخلالصة‬ ‫وهذا يؤدي إىل نوع من التناقض‪ :‬نالحظ أن النتائج اليت‬
‫اليت مصدرها العقل الفعال‪ ،‬و هذه هي خامتة املطاف لرحلة‬ ‫ترتبت على التوفيق يف حبث الوجود‪ ،‬و كان هلا أثر يف حبث‬
‫اإلنسان العقالنية‪ ،‬و هكذا يكون الفارابي بهذا النظام الفيضي‬ ‫املعرفة‪ ،‬قد بقيت عناصرها ها هنا يف دائرة املعرفة قلقة‪ ،‬و‬
‫العقالني قد أخلص إىل العلم‪ ،‬و العقيدة‪ ،‬و الفلسفة‪ )36(.‬إن‬ ‫هذا راجع إىل الفكرتيني اجلوهريتني اليت قام عليهما العمل‬
‫املغايرة بني املاهية و الوجود ساعدت العقل على حق القيادة‬ ‫املعريف‪ ،‬و لنرى‪ :‬إىل أي مدى تكاد تتناقض الفقرة الثانية مع‬
‫و التوجيه يف النظام الفيضي‪ ،‬فالعقول املفارقة هي اليت تسري‬ ‫األوىل! الفقرة األوىل‪ :‬لإلنسان دورا فعاال و إجيابي يف معرفة‬
‫النظام الطبيعي وفق العقل الفعال الذي يرفع املعرفة اإلنسانية‬ ‫املعنى أو املاهية‪ .‬أما الفقرة الثانية‪ :‬اإلنسان منفعل يف عملية‬
‫إىل أعلى املراتب للتقرب من اهلل عزوجل‪ ،‬وبهذا كانت عقالنية‬ ‫املعرفة‪ ،‬فال إجيابية يف ذلك‪ ،‬بل كل ما له من عمل إجيابي‬
‫أبي نصر الفارابي شاملة وعميقة‪.‬‬ ‫هنا هو اإلبتعاد عن ملذات الدنيا و اإلقرتاب إىل اهلل‪ ،‬لكي يكون‬
‫‪2‬ـــ املغايرة بني املاهية و الوجود تثبت حرية اخلالق و حرية‬ ‫من عباده الصاحلني‪ .‬و عليه‪ ،‬فمحاولة إجياد وحدة منسجمة‬
‫الذات اإلنسانية‪ :‬لقد حاول املفكر " أبويعرب املرزوقي" التوصل‬ ‫بني هاتني الفقرتني‪ ،‬يشبه حماولة رفع التناقض بينهما يف‬
‫إىل أهم النتائج الذي يقتضيها الفصل بني املاهية و الوجود‪ ،‬و‬ ‫كتابيه" املسائل الفلسفية و األجوبة عنها"و" فصوص احلكم"‪.‬‬
‫من أهمها إثبات الذات اإلهلية مبا هي خالقة حرة‪ ،‬فماهية اهلل‬ ‫(‪ )34‬إن" حممد البهي" ال يريد إنتقاد الفارابي بقدر ما حياول‬
‫عني وجوده‪ ،‬وهي اليت متنح الوجود لكل األشياء‪،‬إذ لوال الفصل‬ ‫رفع التناقض الذي يراه بني الفكرتني كما أنه يريد اإلجابة‬
‫لكان جمرى األشياء يف الطبيعة حتميا خالصا و آليا أعمى‪ ،‬و‬ ‫عن السؤال‪ :‬إىل أي مدى تكون فعالية اإلنسان يف عملية‬
‫للسبب نفسه وقع إثبات الذات اإلنسانية مبا هي خالقة حرة‪،‬‬ ‫معرفة الوجود؟ فأحيانا يكون لإلنسان دورا إجيابيا‪ ،‬وهذا ما‬
‫فلوال الفصل بني املاهية و الوجود ملا كان بني اهلل و املخلوقات‬ ‫جنده يف كتابه " املسائل الفلسفية و األجوبة عنها" و أحيانا‬
‫فارق و لصار جمرى األشياء يف الشريعة حتميا خالصا و‬ ‫أخرى جند لإلنسان دورا إنفعاليا‪ ،‬و العقل الفعال هو الذي يقوم‬
‫آليا أعمى‪ )37(.‬إن اهلل هو الفاعل الكوني أما إرداة اإلنسان فهي‬ ‫بالدور اإلجيابي‪ ،‬إذ أنه واهب الصور و هذا ما جنده يف كتابه‬
‫الفاعلة ملا يقع‪ ،‬ألنه هناك مغايرة بني املاهية و الوجود‪ ،‬ألن‬ ‫" فصوص احلكم"‪ ،‬الذي يتحدث فيه عن املعرفة اليت تأتيه‬

‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب‪ /‬قسم األداب و الفلسفة العدد ‪ - 10‬جوان ‪ . 2013‬ص ‪40 - 30‬‬ ‫‪38‬‬
‫املاهية و الوجود عند الفارابي‬
‫القائم على فكرة املغايرة بني املاهية و الوجود‪ ،‬انتقل إىل الغرب‬ ‫املاهية الفاعلية هي كون الذات ماهية حتى و إن فرضناها‬
‫عرب فلسفة ابن سينا‪ .‬لكن هذا ال يعنى أن األوروبيني مل يعرفوا‬ ‫على العدم‪ ،‬و الوجود يبني لنا أن الذات معلولة بعلة فاعلة‬
‫الفارابي‪ ،‬بل اليزالون يهتمون به إىل اليوم‪.‬‬ ‫مقيدة‪.‬‬
‫‪5‬ـــ املغايرة بني املاهية بالوجود و أثرها على املذهب التجرييب‪ :‬إذا‬ ‫‪3‬ــــ املغايرة بني املاهية و الوجود أدى إىل القول بأصالة الوجود‪:‬‬
‫كانت املغايرة بني املاهية بالوجود أثرت على فالسفة اإلسالم‪،‬‬ ‫قلنا يف نظرية املعرفة أن التشخص الزم ذاتي للوجود و املاهية‬
‫فإنها أفسحت اجملال للمذهب التجرييب القائم على أصالة‬ ‫ال تتعني إال يف ظل الوجود‪ ،‬فهي موجودة بالقوة و التشخص‬
‫الوجود دون املاهية‪ ،‬و بالتالي اإلعتماد على التجربة كعنصر‬ ‫هو الوجود الفعلي‪ .‬من خالل هذه املقدمة الفلسفية‪ ،‬استطاع‬
‫أساسي و ضروري للتحقق‪.‬ألن املغايرة حلت مشكل التشخص‬ ‫املفكر حسني مروة أن يصل إىل استنتاج مهم جدا خيالف به‬
‫الذاتي الذي أصبح مع الفارابي الزم من لوازم الوجود ال املاهية‪،‬‬ ‫الرأي السائد ملعظم الدراسات احلديثة للفلسفة العربية‪ ،‬و‬
‫و من ثم اإلعرتاف بأصالة الوجود‪ ،‬أي ال معنى للكلي إال إذا‬ ‫القائل بأن أصالة الوجود أمر مل تعرفه هذه الفلسفة قبل صدر‬
‫انتزع من اجلزئيات املشخصة يف اخلارج‪ « .‬و ألجل ذلك يعتمد‬ ‫الدين الشريازي‪.‬و هذا اإلستنتاج يتمثل يف أن الفارابي ينتهي‬
‫املذهب التجرييب على الطريقة اإلستقرائية يف اإلستدالل و‬ ‫إىل األخذ ضمنا‪ ،‬بأصالة الوجود دون املاهية‪ ،‬أو هو على األقل‬
‫التفكري ألنها طريقة الصعود من اجلزئي إىل الكلي‪ ،‬و يرفض‬ ‫مل يصرح بأصالة املاهية‪ .‬و من بني أهم القرائن الدالة على‬
‫مبدأ اإلستدالل القياسي الذي يسري فيه الفكر من العام إىل ال‬ ‫هذا اإلستنتاج‪:‬‬
‫(‪)40‬‬
‫خاص‪».‬‬ ‫أ ــــ املوجودات الطبيعية هلا وجودها احلقيقي ال الصوري‪ ،‬و ال‬
‫يرى املفكر " حممد باقر الصدر" من خالل كتابه "فلسفتنا"‪،‬‬ ‫الشبحي‪ ،‬خالف ألفالطون‪.‬‬
‫أن املذهب التجرييب قائم على التجربة‪ ،‬اليت هي مصدر األول‬ ‫ب ـــإن العامل املادي موضوعي‪ ،‬فهو مستقل عن الوعي‪ ،‬و ليس‬
‫جلميع املعارف البشرية‪ ،‬و هذا املذهب يسري بطريقة عكسية‬ ‫خملوقا له‪.‬‬
‫ملا يعتقده املذهب العقلي‪ ،‬فبينما املذهب العقلي يسري دائما من‬
‫العام إىل اخلاص‪ ،‬فنجد املذهب التجرييب يسري من اخلاص‬ ‫ج ــــإن املفاهيم الكلية للموجودات‪ ،‬هي نتاج لوجوداتها اجلزئية‬
‫إىل العام‪ ،‬أي من اجلزئيات إىل الكليات‪ ،‬و ليس يف وسع اإلنسان‬ ‫املتشخصة يف اخلارج‪.‬‬
‫أن ميلك قوانني عامة و كلية إال إذا كانت حصيلة التجارب‪،‬‬ ‫د ـــ إن احلركة الطبيعية يف هذه املوجودات‪ ،‬هلا قوانينها‬
‫و هذا لن يكون إال بواسطة اإلستقراء‪ .‬و هذا ما يقوله الفارابي‬ ‫الداخلية املستقلة‪ ،‬من غري أن يكون ذلك دخيال عليها من شيء‬
‫يف نظرية املعرفة‪ ،‬فاحلس بالنسبة إليه هو مبدأ املعرفة‬
‫(‪)38‬‬
‫آخر غريب عنها‪.‬‬
‫لإلنسان‪ ،‬إذ العقل ليس هو شيئا غري التجارب‪ ،‬و بالتالي يصبح‬ ‫إن قول الفارابي القائم على املغايرة بني املاهية و الوجود‪ ،‬أصبح‬
‫الوجود اخلارجي أصل موضوعي للماهية يف موضوع املعرفة‪ ،‬و‬ ‫منشأ لتحول يف رؤية الفالسفة‪ ،‬و ال بد من عده حبق انعطافا‬
‫التشخص الزم ذاتي للوجود فقط‪ .‬و هكذا يتبني لنا أن املغايرة‬ ‫يف تاريخ الفلسفة‪ .‬و ذلك ألنه إىل ذلك الزمن كانت البحوث‬
‫بني املاهية و الوجود‪ ،‬فتحت أمام املذهب التجرييب القول‬ ‫الفلسفية مبنية و لو بشكل غري شعوري على أصالة املاهية‪،‬‬
‫بأصالة الوجود دون املاهية‪ ،‬و اإلعرتاف باملنهج اإلستقرائي‬ ‫و لكنه منذ أن أصبح التشخص الزم ذاتي للوجود ال للماهية‪،‬‬
‫كطريق للوصول إىل احلقيقة‪.‬‬ ‫إلتفت الفالسفة إىل الوجود و عرفوا أن للوجود العيين أحكاما‬
‫‪6‬ـ املاهية و الوجود من مقوالت الفلسفة الوجودية‪ :‬إن مذهب‬ ‫ال ميكن إدراكها عن طريق اإلحكام املاهوية‪.‬‬
‫الفارابي القائم على فكرة املغايرة بني املاهية و الوجود‪ ،‬هو‬ ‫‪4‬ـ تأثر" إبن سينا "باألنطولوجية الصرحية القائمة على مغايرة‬
‫استمرار للمذهب الوجودي الذي بدأ منذ أن بدأ اإلنسان يسجل‬ ‫املاهية للوجود‪ :‬لقد أثر الفارابي بقوله الصريح القائم على‬
‫أفكاره و أعماله و فلسفته‪ .‬إن الفلسفة الوجودية ليست من‬ ‫املغايرة بني املاهية و الوجودعلى املفكر اإلسالمي "إبن سينا"‬
‫نتاج هذا القرن احلديث‪ ،‬بل إن هلا جذورا عريقة و موغلة يف‬ ‫الذي اعتمد كثريا على هذه األنطولوجية‪ ،‬أو أنها لب فلسفته‬
‫القدم‪ ،‬فقد سايرت التفكري اإلنساني منذ العصر اإلغريقي حتى‬ ‫بشكل عام‪ .‬هلذا السبب تأثرت بعض املدارس و الشخصيات‬
‫يومنا هذا‪ ،‬لكن الوجودية مل تظهر كفلسفة متكاملة األسس‬ ‫الفلسفية بهذا املفكر اإلسالمي‪ ،‬ألنه أعطى الكثري بعلمه يف‬
‫الفكرية من حيث كيانها الفلسفي العام إال يف املئة سنة‬ ‫الطب و الفلسفة و غريها‪ ،‬وللسبب نفسه تأثروا بابن سينا و مل‬
‫األخرية‪ ،‬فهي بدأت مع "سورين كريكجارد" يف القرن التاسع‬ ‫يذكروا الفارابي يف ذلك‪.‬و هلذا جند املفكر" إبراهيم مدكور"‬
‫عشر حتى أيام رائدها املعاصر الفيلسوف الفرنسي" جون بول‬ ‫يقول‪،‬إن «التفرقة بني املاهية و الوجود من املبادئ امليتافيزيقية‬
‫سارتر" (‪)1980-1905‬م‪.‬و الفلسفة الوجودية يف احلقيقة تبدأ‬ ‫األساسية اليت عرض هلا مفكروا القرن الثالث عشر‪ ،‬و تأثروا‬
‫مقولتها يف الوجود من هذه اإلنطالقة‪ « :‬أنا موجود‪ ،‬إذن أنا‬ ‫فيها بابن سينا كل التأثر‪ .‬و نالحظ أوال أنه ميكن أن تعد هذه‬
‫أفكر‪ ،».‬فاإلنسان موجود أوال‪ ،‬وهذا يعين أن الوجود هو سابق‬ ‫التفرقة أساسا لفلسفة "جيوم األوقريين" كلها‪ ،‬و املدرسة‬
‫للماهية‪ ،‬و املاهية ماهي إال نتيجة األعمال اليت يقررها‬ ‫الفرنسسكانية تعتنقها‪ ،‬و تستخدمها يف الربهنة على وجود‬
‫الوجود(‪)41‬لقد بدأ املذهب الوجودي ببداية التفكري اإلنساني‪ ،‬و‬ ‫اهلل‪ ...‬و يتوسع القديس "توما األكويين" يف هذه التفرقة‪،‬‬
‫قد شارك يف بنائه عدة مفكرين و فالسفة‪ ،‬اشتغلوا بالبحث‬ ‫و يستعني بفكرة اإلمكان و الضرورة على إثبات وجود اهلل‪.‬‬
‫يف مشكلة الوجود‪ ،‬و من بني هؤالء الفالسفة جند الفارابي‪،‬‬ ‫فأضحت التفرقة بني الوجود و املاهية مبدأ ميتافيزقيا يسلم‬
‫الذي حاول من خالل مقوليت املاهية والوجود املشاركة يف‬ ‫به املسيحيون‪ )39(».‬وهكذا نالحظ أن الفكر الفلسفي الفارابي‬
‫‪39‬‬ ‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب‪ /‬قسم األداب و الفلسفة العدد ‪ - 10‬جوان ‪ . 2013‬ص ‪40 - 30‬‬
‫محيدي بوجلطية خرية | أد‪ .‬الزاوي احلسني‬
‫مكتبة األجنلو مصرية ‪ ،‬ط‪،1،1982‬ص ‪.80‬‬ ‫هذا البناء الوجودي‪ .‬مبعنى أن الفارابي قال بأسبقية الوجود‬
‫(‪ )14‬أبو نصر الفارابي‪،‬عيون املسائل‪ ،‬ص‪.246‬‬ ‫على املاهية ــــ من ناحية نظرية املعرفة ـــــ ‪،‬و هذه النقطة‬
‫(‪)15‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.246،247‬‬
‫(‪ )16‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.247‬‬ ‫اجلوهرية كان هلا أثر على الفكر الوجودي‪ ،‬الذي يعتمد على‬
‫(‪ )17‬حممد البهي‪ ،‬اجلانب اإلهلي من التفكري اإلسالمي ‪ ،‬ط‪ ،3‬مكتبة وهبة‬ ‫املقولة الوجودية نفسها‪ ،‬و من ثم تربز مشاركة الفارابي يف‬
‫بعابدين ‪ ،1962 ،‬ص ‪.325،326‬‬ ‫بناء املذهب الوجودي‪.‬‬
‫(‪ )18‬أبو نصر الفارابي‪ ،‬جوابات املسائل سئل عنها‪ ،‬حتقيق‪:‬جعفر آل ياسني‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫دار املناهل‪ ،‬بريوت لبنان‪ 1987،‬ص ‪.89‬‬ ‫خامتة‪:‬‬
‫(‪ )19‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.85‬‬ ‫بناء على ما ورد فيما سبق‪ ،‬ميكن أن نقول إن لعالقة املاهية‬
‫(‪ )20‬أبو نصر الفارابي‪ ،‬فصوص احلكم‪ ،‬ضمن كتاب الثمرة املرضية يف بعض‬
‫الرساالت الفارابية‪ ،‬حتقيق وتقديم عماد نبيل‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفارابي‪ ،‬بريوت لبنان‪،‬‬ ‫بالوجود عند الفارابي نتائج سلبية خصوصا على مستوى‬
‫‪ 2012‬ص ‪.263‬‬ ‫امليتافيزيقا و نظرية املعرفة‪ ،‬و هذه النتائج مل تؤثر يف فلسفة‬
‫(‪ )21‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪. 263،264‬‬ ‫الفارابي و تزعزها من مكانها العظيم‪ ،‬ألن هناك أصالة يف‬
‫(‪ )22‬أبو حامد الغرالي‪ ،‬معارج القدس يف مدارج معرفة النفس‪ ،‬دط‪ ،‬شركة‬ ‫الفكر‪ ،‬فمن القول بأصالة املاهية إىل القول بأصالة الوجود يف‬
‫الشهاب للنشر و التوزيع‪ ،‬اجلزائر‪، 1989 ،‬ص‪164‬‬
‫(‪ )23‬حممد البهي‪ ،‬اجلانب اإلهلي من التفكري اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪.330‬‬ ‫نظرية املعرفة‪ .‬و هذا التجديد و اإلبداع الفكري كان قائما على‬
‫(‪ )24‬حسن آتاي‪ ،‬نظرية اخللق عند الفارابي‪،‬مقال ضمن جملة املورد‪ ،‬العدد‬ ‫أن الوجود الزم من لوازم املاهية ال مقوم من مقوماتها‪ ،‬مبعنى‬
‫اخلاص بالفارابي‪ ،‬ص‪.42‬‬ ‫أن التشخص الزم ذاتي للوجود و ليس للماهية‪ .‬إن هذا املبدأ‬
‫(‪ )25‬أبو نصر الفارابي‪ ،‬كتاب السياسة املدنية امللقب مببادئ املوجودات‪،‬‬ ‫يوافق املذهب التجرييب من حيث املنطلق الفكري‪ ،‬الذي يعتمد‬
‫حتقيق‪ :‬فوزي مرتي جنار‪ ،‬ط‪ ،4‬املطبعة الكاثولوكية‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬ص ‪. 34‬‬
‫(‪ )26‬أبو نصر الفارابي‪،‬عيون املسائل‪ ،‬ص ‪.251‬‬ ‫على أصالة الوجود احلسي‪ ،‬و من ثم اإلعرتاف باجلزئيات‬
‫(‪ ) )27‬أبو نصر الفارابي‪ ،‬كتاب السياسة املدنية امللقب مببادئ املوجودات‪ ،‬ص‬ ‫قبل الكليات‪ .‬كما أن املغايرة بني املاهية و الوجود شاركت‬
‫‪.34‬‬ ‫يف استمرار املذهب الوجودي عرب مراحل فكرية خمتلفة من‬
‫(‪ )28‬أبو نصر الفارابي‪،‬عيون املسائل‪ ،‬ص‪.249‬‬ ‫قدمية إىل حديثة إىل معاصرة‪ ،‬أو أنها كانت حلقة وصل‬
‫(‪ )29‬حممد عبد الستار نصار‪ ،‬يف الفلسفة اإلسالمية قضايا و مناقشات‪ ،‬ص‬
‫‪.100‬‬ ‫بني الفكر القديم و احلديث‪ ،‬بني القول بأسبقية املاهية على‬
‫(‪ )30‬حممد البهي‪ ،‬اجلانب اإلهلي من التفكري اإلسالمي ‪ ،‬ص‪.373‬‬ ‫الوجود‪ ،‬إىل القول بأسبقية الوجود على املاهية‪.‬‬
‫(‪)31‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬تهافت الفالسفة‪ ،‬حتقيق‪ :‬ماجد فخري‪،‬ط‪،3‬دار‬
‫املشرق‪،‬بريوت لبنان‪، 1986 ،‬ص‪.40‬‬
‫اهلوامش‬
‫(‪ )32‬أبو نصر الفارابي‪ ،‬التعليقات ‪،‬ص‪.41‬‬ ‫(‪ )1‬أبو نصر الفارابي‪،‬عيون املسائل‪ ،‬ضمن كتاب الثمرة املرضية يف بعض‬
‫(‪ )33‬حممد البهي‪ ،‬اجلانب اإلهلي من التفكري اإلسالمي ‪ ،‬ص‪.375‬‬ ‫الرساالت الفارابية‪ ،‬حتقيق وتقديم عماد نبيل‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفارابي‪ ،‬بريوت لبنان‪،‬‬
‫(‪ )34‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.340‬‬ ‫‪ ،2012‬ص ‪.245‬‬
‫(‪ )35‬جعفر آل ياسني‪ ،‬فيلسوفان رائدان الكندي و الفارابي‪،‬ط‪ ،3‬دار األندلس‪،‬‬ ‫(‪)2‬مجيل صليبا‪ ،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪ ، 2‬الشركة العاملية للكتاب‪ ،‬بريوت‬
‫بريوت لبنان‪ ،1983،‬ص ‪.108‬‬ ‫لبنان‪ ،1994،‬ص ‪. 558‬‬
‫(‪ )36‬علي حسني اجلابري‪ ،‬العقل و العقالنية يف مدرسة بغداد‪ ،‬مقال ضمن‬ ‫(‪ )3‬أبو نصر الفارابي‪ ،‬كتاب احلروف‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمسن مهدي‪ ، ،‬د ط ‪ ،‬دار‬
‫جملة املورد‪،‬وزاة الثقافة و اإلعالم‪ .‬اجلمهورية العراقية‪ ،1988،‬ص‪.48‬‬ ‫املشرق‪ ،‬بريوت لبنان ‪ ،1970 ،‬ص ‪.62‬‬
‫(‪)37‬أبو يعرب املرزوقي‪ ،‬اصالح العقل يف الفلسفة العربية‪ ،‬ط‪،1‬مركز دراسات‬ ‫(‪ )4‬اجلرجاني‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬اجمللد الرابع ‪ ،‬طبعة جديدة‪ ،‬مكتبة لبنان‪،‬‬
‫الوحدة العربية‪،‬بريوت لبنان‪، 1994 ،‬ص‪.59‬‬ ‫بريوت لبنان‪ ،1985،‬ص ‪.205‬‬
‫(‪ )38‬حسني مروة‪ ،‬النزعات املادية يف الفلسفة العربية اإلسالمية‪ ،‬ط‪،3‬دار‬ ‫(‪ )5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.205‬‬
‫الفارابي‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،1980،‬ص‪.526،527‬‬ ‫(‪ )6‬أبو نصر الفارابي‪ ،‬األلفاظ املستعملة يف املنطق ‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمسن مهدي‪ ،‬دار‬
‫(‪ )39‬ابراهيم مدكور‪ ،‬يف الفلسفة اإلسالمية منهج و تطبيقه‪ ،‬دار املعارف‪،‬‬ ‫املشرق‪ ،‬بريوت‪ ،1988،‬ص‪48‬ـ‪.49،‬‬
‫القاهرة‪ ،1947،‬ص‪.178‬‬ ‫(‪ )7‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪. 49،50‬‬
‫(‪ )40‬حممد باقر الصدر‪ ،‬فلسفتنا‪ ،‬ط‪ ،2‬دار التعارف للمطبوعات‪ ،‬بريوت‬ ‫(‪ )8‬أبو حامد الغرالي‪ ،‬معيار العلم يف فن املنطق‪ ،‬ط‪ ،3‬دار األندلس‪ ،‬بريوت‬
‫لبنان‪ ،1998،‬ص‪.67‬‬ ‫لبنان‪ ،1981 ،‬ص‪70‬‬
‫(‪ )41‬غاري األمحدي‪ ،‬الوجودية فلسفة الواقع اإلنساني‪ ،‬د ط ‪ ،‬دار مكتبة احلياة‪،‬‬ ‫(‪ )9‬أبو نصر الفارابي ‪ ،‬التعليقات‪ ،‬حتقيق‪ :‬جعفر آل ياسني‪ ،‬ط‪ ،1‬دار املناهل‪،‬ـ‬
‫بريوت لبنان‪ ،1960،‬ص‪.35،36‬‬ ‫بريوت لبنان ‪ ،1988 ،‬ص‪.42‬‬
‫(‪ ) )10‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫(‪ )11‬أبو نصر الفارابي‪ ،‬كتاب احلروف ‪ ،‬ص‪117‬‬
‫(‪ ) )12‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫(‪ )13‬حممد عبد الستار نصار‪ ،‬يف الفلسفة اإلسالمية قضايا و مناقشات‪،‬ج‪،1‬‬

‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية ب‪ /‬قسم األداب و الفلسفة العدد ‪ - 10‬جوان ‪ . 2013‬ص ‪40 - 30‬‬ ‫‪40‬‬

Das könnte Ihnen auch gefallen