Beruflich Dokumente
Kultur Dokumente
الطور :ماستر
السنة :األولى (ل.م.د)
السداسي :األول
من إعداد الدكتورة :فاطمة قسول
الرتبة :أستاذ محاضر قسم ــ أ ــ
1
الفـــــــــــــــــــهرس
2
الفهرس02.........................................................................................:
المقدمة06.........................................................................................:
المحاضرة األولى :الكالسيكية األوروبية االتباعية العربية ( الصفات العامة للندرسة االتباعية)11.....
-1تمهيد28...................................................................................
-2رواد الكالسيكية29..........................................................................
-3بين االتباعية العربية والكالسيكية29.........................................................
-1تمهيد33....................................................................................
-2خصائص االتباعية المهنوية33..............................................................
-3التقليد األسلوبي والمعنوي للبارودي وشوقي وحافظ 34......................................
المحاضرة الخامسة :التقليد األسلوبي والتجديد المعنوي (معروف الرصافي ،رفيق المهدوي ،مصطفى خريف) 38
-1تمهيد 39...................................................................................
-2التقليد األسلوبي والمعنوي لمعروف الرصافي40................................................
-3التقليد األسلوبي والمعنوي لرفيق المهداوي43................................................
-4التقليد األسلوبي والمعنوي لمصطفى خريف 44..............................................
3
المحاضرة السادسة :المدرسة الرومنسية في الشعر( سمات اإلبداعية) 45............................
-1تمهيد50....................................................................................
-2مبادئ الرومانسية وتجليها في القصيدة العربية50...........................................
-1تمهيد54...................................................................................
-2سبب التسمية54...........................................................................
-3جماعة الديوان والثورة على الكالسيكية55...................................................
-4أهداف مدرسة الديوان56...................................................................
-5مواطن التجديد عند جماعة الديوان56.......................................................
-1تمهيد66...................................................................................
-2خصائص الشعر المهجري على مستوى المضمون66........................................
-3خصائص الشعر المهجري على مستوى الشكل67...........................................
-1تمهيد71...................................................................................
-2خصائص اإلنتاج اإلبداعي والنقدي عند الرابطة القلمية71...................................
-3النزعة التأملية عند شعراء الرابطة القلمية72................................................
-1تمهيد76...................................................................................
4
-2جماعة أبولو نشأتها وخصائصها الفنية76.................................................
-3عوامل ظهور جماعة أبولو وأهدافها77.....................................................
-4مبادئ جماعة أبولو77.....................................................................
-5الخصائص الفنية لجماعة أبولو78..........................................................
-6خصائص القصيدة الفنية عند جماعة أبولو78..............................................
-1تمهيد82...................................................................................
-2الرمزية العربية وأسباب التأثر الغربي83.....................................................
-3ظهور الرمزية في الشعر العربي83.........................................................
-1تمهيد88....................................................................................
-2رواد المدرسة الرمزية88.....................................................................
-1تمهيد93....................................................................................
-2مفهوم الصورة الفنية93.....................................................................
-3توظيف الصورة الفنية عند الشعراء في العصر الحديث94....................................
الخاتمة95......................................................................................... :
المصادر والمراجع..............................................................................:
5
المـقـدمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
6
إن أهم حداثة شهدها الفكر العربي حداثة القرآن واإلسالم ،اللذين كان لهما دور كبير في شحذ نشاط
الخيال العربي ،كما جال الفكر في أفاق روحية لم يعرفها من قبل ،كما تغيرت البنى االجتماعية والسياسية
واالقتصادية والفكرية ،لتتغير المفاهيم وتتغير معها لغة التعبير التي استجاب لها الشعر ،وبمجيء العصر
العباسي الذي شهد فيه العرب أكبر حداثة على مستوى الصيغ والمضامين التي يتطلبها االنفتاح الجديد
على الثقافات ،وهكذا تعد تجربة الحداثة العربية أقدم زمنيا فهي ترجع إلى إسهامات شعراء عرب (قدماء)
اتخذوا منحا التجاه شعري عربي جديد تأسيسي ممثل في تجارب الشعراء (بشار بن برد) و(ابن هرمة)
و(العتابي) وأبـى (نـواس ) و(مسلم بن الوليد) و(ابن المعتز) و(الشريف الرضى) وآخرين ،وامتدت بعدها
إلـى جماعـة (الـديوان ) و(أبولـو ) و(المهجر) ،فكان شعر أبي تمام على األخص ،الثورة األكثر جذرية
على صعيد اللغة الشعرية بالمعنى الجمالي الخاص .
فالحداثة الشعرية عند أبي تمام اتخذت بعدا آخر ،هو ما يمكن أن نسميه بعد الخلق ال على مثال لقد
اشتركا في رفـض تقليد القديم لكن كال منهما سلك في إبداعه مسلكا خاصا.
فعلى الرغم من أن النقد العربي القديم قد استخدم مصطلح الشعر المحدث والشاعر المحدث ،وذلك
من خالل المعركة النقدية بين ألبي تمام وخصومه ،وبين كل شاعر محدث وآخر ،إال أن مصطلح
الحداثة في الحركة األدبية تزامن مع جملة نابليون بونابرت على مصر1798م ،فلقد كانت بداية حداثة
النهضة العربية ،ومنهم كم يرى أن مطلع القرن العشرين هو البداية الحقيقية لحركة الحداثة ،وبالضبط منذ
كتابة الدستور العثماني ، 1908وفي ظل التحوالت الحضارية النهضوية ،وتغير الشعر على مستوى
الشكل والمضمون ،الذي لم يتأت إال في ظل بعث القديم واحيائه من جديد دون محاكاته وتقليده ،وعليه
وفي " ظل هذا المفهوم حاول عدد من شعراء النهضة أن يحيوا الماضي من أجل الحاضر والمستقبل،
وأن يتصلوا بحداثة العالم الغربي الوافدة على الوطن العربي منذ أوائل القرن التاسع عشر ،وكان الثلث
األخير من القرن التاسع عشر البداية الحقيقية لحداثة النهضة ،فكان البارودي الذي وصفه بعض
الباحثين بأنه رائد الشعر العربي الحديث ،ومن جاء بعده من الشعراء العرب مثل :أحمد شوقي،وحافظ
إبراهيم ،ومطران والرصافي والزهاوي ،والقائمة طويلة ممن شهدوا التحول الذي مس الحياة العربية.
ومن هنا يسعى مقياس الشعر العربي الحديث عبر محاضراته المرتبة بحسب المادة المقرر ،والموجه
لطلبة السنة األولى ماستر ،تسليط الضوء على الحداثة الشعرية العربية وأهم مدارسها الفنية وخصائص
الشعر الحديث ومراحل تطوره ،فاألدب العربي مر بمراحل مختلفة في رحلته الطويلة بداية بالعصر
الجاهلي واالسالمي واألموي و العباسي ...وصوال إلى العصر الحديث ،الذي شهدنا فيه العديد من
7
التغييرات على مستوى الشكل والمضمون التي كانت تجري في كنف العديد من المدارس األدبية ممثلة
في:
*مدرسة المحافظين
*مدرسة الديوان
*مدرسة المهجر
حيث كان لهذه المدارس دور كبير في تحديث األدب العربي وتجديده على أساس بناء األدب الغربي.
الكلمات المفتاحية :الشعر ،العربي ،الحديث ،مدارسه ،خصائصه
8
مدخل:
مفردات ومفاهيم ( مفهوم الحداثة /الحداثة
الشعرية)
9
مفردات ومفاهيم ( مفهوم الحداثة /الحداثة الشعرية)
*تمهيد:
يعد مصطلح الحداثة modernitéمن أكثر المصطلحات انتشا ار واثارة للجدل ،لتدخل اإليديولوجيات
فيه ،وعن ظهوره وحضوره في الوطن العربي و الغربي بشكل عام ،فإن ذلك يرجع إلى التحوالت الكبيرة
التي ظهرت في شـتى مناحي الحياة سياسيا و ثقافيا و اقتصاديا واجتماعيا ،فالحداثة ليست حك ار على
ميدان واحد من الميادين المعرفية ،وانما كان لها حضور أيضا في ميادين مختلفة من فكر وعلوم إنسانية
وعلوم تطبيقية ،وفنون وأدب ،وسياسة واقتصاد ،و فكر وأخالق ،...فشغلت الباحثين والنقاد واحتلت
مساحة واسعة في عالمهم ،فهي من أكثر المصطلحات عرضة للتقصي والبحث والدراسة.
/1الحداثة في المعنى اللغوي:
يتحدد معنى الحداثة لغة في قولهم :حدث الشيء يحدث حدثا وحداثة فهو محدث وحديث ،وكذلك
استحدثه ،فالحديث ايجاد شيء لم يكن وابتدعه ،والحديث والحدوث نقيض القديم والقدمة ،1وكون الشيء
لم يكن ،وما ابتدع ،والمحدث هو األمر المبتدع ،واستحدثت خب ار أي وجدت خب ار جديدا ،والحديث الجديد
من األشياء ،والحدث هو الشباب ،أو األمر المنكر الذي ليس معتادا وال معروفا ،العالم محدث أي له
صانع وليس بأزلي ،فالحداثة هي الجدة ،وأول األمر وابتداؤه.2
هذه بعض الدالالت المعجمية لكلمة حداثة التي وردت في المعاجم العربية القديمة ،والتي لم تخرج من
معانيها السابقة المعاجم العربية الحديثة في العصر الحديث ،فالحداثة كما هو موضح نقيض القدم،
وتعني الحدة والحداثة أول األمر وابتداؤه ،والحديث الجديد من األشياء.
أما في اللغة الفرنسية فكلمة حداثة modernitéفمشتقة من الجذر modeبمعنى الصفة والشكل ،أو
هو ما يبتدئ به الشيء ،3الصفة حديث moderneأقدم تاريخيا من اللفظ الحداثة modernitéإذ تقابل
كلمة حديث في اللغة الالتينية modernusوالتي ظهرت في أواخر القرن الخامس عشر في نفس القرن
الذي" ،فلفظ حديث على كل ما هو ينتمي إلى الزمن الحاضر ،وقد استعملت بهدف التمييز بين الماضي
:1ابن منظور :لسان العرب ،دار المعارف ،القاهرة ،مصر ،طَ، 1د.ت،مادة حدث ،ص134/130:
: 2الخليل بن أحمد الفراهيدي ،كتاب العين ،تح :مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي،دار الرشيد،د.ط ،1662،ص.111
: 3ينظر :صفدي مطاع ،نقد العقل الغربي ،الحداثة وما بعد الحداثة ،مركز اإلنماء القومي ،بيروت ،لبنان ،د.ط
،1660،ص 223
10
الروماني الوثني ،والحاضر المسيحي الذي لم يكن قد مضى زمن طويل على االعتراف به رسميا ،وقد
ازداد استعمال لفظ حديث في ما بعد للداللة على االنفتاح والحرية الفكرية،أو بمعنى عامي للداللة على
الخفية والتغيير ألجل التغيير وقد استعملت في اللغة االنجليزية ،modernityوالتي كانت في بادئ األمر
لتناقض القديم أو تنظر إليه على أنه تجاوزه الزمن ،ومنها اشتقت كلمة modeالتي تعني اآلن أو مؤخ ار
أي حديثا ومنذ عهد قريب.
/2الحداثة في المعنى االصطالحي:
إن مصطلح الحداثة على الرغم من كونه "مصطلح متجانس من حيث السؤال ما الحداثة؟ ،فإنه
ينطوي على قدر كبير من الالجدة ،والتناقض ،والنسبية على المستويين السوسيولوجي ،واإلبداع ،والحداثة
جدة في اإلبداع ،وتحرر من المجاكاة والتقليد ،وذلك بإنجاز عمل لم يؤت بمثله من قبل ،ولم يسبق إليه
مبدعه على صعيد الشكل والمضمون" ،1فهو من أكثر المصطلحات إشكاال وغموضا ،متقلب ومراوغ،
عسير التحديد ،ولقد اقترن بمصطلحات عديدة:
*الحداثانية :modernismيختلف مصطلح الحداثة عن المودرنزم" ،إذ تمتلك الحداثة داللة محددة
على ما هو جوهري وشامل في نزعة الحداثة دون تقيد باشتراطات مذهبية ،أو ظالل قيمية ومفهومية،
ومنها تلك الخاصة بتحديد موقف أونطولوجي معين بإزاء الحياة أو اإلنسان ،أما مصطلح المودرنزم فهو
على الرغم من أنه ينتمي إلى الجذر اللغوي نفسه للمصطلح األول ،غير أنه قد تمذهب بعد إضافة ،ism
إليه فأصبح يدل على حركة معينة داخل األدب الغربي ،مشروطة بوضع تاريخي معين ،والمودرنزم هي
بحقيقتها حركة لم تستغرق وقتا طويال في إسبانيا ،لكن كان لها دور فعال في ربط الشعر في إسبانيا
وأمريكا الالتينية بالشعر في أروبا ،وقد ظهرت هذه الحركة في العقد األخير من القرن التاسع عشر لم تدم
طويال". 2
*األصالة :شغلت قضية األصالة والحداثة كثي اًر من النقاد والباحثين" ،فاألصالة ليست ذات داللة زمنية
حتمية ،ألن العمل األصيل هو اإلنتاج الجديد الذي يحدث في مجرى التأريخ ،ضريا من اإلنفضال وكأنما
:1سامر فاضل عبد الكاظم األسدي ،مفاهيم حداثة الشعر العربي في القرن العشرين ،مؤسسة دار الصادق الثقافية،ط،1/
،2012ص.11:
:2المرجع السابق ،ص.13
11
هو حقيقة فريدة تند عن كل تفسير ،وتفلت من طائلة كل مقارنة" ،1فاألصالة هي اإلنتاج الصادق ،وهي
ضد التقليد وهي الديمومة واالستمرار.
*المعاصرة :الحداثة بخالف المعاصرة Contemporaineالتي تعني اآلنية ،كما أن معناها يتضح
بنقيضها القدم ،وهي تمثل بذلك الحركة التقدمية في مركب الديمومة الذي يكون األصالة ،فهده االخيرة
تقترب منها في كونها تعني تمثيل القيم السائدة في العصر الحديث والصدور عنها " ،وخير تحديد
للمعاصرة هو البدء من الحاضر ،ولما كانت المعاصرة تمثيل للقيم المألوفة في العصر الحديث ،فإن
بعض الباحثين قرنها ببدايات القرن العشرين ،متجاوزين بذلك كل التواريخ التي تحدد بداية المعاصرة،
عادين أن التحديدات السالفة تقوم على مجرد الربط المادي بين المعاصرة وبين واحد من األحداث
التاريخية بال مسوغ حاسم ومقبول ،ومن هنا اقترنت بالتزامن ".2
الجد ة :يقول أدونيس" فالجديد معنيان:زمني وهو ،في ذلك آخر ما استجد ،وفني أي ليس فيما أتى
* ّ
قبله ما يماثله ،أما الحديث فذو داللة زمنية ،ويعني كل ما لم يصبح عتيقاً،كل جديد ذا المعنى
حديث،لكن ليس كل حديث جديداً" ،3فالجديد يتضمن معيا ار فنيا ال يتضمنه الحديث بالضرورة ،وهكذا قد
تكون الجدة في القديم كما تكون في المعاصرة ،كما أن الحداثة ال تولد إال من خالل التراكم المعرفي،
وتنطلق من مرحلة إلى أخرى ،بمعنى أن الحداثة هنا تعبر عن حركة فكرية شاملة لها خصائصها
ومميزاتها.4
12
العقلية والنظرية واإلنسانية ،وعن شمولية فعلها ،لكونها تعوض في الظاهرة حتى أعماقها ،كما أنها تتميز
بمواجهتها للذات ومقابلتها ومجادلتها ومحاورتها.1
وظلت معالم التدرج التاريخي لظهور وانبثاق الحداثة ترسم طريقها ،لتظهر معالمها بشكلها الحضاري
في "القرن الرابع عشر ،مع اكتشاف أمريكا ،واختراع الطباعة ،واكتشافات غاليله التي افتتحت اإلنسانية
الحديثة لعصر النهضة " ،2وانطالق حركة اإلصالح الديني البروتستينية ،كما برزت الثقافة العقالنية
والعادات العلمية في التفكير والعمل.
وعن الحداثة الشعرية يعتبر كل من( :بودلير) و(مالرمية (Mallarmé Stéphaneو(رامبو
(ramboمن أهم ممثلـيها ،حيث استطاعوا رسم معالمها بدقة متناهية،ويعد (بودلير) األب الروحي للحداثة
في الغـرب ،فتمـرد على واقع المر الذي طغت عليه الرأس المالية ،وحارب األعراف االجتماعية وتخلص
منها ،وجسد الخطيئة في الكنيسة ،وتحرير الشاعر من تبعيتها ،والدعوة إلى الحرية في التفكير وكل ذلك
جسده عبر اللغة وتغييره لبنية القصيدة القديمة ،ونبذ "البهرجة التقليدية ،وتعرية قلب حديث (قلب) بكل
تفعيالته واندفاعاته وضغائنه وتعاقبـات أحـالم يقظته ،وصفاته الساخر ،وذلك بأن يقوم بعمل الشاعر ال
عمل رجل األخالق" ،3فكان شعره " أبعد أث ار من شعر الرومانتيكيين ،وأن التيارات الجديدة التي انبعثت
منه كانت أعظم قوة وأشد إثارة ( )...ال غرابة إذن في أن يكون (بودلير) هو شاعر العصر الحديث وأن
يحس هو نفسه انه جدير بهذه التسمية ،فهو الذي استخدم الكلمة أول مـرة فـي 16سنة 1859واعتذر
عن غرابتها وحدتها".4
(رامبو) هو اآلخر حمل لواء التمرد ودعا إلى هجر أشكال الشعر القديمة ،كما ثار على التراث المسيحي
وهاجمه هجوما عنيفا ،وحلل النفس المسيحية تحليال سيكولوجيا يكشـف عـن محنتهـا وشقائها ،وان موقف
(رامبو) من الحداثة شبيه بموقف (بودلير) "فكالهما يكره الحداثة إذا كانت تدل على التقدم أو التطـور
13
العلميين وكالهما يتشبث بها بقدر ما تعطيه من تجارب جديدة ،تدفعه بخشونتها وسوادها على أن ينشـئ
1
فيهـا قصـائد خشنة سوداء".
فالحداثة كحركة سعت بكل حيثياتها إلى ظهور أعمال كثيرة في األدب والفنون ،وكانـت ثـورة على
األشكال والمضامين السابقة في نظرتها إلى الحياة والعالم ،إلى أنها لم تسلم من االنتقاد ومحاولة طمسها،
فقد عمدت الكنيسة الكاثوليكية عام 1907إلى ذلك معتبرة إياها بدعة تقتضي الخالص منها بأي شكل
كان ،وأنها فن منحط .كما اعتبر شعر الحداثة بأنه شعر يخرج من "نطاق األناشيد ويرمي به في حضن
الحداثة ويجعـل مـن الشـاعر ورشة متنقلة ،إذ عليه أن ينفتح ويملك كل المعارف".2
14
المحاضرة األولى:
الكالسيكية األوربية واالتباعية العربية
الصفات العامة للمدرسة االتباعية
العربية
15
/1الكالسيكية األوروبية واالتباعية العربية (اإلحيائية).
يذكر مصطلح الكالسيكية كمصطلح رديف لإلحيائية عند الغرب" فالكالسيكية classicismلغة
مشتقة من اللفظة classisالالتينية التي تعني وحدة األسطول ،ثم تطور مفهومها إلى معنى مجموع
الطالب ،ثم غدت تؤدي معنى المكان الذي يجمعهم ،classوالكالسيكية أقدم المذاهب األدبية ،والسابقة
في نشأتها ،ويرجع ظهورها إلى القرن الخامس عشر ،إثر حركة اإلحياء األدبي والعلمي ،التي عرفت في
إيطالية ،بعد هرب العلماء من القسطنطينية عندما دخلها العثمانيون.
وتدل اليوم لفظة كالسيك داللة عامة ،موسيقى كالسيكية ،رقصة كالسيكية ،فرش كالسيكي ،..بمعنى
أنه هادئ ورزين ويدل على عقل وفكر مهذبين مستوحيين من القديم ،أما في نطاق األدب ،فتعني األدب
الذي ظهر في القرن السابع عشر ،وال سيما في فرنسا" ،1فمهد الكالسيكية كان في ايطاليا ،ثم انتقلت
لتكبر وتترعرع في فرنسا التي تلقاها أدباؤها ونقادها بروح الهمة والنشاط ،وبذلوا جهدا كبي ار تحقق به
نضجها ،وأخذت الكتب تطرح أصولها و أسسها ومبادئها ،ولم ينتج الكتاب أدبا حسب قواعدها إال في
اللغة الفرنسية ،وقد ألف (بوالو) في فرنسا كتاب (فن الشعر)1674م ،وكان خير من قعد للكالسيكية،
ومثل في شروحه روح العصر واتجاهاته على حسب مبادئها.2
والمذهب الكالسيكي يطلق عليه أيضا المذهب االتباعي ،والداللة اللغوية للجذر االشتقاقي "تبع" لغة؛
تعني " التلو والقفو .يقال :تبِعت فالنا ،إذا تلوته ،واتبعته وأتْبعته ،إذا لح ْقته" ،3والمدرسة االتباعية العربية
كأول مدرسة أدبية في عصر النهضة والتي ظهرت في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ،حملت
على تقفي خطى القدماء من العرب ،فخطابها الشعري تغلب عليه ظاهرة محاكاة الشعر العربي القديم ،و
اتباعها لطرق القدامى في اإلبداع ،ومنهم من أطلق عليها اإلحيائية ،نسبة إلحيائها ل َسنن القصيدة العربية
القديمة في إنتاجها الشعري ،وقد يسميها البعض بالمدرسة المحافظة ،حيث المحافظة على التراث أو
تقليده ،ومدرسة النهضة ومنهم من ربطها بالمصطلح الغربي الكالسيكية.
: 1علي شلق ،النثر العربي في نماذجه وتطوره لعصر النهضة والحديث ،دار القلم ،بيروت،د.ط ،1974 ،ص.46:
:2ينظر،رفعت زكي محمود عفيفي ،المدارس األدبية األوربية وأثرها في األدب العربي،دار الطباعة المحمدية ،القاهرة،
ط،1،1992/ص.17:
:3ابن فارس ،معجم المقاييس في اللغة ،ت:شهاب الدين أبو عمرو ،دار الفكر للطباعة والنشر ،بيروت ،لبنان .د.ط،د.ت،
مادة "تبع" ،ص.177
16
إن الشعر العربي قبل عصر النهضة كان أشبه بالجسد الهامد ،ال حياة فيه ،بعيدا عن الحياة
والمجتمع ،مستسلما إلى حالة من الجمود حتى تردى في أغالل الضعف واالنحطاط والتخلف ،و بعد
فترة سبات طويلة دامت خمسة قرون تحت نير العصر العثماني ،وهبوب ريح الثقافة الغربية على بالد
العرب في العصر الحديث ،وظهور المدارس الشعرية العربية المتعددة عادت روحه إليه وتخلص من
ركوده ،وأول هذه المدارس االتباعية العربية التي ساهمت إلى جانب المدارس األخرى في ظهور النهضة
األدبية التي كان انطالقتها من مصر ولبنان ،كونهما "كانتا أسبق بالد العرب إلى مشارف التوعية
نظر إلى موقعها على شاطئ البحر المتوسط ملتقى حضارات الشرق والغرب ،ولما
وأغزرها عطاء أدبيًّا ًا
لهما من مكانة علمية وينابيع للمعرفة ،يقبل عليها العطاش من مختلف بالد العالم" ،1فالحملة الفرنسية
على مصر ساهمت في اتصال واحتكاك الشرق بأوروبا وظهور النهضة المادية بدخول المطبعة إليها
وحدوث النهضة الثقافية ،والتي ساعدت على نشر التراث ومواجهة الصدمة الحضارية ومظاهر االستالب
الثقافي التي عبرت عنها البعثات التبشيرية ،فالمطبعة شكلت قاطرة النهضة الثقافية واألدبية على امتداد
القرن التاسع عشر في البالد العربية ،وذلك لكونها مثلت األداة المادية لتأمين حركة نشر واسعة ،شملت
ونثر " ،ما فعله نابليون في هذه الحملة اختلف كثي ار عما فعله
ونقدا ًا
وشعر ً
ًا فكر
بالخصوص التراث العربي ًا
عدد كبير من القادة العسكريين في الحروب والغزوات السابقة إذ لم يأت نابليون إلى مصر بجنوده
ومقاتليه فقط بل ألحق بجيشه نخبة من العلماء المتخصصين من شتى المجاالت العلمية".2
ما حدث لألدب العربي من صحوة في عصر النهضة ،حدث سابقا ألوروبا في القرنين الرابع عشر
والخامس عشر "،حين أخذت ستائر العصور الوسطى تنحسر من عقلية الغرب المتحجر ،وتبعث النور
في رداه ،أصحاب المذاهب عمدوا إلى تقليد المذاهب اإلغريقية والالتينية ،فظهر إثر ذلك المذهب
االتباعي ( الكالسيكية) ،وبرز أدباء يدرسون اللغتين العريقتين ( اإلغريقية والالتينية) ،ليفسحوا لطالب
العلم واآلداب المجال لنهل اآلداب القديمة ،وكذا األمر جرى في صقلية في عهد ملكها فريدريك الثاني
عام 1250م" ،3فالغرب عمدوا إلى بعث واحياء التراث اليوناني القديم ،من فلسفة وأجناس أدبية كالملحمة
:1محمد التونجي ،المعجم المفصل في األدب ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط ،1999 ،2/ص725:
دخول الصحافة إلى الدول العربية وتأثيرها على المجتمع :2رمحة بنت أمحد احالج عثمان ،عمار شحادة،
العربي ،ع،5،2018/ص132:
:3المرجع السابق ،ص40:
17
والدراما،ففكرة التأسيس لحضارة أروبية قوية كان عمادها وركيزتها جهود القدماء قصد استشراف مستقبل
بني على أساس متين.
وهكذا كان العود للماضي وجهود القدماء لزاما لكل من الثقافة الغربية والعربية ،وقراءة تراثهم
استشرافا لمستقبل مشرق ومتميز ،فالكالسيكية في الغرب كان لها فضالن" إحياء النثر القديم ،وتنشيط
األدب الجديد ،وابعاده عن سلطة الكنيسة ،كما أنها خدمت النقد األدبي ،واألدب المقارن كثي ار بإحيائها
ذلك التراث ،وابراز عوامل التأثر والتأثير ،فاألدب الكالسيكي أدب محافظ ،تقليدي هادئ ،ويتصف أسلوبه
بالجودة وعباراته بالفصاحة ،يعيدا كل البعد عن الصنعة والزخرفة ،وعن مخالفة النحويين واللغويين ،وهكذا
نالحظ أن فكرة الكالسيكية هي الرجعة إلى القديم الجيد،والسير على خطاه ،وكذلك فعل العرب قديما نحو
أدبهم األقدم،وهم أخذوا في العصر الحديث المذهب الكالسيكي الغربي ،كما أخذوا آراء أرسطو
في الترجمة" .1
18
المحاضرة الثانية:
نشأة المذهب االتباعي العربي
وتطوره
19
نشأة المذهب االتباعي العربي وتطوره:
/1المذهب االتباعي :الخصائص والمضامين:
يعد الشاعر المصري الفذ محمود سامي البارودي( 1839هـ1904/م) ،رائد مدرسة الشعر اإلحيائي،
" من حيث أنه استطاع أن يرد إلى الشعر العربي من القوة وجزالة اللفظ ورصانة األسلوب ودقة المعنى ما
كان قد بعد به العهد وطالت عليه القرون" ،1فهذه المدرسة تسعى إلى عالقة تفاعلية مع التراث الشعري
العربي القديم ،عالقة انتقائية لما أُنتج في عهود ازدهار الشعر العربي وأوج قوته ونهضته اإلبداعية ،واذا
كان جميع دارسي مدرسة اإلحياء والبعث الشعرية يقرون بأن محمود سامي البارودي رائدها ،فإننا في
الوقت نفسه نعثر على إشارات صريحة تبين أن بدايات االتجاه اإلحيائي كانت مع الشعراء علي الليثي
وعبداهلل فكري وعائشة التيمورية .أما أبرز شعراء مدرسة النهضة الشعرية ،فنذكر منهم أمير الشعراء أحمد
شوقي (1869-1932م) ومحمد حافظ إبراهيم (1932 -1872م) من مصر وشكيب أرسالن
(1946 -1869م) وخليل مطران (1949 -1872م) وعمر أبو ريشة (1990– 1910م) وسليم
الزركلي (1905-1989م) ومحمد البزم (1887-1955م) وعدنان مردم بك (1917-1989م) من
بالد الشام ،ومعروف الرصافي (1875-1945م) وأحمد الصافي النجفي (1977- 1897م) وجميل
صدقي الزهاوي (1936- 1863م) من العراق ،وأسماء أخرى ذات بصمة في شعر اإلحياء من
اليمن )(8ومحمد بن عثيمين (1944 -1854م) من السعودية ومحمد الشاذلي خزندار (-1881
1954م) ومحمد غريط (1949 -1880م) وأحمد رفيق المهدوي (1960-1898م )وأحمد علي
الشارف ( 1872-1959م) من المغرب العربي .....
ومن أهم خصائص المدرسة االتباعية ،أنها اعتمدت على محاكاة القصيدة العربية القديمة من حيث
أغراض الشعر العربي القديم ومضامينه ،حيث كانوا يؤثرون شعر األمراء الفرسان ،كما يميلون إلى شعر
الفخر والبطولة والحكمة ،باإلضافة إلى إنتاجهم للمعارضات الشعرية ،وهو في الحقيقة إنتاج يندرج بشكل
عميق ضمن عملية بعث القصيدة القديمة واحياء أبرز نماذج شعراء العصر العباسي ،أي أن معارضة
الشعراء القدامى في قصائدهم المشهورة ،باعتمادهم البحور الشعرية الخليلية المعروفة والمحافظة على
الوزن ،فنظموا القصيدة الطويلة وترسموا بناءها على وزن واجد ،ونظام القافية الواحدة ،وافتتحوا قصائدهم
بالتصريع ،كما أخذوا باألساليب البالغية القديمة وقلدوا أدباءها في بالغتهم من حيث الصور البيانية
:1طه حسين ،تقليد وتجديد ،دار العلم للماليين ،د.ط،د.ت ،ص.83- 80
20
والمحسنات البديعية ،ووظفوا التراكيب بقوالبها القديمة واأللفاظ بمعناها الشائع ،ولم يربطوها بالرمزية
مؤثرين في ذلك التركيز اللفظي والعبارة المباشرة ،محاولين إحياء المفردات القديمة ،باإلضافة إلى
اعتماذهم على التضمين واالفتباس وتجلى ذلك من خالل توظيفهم العبارات الدينية والشعرية ،1ولم يكتف
اإلحيائ يون بنظم قصائد في األغراض الشعرية القديمة المغروفة بل صاغوا أغراضا جديدة سياسية
واجتماعية ،وشحن الشعر باألفكار األخالقية وتسخيره نحو وجهة تعليمية.
/2محمود سامي البارودي وريادة اإلحياء:
محمود سامي البارودي المصري الشركسي رائد المدرسة االتباعية في الشعر العربي الحديث التي
قامت على بعث النماذج الشعرية التفليدية القديمة ومحاكاتها ،معب ار عن انفعاالته النفسية بصدق طاغ في
وصفه للطبيعة ورثائه وشكواه ،فقد سار على درب األقدمين و ظهـر أثـر ذلـك التـأثر في:
مقـدمات قـصائد المعارضـة الطلية والغزلية بشكل جلي وواضح.
2
قـدم
وم ّ ـــرب ٍ
شـــأ َ
تـــال َبـــ ّز َ ولَ ُّ مــتردم
كــم غــادر الــشعراء مــن َّ
وهذا البيت اقتبسه من عنترة:
أم هــل عرفــت الــدار بعــد تــوهم مــتردم
شعراء مــن َّ
هــل غــاَدر الــ َ
حيث أبقى الشطر األول من معلقـة عنـترة كما هو ،واستبدل «كم » بدالً مـن « هـل» ،ليـنقض ما قاله
عنترة أن السابقين من الشعراء لم يترك ـوا ق ـوال لقائــل ،فالبارودي ويريــد أن يقــول :كــم تــرك األول لآلخر
مغي ار في المعنى .
وفي الغزل يقول في محبوبته:
خوف التفـرق أن أعـيش إلى غـد؟ قالوا غدا يوم الرحيـل ،ومـن لهـم
َن قَِد ودةٌ إِ ْن لَ ْم تَ ُم ْ
ت فَ َكأ ْ مع ُم َ
ْ ب اْلهَ َوى بِ َش َغ ِافهَاَ
ه َي ُم ْه َجةٌ َذ َه َ
:1ينظر:نسيب نشاوي ،مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر( االتباعية ،الرومانسية ،الواقعية،
الرمزية ،ديوان المطبوعات الجزائرية ،الجزائر،د.ط،1984 ،ص.40/39 :
:2ديوان محمود سامي البارودي باشا ،ضبطه و صححه شرحه :علي الجارم ،محمد شفيق معروف ،دار العودة بيروت
،1997ص584:
21
ص ِد
أ َْد ُعو ُك ُم َيا قَ ْوُم َد ْع َوةَ ُم ْق َ الرِفي ِع َم َن ُارهَُه َل ذا ا ْل َب ْي ِت ََّيا أ ْ
َهتَِدي
َع ْقلِي فَ ُردُّوهُ َعلَ َّي أل ْ ت ا ْل َي ْوَم َب ْي َن ُب ُيوِت ُك ْم
إِ ِّني فَقَ ْد ُ
1
ترَّد إِلَ َّي َن ْف ِسي أ َْو تَِدي
َحتَّى ُ ض ِق َي ِان ُك ْم
يدوِني ِب َب ْع ِ استَ ِق ُ
أ َْو فَ ْ
وقوله أيضا وهو يقف على الطلل يتذكر أحبته:
س ِائ ِل ِ ِ
َوِا ْن ه َي لَ ْم تَْر ِج ْع َب َيا َناً ل َ س َم ا ْل َم َن ِ
ازل اء َر ْ
َس َم َ
ِ
أَال َح ِّي م ْن أ ْ
وم ا ْلحو ِ
اف ِل علَ ْيها أ َ ِ َخالء تَعفَّتْها َّ ِ
يب ا ْل ُغ ُي ِ َ َ َهاض ُ َ َ س َوا ْلتَقَ ْت الرَوام ُ ٌ َ َ
اغلِي ش ِ س َ أ ََر ِاني ِب َها َما َك َ
ان ِباأل َْم ِ سٍم
َّار َب ْع َد تََر ُّ
ْت الد َ فَألْياً َع َرف ُ
ان ا ْل َع َق ِائ ِل
سِ َغ َن ْت و ْهي مأْو ِ ِ
ى ل ْلح َ َ َ ًََ طالَ َمااء َو ََغ َد ْت و ْهي مرعى لِلظِّب ِ
َ َ َْ َ ً َ
ِِ 2
سائل الر َ ف أَ ْط ٍ
الل َك َو ْح ِي َّ َم َع ِ
ار ُ َهلِ َها
ال أ ْ َفلِ ْل َع ْي ِن ِم ْن َها َب ْع َد تَْزَي ِ
فالبارودي حاك شكل القصيدة التقليدية القديمة ،فوقف على األطالل والدمن ،وأتى بشعر جاهلي
الروح والمعنى ،وال ُّ
يمت إلى عصره وعصر الحضارة بصلة ،ممتحنا شاعريته ،وأن في استطاعته أن
يحاكي القدماء حتى وقوفهم على األطالل والدمن ،وكما هو مقلد في الشكل فهو مقلِّ ٌد أيضا في المعاني،
كقوله في الغزل:
وأصبحت ال يلوى بشيمتي الزجر طربت وعادتني المخيلة والسكر
معتقة مما يضن بها التجر كأني مخمور سرت بلسانه
تألأل برق أو سرت ديم غر صريع هوى يلوى بي الشوق كلما
على حسرات ال يقاومها صبر إذا مال ميزان النهار رأيتني
وما هي ّإال نظرة دونها السحر يقول أناس إنه السحر ضلة
ِ س لِي يب َّ فَ َك ْي َ ِ
ي َوالَ أ َْم ُر؟
ب َن ْه ٌ َوالَ ال ْم ِرىءٍ في ُ
الح ِّ اس أ َْم ِريَ ،ولَ ْي َ الن ُ ف َيع ُ
مر أللوت ِ مما ُيستطاعُ ِد ُ
الس ُ
البيض المباتير و ُّ ُ به َ فاعه كان َّ ولَو َ
الجمر
ُ رق ارته ِب ِ
الجمر الحتَ َ شر ُ ب الَِّذي لَ ْو تَ َعلَّقَ ْت َولَ ِك َّن ُه ا ْل ُح ُّ
ِ ِم َن ا ْل ْ ِ َعلَى أ ََّن ِني َكاتَ ْم ُ
ص ْدر
وجد الَ َي ْق َوى َعلَى َح ْملها َ ص ْد ِر َ
ي ُح ْرقَةً ت َ
ام ُر ٌؤ أ ََّنهُ ا ْل َب ْح ُر
ش َّك ْ َ لَى األ َْر ِ
ض َما َ شئُوَنهع
ت ُ
َس ْل ُ
ت َد ْمعاً ،لَ ْو أ ََو َك ْف َك ْف ُ
جر ِ صبوةٌ ،أو َّ ِ حياء ِ
اله ُ فل من َغربه َ به َ يقال ترجَّحت
وكب ارً أن َ ً
.:1ديوان البارودي،ص128:
.:2المصدر نفسه ،ص463/462:
22
ضر ِ ِ وا ِّنى ٌ
الح ُغيرةُ و َ الم َ لسلطانه البدو ُ أذعنت ائق َ امرؤ لوال العو ُ
لَها في حو ِ
اشي ُك ِّل َدا ِج َيةٍ فَ ْج ُر ِ ِم َن َّ
ََ َ النفَ ِر ا ْل ُغ ِّر الَّذين ُ
س ُيوفُ ُه ْم
تفز ِ س ْي ِف ِه ِ
َّ استَ َّل م ْن ُه ْم َإِ َذا ْ
1
هر
الد ُ
عت األفال ُك ،والتفَ َت َ س ِّي ٌد َغ ْر َب َ
وفي النسيب ووصف المرأة أيضا يتجه نحو التوصيفات القديمة ،وتشبيهها بالظبي في كناسه ،والبدر في
سمائه ،وهي مهاة ،وقدها غصن يتثنى ...إلخ
غ ّنت فحركت األشجان بالوتر أربة العود أم قمرية السحر
يريك أن الرقى ضرب من الهذر حوراء للسحر في ألحاظها أثر
اس ِفي لَ ْي ٍل ِم َن َّ
الش َع ِر الن ِ َع ُي ِن َّ
أل ْ س ِن َما ظَ َه َر ْت ِ
لَ ْو لَ ْم تَ ُك ْن قَ َم ارً في ا ْل ُح ْ
ين ِبا َألثَ ِر ير ا ْل َع ِ ْت ِم ْنهُ َ ِ أ َْملَ ْت َعلَ َّي ِبلَ ْحظَ ْي َها َح ِد َ
ضم َ َع َرف ُ وى
يث َه ً
اب َوا ْل ِف َك ِرث ِبا َأل ْل َب ِوت َي ْع َب ُ
َه ُار ُ َكأ ََّن َما َب ْي َن َج ْف َن ْي َها إِ َذا َن َ
ظ َر ْت
فَا ْلحس ُن م ْ ِ ٍ ال َغرو أَ ْن ِهم ُ ِ
ص ِر ش َغلَ ٌة ل ْل َع ْق ِل َوا ْل َب َ ُ ْ َ ورِت َها
ص َ ت م ْن َو ْجد ِب ُ ْ َْ
اق ِب َّ
النظَ ِر شتَ ُ ف َي ْقتَِنعُ ا ْل ُم ْ
َو َك ْي َ ال تَ ْق َنعُ ا ْل َع ْي ُن ِم ْن َها ُكلَّ َما َنظَ َر ْت
ِ ِ
س ِن في َو ْج َنتَ ْي َها َو ْرَدتَا َخفَ ِر ل ْل ُح ْ ان َّ
الش ْو ِ
ق فَا ْزَد َه َر ْت سَِنا َغ ْيتُ َها ِبل َ
صي َغ ِم ْن َح َو ِراد َق ْل ِبي ِبسهٍم ِ
َْ س َو َ
َ شقَ ْتَو ْازَوَّر َحا ِج ُب َها َع ْن َن ْظ َرٍة َر َ
2
اء ِفي ا ْل َح َج ِر
الش ْع ِر تُ ْج ِري ا ْل َم َ
َو ُرق َْي ُة ِّ َع ِطفُ َها
ار أ ْ ش َع َِفلَ ْم أ ََز ْل ِب ُرقَى األَ ْ
و قوله أيضا:
تحت بند كمعصم من سوار غادة كالمهاة تهفو بخصر
3
تلك عمري هي الحياة فال تؤ ثر عليها جالئل األوطان
فمحمود سامي البارودي له من القصائد الشعرية الرفيعة ،سكب فيها عواطفه الصادقة والعميقة
النابضة بالحياة ،التي دعمها "بقوة الفكرة وخالصة التجربة على نحو بديع وفيها انطلقت ألفاظه وتعابيره
.:1ديوان البارودي216/215.،
.:2المصدر نفسه ،ص.244 :
.:3المصدر نفسه ،ص258:
23
ضاجة بالموسيقى وال سيما الحزينة الوقع المؤلمة الرنين" ،1فظاهرة محاكاة الشعر القديم ،تبدو مهيمنة بقوة
على مدوناته على مستوى الشكل والمعنى اإلحيائيين ،وهي تنم عن تقليد واتباع ال عن إبداع ،يجمع بين
الوصل والتجاوز ،وهو ال ينفي عن نفسه هذه الصفة فهو يرى أن " تقديم قصائده على أنها رياضته
للقول على طريقة العرب ،وهو بذلك ال ينفي عن نفسه صفة االتباع ،التي يراها تحديثية ،بمعنى أنه يرى
رسالته في الشعر إنما كانت رسالة إحياء لألنماط القديمة في أطر حديثة".2
/3البارودي في عيون النقاد:
ورد في قصائد البارودي أبيات من أشعار القدماء عن طريق المعارضة والتضمين ،رآها البعض
منهم بأنه لم يكن سوى "مجارياً ال مقلدا ،فســاقها عذرية بدوية الترکيب ويری أن آثار التقليد فيها ســطحية
برغم ما حشــد فيها من ألفاظ وتشــبيهات قديمة" ،3ومنهم من رأى في محاكاة البارودي لقصائد القدماء
بأنه" ليس فيها من التقليد إال الرغبة فيه .وشبه البارودي بممثل قدير لبس دور الشاعر البدوي ،فوف لغة
وشعو ار وزيا وحرکة .فخلقه خلقا جديدا ،وجعل له تمثاال من نفسه وحياته ،وأصبح مبتک ـ اًر في الدور الذي
أخــذه ،کما يبتکر الممثل في انتحــال أدواره وأبطاله .فهو فنان خالق في اتباعه ،کما يکون المرء فنانا
خالقا في ابتداعه" ،4في المقابل هناك من التمس له العذر فعمر الدسوقي يرى بأن البارودي" لم يتعمد
أخذ هذه األبيات والسطو عليها ،وانما كثر محفوظه منها وتأثر بها كل التأثر ،وال سيما إذا كان يعارض
قصيدة لشاعر مجيد ،فإنه يجاريه ..حتى يختلط عليه شعره بشعره ،وتتعذر التفرقة بينهما ،وذلك لجودة
محاكاته ،وسالمة طبعه".5
يعــارض البارودي أبا فراس الحمداني في إحدی رومياته التي قالها وهو في أس ـره ببالد الروم،
ومطلعها
أما للهوی نهی عليک وال أمر أ ارك عصی الدمع ،شيمتك الصبر
:1نسيب نشاوي ،مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر( االتباعية ،الرومانسية ،الواقعية)،
الرمزية،ص59:
.:2المرجع السابق ،ص61:
:3حسين ميرزائی نيا ،معارضات البارودی بين التقليد والتجديد ،مجلة إضاءات نقدية ،ع ،17 /ربيع 2015ـ ،ص162:
:4المرجع نفسه،ص162:
.:5نسيب نشاوي ،مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر( االتباعية ،الرومانسية ،الواقعية)،
الرمزية ،ص61:
24
فيقول البارودی معارضاً إياه:
وأصبحت ال يلوی بشيمتی الزجر طربت وعادتنیُ المخيلة والسکرُ
شكيب أرسالن رأى في معارضة البارودي للقدامى عين الصواب ،وقد كتب فيه قصيدة مطولة امتدح فيها
طريقته في معارضة القدامى ،ليحذو مصطفى بدوي حذو سابقيه في الرأي وبأن البارودي بعودته إلى
إلى صفاء العبارة، الماضي وتقليد القدامى كان عن تمكن استطاع من خالله "الجمع بين العودة
وكالسيكية العباسيين ،وبين المقدرة على التعبير عن تجربته الفردية ..ورأى أن النهضة الحديثة إنما تبدأ
1
حقا بالبارودي ،ألنه جدد الصلة بين الشعر العربي وبين أمور الحياة الجادة بعد قرون من االنحطاط"
يتبــين لنا من جملــة هذه اآلراء التباين مابين مؤيد ومعارض حول حقيقــة عودة البارودي للتراث
الشعري العربي وتقليده للقدامى هذا الشــاعر ،عير أن الحقيقة التي ال يمكن إنكارها بأن البارودي بعث
الشعر العربي من جديد وبعث فيه الحياة ،وانكب على قراءته وتمثله ونسج قصائد على منواله ،مع
تخليصه من المطرزات والمزوقات المتكلف فيها.
/4من المدرسة اإلحيائية إلى المدرسة الكالسيكية الجديدة /تطور الرؤية االتباعية:
يمضي كل من أحمد شوقي ،حافظ إب ارهيم ،خليل مطران على خطى البارودي تأصيال لفكرة المدرسة
االتباعية ،في كونهم مقلدين إلى أنهم في اآلن ذاته سعوا إلى التجديد مؤسسين للمدرسة الكالسيكية
الجديدة ،قوامها أن يكون التقليد في الشكل أو اإلطار والتجديد في المحتوى أو المضمون ،ففي بداية
القرن العشرين أدرك الشعراء الكالسيكيون أهمية التوجه إلى التجديد واالبتكار والخلق ،واالستفادة من
اآلداب الغربية ،لرفع قدرات الشعر العربي ،وقابليته للمعاصرة والتفاعل الخالق مع اآلداب األخرى ،فبقدر
اعتزاز هم باألصالة ،وتنافسهم في احتذاء الشعر العربي القديم بوعي وتمكن وجدارة ،إال أن التجديد كان
ضرورة ليكون أكثر ثراء بطرق التعبير وأشكاله ،وأكثر قدرة على المعاصرة و التواشج مع الحياة.
جدد شعراء المدرسة الكالسيكية الجديدة في األلفاظ واألغراض واألساليب والتراكيب الشعرية ،ويمثل
شعر أمير الشعراء “أحمد شوقي” النموذج األبرز لنتاجات الكالسيكية الجديدة ،فظهوره في " الساحة
الشعرية ،أعظم حدث شعري في القرن التاسع عشر ،وأوائل القرن العشرين ..كان انجازه عظيما وحيويا،
فهو استمرار وتتويج للمدرسة الكالسيكية المحدثة التي بدأها البارودي في مصر ،لقد استطاع شوقي أن
يعيد للشعر العربي ما كان يحتاج إليه الشعر ،في تلك اللحظة أكثر من أي شيئ آخر ،وهو جزالته
25
األصيلة ،وامتالكه لناصية التعبير الشعري السيال المتدفق بالحياة" ،1فرغم اطالعه على األدب الغربي
اطالعا واسعا" ،إال أنه لم يستطع أن ينفك عما حفظه للقدماء من نماذج فذة ،إذ كان كتاب الوسيلة
األدبية ألستاذه الشيخ حسين المرصفي أكبر نبع غذى روحه ،ويضم هذا الكتاب أروع ما للقدماء من
قصائد ،كما يضم بعض نموذجات البارودي الحديثة .. ،فقد تمثلها تمثال رائعا وتأثر بها" ،2فعارض بائية
أبي تمام ،وسينية البحتري ،ونونية ابن زيدون ،وهمزية البوصيري .
قال أحمد شوقي في قصيدته التي صور فيها ألم الغربة والمنفى ،معارصا نونية ابن زيدون
اديك أَم َنأسى لِوادينا
َنشجى لِو َ طل ِح أَشباهٌ َعوادينا يا ِ
نائ َح ال َ
ناح َك جالَت في َحواشينا
صت َج َ
قَ َّ َن َيداً
ير أ َّ
ص َعلَينا َغ َ
ماذا تَقُ ُّ
نونية ابن زيدون:
ناب َعن ِ
طيب لُقيانا تَجافينا َو َ أَضحى التَنائي َبديالً ِمن تَدانينا
ِ
ين ناعينا قام ِبنا ل َ
لح ِ ين فَ َ
َح ٌ َّحنا
صب َ الب ِ
ين َ بح َ
ص ُ
حان ُ
أَّال َوقَد َ
فشوقي بتمثله لقصائد القدامى دعا إلى التجديد ،بطرحه في مقدمة ديوانه األول (الشوقيات) 1898م،
الذي يعد وثيقة بالغة األهمية عن توجهات الشعر العربي ،وقضاياه وهمومه ،في تلك المرحلة التأسيسية
للشعر العربي الحديث ،تطرق من حاللها إلى أهم قصايا الشعرية العربية ،كما دعا لقيم شعرية جديدة
ومبكرة برزت بوضوح الحقا لدي الرومانسية ،كالعودة إلى الذات ،والتعبير بصدق عنها ،والتركيز على
الخيال ،والتوجه إلى الطبيعة ،وابتكار مواضيع جديدة ،فمن حيث الشكل انتقد اللغة التقليدية والتقعر
والتعقيد اللفظي ،واحتذاء األساليب القديمة في التعبير ،واستقاء صور الشعر وتشبيهاته من البيئة البدوية
القديمة ،في دعوة واضحة إلى تبني السهولة والبيان واإليجاز ،وارتباط الشاعر بحياته المعاصرة في
تشبيهاته وتعبيراته ،أما من ناحية المضمون انتقد شوقي التوقف عند أغراض القدماء ،خاصة غرض
المديح ،داعيا إلى الخروج بالشعر إلى فضاءات الفكر والخيال الرحبة كالكون ،وأن يكتب في الحب
:1سلمى حضراء الجيوسي ،االتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت،
ط،1،2001/ص73:
مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر( االتباعية ،الرومانسية ،الواقعية)، :2نسيب نشاوي،
الرمزية،ص :ص66:
26
والشكوى والفرح والحزن والتحدث بلغة جديدة مالئمة لحياة جديدة ،باإلضافة إلى دعوته لاللتفات إلى
أدب الغرب واالستفادة منه.
َّدتنا ِبها ُدعاةُ الم ِ
حال قَي َ عر أَن َنفُ َّك قُيوداً ِ
ُ آن يا ش ُ َ
ش ِ
مال ريح ال َ فَِارفَعوا َه ِذ ِه ال َك ِ
مائِم َع ّنا
ش ُّم َ
َوَدعونا َن ُ
وان كان لوقع غرض المدح في مكانة في شعره ،حيث نجد له العديد من القصائد التي مجد بالكثير
من الصفات واأللقاب العالية الملوك واألمراء وأصحاب الحكم في مصر ،بحكم صلته الوثيقة بقصر
الخالفة العثمانية في تركيا ،وكذلك صلته بالبيت الحاكم في مصر وحذا في ذلك شعراء بني أمية وبني
العباس في مدح الخلفاء ،فكان ال يترك مناسبة إال يكثر من تقديم اآليات والوالء والعرفان ،ناقدا في اآلن
ذاته الشعراء الذي يتخذون المدح مهنة للكسب ،والتقرب من الحكام.
ودهـــــا أن نالهــــــا األفهـــــــــام حكمــــة حال كل هذا التحلــــي
فـــــي الناس ذو المقلة التي ال تنام يســــــأل النـاس عندمـــــا هــل
1
وحكــــــــى كريــــــــم وفعله إلهـــام أم مــــــــــن الناس بعـــــــد من قوله
كتب شوقي قصائد دينية ،حملت معاني اإلسالم الذي يراه منهجا كامال للحياة اإلنسانية ،فهو يقول في
قصيدته نهج البردة:
27
يصل إلى رسول اهلل محمد صلى اهلل عليه وسلم ،ويذكر عواصم الدول اإلسالمية وينتقل إلى ذكر الدولة
األيوبية ثم دولة األتراك وينتهي إلى ذكر نابليون بونابرت وهزيمته في واترلو .
الرجاء
ُ وحداها بمن تُ ِق ُّل
َ الماء
ُ همت الفُلك واحتواها
َّ
السماء
ُ أكبرتها
سماء قد ًَ ـها العباب حوالَيـ
البحر ذو ُ
ُ ضرب
ْماء ِ ِ شرِك األر
ض شبا ًكا تمدُّها الدأ ُ ورأى المارقون من َ
لماءَّ ائجا في ٍ
تتدجَّى كأنها الظ ُ جبال وجباال َمو ً
ً
التاريخ المصري لم يغب عن قصائده له في توت عنخ آمون قصيدة يقول فيها:
على وادي الملوك محجَّبينا َّهر بالوادي أقاموا
لوك الد ْ
تُساق له الملوك ُمصفَِّدينا فرب ُمصفٍَّد منهم وكانت
وحل على جوانبه َرِهينا
َّ تقيَّد في التراب بغير قَ ْيد
أليسوا للحجارة م ِ
نطقينا تعالى اهلل كان السحر فيهم
ُ
ويخاطب اللورد كارنارفون الذي اهتدى سنة 1922إلى ما اهتدى إليه من الكنوز تحت مدفن رعمسيس
السادس ،فقال:
نحاذر أن يئول آلخرين أبوتنا وأعظمهم تراث
َّ
للن ِ
اه ِبينا ويذهب نهبة َّ ض ْيم ونأبى أن َّ
يحل عليه َ
صرحت لم تثر الظنونا
ولو َّ سكت فحام حولك ُّ
كل ظن َّ
الم ْر ِجفينا ِ ٍ
وما لك حيلة في ُ وجهر سر
يقول الناس في ٍّ
يعف عن الملوك ُمكفَّ ِنينا؟!
ُّ وهو حي
أمن سرق الخليفة ْ
غرض الوصف من األغراض التي برع فيها شوقي ،فوصف الطبيعة والمشاهد الحية أو الجامدة،قال في
وصف النخيل:
تشق العناب بمر آى عجب أرى شج ارً في السماء احتجب
ظواهـــرها درج مــــن شـــدب مــــــــــأذن قامت هنا وهنــــــاك
ولكن تصيــح عليها القـــرب ولــــيس يؤذن فيهــــــــــا رجــال
1
نمت وربت في ظالل الكتب وباسقــــة من نبــــــات الرمـــال
28
مظاهر الحياة الحديثة من المواضيع التي تطرق لها شوقي ،وكتب العديد من القصائد فيها ،حيث يقول
في وصف الطائرة التي يعتبرها معجزة:
َّهر ِ
به إحدى مع َ ِ
ـف اَلد ْ ُ
سلَ َ
ب لَ ْو ََم ْرَك ٌ ـاء
جزات ا ْلقُ َد َم ْ ان َ ُ ْ َك َ
ِ
شٌر
ـف َب َص ٌ ط ْـيٌر َوِن ْ
صفُ ُه َ
ن ْ ـاء!
ض ْ َيالَ َها إِ ْح َدى أَعاج ِي ِب ا ْلقَ َ
ر ِائـع ،مـرتفعاً أَو و ِ
اقفاً الج َب َنـاء س ُّ
الش ْج ِ
ُْ َ عان قَ ْبـل ُ أَ ْنفُ َ
/2المسرحية الشعرية :أهم ما استحدثه شوقي من فنون الشعر العربي ،حيث تقدم بمسرحيات على نسق
عال من الشعر ،ال عهد لألدب العربي به .فقد ساهم في تطور الفن المسرحي،فبعده حدث تطور كبير،
وذلك باستحداث أنماط ومذاهب جديدة في فنية المسرح واإلخراج ،من أهم مسرحياته الشعرية "مصرع
كليوباترا""،مجنون ليلى" " ،عنترة".
التجديد المرافق لدعوة بعث واحياء التراث الشعري القديم من المسلمات التي أمن بها الشاعر حافظ
إبراهيم ،وقد كتب تقريبا في جميع أغراض الشعر العربي ،ناقال عبرها أحاسيسه وآالمه التي عاصرها في
المجتمع المصري ،وخليل مطران أيضا سار على نفس الدرب إذ " يمثل ذروة المد التقليدي في مدرسة
المحافظين ،وقد ساير زمالءه من أعضاء هذه المدرسة في منهجهم الشعري ،ولكن بوادر التمرد على هذا
المنهج بدأت تظهر فيما بعد" ،1فقد جدد في القصيدة من موضوعية إلى وحدة عضوية ،وتعامل مع
الطبيعة بنوع من األنسنة ،معتب ار إياها الشريك الذي يقاسمه همومه وأحزانه
بكآبتي متفرد بعنائي متفرد بصبابتي متفرد
قلبا كهذه الصخرة الصماء ثاو عل صخر أصم وليت لي
والقلب بين مهابة ورجاء ولقد ذكرتك والنهار مودع
2
قد مزجت بآخر أدمعي لرثائي فكأن آخر دمعة للكون
على العموم إن طابع مدرسة البعث واإلحياء هو طابع محافظ ،سعى إلى إحياء واستلهام التراث
الشعري القديم ،معارضين أشهر الشعراء بطريقتهم الخاصة التي تُلغي وتنفي شخصياتهم ،فشعورهم
بضرورة إحياء الثقافة العربية وحضارتها ،وظهور جمعية المعارف التي ساعدت على إحياء الدواوين
:1محمد صالح الشنطي،األدب العربي الحديث(مدارسه وفنونه وتطوره وقضاياه ونماذج منه)،دار األندلس للطباعة والنشر
والتوزيع ،المملكة العربية السعودية ،ط،2،1996/ص78:
: 2ديوان حافظ ابراهيم ،ضبطه وصححه وشرحه أحمد أمين ،أحمد الزين ،إبراهيم األبياري،الهيئة المصرية العامة
للكتاب،مصر ،ط،3،1987/ص33:
29
الشعرية العربية القديمة ،الكفاح والنضال الذي عمق فكرة الرجوع إلى الماضي وااللتفاف إلى أمجاد العرب
القديمة ومحاولة بعثها،تأسيس دار الكتب المصرية التي كان لها الدور األكبر في نشر الثقافة والتراث
القديم ،كلها أسباب دفعت بهم إلى تبني هذا االتجاه ،في اآلن ذاته تجاوزت المدرسة في معارضتها
للشعراء القدماء التقليد األعمى الذي ال يعبر عن روح العصر وذلك لوعي الشعراء في خدمة الحياة بكل
أطيافها االجتماعية ،والفكرية ،باإلضافة إلى عنايتهم بالجانب البياني من حيث بالغة األسلوب ،وجودة
الصياغة ،واختيار األلفاظ المناسبة ،و االلتزام بموسيقى القصيدة القديمة والمحافظة على أوزان الخليل
يسير عليها الشعراء القدماء.
المعروفة ،التمسك بعمود الشعر العربي ،والذي يعني التقاليد الفنية التي كان ُ
30
المحاضرة الثالثة
االتباعية العربية والكالسيكية الغربية
31
االتباعية العربية والكالسيكية الغربية
/1تمهيد
الكالسيكية مذهب أدبي غربي ،نشأ في إيطاليا في القرن السادس عشر ،ونضجت معالمه في فرنسا
في القرن السابع عشر ،حيث كان هذا " العصر عصر العظمة الفرنسية ،عصرها الذهبي باعتراف
المؤرخين النقاد،عصر ملك الشمس لويس الرابع عشر 1715/1693ملك فرنسة ،الذي بلغت فرنسا في
عهده أوجها في حقول األدب والعلم والفن،فكان عصره عصرها الذهبي بل كان مقد ار لألدب واألدباء
تقديره لألعمال العظيمة كلها".1
لتنتشر الكالسيكية منها إلى عموم أوربا ،قبل أن تظهر في األدب العربي ،فهي" مذهب إتباعي ،تبع
فن الشعر وأصوله ألرسطو وهوراس ..تجلت فيه الفلسفة العقلية ،واعتمد على نظرية المحاكاة ...وأن
العقل عند الكالسيكيين يرادف الذوق السليم ..وأن أساس الجمال في األدب العقلي صالحه المستمر،
ورأى في جمهورهم جمهو ار أرستقراطيا محددا ..يتوجه إلى الخبراء بمهنة ربات الفنون ...على أساس أن
للشعر جماال ال تراه كل العيون ،..ثم بين كيف راج عندهم الشعر المسرحي ،وضعف الغنائي ،وكيف
3
ساعد أدبهم على دعم القيم والتقاليد السائدة" ،2ومن أهم خصائصه وصفاته:
• أنه يستوحي اآلداب الالتينية واليونانية ويستخدمها مادته.
• أدب يصدر عن العقل ،ويحكمه العقل.
• يعنى بالصياغة وتجويد األسلوب ،ويخضع ألصول وقواعد.
• أهم صفاته االعتدال والوضوح.
• االعتماد على العمل الواعي المتزن ،و التفكير المعتدل ،لذا على األديب تجنب العواطف
يعني أن األديب ال ُي َعبر عن عواطفه ،بل
الذاتية ،و االعتماد على العواطف العامة ،وهذا ال ْ
الجانب الوجداني وارد في مؤلفاته ،إضافة إلى المزاوجة ْبين الفكر و الخيال ،فيأتي من الوجدان
أخ َلد ََ عمل كالسيكي هو انتاج " راسين" و الفكر و الخيال في صورة معتدلة جميلة ،وقيل َّ
إن ْ
:1نسيب النشاوي :مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر،
د.ط ،1984،ص34/33:
:2المرجع نفسه ،ص31:
:3ينظر :فاتن السيد ،مدرسة اإلحياء بزعامة شوقي وحافظ،البيان_الكويتية ،ع 1، /فبراير ،2008ص.11
32
صوَر عاطفة الحب باالعتماد على التفكير ،و التعمق في اطار القيم
أن ُي َ
ألنه استطاع بعبقريته ْ
االنسانية النبيلة.
• النزعة العقلية :االعتماد على مبادئ العقل ،و تجنب اإلسراف العاطفي و هذه الخاصية ناتجة
مباشرة عن االعتماد على العقل الواعي المتزن ،وهي واضحة في شرح الخاصية األولى .
• االعتناء باألدب الموضوعي من قصة و مسرحية أكثر من االعتناء بالفنون األدبية اآلخرى،
وكان عليهم اختيار الفن الذي يالئم مبادئ العقل و النزعة العقلية ،كما ورد في بداية الموضوع ،
فإن الكالسيكيين تأثروا بالقدامى وحاولوا محاكاتهم لذلك ساروا على منوالهم فاعتنوا بالمسرح
واهتموا به مثلما فَ َع َل اليونان قبلهم.
ون ْعني بها اإلمعان في صنعة الكالم ،وفصاحة التعبير.
• الحرص على جودة الصياغة الغوية َ ،
• التقيد بقانون الوحدات الثالثة ألن إعتقادهم أن المسرحية إذا تعددت مواضيعها ،وامتدت أحداثها
عبر الزمن الطويل ،وتنوعت أماكن أحداثها تصدع بناؤها و تفككت عناصرها .
• محاكاة القدامى و تقليدهم العتقاد الكالسيكيين أن أدب اليونان و الرومان هو أجود اآلداب و
أحسنها.
• احياء الثرات األدبي القديم ،و هذا المبدأ لن يتحقق بدون المبدأ الذي سبقه.
/2رواده الكالسيكية:
من أهم أقطاب المذهب الكالسيكي األدبي بوالو و جماعته- ،الشاعر اإلنكليزي جون أولدهام
1773 –165م وهو ناقد أدبي ومن المؤيدين للكالسيكية - .الناقد األلماني جوتشهيد 1766 – 1700م
الذي ألف كتاب فن الشعر ونقده - .األديب الفرنسي راسين 1699 – 1639م وأشهر مسرحياته فيد ار
واإلسكندر -واألديب كورني 1784 – 1606م وأشهر مسرحياته السيد – أوديب - .األديب موليير
1673 – 1622م وأشهر مسرحياته البخيل – طرطوف - .واألديب الفونتين 1695 – 1621م الذي
اشتهر بالقصص الشعرية وقد تأثر به أحمد شوقي في مسرحياته .ملفات متنوعة تابع
/3بين االتباعية العربية والكالسيكية الغربية:
كان ظهور الكالسيكية تلبية للظروف الفكرية التي عاش في كنفها األدب األوربي في القرنين 16
و17م حيث كان للنزعة العقلية سلطان واسع على اإلبداع األدبي ،والتي قادها" ديكارت " في الفلسفة
و"بوالو" في النقد،وأما عن جذور ها فترجع إلي القرنين ،12و 13م ،وتتجسد في "ظهور أدباء كبار،
33
مثل دانتي في كتاب الكوميديا اإللهية .فهو تبسط نظرية الشعر الكالسيكي في هذا الكتاب شارحا له،
وموضحا أكنافه .وبتراك ،ولوكاشيو في القرن الرابع عشر ،وأدباء آخرون ،فكروا في الكالسيكية ،وأنتجوا
آثا ار كالسيكية". 1
أما الكالسيكية العربية وظهورها في األدب فقد كانت في أواخر القرن 19م ،والعقد األول من 20م
تحت عناوين مدرسة اإلحياء ،والبعث ،وعمود الشعر ،واالتباعي ،وغيرها ،وهي كاتجاه أدبي لم يستند
إلى " نظرية في الشعر تحدد دور العقل والخيال ...ومع ذلك فالبارودي والتقليديون العرب يشبهون
نظراءهم في الشعر األوروبي ،في أنهم يفترضون وجود قوانين ومعايير للشعر مطلقة وأزلية ..وأن هذه
المعايير والقوانين تحققت في نتاج الشعراء في فترة من الماضي السحيق ،تمثل العصر الذهبي لألدب،
ف أروا أن واجب الشاعر الشاعر الحديث ...أن يحاكي أولئك الشعراء الجاهليين واإلسالميين والعباسيين،
وأن يجري معهم في مضمار البيان جريا ليس آليا وانما خالقا" ،2فتأثير الكالسيكية الغربية في األدب
العربي الحديث محدود " ،فبينما استمد شعراء الغرب معاييرهم ومثلهم من نتاج اليونان والرومان ،لجأ
شعراؤنا إلى تراثنا القديم ،فكان مثلهم األعلى المحتذى تلك القصيدة العصماء ،ذات الروي الواحد من
البحر الواحد والبناء اللفظي الشامخ"،3ويرجع ذلك ألسباب أهمها
• اعتماد المذهب الكالسيكي الغربي على األدب الموضوعي بينما نجد األدب العربي عموما
أدبا عاما
• إن المذهب الكالسيكي وثيق االتصال بالمسرح سواء منه اليوناني والروماني القديم أو
األوروبي الحديث وليس للعرب مسرح في عصورهم القديمة ،وحين اتصل بعض أدبائهم
بالمسرح الغربي حديثا وكان ذلك التأثير محدودا.
عدم بقاء الكالسيكية وتعميرها طويال في أوروبا في فترة كان االتصال فيها بين األدب •
العربي واآلداب األوروبية في مرحلة الطفولة .فليس من الطبيعي أن يتأثر العرب بمذهب
أدبي هجره أهله.
لكن محدودية تأثير الكالسيكية الغربية في األدب العربي الحديث ،ال ينفي التقاء االتباعية العربية
للكالسيكية الغربية في نظرتها إلى القديم و دعوتها إلى محاكاة اآلداب اليونانية والالتنية ،الكالسيكية
:1سيد سليمان سادات اشكو ،الكالسيكية والتجدد؛ صراعات ومعطيات،التراث األدبى ،ع138 ،5/ه،ص96:
:2نسيب النشاوي ،مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر ،ص.46
:3المرجع نفسه ،ص.47/46
34
في األدب العربي ،وان جاءت نتيجة التطورات السياسية الجديدة ،ونفوذ الغرب ،والوعي الوطني
والشعبي ،وظهور التيارات الفكرية المختلفة ،والصحف ،إال أن إحياءها للتراث األدبي القديم ،وتقيدها
ب البحور ،واألوزان القديمة ،ونظام القافية الواحدة ،واألغراض القديمة ،مثل المدح ،والهجاء ،والفخر،
والرثاء ،واستخدام األساليب البيانية المتكررة ،ومعالجة الموضوعات المتعددة في القصيدة الواحدة ،هي
رؤية اشتركت فيها مع الكالسيكية الغربية.
35
المحاضرة الرابعة
التقليد األسلوبي والمعنوي:
البارودي ،شوقي ،حافظ
36
التقليد األسلوبي والمعنوي :
تمهيد:
تأثر الشعراء اإلحيائيون بالشعر العربي القديم والتبسوا بشعرائه ،فحاكوا وعارضوا قصائدهم على
صعيد كل المستويات بداية من المستوى المعجمي والتركيبي إلى مستوى التجربة وموضوع القصيدة ،
مؤثرين أشعار األمراء الفرسان ،ومفضلين أغراض الفخر والبطولة والحكمة ،فالتقت روحهم بروح القدماء
من الشعراء ،بل إنهم عاشوا بمزاجهم "ومثلهم العليا وكان الفرد "النمطي" النموذجي هو الذي يستولي على
اهتماماتهم" ،1فصاغوا أفكارهم وأحاسيسهم في أساليب عربية تقليدية ،حيث يمكن دراسة هذا التأثير
واالتباع من خالل مستويين:2
/1خصائص االتباعية المعنوية :وعن أهم خصائص المدرسة االتباعية المعنوية التي اتبعتها جراء
احتذائها نماذج القصائد الجاهلية واالسالمية والعباسية ،ما يلي:3
/2خصائص االتباعية األسلوبية :قلد االحيائيون القصائد العربية القديمة ،خاصة قصائد األدب العباسي
في نماذجها المختلفة ،حتى بدت قطعا شعرية هاربة من ذاك الزمن إلى زمن الحداثة ،فقصائدهم احتوت
على الكثير من االقتباسات والتضمينات الشعرية ،التي أكسبتها العديد من الخصائص األسلوبية:1
:1آمال موسى ،سوسيولوجيا الخطاب الشعري اإلحيائي ..ثالوث الذاكرة والتراث والهوية ،الفيصل ،مركز الملك فيصل
للبحوث والدراسات اإلسالمية ،على الرابط http://www.alfaisalmag.com/?p=5934تاريخ التحميل
، 2021/04/09الساعة 16:41
:2نسيب النشاوي :مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر،
د.ط ،1984،ص37:
:3المرجع السابق ،ص37:
37
• اعتماد التراكيب الفخمة التي جاءت في القوالب التعبيرية القديمة
• التقيد باالوزان الخليلية ،والقافية ،ونظم القصيدة الطويلة« فائتالف هؤالء الشعراء في طول أغلب
قصائدهم جعل من الطول معيا ار للقصيدة التقليدية ،وهم في هذا يستوحون الشعر العربي القديم،
في الجاهلية وصدر اإلسالم ،خاصة المعلقات التي هي شجرة نسب القصيدة العربية القديمة
2
الطويلة»
• افتتاح القصيدة بالتصريع .
• اعتماد األساليب البالغية القديمة ( الصور البيانية والمحسنات البديعية.
• اعتماد االشتقاقات اللغوية المعجمية القديمة ،مع المحافظة على جزالة اللفظ والتراكيب المتينة
بقوالبها القديمة الجاهزة.
/3التقليد األسلوبي والمعنوي للبارودي وشوقي وحافظ:
*مظاهر الصياغة اللفظية القديمة :تأثر البارودي وشوقي وحافظ بالشعراء القدامى من حيث استخدام
األلفاظ ،وتوظيفها في عباراتهم وتراكيبهم اللغوية ،فاللغة في شعرهم " ليست ألفاظا معجمية ،ذات
دالالت حيادية ثابتة ،ولكنها لغة انفعال مرنة ،وهذا معناه أن اللفظ ذو خصوصية في االنتقال باللغة من
المعنى المعجمي إلى المعنى الشعري .. ،إذ تتسع داللته وتضيق تبعا لما يبث الشاعر فيه من طاقات
وما يشحنه به من ذات نفسه"،3ومثال ذلك قول البارودي:
بأبنائها واليوم أغبر كالح بكى صاحبي لما رأى الحرب أقبلت
يطول بها مجد وتخشى فضائح فقلت :تعلّم إ ّنما هي ُخط ٌة
فهذه الصياغة اللفظية تطابق إلى حد كبير قول جندح بن ُحجر بن الحارث الكندي المعروف بامرئ
القيس:
وأيقن أ ّنا الحقان بقيص ار بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
38
والمالحظ أن الشاعر يعتمد على المعجم اللغوي القديم أكثر من االعتماد على المعاناة اآلنية أو التأثر
الحالي ،فليست معاناته هي الموجِّه لتجربته الفنية ،والذي يق أر قصائد لبارودي يجزم بأن قائلها شاعر
بدوي من شعراء الجاهلية.
س ِائل
1 ِ ِ
َوِا ْن ه َي لَ ْم تُْر ِج ْع َب َيا ًنا ل َ از ِل
س َم ا ْل َم َن ِ
اء َر ْ
َس َم َ
ِ
أَالَ َح ِّي م ْن أ ْ
الرحَّل الذين يقفون على رسوم المنازل ؟ واإلجابة أي (رسم) يتكلم الشاعر ؟ وهل كان من الشعراء ُّ فعن ِّ
ْ
طبعا أن "البارودي لم يكن واقعه ُّ
يمت بصلة إلى تلك الطائفة من الشعراء ،لكنه يتجاهل واقعه المادي
الحسي ويعبر عن واقع يحمله في ذاكرته. 2
* مظاهر بالغية قديمة :الصورة البيانية والمجازية هي األخرى ارتحلت إلى قصائد االتباعيين ووجدت
لنفسها مكانا ،مؤثرين استعمال الطباق والجناس والمقابلة والتورية والترصيع بكثرة باإلضافة إلى االستهالل
بالتصريع يقول:
وهكذا نرى أن المسألة "ال تنحصر في استعارة البارودي لكلمة أو عبارة أو شطر أو معنى بكامله من
الشعر القديم ،فإن ما وقع فيه البارودي ،وهو على رأس اإلحيائيين ،من هذا القبيل ليس بالكثير ،وهو
ليس أكثر من عالقة تدل على شدة التالحم بين شعره وأشعار القدماء من حيث المعاني والصور
3
والصياغة"
*التقليد المعنوي عند البارودي:وتتمثل في األغراض التقليدية التي استخدمها في أشعاره والمتمثلة فيما
يلي:
*الوقوف على األطالل:حافظ البارودي على هيكل القصيدة القديمة ،فاسترسل في فتح قصائده بالوقوف
على األطالل وبكاء الدمن واآلثار يبكي ويستبكيرغم أن بيئته تختلف عن البيئة التي عاشوا فيها وينتقل
من غرض إلى آخر كالغزل أو الوصف ثم ينتهي إلى غرضه العام األساسي.يقول :
وان هي لم ترجع بياناً لسائل حي من أسماء رسم المنازل
أال ِّ
:1محمود سامي البارودي :الديوان ،ج ،1دار العودة ،بيروت ، 1998 ،ص .462
:2مسعود و قــاد،الموقف والتشكيل في الشعر اإلحيائي بين المعري وحافظ إبراهيم ،ص298:
:3محمد الكتاني ،الصراع بين القديم والجديد في األدب العربي الحديث،دار الثقافة ،المغرب ،1982،ص254:
39
خالء تعفّتها الروامس والتقت عليها أهاضيب الغيوم الحوافل
1
أراني بها ما كان باألمس شاغلي فألياً عرفت الدار بعد ٍ
ترسم
على خطى الجاهلي ين تساءل البارودي على الوجه الذي ال يمت لعصره بصلة ،والذي تجسد بفتح البيت
بأال االستفتاحية ،مع سؤال الديار ،استفتاح اقتصر على الشطر األول من البيت في جميع قصائده الذي
حدا به إلى طرح المعنى بشكل مباشر.
*مبالغات الفخر:جاء الفخر عنده على نحو ما ورد في شعر أبي فراس والمتنبي وغيرهما فهو في منفاه
في( سرنديب )يجلس جلسة أبي فراس في سجن( خرشنة) ويعلي صوته بالفخر على نحو يذكرنا بمبالغات
أبي فراس الفخرية ويتطرق إلى التباهي بالخالل الكريمة والجلد والصبر والشجاعة ويبين أنه محسود
المكانة علي الهمة يقول أبو فراس:
وال ذنب لي إن حاربتني المطالب علي طالب ِّ
العز في مستقره َّ
يقول البارودي:
فقد يشهد السيف الوغى وهو حاسر فال غرو إن حزت المكارم عارياً
*انتزاع المعاني من األفكار القديمة:الديوان يظهر لنا أفكا اًر قديمة ترددت في أشعار أبي النواس والمتنبي
وخطب الحجاج وغيرهم من ذلك هذه الخمرية التي نجد لمعانيها صدى عميق في شعر أبي النواس حين
يصف مصارع الخمرة يقول البارودي:
40
جسد ما فيه روح سوى الخمر
ٌ له فمن واق ٍع يهذي وآخر ٍ
ذاهل
فيشدو بكفيه إلى مطلع النسر يظن الشهب منه قريب ًة
صريعٌ ُّ
ولم تكن رائعة المتنبي في وصف الحمى وما يرافقها من آالم نفسية لتغيب عن ذهنه يوم خاطب طبيبه:
لقد كان المتنبي أسرع منه إلى التقاط هذه الفكرة حين وضع اآلالم النفسية أمام الطبيب الذي يعالج جسداً
اد والشطر
محطماً في قوله:يقول لي الطبيب أكلت شيئاً وداؤك في شرابك والطعام وما في طبِّه أني جو ٌ
الثاني من قول البارودي (ودائي لو علمت دواء) مأخوذ من قول أبي نواس(:وداوني بالتي كانت هي
الداء)وتأثيرات خطب الحجاج في عبارته الشهيرة( :إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها)تتضح في
قوله:أرى رؤوساً قد أينعت لحصادها فأينوال أين السيوف القواطع.
41
الد ْه ـ ِـر َزْنـ ـ ُـدهئ َي ْق ـ ــوى َعلَى َّ ام ِر ٍ
َي ْ َوأ ُّ يت ِم َن ُّ
الد ْن َي ـ ـ ــا بِ َم ـ ــا ال أ ََوُّدهُ ض ُ رِ
َ
َ
ض ـ ـ ُّـده وأ َْب ِغ ـ ــي وفَـ ــاء والطَّبِيـ ــعـ ـةُ ِ ُّد ُ ِ
َ ً َ يم ـ ـ ــهُ
ود َخص ُ صالً والص ُ َح ِاو ُل َو ْ
أَ
ٍ َح ِس ْب ُ
َخو َغ ـ ـ َـد َرات َيتَْب ـ ـ ــعُ اْل َهـ ْـز َل ِج ـ ـ ُّـدهُ أُ ت اْلهَ َوى َس ْهالً َولَـ ـ ْـم أ َْد ِر أََّنـ ــهُ
ِ تَ ِخ ُّ
ـب أَ َش ـ ُّـده ص ْع ـ ٍ َوَي ْع ُن ــو لَ ــهُ م ـ ْـن ُكـ ـ ِّـل َ ـي َرِزْي َنـ ـ ـ ـةٌ
1
ـالم َو ْه ـ َ
َحـ ُ
ف لَهُ األ ْ
42
المحاضرة الخامسة
التقليد األسلوبي والتجديد المعنوي
معروف الرصافي ،أحمد رفيق المهدوي،
مصطفى خريف
43
التقليد األسلوبي والتجديد المعنوي:
تمهيد:
تمسك الشعراء االتباعيون بأساليب القصائد القديمة ،وأن الخروج عنها ال يقبله عقل أو منطق ال يليق
بالشاعر العربي وعروبته التي تعيش وطأة االستعمار ،وقهر الحرية المسلوبة ،التي يحياها بهويته ولغته
وماضيه الذي يريد المستعمر طمسها بكل السبل والوسائل ،وقد مثل هذا االتجاه في دواوينهم الشعرية كل
من الشاعر العراقيمعروف الرصافي والشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي ،و التونسي مصطفى خريف.
/1التقليد األسلوبي والمعنوي لمعروف الرصافي،أحمد رفيق المهدوي ،مصطفى خريف:
تتضح االتباعية األسلوبية للشعراء الحداثيون من خالل مايلي:
• تقليدهم لألساليب التعبيرية القديمة ،والبناء التقليدي القائم على وجدة الروي والقافية ،باإلضافة إلى
التزامهم وتقيدهم باألوزان الخليلية.
• األساليب البيانية والبالغية ،التي تفننوا في درجة تقليدها ،حتى أصبح لكل شاعر قصائد مطابقة
للقصائد القديمة.
• رغم الحداثة وتغير العصور إال أن الشعراء االتباعيون ألزموا قصائدهم معجما شعريا بألفاظ
ومشتقات لغوية قديمة ،كما اهتموا بجزالة اللفظ ،ورصانة الديباجة.
تتضح االتباعية المعنوية من خالل العديد من الخصائص تظهر على مستوى الوجدان االتباعي وأغراضه
الفكرية كما يأتي:1
• محاكاة األبنية الفنية القديمة التي أنشأها الشعراء القدماء ،ألن اإلتباعيين يرون أن كل قديم
جميل ،وجدير بالمحاكاة ،فدعوا إلى المحافظة على عمود الشعر.
• توجيه الشعر وجهة تعليمية ،مؤثرين الظهور بمظهر االنفعال اإلنساني المقدس للمروءة،
والصدق والقيم األخالقية.
• استلهام المواضيع من الحوادث الكبرى واألعمال الجليلة ،من هنا التفت األدب إلى ماضي
العرب المجيد محاوال استخالص العبر
/2معروف الرصافي:
:1السعدي مسايل ،السند البيداغوجي لمقياس النص األدبي الحديث،جامعة محمد لمين دباغين ،جامعة سطيف ،كلية
اآلداب واللغات ،ص26:
44
اعتمد الرصافي صياغته اللفظية لقصائده الشعرية على قوالب القدماء في مدائحه ،رغم أنه ينفي عن
شعره غرض المدح فتحس وأنت تق ار شعره أنك أمام ديباجة المتنبي وهو يمدح سيف الدولة ،ويظهر ذلك
في قوله:
جحاجح من كعب كرام المعارق أمير نمته للمكارم والعلى
بحظ من المجد المؤثل فائق كذلك أعلى اهلل في الناس كعبه
إذا سار سار المجد في طي برده يرافقه ،أكرم به من مرافق
وينزل من أحسابه في سرادق فيرحل من أنسابه في مواكب
1
سوى نظر منهم بعيني مسارق وان جاء أغضى من رآه تهيبا
ويبدو تأثره الواضح بمعلقة طرفة في قصيدته "السجن في بغداد" التي بناها على البحر والروي نفسه
وفيها يقول مضمنا:
لخولة أطالل ببرقة ثمهد عفا رسم مغنى العز كما عفت
كما يسلك أسلوب التعبير الذي توضح في شعر دريد بن الصمة الجاهلي القائل:
غويت وان ترشد غزية أرشد وما أنا إال من غزية إن غوت
فيقول:
وهل أنا إال من أولئك امشوا مشيت وان يقعد أولئك أقعد
ف الرصافي نظم شعره في األغراض التقليدية كالوصف والرثاء..والفخر ،والمدح والغزل .إال أنه جدد في
األغراض الشعرية فنظم القصيدة "العلمية" ،كما تحدث عن الدهر وفلسفة الوجود و"السياسة" ،إذ هاجم
سياسة "المستعمرين" و"العثمانيين" ودافع عن "الحرية" ،ودعا إلى االشتراكية ،فقال في قصيدة "إلى
العمال":
إنما الحق مذهب االشتراكية فيما يختص باألموال
قديما في غابر األجيال مذهب قد نحا فيه (أبو ذر)
مبدأ ذو قصائد ضامنات ما ألهل الحياة من آمال
:1نسيب النشاوي :مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر،
،1984ص 86
45
/3أحمد رفيق المهدوي:
يعد أحمد رفيق المهدوي شاعر الوطنية الليبية من أهم رواد األدب الحديث ،ويعد أدب رفيق وثيقة
تاريخية مهمة لعصره وبيئته الحضارية؛ وبالنظر إلى شعره نجد أن خصائص هذا الشعر تنتمي إلى
المدرسة التقليدية الحديثة ،وقد تأثر بأعالم هذه المدرسة أمثال أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ،وجميل صدقي
الزهاوي ،ومعروف الرصافي؛ فليس ثمة صعوبة في إدراك مدى تأثر رفيق بهذه المدرسة ،ومدى الصلة
بينه وبينها؛ حيث 1تنعكس في شعره جميع مظاهر هذه المدرسة ،ومالمحها التعبيرية،1لقد تأثر رفيق في
تكوينه الشعري بالشاعر االتباعي المحافظ حافظ إبراهيم ،ومثال ذلك قوله
في حب مصر كثيرة العشاق كم ذا يكابد عاشق ويالقي
بين الشمائل هزة المشتاق ويهزني ذكرى المرؤة والندى
غرارها تحمل نفس المعاني فقال: فقد نظم أحمد رفيق قصيدة على
يوم الفراق فهل يكون تالق كادت تطير بأضلعي أشواقي
ودعت راحة قلبي الخفاق ودعته واهلل يشهد أنني
فرفيق كان له دور مهم جدا في إرساء دعائم المدرسة االحيائية ،عبر نظمه قصائد في أغراض الشعر
التقليدية ،إال أنه في الوقت نفسه حمل نفسة على التجديد حيث دعا إلى طرح القافية والتخلص منها وفي
ذلك يقول:
ويخلص من ربقة القافية أما أن للشعر أن يستقل
2
بتقليدنا األعصر الخالية فقد طال واهلل تقييده
فرفيق بعدما " استوى ونضج مفهوم القالب الشعري في وعيه ،ولم تعد القصيدة في شعره ترتكز على وحدة
البيت في الغالب ،بل أصبحت بنية حية ،متالحمة النسج ،موحدة الموضوع ،يأخذ بعضها بحجز بعض،
وكأنها فصلت على هذا القالب ،3"،ليسلك طريقا مغاي ار تجديديا وذلك من حيث ترتيب التفاعيل في
الثنائية" فالبيت يتكون من مصرعين ،ولكنهما غير متساويين في عدد التفاعيل ،حيث جاء في أكثر من
:1خليفة محمد التليسي ،رفيق شاعر الوطن ،الدار العربية للكتاب ،د.ط ،1965،ص67
:2محمد الصادق عفيفي ،أحمد رفيق المهداوي رائد التجريد الموسيقي في الشعر الليبي ،مجلة عالمات في النقد،ع27/
،1998،ص239:
:3المرجع نفسه،ص240:
46
نموذج بتفعيلتين على السطر بقافية معينة،ثم أردفها على السطر نفسه بتفعيلة واحدة ،بقافية
مغايرة"،1ومثال ذلك قوله في قصيدة " ثغور الورد":
خبريني يا ثغور الورد هيا
وانعشيني أرسلي األنفاس ريا
يا ندية واملئي الكون بطيب
لي هدية وابعثي ذكرى حبيب
/4مصطفى خريف:
يقترب مفهوم الشعر لدى مصطفى خريف من المفهوم الذي كان يأخذ به أبو القاسم الشابي أنه تجربة
اإللهام و اإلبداعُ ،لكنه في
ُ ق بالمثل العليا و
الصدق و التعل ُ
ُ ذاتية عميقة تتأسس على أربع دعائم هي :
الممارسة كان أقرب إلى الكالسيكيين،وتعتبر قصيدة “يا ليل الصب… ”.التي عارض بها قصيدة علي
الحصري ( توفي سنة 488هـ ) واقتبس عنوانها من مطلعها من أشهر قصائد :
ترد ُدهُ
ام ّ لألي ِام نشيدي و ّ
األي ُ سأغ ّني ّ
وصو ِ
القلب ْ لسان
ُ عر
ش ُفال ّ
ش ُين ِج ُدهُ
وج ْي ٌ
الحق َ
ِّ ت
ُ
س
قب ٌ
عر من األعلى َ ش ُوال ّ
ش ِّك ّ
يبد ُدهُ ِ
لظالم ال ّ
تدعٌ
بيان مب َ
عر ٌ ش ُ
وال ّ
شعـْ
عر َد ٌم يجري في ال َ
ش ُوال ّ
ويسد ُده
ّ ِب ِِ ّ
يقو ُمه
رد
موح مطّ ٌ
عر طُ ٌ
ش ُوال ّ
يتزوُدهُ
طوبى لفتًى ّ
َ
47
للمثل األعلى
َ يتوج ُه
ّ
1
ش ُدهُ
جميعا َي ْن ُ
ً و ِ
الكون
لكن بنظرنا للمستوى اإلجرائي نجد شعر مصطفى خريف بعيدا كل البعد عن شعر الشابي ال من حيث
الرؤية وال من جهة تماسك التجربة وعمقها،وال ندل على ذلك من جمعه – وهو أمر شديد الغرابة – بين
الع َمري و على نحو
الغزل الروحي طبقا للنمط العذري و الغزل المادي الجسدي اإلب ـ ــاحي وفقا للنمط ُ
متقارب جدا كميا .وان أول مالحظة تعن للمتأمل في قصائد هذا الباب هي أنه يتجاذبها محوران متقابالن
تقابال كليا هما :الحب الروحي الخالص والحب الحسى الجسدي.
:1مصطفى خريف ،شوق وذوق ” ،ذكريات ومراث”و” صفحات من ديوان الحماسة ،،الشركة التونسية لفنون الرسم ،تونس،
1965ص203:
48
المحاضرة السادسة
المدرسة الرومنسية في الشعر :سمات
اإلبداعية
49
المدرسة الرومنسية في الشعر :سمات اإلبداعية:
/1الرومانسية الماهية والمصطلح :من المصطلحات التي أثارت جدال عند النقاد ،التساع فلك المعنى
الذي تدور فيه ،حيث "تتضح صعوبة الوصول إلى تعريف محدد للمصطلح ،من خالل المحاوالت التي
جرت من قبل بعض مؤرخي األدب في عام ،1925الذين أحصوا أكثر من مئة وخمسين تعريفا ،في
سبيل وضع تعريف محدد للرومانسية،وقد سبقتها محاولة أخرى على يد األلماني شليجل الذي جمع
محاوالت تعريف الرومانتيكية في مائة وخمس وعشرين صفحة".1
الرومانسية romonticismإن الالحقة ismفي اللغة االنجليزية عند إضافتها إلى الكلمة تعني اتجاها
أو عقيدة أو مذهبا ،والغالب أن تضاف الالحقة ismإلى الصفة ال إلى اإلسم ،فكلمة رومانس
Romanceإسم ،ورومانتيك Romanticالصفة المشتقة منه ،وأضيفت عالمة الحركة أو االتجاه
ismإلى هذه الصفة فأصبحت رومانتيسزم Romanticismبينما نجد كلمة رومانس Romanceاسم
وصفة ،2والرومانسية في األدب اتجاه فني في األدب يتميز أساسا ،بطغيان العاطفة على ما عداها من
مقومات ،والقول بطغيان العاطفة يعني تفجر األحاسيس والمشاعر وتماديها ،بحيث يغرق في لججها
الصاخبة كل تفكير عقلي ومنطقي ،يصبح الخيال المشحوذ والملتهب في خدمة الغرض العاطفي،3
فبواعث األدب بعد الكالسيكية تغيرت ،فبعد أن كانت تحاكي القدماء ،وتعتمد الموضوعية والعقل،
أصبحت عند الرومانسيين تعبر عن االنفعال العاطفي ،وتدعو إلى أدب حر من القيود.
/2األدب الرومانسي الغربي :تعود بدايات الرومانسية إلى العصور األولى ،فهي قديمة قدم األساطير
اإلغريقية ،ثم انطلقت من جديد في القرنين الثاني عشر والثالث عشر المالديين مع ازدهار األعمال
األدبية الخيالية ،وفي عصر النهضة ازدهرت من جديد بعد انقالب غير مجرى الحياة في أروبا فلسفيا
واجتماعيا وسياسيا ،انهارت نظم وامبراطوريات ،وظهرت أشكال أخرى للحكم ،وقامت عقائد جديدة مسايرة
لروح العصر،وكان من نتائج االنقالب انتقال الحياة االجتماعية من عصر األستقراطية واالقطاع إلى
: 1أسامة خليل عبد الحافظ ،التيار الرومانسي في الشعر العربي الحديث (دراسة تحليلية تاريخية) ،رسالة دكتوراه في األدب
العربي الحديث ،إشراف :عبد اهلل محمد أحمد ،جامعة النيلين ،كلية الدراسات العليا ،قسم اللغة العربية،2009 ،ص18:
:2ي نظر :أسامة خليل عبد الحافظ ،التيار الرومانسي في الشعر العربي الحديث (دراسة تحليلية تاريخية) ،رسالة الدكتوراه
في األدب العربي الحديث،ص18:
:3فايز ترجيني ،الرومانسية في األدب ،دراسات عربية ،مجلة فكرية اقتصادية اجتماعية ،ع ،8/7السنة ،24أيار،
حزيران ،مايو ،يونيو ،دار الطليعة ،بيروت،1988 ،ص122/121:
50
عصر البرجوازية والطبقة الوسطى ،وابتداء عصر اآللة التي قللت من شأن الفرد وقيمته في العمل الفني،
وازدهرت الرومانسية بعد أن ثارت على القيود الفنية التي تجسد على يد أعالم أفذاذ أمثال روسو،
غوتة،وشاتوبريان ،المرتين ،هيغو ،موسيه ،ومن أهم مبادئها من حيث المضمون:1
*الفرد وعالقته بالمجتمع :ثار الرومانسي على النظام االجتماعي السائد أنذاك من أجل رفع الظلم عن
الفرد وابراز ذاتيته التي شوهتها اآللهة ،فعالقة الرومانسيين بمجتمعهم أنشأت عالقتهم بالدين ،حيث آمنوا
بوجود إله لكنهم تمردوا عن سلطانه ،األمر الذي جعلهم يحسون بأنهم بجاجة إلى عقيدة دينية على أساس
عاطفي ،فهم لم يتقيدوا بدين سماوي ،وأخلطوا بين الخير والشر ،وانهم مكرهون على الشر،كما أنهم تمردوا
وثاروا على القدر ،وبأن الضحية لم تتقصد ارتكاب الخطأ بل سيقت إليه سوقا.
* اإلحساس بالغربة واأللم والتعاطف مع البؤساء إن القلق والحزن الذي أحسه الرومانسي وجعلة يعيش
العزلة واالنطواء ،حدا به إلى الهروب إلى الطبيعة ،إو إلى إلة عاطفي أو إلى داخل نفسه باحثا عن
نفسه ،ونتيجة إحساسه باأللم ،أحس بالمعاناة ،وتعاطف مع المقهورين ،خاصة بعد االنقالب الصناعي
وانتشار الطباعة ،وبروز الطبقة الوسطى ،ومثال ذلك رواية " البؤساء" لفكتور هيغو.
*عالم الخيال واألحالم :األلم ،الحزن ،الشعور بالغربة واالنطواء على الذات ،كل هذا جعل الرومانسي
يستند على عالم الخيال الذي يمثل له عالما مثاليا هروبا من الواقع ،وعالم المادة ،فاألحالم والخيال عنده
خير وسيلة للوصول إلى عالم السعادة الحقيقية "،وهذا ما جعل هيغو يعتبر الحلم منفذا إلى عالم الخلود،
وبأن اإلنسان يدرك في الحلم ماال يدركه في الواقع".2
*الطبيعة :المدينة لم تعد مالذ األمان للرومانسيين ،ما جعلهم يلتمسون السلوى في الطبيعة ،العالم الذي
لم تفسده قوانين المدن ،ليتحول حبهم إليها إلى عبادة ،فيزعمون أنهم يرون اهلل فيها ،وأكثر مظاهر
الطبيعة اجتذابا لهم الليل ،ألنه يمثل عالم الوحدة الذي يسود الصمت الذي يستدعيه للهدوء والتحرر الذي
يبحث عنه ،ويمحو الحدود والفوارق ،كما أحبو فصل الخريف الذي يشبه نفسيتهم الحزينة.
*الحب :اعتبر الرومانسيين عاطفة الحب عاطفة مقدسة،ووسيلة للتسامي ،وفضيلة من الفضائل،وهو
األساس الروحي للعالقات ،يؤدي بهم إلى نكران الذات واكتمالها في الطرف اآلخر ،باإلضافة إلى اعتباره
الطريق الذي يؤدي بهم إلى اهلل ،وهذه القدسية قادتهم إلى تقديس التي اعتبروها مالكا هبط من السماء.
:1ينظر:فايز ترجيني ،الرومانسية في األدب ،دراسات عربية ،مجلة فكرية اقتصادية اجتماعية،ص121:
:2ينظر:المرجع السابق،ص124:
51
/3القضايا الفنية للرومانسية:
عمد الرومانسيون إلى التخلص من المفردات والعبارات والتراكيب البيانية التي فرضها عليهم تقليد
األقدمين كما اتبعوا المفردات والعبارات المواكبة لروح العصر ،وأن يتركوا العنان للحالة النفسية بأن تفرض
عليهم وسائلها التعبيرية الخاصة بها،كما جددوا في الشعر والمسرحية والقصة والنقد األدبي ،ففي الشعر
اتسعت موضوعاته ومعانيه وقوالبه الفنية ،واختلطت المعاني الفلسفية بالدينية والصوفية ،كما جددوا في
األوزان ، ،ومن المواضيع الجديدة وصفهم لألسرة وشؤون الحياة اليومية ،ومسرحيا قضت طبيعة المذهب
الرومانسي على األدب التمثيلي ،الذي يقوم على إثارة العاطفة وتحريك الخيال ،كما افسحت المجال
لظهور المؤلف أمام الجمهور.1
52
المحاضرة السابعة:
نشأة الرومنسية العربية
53
نشأة الرومنسية العربية:
/1تمهيد:
لم تظهر الرومانسية إال ألن الكالسيكية كانت سائدة ،فالنهضة الشعرية التي بدأها الشعراء اإلحيائيون
بريادة البارودي ،كان البد لها أن تواصل مسيرتها ،ليأتي التيار الرومانسي ويعزز النقلة الشعرية التي
تدعوا إلى حتمية التغيير المنبني على مفاهيم ومعايير جديدة ،وهي مثل كل المذاهب األدبية جاءت
تعبي ار عن توجه فكري يجسد طبيعة العصر وروحه.
ففي بداية القرن العشرين شهد األدب العربي العديد من المتغيرات دفعتهم إلى تبني الرومانسية ،فسيطرة
االستعمار الغربي على الوطن العربي ،وحاجة شعوبه للحرية ،وهجرة الشعراء واألدباء تحت ضغط الفقر
والظلم ،واحساسهم بالقهر واالستعباد والغربة واأللم ،والحنين إلى الوطن ،كل هذا دفعهم إلى االلتزام
بالرومانسية كمذهب غربي له مبادئه وأصوله ،التي اختاروا منها ما يروقهم ويناسبهم وينسجم مع أفكارهم
وتطلعاتهم.1
/2مبادئ الرومنسية وتجليها في القصيدة العربية:
فاألدب العربي تأثر بالرومانسية نتيجة الترجمات التي انكب أدباؤنا وشعراؤنا على قراءتها وترجمتها،
من مثال نقوال فياض وشبلي مالط وعلي محمود طه بخيرة الذين ترجموا لالمرتين ،وأبو شبكة وأحمد
حسن الزيات آالم فارنز لغوتة ،فأثرت هذه الترجمات تأثي ار إيجابيا ،وانتقلت عدوى مبادئ الرومانسية
لألدب العربي ممثلة في:2
*الطبيعة :تعد الطبيعة ملجأ الرومانسيون حيث تغنوا بسحرها وجمالها ،فالغاب في نظر جبران خليل
جبران والشابي تعد الملجأ الوحيد للراحة والسكينة من عناء البشر وأباطيلهم ،والحياة المليئة باآلثام
والشرور ،واإلصغاء إلى خرير الماء والجداول واستنشاق رائحة الزهور بالنسبة إلليا أبي ماضي يرجع
الروح وعلى اإلنسان االستمتاع بها قبل أن تفقد الحياة بهجتها ،والطبيعة تتثير الشاعر الرومانسي
المهجري فيتذكر أهله وأحبته.
:1ينظر :أسامة خليل عبد الحافظ ،التيار الرومانسي في الشعر العربي الحديث (دراسة تحليلية تاريخية) ،رسالة دكتوراه
في األدب العربي الحديث ،إشراف :عبد اهلل محمد أحمد ،جامعة النيلين ،كلية الدراسات العليا ،قسم اللغة العربية،
،2009ص18:
:2ينظر :فايز ترجيني ،الرومانسية في األدب ،دراسات عربية ،مجلة فكرية اقتصادية اجتماعية ،ع ،8/7السنة ،24
أيار ،حزيران ،مايو ،يونيو ،دار الطليعة ،بيروت،1988 ،ص129:
54
وفي هذا يقول رشيد أيوب:
ذ َكــرتــنــي أهــلي بــلُبــ َن ِ
ــان ـجـت أشـجـاني
هـي َ
ثـلج قـد ّ يا ُ
ال يـرعـى حـرمـ َة العـهد
مـا ز َ ِ
بــاهلل َعــ ّنــي قُــل إلخـوانـي
شـادي ـصـتـاً لِ َغ ِ
ـذيـره ال ّ ُمــتَــ َن ّ ثـلج قـد ذ ّكـرتني الوادي
يـا ُ
سـت بحضنه الهادي فَــكــأ ّنــنــي فـي جـ ّن ِـة ال ُخ ِ
ـلد كـم قـد َجـلَ ُ
َ
الخريف والشتاء أكثر فصلين تتعرى فيه الطبيعة ،فصال األمطار والعواصف ،حيث تعم الوحشة والكآبة،
لتتالقى مع طبيعة الرومانسيين الساهمة ،وروحهم المريضة ،التي ال ترى الحياة إال القلق واالضطراب.
يقول أبو القاسم الشابي:
ور بنحسي يخنق ُّ
الزُه َ ُ َّ
كل َما كالريا ِح فأطوي كنت ِّ
ليتني ُ
الخريف بقرسي
ُ ك ّل َما أَذ َْب َل شي كالش ِ
تاء أُ َغ ِّ كنت ِّ
ليتني ُ
إليك ثَْوَرةَ نفسي
فأَلقي َ قوةَ العو ِ
اصف يا شعبي ليت لي َّ
َ
ِ
للحياة بنبسي فأدعوك
َ َّت
إن ضج ْ ِ
َعاصير ْ
قوةَ األ
ليت لي َّ
َ
الليل وسكونه ينقل الرومانسيين إلى عالم ملؤه الصفاء ،يقول أبو القاسم الشابي:
وحيه في فؤادي المفتون آه ما أجمل الظالم وأقوى
يمشي على الذرى والحزون أنظري الليل فهو ثلة أحالمي
فالطبيعة بكل مافيها كانت العشق الذي عبر من خالله الرومانسي عن ذاته وتوجد معها ،وشاركها
حزنه وآالمه وأحالمه.
*اإلحساس بالغربة :حنين الرومانسي إلى الوطن وهو في المهجر ،وقد تركه وراءه مستعم ار فقي ار ظل
يلحقة ،فرغم شتاته الذي جعله يغادره إال أن حبه في قلبه نابض.
يقول فوزي المعلوف في قصيدة بعنوان الغربة في الوطن
يل َوَال قَ ِب ْ
يل أ ََّنى أ ِ
َم ْ أ َْم ِري َع ِج ْ
يب أََنا ال َغ ِر ْ
يب
وَال وطَ ْن أَْلقَى ِ
الم َح ْن ُم ْم فَ َال َعلَ ْم
َ َ َب ْي َن األ َ
1
س ُبوا
اس َوا ْنتَ َ َمام َّ
الن ِ إِ َذا ا ْنتَ َ أََنا ال َغ ِر ُ
ت أَ َ
س ْب ُ ط ٌن
يب فَ َال أَه ٌل َوَال َو َ
الشعور بالكآبة واأللم المظهر الثاني لإلحساس بالغربة ،وفي ذلك يقول فوزي المعلوف:
تضحك إال لتبكي العيونا ألم كلها الحياة فما
:1ديوان فوزي المعلوف ،مؤسسة هنداوي لنشر المعرفة والثقافة ،د.ط،د.ت ،ص49:
55
والمظهر الثالث لإلحساس بالغربة ،الشعور بالحيرة والقلق والحزن والتشاؤم ،فالرومانسيون عبر هذا
المظهر طغت علي نفوسهم أسئلة كثيرة ،عن الخير ومنازعها ،وعن الموت أهو بداية أم نهاية ،وعن
المصير بعد الموت ...يقول جبران خليل جبران:
ما خال منك قلبها المشغول غلب الموت فالحياة ثكول
في العباب العريض منها خفوق موجه آخر المدى يستطيل
*الثورة االجتماعية ،الفرد وعالقته بالمجتمع :الكآبة ،الحزن ،الحنين ،األلم ،الحيرة ،القلق ...التي أحس
بها الرومانسي ناتجة عن عالقته بمجتمعه وما يعانيه من ظلم وجمود ،دعوا إلى الثورة ضد كل ما يعيق
نمو المجتمع ،يقول الشابي:
فأهوي على الجذوِع بفأسي كنت حطَّاباً
ب ليتني ُ أَيُّها َّ
الش ْع ُ
ِ
برمس القبور رمساً تَ ُه ُّد سالت
ْ كالس ِ
يول إِذا كنت ُّ
ليتني ُ
َ
ور بنحسي يخنق ُّ
الزُه َ ُ كل َما َّ كالريا ِح فأطوي كنت ِّ
ليتني ُ
الخريف بقرسي
ُ ك ّل َما أَذ َْب َل شي كالش ِ
تاء أُ َغ ِّ كنت ِّ
ليتني ُ
*الحب:تأثر الرومانسيون بمظاهر الحب عند الغربيين ،فوصفوا المرأة ومحاسنها ،ولوعة الوقوع في حبها،
يقول إلياس أبو شبكة في ذلك:
صبي ٌة تغبطُها العذارى اسمها المعطا ار
اء ما أحلى َ
غلو ُ
أجمل منها مطلعا
َ قصيدةً شاعر أن يبدعا
ٌ ال يستطيعُ
شها ارتعاش ُة األنو ِ
ار تنع ُ نو ِ
ار هار في َّ
صوُر األز َ
تُ ِّ
ساق ِّ
الفل واألقا ِح ُّ
يهز َالنسيم في الصبا ِح
َ تصوُر
ِّ
*الدين :كان للدين أثر بارز غي األدب الرومانسي العربي ،واختلف من شاعر آلخر ،فجبران تأثر
بالتوراة والديانة المسيحية ودعا إلى محبة المسيح ،والياس أبو شبكة هو اآلخر كان رسول أدب التوراة
في العالم العربي ،فاألول كان صديقا لرجال الدين محاوال نشر الطهارة والصفاء في المجتمع،والثاني كان
ثائ ار على الدين ورجاله.
يتميز أسلوب الرومانسيين في العموم ببعده عن التكلف والصناعة ،وصورهم البيانية تصقل الذوق،
وعواطفهم وانفعاالتهم تتحول من خالل أسلوبهم إلى صور كلها مشاعر ،عبروا عنها بخيال حسي وصور
مسلوخة من عالم الواقع ،أما التراكيب فقد تميزت بالبساطة وأحيانا بالرتابة والتكرار لبعض المعاني
واأللفاظ.
56
المحاضرة الثامنة
دعوات التجديد ( مدرسة الديوان)
57
دعوات التجديد ( مدرسة الديوان):
/1تمهيد:
إن األدب والنقد خالل القرن العشرين تميز برؤية نهضوية تجديدية تطورية انتقال فيها من االنحطاط
والتقليد إلي النهضة واإلحياء ،رؤية مهدت السبيل لدخولهما في طريق يختلف كليا عما كانا عليه في
السابق ،أسست له الجماعات األدبية النقدية ،لتكون مدرسة الديوان في مقدمة الجماعات األدبية بآرائها
وعقائدها ،كما قامت على محور إنعاش ودفع عجلة النقد العربي إلى األمام ،بقيادة روادها "عباس محمود
العقاد" ،و"إبراهيم عبد القادر المازني" ،و"عبدالرحمن شكري" ،مشكلين ثالوثا تجمعه الوحدة الفكرية
والشعورية ،والذي يظهر للعيان من خالل مصطلح المدرسة الذي يدل داللة واضحة على وحدة الفكر
واآلراء ،كما يعني " أن مجموعة من األدباء تشابهت أساليبهم وتقاربت إلى أن ألفت مذهبا له جماعة"،1
مدرسة تثقف جيلها باألدب اإلنجليزی وغيره.
/2سبب التسمية:
مدرسة الديوان سميت بهذا االسم نسبة إلى كتاب (الديوان في األدب والنقد) ،الذي أصدره العقاد
والمازني في يناير/فبراير ،1921والذي "احتوي علي عدة مقاالت نقدية ذات طبيعة ثورية حملت معول
الهدم لكل قيود القديم ،وفتحت اآلفاق أمام التجديد واالنطالق في الالمحدود ،واعتبرت ذوق الشاعر
ومقدرته اإلبداعية لها المقام األول وفوق القواعد والقيود" ،2نشأت بفعل عالقة خاصة قامت بين رواده
الثالث ،حيث التقى هؤالء الشبان علي غير وعد ،فتم التعارف القوي ،وفي هذا الصدد يقول العقاد" فمن
عجب التوفيق أن يكون شكري في اإلسكندرية ،وأن يكون المازني في القاهرة وأن أكون أنا في أسوان ثم
قرأناه ،و في ما نحب أن نقرأه ،مع اختالف في حواشي اتفاق في ما نلتقي علي قدر وعلي
الموضوعات من غير اختالف في جوهرها" ،3أضف إلى ذلك أنهم كانوامن ذوي الثقافة اإلنجليزية ،فهذا
"الجيل الناشـئ بعـد شـوقي كـان وليـد مدرسة ال شبه بينها وبين من سـبقها فـي تـاريخ األدب العربـي الحديث
فهي مدرسة أوغلت في القراءة اإلنجليزية ولـم تقصـر قراءتها على أطراف من األدب الفرنسي كما كـان
58
يغلـب علـى أدباء الشرق الناشئين في أواخر القرن العشرين وهي على إيغالها في القراءة لألدباء والشعراء
اإلنجليز .لم تنس األلمان والطليان والروس و اليونان والالتين االقدمين ..ولعلها استفادت من النقـد
اإلنجليزي فوق فائدتها من الشعر وفنون الكتابة األخرى" 1باإلضافة للثقافة العربية ،كما كانوا المفكرين
المغلبين لجانب العقل كثيرا ،متأثرين بالمذهب الرومانسي من ناحية التجديد في موضوعات الشعر،
والتعبير عن اإلنسانية.
لم يكن كتاب الديوان هو الش اررة األولى لظهور هذه المدرسة ،بل نشر شعراء الديوان مبادئهم وأفكارهم
منذ عام 1909م في مقاالت الصحف ومقدمات كتبهم ومقدمات دواوينهم ،ومن ذلك مقدمة ديوان المازني
الذي صدر عام 1913م ،والذي لخص فيه العقاد مبادئ وآراء الجماعة ،ثم كان اإلعالن األكبر آلرائهم
في كتاب الديوان.
/3جماعة الديوان والثورة على الكالسيكية:
مدرسة الديوان منذ نشأتها قامت بثورة على القصيدة العربية التقليدية الكالسيكية من الناحية الشكلية،
والمضمونية ،والبنائية ،واللغوية ،لتأثر روادها الشديد بالشعر الغربي الذين ناشد الحرية الشعرية البعيدة
عن كل القيود ،فتحرروا منها متجهين نحو الذات والوجدان ،كما كانت هناك صراعات بين أدباء الديوان
من جانب ،وأدباء عمود الشعر من جانب آخر ،حيث كان لهذه النزاعات األدبية والنقدية أثر بالغ في
األدب العربي ونضوجه في العديد من النواحي:2
*الشكل :إن هذه الجماعة ثارت علي نظام القصيدة الطويلة ذات النسق الواحد وتوجهت نحو شعر
المقطوعات ،وشعر التوشيح ،وشعر تعدد األصوات كما ثار أعضاؤها عوا فيها وألغوهاً أحيانا .علي
نظام القافية الموحدة* ،البناء :رفضت المدرسة التفكك الذي يجعل القصيدة مجموعة مبددة التربطها
وحدة معنوية صحيحة فنادت بالوحدة العضوية .وان القصيدة عندهم كالجسم الحي يقوم كل عضو من
أعضائه بوظيفته الخاصة وال يمكن االستغناء عنه أبدا ،والقصيدة بهذه الميزة ترفض الحشو ،والتفكك،
واالنتقال ،واالستطراد ،وتناقض المعاني ،واضطراب العواطف ،والمشاعر النفسية ،وما إليها
: 1نضر الدين الشيخ عثمان ،اآلراء النقدية لمدرسة الديوان ،دراسة تحليلية نقدية ،مجلة اللعة العربية ،المجلس األعلى للغة
العربية،ع،1999 ،37/ص144:
:2سيد سليمان سادات اشكور،جماعة الديوان؛ التقدم األدبي والنقدي في القرن العشرين ،ص105:
59
*المضمون :تمرد نقاد هذه المدرسة علي ضيق المعاني المتناولة ومحدودية إطارها ،ووقفوا أمام استخدام
الشعر في بيان الموضوعات التاريخية ورفضوا التفاهة التي غلبت علي الحياة والشعر ،كما رفضوا شعر
المناسبات ونادوا إلي الجوهرية ،والخيال ،والعاطفة روا عن إنسانية الشعر وال لسانيته.
*اللغة :ثار أعضاؤها علي ما سم بلغة الشعر أو القاموس الشعري ،ونادوا إلي استخدام معجم آخر
يستعمل في المجتمع والحياة ،ليقرب العمل الشعري من حركة العصر ،وتأمل الفكر ،واثارة الوجدان.
فالديوانيون بتوجههم هذا أحدثوا ثقباً في جدار الكالسيكية العربية ،متطلعين ا إلى بناء مدرسة حديثة في
معنى األدب وغاياته ،متخذين من الرومانتيكية توجها لهم ،نابذين لفكرة تقليد األدب االنكليزي ،بل
االستفادة منه مهتدين بضيائه .وقد كانت الثورة النقدية التي قام بها هؤالء الثالثة تتصف بصفتين:1
*األولى :إنها ثورة جاءت في وقتها ،فقد كانت المدرسة الكالسيكية المحدثة ترسخ مفهوماً في الشعر ،لو
ترك بغير معارضة لضرب بجذوره بعيداً ،بحيث يغدو الوصول إلى الحداثة مطلباً في غاية الصعوبة.
*الثانية :كانت ثورة هؤالء الثالثة واضحة ،فقد كان التنظير الهاديء عن الشعر الذي قدمه مطران ال
يقاس بشيء إلى جانب التحرر العنيف من اآلراء المتحجرة ،التي كانت تسيطر على الشعر كما عبرت
عنه كتاباتهم النقدية.
/4أهداف مدرسة الديوان:
وعن أهداف المدرسة فقد قاومت فكرتين كبيرتين هما:2
*فكرة القومية في األدب العربي وطريقة فهمها على نحو شكلي ضيق.
*فكرة االشتراكية التي يصفها العقاد بالعقم ،ألنها تحرم على األدب أن يكتب حرفاً ال ينتمي إلى لقمة
الخبز ،أو إلى تسجيل حرب الطبقات ونظم الحياة.
/5مواطن التجديد عند جماعة الديوان:
أــــ مفهوم الشعر :يقول العقاد" :الــشعر صــناعة توليــد العواطــف بواســطة الكــالم ،والــشاعر هــو كــل
عــارف بأسـاليب توليـدها بهذه الواسـطة ،يـستخدم األلفـاظ والقوالـب واالسـتعارات التي تبعث توا في نفس
60
الذهنية " ،1فهو التعبير الجميل عن الشعور القارئ مايقوم بخاطره ،أي الشاعر من الصورة
الصادق ،وضبطه بالقوالب الجاهزة والنماذج القديمة كان ضد ما تصبو إليه الجماعة ،منادين إلى توجيه
التركيز للوجدان والمشاعر وليس الوزن والقافية مؤكدا بأن الشاعر ليس" مـن يـزن التفاعيـل ،ذلـك نـاظم أو
نـاثر ،ولـيس الـشاعر بـصاحب الكـالم الفخـم واللفـظ الجـزل ،ذلـك لـيس بـشاعر أك ثر ممـا هـو غير
كاتب أوخطيب ،وليس الشاعر من يأتي برائع المجازات و بعيد النظرات،ذلك رجل ثاقب الذهن،حديد
الخيال ،إنما الشاعر من يشعر ويشعر" 2وفي ذلك يقول العقاد:3
وما تضمن إال بعض وجداني شعر لحسنك فيه كل قافية
فإحساسه بإسراف الشعراء المعاصرين له في تقليد القدماء و إسرافهم الكبير إلى الحد الذي طمست فيه
ذاتهم ،متناسين لما يحمله الشعر من مشاعر وأحاسيس ،جعله يرى بأن التركيز على الوجدان يحيل
بالشاعر الكتشاف الشخصية الفردية التي عز عليه أن يجدها في محاكاة األقدمين .كما يتحقق الشعور
باإلحساس بالمجتمع والحياة والقومية " ،ليس المطلوب من القومية أن يسجل الشاعر أسماء البالد
ومعالمها و إنما المطلوب أن يكون إنسانا يشعر بقومه وبالناس وبالدنيا وتأتي الطبيعة القومية من وصفه
الماء كما تأتي من وصفه طنطا وأسوان ألنه لن يخرج عن قوميته وال عن طبيعتها ، "4فالشاعر ال يقول
شع ار إال إذا شعر به ،وصدق في تعبيره ،تعبير عن النفس ومشاعرها .يقول عبد الرحمان شكري :
و ِّ
الش ْعر من نبضاتها افق
القلوب خو ٌ
َ إِن
منشورة بصفاتها فترى الحياة جميعها
5
ِة ُّ
تطل في مرآتها الشعر مرآة الحيا
و ُ
فوظيفة الشعر في نظر جماعة الديوان تظهر في هدفين اثنين:
*توفير المتعة للقارئ عن طريق اشتراكه في المتعة الوجدانية التي يحس بها الشاعر.
*الكشف عن الحقيقة في أعمق صورها وأتمها.
:1عباس محمود العقاد،خالصة اليومية والشذور ،دارنهضة ،مصر للطباعة والنشر والتوزيع،القاهرة،1995،ص12 :
:2عباس محمود العقاد،خالصة اليومية والشذور،ص107:
:3عباس محمود العقاد،وهج الظهيرة ،صفحة اإلهداء ،دار العودة،بيروت،1982،ص42:
:4العقاد :شعراء مصر و بيئاتهم ،مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة ،،ط، 1950 ،2 /ص .195/194:
:5عبد الرحمن شكري ،ديوان ،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ،د.ط،د.ت،ص335:
61
وعن وظيفة الشاعر فترى جماعة الديوان أن الشاعر رسول الطبيعة ترسله مزودا بالنغمات العذاب كي
يصقل بها النفوس ويهذبها ويحركها ويزيدها نو ار ونا ار وهو "الذي يتعـرف كيـف يقتـبس مـن هـذه الحاالت
أنغامها ويصوغها شع اًر ،وهو الذي عواطفه مثل عواطـف الوجود مثل األمواج والرياح والضياء ،أو النار
أو الكهرباء ومـن أجل ذلك ال ينظم الشاعر إال في نوبات انفعال عصبي في أثنائها أساليب تغلي الشعر
في ذهنه وتتضارب العواطف في طلبه ،ولكن تضارباً ال يزعج نبضة طيور األنغام الشعرية التي تغرد في
ذهنه أما في غير هذه النوبات ،فالشعر الذي يصنعه يأتي فاتر العاطفة" "1إنه (شعر العواطف).
ب -الخيال الشعري.
من منطلق التمييز بين الوهم والخيال يصل إلى التعريف اآلتي الذي يرى بأن " الـشعر هـو مـا اتفـق
لها .فالشعر هو كلمات العواطف والخيال على نـسجه الخيـال والفكـر إيـضاحا لكلمـات النفس وتفسي ار
والذوق السليم" ،2ليعد كل من العواطف والخيال والذوق السليم أدوات ترقى بمفهوم الشعر ،و" القصيدة
خلق خيالي مستقل بذاته ،الشاعر فيه يستفيد من الواقع ،ويأخذ منه ،ولكنه يتطور يه ،ويضيف إليه من
نفسه ما يقتضيه الفن ويعدل فيه ،ويبتعد عنه ليلقي عليه الضوء الساطع ،فيكشف عن حقيقته وال ينقله
كما هو بأية حال من األحوال" ،3غير معبر عن عاطفة خاصة ،بل هو تعبير لعواطف متعددة تثير
نفوس المتلقين وتؤثر فيهم ،يقول العقاد في قصيدته " حظ الشعراء":
قعود
فأما حالهم فعبيدُ ***وطير ،ولكن الجدود ُ
ملوك َّ
أقاموا على متن السحاب فأرضهم *** بعيد،وأقطار السماء بعيد!
فودعوا*** رواحة هذا العيش وهورغيد
مجانين تاهوا في الخيال ّ
وما ساء حظ الحالمين لو َّأنهم***تدوم لهم أحالمهم وتجود
4
دياركم***غبين ،و ُغ ْب ُن َّ
الشاعرين شديد ٌ بني األرض كم من شاعر في
لمحات الخيال تمتد على طول أبيات القصيدة ،حيث نجد الشاعر متربعا على عرش الطبيعة متجنجا
بالخيال لتصوير واقع المجتمع.
:1نصر الدين الشيخ عثمان ،اآلراء النقدية لمدرسة الديوان ،دراسة تحليلية نقدية،ص161:
:2محمد الصديق معوش ،مفهوم الشعر في كتابات جماعة الديوان ( دراسة في األصول المرجعية)،مجلة علوم اللغة
العربية وآدابها ،ع،2016 ،9/ص252:
:3نصر الدين الشيخ عثمان ،اآلراء النقدية لمدرسة الديوان ،دراسة تحليلية نقدية،ص161:
:4المرجع نفسه،ص161:
62
تشكيل الصورة الشعرية :اعتبر جماعة الديوان الصورة الشعرية عنص ار مهما لتحقيق التجديد الشعري
في الوقت الذي كانت فيه "الصورة عند المحافظين تطبعها الصنعة والطالوة اللفظية والخيال الغريب...
مما رأوه ال يتناسب وروح العصر وما انطبع لديهم من صور جديدة للشعر الحديث تخالف تلك الصورة
اشد المخالفة نتيجة الطالعهم على اآلداب الغربية وما تقر في نقدهم من مبادئ الشعر وأسسه التي
حددتها الرومانسية والرمزية على نحو خاص"،1حيث يعتبر الصدق الفني في العمل األدبي شرط أساسي
في التعبير بالصورة الفنية ،وهو الذي " أوحى ألصحاب الديوان أن يربطوا بين الصورة الفنية واإلحساس
الصادق برباط متين ال ينقطع وال يريد بديال .واذا كانت الطبيعة هي وحي الشاعر عندهم فإننا نجد أن
الثالثة قد ارتبطت الصورة الشعرية عندهم بمظاهرها .يظهر ذلك من خالل بحثهم في ملكة التشخيص
والتصوير والرجوع إلى الطبيعة التي تتحققت فيها الصلة بين عناصرها وما ينتاب الشاعر من أحاسيس
وانفعاالت .وهذا هو سر االختالف بين الشعراء في استخدام هذه الصور بإيحاءاتها المختلفة".2
*في شكل القصيدة :ثارت الجماعة على نظام القصيدة الطويلة ذات النسق الواحد ،وتوجهت نحو شعر
المقطوعات ،وشعر التوشيح ،وشعر تعدد األصوات.
• اللغة:
ثار أعضاؤها على ما يسمى لغة الشعر أو القاموس الشعري ،ونادوا باستخدام معجم آخر ،يستعمل
في المجتمع والحياة ،ليقرب العمل الشعري من حركة العصر وتأمل الفكر واثارة الوجدان ،إن العقاد
والمازني " يرفضان االهتمام باللغة لذاتها ،ويخثان على االهتمام بها كوسيلة إلضهار المعنى وبيان
غرض ذلك ،ألن المعنى والغرض أهم في نظرهما من األلفاظ واألسلوب" ،3وهذا ال يلغي مراعاة عذوبة
اللفظ ،وصفاء العبارة ،والبعد عن الغريب من األلفاظ زاستعمال المألوف والعصري منها ،إذ دعا الديوانيون
العصرية في القصائد الشعرية مستخدمين مصطلحاتها ،وفي هذا يقول العقاد:
َّ إلى توظيف اللغة
يــا أبــا العــبـقـري والبـهـلوان سـالمـا
ً أي هـذا الجـيـبـون أَ ْن ِـع ْـم
ُّ
4
حـيـن تـمـضـي وراءنـا يـا صـديقي قــد بــلغـنـا فـأيـن تـبـلغ أيـنـا
63
وقول المازني:
ياصديقي فغد لماضي العهد لذّة العيش في مدام رغد
ض شياطينه فتنكر قصدي لست إبليس ياصديقي وال بع
1
شم ورد بها وتقبيلي لكن الحسن روضة وسبيلي
• الموسيقى:
فعلى مستوى البحر فقد جادت قرائحهم بقصائد نظمت عموديا وعلى كل بحور الشعر الستة عشر،
مفتونين ببحر الوافر ولم تزد محاوالتهم التجديدية في البحور الخليلَّية عن ما أفضت إليه القصيدة التقليدية
"مع بعض ما ينتابها من زحافات وعلل في إطار علم العروض ,كما كتبوا في مجزوءات البحور
ومشطوراتها ،وأكتفي بما تم عرضه هنا حيث فيه إيضاح للفكرة ،وال حاجة للمزيد عليه ،وخالصة األمر
إنهم لم يكسروا العمود الشعري إال في إطار ما يسمح به علم العروض ،كما َّ
تبينا فيما سبق ,عليه فال
جديد لديهم وبناء يذكر في هذا المجال".2
كما دعوا إلى التجديد في القافية ،حيث ثاروا على نظام القافية الواحدة ،فنوعوا وألغوا أحيانا ،فالعقاد
يرى أن " انتظام القافية متعة موسيقية تخف إليها اآلذان وانقطاع القافية بين بيت وبيت شذوذ يحيد
بالسمع عن طريقة الذي اطرد عليه ،ويلوى به لما يقبضه ويؤذيه لهذا نحسب أن السنين التي مضت منذ
ابتداء التفكير في شعرنا عرفنا في هذه الفترة المرسل قد مضت على غير طائل ألن ما يسيغ وما ال
يسيغ فعدل الشعر عن تجربة الشعر المرسل الذي تختلف قافيته في كل بيت ،وجربوا التزام القافية في
المقطوعات المتساوية أو في القصائد المزدوجة أو المسمطة وما إليها فإذا هي وافية بالغرض الذي نقصد
إليه من التفكير في الشعر المرسل ألنها تحفظ الموسيقية وتعين الشاعر على توسيع المعنى واالنتقال
بالموضوع حيث شاء".3
فالعقاد يرى أن تكون القافية في الشعر الغنائي والتخلص منها في الشعر الغير غنائي كالقصة
والمسرحية،وقد حاول شكري التخلص من قيود القافية التي تجبر الشاعر أحياناً على قول ما ال يريد قوله،
64
فكتب قصائد منها (نابليون والساحر المصري) ،و(واقعة أبقير) ،و(الجنة والخراب) ،و(عتاب الملك
حجر) ،ومعظم هذه القصائد من الشعر القصصي ،وطبيعة هذا الشعر أحوج إلى القافية المرسلة ،مع
الحفاظ على اإليقاع بتوحد الوزن في القصيدة( .وبالنسبة للموسيقى الداخلية أي االيقاع وما يضمه من
من ضروب البديع والتكرار ،وحروف المد والهمس ...وتناغمها مع تجربة الشاعر "الحق أَّنه ال جديدا
فيما قام به الديو ُّانيون في جانب الموسيقى الداخلَّية وذلك أعزوه لتعقيد أمرها فهي ليس كالموسيقة
العروضَّية والتي يمكن للمرء بجهد قليل التَّصُّرف فيها ,حيث إَّ ن الموسيقى الداخلَّية غوي؛ ومن أارد
التَّجديد فيها فال مندوحة له من إعادة تتضافر في خلقها كل مستويات الَّدرس اللغوي فلم يتب ق لهم إال
أن يخالفوا استخدام السابقين في توظيفها.1" ،
*في مضمون القصيدة :نجحوا في مجال المضامين الشعرية التي جعلوها تعبي اًر عن النفس وتصوي ار
متمردين في
لعواطفهم في صدق فني واضح ،حيث يطغى على بعض مضامينه الجانب الفكري الفلسفيَّ ،
ذلك "على ضيق المعاني المتناولة ومحدوديَّة إطارها ,ووقفوا أمام استخدام الشعر في بيان الموضوعات
التاريخيَّة ورفضوا التَّفاهة التي غلبت على الحياة و ِّ
الشعر ،كما رفضوا شعر المناسبات ونادوا إلى
الشعر وال لسانيَّته" ،2يقول العقَّاد في قصيدته
الجوهريَّة ،والخيال ،والعاطفة المرهفة ،وعبَّروا عن إنسانيَّة ِّ
األول(:
)الفجر َّ
في فضاء الكون الحا من رأى أول فجر
وهي تشتق الضراحا من رأى الشمس استقلت
زمن الساري جناحا واستعارت من مطار الــ
أبصر النور فباحا من رأى الليل ضمي ار
3
د مع النور افتضاحا باح بالكون فما ازدا
جعل الديوانيون للشعر فلسفة من خالل إدخال األفكار الفلسفية وما يتصل بها من التأمالت الفكرية وهو
الَّذي يغور إلى األعماق بحثاً عن حقيقة الحياة والموت ،وسعياً إلى اكتشاف المجهول وأسرار الطبيعة
:1حسن علي حسن سليمان ،مظاهــر التَّجــديد في الشعــر الحــديث،عند شعراء المدرستين الرومانسَّية والواقعَّية،
دراسة وصفَّية تحليلَّية( ،ص111:
هدارة ،بحوث في األدب العربي الحديث،دار الثَّقافة العربيَّة للطباعة والنشر،د.ط، 1775،ص351:
محمد مصطفى َّ
َّ :2
:3عبَّاس محمود العقَّاد،ديوان :وهج الظَّهيرة ,ص54:
65
تأمليَّة وفلسفيَّة
يتبنى فيها نزعة ُّ وبواطنها ،وتقف قصيدة (ترجمة شيطان) للعقَّاد في َّ
قمة هذا االتجاه ،إذ َّ
َّ
شاكة وثائرة ،والقصيدة بمجملها قائمة على بنية رمزيَّة كليَّة.
كسكون الليل في ضوء القمر فإذا الجنة امن وسكون
خشعت حتى الشوادي في الغصون وصغت حتى وريقات الشجر
جالل اهلل فردا في عاله ساعة ثم انجلى موقفها عن
غابت األمالك ال تعرفها وبدا الشيطان معروفا تراه
وبدا الشيطان معروفا ترى كبرياء الكفر في وقفته
وتؤج النار من نظرته عالي الجبهة يأبى القهقرى
يغلب الشك عليه فيبيد ويكاد الكون ما بينهما
وانقضى العفو وحق الغضب ساعة أخرى وقد حم القضاء
ومتى حلت فأين المهرب ساعة للنحس حلت والبالء
القصيدة ال تقف عند "مضمونها المباشر فهي غنية باإليحاء والرمز ،ففيها تجسيد واضح لقضية الخير
والشر بمنظورها الفلسفي ،وفيها صورة من صورة التمرد والطموح الذين كانا أبرز خصائص العقاد وفيها
تجسيد لقضية الحرية التي ُشغل بها العقاد".1
لم تغفل جماعة الديوان عن المجتمع الذي يضمها ويعيش أدباؤها في كنفه ،بل اهتموا به اهتماماً
عظيماً وبقضاياه ومشكالته ،فالشاعر في رؤيتهم ال ينفصل عن بيئته ومجتمعه ،ويتجلَّى هذا االتجاه عند
ويتعمق فيه والسيَّما في ديوانه (عابر سبيل) ،ويتَّخذ من الموضوعات اليوميَّة ميداناً لتجربته
َّ العقَّاد،
الشخصيَّة ،والعقَّاد يعكس على موضوعاته اليوميَّة ُّ
تأمالت عقليَّة ونفسيَّة ،ما ُيحيلها إلى تجارب إنسانيَّة
الع َّمال) وقصيدة (نداء الباعة) وقصيدة (شرطي المرور)،
ناضجة على نحو ما تجده في قصيدة (دار ُ
وشكري في قصيدة ( التنويم المغناطيسي) و(قصيدة اليتيم) التي يقول فيها:
خطوب ِ
الحياة يه من ِ
طيب وتُ ْظ ِم ِ يتيم تقاضاه الهموم حياته
ُ ٌ
ِ
لليتيم قريب أي ٍ
قريب و ُّ اليتم إِال غربة ومهانة
وما ُ
غريب
ُ وكل امر ٍ
ئ يلقى اليتيم َّ وموحدا
ً الغلمان مثنى
ُ يمر به
ُّ
حبيب
ُ وهيهات أن يحنو عليه أم بابنها مستعزةً يرى َّ
كل ٍّ
:1عباس محمود العقاد ،أشجان الليل ،دار نهضة مصر للطباعة والنشر،د.ط،د.ت ،ص 302
66
مجيب في ْح ِزُنه أن ال يجيب شأن ِ
أهله الغلمان عن ِ
ُ يسائله
ُ
ُ ُ
ووجيب
ُ من الوجد دمعٌ هاط ٌل عادهُ إِذا جاءه ٌ
عيد من الحول َ
صبيب
ُ وهو
الدمع ْ
َ عليه تُِريق الناس بالعيد قسوةٌ ِ سرور
َ كأن
َّ
ِ
النعيم رطيب فينان
ُ ِ
العيش، من ظلَّ ُه ْم
سودا للذين أَ َ
يظل َح ً
ض ِريب َد َهتْ ُه فلم َي ْع ِط ْ ٍ وما َعلِ َم ُّ
1
ف عليه َ كمصيبة الغل الفتى
وصف الطبيعة كان له حضور قوي غند جماعة الديوان الرومانسية ،وفيه يخلعون على الطبيعة آالمهم
شعرء الديوان لشعر الطَّبيعة ،حيث جعلوا الطَّبيعة
ا وأحالمهم الضائعة ،و"الجديد يكمن في ازوية تناول
ملجأً ومالذاً يلوذون به ويندمجون معه في هربهم من وطأة الواقع المغاير لما يريدون والمحطِّم لآلمال
وللمؤملين ،ويأخذون من رموز الطَّبيعة ما يسقطون عليه واقعهم" ،2يقول المازني في )خواطر الظالم ):
ِّ
ولففت في أكفانها اآلمال غرقت في بحر األسى األجذاال
ُ
للموت ا
ظال ينسخ اآلجاال متفي ًئا
ونزلت في وادي الهوى ِّ
لجها أوشاال
وأعاد زاخر ِّ شمس الحياة فأظلمت
َ كسف الجوى
تركت حياتي بعدها أطالال
ْ نوب الليالي عصفة
عصفت بنا ُ
إلي عضاال
سيال َّ
وتصوبت ً
َّ لجج الزمان بصدره
وتجايشت ُ
وينبت األهواال يجني السموم ُ موبئا
عيت من دهري زما ًنا ً
فر ُ
باردا جفَّاال
ما بال ضوئك ً ساهر
ًا الليالي
َ يا شمس من ُيحيي
وتُري العيون سواده القتَّاال الظالم سدوله فتعينه
ُ يرخي
األعصر األذياال
ُ جرت عليها
َّ ما أنت إال كاللذاذات التي
3
حر وال إشعاال
لشعاعه اا ليضيئنا الماضي ولكن ال ترى
مواضيع أخرى عززت المضمون الشعري لجماعة الديوان كالوطن والقومية حيث االستعمار مثَّل
المشاعر ،كقول العقاد:
:1عبد الرحمن شكري ،ديوان ،مؤسسة هنداوي لنشر المعرفة والثقافة،د.ت،د.ط ،ص82:
:2حسن علي حسن سليمان ،مظاهــر التَّجــديد في الشعــر الحــديث،عند شعراء المدرستين الرومانسَّية والواقعَّية،
دراسة وصفَّية تحليلَّية(،ص63:
:3المازني ،ديوان ،مؤسسة هنداوي لنشر المعرفة والثقافة،د.ت،د.ط ،ص221:
67
كبار النفوس كبار الشيم بني مصر صونوا لها حقها
وال لذوي سطوة أو غشم لكم مصر ال لدعي دعا
وحيث يرف عليها العلم لكم مصر حيث يقر الثرى
وحيث نما شعبها وازدحم وحيث جرى النيل من أرضها
على جانبي شطها والتطم وحيث تالحق موج البحار
ِّ
فالشعر الوطني" َّ
يتعدد في طرحه للموضوعات وتتفاوت كثافة الوطنيَّة فيه ،فمن إظهار لمشاعر الوالء،
ووقوف على مشاعر الحنين ووصف التَّجارب القاسية والتَّنبيه على االستفادة منها ،ومن شعر حماسي
يتعرض له َّ
الشعب من ظلم واستبداد على أيدي الحكومات المستعمرة لتقوية عزيمة َّ
الشعب ،إلى وصف ما َّ
أو الحكومات الوطنيَّة ،إلى وصف البطوالت وتمجيد األبطال ،وغير ذلك الكثيُّ ،
وكل ذلك جديد بصورة
1
من قبلهم ِم ْن ا
شعرء اإلحياء". عامة إال َّأنه لم َّ
يتم على أيدي الديوانيِّين وانما سبقهم إليه ْ َّ
:1حسن علي حسن سليمان ،مظاهــر التَّجــديد في الشعــر الحــديث،عند شعراء المدرستين الرومانسَّية والواقعَّية،
دراسة وصفَّية تحليلَّية(،ص68 :
68
المحاضرة التاسعة
مدرسة المهجر
69
مدرسة المهجر:
/1تمهيد:
كبير في النهضة الشعرية التي عرفها العالم العربي مطلع القرن العشرين،
ا دور
لعب شعراء المهجر ا
باطالعهم على التجارب األدبية الريادية الغربية،مزودين األدب العربي الحديث بالعناصر القوية
الجديدة التي تفتح أمامه السبل للتقدم والتطور بما يناسبه العصر والذوق ،وفي نفس الوقت المحافظة
على عروبتم ولغتهم وهويتهم من الضياع ،فلقدنقل هؤالء المهاجرون اللغة العربية الى هذه المهاجر،
وتعبا كبي ار في
فبانتقالهم مـن أوطـانهم انتقلت معهم لغتهم ،وثقافتهم ،وتراثهم ،وآدابها ،التي وجدوا عناء ً
الحفاظ عليها في مجتمعات أجنبية يبدو كل شيء فيها غر ًيبا عنهم ،مما جعلهم يلتفون حول بعضهم
أدبية شعرية أسهمت في نهضة األدب العربي الحديث .والتي بعضا ،وتأسيس جلسات وجمعيات
تمخضت في ظهور مدرستين مهجريتين ممثلتين في الرابطة القلمية والعصبة األندلسية،حيث تضم كل
مدرسة كوكبة من الشعراء العرب المسيحيين ،وأغلبهم من لبنان والقليل منهم من سوريا،هاجروا في أواخر
القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلى األمريكتين قسم قصد الواليات المتحدة األمريكية واستقر في
الواليات الشرقية والشمالية الشرقية منها ،وتوجه القسم اآلخر إلى أمريكا الجنوبية وبخاصة الب ارزيل
واألرجنتين والمكسيك ،حالمين باالستقرار والحرية ،والتخلص من الفقر ،والحروب الطائفية ،كما كان
الباعث األكبر علي المهاجرة اختالل األحوال االقتصادية في السلطنة العثمانية ،بفساد الحكومة
االستبدادية حتى تضعضع األمن وسادت الفوضى ،ودرس العلم ،وثقلت المعيشة".1
تأثَر الشعر المهجري بالعديد من المدارس الشعرية العربية المتمثلة في المدرسة الكالسيكية
الحديثة،المدرسة الرومانسية ،مدرسة شعراء الديوان ،ومدرسة أبولو ،باإلضافة إلى تأثرهم باآلداب الغربية.
/1خصائص الشعر المهجري على مستوى المضمون :يتميز الشعر المهجري بالعديد من المميزات: 2
:1أنيس المقدسي ،االتجاهات األدبية في العالم العربي الحديث ،ج، 2:بيروت 1952 ،م ،ص6
:2ينظر :سليمة عقوني،حضور الفلسفة األفالطونية في شعر الرابطة القلمية،أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه العلوم في
األدب الحديث،إشراف :السعيد لراوي،جامعــة باتنة،1كلية االداب واللغات والفنون ،قسم اللغة العربية وآدابها،السنة
الجامعية ،2016/2015 :ص35/34:
70
*الطبيعة :التي تعد أهـم ركائز المذهب الرومانسي ،يقول "مخائيـل نعيمة" في قصيدة "أوراق الخريـف" :
تناثري ،تناثري
يابهجة النـظـر
ِ
الشمس يا مرقص
1
يا أرجوحة القمر
الواقعية :النابعة من الحياة ومن التجارب الحارة .
* توليد المعاني :الشعر المهجري متعدد القراءات ؛ألنه يحمل معاني متعـددة بتعـد د تجارب أصحابه
،لهذا فقد استخدم شعراء المهجر لغة جديدة " فيها الكثير من الحيويـة ،و اإليحاء ،والقدرة على التعبير.
*الرمزية :و من ذلك قصائد إيليا أبي ماضي التي جاءت حافلة بالرموز مثل":الحجـر الصغير"،التينة
الحمقاء".
*الطابع النفسي :عبر شعراء المهجر عن النفس وجعلوا ذلك أساسا في نجاح أشعارهم ،وصدق تجربتهم
الشعرية ؛" فيسمع صوت الشاعر الداخلي ،كما يمكن أن نلتمس نوعـا جديدا من التشاؤم.
*الطابع الرومانسي :كانت أشعارهم حافلة بالطبيعة و الخيال ،و الصدق العاطفي ،يقول الياس فرحات
في قصيدة "نجم الليل " التي يعبر فيها عن حبه للطبيعة
هناك ميزاتها خامدة أحن إلى الغاب حيث الشروف
2
قرب الوفاء مائدة أحن إلى حيث ال يجلسن الغدر
*الطابع الفلسـفي :تاثر شعراء المهجر بالفلسفة الغربية القديمة ،و الحديثة ،و كانـت أشعارهم بحثا في
القضايا الوجودية ،و النفسية ،و المعرفية ،و من المدارس المهجريـة التي تاثرت بالفلسفة "الرابطة القلمية"
التي طرح أصحابها العديد من القضايا الفلسفية في قالب شعري ،فكان تأثرهم الكبير بأفكار أفالطون التي
ضمنها في محاوراته.
/3خصائص الشعر المهجري على مستوى الشكل:
*اللّغة :أنشأ المهجريون ألنفسهم معجما لغويا رومانسية االتجاه يدعو إل استخدام اللغة البسيطة،
ثائرين على االتجاه المحافظ وتمسكهم بالمعجم اللغوي القديم واللغة العربية الفصيحة وقواعدها الجامدة ،
يقول جبران خليل جبران "لكم قيها -اللغة -ما قاله سيبويه وأبو األسود الدؤلي وابن عقيل ومن جاء قبلهم
:1مخائيل نعيمه ،همس الجفون ،المجموعة الكاملة ،المجلد الرابع بيروت ،دار العلم للماليين ،ط ،1966 ،6ص43
:2إلياس فرحات ،أحالم الراعي ،سان باولو مطبعة مجلة الشرق،د.ط،1952،ص.16
71
وبعدهم من المضجرين المملين ،ولي ما تقوله األم لطفلها والمحب لرفقته والمتعبد لسكينة ليله ،1 "...كما
يقول إيليا أبو ماضي :
شعر ألــفاظا ووزنا
لست م ّني إن حسبت ** ال ّ
2
خالفت دربك دربـــــــــي ** وانقضى ما كان ِم ّنا
*األسلوب :تميز أسلوب المهجريين بالرقة والهدوء الموحي ،وقد سماه النقاد بأسلوب الهمس يقول إيليا
أبو ماضي في قصيدة "بال قلب":
:1عبد المنعم خفاجي :قصة األدب المهجري ،دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع،ط،1973،2/ص.86
:2إيليا أبو ماضي ،الديوان،دار العودة ،بيروت ،ص.50
:3إيليا أبو ماضي :الديوان ،ص163:
:4المصدر السابق ،ص361:
72
إما ** توشحت بالثــــلوج
واألرض حـــــــــولك ّ
أغمض جفونك تبصر ** تحت الثلوج مــــروج
داء عيـــــاء
وان ُبليت بـــداء ** وقبل ٌ
الداء كـــــــــ ّل دواء
أغمض جفونك تُبصر ** في ّ
لقد أدت المدرسة المهجرية دو ار طالئعيا في األدب العربي وهي متفتحة على الثقافات العالمية ،رافضة
التقديسية والصنمية والتقوقع داخل جدران التراث العربي القديم ،حيث آثرت "الشكل المقطعي مزدوجا
ومربعا ومخمسا بديال عن الشكل الذي تنحصر فيه القصيدة بين صفتي بحر واحد وقافية واحدة كما نادت
وتضمن هو مضامين الحب العذري وحرية
َّ بالحرية التعبيرية وقد اتسم نتاجها األدبي بالوجدان الذاتي
المرأة وفنية الطبيعة والحنين الى الوطن وغيرها".1
:1محمد شافع الوافي ،تأثر األدباء العرب باألدب الغربي وتأسيسهم المدارس األدبية العربية
الحديثة/http://muhammadaliwafy.blogspot.com،
73
المحاضرة العاشرة
الرابطة القلمية
74
الرابطة القلمية:
/1تمهيد:
في الثامن والعشرين أفريل من عام ألف وتسعمائة وعشرين أنشأت الرابطة القلمية ،وفي مجلس يضم
مجموعة من الشبان اللبنانيين والسوريين ولدت فكرة الرابطة القلمية انتصا ار لألدب ،برئيسها جبران ،
وبمساعدة إيليا أبوماضي ،ووليم كاتسفليس ،وميخائيل نعيمة ،نسيب عريضة ،عبد المسيح حداد ،رشيد
أيوب ندرة حداد ،وديع باحوط إلياس عطا اهلل ،وكان مقرها في نيويورك" وكانت جريدة السائح التي
1
يمتلكها عبد المسيح حداد التربة الخصبة التي حملت للعالم العربي ثمار قرائحهم اليانعة"
/2خصائص االنتاج النقدي واإلبداعي عند الرابطة القلمية :من أهم هذه الخصائص:2
*الثنائية:
النص الرومنسي يغلب عليه الطابع الشعري الذي يعتمد فيه على اإليقاع ،إما بالتجانس بين الجمل أو
التقابل في إطار الثنائية والتكرار ،وهو ما نراه في بعض نصوص "نعيمة" النقدية والعديد من النصوص
النثرية "لجبران".
*الثورة والتمرد :
معظم أدباء الرابطة مارسوا بشغف مهمة النقد ،فقد قيل في "جبران" مسيح يصلح ،ونيتشه يهدم ،ويصرح
"نعيمة" بهذه الحقيقة "كانت الفكرة التي تسيطر علينا هي التخلص من الجمود األدبي الذي سيطر على
العقلية العربية خالل خمسمائة سنة ثم االبتعاد باألدب الحديث عن التأثر باألدب القديم ،وخلق صلة بين
األدب والحياة ،حياة حديثة تتطلب أدبا حديثا حياة العالقة لها بالناقة واألطالل وعنق الغزال .
* النزعة الصوفية :
:1فوزي يوسف إبراهيم عبيد،شعر المهجر قضاياه ومميزاته (دراسة أدبية نقدية) ،بحث مقدم لنيل درجة دكتوراه الفلسفة في
اللغة العربية وآدابها )أدب ونقد ( ،جامعة الجزيرة،كلية التربية ،قسم اللغة العربية والدراسات اإلسالمية،أكتوبر 2013
م،ص25:
:2كمال لعور،مرتكزات النقد الحداثي عند الرابطة القلمية،حوليات اآلداب واللغات،كلية اآلداب واللغات ،جامعة حممد
بوضياف .المسيلة .الجزائر،ع ،2020،14 /ص255/254 :
75
أكد "نعيمة" تأثرهم بالبعد الصوفي اإلشراقي االنجليزي واإلسالمي ،ويؤكد "نعيمة" هذه الحقيقة مشيدا بدوره
ودور "جبران" في إقامة صرح الرابطة القلمية فصرح ضمن الرابطة القلمية شخصان يتجانس تفكيرهما في
المنظور وغير المنظور "جبران ونعيمة" أما بقية أعضاء الرابطة فتأثروا بهما في هذا االتجاه ،كان "جبران"
متصوفا في تفكيره يعود فيه إلى العالم الباطن ،ويرى التيار الصوفي قد جرف معظم المنتسبين إلى
الرابطة حتى "نسيب عريضة ،وايليا أبي ماضي"
*االنطباعية :
كان النقد الرومانسي عند الرابطة نقدا انطباعيا ال يجد في العادة حرجا من الجهر بتأثريته والكشف عن
ذاتيته ،حيث رفضوا القواعد واالعتماد على الذوق الشخصي والكشف عن اإلحساس بلغة التأثر ،ووصف
ردود فعل القارئ من العمل األدبي إعجابا أو نفو ار والحكم عليه حكما مطلقا مبهما دون التماس علل أو
مسوغات.
*مسايرة المنهج الغربي :
لقد ساهم األدباء الشوام من سوريا ولبنان في إغراء األدباء للسير وراء المنهج األوروبي في األدب
والحياة ،لما كان يربط هؤالء بأوروبا من روابط تاريخية ودينية خاصة عندما استقر بعضهم في مصر
وهيأ لهم االحتالل االنجليزي المنابر الصحفية والثقافية ،باإلضافة إلى نشاطاتهم في المهاجر األوروبية
واألمريكية والتي كان أثرها يصل إلى الشرق من خالل الصحف والمجاالت وكانت الرابطة القلمية من
أوائل المدارس العربية هضما للمنهج الغربي في األدب ،وأحرص على اعتماده في تذوق النصوص
األدبية
/3النزعة التأملية عند شعراء الرابطة القلمية:
لقد جعل شعراء الرابطة القلمية التأمل محو ار ألعمالهم التي أمست ذات طابع تأملي فكري ،فإذا نظرنا
في شعر ميخائيل نعيمة نجد في "تأمله تأمال مجردا في الذات والحياة والكون دون ثم اتصال بتجربة
بعينها ،وهذا النوع من التأمل غلب على كثير من شعراء المهجر وغيرهم فهو في ديوانه "همس الجفون"
يلجأ إلى التأمل عله يكتشف من خالله سر الوجود ،فيخاطب البحر والليل والريح" ، 1يقول في قصيدته
(من أنت يا نفسي):
:1معزيز مختارية ،النزعة التأملية في الشعر العربي الحديث إيليا أبو ماضي أنموذجا -مقاربة تحليلية ،-أطروحة مقدمة
لنيل شه ادة دكتوراه في األدب العربي تخصص :أدب حديث،إشراف :قريش بن علي ،جامعة جياللي ليابس /سيدي
بلعباس،كلية اآلداب واللغات والفنون قسم :اللغة العربية وآدابها،السنة الجامعية،2019-2018:ص34:
76
ور إِ ْن أر َْي ِت ا ْلب ْحر ي ْط َغى ا ْلمو ِ ِ
ويثُ ْ
ج فيه َ َْ ُ َ َ َ َ
ور مع ِت ا ْل َب ْح َر َي ْب ِكي ِع ْن َد أَق َْد ِام ُّ
الص ُخ ْ س ْأَو َ
ديرْه
ج َه َ س ا ْل َم ْو ُ َن َي ْح ِب َْترقُِبي ا ْل َم ْو َج إلَى أ ْ
س َم َع ا ْل َب ْح ُر َزِف َ
يرْه وتَُناجي ا ْل َب ْح َر َحتَّى َي ْ
َار ِجعاً ِم ْن ِك إِلَ ْيه َهل ِم َن ْاأل َْم َواج ِج ْئ ِت؟
ـام س ِم ْع ِت َّ
الر ْع َد َي ْد ِوي َب ْي َن طَيَّات ال َغ َم ْ إن َ ْ
الم ق َي ْف ِري س ْيفُهُ َج ْي َ َّ ِ
ش الظ ْ َ الب ْر َ
أو َأر َْيت َ
اهط ِفي ِم ْن ُه لَ َ
ظ ْ َن تَ ْخ َق إلَـى أ ْ الب ْر َ
صدي َ
تَر ِ
ْ ُ
اه
ص َد ْ الر ْع ُد لَ ِك ْن تَ ِ ِ ِ وي ُك َّ
اركاً فيك َ ف َّ َ
ص ْل ِت؟
الب ْرق ا ْنفَ َ
ِ
َه ْل م َن َ
ِ 1
الر ْع ِد ا ْن َح َد ْرت ؟
أ َْم َم َع َّ
جبران خليل جبران ،هو األخر وجد في التأمل ملجأ لهوى نفسه التي تعشق الطبيعة ،لما تسكبه من
الراحة والهدوء والطمأنينة لروحه الطواقة للحياة ،يقول في قصيدته " المواكب".
الخير في الناس مصنوعٌ إذا ُجبروا
الشر في الناس ال يفنى وِان قبروا
و ُّ
آالت تحركها
وأكثر الناس ٌ
تنكسر
ُ أصابع الدهر يوماً ثم
علم وال
تقولن هذا عالم ٌ
َّ فال
قطعان يسير بها
ٌ الوقُُر فأفضل الناس
تقولن ذاك السيد َ
َّ
ِ
يمش يندثر صوت الرعاة ومن لم
ليس في الغابات ار ٍع
القطيع
ْ ال وال فيها
لق
الربيع ُخ َ
ْ ِ
جاريهفالشتا يمشي ولكن ال ُي
ع
الناس عبيداً للذي يأْبى الخضو ْ
.:1ميخائيل نعيمة ،همس الجفون ،مؤسسة نوفل ،بيروت ،ط2004، 6م ،ص15/14.
77
هب يوماً
فإذا ما َّ
الجميع
ْ سائ ارً سار
وغن
الناي ِّ
َ أعطني
العقول
ْ فالغنا يرعى
أنين الناي أبقى
و ُ
1
وذليل
ْ ٍ
مجيد من
نسيب عريضة من الشعراء المهجريين الذين تبنوا النزعة في أشعارهم ،ففي قصيدته"اقلب الصفحة في
سفر الدهور" يذهب في رحلة تأملية من خاللها راصدا تأمل العالقة بين بني البشر ،وظاهرهم وباطنهم ،
مرك از على بيني البشر الذين تختبئ حقيقتهم خلف األقنعة التي سرعان ما تزول وتنكشف الحقيقة:
إن كل الناس أشباه إذا زحت الستور
ليس في الدنيا غني ليس في الدنيا فقير
ال عليم ال جهول ال عظيم ال حقير
كلها حاالت كعبوق وبكور
2
كلها تمثيل أدوار على ملهى العصور
إن النزعة التأملية عند شعراء الرابطة القلمية اختلفت باختالف المواضيع التي تناولوها في
قصائدهم ،إال أنه وبرغم هذا االختالف ،فقد جمعتهم روح الوجود المجسدة .
78
المحاضرة الحادية عشر
جماعة أبولو
79
جماعة أبولو:
/1تمهيد:
إن اسم جماعة ال يطلق إال إذ ا قام االتجاه علي دعائم فلسفية وقيم فنية وتياره محددة " ،وجماعة
أبولو اختارت أحسن ما رأت في االتجاھين السابقين "المحافظين من مدرسة البعث من الخلق و اإلبداع،
والمجددين من الديوان وأفادت من اآلداب الغربية وأضافت إلیھا كثي اًر من الخلق واإلبداع مما شكل لھا
مجموعة من الخصائص الفنية المشتركة التي تجعل منها اتجاھا ،ممي اًز بين اتجاهات الشعر المختلفة "،
فلقد لعبت الجماعة دو ار رياديا في حركة تطور الشعر العربي الحديث ،حيث أن التجديد لمس كل
المستويات الفنية من حيث الشكل الفني البنائي للقصيدة ،إضافة إلى إبراز جماليات المضمون ،
فجماعة أبوللو عمدت إلى بعث ثورة ضد القوالب القديمة ،فاستطاعوا التجديد فى الوحدة العضوية وتعدد
الوزن والقافية ولغة جديدة وتغير في الصياغات الشعرية واستحداث صياغات جديدة.1
/2جماعة أبولو نشأتها وخصائصها الفنية:
أدبية دعا إلٌها الشاعر أحمد زًكي أبو شادي سنة 1955م ،وقد ضمت إليها العديد من
أبولو جماعة ٌ
الشعراء (إب ارھيم ناجي ،صالح جودت ،محمد عبد المعطي الهمشري ،حسن كامل الصيرفي ،محمد أبو
الوفاء ،الشرنوبي ،أحمد محرم ،ومحمود حسن اسماعيل ،علي محمود طه ،والسحرتي،عبدالعزيز
عتيق،وأحمد الشايب،ومختار الوكيل ،وعثمان حلمي ،سيد قطب ،جميلة العاليلى ،ومن العراق نازك
المالئكة ،ومن لبنان إلياس أبو شبكة ،ومن تونس أبو القاسم الشابي ،ومن السودان التجاني يوسف
بشير ،)...أسندت رئاستها إلى أمير الشعراء أحمد شوقًي فًي سبتمبر ، 1932وبعد وفاته بأشهر اختير
الشاعر خليل مطران رئيسا ،أصدرت الجماعة مجلة تحمل اسمھا ،وتشيع من خاللها أدبھا ومبادئھا،
وسميت بأبولو نسبة إلله النور والفنون والجمال يقول زكي أبو شادي في ذلك "كلما كانت الميثولوجيا
إساءة للروح القومية لم نتردد في أن نخصھ بھذه المجلة اإلغريقية تتغنى بأبوللو للشمس والشعر
:1يسـ ار عبد هلل عـثمان صالح ،اإلبـداع وبنية القصيدة عند جمـاعة أبوللو ،بح ث مقـدم لنيل درجة الدكتوراه ،إشراف:
عباس محجوب محمود ،جامـعـة الـنيليـ ــن كلية الدراسات العليا قسم اللغة العربية2012 ،ـ ـ ، 2015ص2:
80
والموسيقى ،فنحن نتغنى في حمى ھذه الذكريات التي أصبحت عالمية لكل ما يسمو بجمال الشعر
1
العربي ،وبنفوس شعرائه".
:1عبد العزيز الدسوقي ،جماعة أبولو وأثرھا في الشعر العربي الحديث ص، 286الهيئة العامة المصرية للتأليف والنشر
1972م
:2يسـ ار عبد اهلل عـثمان صالح ،اإلبـداع وبنية القصيدة عند جمـاعة أبوللو،ص3:
:3يسـ ار عبدااهلل عـثمان صالح ،اإلبـداع وبنية القصيدة عند جمـاعة أبوللو،ص3:
:4المرجع نفسه،ص4/3:
81
/4مبادئ جماعة أبولو:وتظھر مبادئ الجماعة فيما يلي:1
*السمو بالشعر العربي ،وتوجيه جهود الشعراء توجيها شريفا
*مناصرة النهضة الفنية في عالم الشعر
* ترقية مستوى الشعراء ماد يا واجتماعيا ،والدفاع عن كرامتهم.
82
حتى يتكامل الموضوع ،ويتم على أكمل وجهه ،وفي أجمل نسقھ ،وذلك داخلی وتنمو العناصر نمو
مثل األعضاء في جسد اإلنسان القوي النامي الحسن المنظر وتظھر في قصيدة األطالل لناجي الذي
يقول فيها:
ش ّي
ت َ استَ ْبقَ ْي ُ
ت َما ْط ْي ُ إِ َّنني أَ ْع َ ي ْع ِطني ُحِّرَيتي اَ ْطِل ْ
ق َي َد َّ
لِ َم اُْب ِق ْي ِه َو َما أ َْبقَى َعلَ َّي صمي ِ ِ ِ ِ
آه م ْن قَ ْيد َك أ َْد َمى م ْع َ
ما ْ ِ
ي َس ُر َو ُّ
الد ْنيا لَ َد َّ َوِاالَ َم الأل ْ احتفَاظي ِب ُع ُهوٍد لَ ْم تَ ُ
ص ْن َها َ
إِ ّن َها قَ ْبلَ َك لَ ْم تُْب َذ ْل ِل َح َّي ف َع ْن َهااع ُ َها أََنا َجفَّ ْت ُد ُموعي فَ ْ
ان َوالثَّْل ُج أَ َغ َا
ار َجفَّ ِت ال ُغ ْد َر ُ ار
ط َاش َك ََو َه ِب الطَّ ِائ َر َع ْن ُع ِّ
َخ َب ِت ُّ
الش ْعلَ ُة َوال ِج ْم ُر تََو َارى وب َج َم َد ْت َه ِذ ِه ُّ
الد ْن َيا قُلُ ٌ
ار
ص َا ٍ ِ
ف َ س ْل ُه َك ْي َ
م ْن َرَماد الَ تَ َ ب َغ َدا
س ال َق ْل ُ
َوِاذا َما قَ َب َ
1
ار
س َن َا ِ ِ
َو ُه َوُيذْك ْيه فَالَ َي ْق َب ُ طلي
صَالم ْ
ذاب ُ
س ْل وا ْذ ُك ْر َع َ
الَ تَ َ
*الصـورة األدبـية :وال تعني ھ ذه الجماعة بالصورة األدبية التعبير باللفظ والتركيب فقط ،بل تعتمد على
التعبير بالصورة األدبية ،فھي الوسيلة الوحيدة التي تستطيع أن تنقل ما في أنفسھم من تجربة عميقة
إلى اآلخرين في وأما الصورة الشعرية تعني أنھا حين تق أر للشاعر قطعة من القصيدة ،يقول ناجي عن
الصورة " مبارز تجاه بصرك " ويقول أيضا :شعره يكون الشيء ،وكأنه مرسوم أمامك بوضوح شديد،
ومجس "األسلوب التصويري في مذھب الصوريين ھو من مظاھر التطور في األدب األوربي الحديث،
ويبني متالحقة مضغوطة ،وقد بالغوا في ضبط الصوريون مذھبھم على أن األدب يجب أن يكون صو ار
مجتمعة ال صورة واحدة ،وقادھم ذلك إلى الرمزية صورھم وتفننوا ،حتى حملوا الكلمة صور.
كقول أبي شادي:
فترى الحياة من الثياب تطل هيفاء ينبض بالمالحة جسمها
وكقول ناجي:
ال الهوى مال وال الجفن غفا كم تقلبت على خنجره
وقد تكون الصورة كلية تمثل مشهداً حياً خارجياً أو جواً نفسياً داخلياً ،وهذا المشهد أو الجو يتألف من
مجموعة صور جزئية تكون عمالً متكامالً ،وصور الشعراء هنا تمتزج فيها الحقيقة بالخيال غالباً ،يقول
أحدهم يصف القرية بالليل:
:1ناجي ،اب ارھيم ،الديوان، ،تح :أحمد رامي ،دارالمعارف ،مصر،1961 ،ص343 :
83
عليها وأسوار الظالم تحاصر وقد نسجت أيدي الشتاء سياجها
ضفائرها فوق المروج الدياجر لقد رنقت عين النهار وأسدلت
ودبت على الشط الهوام النوافر وقد خرج الخفاش يهمس في الدجى
على صوت ِهر في الدجى يتشاجر وطارت من الجمبيز تصرخ بومة
يجاوبه ذئب من الحقل خادر وفي فترات ينبح الكلب عابساً
*اإليحاء في اللفظ :تتعدد معانيه ،والكلمة مشعة ترسل خيوطھا العميقة في البد أن يكون اللفظ في
الصورة عندھم موحی كل مكان ،فإن كثرة المعاني واالتجاھات للكلمة الواحدة تكتب للقصيدة الخلود،
حسنا من كل قارئ فيفسرھا حسب ذوقھ ،وعمق فكره ،ولذلك بقيت قصائد موقعُ
وتبقى القصيدة حية ً
متجددة تجدٌ متعددة مثل قصائد شكسبير ،وغيره خالدة ؛ ألنھم اھتموا بوحي األلفاظ وھي رسائل كثيرة .
*حـــب الطبيعة :أحبوا الطبيعة فقد وجدوا فیھا القلب الحنون ،واألم الرءوم كارھين صخب المدينة
وضوءھا ،فحدثوھا وحدثتھم ،وعانقوھا عن ھيام فأحبوھا وأحبتھم ،واشتھر محمود حسن اسماعيل
بديوانه (أغاني الكوخ) بشغفه للريف .
*ثورة التجديد :قام شعراء أبوللو بثورة تجديدية كبيرة في بناء القصيدة الفني فأعلنوا الشعر الحر واحتفظوا
بالشعر المرسل ونوعوا األوزان وجددوا فیھا ،ونادوا بتحرير القصيدة في شكلھا ومضمونھا وفكرتھا
وصورتھا الموسيقية ورددوا :مذھب الفن للفن ومذھب الفن للحياة ،وأن الشعر عاطفة وخيال وموسيقى
وصورة ونادوا كما كان ينادي ورودزورث بتجنب تلك التشبيهات التى كان يتوارثها الشعراء وطعموا
شعرھم بألوان من الرمزية والواقعية كانت حركة تجديدية كاملة ،شملت الموقف واألداء ونجحت الجماعة
في التجديد.
84
المحاضرة الثانية عشر
المدرسة الرمزية العربية
خصائصها العامة ،تاريخها ،مظاھره
85
المدرسة الرمزية العربية:
/1تمهيد:
المدرسة الرمزية العربية ،واحدة من أشهر المدارس األدبية الثورية الكبرى التي أضفت العديد من
التغييرات في األدب على مستوى الشكل والمضمون والغايات واألهداف ،وعن من مهد ظهورها األول
فقد كان في أواخر القرن التاسع عشر في فرنسا "وكانت هذه الحركة ثورة علي الطبيعة البالغة الغاية في
الوضوح، في المفرطة البرناسية وعلي الجمود،
والذي كان نتيجة لعوامل عدة ،منها االجتماعي واالقتصادي ،ومنها األدبي والفني والثقافي ،ولم تنبع كل
هذه العوامل من فرنسا ،وانما كان منها الخارجي والداخلي ،ولعل الدخيل منها كان كثير الغالب ،وقد
تضافرت هذه العوامل جميعا علي إيجاد هذه الحركة األدبية التي نزعت نزعة صوفية ،وآمنت بالعالم
المثالي في نظر الرمزيين أكثر حقيقة من عالم الحس الذي آمن به الطبيعيون والبرناسيون ،ولم يكن ذلك
العلم الذي اتجه إليه الرمزيون مسيحيا بالمعني المسيحي الدقيق ،فقد كانت الروح الغالبة عليهم بعيدة عن
الدين والتقيد بروحه ونصوصه .إن جوهر الرمزية" ،1وقد كان ظهور المذهب الرمزي أوال في الشعر ،ثم
انتقل إلى الدراما ،ثم في النقد األدبي ،وبعدها في الموسيقى.
/1مدلول الرمز في اشعر العربي الحديث :
يرتبط الرمز الشعري بتجربة الشاعر وبأبعادها ،وبالمرجعيات التي تنبثق منها أو تؤثر فيها ،وهو"
انعکاس من التجربة الشعرية التي يعانيها الشاعر في واقعة الراهن والشاعر ينتقل فی تجربته من البالغة
:1سيد أمير محمود أنوار * غالم رضا گلچين راد ،الرمزية في األدبين العربي والغربي،التراث األدبى ،السنة الثانية ،ع،6/
1388هـ ،ص67:
86
الوضوح إلی الغموض ،فإذن الرمز الشعري يبدأ من الواقع ليتجاوزه دون أن يلغيه إذ يبدأ من الواقع
المادي المحسوس ليتحول هذا الواقع إلی واقع نفسي وشعوري تجديدي يند عن التجديد الصارم" ،1كما أنه
عبارة عن إشارة حسية مجازية لشيء ال يقع تحت الحواس أي أن الرمز ببساطة يستلزمً مستويين:
مستوی األشياء الحسية أو الصور الحسية التي تؤخذ قالبا ومستوی الحاالت المعنوية المرموز إليها إن
2
الرمز الشعري يستطيع أن يولد لدی المتلقي سلسلة من المشاعر يحس فيها قيمة فنية تكمن خلف الرمز"
/2الرمزية العربية وأسباب التأثر الغربي:
تأثر األدب العربي بالرمزية الغربية في العصر الحديث ،ويرجع السبب في ذلك إلى اتصالهم
بالثقافة الغربية ،عن طريق اإلرساليات التبشيرية ،الترجمة ،االستشراق ،البحوث العلمية ،والتراجع
النهضوي لألمة العربية بسبب الحكم العثماني ،باإلضافة إلى االستعمار الفرنسي واالنجليزي ،وعن معرفو
الشعر العربي الحديث للرمزية ،فيرجع إلى " تأسيسه على انجازات الشعر الغربي يقوم على " الخيال
المطلق( نظرية التراسل) ،شمولية الرؤية ،الجمالية الذاتية االمتداد الزمني الذي يبلغ العصر االسطوري.
وينطوي على معرفة غميقة وحساسية مكثفة في قاع بنية مبتكرة ،تكتسب شعريتها او شرعيتها في تجاوز
معقد ،تترسب داللته القصوى العالم جديد .عالم اخرى .او لغة ابتغاء صياغة المعلوم .الحد النموذج
المألوف وتخطي الزائف ،ويتلبس بحالة داللية تعددية ،تتستر بهالة كثيفة من الغموض ،الذي ال يعود
3
أحيانا فقط ،بل الى خصوصية التجربة الحديثة"
/3ظهور الرمزية في الشعر العربي:
البداية األولى لظهور الرمزية كانت في لبنان بعد عام ـ1919ـ ،ليمتد بعدها إلى البلدان عربية أخرى
ممثلة في وظهرت مصر قبل 1928ـ ،غير أن ظهورها ظل باهتا بحيث أننا ال نجد أشعا ار مدونة
اختفت بهذا التوجه المذهبي ،وظل األمر كذلك إلى غاية ، 1936وهي السنة التي قوي فيها عود الرمزية
وعرفت طريقها إلى القارئ العربي "عن طريق مجلة المقتطف التي نشرت قصيدة ذات مسحة رمزية تحت
عنوان «الخريف في باريس» من شعر ادوار فارس ،والرسالة المصريتين ،ومجلة المكشوف ،واألديب
اللبنانيتين حيث اهتمت هذه المجالت بترجمة الشعر الرمزي ،ونشرت تارجـم ألعالمه مثل "بودلير"،
:1عزت مال إبراهيمي ،محمد سالمی ،صديقة تاج الدين،الرمز وتطوره الداللي في الشعر الفلسطيني المقاوم،مجلة القسم
العربي جامعة بنجاب ،الهور ،باكستان،ع2017 ، 24/م .ص192:
:2عزت مال إبراهيمي ،محمد سالمی ،صديقة تاج الدين،الرمز وتطوره الداللي في الشعر الفلسطيني المقاوم،ص129:
:3فتوح أحمد ،الرمز والرمزية في الشعر العربي المعاصر .د.ط .دار المعارف ،مصر،1977،ص 143
87
و"رامبو" ،وغيرهم كما نشرت الشعر الذي كتبه الشعراء العرب ،مثل :بشر فارس ،وسعيد عقل ،ويوسف
1
غضوب ،ولبكي ،وأميف نخمة ،وعلى محمود طه ،وخليل هندواي ،وغيرهم".
وعن أهم رواد الرمزية فقد حدث الكثير من الجدل،منهم من قال أنهم :
*المهجريون.
*جماعة أبولو،
*ومنهم من أعطى الريادة لجماعة الديوان.
*ومنهم من أعزاها إلى جبران خليل جبران باعتباره أنه من الذين حادوا عن المألوف في شعرهم،
ووشحوه بالغموض والرمز.
غير أن بداية االتجاه الرمزي في الشعر كانت في لبنان ،وعبر القصيدة التي نظمها أديب مظهر قبيل
وفاته سنة 1928م بعنوان «نشيد السکون»:
سم األسوِد كمر َّ
الن َ حلواً ِّ السكون
ْ نشيد
َ َعد على نفسي أ ْ
ِ
اليأس في أضلعي أنين
اسمع َ
و ْ استبدل األ ّن ِ
ات باألدم ِع ِ و
أنفاس ُه استبقني ِ
و ِ
ان و ُفاللي ُل سكر ٌ باهلل يا ُمنشدي
الجبين
ْ لو ِ
كنت ناصع َة
تنفضني الزيارْة
ُ هيهات
َ
الحديث، العربي الشعر في وتجلياتها ،الرمزية العتيبي ساير نجر سارة :1
https://webcache.googleusercontent.com
88
المبين
ْ ِ
اللفظ ما روع ُة
العبارةْ
َ السحر من َو ْع ِي
ُ
نين
الح ْ ِظل على ْ
وهج َ
اإلشارْة
َ رسمتْ ُه معجزةُ
انكساره
َ العزِم
أرخى على ْ
نين
ص ْ ماذا ِب َو ْج ِد ْ
المح َ
خلف الستارةْ
صوت ش ٍج َ
ُ
الع ْج ِب الد ْ
َّفين َّبت في ُ
غي ُ
يفوت الناظمين
ُ ُد ّارً
عميه الطَّهارة
وهب تُ ّ
ٌ
وقد قدم سعيد عقل في مقدمة مجموعته الشعرية «المجدلية» التي صدرت عام ،1937األسس النظرية
للمذهب الرمزي ،وهي "ملحمة شعرية نظمها سعيد عقل في قصيدة طويلة جداً مستمدة من الكتاب المقدس
العهد الجديد كتبها عام 1937تتناول قصة إمرأة زانية عاشت زمن السيد المسيح وكانت أختاً ألليعازر
فتابت وأصبحت تابعةً له
ْ الذي أحياه المسيح وأخت مرتا القديسة .أخرج منها السيد المسيح سبعة شياطين
سكبت عند قدميه قارورة الطيب وغسلتهما بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها ،وهي
ْ ورسولة ،وهي التي
التي وقفت مع مريم العذراءعند الصليب وشاركت في دفن المسيح .وهي أول من شاهد القبر فارغاً
89
وهرعت تخبر بطرس ويوحنا بذلك ،وهي كذلك اول من رأى المسيح بعد قيامته من الموت كما جاء في
1
العهد الجديد" .
الضوء المجدلي ُة
ّ ِ
أت
َ
أسيان
َ
فأجرته
الربى
في ُّ
أنها ار
الفتيان
َ المروج
َ و
ذبلى كهوالً
أعزةً أز ار ار
فجنتها ّ
كما نظم الشاعر يوسف غضوب شع ار في ديوانيه «القفص المهجور» و«العوسجة الملتهبة» قصائد
رمزية ،و أدونيس هو األخر اتخذ طابع الرمز في قصائده ومقطوعاته الشعرية "وبدأ يعبر عن أعماق
النفس بما يعجز العقل الواعي عن إدراك حقائقه داخل الشاعر و فهم قصيدته يحتاج إلی بعض اإليحاء
وکشف الرموز المستخدمة فيها مثل قصيدته بعنوان «غابة السحر» وشعره يميل الی الغموض.
لِي ُك ْن,
ِ
لألحجار لفيف األحجار
ُ انض َّم
العصافير و َ ِ
جاءت
ُ
لِ ْ
يكن,
يل
شوارعَ واللّ َ
أُوقظُ ال ّ
ِ
األشجار ِ
موكب ونمضي في
وساد
ٌ ض ُر والح ْل ُم
قائب ال ُخ ْ
الح ُ
الغصون َ
ُ
األس ِ
فار ِ
في عطلة ْ
الملحمةHTTPS ://ALNAHDANEWS . COM/ARTICLE/3240 ، الحسام محيي الدين،سعيد عقل " :المجدلية" :1
90
غريبا ويبقى
ً حيث يبقي الضُّحى
خاتما على أسراري.
جه ُه ً
َو ُ
لي ُك ْن,
ت
ص ْو ٌ
وناداني َ
َ شعاعٌ
َدلّني ُ
من آخر األسو ِ
ار... .
وکذلك الشاعر الفلسطينی معين بسيسو ،يستخدم في شعره الرموز التي يعجز عن إدراکها العقل الواعي
وفي قصائده مستفيدا کبير بالمدرسة الرمزيةً إلی حد كبير بالمدرسة الرمزية األروبية".1
وتجسد ذلك في أول ديوان شعري طبعه في القاهرة عام ،1952وسماه “ديوان المعركة” ،وفيه قصيدته
المشهورة التي تقول:
:1عزت مال إبراهيمي ،محمد سالمی ،صديقة تاج الدين،الرمز وتطوره الداللي في الشعر الفلسطيني المقاوم،ص133:
91
المحاضرة الثالثة عشر
شعراء الرمزيــــــــــــــــــــــــــــة العربــــــــــــــــــــية
وأبـــــــــــرز أعالمــــــــــــها
92
الرمزيــــــــــــــــــــــــــــة العربــــــــــــــــــــية وشعراؤها:
/1تمهيد:
يسعى الشعراء الرمزيون إلى التعبير عما بداخلهم بروح متسامية" ،روح الموسيقى المثالية التي
ضمنوها أشعارهم ،باإلضافة إلى "مبدأ تراسل الحواس أو الخلط بين إدراكاتها المختلفة ،وهذا ما جعل
األلفاظ لديهم تنساب تلقائياً مع ارتخاء سيطرة العقل الواعي ،وتغييب إرادة التحكم ،فلأللوان ،والحروف،
أصواتها التي هي رموز لها دالالت تختلف من شاعر الى أخر ،بل لدى الشاعر نفسه في لحظتين
مختلفتين ،ليصبح الشاعر معها ،وسيلة تكتب القصيدة به نفسها فالرمزية أدت أحيانا إلى جعل الشعر
من شؤون الشاعر الخاصة بحيث غدا ال يمكن إيصاله إلى القاري والشعر ينبثق من الروح ليمتنع عن
التفسير المنطقي،وليس الشعر في نظر الرمزية إال تعبي اًر عن العالقات والتطابقات التي تخلقها اللغة لو
ترآت لذاتها ،حتى عرفت الرمزية بأنها تلك المدرسة التي تدعي أنها تصف ما ال يمكن التعبير عنه عن
طريق السحر واإلغراء ،واثارة اإلعجاب":1
/2رواد المدرسة الرمزية:
سبق وقلنا أن مهد ظهور الرمزية اللبنانيين قبل أي قطر عربي آخر ،وال عجب أن يكون لها رواد
كثيرون هم من شعراء لبنان.
السريع:
حيث يقو ُل من َّ
*أديب مظهر :مع قصيدته المسماة (نشيد السكون) ُ
السكـــون
نشيد ُّ
َ َعد على ِ
نفسي أ ْ
:1رمان سلدن بيريس ،االتجاهات األدبية الحديثة ، :ترجمة :جورج طرابيشي ،عويدات ،بيروت ،ط، 2
،1998ص147:
93
سِم األَســــــــــــــــــــــــوِد
كم ِّر ال َّن َ
حلوا ُ
ً
ات باألَدمـــــــــــ ِع واسمع استبدل ا أل ََّن ِ
ِ و
ِ
اليأس في أَضلعي عزيف
َ
1
واستبقني باللَّ ِـه يا منشدي
*بشر فارس :هو األخر اتخذ من منطلقات الرمزية أساساً لكتابته ،وكان همه كما يقول" صون البهاء
الذي في األدب وحوط الجالل الذي يلفه"جيث حرص الشاعر على جعل الكالم خفي اللمحات ،وقد ألقى
ضبابا كثيفًا من اللفظ الذي يجهد الفكر لفهم ما وراءه ،ولم يستطع النقاد التوصل إلى معرفة
ً حول معانيه
المعاني الحقيقية لقصائده الرمزية ،ومنها قصيدته "إلى زائرة" التي يقول فيها:
لو ِ
كنت ناصعة الجبين ...هيهات تنفضني الزياره
ما روعة اللفظ المبين؟ ...السحر من وحي العباره
ِظ ّل على َ
وهج الحنين َ ...رسمته معجزة اإلشاره
على العزم انكساره
خط تساقط ،كالحزين ... ،أرخى ِ
المحصنين؟ ...صوت ش ٍج خلف الستارهَ بوجد
ماذا ّ
َّبت في العجب الدفين ...معنى بر ِ
اعته البكاره غي ِ
تهديني بحاره
در يفوت الناظمين ...ونهضت َ
َّا
2
عميه الطهاره
وهب تُ ِّ
خطوات وسواس رزينٌ ... :
*ألبير أديب :صاحب مجلة األديب و قصيدته الشهيرة التي تحمل عنوان "حياتنا" يقول فيها:
حياتنا شباب وفكر أخضر
وعواطف من عمل الربيع
وقلوب من ندى الفجر
نجمعها ونغسل بها أرض األزقة
أو نروي رمال الصحراء
:1إلياس أبو شبكة :روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة ،دار المكشوف ،بيروت،د.ط،د.ت،ص.1943 :
واآلداب، والفنون للثقافة الوطني المجلس المعاصر، العربي الشعر ،اتجاهات عباس إحسان :2
الكويت،ط،1،1978/ص11:
94
ثم هي ليلة وضحاها
فإذا الزوبعة تذهب بنا
فنأخذ معنا كل أحالمنا وأمانينا
ونحن على قدم من الهاوية أو أقل
مازلنا نؤسس ،ونبني ،ونقيم
فما أسخفنا!..
ال نجعل أيامنا ابتسامة
ونقيم علينا ربا
يعرف كيف يجعلنا نبتسم
حتى ألنفسنا
*سعيد عقل :رائد ال مدرسة الرمزية العربية فهو لم يقتصر على وسائل األداء الرمزي ،بل جاهد ليصنع ما
صنعه رواد المدارس واالتجاهات األدبية ،ويظهر ذلك في قصيدته "النهران" التي يقول فيها:
فالنهر
ُ ولِدت سريري ضفة النهر،
الشهر،
تآخى وعمري مثلما الورد و ً
مرةً
وكان أبي كالموج يهدرَّ ،
الصخر
ُ ٍ
صخر ،وآناً هو ُيدحرج من
وقد علَّماني الحقَّ ،ما الحقُّ؟ دفع ٌة
القفر السيل عنه َّ
إنشق واخضوضر ُ كما ّ
يأس ُن ينتخي
وعمر شرٌار ليس ُ
ٌ
الحر
البرد و ّ
رد و ُ
شُعلى الصعب ،فهو ال ّ
اقف
وانك خط كالشهامة و ً
ظهر الناس أنت لهم ظَهر.
إذا إنهار ُ
أجم َل ما شدا
أغ ّني أنا لبنان َ
ي غصن َرقَّ ،لكنه َنسر
كنار ُّ
95
*جبران خليل جبران :أول من التقت في شعره تيارات اإلبداعية والرمزية التقاء فنياً ،ففي أدبه ثورة
اإلبداعيين ،وايحاء الرمزيين ،وفيه حس موسيقي رفيع في استخدام االلفاظ والعبارات الشجية التي تقدم
ٍ
ضبابية. المعنى محفوفا بهالة
والشر في الناس ال يفنى وان قبروا الخير في الناس مصنوع إذا جبروا
أصابع الدهر يوما ثم تنكسر واكثر الناس آالت تحركها
وال تقولن ذاك السيد الوقر فال تقولن هذا عالم علم
صوت الرعاة ومن لم يمش يندثر فأفضل الناس قطعان يسير بها
ال وال فيها القطيع ليس في الغابات راع
ال يجاريه الربيع فالشتا يمشي ولكن
للذي يأبا الخضوع خلق الناس عبيدا
سائ ار سار الجميع فإذا ما هب يوما
فالغنا يرعى العقول أعطني الناي وغن
1
من مجيد وذليل وأنين الناي أبقى
ٍ
إحساس دقيق ،أو لتحليل وهناك شعراء عرفوا خصائص الرمزية فاغتنوا بها ،واستخدموها للتعبير عن
فكرة عميقة ،أو لتطعيم األدب ٍ
بقيم جمالية جديدة كاإليحاء والرمز واألسطورة ،ومنهم :عبدالرحمن شكري
واحمد زكي أبو شادي ونزار قباني وعمر أبو ريشة وبدر شاكر السياب .
:1جربان خليل جربان ،المجموعة الكاملة،دار الجيل لنشر والتوزيع والطبع ،لبنان ،،ط،1د.ت ،ص.1114 :
96
المحاضرة الرابعة عشر
الصورة الفنية في القصيدة العربية الحديثة
97
الصورة الفنية في القصيدة العربية الحديثة:
/1تمهيد:
كبيرا ،حيث تخل شعراء العصر الحديث عن التقليد القديم ،ألن
تغيير ً
ًا شهدت بنية القصيدة العربية
الضرورة الشعرية اليوم تتطلب مواكبة الحداثة بأشكالها الطارئة ،والتي تدعوا إلى التحرر ،والتعبير بقوالب
قوامها الرمز واإليحاء ،وتعد الصورة الفنية إحدى أهم الركائز التي تُبنى عليها القصيدة العربية ،وأهم
مكوناتها اإلبداعية والفنية" ،لما يكمن فيها من طاقة جمالية وايحائية تولِّدها أحاسيس الشاعر ،وتعكس
فأولَ ْوها
بدورها أفكاره ونظرته إلى الحياة واإلنسان والكون وقد حظيت الصورة الشعرية باهتمام المحدثين ْ
عناية خاصة جمعت بين فنون تشكيلها وبنائها بروابط ُنسجت بين مكوناتها المختلفة ،حتى أصبحت سمة
بارزة من سمات النص الشعري ،وعالمة فارقة تدل على تطور الشعر العربي وتقدمه ،ومواكبته الحداثة
1
العصرية ،وصنوف متطلباتها".
/2مفهوم الصورة الفنية :تعتبر الصورة الفنية الوسيلة األنجع التي تأخذ بيدنا لمعرفة وادراك التجربة
الشعرية للشاعر ،فهي المهد الذي يحيط ويستوعب هذه التجربة التي تستند إلى إيحاء الصورة الفنية التي
98
ال تتجلى" فـي التـصريح باألفكار مجردة وال المبالغة في وصفها ،تلك التي تجعل المشاعر واألحاسيس
أقـرب إلى التعميم والتجريد منها إلى التصوير والتخصيص ،ومن ثم كانت للـصورة أهميـة خاصة".1
وللصورة الفنية مفاهيم متعددة ومختلفة باختالف األزمنة؛ فمفهومها القديم كان قائماً على صلة التشابه
بين الشعر والتصوير ،والرسم ،والتخيل ،وعلى االهتمام باألشكال البالغية للصورة :كالتشبيه ،واالستعارة،
والكناية ،2وفي العصر الحديث تعددت بدورها المفاهيم ،ولكنها اتفقت كلها على تعريفها بأنها" رسم قوامة
الكلمات" ،3التي يستند فيها الشاعر على خياله"،وقد اتخذ تشكيل الصورة الفنية في بنية النص الشعري
العربي الحديث الحر أنماطاً متعددة هي :بنية الصورة في الشعر التقليدي ،وبنية الصورة في الشعر
الحر،وبنية الصورة الحسي ،وبنية الصورة الذهني ،وبنية الصورة الرمزي".4
/3توظيف الصورة الفنية عند الشعراء في العصر الحديث:
لقد عمد شعراء التجديد في العصر الحديث ميلهم إلى محاورة الطبيعة واالستعانة بها وبمناظرها التي
تالمس بنات أفكارهم وجوهر أحاسيسهم ومشاعرهم وحاالتهم النفسية ،فيمزجون بين الصورة الفنية
وعواطفهم الحسية"،فالصور الفنية عند شعراء التجديد من األدوات األساسية التي يستعينون بها لتجسيد
خواطرهم،وأحاسيسهم،وتصوير مشاهدهم في لوحات فنية تبرز المعاني من خاللها في شكل تعابير الرسم
في ظالله وألوانه" ،5ومن شعراء التجديد في الصور الفنية:
*خليل مطران :رائد التجديد في الشعر العربي والذي أعلنه عام 1905م عبر المجلة المصرية ،فهو"
طليعة أولئك الذين خرجوا عن أفق التقليد ،وصدعوا قيود التقليد،وأوسعوا صدر الشعر العربي للخيال
األعجمي،وأوضحوا فيه للقصص،وتصوير الحوادث،وطافوا لسرد وقائع التاريخ ،ففتح بذلك فتحا جديدا"،6
يقول في قصيدته المساء:
:1هالل ،محمد غنيمي :دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده ،دار النهضة مصر للطبع ،القاهرة،د.ط ،د.ت ،ص60
:2ين ظر :الجاحظ ،عمرو بن بحر :البيان والتبيين ،تحقيق :عبد السالم هـارون ،مكتبـة الخـانجي ،القاهرة1968 ،م ،ج1
ص 206
:3صالح ،بشرى :الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،ط،1/د.ت ،ص10
:4رائد وليد جرادات ،بنية الصورة الفنية في النص الشعري الحديث (الحر) نازك المالئكة أنموذجا،مجلة جامعة
دمشق،المجلد ، 29ع /ا ،2013، 2+ص.556/555:
:5سيد أحمد عبد الرحمن محمد،توظيف الصورة الفنية عند شعراء التجديد في العصر الحديث،حولية كلية اللغة العربية،
جرجا،دار الكتب المصرية،ع2020،،24/ص31/30:
:6المرجع نفسه،ص34:
99
اعفَ ْت ُب َر َحائي
ض َ ص ْب َوتي ،فتَ َ من َ فيه ِشفَائــــــــي
ت ِ َداء أَلَ َّم ِ
فخ ْل ُ ٌ
في الظُّ ْلِم مث ُل تَح ُّكِم الضُّـــــعفَ ِ
اء وما َيا لَلضَّعيفَ ِ
َ َ استََبدَّا بي َ ،
ين ! ْ
و ِغ َاللـــــــــــ ٌة رثَّ ْت ِم َن األ َْدو ِ
اء الص َب َابــــ ُة والجوي ب أَ َذ َابتْ ُه َّ
َ َ َ َ َق ْل ٌ
الصع َد ِ ص ِو ِ يم تََن ُّه ٍد ِ
اء يب َو ُّ َ ــي التَّ ْ
في َحالَ ِ ــــــــه َما َنس ُ
وح َب ْي َن ُ الر َُو ُّ
وب ِد َمائي ض ُض ِعفُ ُه ُن ُ َك َد ِري َ ،وُي ْ ورهُشى ُن َ ص َبا ِح َي ْغ َ ِ
الع ْق ُل َكالم َْو َ
ون َد َوائي في ُغ ْرَب ٍة قَــــالُوا :تَ ُك ُ ت َعلَى التَِّعلَّ ِة بالمني إِ ِّني أَقَ ْم ُ
ان ِطيب َهـــــو ِ
اء؟ ير َ ف ِّ يب َه َو ِائ َها أ َُيلَطِّ ُ ِ شِإِ ْن َي ْ
َ ُ الن َ الجس َم ط ُ
ْ ف َه َذا
َه ْل مس َك ٌة في البع ِد لِ ْلــــحوب ِ
اء؟ ام َها أَو يم ِس ِك الحوباء حس ُن مقَ ِ
ََْ ُْ َ ْ ََْ َ ُ ْ ُ ْ ُْ
شفَ ِ
اء الس ِت ْ في ِعلَّ ٍة َم ْنفَ افي في البالَ ِد َ ،و ِعلَّ ٌة ث طَو ِ
ــــــــــــاي ْ
َ َع َب ٌ َ
ــــــــرٌد بصبابتــــــــــي ،متَفَِّرٌد ب َكآبتـــي ،متَفَِّرٌد بع َن ِ
ــــــــــائي َ ُ َ ُ ُمتَفَ ِّ َ َ َ
اح ِه الهوج ِ بري ِ ِ اك إِلَى الب ْح ِر ْ ِ شٍ
ـــــــاء َْ َ جيبني ِ َ اب َخ َواط ِري فَ ُي ُ اضط َر َ َ َ
الص َّم ِ
ــــــاء الص ْخ َرِة َّ َق ْل َباً َك َه ِذي َّ او َعلَى صخر أصم َولَ ْي َت لي ! ثَ ٍ
ضــــــائي الس ْقِم في أ ْ
َع َ َوَيفتُّ َها َك ُّ ارِهي ج َك َم ْو ِج َمكـــَ ِ اب َها َم ْو ٌ
َي ْنتَ ُ
َكم َداً َكص ْد ِري سـاع َة اإلمس ِ
ــاء ض ِائ ٌ
ق الج َو ِان ِب َ الب ْح ُر َخفَّ ُ
ْ َ َ َ َ َ اق َ َو َ
شائي َح َص ِع َد ْت إلَى َع ْي َن َّي ِم ْن أ ْ َ الب ِرَّي َة ُك ْد َرةٌ َ ،و َكأ ََّنهــَا
شى َ تَ ْغ َ
يصور الشاعر حالته النفسية الحزينة في ظل امتزاجها بحزن الطبيعة.
*إبراهيم ناجي:هو األخر متأثر بالمذهب الرومانسي ،الذي يحتفي بوناسة الطبيعة ألحاسيس ةعواطف
الشاعر ،والتي تظهر قصيدته " صخرة الملتقى" ،وهي صخرة كان يلتقي فيها بمحبوبته ،يقول فيها:
فرقا
الدهر ما َّ
ُ متى يجمع سألتُك يا صخرةَ الملتقى
أخذنا على ِ
ظهرَها الموثقَا الدهر لَ َّج بأقداره
ُ إذا
النسيم بها مرهقَا
ُ أن
و َّ
أرق الهوى عندها مجهداً
ّ
تياره األزرقَا ِ ِ
فعاندت َاجه
البحر نحوك أمو َ
ُ َرمى
100
*إبراهيم ناجي :نجد ابراهيم ناجي في قصيدته " العودة" ،التي يتحدث فيها عن بيت أحبابه المهجور الذي
رجع إليه ولمس تغير حاله ،التي استطاع فيها التقريب بين الكثير من العالقات المتباعدة بفضل خياله
الجامح ،وأن يكشف عن العالقات الكامنة التي تتجاوز إحساسه.
ومساء
َ صباحا
ً والمصلِّين هذه الكعب ُة َّ
كنا طائفيها
كيف باللّه رجعنا غرباء؟! الحسن فيها!
َ كم سجدنا وعبدنا
الجديد
ْ في جمود مثلما تلقى وحبي لقيتنا
دار أحالمي ِّ
ُ
بعيد
النور إلينا من ْ
ُ يضحك كانت إن أرتْنا
وهي ْأنكرتْنا ْ
قلب اتَّ ْ
ئد وأنا أهتف :يا ُ كالذبيح
ْ القلب بجنبي
ُ ف
رف َْر َ
لِ َم ُعدنا؟ ليت َّأنا لم نعد! الجريح
ْ فيجيب الدمعُ والماضي
ألم
وفرغنا من حنين و ْ لِ َم ُعدنا؟ أ ََو لم ِ
نطو الغر ْام
وانتهينا لفراغ كالعدم؟! وسالم
ْ ورضينا بسكون
مساء
ْ اآلخر مع ًنى لل
ُ ال يرى األليف
ْ الوكر إذا طار
ُ أيها
الصحراء
نائحات كرياح َّ كالخريف
ْ فر
ص ًا
ويرى األيام ُ
أنت؟!
أ ََو هذا الطل ُل العابس َ الدهر بنا! ِ
آه مما صنع
ُ
شد ما بتْنا على الضنك َّ
وبت! َّ والخيال المطرق الرأس أن
نرى أن قصائد الشعر الحديث اتسمت وعليه تعتبر الصورة الفنية الملمح الرئيس للحداثة ،حيث
باستخدامها صو ار فنية ممتده في فضاء الطبيعة ،التي تحاكي أحاسيس متعددة متصلة بمواقف الحياة.
101
الخــــــــــــــــــــــــاتمــــــــــــــــة
102
الخاتمة:
وهكذا وعبر سلسلة المحاضرات المقررة في البرنامج الدراسي لطلبة السنة األولى ماستر ،تخصص
أدب حديث ومعاصر ،والتي وقفنا فيها على :
• تقديم صورة لتاريخ ومسار الشعر العربي الحديث ومراحل تطوره
اكتشاف هوية القصيدة العربية من خالل المدارس الفنية ( الكالسيكية ،الرومانسية، •
الرمزية)..
• دور رواد المدارس الفنية في تعزيز هذه المذاهب و اتجاهاتها الشعرية العربية و أثرها في
تطور الشعر
وكل ذلك في إطار تعريف الطالب بطبيعة الحركة الشعرية العربية ،من خالل تقديم قراءة لنماذج
شعرية ممثلة لصورة وطبيعة الشعر العربي الحديث.
.
103
المصادر والمراجع
104
المصادر والمراجع:
* ابن فارس .معجم المقاييس في اللغة .مادة "تبع" ،تح .شهاب الدين أبو عمرو .دار الفكر للطباعة
والنشر .بيروت لبنان .دط،د.ت
*ابن منظور :لسان العرب ،دار المعارف ،القاهرة ،مصر ،طَ 1د ،مادة حدث،
* إحسان عباس ،اتجاهات الشعر العربي المعاصر ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،
الكويت،ط1،1978/
*أحمد شوقى ،ديوان الشوقيات ،مؤسسة هنداوي،د.ط،د.ت
*أدونيس ،مقدمة للشعر العربي ،دار العودة ،ط ، 04بيروت ،لبنان . 1983،
* إلياس أبو شبكة :روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة ،دار المكشوف ،بيروت،د.ط،د.ت
*إلياس فرحات ،أحالم الراعي ،سان باولو مطبعة مجلة الشرق،د.ط1952،
*أنيس المقدسي ،االتجاهات األدبية في العالم العربي الحديث ،ج، 2:بيروت 1952 ،م
*إيليا أبو ماضي ،الديوان،دار العودة ،بيروت،د.ت،د.ط
*الجاحظ ،عمرو بن بحر :البيان والتبيين ،تحقيق :عبد السالم هـارون ،مكتبـة الخـانجي ،القاهرة1968 ،م
*جبران خليل جبران ،المجموعة الكاملة ،بيروت ،لبنان ،ط1،2005/
*جربان خليل جب ارن ،المجموعة الكاملة،دار الجيل لنشر والتوزيع والطبع ،لبنان ،،ط،1د.ت
105
*حافظ ابراهيم ،الديوان ،ضبطه وصححه وشرحه أحمد أمين ،أحمد الزين ،إبراهيم األبياري،الهيئة
المصرية العامة للكتاب،مصر ،ط3،1987/
*حمدي السكوت ،مارسدن جونز أعالم األدب المعاصر في مصر ،سلسلة بيوجرافية نقدية ببليوجرافية
(عبد الرحمن شكري) ،مركز الدراسات العربية ،ط،1980 ،1/ص14:
*خليفة محمد التليسي ،رفيق شاعر الوطن ،الدار العربية للكتاب ،د.ط،1965،
*الخليل بن أحمد الفراهيدي ،كتاب العين ،تح :مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي،دار
الرشيد،د.ط. 1662،
*ديوان محمود سامي البارودي ياشا ،ضبطه و صححه شرحه علي الجارم ،محمد شفيق معروف ،دار
العودة،بيروت،د.ط1997 ،
*رفعت زكي محمود عفيفي ،المدارس األدبية األوربية وأثرها في األدب العربي،دار الطباعة المحمدية،
القاهرة ،ط1،1992/
*زراقط ،عبد المجيد ،دراسات فی التراث األدبی ،مرکز الغدير ،بيروت1991 ،
*سامر فاضل عبد الكاظم األسدي ،مفاهيم حداثة الشعر العربي في القرن العشرين ،مؤسسة دار الصادق
الثقافية،ط2012 ،1/
*سعاد محمد جعفر ،التجديد في الشعر والنقد عند جماعة الديوان ،المدرسة بجامعة األزهر،دط،دت
*السعدي مسايل ،السند البيداغوجي لمقياس النص األدبي الحديث،جامعة محمد لمين دباغين ،جامعة
سطيف ،كلية اآلداب واللغات.
*سلمى حضراء الجيوسي ،االتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث ،مركز دراسات الوحدة
العربية ،بيروت ،ط1،2001/
*صالح ،بشرى،الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،ط،1/د.ت
صفدي مطاع ،نقد العقل الغربي ،الحداثة وما بعد الحداثة ،مركز اإلنماء القومي ،بيروت ،لبنان ،د.ط
1660،
*طه حسين تقليد وتجديد ،دار العلم للماليين ،د.ط،د.ت
*عباس محمود العقاد ،شعراء مصر و بيئاتهم ،مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة ،،ط1950 ،2 /
*عباس محمود العقاد ،أشجان الليل ،دار نهضة مصر للطباعة والنشر،د.ط،د.ت
*عباس محمود العقاد،خالصة اليومية والشذور ،دارنهضة ،مصر للطباعة والنشر والتوزيع،القاهرة1995،
106
*عباس محمود العقاد،وهج الظهيرة ،دار العودة،بيروت1982،
*عبد الرحمن شكري ،ديوان ،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ،د.ط،د.ت
*عبد العزيز الدسوقي ،جماعة أبولو وأثرھا في الشعر العربي الحديث ص، 286الهيئة العامة المصرية
للتأليف والنشر 1972م
*عبد الغفار مكاوي ،ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحديث ،ج، 1الهيئة المصرية العامة
للكتـاب1972 ،
*عبد المنعم خفاجي :قصة األدب المهجري ،دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع،ط1973،2/
*عبداهلل خضر حمد ،المدارس األدبية(دراسة وتحليل) ،دار القلم ،د.ط،دت
*العقاد،عابرسبيل ،مؤسسة هنداوي انشر المعرفة والثقافة ،د.ط ،د.ت
*علي شلق ،النثر العربي في نماذجه وتطوره لعصر النهضة والحديث ،دار القلم ،بيروت
*عمر الدسوقي ،جماعة أبولو وأثرها في الشعر الحديث ،1960،د.ط،د.ت
*فوزي المعلوف ،ديوان ،مؤسسة هنداوي لنشر المعرفة والثقافة ،د.ط،د.ت
*المازني ،ديوان ،مؤسسة هنداوي لنشر المعرفة والثقافة،د.ت،د.ط
*محمد التونجي ،المعجم المفصل في األدب ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط1999 ،2/
*محمد الكتاني ،الصراع بين القديم والجديد في األدب العربي الحديث،دار الثقافة ،المغرب1982،
* محمد صالح الشنطي،األدب العربي الحديث(مدارسه وفنونه وتطوره وقضاياه ونماذج منه)،دار األندلس
للطباعة والنشر والتوزيع ،المملكة العربية السعودية ،ط2،1996/
هدارة ،بحوث في األدب العربي الحديث،دار الثَّقافة العربيَّة للطباعة والنشر،د.ط،
محمد مصطفى َّ
* َّ
1775
*محمود سامي البارودي :الديوان ،ج ،1دار العودة ،بيروت1998 ،
*مخائيل نعيمه ،همس الجفون ،المجموعة الكاملة ،المجلد الرابع بيروت ،دار العلم للماليين ،ط،6 /
1966
*مصطفى خريف ،شوق وذوق ” ،ذكريات ومراث”و” صفحات من ديوان الحماسة .،الشركة التونسية
لفنون الرسم ،تونس1965 ،
*ميخائيل نعيمة ،همس الجفون ،مؤسسة نوفل ،بيروت ،ط2004، 6م
*ناجي ،اب ارھيم ،الديوان، ،تح :أحمد رامي ،دار المعارف ،مصر1961 ،
107
*نسيب نشاوي ،مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر( االتباعية ،الرومانسية،
الواقعية ،الرمزية ،ديوان المطبوعات الجزائرية ،الجزائر،د/ط1984 ،
* هالل ،محمد غنيمي ،دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده ،دار النهضة مصر للطبع ،القاهرة،د.ط،
د.ت
المراجع المترجمة:
*رمان بيريس ،االتجاهات األدبية الحديثة ، :ترجمة :جورج طرابيشي ،عويدات ،بيروت ،ط، 2
1998
*سوزان برنار ،قصيدة النثر ،من بودلير حتى الوقت الراهن ،ج، 1تر :رواية صادق ،دار شرقيات،
القاهرة1998 ،
*هنري بيير ،االدب الرمزي ،تر :هنري زغيب ،منشورات عويدات ،بيروت ،باريس ،ط1981، 1
108
*عزت مال إبراهيمي ،محمد سالمی ،صديقة تاج الدين،الرمز وتطوره الداللي في الشعر الفلسطيني
المقاوم،مجلة القسم العربي جامعة بنجاب ،الهور ،باكستان،ع2017 ، 24/م
*فاتن السيد ،مدرسة اإلحياء بزعامة شوقي وحافظ،البيان_الكويتية ،ع، 1 /فبراير 2008
*فايز ترجيني ،الرومانسية في األدب ،دراسات عربية ،مجلة فكرية اقتصادية اجتماعية ،ع ،8/7السنة
،24أيار ،حزيران ،مايو ،يونيو ،دار الطليعة ،بيروت1988 ،
109
*يسـ ار عبد هلل عـثمان صالح ،اإلبـداع وبنية القصيدة عند جمـاعة أبوللو ،بح ث مقـدم لنيل درجة الدكتوراه،
إشراف :عباس محجوب محمود ،جامـعـة الـنيليـ ــن كلية الدراسات العليا قسم اللغة العربية2012 ،ـ ـ
2015
المواقع:
*آمال موسى ،سوسيولوجيا الخطاب الشعري اإلحيائي ..ثالوث الذاكرة والتراث والهوية ،الفيصل ،مركز
الرابط على اإلسالمية، والدراسات للبحوث فيصل الملك
http://www.alfaisalmag.com/?p=5934
*سارة نجر ساير العتيبي ،الرمزية وتجلياتها في الشعر العربي الحديث،
https://webcache.googleusercontent.com
HTTPS://WWW.DIWANALARAB.COM *محمد الجوراني،مدرسة الديوان بين التنظير والتطبيق،
110