Sie sind auf Seite 1von 110

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫‪People's Democratic Republic of Algeria‬‬


‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬
‫‪Ministry of Higher Education and Scientific Research‬‬
‫جامعة البليدة ‪2‬‬
‫‪University of Blida 2‬‬
‫كلية ‪ :‬اآلداب واللغات‬
‫قسم ‪ :‬اللغة العربية وآدابها‬
‫الميدان‪ :‬اآلداب والّلغات‬
‫شعبة‪ :‬الدراسات األدبية‬
‫الت ّخصص‪ :‬أدب عربي حديث ومعاصر‬

‫محاضرات في الشعر العربي الحديث‬


‫المقياس‪ :‬محاضرات في الشعر العربي الحديث‬

‫الطور‪ :‬ماستر‬
‫السنة‪ :‬األولى (ل‪.‬م‪.‬د)‬
‫السداسي‪ :‬األول‬
‫من إعداد الدكتورة‪ :‬فاطمة قسول‬
‫الرتبة ‪:‬أستاذ محاضر قسم ــ أ ــ‬

‫السنة الجامعية ‪2021/2020‬‬

‫‪1‬‬
‫الفـــــــــــــــــــهرس‬

‫‪2‬‬
‫الفهرس‪02.........................................................................................:‬‬

‫المقدمة‪06.........................................................................................:‬‬

‫مدخل‪ :‬مفردات ومفاهيم ( مفهوم الحداثة‪ /‬الحداثة الشعري‪..............................‬‬

‫المحاضرة األولى‪ :‬الكالسيكية األوروبية االتباعية العربية ( الصفات العامة للندرسة االتباعية)‪11.....‬‬

‫‪ -1‬الكالسيكية األوروبية واالتباعية العربية ( اإلحيائية)‪12.......................................‬‬


‫المحاضرة الثانية‪ :‬نشأة المذهب االتباعي العربي وتطوره‪15...........................................‬‬
‫‪ -1‬المذهب االتباعي‪ :‬الخصائص والمضامين‪16.................................................‬‬
‫‪ -2‬محمود سامي البارودي وريادة اإلحياء‪17....................................................‬‬
‫‪ -3‬البارودي في عيون النقاد‪20................................................................‬‬
‫‪ -4‬من المدرسة اإلحيائية إلى المدرسة الكالسيكية الجديدة‪24....................................‬‬

‫المحاضرة الثالثة‪ :‬االتباعية العربية والكالسيكية الغربية‪27............................................‬‬

‫‪ -1‬تمهيد‪28...................................................................................‬‬
‫‪ -2‬رواد الكالسيكية‪29..........................................................................‬‬
‫‪ -3‬بين االتباعية العربية والكالسيكية‪29.........................................................‬‬

‫المحاضرة الرابعة‪ :‬التقليد األسلوبي والمعنوي ( البارودي‪ ،‬شوقي‪ ،‬حافظ)‪32...........................‬‬

‫‪ -1‬تمهيد‪33....................................................................................‬‬
‫‪ -2‬خصائص االتباعية المهنوية‪33..............................................................‬‬
‫‪ -3‬التقليد األسلوبي والمعنوي للبارودي وشوقي وحافظ ‪34......................................‬‬

‫المحاضرة الخامسة‪ :‬التقليد األسلوبي والتجديد المعنوي (معروف الرصافي‪ ،‬رفيق المهدوي‪ ،‬مصطفى خريف) ‪38‬‬

‫‪ -1‬تمهيد ‪39...................................................................................‬‬
‫‪ -2‬التقليد األسلوبي والمعنوي لمعروف الرصافي‪40................................................‬‬
‫‪ -3‬التقليد األسلوبي والمعنوي لرفيق المهداوي‪43................................................‬‬
‫‪ -4‬التقليد األسلوبي والمعنوي لمصطفى خريف ‪44..............................................‬‬

‫‪3‬‬
‫المحاضرة السادسة‪ :‬المدرسة الرومنسية في الشعر( سمات اإلبداعية) ‪45............................‬‬

‫‪ -1‬الرومانسية ( الماهية والمصطلح)‪46........................................................‬‬


‫‪ -2‬األدب الرومنسي الغربي‪46..................................................................‬‬
‫‪ -3‬القضايا الفنية للرومانسية‪48................................................................‬‬

‫ال محاضرة السابعة‪ :‬نشأة الرومنسية العربية‪49.......................................................‬‬

‫‪ -1‬تمهيد‪50....................................................................................‬‬
‫‪ -2‬مبادئ الرومانسية وتجليها في القصيدة العربية‪50...........................................‬‬

‫المحاضرة الثامنة‪ :‬دعوات التجديد ( مدرسة الديوان)‪53..............................................‬‬

‫‪ -1‬تمهيد‪54...................................................................................‬‬
‫‪ -2‬سبب التسمية‪54...........................................................................‬‬
‫‪ -3‬جماعة الديوان والثورة على الكالسيكية‪55...................................................‬‬
‫‪ -4‬أهداف مدرسة الديوان‪56...................................................................‬‬
‫‪ -5‬مواطن التجديد عند جماعة الديوان‪56.......................................................‬‬

‫المحاضرة التاسعة‪ :‬مدرسة المهجر‪65...............................................................‬‬

‫‪ -1‬تمهيد‪66...................................................................................‬‬
‫‪ -2‬خصائص الشعر المهجري على مستوى المضمون‪66........................................‬‬
‫‪ -3‬خصائص الشعر المهجري على مستوى الشكل‪67...........................................‬‬

‫المحاضرة العاشرة‪ :‬الرابطة القلمية‪70................................................................‬‬

‫‪ -1‬تمهيد‪71...................................................................................‬‬
‫‪ -2‬خصائص اإلنتاج اإلبداعي والنقدي عند الرابطة القلمية‪71...................................‬‬
‫‪ -3‬النزعة التأملية عند شعراء الرابطة القلمية‪72................................................‬‬

‫المحاضرة الحادية عشر‪ :‬جماعة أبولو‪75............................................................‬‬

‫‪ -1‬تمهيد‪76...................................................................................‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -2‬جماعة أبولو نشأتها وخصائصها الفنية‪76.................................................‬‬
‫‪ -3‬عوامل ظهور جماعة أبولو وأهدافها‪77.....................................................‬‬
‫‪ -4‬مبادئ جماعة أبولو‪77.....................................................................‬‬
‫‪ -5‬الخصائص الفنية لجماعة أبولو‪78..........................................................‬‬
‫‪ -6‬خصائص القصيدة الفنية عند جماعة أبولو‪78..............................................‬‬

‫المحاضرة الثانية عشر‪:‬المدرسة الرمزية العربية ( خصائصها العامة‪ ،‬تاريخها‪ ،‬مظاهرها)‪81..........‬‬

‫‪ -1‬تمهيد‪82...................................................................................‬‬
‫‪ -2‬الرمزية العربية وأسباب التأثر الغربي‪83.....................................................‬‬
‫‪ -3‬ظهور الرمزية في الشعر العربي‪83.........................................................‬‬

‫المحاضرة الثالثة عشر‪ :‬شعراء الرمزية العربية وأبرز أعالمها‪87.....................................‬‬

‫‪ -1‬تمهيد‪88....................................................................................‬‬
‫‪ -2‬رواد المدرسة الرمزية‪88.....................................................................‬‬

‫المحاضرة الرابعة عشر‪ :‬الصورة الفنية في القصيدة العربية الحديثة‪92................................‬‬

‫‪ -1‬تمهيد‪93....................................................................................‬‬
‫‪ -2‬مفهوم الصورة الفنية‪93.....................................................................‬‬
‫‪ -3‬توظيف الصورة الفنية عند الشعراء في العصر الحديث‪94....................................‬‬

‫الخاتمة‪95......................................................................................... :‬‬

‫المصادر والمراجع‪..............................................................................:‬‬

‫‪5‬‬
‫المـقـدمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫‪6‬‬
‫إن أهم حداثة شهدها الفكر العربي حداثة القرآن واإلسالم‪ ،‬اللذين كان لهما دور كبير في شحذ نشاط‬
‫الخيال العربي‪ ،‬كما جال الفكر في أفاق روحية لم يعرفها من قبل‪ ،‬كما تغيرت البنى االجتماعية والسياسية‬
‫واالقتصادية والفكرية‪ ،‬لتتغير المفاهيم وتتغير معها لغة التعبير التي استجاب لها الشعر‪ ،‬وبمجيء العصر‬
‫العباسي الذي شهد فيه العرب أكبر حداثة على مستوى الصيغ والمضامين التي يتطلبها االنفتاح الجديد‬
‫على الثقافات‪ ،‬وهكذا تعد تجربة الحداثة العربية أقدم زمنيا فهي ترجع إلى إسهامات شعراء عرب (قدماء)‬
‫اتخذوا منحا التجاه شعري عربي جديد تأسيسي ممثل في تجارب الشعراء (بشار بن برد) و(ابن هرمة)‬
‫و(العتابي) وأبـى (نـواس ) و(مسلم بن الوليد) و(ابن المعتز) و(الشريف الرضى) وآخرين ‪ ،‬وامتدت بعدها‬
‫إلـى جماعـة (الـديوان ) و(أبولـو ) و(المهجر)‪ ،‬فكان شعر أبي تمام على األخص‪ ،‬الثورة األكثر جذرية‬
‫على صعيد اللغة الشعرية بالمعنى الجمالي الخاص ‪.‬‬

‫فالحداثة الشعرية عند أبي تمام اتخذت بعدا آخر‪ ،‬هو ما يمكن أن نسميه بعد الخلق ال على مثال لقد‬
‫اشتركا في رفـض تقليد القديم لكن كال منهما سلك في إبداعه مسلكا خاصا‪.‬‬

‫فعلى الرغم من أن النقد العربي القديم قد استخدم مصطلح الشعر المحدث والشاعر المحدث‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل المعركة النقدية بين ألبي تمام وخصومه‪ ،‬وبين كل شاعر محدث وآخر‪ ،‬إال أن مصطلح‬
‫الحداثة في الحركة األدبية تزامن مع جملة نابليون بونابرت على مصر‪1798‬م‪ ،‬فلقد كانت بداية حداثة‬
‫النهضة العربية‪ ،‬ومنهم كم يرى أن مطلع القرن العشرين هو البداية الحقيقية لحركة الحداثة‪ ،‬وبالضبط منذ‬
‫كتابة الدستور العثماني ‪ ، 1908‬وفي ظل التحوالت الحضارية النهضوية‪ ،‬وتغير الشعر على مستوى‬
‫الشكل والمضمون‪ ،‬الذي لم يتأت إال في ظل بعث القديم واحيائه من جديد دون محاكاته وتقليده‪ ،‬وعليه‬
‫وفي " ظل هذا المفهوم حاول عدد من شعراء النهضة أن يحيوا الماضي من أجل الحاضر والمستقبل‪،‬‬
‫وأن يتصلوا بحداثة العالم الغربي الوافدة على الوطن العربي منذ أوائل القرن التاسع عشر‪ ،‬وكان الثلث‬
‫األخير من القرن التاسع عشر البداية الحقيقية لحداثة النهضة‪ ،‬فكان البارودي الذي وصفه بعض‬
‫الباحثين بأنه رائد الشعر العربي الحديث‪ ،‬ومن جاء بعده من الشعراء العرب مثل‪ :‬أحمد شوقي‪،‬وحافظ‬
‫إبراهيم‪ ،‬ومطران والرصافي والزهاوي‪ ،‬والقائمة طويلة ممن شهدوا التحول الذي مس الحياة العربية‪.‬‬

‫ومن هنا يسعى مقياس الشعر العربي الحديث عبر محاضراته المرتبة بحسب المادة المقرر‪ ،‬والموجه‬
‫لطلبة السنة األولى ماستر‪ ،‬تسليط الضوء على الحداثة الشعرية العربية وأهم مدارسها الفنية وخصائص‬
‫الشعر الحديث ومراحل تطوره‪ ،‬فاألدب العربي مر بمراحل مختلفة في رحلته الطويلة بداية بالعصر‬
‫الجاهلي واالسالمي واألموي و العباسي ‪...‬وصوال إلى العصر الحديث‪ ،‬الذي شهدنا فيه العديد من‬

‫‪7‬‬
‫التغييرات على مستوى الشكل والمضمون التي كانت تجري في كنف العديد من المدارس األدبية ممثلة‬
‫في‪:‬‬

‫*مدرسة المحافظين‬

‫*مدرسة الديوان‬

‫*مدرسة المهجر‬

‫*مدرسة الشعر الحر‬

‫حيث كان لهذه المدارس دور كبير في تحديث األدب العربي وتجديده على أساس بناء األدب الغربي‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬الشعر‪ ،‬العربي‪ ،‬الحديث‪ ،‬مدارسه ‪ ،‬خصائصه‬

‫‪8‬‬
‫مدخل‪:‬‬
‫مفردات ومفاهيم ( مفهوم الحداثة‪ /‬الحداثة‬
‫الشعرية)‬

‫‪9‬‬
‫مفردات ومفاهيم ( مفهوم الحداثة‪ /‬الحداثة الشعرية)‬
‫*تمهيد‪:‬‬
‫يعد مصطلح الحداثة ‪ modernité‬من أكثر المصطلحات انتشا ار واثارة للجدل‪ ،‬لتدخل اإليديولوجيات‬
‫فيه ‪ ،‬وعن ظهوره وحضوره في الوطن العربي و الغربي بشكل عام‪ ،‬فإن ذلك يرجع إلى التحوالت الكبيرة‬
‫التي ظهرت في شـتى مناحي الحياة سياسيا و ثقافيا و اقتصاديا واجتماعيا ‪ ،‬فالحداثة ليست حك ار على‬
‫ميدان واحد من الميادين المعرفية‪ ،‬وانما كان لها حضور أيضا في ميادين مختلفة من فكر وعلوم إنسانية‬
‫وعلوم تطبيقية‪ ،‬وفنون وأدب‪ ،‬وسياسة واقتصاد‪ ،‬و فكر وأخالق ‪،...‬فشغلت الباحثين والنقاد واحتلت‬
‫مساحة واسعة في عالمهم‪ ،‬فهي من أكثر المصطلحات عرضة للتقصي والبحث والدراسة‪.‬‬
‫‪/1‬الحداثة في المعنى اللغوي‪:‬‬

‫يتحدد معنى الحداثة لغة في قولهم‪ :‬حدث الشيء يحدث حدثا وحداثة فهو محدث وحديث‪ ،‬وكذلك‬
‫استحدثه‪ ،‬فالحديث ايجاد شيء لم يكن وابتدعه‪ ،‬والحديث والحدوث نقيض القديم والقدمة‪ ،1‬وكون الشيء‬
‫لم يكن‪ ،‬وما ابتدع‪ ،‬والمحدث هو األمر المبتدع‪ ،‬واستحدثت خب ار أي وجدت خب ار جديدا‪ ،‬والحديث الجديد‬
‫من األشياء‪ ،‬والحدث هو الشباب‪ ،‬أو األمر المنكر الذي ليس معتادا وال معروفا‪ ،‬العالم محدث أي له‬
‫صانع وليس بأزلي‪ ،‬فالحداثة هي الجدة‪ ،‬وأول األمر وابتداؤه‪.2‬‬

‫هذه بعض الدالالت المعجمية لكلمة حداثة التي وردت في المعاجم العربية القديمة‪ ،‬والتي لم تخرج من‬
‫معانيها السابقة المعاجم العربية الحديثة في العصر الحديث ‪ ،‬فالحداثة كما هو موضح نقيض القدم‪،‬‬
‫وتعني الحدة والحداثة أول األمر وابتداؤه‪ ،‬والحديث الجديد من األشياء‪.‬‬

‫أما في اللغة الفرنسية فكلمة حداثة ‪ modernité‬فمشتقة من الجذر ‪ mode‬بمعنى الصفة والشكل‪ ،‬أو‬
‫هو ما يبتدئ به الشيء‪ ،3‬الصفة حديث ‪ moderne‬أقدم تاريخيا من اللفظ الحداثة ‪ modernité‬إذ تقابل‬
‫كلمة حديث في اللغة الالتينية ‪ modernus‬والتي ظهرت في أواخر القرن الخامس عشر في نفس القرن‬
‫الذي‪" ،‬فلفظ حديث على كل ما هو ينتمي إلى الزمن الحاضر‪ ،‬وقد استعملت بهدف التمييز بين الماضي‬

‫‪ :1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طَ‪، 1‬د‪.‬ت‪،‬مادة حدث‪ ،‬ص‪134/130:‬‬
‫‪ : 2‬الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬كتاب العين‪ ،‬تح‪ :‬مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي‪،‬دار الرشيد‪،‬د‪.‬ط‪ ،1662،‬ص‪.111‬‬
‫‪ : 3‬ينظر‪ :‬صفدي مطاع‪ ،‬نقد العقل الغربي‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‬
‫‪،1660،‬ص ‪223‬‬

‫‪10‬‬
‫الروماني الوثني‪ ،‬والحاضر المسيحي الذي لم يكن قد مضى زمن طويل على االعتراف به رسميا ‪ ،‬وقد‬
‫ازداد استعمال لفظ حديث في ما بعد للداللة على االنفتاح والحرية الفكرية‪،‬أو بمعنى عامي للداللة على‬
‫الخفية والتغيير ألجل التغيير وقد استعملت في اللغة االنجليزية ‪ ،modernity‬والتي كانت في بادئ األمر‬
‫لتناقض القديم أو تنظر إليه على أنه تجاوزه الزمن‪ ،‬ومنها اشتقت كلمة ‪mode‬التي تعني اآلن أو مؤخ ار‬
‫أي حديثا ومنذ عهد قريب‪.‬‬
‫‪/2‬الحداثة في المعنى االصطالحي‪:‬‬
‫إن مصطلح الحداثة على الرغم من كونه "مصطلح متجانس من حيث السؤال ما الحداثة؟‪ ،‬فإنه‬
‫ينطوي على قدر كبير من الالجدة‪ ،‬والتناقض‪ ،‬والنسبية على المستويين السوسيولوجي‪ ،‬واإلبداع‪ ،‬والحداثة‬
‫جدة في اإلبداع‪ ،‬وتحرر من المجاكاة والتقليد‪ ،‬وذلك بإنجاز عمل لم يؤت بمثله من قبل‪ ،‬ولم يسبق إليه‬
‫مبدعه على صعيد الشكل والمضمون"‪ ،1‬فهو من أكثر المصطلحات إشكاال وغموضا‪ ،‬متقلب ومراوغ‪،‬‬
‫عسير التحديد‪ ،‬ولقد اقترن بمصطلحات عديدة‪:‬‬

‫*الحداثانية ‪ :modernism‬يختلف مصطلح الحداثة عن المودرنزم‪" ،‬إذ تمتلك الحداثة داللة محددة‬
‫على ما هو جوهري وشامل في نزعة الحداثة دون تقيد باشتراطات مذهبية‪ ،‬أو ظالل قيمية ومفهومية‪،‬‬
‫ومنها تلك الخاصة بتحديد موقف أونطولوجي معين بإزاء الحياة أو اإلنسان‪ ،‬أما مصطلح المودرنزم فهو‬
‫على الرغم من أنه ينتمي إلى الجذر اللغوي نفسه للمصطلح األول‪ ،‬غير أنه قد تمذهب بعد إضافة ‪،ism‬‬
‫إليه فأصبح يدل على حركة معينة داخل األدب الغربي‪ ،‬مشروطة بوضع تاريخي معين‪ ،‬والمودرنزم هي‬
‫بحقيقتها حركة لم تستغرق وقتا طويال في إسبانيا‪ ،‬لكن كان لها دور فعال في ربط الشعر في إسبانيا‬
‫وأمريكا الالتينية بالشعر في أروبا‪ ،‬وقد ظهرت هذه الحركة في العقد األخير من القرن التاسع عشر لم تدم‬
‫طويال"‪. 2‬‬
‫*األصالة‪ :‬شغلت قضية األصالة والحداثة كثي اًر من النقاد والباحثين‪" ،‬فاألصالة ليست ذات داللة زمنية‬
‫حتمية‪ ،‬ألن العمل األصيل هو اإلنتاج الجديد الذي يحدث في مجرى التأريخ‪ ،‬ضريا من اإلنفضال وكأنما‬

‫‪:1‬سامر فاضل عبد الكاظم األسدي‪ ،‬مفاهيم حداثة الشعر العربي في القرن العشرين‪ ،‬مؤسسة دار الصادق الثقافية‪،‬ط‪،1/‬‬
‫‪ ،2012‬ص‪.11:‬‬
‫‪ :2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪11‬‬
‫هو حقيقة فريدة تند عن كل تفسير‪ ،‬وتفلت من طائلة كل مقارنة"‪ ،1‬فاألصالة هي اإلنتاج الصادق‪ ،‬وهي‬
‫ضد التقليد وهي الديمومة واالستمرار‪.‬‬
‫*المعاصرة‪ :‬الحداثة بخالف المعاصرة‪ Contemporaine‬التي تعني اآلنية‪ ،‬كما أن معناها يتضح‬
‫بنقيضها القدم‪ ،‬وهي تمثل بذلك الحركة التقدمية في مركب الديمومة الذي يكون األصالة‪ ،‬فهده االخيرة‬
‫تقترب منها في كونها تعني تمثيل القيم السائدة في العصر الحديث والصدور عنها‪ " ،‬وخير تحديد‬
‫للمعاصرة هو البدء من الحاضر‪ ،‬ولما كانت المعاصرة تمثيل للقيم المألوفة في العصر الحديث‪ ،‬فإن‬
‫بعض الباحثين قرنها ببدايات القرن العشرين‪ ،‬متجاوزين بذلك كل التواريخ التي تحدد بداية المعاصرة‪،‬‬
‫عادين أن التحديدات السالفة تقوم على مجرد الربط المادي بين المعاصرة وبين واحد من األحداث‬
‫التاريخية بال مسوغ حاسم ومقبول‪ ،‬ومن هنا اقترنت بالتزامن "‪.2‬‬
‫الجد ة‪ :‬يقول أدونيس" فالجديد معنيان‪:‬زمني وهو ‪ ،‬في ذلك آخر ما استجد ‪ ،‬وفني أي ليس فيما أتى‬
‫* ّ‬
‫قبله ما يماثله‪ ،‬أما الحديث فذو داللة زمنية ‪ ،‬ويعني كل ما لم يصبح عتيقاً‪،‬كل جديد ذا المعنى‬
‫حديث‪،‬لكن ليس كل حديث جديداً" ‪ ،3‬فالجديد يتضمن معيا ار فنيا ال يتضمنه الحديث بالضرورة‪ ،‬وهكذا قد‬
‫تكون الجدة في القديم كما تكون في المعاصرة‪ ،‬كما أن الحداثة ال تولد إال من خالل التراكم المعرفي‪،‬‬
‫وتنطلق من مرحلة إلى أخرى‪ ،‬بمعنى أن الحداثة هنا تعبر عن حركة فكرية شاملة لها خصائصها‬
‫ومميزاتها‪.4‬‬

‫‪/3‬الحداثة الشعرية في التجربة الغربية‪:‬‬


‫ترجع جذور الحداثة الغربية إلى الفكر الحداثي اليوناني‪ ،‬ومن أهم افكارها امتدادا في الحياة األروبية‬
‫األسطورة‪ ،‬وأن يجعل الفكر اليوناني أول حداثة عالمية‪ ،‬ألنها حققت أهم صفات الحداثة ‪ ،‬باعتبارها‬
‫فعل تعييري وشمولي‪ ،‬حيث ظل وطيدا لكل انطالقة فكرية‪ ،‬ألن معظم المذاهب الفكرية كانت تسعى إلى‬
‫تأصيل ذاتها بالعودة إلى العصر المحوري (اليوناني) الذي يمثل أول حدقة شملت مختلف المجاالت‬

‫‪ :1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13‬‬


‫‪ :2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ :3‬أدونيس‪ ،‬مقدمة للشعر العربي ‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت ‪،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ، 4،1983/‬ص‪.99 :‬‬
‫‪ :4‬ينظر‪:‬سامر فاضل عبد الكاظم األسدي‪ ،‬مفاهيم حداثة الشعر العربي في القرن العشرين‪ ،‬ص‪16:‬‬

‫‪12‬‬
‫العقلية والنظرية واإلنسانية‪ ،‬وعن شمولية فعلها‪ ،‬لكونها تعوض في الظاهرة حتى أعماقها‪ ،‬كما أنها تتميز‬
‫بمواجهتها للذات ومقابلتها ومجادلتها ومحاورتها‪.1‬‬

‫وظلت معالم التدرج التاريخي لظهور وانبثاق الحداثة ترسم طريقها‪ ،‬لتظهر معالمها بشكلها الحضاري‬
‫في "القرن الرابع عشر‪ ،‬مع اكتشاف أمريكا‪ ،‬واختراع الطباعة‪ ،‬واكتشافات غاليله التي افتتحت اإلنسانية‬
‫الحديثة لعصر النهضة "‪ ،2‬وانطالق حركة اإلصالح الديني البروتستينية‪ ،‬كما برزت الثقافة العقالنية‬
‫والعادات العلمية في التفكير والعمل‪.‬‬
‫وعن الحداثة الشعرية يعتبر كل من‪( :‬بودلير) و(مالرمية ‪ (Mallarmé Stéphane‬و(رامبو‬
‫(‪rambo‬من أهم ممثلـيها‪ ،‬حيث استطاعوا رسم معالمها بدقة متناهية‪،‬ويعد (بودلير) األب الروحي للحداثة‬
‫في الغـرب‪ ،‬فتمـرد على واقع المر الذي طغت عليه الرأس المالية‪ ،‬وحارب األعراف االجتماعية وتخلص‬
‫منها‪ ،‬وجسد الخطيئة في الكنيسة‪ ،‬وتحرير الشاعر من تبعيتها‪ ،‬والدعوة إلى الحرية في التفكير وكل ذلك‬
‫جسده عبر اللغة وتغييره لبنية القصيدة القديمة‪ ،‬ونبذ "البهرجة التقليدية‪ ،‬وتعرية قلب حديث (قلب) بكل‬
‫تفعيالته واندفاعاته وضغائنه وتعاقبـات أحـالم يقظته‪ ،‬وصفاته الساخر‪ ،‬وذلك بأن يقوم بعمل الشاعر ال‬
‫عمل رجل األخالق"‪ ،3‬فكان شعره " أبعد أث ار من شعر الرومانتيكيين‪ ،‬وأن التيارات الجديدة التي انبعثت‬
‫منه كانت أعظم قوة وأشد إثارة (‪ )...‬ال غرابة إذن في أن يكون (بودلير) هو شاعر العصر الحديث وأن‬
‫يحس هو نفسه انه جدير بهذه التسمية‪ ،‬فهو الذي استخدم الكلمة أول مـرة فـي ‪16‬سنة ‪ 1859‬واعتذر‬
‫عن غرابتها وحدتها"‪.4‬‬

‫(رامبو) هو اآلخر حمل لواء التمرد ودعا إلى هجر أشكال الشعر القديمة‪ ،‬كما ثار على التراث المسيحي‬
‫وهاجمه هجوما عنيفا ‪ ،‬وحلل النفس المسيحية تحليال سيكولوجيا يكشـف عـن محنتهـا وشقائها‪ ،‬وان موقف‬
‫(رامبو) من الحداثة شبيه بموقف (بودلير) "فكالهما يكره الحداثة إذا كانت تدل على التقدم أو التطـور‬

‫‪ :1‬ينظر‪:‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪19/18/17:‬‬


‫‪ :2‬أنيسة األمين‪ ،‬قضايا وشهادات(الحداثة( ‪،‬مؤسسة عبيال للدراسات والنشر‪ ،‬قبرص‪ ،‬ع‪،2/‬صيف ‪ ،1990‬ص‪-100 :‬‬
‫‪101‬‬
‫‪ :3‬سوزان برنار‪ ،‬قصيدة النثر من بودلير حتى الوقت الراهن‪ ،‬ج‪، 1‬تر‪ :‬رواية صادق‪ ،‬دار شرقيات‪ ،‬القاهرة‪،‬د‪.‬ط‪1998،‬‬
‫‪،‬ص‪.155:‬‬
‫‪ :4‬عبد الغفار مكاوي‪ ،‬ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحديث‪ ،‬ج‪، 1‬الهيئة المصرية العامة للكتـاب‪،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫‪ ،1972‬ص‪62:‬‬

‫‪13‬‬
‫العلميين وكالهما يتشبث بها بقدر ما تعطيه من تجارب جديدة‪ ،‬تدفعه بخشونتها وسوادها على أن ينشـئ‬
‫‪1‬‬
‫فيهـا قصـائد خشنة سوداء‪".‬‬

‫فالحداثة كحركة سعت بكل حيثياتها إلى ظهور أعمال كثيرة في األدب والفنون‪ ،‬وكانـت ثـورة على‬
‫األشكال والمضامين السابقة في نظرتها إلى الحياة والعالم‪ ،‬إلى أنها لم تسلم من االنتقاد ومحاولة طمسها‪،‬‬
‫فقد عمدت الكنيسة الكاثوليكية عام ‪ 1907‬إلى ذلك معتبرة إياها بدعة تقتضي الخالص منها بأي شكل‬
‫كان‪ ،‬وأنها فن منحط‪ .‬كما اعتبر شعر الحداثة بأنه شعر يخرج من "نطاق األناشيد ويرمي به في حضن‬
‫الحداثة ويجعـل مـن الشـاعر ورشة متنقلة‪ ،‬إذ عليه أن ينفتح ويملك كل المعارف"‪.2‬‬

‫‪ :1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪122:‬‬


‫‪ :2‬هنري بيير‪ ،‬األدب الرمزي‪ ،‬تر‪ :‬هنري زغيب‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،‬باريس‪ ،‬ط‪، 1981، 1/‬ص‪.28 :‬‬

‫‪14‬‬
‫المحاضرة األولى‪:‬‬
‫الكالسيكية األوربية واالتباعية العربية‬
‫الصفات العامة للمدرسة االتباعية‬
‫العربية‬

‫‪15‬‬
‫‪ /1‬الكالسيكية األوروبية واالتباعية العربية (اإلحيائية)‪.‬‬

‫يذكر مصطلح الكالسيكية كمصطلح رديف لإلحيائية عند الغرب" فالكالسيكية ‪ classicism‬لغة‬
‫مشتقة من اللفظة ‪ classis‬الالتينية التي تعني وحدة األسطول‪ ،‬ثم تطور مفهومها إلى معنى مجموع‬
‫الطالب‪ ،‬ثم غدت تؤدي معنى المكان الذي يجمعهم ‪ ،class‬والكالسيكية أقدم المذاهب األدبية‪ ،‬والسابقة‬
‫في نشأتها‪ ،‬ويرجع ظهورها إلى القرن الخامس عشر‪ ،‬إثر حركة اإلحياء األدبي والعلمي‪ ،‬التي عرفت في‬
‫إيطالية‪ ،‬بعد هرب العلماء من القسطنطينية عندما دخلها العثمانيون‪.‬‬
‫وتدل اليوم لفظة كالسيك داللة عامة‪ ،‬موسيقى كالسيكية‪ ،‬رقصة كالسيكية‪ ،‬فرش كالسيكي‪ ،..‬بمعنى‬
‫أنه هادئ ورزين ويدل على عقل وفكر مهذبين مستوحيين من القديم‪ ،‬أما في نطاق األدب‪ ،‬فتعني األدب‬
‫الذي ظهر في القرن السابع عشر‪ ،‬وال سيما في فرنسا"‪ ،1‬فمهد الكالسيكية كان في ايطاليا‪ ،‬ثم انتقلت‬
‫لتكبر وتترعرع في فرنسا التي تلقاها أدباؤها ونقادها بروح الهمة والنشاط‪ ،‬وبذلوا جهدا كبي ار تحقق به‬
‫نضجها‪ ،‬وأخذت الكتب تطرح أصولها و أسسها ومبادئها‪ ،‬ولم ينتج الكتاب أدبا حسب قواعدها إال في‬
‫اللغة الفرنسية‪ ،‬وقد ألف (بوالو) في فرنسا كتاب (فن الشعر)‪1674‬م‪ ،‬وكان خير من قعد للكالسيكية‪،‬‬
‫ومثل في شروحه روح العصر واتجاهاته على حسب مبادئها‪.2‬‬
‫والمذهب الكالسيكي يطلق عليه أيضا المذهب االتباعي‪ ،‬والداللة اللغوية للجذر االشتقاقي "تبع" لغة؛‬
‫تعني " التلو والقفو‪ .‬يقال‪ :‬تبِعت فالنا‪ ،‬إذا تلوته‪ ،‬واتبعته وأتْبعته‪ ،‬إذا لح ْقته"‪ ،3‬والمدرسة االتباعية العربية‬
‫كأول مدرسة أدبية في عصر النهضة والتي ظهرت في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين‪ ،‬حملت‬
‫على تقفي خطى القدماء من العرب‪ ،‬فخطابها الشعري تغلب عليه ظاهرة محاكاة الشعر العربي القديم‪ ،‬و‬
‫اتباعها لطرق القدامى في اإلبداع‪ ،‬ومنهم من أطلق عليها اإلحيائية‪ ،‬نسبة إلحيائها ل َسنن القصيدة العربية‬
‫القديمة في إنتاجها الشعري‪ ،‬وقد يسميها البعض بالمدرسة المحافظة‪ ،‬حيث المحافظة على التراث أو‬
‫تقليده‪ ،‬ومدرسة النهضة ومنهم من ربطها بالمصطلح الغربي الكالسيكية‪.‬‬

‫‪ : 1‬علي شلق ‪ ،‬النثر العربي في نماذجه وتطوره لعصر النهضة والحديث‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪،‬د‪.‬ط‪ ،1974 ،‬ص‪.46:‬‬
‫‪:2‬ينظر‪،‬رفعت زكي محمود عفيفي‪ ،‬المدارس األدبية األوربية وأثرها في األدب العربي‪،‬دار الطباعة المحمدية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪،1،1992/‬ص‪.17:‬‬
‫‪:3‬ابن فارس‪ ،‬معجم المقاييس في اللغة‪ ،‬ت‪:‬شهاب الدين أبو عمرو‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ .‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫مادة "تبع"‪ ،‬ص‪.177‬‬

‫‪16‬‬
‫إن الشعر العربي قبل عصر النهضة كان أشبه بالجسد الهامد‪ ،‬ال حياة فيه ‪ ،‬بعيدا عن الحياة‬
‫والمجتمع ‪ ،‬مستسلما إلى حالة من الجمود حتى تردى في أغالل الضعف واالنحطاط والتخلف ‪ ،‬و بعد‬
‫فترة سبات طويلة دامت خمسة قرون تحت نير العصر العثماني‪ ،‬وهبوب ريح الثقافة الغربية على بالد‬
‫العرب في العصر الحديث ‪ ،‬وظهور المدارس الشعرية العربية المتعددة عادت روحه إليه وتخلص من‬
‫ركوده‪ ،‬وأول هذه المدارس االتباعية العربية التي ساهمت إلى جانب المدارس األخرى في ظهور النهضة‬
‫األدبية التي كان انطالقتها من مصر ولبنان‪ ،‬كونهما "كانتا أسبق بالد العرب إلى مشارف التوعية‬
‫نظر إلى موقعها على شاطئ البحر المتوسط ملتقى حضارات الشرق والغرب‪ ،‬ولما‬
‫وأغزرها عطاء أدبيًّا ًا‬
‫لهما من مكانة علمية وينابيع للمعرفة‪ ،‬يقبل عليها العطاش من مختلف بالد العالم"‪ ،1‬فالحملة الفرنسية‬
‫على مصر ساهمت في اتصال واحتكاك الشرق بأوروبا وظهور النهضة المادية بدخول المطبعة إليها‬
‫وحدوث النهضة الثقافية‪ ،‬والتي ساعدت على نشر التراث ومواجهة الصدمة الحضارية ومظاهر االستالب‬
‫الثقافي التي عبرت عنها البعثات التبشيرية‪ ،‬فالمطبعة شكلت قاطرة النهضة الثقافية واألدبية على امتداد‬
‫القرن التاسع عشر في البالد العربية‪ ،‬وذلك لكونها مثلت األداة المادية لتأمين حركة نشر واسعة‪ ،‬شملت‬
‫ونثر ‪" ،‬ما فعله نابليون في هذه الحملة اختلف كثي ار عما فعله‬
‫ونقدا ًا‬
‫وشعر ً‬
‫ًا‬ ‫فكر‬
‫بالخصوص التراث العربي ًا‬
‫عدد كبير من القادة العسكريين في الحروب والغزوات السابقة إذ لم يأت نابليون إلى مصر بجنوده‬
‫ومقاتليه فقط بل ألحق بجيشه نخبة من العلماء المتخصصين من شتى المجاالت العلمية"‪.2‬‬
‫ما حدث لألدب العربي من صحوة في عصر النهضة‪ ،‬حدث سابقا ألوروبا في القرنين الرابع عشر‬
‫والخامس عشر‪ "،‬حين أخذت ستائر العصور الوسطى تنحسر من عقلية الغرب المتحجر‪ ،‬وتبعث النور‬
‫في رداه‪ ،‬أصحاب المذاهب عمدوا إلى تقليد المذاهب اإلغريقية والالتينية‪ ،‬فظهر إثر ذلك المذهب‬
‫االتباعي ( الكالسيكية)‪ ،‬وبرز أدباء يدرسون اللغتين العريقتين ( اإلغريقية والالتينية)‪ ،‬ليفسحوا لطالب‬
‫العلم واآلداب المجال لنهل اآلداب القديمة‪ ،‬وكذا األمر جرى في صقلية في عهد ملكها فريدريك الثاني‬
‫عام ‪1250‬م"‪ ،3‬فالغرب عمدوا إلى بعث واحياء التراث اليوناني القديم‪ ،‬من فلسفة وأجناس أدبية كالملحمة‬

‫‪ :1‬محمد التونجي‪ ،‬المعجم المفصل في األدب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1999 ،2/‬ص‪725:‬‬
‫دخول الصحافة إلى الدول العربية وتأثيرها على المجتمع‬ ‫‪ :2‬رمحة بنت أمحد احالج عثمان‪ ،‬عمار شحادة‪،‬‬
‫العربي‪ ،‬ع‪،5،2018/‬ص‪132:‬‬
‫‪ :3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪40:‬‬

‫‪17‬‬
‫والدراما‪،‬ففكرة التأسيس لحضارة أروبية قوية كان عمادها وركيزتها جهود القدماء قصد استشراف مستقبل‬
‫بني على أساس متين‪.‬‬
‫وهكذا كان العود للماضي وجهود القدماء لزاما لكل من الثقافة الغربية والعربية‪ ،‬وقراءة تراثهم‬
‫استشرافا لمستقبل مشرق ومتميز‪ ،‬فالكالسيكية في الغرب كان لها فضالن" إحياء النثر القديم‪ ،‬وتنشيط‬
‫األدب الجديد‪ ،‬وابعاده عن سلطة الكنيسة‪ ،‬كما أنها خدمت النقد األدبي‪ ،‬واألدب المقارن كثي ار بإحيائها‬
‫ذلك التراث‪ ،‬وابراز عوامل التأثر والتأثير‪ ،‬فاألدب الكالسيكي أدب محافظ‪ ،‬تقليدي هادئ‪ ،‬ويتصف أسلوبه‬
‫بالجودة وعباراته بالفصاحة‪ ،‬يعيدا كل البعد عن الصنعة والزخرفة‪ ،‬وعن مخالفة النحويين واللغويين‪ ،‬وهكذا‬
‫نالحظ أن فكرة الكالسيكية هي الرجعة إلى القديم الجيد‪،‬والسير على خطاه‪ ،‬وكذلك فعل العرب قديما نحو‬
‫أدبهم األقدم‪،‬وهم أخذوا في العصر الحديث المذهب الكالسيكي الغربي‪ ،‬كما أخذوا آراء أرسطو‬
‫في الترجمة" ‪.1‬‬

‫‪ :1‬محمد التونجي‪ ،‬المعجم المفصل في األدب‪،‬ص‪426:‬‬

‫‪18‬‬
‫المحاضرة الثانية‪:‬‬
‫نشأة المذهب االتباعي العربي‬
‫وتطوره‬

‫‪19‬‬
‫نشأة المذهب االتباعي العربي وتطوره‪:‬‬
‫‪ /1‬المذهب االتباعي‪ :‬الخصائص والمضامين‪:‬‬
‫يعد الشاعر المصري الفذ محمود سامي البارودي(‪ 1839‬هـ‪1904/‬م)‪ ،‬رائد مدرسة الشعر اإلحيائي‪،‬‬
‫" من حيث أنه استطاع أن يرد إلى الشعر العربي من القوة وجزالة اللفظ ورصانة األسلوب ودقة المعنى ما‬
‫كان قد بعد به العهد وطالت عليه القرون"‪ ،1‬فهذه المدرسة تسعى إلى عالقة تفاعلية مع التراث الشعري‬
‫العربي القديم‪ ،‬عالقة انتقائية لما أُنتج في عهود ازدهار الشعر العربي وأوج قوته ونهضته اإلبداعية‪ ،‬واذا‬
‫كان جميع دارسي مدرسة اإلحياء والبعث الشعرية يقرون بأن محمود سامي البارودي رائدها‪ ،‬فإننا في‬
‫الوقت نفسه نعثر على إشارات صريحة تبين أن بدايات االتجاه اإلحيائي كانت مع الشعراء علي الليثي‬
‫وعبداهلل فكري وعائشة التيمورية‪ .‬أما أبرز شعراء مدرسة النهضة الشعرية‪ ،‬فنذكر منهم أمير الشعراء أحمد‬
‫شوقي (‪1869-1932‬م) ومحمد حافظ إبراهيم (‪1932 -1872‬م) من مصر وشكيب أرسالن‬
‫(‪1946 -1869‬م) وخليل مطران (‪1949 -1872‬م) وعمر أبو ريشة (‪1990– 1910‬م) وسليم‬
‫الزركلي (‪1905-1989‬م) ومحمد البزم (‪1887-1955‬م) وعدنان مردم بك (‪1917-1989‬م) من‬
‫بالد الشام‪ ،‬ومعروف الرصافي (‪1875-1945‬م) وأحمد الصافي النجفي (‪1977- 1897‬م) وجميل‬
‫صدقي الزهاوي (‪1936- 1863‬م) من العراق‪ ،‬وأسماء أخرى ذات بصمة في شعر اإلحياء من‬
‫اليمن )‪(8‬ومحمد بن عثيمين (‪1944 -1854‬م) من السعودية ومحمد الشاذلي خزندار (‪-1881‬‬
‫‪1954‬م) ومحمد غريط (‪1949 -1880‬م) وأحمد رفيق المهدوي (‪1960-1898‬م )وأحمد علي‬
‫الشارف ( ‪1872-1959‬م) من المغرب العربي ‪.....‬‬
‫ومن أهم خصائص المدرسة االتباعية‪ ،‬أنها اعتمدت على محاكاة القصيدة العربية القديمة من حيث‬
‫أغراض الشعر العربي القديم ومضامينه‪ ،‬حيث كانوا يؤثرون شعر األمراء الفرسان‪ ،‬كما يميلون إلى شعر‬
‫الفخر والبطولة والحكمة‪ ،‬باإلضافة إلى إنتاجهم للمعارضات الشعرية‪ ،‬وهو في الحقيقة إنتاج يندرج بشكل‬
‫عميق ضمن عملية بعث القصيدة القديمة واحياء أبرز نماذج شعراء العصر العباسي‪ ،‬أي أن معارضة‬
‫الشعراء القدامى في قصائدهم المشهورة‪ ،‬باعتمادهم البحور الشعرية الخليلية المعروفة والمحافظة على‬
‫الوزن‪ ،‬فنظموا القصيدة الطويلة وترسموا بناءها على وزن واجد‪ ،‬ونظام القافية الواحدة‪ ،‬وافتتحوا قصائدهم‬
‫بالتصريع‪ ،‬كما أخذوا باألساليب البالغية القديمة وقلدوا أدباءها في بالغتهم من حيث الصور البيانية‬

‫‪ :1‬طه حسين‪ ،‬تقليد وتجديد‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.83- 80‬‬

‫‪20‬‬
‫والمحسنات البديعية ‪ ،‬ووظفوا التراكيب بقوالبها القديمة واأللفاظ بمعناها الشائع‪ ،‬ولم يربطوها بالرمزية‬
‫مؤثرين في ذلك التركيز اللفظي والعبارة المباشرة‪ ،‬محاولين إحياء المفردات القديمة‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫اعتماذهم على التضمين واالفتباس وتجلى ذلك من خالل توظيفهم العبارات الدينية والشعرية ‪،1‬ولم يكتف‬
‫اإلحيائ يون بنظم قصائد في األغراض الشعرية القديمة المغروفة بل صاغوا أغراضا جديدة سياسية‬
‫واجتماعية‪ ،‬وشحن الشعر باألفكار األخالقية وتسخيره نحو وجهة تعليمية‪.‬‬
‫‪ /2‬محمود سامي البارودي وريادة اإلحياء‪:‬‬
‫محمود سامي البارودي المصري الشركسي رائد المدرسة االتباعية في الشعر العربي الحديث التي‬
‫قامت على بعث النماذج الشعرية التفليدية القديمة ومحاكاتها‪ ،‬معب ار عن انفعاالته النفسية بصدق طاغ في‬
‫وصفه للطبيعة ورثائه وشكواه‪ ،‬فقد سار على درب األقدمين و ظهـر أثـر ذلـك التـأثر في‪:‬‬
‫مقـدمات قـصائد المعارضـة الطلية والغزلية بشكل جلي وواضح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫قـدم‬
‫وم ّ‬ ‫ـــرب ٍ‬
‫شـــأ َ‬
‫تـــال َبـــ ّز َ‬ ‫ولَ ُّ‬ ‫مــتردم‬
‫كــم غــادر الــشعراء مــن َّ‬
‫وهذا البيت اقتبسه من عنترة‪:‬‬
‫أم هــل عرفــت الــدار بعــد تــوهم‬ ‫مــتردم‬
‫شعراء مــن َّ‬
‫هــل غــاَدر الــ َ‬
‫حيث أبقى الشطر األول من معلقـة عنـترة كما هو‪ ،‬واستبدل «كم » بدالً مـن « هـل»‪ ،‬ليـنقض ما قاله‬
‫عنترة أن السابقين من الشعراء لم يترك ـوا ق ـوال لقائــل ‪ ،‬فالبارودي ويريــد أن يقــول‪ :‬كــم تــرك األول لآلخر‬
‫مغي ار في المعنى ‪.‬‬
‫وفي الغزل يقول في محبوبته‪:‬‬
‫خوف التفـرق أن أعـيش إلى غـد؟‬ ‫قالوا غدا يوم الرحيـل ‪ ،‬ومـن لهـم‬
‫َن قَِد‬ ‫ودةٌ إِ ْن لَ ْم تَ ُم ْ‬
‫ت فَ َكأ ْ‬ ‫مع ُم َ‬
‫ْ‬ ‫ب اْلهَ َوى بِ َش َغ ِافهَاَ‬
‫ه َي ُم ْه َجةٌ َذ َه َ‬

‫‪ :1‬ينظر‪:‬نسيب نشاوي‪ ،‬مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر( االتباعية‪ ،‬الرومانسية‪ ،‬الواقعية‪،‬‬
‫الرمزية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجزائرية‪ ،‬الجزائر‪،‬د‪.‬ط‪،1984 ،‬ص‪.40/39 :‬‬
‫‪ :2‬ديوان محمود سامي البارودي باشا‪ ،‬ضبطه و صححه شرحه‪ :‬علي الجارم‪ ،‬محمد شفيق معروف‪ ،‬دار العودة بيروت‬
‫‪ ،1997‬ص‪584:‬‬

‫‪21‬‬
‫ص ِد‬
‫أ َْد ُعو ُك ُم َيا قَ ْوُم َد ْع َوةَ ُم ْق َ‬ ‫الرِفي ِع َم َن ُارهُ‬‫َه َل ذا ا ْل َب ْي ِت َّ‬‫َيا أ ْ‬
‫َهتَِدي‬
‫َع ْقلِي فَ ُردُّوهُ َعلَ َّي أل ْ‬ ‫ت ا ْل َي ْوَم َب ْي َن ُب ُيوِت ُك ْم‬
‫إِ ِّني فَقَ ْد ُ‬
‫‪1‬‬
‫ترَّد إِلَ َّي َن ْف ِسي أ َْو تَِدي‬
‫َحتَّى ُ‬ ‫ض ِق َي ِان ُك ْم‬
‫يدوِني ِب َب ْع ِ‬ ‫استَ ِق ُ‬
‫أ َْو فَ ْ‬
‫وقوله أيضا وهو يقف على الطلل يتذكر أحبته‪:‬‬
‫س ِائ ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوِا ْن ه َي لَ ْم تَْر ِج ْع َب َيا َناً ل َ‬ ‫س َم ا ْل َم َن ِ‬
‫ازل‬ ‫اء َر ْ‬
‫َس َم َ‬
‫ِ‬
‫أَال َح ِّي م ْن أ ْ‬
‫وم ا ْلحو ِ‬
‫اف ِل‬ ‫علَ ْيها أ َ ِ‬ ‫َخالء تَعفَّتْها َّ ِ‬
‫يب ا ْل ُغ ُي ِ َ َ‬ ‫َهاض ُ‬ ‫َ َ‬ ‫س َوا ْلتَقَ ْت‬ ‫الرَوام ُ‬ ‫ٌ َ َ‬
‫اغلِي‬ ‫ش ِ‬ ‫س َ‬ ‫أ ََر ِاني ِب َها َما َك َ‬
‫ان ِباأل َْم ِ‬ ‫سٍم‬
‫َّار َب ْع َد تََر ُّ‬
‫ْت الد َ‬ ‫فَألْياً َع َرف ُ‬
‫ان ا ْل َع َق ِائ ِل‬
‫سِ‬ ‫َغ َن ْت و ْهي مأْو ِ ِ‬
‫ى ل ْلح َ‬ ‫َ َ ًََ‬ ‫طالَ َما‬‫اء َو َ‬‫َغ َد ْت و ْهي مرعى لِلظِّب ِ‬
‫َ َ َْ َ ً َ‬
‫ِِ ‪2‬‬
‫سائل‬ ‫الر َ‬ ‫ف أَ ْط ٍ‬
‫الل َك َو ْح ِي َّ‬ ‫َم َع ِ‬
‫ار ُ‬ ‫َهلِ َها‬
‫ال أ ْ‬ ‫َفلِ ْل َع ْي ِن ِم ْن َها َب ْع َد تَْزَي ِ‬

‫فالبارودي حاك شكل القصيدة التقليدية القديمة‪ ،‬فوقف على األطالل والدمن‪ ،‬وأتى بشعر جاهلي‬
‫الروح والمعنى‪ ،‬وال ُّ‬
‫يمت إلى عصره وعصر الحضارة بصلة‪ ،‬ممتحنا شاعريته‪ ،‬وأن في استطاعته أن‬
‫يحاكي القدماء حتى وقوفهم على األطالل والدمن‪ ،‬وكما هو مقلد في الشكل فهو مقلِّ ٌد أيضا في المعاني‪،‬‬
‫كقوله في الغزل‪:‬‬
‫وأصبحت ال يلوى بشيمتي الزجر‬ ‫طربت وعادتني المخيلة والسكر‬
‫معتقة مما يضن بها التجر‬ ‫كأني مخمور سرت بلسانه‬
‫تألأل برق أو سرت ديم غر‬ ‫صريع هوى يلوى بي الشوق كلما‬
‫على حسرات ال يقاومها صبر‬ ‫إذا مال ميزان النهار رأيتني‬
‫وما هي ّإال نظرة دونها السحر‬ ‫يقول أناس إنه السحر ضلة‬
‫ِ‬ ‫س لِي‬ ‫يب َّ‬ ‫فَ َك ْي َ ِ‬
‫ي َوالَ أ َْم ُر؟‬
‫ب َن ْه ٌ‬ ‫َوالَ ال ْم ِرىءٍ في ُ‬
‫الح ِّ‬ ‫اس أ َْم ِري‪َ ،‬ولَ ْي َ‬ ‫الن ُ‬ ‫ف َيع ُ‬
‫مر‬ ‫أللوت ِ‬ ‫مما ُيستطاعُ ِد ُ‬
‫الس ُ‬
‫البيض المباتير و ُّ‬ ‫ُ‬ ‫به‬ ‫َ‬ ‫فاعه‬ ‫كان َّ‬ ‫ولَو َ‬
‫الجمر‬
‫ُ‬ ‫رق‬ ‫ارته ِب ِ‬
‫الجمر الحتَ َ‬ ‫شر ُ‬ ‫ب الَِّذي لَ ْو تَ َعلَّقَ ْت‬ ‫َولَ ِك َّن ُه ا ْل ُح ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِم َن ا ْل ْ ِ‬ ‫َعلَى أ ََّن ِني َكاتَ ْم ُ‬
‫ص ْدر‬
‫وجد الَ َي ْق َوى َعلَى َح ْملها َ‬ ‫ص ْد ِر َ‬
‫ي ُح ْرقَةً‬ ‫ت َ‬
‫ام ُر ٌؤ أ ََّنهُ ا ْل َب ْح ُر‬
‫ش َّك ْ‬ ‫َ لَى األ َْر ِ‬
‫ض َما َ‬ ‫شئُوَنهع‬
‫ت ُ‬
‫َس ْل ُ‬
‫ت َد ْمعاً‪ ،‬لَ ْو أ َ‬‫َو َك ْف َك ْف ُ‬
‫جر‬ ‫ِ‬ ‫صبوةٌ ‪ ،‬أو َّ‬ ‫ِ‬ ‫حياء ِ‬
‫اله ُ‬ ‫فل من َغربه َ‬ ‫به َ‬ ‫يقال ترجَّحت‬
‫وكب ارً أن َ‬ ‫ً‬

‫‪.:1‬ديوان البارودي‪،‬ص‪128:‬‬
‫‪.:2‬المصدر نفسه ‪،‬ص‪463/462:‬‬

‫‪22‬‬
‫ضر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وا ِّنى ٌ‬
‫الح ُ‬‫غيرةُ و َ‬ ‫الم َ‬ ‫لسلطانه البدو ُ‬ ‫أذعنت‬ ‫ائق َ‬ ‫امرؤ لوال العو ُ‬
‫لَها في حو ِ‬
‫اشي ُك ِّل َدا ِج َيةٍ فَ ْج ُر‬ ‫ِ‬ ‫ِم َن َّ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫النفَ ِر ا ْل ُغ ِّر الَّذين ُ‬
‫س ُيوفُ ُه ْم‬
‫تفز ِ‬ ‫س ْي ِف ِه‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫استَ َّل م ْن ُه ْم َ‬‫إِ َذا ْ‬
‫‪1‬‬
‫هر‬
‫الد ُ‬
‫عت األفال ُك‪ ،‬والتفَ َت َ‬ ‫س ِّي ٌد َغ ْر َب َ‬

‫وفي النسيب ووصف المرأة أيضا يتجه نحو التوصيفات القديمة‪ ،‬وتشبيهها بالظبي في كناسه‪ ،‬والبدر في‬
‫سمائه‪ ،‬وهي مهاة‪ ،‬وقدها غصن يتثنى ‪ ...‬إلخ‬
‫غ ّنت فحركت األشجان بالوتر‬ ‫أربة العود أم قمرية السحر‬
‫يريك أن الرقى ضرب من الهذر‬ ‫حوراء للسحر في ألحاظها أثر‬
‫اس ِفي لَ ْي ٍل ِم َن َّ‬
‫الش َع ِر‬ ‫الن ِ‬ ‫َع ُي ِن َّ‬
‫أل ْ‬ ‫س ِن َما ظَ َه َر ْت‬ ‫ِ‬
‫لَ ْو لَ ْم تَ ُك ْن قَ َم ارً في ا ْل ُح ْ‬
‫ين ِبا َألثَ ِر‬ ‫ير ا ْل َع ِ‬ ‫ْت ِم ْنهُ َ ِ‬ ‫أ َْملَ ْت َعلَ َّي ِبلَ ْحظَ ْي َها َح ِد َ‬
‫ضم َ‬ ‫َع َرف ُ‬ ‫وى‬
‫يث َه ً‬
‫اب َوا ْل ِف َك ِر‬‫ث ِبا َأل ْل َب ِ‬‫وت َي ْع َب ُ‬
‫َه ُار ُ‬ ‫َكأ ََّن َما َب ْي َن َج ْف َن ْي َها إِ َذا َن َ‬
‫ظ َر ْت‬
‫فَا ْلحس ُن م ْ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ال َغرو أَ ْن ِهم ُ ِ‬
‫ص ِر‬ ‫ش َغلَ ٌة ل ْل َع ْق ِل َوا ْل َب َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ورِت َها‬
‫ص َ‬ ‫ت م ْن َو ْجد ِب ُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫اق ِب َّ‬
‫النظَ ِر‬ ‫شتَ ُ‬ ‫ف َي ْقتَِنعُ ا ْل ُم ْ‬
‫َو َك ْي َ‬ ‫ال تَ ْق َنعُ ا ْل َع ْي ُن ِم ْن َها ُكلَّ َما َنظَ َر ْت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س ِن في َو ْج َنتَ ْي َها َو ْرَدتَا َخفَ ِر‬ ‫ل ْل ُح ْ‬ ‫ان َّ‬
‫الش ْو ِ‬
‫ق فَا ْزَد َه َر ْت‬ ‫سِ‬‫َنا َغ ْيتُ َها ِبل َ‬
‫صي َغ ِم ْن َح َو ِر‬‫اد َق ْل ِبي ِبسهٍم ِ‬
‫َْ‬ ‫س َو َ‬
‫َ‬ ‫شقَ ْت‬‫َو ْازَوَّر َحا ِج ُب َها َع ْن َن ْظ َرٍة َر َ‬
‫‪2‬‬
‫اء ِفي ا ْل َح َج ِر‬
‫الش ْع ِر تُ ْج ِري ا ْل َم َ‬
‫َو ُرق َْي ُة ِّ‬ ‫َع ِطفُ َها‬
‫ار أ ْ‬ ‫ش َع ِ‬‫َفلَ ْم أ ََز ْل ِب ُرقَى األَ ْ‬
‫و قوله أيضا‪:‬‬
‫تحت بند كمعصم من سوار‬ ‫غادة كالمهاة تهفو بخصر‬
‫‪3‬‬
‫تلك عمري هي الحياة فال تؤ ثر عليها جالئل األوطان‬
‫فمحمود سامي البارودي له من القصائد الشعرية الرفيعة‪ ،‬سكب فيها عواطفه الصادقة والعميقة‬
‫النابضة بالحياة‪ ،‬التي دعمها "بقوة الفكرة وخالصة التجربة على نحو بديع وفيها انطلقت ألفاظه وتعابيره‬

‫‪.:1‬ديوان البارودي‪216/215.،‬‬
‫‪.:2‬المصدر نفسه ‪،‬ص‪.244 :‬‬
‫‪.:3‬المصدر نفسه ‪،‬ص‪258:‬‬

‫‪23‬‬
‫ضاجة بالموسيقى وال سيما الحزينة الوقع المؤلمة الرنين"‪ ،1‬فظاهرة محاكاة الشعر القديم‪ ،‬تبدو مهيمنة بقوة‬
‫على مدوناته على مستوى الشكل والمعنى اإلحيائيين‪ ،‬وهي تنم عن تقليد واتباع ال عن إبداع‪ ،‬يجمع بين‬
‫الوصل والتجاوز ‪ ،‬وهو ال ينفي عن نفسه هذه الصفة فهو يرى أن " تقديم قصائده على أنها رياضته‬
‫للقول على طريقة العرب‪ ،‬وهو بذلك ال ينفي عن نفسه صفة االتباع‪ ،‬التي يراها تحديثية‪ ،‬بمعنى أنه يرى‬
‫رسالته في الشعر إنما كانت رسالة إحياء لألنماط القديمة في أطر حديثة"‪.2‬‬
‫‪/3‬البارودي في عيون النقاد‪:‬‬
‫ورد في قصائد البارودي أبيات من أشعار القدماء عن طريق المعارضة والتضمين‪ ،‬رآها البعض‬
‫منهم بأنه لم يكن سوى "مجارياً ال مقلدا‪ ،‬فســاقها عذرية بدوية الترکيب ويری أن آثار التقليد فيها ســطحية‬
‫برغم ما حشــد فيها من ألفاظ وتشــبيهات قديمة"‪ ،3‬ومنهم من رأى في محاكاة البارودي لقصائد القدماء‬
‫بأنه" ليس فيها من التقليد إال الرغبة فيه‪ .‬وشبه البارودي بممثل قدير لبس دور الشاعر البدوي‪ ،‬فوف لغة‬
‫وشعو ار وزيا وحرکة‪ .‬فخلقه خلقا جديدا‪ ،‬وجعل له تمثاال من نفسه وحياته‪ ،‬وأصبح مبتک ـ اًر في الدور الذي‬
‫أخــذه‪ ،‬کما يبتکر الممثل في انتحــال أدواره وأبطاله‪ .‬فهو فنان خالق في اتباعه‪ ،‬کما يکون المرء فنانا‬
‫خالقا في ابتداعه"‪ ،4‬في المقابل هناك من التمس له العذر فعمر الدسوقي يرى بأن البارودي" لم يتعمد‬
‫أخذ هذه األبيات والسطو عليها‪ ،‬وانما كثر محفوظه منها وتأثر بها كل التأثر‪ ،‬وال سيما إذا كان يعارض‬
‫قصيدة لشاعر مجيد‪ ،‬فإنه يجاريه‪ ..‬حتى يختلط عليه شعره بشعره‪ ،‬وتتعذر التفرقة بينهما‪ ،‬وذلك لجودة‬
‫محاكاته‪ ،‬وسالمة طبعه"‪.5‬‬
‫يعــارض البارودي أبا فراس الحمداني في إحدی رومياته التي قالها وهو في أس ـره ببالد الروم‪،‬‬
‫ومطلعها‬
‫أما للهوی نهی عليک وال أمر‬ ‫أ ارك عصی الدمع‪ ،‬شيمتك الصبر‬

‫‪ :1‬نسيب نشاوي‪ ،‬مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر( االتباعية‪ ،‬الرومانسية‪ ،‬الواقعية)‪،‬‬
‫الرمزية‪،‬ص‪59:‬‬
‫‪.:2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪61:‬‬
‫‪ :3‬حسين ميرزائی نيا‪ ،‬معارضات البارودی بين التقليد والتجديد‪ ،‬مجلة إضاءات نقدية‪ ،‬ع‪ ،17 /‬ربيع ‪2015‬ـ‪ ،‬ص‪162:‬‬
‫‪ :4‬المرجع نفسه‪،‬ص‪162:‬‬
‫‪ .:5‬نسيب نشاوي‪ ،‬مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر( االتباعية‪ ،‬الرومانسية‪ ،‬الواقعية)‪،‬‬
‫الرمزية ‪ ،‬ص‪61:‬‬

‫‪24‬‬
‫فيقول البارودی معارضاً إياه‪:‬‬
‫وأصبحت ال يلوی بشيمتی الزجر‬ ‫طربت وعادتنیُ المخيلة والسکرُ‬
‫شكيب أرسالن رأى في معارضة البارودي للقدامى عين الصواب‪ ،‬وقد كتب فيه قصيدة مطولة امتدح فيها‬
‫طريقته في معارضة القدامى‪ ،‬ليحذو مصطفى بدوي حذو سابقيه في الرأي وبأن البارودي بعودته إلى‬
‫إلى صفاء العبارة‪،‬‬ ‫الماضي وتقليد القدامى كان عن تمكن استطاع من خالله "الجمع بين العودة‬
‫وكالسيكية العباسيين‪ ،‬وبين المقدرة على التعبير عن تجربته الفردية‪ ..‬ورأى أن النهضة الحديثة إنما تبدأ‬
‫‪1‬‬
‫حقا بالبارودي‪ ،‬ألنه جدد الصلة بين الشعر العربي وبين أمور الحياة الجادة بعد قرون من االنحطاط"‬
‫يتبــين لنا من جملــة هذه اآلراء التباين مابين مؤيد ومعارض حول حقيقــة عودة البارودي للتراث‬
‫الشعري العربي وتقليده للقدامى هذا الشــاعر‪ ،‬عير أن الحقيقة التي ال يمكن إنكارها بأن البارودي بعث‬
‫الشعر العربي من جديد وبعث فيه الحياة‪ ،‬وانكب على قراءته وتمثله ونسج قصائد على منواله‪ ،‬مع‬
‫تخليصه من المطرزات والمزوقات المتكلف فيها‪.‬‬
‫‪/4‬من المدرسة اإلحيائية إلى المدرسة الكالسيكية الجديدة‪ /‬تطور الرؤية االتباعية‪:‬‬
‫يمضي كل من أحمد شوقي‪ ،‬حافظ إب ارهيم‪ ،‬خليل مطران على خطى البارودي تأصيال لفكرة المدرسة‬
‫االتباعية‪ ،‬في كونهم مقلدين إلى أنهم في اآلن ذاته سعوا إلى التجديد مؤسسين للمدرسة الكالسيكية‬
‫الجديدة‪ ،‬قوامها أن يكون التقليد في الشكل أو اإلطار والتجديد في المحتوى أو المضمون‪ ،‬ففي بداية‬
‫القرن العشرين أدرك الشعراء الكالسيكيون أهمية التوجه إلى التجديد واالبتكار والخلق‪ ،‬واالستفادة من‬
‫اآلداب الغربية‪ ،‬لرفع قدرات الشعر العربي‪ ،‬وقابليته للمعاصرة والتفاعل الخالق مع اآلداب األخرى‪ ،‬فبقدر‬
‫اعتزاز هم باألصالة‪ ،‬وتنافسهم في احتذاء الشعر العربي القديم بوعي وتمكن وجدارة‪ ،‬إال أن التجديد كان‬
‫ضرورة ليكون أكثر ثراء بطرق التعبير وأشكاله‪ ،‬وأكثر قدرة على المعاصرة و التواشج مع الحياة‪.‬‬
‫جدد شعراء المدرسة الكالسيكية الجديدة في األلفاظ واألغراض واألساليب والتراكيب الشعرية‪ ،‬ويمثل‬
‫شعر أمير الشعراء “أحمد شوقي” النموذج األبرز لنتاجات الكالسيكية الجديدة‪ ،‬فظهوره في " الساحة‬
‫الشعرية‪ ،‬أعظم حدث شعري في القرن التاسع عشر‪ ،‬وأوائل القرن العشرين‪ ..‬كان انجازه عظيما وحيويا‪،‬‬
‫فهو استمرار وتتويج للمدرسة الكالسيكية المحدثة التي بدأها البارودي في مصر‪ ،‬لقد استطاع شوقي أن‬
‫يعيد للشعر العربي ما كان يحتاج إليه الشعر‪ ،‬في تلك اللحظة أكثر من أي شيئ آخر‪ ،‬وهو جزالته‬

‫‪ :1‬المرجع نفسه‪،‬ص‪61 :‬‬

‫‪25‬‬
‫األصيلة‪ ،‬وامتالكه لناصية التعبير الشعري السيال المتدفق بالحياة"‪ ،1‬فرغم اطالعه على األدب الغربي‬
‫اطالعا واسعا‪" ،‬إال أنه لم يستطع أن ينفك عما حفظه للقدماء من نماذج فذة‪ ،‬إذ كان كتاب الوسيلة‬
‫األدبية ألستاذه الشيخ حسين المرصفي أكبر نبع غذى روحه‪ ،‬ويضم هذا الكتاب أروع ما للقدماء من‬
‫قصائد‪ ،‬كما يضم بعض نموذجات البارودي الحديثة‪ .. ،‬فقد تمثلها تمثال رائعا وتأثر بها"‪ ،2‬فعارض بائية‬
‫أبي تمام‪ ،‬وسينية البحتري‪ ،‬ونونية ابن زيدون‪ ،‬وهمزية البوصيري ‪.‬‬
‫قال أحمد شوقي في قصيدته التي صور فيها ألم الغربة والمنفى‪ ،‬معارصا نونية ابن زيدون‬
‫اديك أَم َنأسى لِوادينا‬
‫َنشجى لِو َ‬ ‫طل ِح أَشباهٌ َعوادينا‬ ‫يا ِ‬
‫نائ َح ال َ‬
‫ناح َك جالَت في َحواشينا‬
‫صت َج َ‬
‫قَ َّ‬ ‫َن َيداً‬
‫ير أ َّ‬
‫ص َعلَينا َغ َ‬
‫ماذا تَقُ ُّ‬
‫نونية ابن زيدون‪:‬‬
‫ناب َعن ِ‬
‫طيب لُقيانا تَجافينا‬ ‫َو َ‬ ‫أَضحى التَنائي َبديالً ِمن تَدانينا‬
‫ِ‬
‫ين ناعينا‬ ‫قام ِبنا ل َ‬
‫لح ِ‬ ‫ين فَ َ‬
‫َح ٌ‬ ‫َّحنا‬
‫صب َ‬ ‫الب ِ‬
‫ين َ‬ ‫بح َ‬
‫ص ُ‬
‫حان ُ‬
‫أَّال َوقَد َ‬
‫فشوقي بتمثله لقصائد القدامى دعا إلى التجديد‪ ،‬بطرحه في مقدمة ديوانه األول (الشوقيات) ‪1898‬م‪،‬‬
‫الذي يعد وثيقة بالغة األهمية عن توجهات الشعر العربي‪ ،‬وقضاياه وهمومه‪ ،‬في تلك المرحلة التأسيسية‬
‫للشعر العربي الحديث‪ ،‬تطرق من حاللها إلى أهم قصايا الشعرية العربية‪ ،‬كما دعا لقيم شعرية جديدة‬
‫ومبكرة برزت بوضوح الحقا لدي الرومانسية‪ ،‬كالعودة إلى الذات‪ ،‬والتعبير بصدق عنها‪ ،‬والتركيز على‬
‫الخيال‪ ،‬والتوجه إلى الطبيعة‪ ،‬وابتكار مواضيع جديدة‪ ،‬فمن حيث الشكل انتقد اللغة التقليدية والتقعر‬
‫والتعقيد اللفظي‪ ،‬واحتذاء األساليب القديمة في التعبير‪ ،‬واستقاء صور الشعر وتشبيهاته من البيئة البدوية‬
‫القديمة‪ ،‬في دعوة واضحة إلى تبني السهولة والبيان واإليجاز ‪ ،‬وارتباط الشاعر بحياته المعاصرة في‬
‫تشبيهاته وتعبيراته‪ ،‬أما من ناحية المضمون انتقد شوقي التوقف عند أغراض القدماء‪ ،‬خاصة غرض‬
‫المديح‪ ،‬داعيا إلى الخروج بالشعر إلى فضاءات الفكر والخيال الرحبة كالكون‪ ،‬وأن يكتب في الحب‬

‫‪ :1‬سلمى حضراء الجيوسي‪ ،‬االتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪،1،2001/‬ص‪73:‬‬
‫مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر( االتباعية‪ ،‬الرومانسية‪ ،‬الواقعية)‪،‬‬ ‫‪ :2‬نسيب نشاوي‪،‬‬
‫الرمزية‪،‬ص‪ :‬ص‪66:‬‬

‫‪26‬‬
‫والشكوى والفرح والحزن والتحدث بلغة جديدة مالئمة لحياة جديدة‪ ،‬باإلضافة إلى دعوته لاللتفات إلى‬
‫أدب الغرب واالستفادة منه‪.‬‬
‫َّدتنا ِبها ُدعاةُ الم ِ‬
‫حال‬ ‫قَي َ‬ ‫عر أَن َنفُ َّك قُيوداً‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫آن يا ش ُ‬ ‫َ‬
‫ش ِ‬
‫مال‬ ‫ريح ال َ‬ ‫فَِارفَعوا َه ِذ ِه ال َك ِ‬
‫مائِم َع ّنا‬
‫ش ُّم َ‬
‫َوَدعونا َن ُ‬
‫وان كان لوقع غرض المدح في مكانة في شعره‪ ،‬حيث نجد له العديد من القصائد التي مجد بالكثير‬
‫من الصفات واأللقاب العالية الملوك واألمراء وأصحاب الحكم في مصر‪ ،‬بحكم صلته الوثيقة بقصر‬
‫الخالفة العثمانية في تركيا‪ ،‬وكذلك صلته بالبيت الحاكم في مصر وحذا في ذلك شعراء بني أمية وبني‬
‫العباس في مدح الخلفاء‪ ،‬فكان ال يترك مناسبة إال يكثر من تقديم اآليات والوالء والعرفان‪ ،‬ناقدا في اآلن‬
‫ذاته الشعراء الذي يتخذون المدح مهنة للكسب‪ ،‬والتقرب من الحكام‪.‬‬
‫ودهـــــا أن نالهــــــا األفهـــــــــام‬ ‫حكمــــة حال كل هذا التحلــــي‬
‫فـــــي الناس ذو المقلة التي ال تنام‬ ‫يســــــأل النـاس عندمـــــا هــل‬
‫‪1‬‬
‫وحكــــــــى كريــــــــم وفعله إلهـــام‬ ‫أم مــــــــــن الناس بعـــــــد من قوله‬
‫كتب شوقي قصائد دينية‪ ،‬حملت معاني اإلسالم الذي يراه منهجا كامال للحياة اإلنسانية‪ ،‬فهو يقول في‬
‫قصيدته نهج البردة‪:‬‬

‫بمفتــاح بـاب اللـه ِ‬


‫يغتن ِـم‬ ‫ـك ِ‬
‫ُي ْم ِس ْ‬ ‫وم ْـن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بـاب أَمـير ا ألَنبيـاء‪َ ،‬‬
‫مت َ‬ ‫لـز ُ‬
‫وم ِ‬
‫لـتزم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫مــا بيــن مســتلم منـه ُ‬ ‫وعارفـة‬ ‫حسـان‪،‬‬‫فضـل‪ ،‬وِا‬ ‫فكــل‬

‫فـي يـوم ال ِع َّـز با أل ِ‬


‫َنسـاب واللُّ َح ِـم‬ ‫ِ‬
‫مدحـه حـبالً ُّ‬
‫أعـز بـه‬ ‫علقـت مـن‬
‫ُ‬

‫يقـاس إِلـى جـودي َ‬


‫لـدى َه ِـرِم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وال‬ ‫ـزري قَ ِـريضي ُزَه ْـي ًار حين أ ُ‬
‫َمدحه‬ ‫ُي ِ‬

‫سم‬ ‫وبغيـ ُة اللـه مـن َخـ ْل ٍ‬


‫ق ومـن َن َ‬ ‫َ‬ ‫محــمد صفـوةُ البـاري‪ ،‬ورحمتُـه‬
‫ٌ‬
‫الحياة السياسية كان لها حضور في قصائده‪ ،‬فالصراعات الداخلية والخارجية لمصر‪ ،‬دفعت شوقي‬
‫إلى كتابة فصيدته " كبار حوادث نهر النيل"‪ ،‬يعرض فيها تاريخ الفراعنة المصريين بإكبار واعظام ويذكر‬
‫حروب قمبيز الفارسي قاهر الفراعنة ثم يذكر الشاعر قصة موسى مع فرعون ثم يذكر عيسى إلى أن‬

‫‪ :1‬أحمد شوقى ‪ ،‬ديوان الشوقيات‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪،‬ص‪16:‬‬

‫‪27‬‬
‫يصل إلى رسول اهلل محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ويذكر عواصم الدول اإلسالمية وينتقل إلى ذكر الدولة‬
‫األيوبية ثم دولة األتراك وينتهي إلى ذكر نابليون بونابرت وهزيمته في واترلو ‪.‬‬
‫الرجاء‬
‫ُ‬ ‫وحداها بمن تُ ِق ُّل‬
‫َ‬ ‫الماء‬
‫ُ‬ ‫همت الفُلك واحتواها‬
‫َّ‬
‫السماء‬
‫ُ‬ ‫أكبرتها‬
‫سماء قد َ‬‫ً‬ ‫ـها‬ ‫العباب حوالَيـ‬
‫البحر ذو ُ‬
‫ُ‬ ‫ضرب‬
‫ْماء‬ ‫ِ ِ‬ ‫شرِك األر‬
‫ض شبا ًكا تمدُّها الدأ ُ‬ ‫ورأى المارقون من َ‬
‫لماء‬‫َّ‬ ‫ائجا في ٍ‬
‫تتدجَّى كأنها الظ ُ‬ ‫جبال‬ ‫وجباال َمو ً‬
‫ً‬
‫التاريخ المصري لم يغب عن قصائده له في توت عنخ آمون قصيدة يقول فيها‪:‬‬
‫على وادي الملوك محجَّبينا‬ ‫َّهر بالوادي أقاموا‬
‫لوك الد ْ‬
‫تُساق له الملوك ُمصفَِّدينا‬ ‫فرب ُمصفٍَّد منهم وكانت‬
‫وحل على جوانبه َرِهينا‬
‫َّ‬ ‫تقيَّد في التراب بغير قَ ْيد‬
‫أليسوا للحجارة م ِ‬
‫نطقينا‬ ‫تعالى اهلل كان السحر فيهم‬
‫ُ‬
‫ويخاطب اللورد كارنارفون الذي اهتدى سنة ‪ 1922‬إلى ما اهتدى إليه من الكنوز تحت مدفن رعمسيس‬
‫السادس‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫نحاذر أن يئول آلخرين‬ ‫أبوتنا وأعظمهم تراث‬
‫َّ‬
‫للن ِ‬
‫اه ِبينا‬ ‫ويذهب نهبة َّ‬ ‫ض ْيم‬ ‫ونأبى أن َّ‬
‫يحل عليه َ‬
‫صرحت لم تثر الظنونا‬
‫ولو َّ‬ ‫سكت فحام حولك ُّ‬
‫كل ظن‬ ‫َّ‬
‫الم ْر ِجفينا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وما لك حيلة في ُ‬ ‫وجهر‬ ‫سر‬
‫يقول الناس في ٍّ‬
‫يعف عن الملوك ُمكفَّ ِنينا؟!‬
‫ُّ‬ ‫وهو حي‬
‫أمن سرق الخليفة ْ‬
‫غرض الوصف من األغراض التي برع فيها شوقي‪ ،‬فوصف الطبيعة والمشاهد الحية أو الجامدة‪،‬قال في‬
‫وصف النخيل‪:‬‬
‫تشق العناب بمر آى عجب‬ ‫أرى شج ارً في السماء احتجب‬
‫ظواهـــرها درج مــــن شـــدب‬ ‫مــــــــــأذن قامت هنا وهنــــــاك‬
‫ولكن تصيــح عليها القـــرب‬ ‫ولــــيس يؤذن فيهــــــــــا رجــال‬
‫‪1‬‬
‫نمت وربت في ظالل الكتب‬ ‫وباسقــــة من نبــــــات الرمـــال‬

‫‪ :1‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪355:‬‬

‫‪28‬‬
‫مظاهر الحياة الحديثة من المواضيع التي تطرق لها شوقي‪ ،‬وكتب العديد من القصائد فيها‪ ،‬حيث يقول‬
‫في وصف الطائرة التي يعتبرها معجزة‪:‬‬
‫َّهر ِ‬
‫به‬ ‫إحدى مع َ ِ‬
‫ـف اَلد ْ ُ‬
‫سلَ َ‬
‫ب لَ ْو َ‬‫َم ْرَك ٌ‬ ‫ـاء‬
‫جزات ا ْلقُ َد َم ْ‬ ‫ان َ ُ ْ‬ ‫َك َ‬
‫ِ‬
‫شٌر‬
‫ـف َب َ‬‫ص ٌ‬ ‫ط ْـيٌر َوِن ْ‬
‫صفُ ُه َ‬
‫ن ْ‬ ‫ـاء!‬
‫ض ْ‬ ‫َيالَ َها إِ ْح َدى أَعاج ِي ِب ا ْلقَ َ‬
‫ر ِائـع ‪ ،‬مـرتفعاً أَو و ِ‬
‫اقفاً‬ ‫الج َب َنـاء‬ ‫س ُّ‬
‫الش ْج ِ‬
‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫عان قَ ْبـل ُ‬ ‫أَ ْنفُ َ‬
‫‪/2‬المسرحية الشعرية‪ :‬أهم ما استحدثه شوقي من فنون الشعر العربي ‪ ،‬حيث تقدم بمسرحيات على نسق‬
‫عال من الشعر‪ ،‬ال عهد لألدب العربي به‪ .‬فقد ساهم في تطور الفن المسرحي‪،‬فبعده حدث تطور كبير‪،‬‬
‫وذلك باستحداث أنماط ومذاهب جديدة في فنية المسرح واإلخراج‪ ،‬من أهم مسرحياته الشعرية "مصرع‬
‫كليوباترا"‪"،‬مجنون ليلى"‪ " ،‬عنترة‪".‬‬

‫التجديد المرافق لدعوة بعث واحياء التراث الشعري القديم من المسلمات التي أمن بها الشاعر حافظ‬
‫إبراهيم‪ ،‬وقد كتب تقريبا في جميع أغراض الشعر العربي‪ ،‬ناقال عبرها أحاسيسه وآالمه التي عاصرها في‬
‫المجتمع المصري‪ ،‬وخليل مطران أيضا سار على نفس الدرب إذ " يمثل ذروة المد التقليدي في مدرسة‬
‫المحافظين‪ ،‬وقد ساير زمالءه من أعضاء هذه المدرسة في منهجهم الشعري‪ ،‬ولكن بوادر التمرد على هذا‬
‫المنهج بدأت تظهر فيما بعد"‪ ،1‬فقد جدد في القصيدة من موضوعية إلى وحدة عضوية‪ ،‬وتعامل مع‬
‫الطبيعة بنوع من األنسنة‪ ،‬معتب ار إياها الشريك الذي يقاسمه همومه وأحزانه‬
‫بكآبتي متفرد بعنائي‬ ‫متفرد بصبابتي متفرد‬
‫قلبا كهذه الصخرة الصماء‬ ‫ثاو عل صخر أصم وليت لي‬
‫والقلب بين مهابة ورجاء‬ ‫ولقد ذكرتك والنهار مودع‬
‫‪2‬‬
‫قد مزجت بآخر أدمعي لرثائي‬ ‫فكأن آخر دمعة للكون‬
‫على العموم إن طابع مدرسة البعث واإلحياء هو طابع محافظ‪ ،‬سعى إلى إحياء واستلهام التراث‬
‫الشعري القديم‪ ،‬معارضين أشهر الشعراء بطريقتهم الخاصة التي تُلغي وتنفي شخصياتهم‪ ،‬فشعورهم‬
‫بضرورة إحياء الثقافة العربية وحضارتها‪ ،‬وظهور جمعية المعارف التي ساعدت على إحياء الدواوين‬

‫‪ :1‬محمد صالح الشنطي‪،‬األدب العربي الحديث(مدارسه وفنونه وتطوره وقضاياه ونماذج منه)‪،‬دار األندلس للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪،2،1996/‬ص‪78:‬‬
‫‪ : 2‬ديوان حافظ ابراهيم‪ ،‬ضبطه وصححه وشرحه أحمد أمين‪ ،‬أحمد الزين‪ ،‬إبراهيم األبياري‪،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪،‬مصر‪ ،‬ط‪،3،1987/‬ص‪33:‬‬

‫‪29‬‬
‫الشعرية العربية القديمة‪ ،‬الكفاح والنضال الذي عمق فكرة الرجوع إلى الماضي وااللتفاف إلى أمجاد العرب‬
‫القديمة ومحاولة بعثها‪،‬تأسيس دار الكتب المصرية التي كان لها الدور األكبر في نشر الثقافة والتراث‬
‫القديم‪ ،‬كلها أسباب دفعت بهم إلى تبني هذا االتجاه‪ ،‬في اآلن ذاته تجاوزت المدرسة في معارضتها‬
‫للشعراء القدماء التقليد األعمى الذي ال يعبر عن روح العصر وذلك لوعي الشعراء في خدمة الحياة بكل‬
‫أطيافها االجتماعية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬باإلضافة إلى عنايتهم بالجانب البياني من حيث بالغة األسلوب‪ ،‬وجودة‬
‫الصياغة‪ ،‬واختيار األلفاظ المناسبة ‪ ،‬و االلتزام بموسيقى القصيدة القديمة والمحافظة على أوزان الخليل‬
‫يسير عليها الشعراء القدماء‪.‬‬
‫المعروفة‪ ،‬التمسك بعمود الشعر العربي‪ ،‬والذي يعني التقاليد الفنية التي كان ُ‬

‫‪30‬‬
‫المحاضرة الثالثة‬
‫االتباعية العربية والكالسيكية الغربية‬

‫‪31‬‬
‫االتباعية العربية والكالسيكية الغربية‬
‫‪/1‬تمهيد‬
‫الكالسيكية مذهب أدبي غربي‪ ،‬نشأ في إيطاليا في القرن السادس عشر‪ ،‬ونضجت معالمه في فرنسا‬
‫في القرن السابع عشر‪ ،‬حيث كان هذا " العصر عصر العظمة الفرنسية‪ ،‬عصرها الذهبي باعتراف‬
‫المؤرخين النقاد‪،‬عصر ملك الشمس لويس الرابع عشر‪ 1715/1693‬ملك فرنسة‪ ،‬الذي بلغت فرنسا في‬
‫عهده أوجها في حقول األدب والعلم والفن‪،‬فكان عصره عصرها الذهبي بل كان مقد ار لألدب واألدباء‬
‫تقديره لألعمال العظيمة كلها"‪.1‬‬
‫لتنتشر الكالسيكية منها إلى عموم أوربا‪ ،‬قبل أن تظهر في األدب العربي‪ ،‬فهي" مذهب إتباعي‪ ،‬تبع‬
‫فن الشعر وأصوله ألرسطو وهوراس‪ ..‬تجلت فيه الفلسفة العقلية‪ ،‬واعتمد على نظرية المحاكاة‪ ...‬وأن‬
‫العقل عند الكالسيكيين يرادف الذوق السليم‪ ..‬وأن أساس الجمال في األدب العقلي صالحه المستمر‪،‬‬
‫ورأى في جمهورهم جمهو ار أرستقراطيا محددا‪ ..‬يتوجه إلى الخبراء بمهنة ربات الفنون‪ ...‬على أساس أن‬
‫للشعر جماال ال تراه كل العيون‪ ،..‬ثم بين كيف راج عندهم الشعر المسرحي‪ ،‬وضعف الغنائي‪ ،‬وكيف‬
‫‪3‬‬
‫ساعد أدبهم على دعم القيم والتقاليد السائدة"‪ ،2‬ومن أهم خصائصه وصفاته‪:‬‬
‫• أنه يستوحي اآلداب الالتينية واليونانية ويستخدمها مادته‪.‬‬
‫• أدب يصدر عن العقل‪ ،‬ويحكمه العقل‪.‬‬
‫• يعنى بالصياغة وتجويد األسلوب‪ ،‬ويخضع ألصول وقواعد‪.‬‬
‫• أهم صفاته االعتدال والوضوح‪.‬‬
‫• االعتماد على العمل الواعي المتزن ‪ ،‬و التفكير المعتدل ‪ ،‬لذا على األديب تجنب العواطف‬
‫يعني أن األديب ال ُي َعبر عن عواطفه‪ ،‬بل‬
‫الذاتية ‪ ،‬و االعتماد على العواطف العامة ‪ ،‬وهذا ال ْ‬
‫الجانب الوجداني وارد في مؤلفاته‪ ،‬إضافة إلى المزاوجة ْبين الفكر و الخيال ‪ ،‬فيأتي من الوجدان‬
‫أخ َلد ََ عمل كالسيكي هو انتاج " راسين"‬ ‫و الفكر و الخيال في صورة معتدلة جميلة‪ ،‬وقيل َّ‬
‫إن ْ‬

‫‪ :1‬نسيب النشاوي ‪ :‬مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،1984،‬ص‪34/33:‬‬
‫‪ :2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪31:‬‬
‫‪ :3‬ينظر‪ :‬فاتن السيد‪ ،‬مدرسة اإلحياء بزعامة شوقي وحافظ‪،‬البيان_الكويتية‪ ،‬ع‪ 1، /‬فبراير ‪ ،2008‬ص‪.11‬‬

‫‪32‬‬
‫صوَر عاطفة الحب باالعتماد على التفكير‪ ،‬و التعمق في اطار القيم‬
‫أن ُي َ‬
‫ألنه استطاع بعبقريته ْ‬
‫االنسانية النبيلة‪.‬‬
‫• النزعة العقلية‪ :‬االعتماد على مبادئ العقل‪ ،‬و تجنب اإلسراف العاطفي و هذه الخاصية ناتجة‬
‫مباشرة عن االعتماد على العقل الواعي المتزن‪ ،‬وهي واضحة في شرح الخاصية األولى ‪.‬‬
‫• االعتناء باألدب الموضوعي من قصة و مسرحية أكثر من االعتناء بالفنون األدبية اآلخرى‪،‬‬
‫وكان عليهم اختيار الفن الذي يالئم مبادئ العقل و النزعة العقلية ‪ ،‬كما ورد في بداية الموضوع ‪،‬‬
‫فإن الكالسيكيين تأثروا بالقدامى وحاولوا محاكاتهم لذلك ساروا على منوالهم فاعتنوا بالمسرح‬
‫واهتموا به مثلما فَ َع َل اليونان قبلهم‪.‬‬
‫ون ْعني بها اإلمعان في صنعة الكالم‪ ،‬وفصاحة التعبير‪.‬‬
‫• الحرص على جودة الصياغة الغوية ‪َ ،‬‬
‫• التقيد بقانون الوحدات الثالثة ألن إعتقادهم أن المسرحية إذا تعددت مواضيعها‪ ،‬وامتدت أحداثها‬
‫عبر الزمن الطويل‪ ،‬وتنوعت أماكن أحداثها تصدع بناؤها و تفككت عناصرها ‪.‬‬
‫• محاكاة القدامى و تقليدهم العتقاد الكالسيكيين أن أدب اليونان و الرومان هو أجود اآلداب و‬
‫أحسنها‪.‬‬
‫• احياء الثرات األدبي القديم‪ ،‬و هذا المبدأ لن يتحقق بدون المبدأ الذي سبقه‪.‬‬

‫‪/2‬رواده الكالسيكية‪:‬‬
‫من أهم أقطاب المذهب الكالسيكي األدبي بوالو و جماعته‪- ،‬الشاعر اإلنكليزي جون أولدهام‬
‫‪1773 –165‬م وهو ناقد أدبي ومن المؤيدين للكالسيكية‪ - .‬الناقد األلماني جوتشهيد ‪1766 – 1700‬م‬
‫الذي ألف كتاب فن الشعر ونقده‪ - .‬األديب الفرنسي راسين ‪1699 – 1639‬م وأشهر مسرحياته فيد ار‬
‫واإلسكندر ‪ -‬واألديب كورني ‪1784 – 1606‬م وأشهر مسرحياته السيد – أوديب‪ - .‬األديب موليير‬
‫‪1673 – 1622‬م وأشهر مسرحياته البخيل – طرطوف‪ - .‬واألديب الفونتين ‪1695 – 1621‬م الذي‬
‫اشتهر بالقصص الشعرية وقد تأثر به أحمد شوقي في مسرحياته‪ .‬ملفات متنوعة تابع‬
‫‪ /3‬بين االتباعية العربية والكالسيكية الغربية‪:‬‬
‫كان ظهور الكالسيكية تلبية للظروف الفكرية التي عاش في كنفها األدب األوربي في القرنين ‪16‬‬
‫و‪17‬م حيث كان للنزعة العقلية سلطان واسع على اإلبداع األدبي‪ ،‬والتي قادها" ديكارت " في الفلسفة‬
‫و"بوالو" في النقد‪،‬وأما عن جذور ها فترجع إلي القرنين ‪ ،12‬و ‪13‬م ‪ ،‬وتتجسد في "ظهور أدباء كبار‪،‬‬

‫‪33‬‬
‫مثل دانتي في كتاب الكوميديا اإللهية‪ .‬فهو تبسط نظرية الشعر الكالسيكي في هذا الكتاب شارحا له‪،‬‬
‫وموضحا أكنافه‪ .‬وبتراك‪ ،‬ولوكاشيو في القرن الرابع عشر‪ ،‬وأدباء آخرون‪ ،‬فكروا في الكالسيكية‪ ،‬وأنتجوا‬
‫آثا ار كالسيكية"‪. 1‬‬
‫أما الكالسيكية العربية وظهورها في األدب فقد كانت في أواخر القرن ‪ 19‬م‪ ،‬والعقد األول من ‪20‬م‬
‫تحت عناوين مدرسة اإلحياء‪ ،‬والبعث‪ ،‬وعمود الشعر‪ ،‬واالتباعي‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وهي كاتجاه أدبي لم يستند‬
‫إلى " نظرية في الشعر تحدد دور العقل والخيال‪ ...‬ومع ذلك فالبارودي والتقليديون العرب يشبهون‬
‫نظراءهم في الشعر األوروبي‪ ،‬في أنهم يفترضون وجود قوانين ومعايير للشعر مطلقة وأزلية‪ ..‬وأن هذه‬
‫المعايير والقوانين تحققت في نتاج الشعراء في فترة من الماضي السحيق‪ ،‬تمثل العصر الذهبي لألدب‪،‬‬
‫ف أروا أن واجب الشاعر الشاعر الحديث ‪ ...‬أن يحاكي أولئك الشعراء الجاهليين واإلسالميين والعباسيين‪،‬‬
‫وأن يجري معهم في مضمار البيان جريا ليس آليا وانما خالقا"‪ ،2‬فتأثير الكالسيكية الغربية في األدب‬
‫العربي الحديث محدود‪ " ،‬فبينما استمد شعراء الغرب معاييرهم ومثلهم من نتاج اليونان والرومان‪ ،‬لجأ‬
‫شعراؤنا إلى تراثنا القديم‪ ،‬فكان مثلهم األعلى المحتذى تلك القصيدة العصماء‪ ،‬ذات الروي الواحد من‬
‫البحر الواحد والبناء اللفظي الشامخ"‪،3‬ويرجع ذلك ألسباب أهمها‬
‫• اعتماد المذهب الكالسيكي الغربي على األدب الموضوعي بينما نجد األدب العربي عموما‬
‫أدبا عاما‬
‫• إن المذهب الكالسيكي وثيق االتصال بالمسرح سواء منه اليوناني والروماني القديم أو‬
‫األوروبي الحديث وليس للعرب مسرح في عصورهم القديمة ‪ ،‬وحين اتصل بعض أدبائهم‬
‫بالمسرح الغربي حديثا وكان ذلك التأثير محدودا‪.‬‬
‫عدم بقاء الكالسيكية وتعميرها طويال في أوروبا في فترة كان االتصال فيها بين األدب‬ ‫•‬
‫العربي واآلداب األوروبية في مرحلة الطفولة ‪ .‬فليس من الطبيعي أن يتأثر العرب بمذهب‬
‫أدبي هجره أهله‪.‬‬
‫لكن محدودية تأثير الكالسيكية الغربية في األدب العربي الحديث‪ ،‬ال ينفي التقاء االتباعية العربية‬
‫للكالسيكية الغربية في نظرتها إلى القديم و دعوتها إلى محاكاة اآلداب اليونانية والالتنية‪ ،‬الكالسيكية‬

‫‪ :1‬سيد سليمان سادات اشكو‪ ،‬الكالسيكية والتجدد؛ صراعات ومعطيات‪،‬التراث األدبى‪ ،‬ع‪138 ،5/‬ه‪،‬ص‪96:‬‬
‫‪ :2‬نسيب النشاوي‪ ،‬مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪ :3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.47/46‬‬

‫‪34‬‬
‫في األدب العربي‪ ،‬وان جاءت نتيجة التطورات السياسية الجديدة‪ ،‬ونفوذ الغرب‪ ،‬والوعي الوطني‬
‫والشعبي‪ ،‬وظهور التيارات الفكرية المختلفة‪ ،‬والصحف‪ ،‬إال أن إحياءها للتراث األدبي القديم‪ ،‬وتقيدها‬
‫ب البحور‪ ،‬واألوزان القديمة‪ ،‬ونظام القافية الواحدة‪ ،‬واألغراض القديمة‪ ،‬مثل المدح‪ ،‬والهجاء‪ ،‬والفخر‪،‬‬
‫والرثاء‪ ،‬واستخدام األساليب البيانية المتكررة‪ ،‬ومعالجة الموضوعات المتعددة في القصيدة الواحدة‪ ،‬هي‬
‫رؤية اشتركت فيها مع الكالسيكية الغربية‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫المحاضرة الرابعة‬
‫التقليد األسلوبي والمعنوي‪:‬‬
‫البارودي ‪ ،‬شوقي ‪ ،‬حافظ‬

‫‪36‬‬
‫التقليد األسلوبي والمعنوي ‪:‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫تأثر الشعراء اإلحيائيون بالشعر العربي القديم والتبسوا بشعرائه‪ ،‬فحاكوا وعارضوا قصائدهم على‬
‫صعيد كل المستويات بداية من المستوى المعجمي والتركيبي إلى مستوى التجربة وموضوع القصيدة ‪،‬‬
‫مؤثرين أشعار األمراء الفرسان‪ ،‬ومفضلين أغراض الفخر والبطولة والحكمة‪ ،‬فالتقت روحهم بروح القدماء‬
‫من الشعراء‪ ،‬بل إنهم عاشوا بمزاجهم "ومثلهم العليا وكان الفرد "النمطي" النموذجي هو الذي يستولي على‬
‫اهتماماتهم"‪ ،1‬فصاغوا أفكارهم وأحاسيسهم في أساليب عربية تقليدية‪ ،‬حيث يمكن دراسة هذا التأثير‬
‫واالتباع من خالل مستويين‪:2‬‬

‫• االتباعية المعنوية‪ :‬خاصة بالوجدان االتباعي وتوضيح أغراضه الفكرية‪.‬‬


‫• االتباعية األسلوبية‪ :‬خاصة بجوانب االتباع التعبيري‪.‬‬

‫‪/1‬خصائص االتباعية المعنوية‪ :‬وعن أهم خصائص المدرسة االتباعية المعنوية التي اتبعتها جراء‬
‫احتذائها نماذج القصائد الجاهلية واالسالمية والعباسية‪ ،‬ما يلي‪:3‬‬

‫• المحافظة على عمود الشعر‪.‬‬


‫• المحافظة على شرف المعنى وصحته وجزالة اللفظ واستقامته‪.‬‬
‫• اإلجادة في الوصف وكثرة المديح والفخر‪.‬‬
‫• المحافظة على هيكل القصيدة القديمة‪ ( ،‬المقدمة الطاللية‪ ،‬المقدمة الغزلية)‪.‬‬

‫‪/2‬خصائص االتباعية األسلوبية‪ :‬قلد االحيائيون القصائد العربية القديمة‪ ،‬خاصة قصائد األدب العباسي‬
‫في نماذجها المختلفة‪ ،‬حتى بدت قطعا شعرية هاربة من ذاك الزمن إلى زمن الحداثة‪ ،‬فقصائدهم احتوت‬
‫على الكثير من االقتباسات والتضمينات الشعرية‪ ،‬التي أكسبتها العديد من الخصائص األسلوبية‪:1‬‬

‫‪ :1‬آمال موسى‪ ،‬سوسيولوجيا الخطاب الشعري اإلحيائي‪ ..‬ثالوث الذاكرة والتراث والهوية‪ ،‬الفيصل‪ ،‬مركز الملك فيصل‬
‫للبحوث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬على الرابط ‪ http://www.alfaisalmag.com/?p=5934‬تاريخ التحميل‬
‫‪ ، 2021/04/09‬الساعة ‪16:41‬‬
‫‪ :2‬نسيب النشاوي‪ :‬مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،1984،‬ص‪37:‬‬
‫‪ :3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪37:‬‬

‫‪37‬‬
‫• اعتماد التراكيب الفخمة التي جاءت في القوالب التعبيرية القديمة‬
‫• التقيد باالوزان الخليلية‪ ،‬والقافية‪ ،‬ونظم القصيدة الطويلة« فائتالف هؤالء الشعراء في طول أغلب‬
‫قصائدهم جعل من الطول معيا ار للقصيدة التقليدية‪ ،‬وهم في هذا يستوحون الشعر العربي القديم‪،‬‬
‫في الجاهلية وصدر اإلسالم‪ ،‬خاصة المعلقات التي هي شجرة نسب القصيدة العربية القديمة‬
‫‪2‬‬
‫الطويلة»‬
‫• افتتاح القصيدة بالتصريع ‪.‬‬
‫• اعتماد األساليب البالغية القديمة ( الصور البيانية والمحسنات البديعية‪.‬‬
‫• اعتماد االشتقاقات اللغوية المعجمية القديمة‪ ،‬مع المحافظة على جزالة اللفظ والتراكيب المتينة‬
‫بقوالبها القديمة الجاهزة‪.‬‬
‫‪/3‬التقليد األسلوبي والمعنوي للبارودي وشوقي وحافظ‪:‬‬
‫*مظاهر الصياغة اللفظية القديمة‪ :‬تأثر البارودي وشوقي وحافظ بالشعراء القدامى من حيث استخدام‬
‫األلفاظ‪ ،‬وتوظيفها في عباراتهم وتراكيبهم اللغوية ‪ ،‬فاللغة في شعرهم " ليست ألفاظا معجمية‪ ،‬ذات‬
‫دالالت حيادية ثابتة‪ ،‬ولكنها لغة انفعال مرنة‪ ،‬وهذا معناه أن اللفظ ذو خصوصية في االنتقال باللغة من‬
‫المعنى المعجمي إلى المعنى الشعري‪ .. ،‬إذ تتسع داللته وتضيق تبعا لما يبث الشاعر فيه من طاقات‬
‫وما يشحنه به من ذات نفسه"‪،3‬ومثال ذلك قول البارودي‪:‬‬

‫بأبنائها واليوم أغبر كالح‬ ‫بكى صاحبي لما رأى الحرب أقبلت‬

‫يطول بها مجد وتخشى فضائح‬ ‫فقلت ‪ :‬تعلّم إ ّنما هي ُخط ٌة‬

‫فهذه الصياغة اللفظية تطابق إلى حد كبير قول جندح بن ُحجر بن الحارث الكندي المعروف بامرئ‬
‫القيس‪:‬‬

‫وأيقن أ ّنا الحقان بقيص ار‬ ‫بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه‬

‫نحاول ملكاً أو نموت فنعذ ار‬ ‫فقلت له‪:‬ال ِ‬


‫تبك عينك إ ّنما‬

‫‪ :1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪39:‬‬


‫‪ :2‬محمد بنيس‪ :‬الشعر العربي الحديث بنياته وابداالته التقليدية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪ ،2001 ،2/‬ص‪.185‬‬
‫‪ :3‬مسعود وقاد ‪،‬الموقف والتشكيل في الشعر اإلحيائي بين المعري وحافظ إبراهيم‪ ،‬األثر‪ ،‬مجلة اآلداب واللغات‪،‬جامعة‬
‫قاصدي مرباح‪ ،‬ورقلة‪،‬ع‪ 9،2010/‬ص‪299:‬‬

‫‪38‬‬
‫والمالحظ أن الشاعر يعتمد على المعجم اللغوي القديم أكثر من االعتماد على المعاناة اآلنية أو التأثر‬
‫الحالي‪ ،‬فليست معاناته هي الموجِّه لتجربته الفنية‪ ،‬والذي يق أر قصائد لبارودي يجزم بأن قائلها شاعر‬
‫بدوي من شعراء الجاهلية‪.‬‬
‫س ِائل‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوِا ْن ه َي لَ ْم تُْر ِج ْع َب َيا ًنا ل َ‬ ‫از ِل‬
‫س َم ا ْل َم َن ِ‬
‫اء َر ْ‬
‫َس َم َ‬
‫ِ‬
‫أَالَ َح ِّي م ْن أ ْ‬
‫الرحَّل الذين يقفون على رسوم المنازل ؟ واإلجابة‬ ‫أي (رسم) يتكلم الشاعر ؟ وهل كان من الشعراء ُّ‬ ‫فعن ِّ‬
‫ْ‬
‫طبعا أن "البارودي لم يكن واقعه ُّ‬
‫يمت بصلة إلى تلك الطائفة من الشعراء‪ ،‬لكنه يتجاهل واقعه المادي‬
‫الحسي ويعبر عن واقع يحمله في ذاكرته‪. 2‬‬

‫* مظاهر بالغية قديمة ‪ :‬الصورة البيانية والمجازية هي األخرى ارتحلت إلى قصائد االتباعيين ووجدت‬
‫لنفسها مكانا‪ ،‬مؤثرين استعمال الطباق والجناس والمقابلة والتورية والترصيع بكثرة باإلضافة إلى االستهالل‬
‫بالتصريع يقول‪:‬‬

‫فزدني صدوداً ما استطعت وال تألو‬ ‫وصالك لي هجر ‪،‬وهجرك لي وصل‬

‫همت اللقيا وال اجتمع الشمل‬


‫فال ّ‬ ‫عن المنى‬ ‫إذا كان قربي منك بعداً‬

‫وهكذا نرى أن المسألة "ال تنحصر في استعارة البارودي لكلمة أو عبارة أو شطر أو معنى بكامله من‬
‫الشعر القديم‪ ،‬فإن ما وقع فيه البارودي‪ ،‬وهو على رأس اإلحيائيين‪ ،‬من هذا القبيل ليس بالكثير‪ ،‬وهو‬
‫ليس أكثر من عالقة تدل على شدة التالحم بين شعره وأشعار القدماء من حيث المعاني والصور‬
‫‪3‬‬
‫والصياغة"‬

‫*التقليد المعنوي عند البارودي‪:‬وتتمثل في األغراض التقليدية التي استخدمها في أشعاره والمتمثلة فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫*الوقوف على األطالل‪:‬حافظ البارودي على هيكل القصيدة القديمة‪ ،‬فاسترسل في فتح قصائده بالوقوف‬
‫على األطالل وبكاء الدمن واآلثار يبكي ويستبكيرغم أن بيئته تختلف عن البيئة التي عاشوا فيها وينتقل‬
‫من غرض إلى آخر كالغزل أو الوصف ثم ينتهي إلى غرضه العام األساسي‪.‬يقول ‪:‬‬
‫وان هي لم ترجع بياناً لسائل‬ ‫حي من أسماء رسم المنازل‬
‫أال ِّ‬

‫‪ :1‬محمود سامي البارودي‪ :‬الديوان‪ ،‬ج‪ ،1‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪ ، 1998 ،‬ص ‪.462‬‬
‫‪ :2‬مسعود و قــاد‪،‬الموقف والتشكيل في الشعر اإلحيائي بين المعري وحافظ إبراهيم‪ ،‬ص‪298:‬‬
‫‪ :3‬محمد الكتاني‪ ،‬الصراع بين القديم والجديد في األدب العربي الحديث‪،‬دار الثقافة‪ ،‬المغرب‪ ،1982،‬ص‪254:‬‬

‫‪39‬‬
‫خالء تعفّتها الروامس والتقت عليها أهاضيب الغيوم الحوافل‬
‫‪1‬‬
‫أراني بها ما كان باألمس شاغلي‬ ‫فألياً عرفت الدار بعد ٍ‬
‫ترسم‬

‫على خطى الجاهلي ين تساءل البارودي على الوجه الذي ال يمت لعصره بصلة‪ ،‬والذي تجسد بفتح البيت‬
‫بأال االستفتاحية‪ ،‬مع سؤال الديار‪ ،‬استفتاح اقتصر على الشطر األول من البيت في جميع قصائده الذي‬
‫حدا به إلى طرح المعنى بشكل مباشر‪.‬‬

‫*مبالغات الفخر‪:‬جاء الفخر عنده على نحو ما ورد في شعر أبي فراس والمتنبي وغيرهما فهو في منفاه‬
‫في( سرنديب )يجلس جلسة أبي فراس في سجن( خرشنة) ويعلي صوته بالفخر على نحو يذكرنا بمبالغات‬
‫أبي فراس الفخرية ويتطرق إلى التباهي بالخالل الكريمة والجلد والصبر والشجاعة ويبين أنه محسود‬
‫المكانة علي الهمة يقول أبو فراس‪:‬‬
‫وال ذنب لي إن حاربتني المطالب‬ ‫علي طالب ِّ‬
‫العز في مستقره‬ ‫َّ‬
‫يقول البارودي‪:‬‬

‫ذنب لي إن عارضتني المقادر‬ ‫علي طالب ِّ‬


‫العز في مستقره وال‬ ‫َّ‬

‫فقد يشهد السيف الوغى وهو حاسر‬ ‫فال غرو إن حزت المكارم عارياً‬

‫َن ِعيم وال تَع ُدو علَ ْي ِه ا ْلمفَ ِ‬


‫اق ُر‬ ‫يه َع ْن َد َرِك ا ْل ُعال‬
‫أََنا ا ْلمرء ال يثِْن ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ َ ْ َ‬ ‫َ ُ َ‬

‫ص ُؤو ٌل وأَفْواهُ ا ْلم َنايا فَو ِ‬


‫اغ ُر‬ ‫ب‬ ‫الر َج ِ‬
‫ال َع َو ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫از ٌ‬ ‫الم ِّ‬
‫َح ُ‬
‫قَ ُؤو ٌل َوأ ْ‬

‫وال أََنا إِ ْن أَقْص ِاني ا ْلع ْدم ب ِ‬


‫اس ُر‬ ‫فَال أََنا إِ ْن أ َْد َن ِاني ا ْلو ْج ُد ب ِ‬
‫اس ٌم‬
‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬

‫س ِات ُر‬ ‫وال ا ْلما ُل إِ ْن لَم ي ْ ِ‬


‫ش ُرف ا ْل َم ْرُء َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ض فَ ِ‬
‫اض ٌح‬ ‫س ا ْل ِع ْر ُ‬
‫فَ َما ا ْلفَ ْق ُر إِ ْن لَ ْم َي ْد َن ِ‬

‫*انتزاع المعاني من األفكار القديمة‪:‬الديوان يظهر لنا أفكا اًر قديمة ترددت في أشعار أبي النواس والمتنبي‬
‫وخطب الحجاج وغيرهم من ذلك هذه الخمرية التي نجد لمعانيها صدى عميق في شعر أبي النواس حين‬
‫يصف مصارع الخمرة يقول البارودي‪:‬‬

‫إلى أن سقطنا لليدين و َّ‬


‫للنحر‬ ‫فمازلن يغرين الطال بعقولنا‬

‫‪ :1‬ديوان البارودي‪ ،‬ج‪،3/‬ص‪136:‬‬

‫‪40‬‬
‫جسد ما فيه روح سوى الخمر‬
‫ٌ‬ ‫له‬ ‫فمن واق ٍع يهذي وآخر ٍ‬
‫ذاهل‬

‫فيشدو بكفيه إلى مطلع النسر‬ ‫يظن الشهب منه قريب ًة‬
‫صريعٌ ُّ‬

‫وهذه األبيات تذكرنا بالصورة القديمة التي رددها أبو نواس‪:‬‬

‫وأستقي دمه من جوف مجروح‬ ‫الدن في ٍ‬


‫لطف‬ ‫ُّ‬
‫أستل روح ِّ‬ ‫مازلت‬

‫منطرح جسماً بال روح‬


‫ٌ‬ ‫الدن‬
‫و ُّ‬ ‫حتى انثنيت ولي روحان في جسد‬

‫ولم تكن رائعة المتنبي في وصف الحمى وما يرافقها من آالم نفسية لتغيب عن ذهنه يوم خاطب طبيبه‪:‬‬

‫فإ ّنما دائي الهوى‬ ‫فدع التكهن يا طبيب‬

‫ألم الصبابة ل ّذةٌ‬


‫ُ‬ ‫ولكل نفس داء‬

‫ودائي لو علمت دواء‬ ‫تحيا بها نفسي‬

‫لقد كان المتنبي أسرع منه إلى التقاط هذه الفكرة حين وضع اآلالم النفسية أمام الطبيب الذي يعالج جسداً‬
‫اد والشطر‬
‫محطماً في قوله‪:‬يقول لي الطبيب أكلت شيئاً وداؤك في شرابك والطعام وما في طبِّه أني جو ٌ‬
‫الثاني من قول البارودي (ودائي لو علمت دواء) مأخوذ من قول أبي نواس‪(:‬وداوني بالتي كانت هي‬
‫الداء)وتأثيرات خطب الحجاج في عبارته الشهيرة‪( :‬إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها)تتضح في‬
‫قوله‪:‬أرى رؤوساً قد أينعت لحصادها فأينوال أين السيوف القواطع‪.‬‬

‫معارضة الشعراء القدماء‪:‬يعارض البارودي رائية أبي نواس المشهورة ‪:‬‬

‫وميسور ما ُيرجى لديك عسير‬ ‫أجارة بيتنا أبوك غيور‬


‫فيقول مستهالً‪:‬‬
‫يحن ضمير وك ّل مشو ٍ‬
‫ق بالحنين جدير‬ ‫ّ‬ ‫أبى الشوق إلّـا أن‬
‫ومعرضا بالمظالم على عهد الحكومة االستبدادية‪ ،‬وقد‬
‫ً‬ ‫فاخرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫"رضيت بما ال أودهُ"‬
‫ُ‬ ‫كما نظم قصيدته‬
‫حاكى فيها قصيدة المتنبي التي مطلعها‪:‬‬
‫وأشكو إليها بيننا وهي جنده‪.‬‬ ‫توده‬
‫األيام ما ال ّ‬ ‫ُّ‬
‫أود من ّ‬
‫بلغت قصيدة البارودي ‪ 56‬بيتًا‪ ،‬عالج فيها خمس موضوعات‪ ،‬وهي‪ :‬شكوى الحب‪ ،‬شكوى الشيب‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وقد‬
‫شكوى األصحاب‪ ،‬شكوى الزمان‪ ،‬والفخر يقول فيها‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫الد ْه ـ ِـر َزْنـ ـ ُـده‬‫ئ َي ْق ـ ــوى َعلَى َّ‬ ‫ام ِر ٍ‬
‫َي ْ‬ ‫َوأ ُّ‬ ‫يت ِم َن ُّ‬
‫الد ْن َي ـ ـ ــا بِ َم ـ ــا ال أ ََوُّدهُ‬ ‫ض ُ‬ ‫رِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ض ـ ـ ُّـده‬ ‫وأ َْب ِغ ـ ــي وفَـ ــاء والطَّبِيـ ــعـ ـةُ ِ‬ ‫ُّد ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫يم ـ ـ ــهُ‬
‫ود َخص ُ‬ ‫صالً والص ُ‬ ‫َح ِاو ُل َو ْ‬
‫أَ‬
‫ٍ‬ ‫َح ِس ْب ُ‬
‫َخو َغ ـ ـ َـد َرات َيتَْب ـ ـ ــعُ اْل َهـ ْـز َل ِج ـ ـ ُّـدهُ‬ ‫أُ‬ ‫ت اْلهَ َوى َس ْهالً َولَـ ـ ْـم أ َْد ِر أََّنـ ــهُ‬
‫ِ‬ ‫تَ ِخ ُّ‬
‫ـب أَ َش ـ ُّـده‬ ‫ص ْع ـ ٍ‬ ‫َوَي ْع ُن ــو لَ ــهُ م ـ ْـن ُكـ ـ ِّـل َ‬ ‫ـي َرِزْي َنـ ـ ـ ـةٌ‬
‫‪1‬‬
‫ـالم َو ْه ـ َ‬
‫َحـ ُ‬
‫ف لَهُ األ ْ‬

‫‪ :1‬ديوان البارودي‪ ،‬ج‪،3/‬ص‪154:‬‬

‫‪42‬‬
‫المحاضرة الخامسة‬
‫التقليد األسلوبي والتجديد المعنوي‬
‫معروف الرصافي‪ ،‬أحمد رفيق المهدوي‪،‬‬
‫مصطفى خريف‬

‫‪43‬‬
‫التقليد األسلوبي والتجديد المعنوي‪:‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫تمسك الشعراء االتباعيون بأساليب القصائد القديمة ‪ ،‬وأن الخروج عنها ال يقبله عقل أو منطق ال يليق‬
‫بالشاعر العربي وعروبته التي تعيش وطأة االستعمار‪ ،‬وقهر الحرية المسلوبة‪ ،‬التي يحياها بهويته ولغته‬
‫وماضيه الذي يريد المستعمر طمسها بكل السبل والوسائل‪ ،‬وقد مثل هذا االتجاه في دواوينهم الشعرية كل‬
‫من الشاعر العراقيمعروف الرصافي والشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي‪ ،‬و التونسي مصطفى خريف‪.‬‬
‫‪/1‬التقليد األسلوبي والمعنوي لمعروف الرصافي‪،‬أحمد رفيق المهدوي‪ ،‬مصطفى خريف‪:‬‬
‫تتضح االتباعية األسلوبية للشعراء الحداثيون من خالل مايلي‪:‬‬
‫• تقليدهم لألساليب التعبيرية القديمة‪ ،‬والبناء التقليدي القائم على وجدة الروي والقافية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫التزامهم وتقيدهم باألوزان الخليلية‪.‬‬
‫• األساليب البيانية والبالغية‪ ،‬التي تفننوا في درجة تقليدها‪ ،‬حتى أصبح لكل شاعر قصائد مطابقة‬
‫للقصائد القديمة‪.‬‬
‫• رغم الحداثة وتغير العصور إال أن الشعراء االتباعيون ألزموا قصائدهم معجما شعريا بألفاظ‬
‫ومشتقات لغوية قديمة‪ ،‬كما اهتموا بجزالة اللفظ‪ ،‬ورصانة الديباجة‪.‬‬
‫تتضح االتباعية المعنوية من خالل العديد من الخصائص تظهر على مستوى الوجدان االتباعي وأغراضه‬
‫الفكرية كما يأتي‪:1‬‬
‫• محاكاة األبنية الفنية القديمة التي أنشأها الشعراء القدماء‪ ،‬ألن اإلتباعيين يرون أن كل قديم‬
‫جميل‪ ،‬وجدير بالمحاكاة‪ ،‬فدعوا إلى المحافظة على عمود الشعر‪.‬‬
‫• توجيه الشعر وجهة تعليمية‪ ،‬مؤثرين الظهور بمظهر االنفعال اإلنساني المقدس للمروءة‪،‬‬
‫والصدق والقيم األخالقية‪.‬‬
‫• استلهام المواضيع من الحوادث الكبرى واألعمال الجليلة‪ ،‬من هنا التفت األدب إلى ماضي‬
‫العرب المجيد محاوال استخالص العبر‬
‫‪ /2‬معروف الرصافي‪:‬‬

‫‪ :1‬السعدي مسايل‪ ،‬السند البيداغوجي لمقياس النص األدبي الحديث‪،‬جامعة محمد لمين دباغين‪ ،‬جامعة سطيف‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب واللغات‪ ،‬ص‪26:‬‬

‫‪44‬‬
‫اعتمد الرصافي صياغته اللفظية لقصائده الشعرية على قوالب القدماء في مدائحه‪ ،‬رغم أنه ينفي عن‬
‫شعره غرض المدح فتحس وأنت تق ار شعره أنك أمام ديباجة المتنبي وهو يمدح سيف الدولة‪ ،‬ويظهر ذلك‬
‫في قوله‪:‬‬
‫جحاجح من كعب كرام المعارق‬ ‫أمير نمته للمكارم والعلى‬
‫بحظ من المجد المؤثل فائق‬ ‫كذلك أعلى اهلل في الناس كعبه‬
‫إذا سار سار المجد في طي برده يرافقه‪ ،‬أكرم به من مرافق‬
‫وينزل من أحسابه في سرادق‬ ‫فيرحل من أنسابه في مواكب‬
‫‪1‬‬
‫سوى نظر منهم بعيني مسارق‬ ‫وان جاء أغضى من رآه تهيبا‬
‫ويبدو تأثره الواضح بمعلقة طرفة في قصيدته "السجن في بغداد" التي بناها على البحر والروي نفسه‬
‫وفيها يقول مضمنا‪:‬‬
‫لخولة أطالل ببرقة ثمهد‬ ‫عفا رسم مغنى العز كما عفت‬
‫كما يسلك أسلوب التعبير الذي توضح في شعر دريد بن الصمة الجاهلي القائل‪:‬‬
‫غويت وان ترشد غزية أرشد‬ ‫وما أنا إال من غزية إن غوت‬
‫فيقول‪:‬‬
‫وهل أنا إال من أولئك امشوا مشيت وان يقعد أولئك أقعد‬
‫ف الرصافي نظم شعره في األغراض التقليدية كالوصف والرثاء‪..‬والفخر‪ ،‬والمدح والغزل‪ .‬إال أنه جدد في‬
‫األغراض الشعرية فنظم القصيدة "العلمية"‪ ،‬كما تحدث عن الدهر وفلسفة الوجود و"السياسة"‪ ،‬إذ هاجم‬
‫سياسة "المستعمرين" و"العثمانيين" ودافع عن "الحرية"‪ ،‬ودعا إلى االشتراكية‪ ،‬فقال في قصيدة "إلى‬
‫العمال‪":‬‬
‫إنما الحق مذهب االشتراكية فيما يختص باألموال‬
‫قديما في غابر األجيال‬ ‫مذهب قد نحا فيه (أبو ذر)‬
‫مبدأ ذو قصائد ضامنات ما ألهل الحياة من آمال‬

‫‪ :1‬نسيب النشاوي‪ :‬مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،1984‬ص ‪86‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ /3‬أحمد رفيق المهدوي‪:‬‬
‫يعد أحمد رفيق المهدوي شاعر الوطنية الليبية من أهم رواد األدب الحديث ‪ ،‬ويعد أدب رفيق وثيقة‬
‫تاريخية مهمة لعصره وبيئته الحضارية؛ وبالنظر إلى شعره نجد أن خصائص هذا الشعر تنتمي إلى‬
‫المدرسة التقليدية الحديثة‪ ،‬وقد تأثر بأعالم هذه المدرسة أمثال أحمد شوقي وحافظ إبراهيم‪ ،‬وجميل صدقي‬
‫الزهاوي‪ ،‬ومعروف الرصافي؛ فليس ثمة صعوبة في إدراك مدى تأثر رفيق بهذه المدرسة‪ ،‬ومدى الصلة‬
‫بينه وبينها؛ حيث ‪1‬تنعكس في شعره جميع مظاهر هذه المدرسة‪ ،‬ومالمحها التعبيرية‪،1‬لقد تأثر رفيق في‬
‫تكوينه الشعري بالشاعر االتباعي المحافظ حافظ إبراهيم‪ ،‬ومثال ذلك قوله‬
‫في حب مصر كثيرة العشاق‬ ‫كم ذا يكابد عاشق ويالقي‬
‫بين الشمائل هزة المشتاق‬ ‫ويهزني ذكرى المرؤة والندى‬
‫غرارها تحمل نفس المعاني فقال‪:‬‬ ‫فقد نظم أحمد رفيق قصيدة على‬
‫يوم الفراق فهل يكون تالق‬ ‫كادت تطير بأضلعي أشواقي‬
‫ودعت راحة قلبي الخفاق‬ ‫ودعته واهلل يشهد أنني‬
‫فرفيق كان له دور مهم جدا في إرساء دعائم المدرسة االحيائية‪ ،‬عبر نظمه قصائد في أغراض الشعر‬
‫التقليدية‪ ،‬إال أنه في الوقت نفسه حمل نفسة على التجديد حيث دعا إلى طرح القافية والتخلص منها وفي‬
‫ذلك يقول‪:‬‬
‫ويخلص من ربقة القافية‬ ‫أما أن للشعر أن يستقل‬
‫‪2‬‬
‫بتقليدنا األعصر الخالية‬ ‫فقد طال واهلل تقييده‬
‫فرفيق بعدما " استوى ونضج مفهوم القالب الشعري في وعيه‪ ،‬ولم تعد القصيدة في شعره ترتكز على وحدة‬
‫البيت في الغالب‪ ،‬بل أصبحت بنية حية‪ ،‬متالحمة النسج‪ ،‬موحدة الموضوع‪ ،‬يأخذ بعضها بحجز بعض‪،‬‬
‫وكأنها فصلت على هذا القالب‪ ،3"،‬ليسلك طريقا مغاي ار تجديديا وذلك من حيث ترتيب التفاعيل في‬
‫الثنائية" فالبيت يتكون من مصرعين‪ ،‬ولكنهما غير متساويين في عدد التفاعيل ‪ ،‬حيث جاء في أكثر من‬

‫‪ :1‬خليفة محمد التليسي‪ ،‬رفيق شاعر الوطن‪ ،‬الدار العربية للكتاب ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،1965،‬ص‪67‬‬
‫‪ :2‬محمد الصادق عفيفي‪ ،‬أحمد رفيق المهداوي رائد التجريد الموسيقي في الشعر الليبي‪ ،‬مجلة عالمات في النقد‪،‬ع‪27/‬‬
‫‪،1998،‬ص‪239:‬‬
‫‪ :3‬المرجع نفسه‪،‬ص‪240:‬‬

‫‪46‬‬
‫نموذج بتفعيلتين على السطر بقافية معينة‪،‬ثم أردفها على السطر نفسه بتفعيلة واحدة‪ ،‬بقافية‬
‫مغايرة"‪،1‬ومثال ذلك قوله في قصيدة " ثغور الورد"‪:‬‬
‫خبريني‬ ‫يا ثغور الورد هيا‬
‫وانعشيني‬ ‫أرسلي األنفاس ريا‬
‫يا ندية‬ ‫واملئي الكون بطيب‬
‫لي هدية‬ ‫وابعثي ذكرى حبيب‬
‫‪/4‬مصطفى خريف‪:‬‬
‫يقترب مفهوم الشعر لدى مصطفى خريف من المفهوم الذي كان يأخذ به أبو القاسم الشابي أنه تجربة‬
‫اإللهام و اإلبداعُ‪ ،‬لكنه في‬
‫ُ‬ ‫ق بالمثل العليا و‬
‫الصدق و التعل ُ‬
‫ُ‬ ‫ذاتية عميقة تتأسس على أربع دعائم هي ‪:‬‬
‫الممارسة كان أقرب إلى الكالسيكيين‪،‬وتعتبر قصيدة “يا ليل الصب…‪ ”.‬التي عارض بها قصيدة علي‬
‫الحصري ( توفي سنة ‪ 488‬هـ ) واقتبس عنوانها من مطلعها من أشهر قصائد ‪:‬‬

‫ترد ُدهُ‬
‫ام ّ‬ ‫لألي ِام نشيدي و ّ‬
‫األي ُ‬ ‫سأغ ّني ّ‬
‫وصو‬ ‫ِ‬
‫القلب ْ‬ ‫لسان‬
‫ُ‬ ‫عر‬
‫ش ُ‬‫فال ّ‬

‫ش ُين ِج ُدهُ‬
‫وج ْي ٌ‬
‫الحق َ‬
‫ِّ‬ ‫ت‬
‫ُ‬
‫س‬
‫قب ٌ‬
‫عر من األعلى َ‬ ‫ش ُ‬‫وال ّ‬
‫ش ِّك ّ‬
‫يبد ُدهُ‬ ‫ِ‬
‫لظالم ال ّ‬
‫تدعٌ‬
‫بيان مب َ‬
‫عر ٌ‬ ‫ش ُ‬
‫وال ّ‬

‫يجوز مقلّ ُدهُ‬


‫ُ‬ ‫هيهات‬
‫َ‬

‫شعـْ‬
‫عر َد ٌم يجري في ال َ‬
‫ش ُ‬‫وال ّ‬
‫ويسد ُده‬
‫ّ‬ ‫ِب ِِ ّ‬
‫يقو ُمه‬
‫رد‬
‫موح مطّ ٌ‬
‫عر طُ ٌ‬
‫ش ُ‬‫وال ّ‬

‫يتزوُدهُ‬
‫طوبى لفتًى ّ‬
‫َ‬

‫‪ :1‬المرجع السابق‪ :‬ص‪242/241‬‬

‫‪47‬‬
‫للمثل األعلى‬
‫َ‬ ‫يتوج ُه‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫ش ُدهُ‬
‫جميعا َي ْن ُ‬
‫ً‬ ‫و ِ‬
‫الكون‬
‫لكن بنظرنا للمستوى اإلجرائي نجد شعر مصطفى خريف بعيدا كل البعد عن شعر الشابي ال من حيث‬
‫الرؤية وال من جهة تماسك التجربة وعمقها‪،‬وال ندل على ذلك من جمعه – وهو أمر شديد الغرابة – بين‬
‫الع َمري و على نحو‬
‫الغزل الروحي طبقا للنمط العذري و الغزل المادي الجسدي اإلب ـ ــاحي وفقا للنمط ُ‬
‫متقارب جدا كميا‪ .‬وان أول مالحظة تعن للمتأمل في قصائد هذا الباب هي أنه يتجاذبها محوران متقابالن‬
‫تقابال كليا هما‪ :‬الحب الروحي الخالص والحب الحسى الجسدي‪.‬‬

‫‪ :1‬مصطفى خريف‪ ،‬شوق وذوق‪ ” ،‬ذكريات ومراث”و” صفحات من ديوان الحماسة‪ ،،‬الشركة التونسية لفنون الرسم‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪ 1965‬ص‪203:‬‬

‫‪48‬‬
‫المحاضرة السادسة‬
‫المدرسة الرومنسية في الشعر ‪:‬سمات‬
‫اإلبداعية‬

‫‪49‬‬
‫المدرسة الرومنسية في الشعر ‪:‬سمات اإلبداعية‪:‬‬

‫‪ /1‬الرومانسية الماهية والمصطلح‪ :‬من المصطلحات التي أثارت جدال عند النقاد‪ ،‬التساع فلك المعنى‬

‫الذي تدور فيه‪ ،‬حيث "تتضح صعوبة الوصول إلى تعريف محدد للمصطلح‪ ،‬من خالل المحاوالت التي‬
‫جرت من قبل بعض مؤرخي األدب في عام ‪ ،1925‬الذين أحصوا أكثر من مئة وخمسين تعريفا‪ ،‬في‬
‫سبيل وضع تعريف محدد للرومانسية‪،‬وقد سبقتها محاولة أخرى على يد األلماني شليجل الذي جمع‬
‫محاوالت تعريف الرومانتيكية في مائة وخمس وعشرين صفحة"‪.1‬‬

‫الرومانسية ‪romonticism‬إن الالحقة ‪ ism‬في اللغة االنجليزية عند إضافتها إلى الكلمة تعني اتجاها‬
‫أو عقيدة أو مذهبا‪ ،‬والغالب أن تضاف الالحقة ‪ ism‬إلى الصفة ال إلى اإلسم‪ ،‬فكلمة رومانس‬
‫‪ Romance‬إسم‪ ،‬ورومانتيك ‪ Romantic‬الصفة المشتقة منه‪ ،‬وأضيفت عالمة الحركة أو االتجاه‬
‫‪ism‬إلى هذه الصفة فأصبحت رومانتيسزم ‪ Romanticism‬بينما نجد كلمة رومانس‪ Romance‬اسم‬
‫وصفة‪ ،2‬والرومانسية في األدب اتجاه فني في األدب يتميز أساسا‪ ،‬بطغيان العاطفة على ما عداها من‬
‫مقومات‪ ،‬والقول بطغيان العاطفة يعني تفجر األحاسيس والمشاعر وتماديها‪ ،‬بحيث يغرق في لججها‬
‫الصاخبة كل تفكير عقلي ومنطقي‪ ،‬يصبح الخيال المشحوذ والملتهب في خدمة الغرض العاطفي‪،3‬‬
‫فبواعث األدب بعد الكالسيكية تغيرت‪ ،‬فبعد أن كانت تحاكي القدماء‪ ،‬وتعتمد الموضوعية والعقل‪،‬‬
‫أصبحت عند الرومانسيين تعبر عن االنفعال العاطفي‪ ،‬وتدعو إلى أدب حر من القيود‪.‬‬

‫‪/2‬األدب الرومانسي الغربي‪ :‬تعود بدايات الرومانسية إلى العصور األولى‪ ،‬فهي قديمة قدم األساطير‬
‫اإلغريقية‪ ،‬ثم انطلقت من جديد في القرنين الثاني عشر والثالث عشر المالديين مع ازدهار األعمال‬
‫األدبية الخيالية‪ ،‬وفي عصر النهضة ازدهرت من جديد بعد انقالب غير مجرى الحياة في أروبا فلسفيا‬
‫واجتماعيا وسياسيا‪ ،‬انهارت نظم وامبراطوريات‪ ،‬وظهرت أشكال أخرى للحكم‪ ،‬وقامت عقائد جديدة مسايرة‬
‫لروح العصر‪،‬وكان من نتائج االنقالب انتقال الحياة االجتماعية من عصر األستقراطية واالقطاع إلى‬

‫‪ : 1‬أسامة خليل عبد الحافظ‪ ،‬التيار الرومانسي في الشعر العربي الحديث (دراسة تحليلية تاريخية)‪ ،‬رسالة دكتوراه في األدب‬
‫العربي الحديث‪ ،‬إشراف‪ :‬عبد اهلل محمد أحمد‪ ،‬جامعة النيلين‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬قسم اللغة العربية‪،2009 ،‬ص‪18:‬‬
‫‪ :2‬ي نظر‪ :‬أسامة خليل عبد الحافظ‪ ،‬التيار الرومانسي في الشعر العربي الحديث (دراسة تحليلية تاريخية)‪ ،‬رسالة الدكتوراه‬
‫في األدب العربي الحديث‪،‬ص‪18:‬‬
‫‪ :3‬فايز ترجيني‪ ،‬الرومانسية في األدب‪ ،‬دراسات عربية‪ ،‬مجلة فكرية اقتصادية اجتماعية‪ ،‬ع‪ ،8/7‬السنة ‪ ،24‬أيار‪،‬‬
‫حزيران‪ ،‬مايو‪ ،‬يونيو‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪،1988 ،‬ص‪122/121:‬‬

‫‪50‬‬
‫عصر البرجوازية والطبقة الوسطى‪ ،‬وابتداء عصر اآللة التي قللت من شأن الفرد وقيمته في العمل الفني‪،‬‬
‫وازدهرت الرومانسية بعد أن ثارت على القيود الفنية التي تجسد على يد أعالم أفذاذ أمثال روسو‪،‬‬
‫غوتة‪،‬وشاتوبريان‪ ،‬المرتين‪ ،‬هيغو‪ ،‬موسيه‪ ،‬ومن أهم مبادئها من حيث المضمون‪:1‬‬

‫*الفرد وعالقته بالمجتمع‪ :‬ثار الرومانسي على النظام االجتماعي السائد أنذاك من أجل رفع الظلم عن‬
‫الفرد وابراز ذاتيته التي شوهتها اآللهة‪ ،‬فعالقة الرومانسيين بمجتمعهم أنشأت عالقتهم بالدين‪ ،‬حيث آمنوا‬
‫بوجود إله لكنهم تمردوا عن سلطانه‪ ،‬األمر الذي جعلهم يحسون بأنهم بجاجة إلى عقيدة دينية على أساس‬
‫عاطفي‪ ،‬فهم لم يتقيدوا بدين سماوي‪ ،‬وأخلطوا بين الخير والشر‪ ،‬وانهم مكرهون على الشر‪،‬كما أنهم تمردوا‬
‫وثاروا على القدر‪ ،‬وبأن الضحية لم تتقصد ارتكاب الخطأ بل سيقت إليه سوقا‪.‬‬

‫* اإلحساس بالغربة واأللم والتعاطف مع البؤساء إن القلق والحزن الذي أحسه الرومانسي وجعلة يعيش‬
‫العزلة واالنطواء ‪ ،‬حدا به إلى الهروب إلى الطبيعة‪ ،‬إو إلى إلة عاطفي أو إلى داخل نفسه باحثا عن‬
‫نفسه‪ ،‬ونتيجة إحساسه باأللم‪ ،‬أحس بالمعاناة‪ ،‬وتعاطف مع المقهورين‪ ،‬خاصة بعد االنقالب الصناعي‬
‫وانتشار الطباعة‪ ،‬وبروز الطبقة الوسطى‪ ،‬ومثال ذلك رواية " البؤساء" لفكتور هيغو‪.‬‬

‫*عالم الخيال واألحالم‪ :‬األلم‪ ،‬الحزن‪ ،‬الشعور بالغربة واالنطواء على الذات‪ ،‬كل هذا جعل الرومانسي‬
‫يستند على عالم الخيال الذي يمثل له عالما مثاليا هروبا من الواقع ‪ ،‬وعالم المادة‪ ،‬فاألحالم والخيال عنده‬
‫خير وسيلة للوصول إلى عالم السعادة الحقيقية‪ "،‬وهذا ما جعل هيغو يعتبر الحلم منفذا إلى عالم الخلود‪،‬‬
‫وبأن اإلنسان يدرك في الحلم ماال يدركه في الواقع"‪.2‬‬

‫*الطبيعة‪ :‬المدينة لم تعد مالذ األمان للرومانسيين‪ ،‬ما جعلهم يلتمسون السلوى في الطبيعة‪ ،‬العالم الذي‬
‫لم تفسده قوانين المدن‪ ،‬ليتحول حبهم إليها إلى عبادة‪ ،‬فيزعمون أنهم يرون اهلل فيها‪ ،‬وأكثر مظاهر‬
‫الطبيعة اجتذابا لهم الليل‪ ،‬ألنه يمثل عالم الوحدة الذي يسود الصمت الذي يستدعيه للهدوء والتحرر الذي‬
‫يبحث عنه‪ ،‬ويمحو الحدود والفوارق‪ ،‬كما أحبو فصل الخريف الذي يشبه نفسيتهم الحزينة‪.‬‬

‫*الحب‪ :‬اعتبر الرومانسيين عاطفة الحب عاطفة مقدسة‪،‬ووسيلة للتسامي‪ ،‬وفضيلة من الفضائل‪،‬وهو‬
‫األساس الروحي للعالقات‪ ،‬يؤدي بهم إلى نكران الذات واكتمالها في الطرف اآلخر‪ ،‬باإلضافة إلى اعتباره‬
‫الطريق الذي يؤدي بهم إلى اهلل‪ ،‬وهذه القدسية قادتهم إلى تقديس التي اعتبروها مالكا هبط من السماء‪.‬‬

‫‪ :1‬ينظر‪:‬فايز ترجيني‪ ،‬الرومانسية في األدب‪ ،‬دراسات عربية‪ ،‬مجلة فكرية اقتصادية اجتماعية‪،‬ص‪121:‬‬
‫‪ :2‬ينظر‪:‬المرجع السابق‪،‬ص‪124:‬‬

‫‪51‬‬
‫‪/3‬القضايا الفنية للرومانسية‪:‬‬
‫عمد الرومانسيون إلى التخلص من المفردات والعبارات والتراكيب البيانية التي فرضها عليهم تقليد‬
‫األقدمين كما اتبعوا المفردات والعبارات المواكبة لروح العصر‪ ،‬وأن يتركوا العنان للحالة النفسية بأن تفرض‬
‫عليهم وسائلها التعبيرية الخاصة بها‪،‬كما جددوا في الشعر والمسرحية والقصة والنقد األدبي‪ ،‬ففي الشعر‬
‫اتسعت موضوعاته ومعانيه وقوالبه الفنية‪ ،‬واختلطت المعاني الفلسفية بالدينية والصوفية‪ ،‬كما جددوا في‬
‫األوزان‪ ، ،‬ومن المواضيع الجديدة وصفهم لألسرة وشؤون الحياة اليومية‪ ،‬ومسرحيا قضت طبيعة المذهب‬
‫الرومانسي على األدب التمثيلي‪ ،‬الذي يقوم على إثارة العاطفة وتحريك الخيال‪ ،‬كما افسحت المجال‬
‫لظهور المؤلف أمام الجمهور‪.1‬‬

‫‪ :1‬ينظر‪ :‬المرجع السابق‪،‬ص‪126:‬‬

‫‪52‬‬
‫المحاضرة السابعة‪:‬‬
‫نشأة الرومنسية العربية‬

‫‪53‬‬
‫نشأة الرومنسية العربية‪:‬‬

‫‪/1‬تمهيد‪:‬‬

‫لم تظهر الرومانسية إال ألن الكالسيكية كانت سائدة‪ ،‬فالنهضة الشعرية التي بدأها الشعراء اإلحيائيون‬
‫بريادة البارودي‪ ،‬كان البد لها أن تواصل مسيرتها‪ ،‬ليأتي التيار الرومانسي ويعزز النقلة الشعرية التي‬
‫تدعوا إلى حتمية التغيير المنبني على مفاهيم ومعايير جديدة ‪ ،‬وهي مثل كل المذاهب األدبية جاءت‬
‫تعبي ار عن توجه فكري يجسد طبيعة العصر وروحه‪.‬‬
‫ففي بداية القرن العشرين شهد األدب العربي العديد من المتغيرات دفعتهم إلى تبني الرومانسية‪ ،‬فسيطرة‬
‫االستعمار الغربي على الوطن العربي‪ ،‬وحاجة شعوبه للحرية‪ ،‬وهجرة الشعراء واألدباء تحت ضغط الفقر‬
‫والظلم‪ ،‬واحساسهم بالقهر واالستعباد والغربة واأللم‪ ،‬والحنين إلى الوطن‪ ،‬كل هذا دفعهم إلى االلتزام‬
‫بالرومانسية كمذهب غربي له مبادئه وأصوله‪ ،‬التي اختاروا منها ما يروقهم ويناسبهم وينسجم مع أفكارهم‬
‫وتطلعاتهم‪.1‬‬
‫‪ /2‬مبادئ الرومنسية وتجليها في القصيدة العربية‪:‬‬
‫فاألدب العربي تأثر بالرومانسية نتيجة الترجمات التي انكب أدباؤنا وشعراؤنا على قراءتها وترجمتها‪،‬‬
‫من مثال نقوال فياض وشبلي مالط وعلي محمود طه بخيرة الذين ترجموا لالمرتين‪ ،‬وأبو شبكة وأحمد‬
‫حسن الزيات آالم فارنز لغوتة‪ ،‬فأثرت هذه الترجمات تأثي ار إيجابيا‪ ،‬وانتقلت عدوى مبادئ الرومانسية‬
‫لألدب العربي ممثلة في‪:2‬‬
‫*الطبيعة‪ :‬تعد الطبيعة ملجأ الرومانسيون حيث تغنوا بسحرها وجمالها ‪ ،‬فالغاب في نظر جبران خليل‬
‫جبران والشابي تعد الملجأ الوحيد للراحة والسكينة من عناء البشر وأباطيلهم‪ ،‬والحياة المليئة باآلثام‬
‫والشرور‪ ،‬واإلصغاء إلى خرير الماء والجداول واستنشاق رائحة الزهور بالنسبة إلليا أبي ماضي يرجع‬
‫الروح وعلى اإلنسان االستمتاع بها قبل أن تفقد الحياة بهجتها‪ ،‬والطبيعة تتثير الشاعر الرومانسي‬
‫المهجري فيتذكر أهله وأحبته‪.‬‬

‫‪ :1‬ينظر‪ :‬أسامة خليل عبد الحافظ‪ ،‬التيار الرومانسي في الشعر العربي الحديث (دراسة تحليلية تاريخية)‪ ،‬رسالة دكتوراه‬
‫في األدب العربي الحديث‪ ،‬إشراف‪ :‬عبد اهلل محمد أحمد‪ ،‬جامعة النيلين‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬قسم اللغة العربية‪،‬‬
‫‪،2009‬ص‪18:‬‬
‫‪ :2‬ينظر‪ :‬فايز ترجيني‪ ،‬الرومانسية في األدب‪ ،‬دراسات عربية‪ ،‬مجلة فكرية اقتصادية اجتماعية‪ ،‬ع‪ ،8/7‬السنة ‪،24‬‬
‫أيار‪ ،‬حزيران‪ ،‬مايو‪ ،‬يونيو‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪،1988 ،‬ص‪129:‬‬

‫‪54‬‬
‫وفي هذا يقول رشيد أيوب‪:‬‬
‫ذ َكــرتــنــي أهــلي بــلُبــ َن ِ‬
‫ــان‬ ‫ـجـت أشـجـاني‬
‫هـي َ‬
‫ثـلج قـد ّ‬ ‫يا ُ‬
‫ال يـرعـى حـرمـ َة العـهد‬
‫مـا ز َ‬ ‫ِ‬
‫بــاهلل َعــ ّنــي قُــل إلخـوانـي‬
‫شـادي‬ ‫ـصـتـاً لِ َغ ِ‬
‫ـذيـره ال ّ‬ ‫ُمــتَــ َن ّ‬ ‫ثـلج قـد ذ ّكـرتني الوادي‬
‫يـا ُ‬
‫سـت بحضنه الهادي فَــكــأ ّنــنــي فـي جـ ّن ِـة ال ُخ ِ‬
‫ـلد‬ ‫كـم قـد َجـلَ ُ‬
‫َ‬
‫الخريف والشتاء أكثر فصلين تتعرى فيه الطبيعة‪ ،‬فصال األمطار والعواصف‪ ،‬حيث تعم الوحشة والكآبة‪،‬‬
‫لتتالقى مع طبيعة الرومانسيين الساهمة‪ ،‬وروحهم المريضة‪ ،‬التي ال ترى الحياة إال القلق واالضطراب‪.‬‬
‫يقول أبو القاسم الشابي‪:‬‬
‫ور بنحسي‬ ‫يخنق ُّ‬
‫الزُه َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫كل َما‬ ‫كالريا ِح فأطوي‬ ‫كنت ِّ‬
‫ليتني ُ‬
‫الخريف بقرسي‬
‫ُ‬ ‫ك ّل َما أَذ َْب َل‬ ‫شي‬ ‫كالش ِ‬
‫تاء أُ َغ ِّ‬ ‫كنت ِّ‬
‫ليتني ُ‬
‫إليك ثَْوَرةَ نفسي‬
‫فأَلقي َ‬ ‫قوةَ العو ِ‬
‫اصف يا شعبي‬ ‫ليت لي َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫للحياة بنبسي‬ ‫فأدعوك‬
‫َ‬ ‫َّت‬
‫إن ضج ْ‬ ‫ِ‬
‫َعاصير ْ‬
‫قوةَ األ‬
‫ليت لي َّ‬
‫َ‬
‫الليل وسكونه ينقل الرومانسيين إلى عالم ملؤه الصفاء‪ ،‬يقول أبو القاسم الشابي‪:‬‬
‫وحيه في فؤادي المفتون‬ ‫آه ما أجمل الظالم وأقوى‬
‫يمشي على الذرى والحزون‬ ‫أنظري الليل فهو ثلة أحالمي‬
‫فالطبيعة بكل مافيها كانت العشق الذي عبر من خالله الرومانسي عن ذاته وتوجد معها‪ ،‬وشاركها‬
‫حزنه وآالمه وأحالمه‪.‬‬
‫*اإلحساس بالغربة‪ :‬حنين الرومانسي إلى الوطن وهو في المهجر‪ ،‬وقد تركه وراءه مستعم ار فقي ار ظل‬
‫يلحقة‪ ،‬فرغم شتاته الذي جعله يغادره إال أن حبه في قلبه نابض‪.‬‬
‫يقول فوزي المعلوف في قصيدة بعنوان الغربة في الوطن‬

‫يل َوَال قَ ِب ْ‬
‫يل‬ ‫أ ََّنى أ ِ‬
‫َم ْ‬ ‫أ َْم ِري َع ِج ْ‬
‫يب أََنا ال َغ ِر ْ‬
‫يب‬
‫وَال وطَ ْن أَْلقَى ِ‬
‫الم َح ْن‬ ‫ُم ْم فَ َال َعلَ ْم‬
‫َ َ‬ ‫َب ْي َن األ َ‬
‫‪1‬‬
‫س ُبوا‬
‫اس َوا ْنتَ َ‬ ‫َمام َّ‬
‫الن ِ‬ ‫إِ َذا ا ْنتَ َ‬ ‫أََنا ال َغ ِر ُ‬
‫ت أَ َ‬
‫س ْب ُ‬ ‫ط ٌن‬
‫يب فَ َال أَه ٌل َوَال َو َ‬
‫الشعور بالكآبة واأللم المظهر الثاني لإلحساس بالغربة‪ ،‬وفي ذلك يقول فوزي المعلوف‪:‬‬
‫تضحك إال لتبكي العيونا‬ ‫ألم كلها الحياة فما‬

‫‪ :1‬ديوان فوزي المعلوف‪ ،‬مؤسسة هنداوي لنشر المعرفة والثقافة ‪،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪49:‬‬

‫‪55‬‬
‫والمظهر الثالث لإلحساس بالغربة‪ ،‬الشعور بالحيرة والقلق والحزن والتشاؤم‪ ،‬فالرومانسيون عبر هذا‬
‫المظهر طغت علي نفوسهم أسئلة كثيرة‪ ،‬عن الخير ومنازعها‪ ،‬وعن الموت أهو بداية أم نهاية‪ ،‬وعن‬
‫المصير بعد الموت‪ ...‬يقول جبران خليل جبران‪:‬‬
‫ما خال منك قلبها المشغول‬ ‫غلب الموت فالحياة ثكول‬
‫في العباب العريض منها خفوق موجه آخر المدى يستطيل‬
‫*الثورة االجتماعية‪ ،‬الفرد وعالقته بالمجتمع‪ :‬الكآبة‪ ،‬الحزن‪ ،‬الحنين‪ ،‬األلم‪ ،‬الحيرة‪ ،‬القلق‪ ...‬التي أحس‬
‫بها الرومانسي ناتجة عن عالقته بمجتمعه وما يعانيه من ظلم وجمود‪ ،‬دعوا إلى الثورة ضد كل ما يعيق‬
‫نمو المجتمع‪ ،‬يقول الشابي‪:‬‬
‫فأهوي على الجذوِع بفأسي‬ ‫كنت حطَّاباً‬
‫ب ليتني ُ‬ ‫أَيُّها َّ‬
‫الش ْع ُ‬
‫ِ‬
‫برمس‬ ‫القبور رمساً‬ ‫تَ ُه ُّد‬ ‫سالت‬
‫ْ‬ ‫كالس ِ‬
‫يول إِذا‬ ‫كنت ُّ‬
‫ليتني ُ‬
‫َ‬
‫ور بنحسي‬ ‫يخنق ُّ‬
‫الزُه َ‬ ‫ُ‬ ‫كل َما‬ ‫َّ‬ ‫كالريا ِح فأطوي‬ ‫كنت ِّ‬
‫ليتني ُ‬
‫الخريف بقرسي‬
‫ُ‬ ‫ك ّل َما أَذ َْب َل‬ ‫شي‬ ‫كالش ِ‬
‫تاء أُ َغ ِّ‬ ‫كنت ِّ‬
‫ليتني ُ‬
‫*الحب‪:‬تأثر الرومانسيون بمظاهر الحب عند الغربيين‪ ،‬فوصفوا المرأة ومحاسنها‪ ،‬ولوعة الوقوع في حبها‪،‬‬
‫يقول إلياس أبو شبكة في ذلك‪:‬‬
‫صبي ٌة تغبطُها العذارى‬ ‫اسمها المعطا ار‬
‫اء ما أحلى َ‬
‫غلو ُ‬
‫أجمل منها مطلعا‬
‫َ‬ ‫قصيدةً‬ ‫شاعر أن يبدعا‬
‫ٌ‬ ‫ال يستطيعُ‬
‫شها ارتعاش ُة األنو ِ‬
‫ار‬ ‫تنع ُ‬ ‫نو ِ‬
‫ار‬ ‫هار في َّ‬
‫صوُر األز َ‬
‫تُ ِّ‬
‫ساق ِّ‬
‫الفل واألقا ِح‬ ‫ُّ‬
‫يهز َ‬‫النسيم في الصبا ِح‬
‫َ‬ ‫تصوُر‬
‫ِّ‬
‫*الدين‪ :‬كان للدين أثر بارز غي األدب الرومانسي العربي‪ ،‬واختلف من شاعر آلخر‪ ،‬فجبران تأثر‬
‫بالتوراة والديانة المسيحية ودعا إلى محبة المسيح‪ ،‬والياس أبو شبكة هو اآلخر كان رسول أدب التوراة‬
‫في العالم العربي‪ ،‬فاألول كان صديقا لرجال الدين محاوال نشر الطهارة والصفاء في المجتمع‪،‬والثاني كان‬
‫ثائ ار على الدين ورجاله‪.‬‬
‫يتميز أسلوب الرومانسيين في العموم ببعده عن التكلف والصناعة‪ ،‬وصورهم البيانية تصقل الذوق‪،‬‬
‫وعواطفهم وانفعاالتهم تتحول من خالل أسلوبهم إلى صور كلها مشاعر‪ ،‬عبروا عنها بخيال حسي وصور‬
‫مسلوخة من عالم الواقع‪ ،‬أما التراكيب فقد تميزت بالبساطة وأحيانا بالرتابة والتكرار لبعض المعاني‬
‫واأللفاظ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫المحاضرة الثامنة‬
‫دعوات التجديد ( مدرسة الديوان)‬

‫‪57‬‬
‫دعوات التجديد ( مدرسة الديوان)‪:‬‬

‫‪/1‬تمهيد‪:‬‬
‫إن األدب والنقد خالل القرن العشرين تميز برؤية نهضوية تجديدية تطورية انتقال فيها من االنحطاط‬
‫والتقليد إلي النهضة واإلحياء‪ ،‬رؤية مهدت السبيل لدخولهما في طريق يختلف كليا عما كانا عليه في‬
‫السابق‪ ،‬أسست له الجماعات األدبية النقدية‪ ،‬لتكون مدرسة الديوان في مقدمة الجماعات األدبية بآرائها‬
‫وعقائدها‪ ،‬كما قامت على محور إنعاش ودفع عجلة النقد العربي إلى األمام‪ ،‬بقيادة روادها "عباس محمود‬
‫العقاد"‪ ،‬و"إبراهيم عبد القادر المازني"‪ ،‬و"عبدالرحمن شكري"‪ ،‬مشكلين ثالوثا تجمعه الوحدة الفكرية‬
‫والشعورية ‪ ،‬والذي يظهر للعيان من خالل مصطلح المدرسة الذي يدل داللة واضحة على وحدة الفكر‬
‫واآلراء‪ ،‬كما يعني " أن مجموعة من األدباء تشابهت أساليبهم وتقاربت إلى أن ألفت مذهبا له جماعة"‪،1‬‬
‫مدرسة تثقف جيلها باألدب اإلنجليزی وغيره‪.‬‬
‫‪ /2‬سبب التسمية‪:‬‬
‫مدرسة الديوان سميت بهذا االسم نسبة إلى كتاب (الديوان في األدب والنقد)‪ ،‬الذي أصدره العقاد‬
‫والمازني في يناير‪/‬فبراير ‪ ،1921‬والذي "احتوي علي عدة مقاالت نقدية ذات طبيعة ثورية حملت معول‬
‫الهدم لكل قيود القديم‪ ،‬وفتحت اآلفاق أمام التجديد واالنطالق في الالمحدود‪ ،‬واعتبرت ذوق الشاعر‬
‫ومقدرته اإلبداعية لها المقام األول وفوق القواعد والقيود"‪ ،2‬نشأت بفعل عالقة خاصة قامت بين رواده‬
‫الثالث‪ ،‬حيث التقى هؤالء الشبان علي غير وعد‪ ،‬فتم التعارف القوي‪ ،‬وفي هذا الصدد يقول العقاد" فمن‬
‫عجب التوفيق أن يكون شكري في اإلسكندرية‪ ،‬وأن يكون المازني في القاهرة وأن أكون أنا في أسوان ثم‬
‫قرأناه‪ ،‬و في ما نحب أن نقرأه ‪ ،‬مع اختالف في حواشي‬ ‫اتفاق في ما‬ ‫نلتقي علي قدر وعلي‬
‫الموضوعات من غير اختالف في جوهرها"‪ ،3‬أضف إلى ذلك أنهم كانوامن ذوي الثقافة اإلنجليزية‪ ،‬فهذا‬
‫"الجيل الناشـئ بعـد شـوقي كـان وليـد مدرسة ال شبه بينها وبين من سـبقها فـي تـاريخ األدب العربـي الحديث‬
‫فهي مدرسة أوغلت في القراءة اإلنجليزية ولـم تقصـر قراءتها على أطراف من األدب الفرنسي كما كـان‬

‫‪ :1‬نشاوي نسيب‪،‬مدخلإلىدراسةالمدارس األدبية فيالشعرالعربيالمعاصر‪،‬ديوانالمطبوعاتالجامعية‪،1984،‬ص‪212‬‬


‫‪ :2‬سيد سليمان سادات اشكور‪،‬جماعة الديوان؛ التقدم األدبي والنقدي في القرن العشرين‪،‬إضاءات نقدية (فصلية محكمة)‪،‬‬
‫السنة األولى ـ ع‪،2 /‬صيف ‪،2011‬ص‪104‬‬
‫‪ : 3‬حمدي السكوت‪ ،‬مارسدن جونز أعالم األدب المعاصر في مصر‪ ،‬سلسلة بيوجرافية نقدية ببليوجرافية ( عبد الرحمن‬
‫شكري)‪ ،‬مركز الدراسات العربية‪ ،‬ط‪،1980 ،1/‬ص‪14:‬‬

‫‪58‬‬
‫يغلـب علـى أدباء الشرق الناشئين في أواخر القرن العشرين وهي على إيغالها في القراءة لألدباء والشعراء‬
‫اإلنجليز‪ .‬لم تنس األلمان والطليان والروس و اليونان والالتين االقدمين‪ ..‬ولعلها استفادت من النقـد‬
‫اإلنجليزي فوق فائدتها من الشعر وفنون الكتابة األخرى" ‪1‬باإلضافة للثقافة العربية‪ ،‬كما كانوا المفكرين‬
‫المغلبين لجانب العقل كثيرا‪ ،‬متأثرين بالمذهب الرومانسي من ناحية التجديد في موضوعات الشعر‪،‬‬
‫والتعبير عن اإلنسانية‪.‬‬
‫لم يكن كتاب الديوان هو الش اررة األولى لظهور هذه المدرسة‪ ،‬بل نشر شعراء الديوان مبادئهم وأفكارهم‬
‫منذ عام ‪1909‬م في مقاالت الصحف ومقدمات كتبهم ومقدمات دواوينهم‪ ،‬ومن ذلك مقدمة ديوان المازني‬
‫الذي صدر عام ‪1913‬م‪ ،‬والذي لخص فيه العقاد مبادئ وآراء الجماعة‪ ،‬ثم كان اإلعالن األكبر آلرائهم‬
‫في كتاب الديوان‪.‬‬
‫‪ /3‬جماعة الديوان والثورة على الكالسيكية‪:‬‬
‫مدرسة الديوان منذ نشأتها قامت بثورة على القصيدة العربية التقليدية الكالسيكية من الناحية الشكلية‪،‬‬
‫والمضمونية‪ ،‬والبنائية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬لتأثر روادها الشديد بالشعر الغربي الذين ناشد الحرية الشعرية البعيدة‬
‫عن كل القيود‪ ،‬فتحرروا منها متجهين نحو الذات والوجدان‪ ،‬كما كانت هناك صراعات بين أدباء الديوان‬
‫من جانب‪ ،‬وأدباء عمود الشعر من جانب آخر‪ ،‬حيث كان لهذه النزاعات األدبية والنقدية أثر بالغ في‬
‫األدب العربي ونضوجه في العديد من النواحي‪:2‬‬
‫*الشكل ‪ :‬إن هذه الجماعة ثارت علي نظام القصيدة الطويلة ذات النسق الواحد وتوجهت نحو شعر‬
‫المقطوعات‪ ،‬وشعر التوشيح‪ ،‬وشعر تعدد األصوات كما ثار أعضاؤها عوا فيها وألغوهاً أحيانا‪ .‬علي‬
‫نظام القافية الموحدة‪* ،‬البناء‪ :‬رفضت المدرسة التفكك الذي يجعل القصيدة مجموعة مبددة التربطها‬
‫وحدة معنوية صحيحة فنادت بالوحدة العضوية‪ .‬وان القصيدة عندهم كالجسم الحي يقوم كل عضو من‬
‫أعضائه بوظيفته الخاصة وال يمكن االستغناء عنه أبدا‪ ،‬والقصيدة بهذه الميزة ترفض الحشو‪ ،‬والتفكك‪،‬‬
‫واالنتقال‪ ،‬واالستطراد‪ ،‬وتناقض المعاني‪ ،‬واضطراب العواطف‪ ،‬والمشاعر النفسية‪ ،‬وما إليها‬

‫‪ : 1‬نضر الدين الشيخ عثمان‪ ،‬اآلراء النقدية لمدرسة الديوان‪ ،‬دراسة تحليلية نقدية‪ ،‬مجلة اللعة العربية‪ ،‬المجلس األعلى للغة‬
‫العربية‪،‬ع‪،1999 ،37/‬ص‪144:‬‬
‫‪ :2‬سيد سليمان سادات اشكور‪،‬جماعة الديوان؛ التقدم األدبي والنقدي في القرن العشرين‪ ،‬ص‪105:‬‬

‫‪59‬‬
‫*المضمون‪ :‬تمرد نقاد هذه المدرسة علي ضيق المعاني المتناولة ومحدودية إطارها‪ ،‬ووقفوا أمام استخدام‬
‫الشعر في بيان الموضوعات التاريخية ورفضوا التفاهة التي غلبت علي الحياة والشعر‪ ،‬كما رفضوا شعر‬
‫المناسبات ونادوا إلي الجوهرية‪ ،‬والخيال‪ ،‬والعاطفة روا عن إنسانية الشعر وال لسانيته‪.‬‬
‫*اللغة‪ :‬ثار أعضاؤها علي ما سم بلغة الشعر أو القاموس الشعري‪ ،‬ونادوا إلي استخدام معجم آخر‬
‫يستعمل في المجتمع والحياة‪ ،‬ليقرب العمل الشعري من حركة العصر‪ ،‬وتأمل الفكر‪ ،‬واثارة الوجدان‪.‬‬
‫فالديوانيون بتوجههم هذا أحدثوا ثقباً في جدار الكالسيكية العربية‪ ،‬متطلعين ا إلى بناء مدرسة حديثة في‬
‫معنى األدب وغاياته‪ ،‬متخذين من الرومانتيكية توجها لهم‪ ،‬نابذين لفكرة تقليد األدب االنكليزي‪ ،‬بل‬
‫االستفادة منه مهتدين بضيائه‪ .‬وقد كانت الثورة النقدية التي قام بها هؤالء الثالثة تتصف بصفتين‪:1‬‬

‫*األولى‪ :‬إنها ثورة جاءت في وقتها‪ ،‬فقد كانت المدرسة الكالسيكية المحدثة ترسخ مفهوماً في الشعر‪ ،‬لو‬
‫ترك بغير معارضة لضرب بجذوره بعيداً‪ ،‬بحيث يغدو الوصول إلى الحداثة مطلباً في غاية الصعوبة‪.‬‬

‫*الثانية‪ :‬كانت ثورة هؤالء الثالثة واضحة‪ ،‬فقد كان التنظير الهاديء عن الشعر الذي قدمه مطران ال‬
‫يقاس بشيء إلى جانب التحرر العنيف من اآلراء المتحجرة‪ ،‬التي كانت تسيطر على الشعر كما عبرت‬
‫عنه كتاباتهم النقدية‪.‬‬
‫‪/4‬أهداف مدرسة الديوان‪:‬‬
‫وعن أهداف المدرسة فقد قاومت فكرتين كبيرتين هما‪:2‬‬
‫*فكرة القومية في األدب العربي وطريقة فهمها على نحو شكلي ضيق‪.‬‬

‫*فكرة االشتراكية التي يصفها العقاد بالعقم‪ ،‬ألنها تحرم على األدب أن يكتب حرفاً ال ينتمي إلى لقمة‬
‫الخبز‪ ،‬أو إلى تسجيل حرب الطبقات ونظم الحياة‪.‬‬
‫‪/5‬مواطن التجديد عند جماعة الديوان‪:‬‬
‫أــــ مفهوم الشعر‪ :‬يقول العقاد‪" :‬الــشعر صــناعة توليــد العواطــف بواســطة الكــالم‪ ،‬والــشاعر هــو كــل‬
‫عــارف بأسـاليب توليـدها بهذه الواسـطة‪ ،‬يـستخدم األلفـاظ والقوالـب واالسـتعارات التي تبعث توا في نفس‬

‫‪ :1‬محمد الجوراني‪،‬مدرسة الديوان بين التنظير والتطبيق‪ ،HTTPS://WWW.DIWANALARAB. COM ،‬بتاريخ‪:‬‬


‫‪ ،2021/06/27‬الساعة‪18:46:‬‬
‫‪ :2‬محمد الجوراني‪،‬مدرسة الديوان بين التنظير والتطبيق‬

‫‪60‬‬
‫الذهنية "‪ ،1‬فهو التعبير الجميل عن الشعور‬ ‫القارئ مايقوم بخاطره‪ ،‬أي الشاعر من الصورة‬
‫الصادق ‪ ،‬وضبطه بالقوالب الجاهزة والنماذج القديمة كان ضد ما تصبو إليه الجماعة‪ ،‬منادين إلى توجيه‬
‫التركيز للوجدان والمشاعر وليس الوزن والقافية مؤكدا بأن الشاعر ليس" مـن يـزن التفاعيـل‪ ،‬ذلـك نـاظم أو‬
‫نـاثر‪ ،‬ولـيس الـشاعر بـصاحب الكـالم الفخـم واللفـظ الجـزل‪ ،‬ذلـك لـيس بـشاعر أك ثر ممـا هـو‬ ‫غير‬
‫كاتب أوخطيب‪ ،‬وليس الشاعر من يأتي برائع المجازات و بعيد النظرات‪،‬ذلك رجل ثاقب الذهن‪،‬حديد‬
‫الخيال‪ ،‬إنما الشاعر من يشعر ويشعر"‪ 2‬وفي ذلك يقول العقاد‪:3‬‬
‫وما تضمن إال بعض وجداني‬ ‫شعر لحسنك فيه كل قافية‬
‫فإحساسه بإسراف الشعراء المعاصرين له في تقليد القدماء و إسرافهم الكبير إلى الحد الذي طمست فيه‬
‫ذاتهم ‪ ،‬متناسين لما يحمله الشعر من مشاعر وأحاسيس‪ ،‬جعله يرى بأن التركيز على الوجدان يحيل‬
‫بالشاعر الكتشاف الشخصية الفردية التي عز عليه أن يجدها في محاكاة األقدمين‪ .‬كما يتحقق الشعور‬
‫باإلحساس بالمجتمع والحياة والقومية‪ " ،‬ليس المطلوب من القومية أن يسجل الشاعر أسماء البالد‬
‫ومعالمها و إنما المطلوب أن يكون إنسانا يشعر بقومه وبالناس وبالدنيا وتأتي الطبيعة القومية من وصفه‬
‫الماء كما تأتي من وصفه طنطا وأسوان ألنه لن يخرج عن قوميته وال عن طبيعتها‪ ، "4‬فالشاعر ال يقول‬
‫شع ار إال إذا شعر به ‪ ،‬وصدق في تعبيره‪ ،‬تعبير عن النفس ومشاعرها‪ .‬يقول عبد الرحمان شكري ‪:‬‬
‫و ِّ‬
‫الش ْعر من نبضاتها‬ ‫افق‬
‫القلوب خو ٌ‬
‫َ‬ ‫إِن‬
‫منشورة بصفاتها‬ ‫فترى الحياة جميعها‬
‫‪5‬‬
‫ِة ُّ‬
‫تطل في مرآتها‬ ‫الشعر مرآة الحيا‬
‫و ُ‬
‫فوظيفة الشعر في نظر جماعة الديوان تظهر في هدفين اثنين‪:‬‬
‫*توفير المتعة للقارئ عن طريق اشتراكه في المتعة الوجدانية التي يحس بها الشاعر‪.‬‬
‫*الكشف عن الحقيقة في أعمق صورها وأتمها‪.‬‬

‫‪ :1‬عباس محمود العقاد‪،‬خالصة اليومية والشذور‪ ،‬دارنهضة‪ ،‬مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬القاهرة‪،1995،‬ص‪12 :‬‬
‫‪ :2‬عباس محمود العقاد‪،‬خالصة اليومية والشذور‪،‬ص‪107:‬‬
‫‪ :3‬عباس محمود العقاد‪،‬وهج الظهيرة ‪،‬صفحة اإلهداء‪ ،‬دار العودة‪،‬بيروت‪،1982،‬ص‪42:‬‬
‫‪ :4‬العقاد ‪:‬شعراء مصر و بيئاتهم ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية ‪،‬القاهرة‪ ،،‬ط‪، 1950 ،2 /‬ص ‪.195/194:‬‬
‫‪:5‬عبد الرحمن شكري ‪ ،‬ديوان‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪،‬ص‪335:‬‬

‫‪61‬‬
‫وعن وظيفة الشاعر فترى جماعة الديوان أن الشاعر رسول الطبيعة ترسله مزودا بالنغمات العذاب كي‬
‫يصقل بها النفوس ويهذبها ويحركها ويزيدها نو ار ونا ار وهو "الذي يتعـرف كيـف يقتـبس مـن هـذه الحاالت‬
‫أنغامها ويصوغها شع اًر‪ ،‬وهو الذي عواطفه مثل عواطـف الوجود مثل األمواج والرياح والضياء‪ ،‬أو النار‬
‫أو الكهرباء ومـن أجل ذلك ال ينظم الشاعر إال في نوبات انفعال عصبي في أثنائها أساليب تغلي الشعر‬
‫في ذهنه وتتضارب العواطف في طلبه‪ ،‬ولكن تضارباً ال يزعج نبضة طيور األنغام الشعرية التي تغرد في‬
‫ذهنه أما في غير هذه النوبات‪ ،‬فالشعر الذي يصنعه يأتي فاتر العاطفة"‪ "1‬إنه (شعر العواطف)‪.‬‬
‫ب‪ -‬الخيال الشعري‪.‬‬
‫من منطلق التمييز بين الوهم والخيال يصل إلى التعريف اآلتي الذي يرى بأن " الـشعر هـو مـا اتفـق‬
‫لها‪ .‬فالشعر هو كلمات العواطف والخيال‬ ‫على نـسجه الخيـال والفكـر إيـضاحا لكلمـات النفس وتفسي ار‬
‫والذوق السليم"‪ ،2‬ليعد كل من العواطف والخيال والذوق السليم أدوات ترقى بمفهوم الشعر‪ ،‬و" القصيدة‬
‫خلق خيالي مستقل بذاته‪ ،‬الشاعر فيه يستفيد من الواقع‪ ،‬ويأخذ منه‪ ،‬ولكنه يتطور يه‪ ،‬ويضيف إليه من‬
‫نفسه ما يقتضيه الفن ويعدل فيه‪ ،‬ويبتعد عنه ليلقي عليه الضوء الساطع‪ ،‬فيكشف عن حقيقته وال ينقله‬
‫كما هو بأية حال من األحوال"‪ ،3‬غير معبر عن عاطفة خاصة‪ ،‬بل هو تعبير لعواطف متعددة تثير‬
‫نفوس المتلقين وتؤثر فيهم‪ ،‬يقول العقاد في قصيدته " حظ الشعراء"‪:‬‬
‫قعود‬
‫فأما حالهم فعبيدُ ***وطير ‪،‬ولكن الجدود ُ‬
‫ملوك َّ‬
‫أقاموا على متن السحاب فأرضهم *** بعيد‪،‬وأقطار السماء بعيد!‬
‫فودعوا*** رواحة هذا العيش وهورغيد‬
‫مجانين تاهوا في الخيال ّ‬
‫وما ساء حظ الحالمين لو َّأنهم***تدوم لهم أحالمهم وتجود‬
‫‪4‬‬
‫دياركم***غبين ‪،‬و ُغ ْب ُن َّ‬
‫الشاعرين شديد‬ ‫ٌ‬ ‫بني األرض كم من شاعر في‬
‫لمحات الخيال تمتد على طول أبيات القصيدة ‪ ،‬حيث نجد الشاعر متربعا على عرش الطبيعة متجنجا‬
‫بالخيال لتصوير واقع المجتمع‪.‬‬

‫‪ :1‬نصر الدين الشيخ عثمان‪ ،‬اآلراء النقدية لمدرسة الديوان‪ ،‬دراسة تحليلية نقدية‪،‬ص‪161:‬‬
‫‪:2‬محمد الصديق معوش‪ ،‬مفهوم الشعر في كتابات جماعة الديوان ( دراسة في األصول المرجعية)‪،‬مجلة علوم اللغة‬
‫العربية وآدابها‪ ،‬ع‪،2016 ،9/‬ص‪252:‬‬
‫‪ :3‬نصر الدين الشيخ عثمان‪ ،‬اآلراء النقدية لمدرسة الديوان‪ ،‬دراسة تحليلية نقدية‪،‬ص‪161:‬‬
‫‪ :4‬المرجع نفسه‪،‬ص‪161:‬‬

‫‪62‬‬
‫تشكيل الصورة الشعرية ‪ :‬اعتبر جماعة الديوان الصورة الشعرية عنص ار مهما لتحقيق التجديد الشعري‬
‫في الوقت الذي كانت فيه "الصورة عند المحافظين تطبعها الصنعة والطالوة اللفظية والخيال الغريب‪...‬‬
‫مما رأوه ال يتناسب وروح العصر وما انطبع لديهم من صور جديدة للشعر الحديث تخالف تلك الصورة‬
‫اشد المخالفة نتيجة الطالعهم على اآلداب الغربية وما تقر في نقدهم من مبادئ الشعر وأسسه التي‬
‫حددتها الرومانسية والرمزية على نحو خاص"‪،1‬حيث يعتبر الصدق الفني في العمل األدبي شرط أساسي‬
‫في التعبير بالصورة الفنية‪ ،‬وهو الذي " أوحى ألصحاب الديوان أن يربطوا بين الصورة الفنية واإلحساس‬
‫الصادق برباط متين ال ينقطع وال يريد بديال‪ .‬واذا كانت الطبيعة هي وحي الشاعر عندهم فإننا نجد أن‬
‫الثالثة قد ارتبطت الصورة الشعرية عندهم بمظاهرها‪ .‬يظهر ذلك من خالل بحثهم في ملكة التشخيص‬
‫والتصوير والرجوع إلى الطبيعة التي تتحققت فيها الصلة بين عناصرها وما ينتاب الشاعر من أحاسيس‬
‫وانفعاالت‪ .‬وهذا هو سر االختالف بين الشعراء في استخدام هذه الصور بإيحاءاتها المختلفة"‪.2‬‬
‫*في شكل القصيدة‪ :‬ثارت الجماعة على نظام القصيدة الطويلة ذات النسق الواحد‪ ،‬وتوجهت نحو شعر‬
‫المقطوعات‪ ،‬وشعر التوشيح‪ ،‬وشعر تعدد األصوات‪.‬‬
‫• اللغة‪:‬‬
‫ثار أعضاؤها على ما يسمى لغة الشعر أو القاموس الشعري‪ ،‬ونادوا باستخدام معجم آخر‪ ،‬يستعمل‬
‫في المجتمع والحياة‪ ،‬ليقرب العمل الشعري من حركة العصر وتأمل الفكر واثارة الوجدان‪ ،‬إن العقاد‬
‫والمازني " يرفضان االهتمام باللغة لذاتها‪ ،‬ويخثان على االهتمام بها كوسيلة إلضهار المعنى وبيان‬
‫غرض ذلك‪ ،‬ألن المعنى والغرض أهم في نظرهما من األلفاظ واألسلوب"‪ ،3‬وهذا ال يلغي مراعاة عذوبة‬
‫اللفظ‪ ،‬وصفاء العبارة‪ ،‬والبعد عن الغريب من األلفاظ زاستعمال المألوف والعصري منها‪ ،‬إذ دعا الديوانيون‬
‫العصرية في القصائد الشعرية مستخدمين مصطلحاتها‪ ،‬وفي هذا يقول العقاد‪:‬‬
‫َّ‬ ‫إلى توظيف اللغة‬
‫يــا أبــا العــبـقـري والبـهـلوان‬ ‫سـالمـا‬
‫ً‬ ‫أي هـذا الجـيـبـون أَ ْن ِـع ْـم‬
‫ُّ‬
‫‪4‬‬
‫حـيـن تـمـضـي وراءنـا يـا صـديقي‬ ‫قــد بــلغـنـا فـأيـن تـبـلغ أيـنـا‬

‫‪:1‬العقاد‪ ،‬ديوانمندواوين‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ص‪.18:‬‬


‫‪ :2‬مصطفى درواش‪ ،‬الموقف النقدي لجماعة الديوان من الشعر العربي‪ ،‬ص‪، 394‬نقال عن‪ :‬محمد غنيمي هالل‪ ،‬دراسات‬
‫ونماذج في مذاهب الشعر ونقده‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪394:‬‬
‫‪ :3‬سعاد محمد جعفر‪ ،‬التجديد في الشعر والنقد عند جماعة الديوان‪ ،‬المدرسة بجامعة األزهر‪،‬دط‪،‬دت‪،‬ص‪241:‬‬
‫‪ :4‬العقاد‪،‬عابرسبيل‪ ،‬مؤسسة هنداوي انشر المعرفة والثقافة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬ص‪17:‬‬

‫‪63‬‬
‫وقول المازني‪:‬‬
‫ياصديقي فغد لماضي العهد‬ ‫لذّة العيش في مدام رغد‬
‫ض شياطينه فتنكر قصدي‬ ‫لست إبليس ياصديقي وال بع‬
‫‪1‬‬
‫شم ورد بها وتقبيلي‬ ‫لكن الحسن روضة وسبيلي‬
‫• الموسيقى‪:‬‬
‫فعلى مستوى البحر فقد جادت قرائحهم بقصائد نظمت عموديا وعلى كل بحور الشعر الستة عشر‪،‬‬
‫مفتونين ببحر الوافر ولم تزد محاوالتهم التجديدية في البحور الخليلَّية عن ما أفضت إليه القصيدة التقليدية‬
‫"مع بعض ما ينتابها من زحافات وعلل في إطار علم العروض‪ ,‬كما كتبوا في مجزوءات البحور‬
‫ومشطوراتها‪ ،‬وأكتفي بما تم عرضه هنا حيث فيه إيضاح للفكرة‪ ،‬وال حاجة للمزيد عليه‪ ،‬وخالصة األمر‬
‫إنهم لم يكسروا العمود الشعري إال في إطار ما يسمح به علم العروض‪ ،‬كما َّ‬
‫تبينا فيما سبق‪ ,‬عليه فال‬
‫جديد لديهم وبناء يذكر في هذا المجال"‪.2‬‬
‫كما دعوا إلى التجديد في القافية‪ ،‬حيث ثاروا على نظام القافية الواحدة‪ ،‬فنوعوا وألغوا أحيانا‪ ،‬فالعقاد‬
‫يرى أن " انتظام القافية متعة موسيقية تخف إليها اآلذان وانقطاع القافية بين بيت وبيت شذوذ يحيد‬
‫بالسمع عن طريقة الذي اطرد عليه‪ ،‬ويلوى به لما يقبضه ويؤذيه لهذا نحسب أن السنين التي مضت منذ‬
‫ابتداء التفكير في شعرنا عرفنا في هذه الفترة المرسل قد مضت على غير طائل ألن ما يسيغ وما ال‬
‫يسيغ فعدل الشعر عن تجربة الشعر المرسل الذي تختلف قافيته في كل بيت‪ ،‬وجربوا التزام القافية في‬
‫المقطوعات المتساوية أو في القصائد المزدوجة أو المسمطة وما إليها فإذا هي وافية بالغرض الذي نقصد‬
‫إليه من التفكير في الشعر المرسل ألنها تحفظ الموسيقية وتعين الشاعر على توسيع المعنى واالنتقال‬
‫بالموضوع حيث شاء"‪.3‬‬
‫فالعقاد يرى أن تكون القافية في الشعر الغنائي والتخلص منها في الشعر الغير غنائي كالقصة‬
‫والمسرحية‪،‬وقد حاول شكري التخلص من قيود القافية التي تجبر الشاعر أحياناً على قول ما ال يريد قوله‪،‬‬

‫‪:1‬المازني‪ ،‬ديوانه‪ ،‬مؤسسة هنداوي انشر المعرفة والثقافة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬ص‪.166:‬‬


‫‪ :2‬حسن علي حسن سليمان‪ ،‬مظاهــر التَّجــديد في الِّ شعــر الحــديث‪،‬عند شعراء المدرستين الرومانسَّية والواقعَّية‪،‬‬
‫دراسة وصفَّية تحليلَّية‪(،‬رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتواره في األدب والَّنقد‪ ،‬إشراف ‪:‬محمد زروق الحسن علي‪،‬جامعة الِّنيلين‪،‬‬
‫كلية اآلداب‪،2009 ،‬ص‪98:‬‬
‫‪ :3‬عمر الدسوقي‪ ،‬جماعة أبولو وأثرها في الشعر الحديث‪ ،1960،‬ص‪5:‬‬

‫‪64‬‬
‫فكتب قصائد منها (نابليون والساحر المصري)‪ ،‬و(واقعة أبقير)‪ ،‬و(الجنة والخراب)‪ ،‬و(عتاب الملك‬
‫حجر)‪ ،‬ومعظم هذه القصائد من الشعر القصصي‪ ،‬وطبيعة هذا الشعر أحوج إلى القافية المرسلة‪ ،‬مع‬
‫الحفاظ على اإليقاع بتوحد الوزن في القصيدة( ‪ .‬وبالنسبة للموسيقى الداخلية أي االيقاع وما يضمه من‬
‫من ضروب البديع والتكرار‪ ،‬وحروف المد والهمس ‪ ...‬وتناغمها مع تجربة الشاعر "الحق أَّنه ال جديدا‬
‫فيما قام به الديو ُّانيون في جانب الموسيقى الداخلَّية وذلك أعزوه لتعقيد أمرها فهي ليس كالموسيقة‬
‫العروضَّية والتي يمكن للمرء بجهد قليل التَّصُّرف فيها‪ ,‬حيث إَّ ن الموسيقى الداخلَّية غوي؛ ومن أارد‬
‫التَّجديد فيها فال مندوحة له من إعادة تتضافر في خلقها كل مستويات الَّدرس اللغوي فلم يتب ق لهم إال‬
‫أن يخالفوا استخدام السابقين في توظيفها‪.1" ،‬‬
‫*في مضمون القصيدة‪ :‬نجحوا في مجال المضامين الشعرية التي جعلوها تعبي اًر عن النفس وتصوي ار‬
‫متمردين في‬
‫لعواطفهم في صدق فني واضح‪ ،‬حيث يطغى على بعض مضامينه الجانب الفكري الفلسفي‪َّ ،‬‬
‫ذلك "على ضيق المعاني المتناولة ومحدوديَّة إطارها ‪,‬ووقفوا أمام استخدام الشعر في بيان الموضوعات‬
‫التاريخيَّة ورفضوا التَّفاهة التي غلبت على الحياة و ِّ‬
‫الشعر‪ ،‬كما رفضوا شعر المناسبات ونادوا إلى‬
‫الشعر وال لسانيَّته"‪ ،2‬يقول العقَّاد في قصيدته‬
‫الجوهريَّة‪ ،‬والخيال‪ ،‬والعاطفة المرهفة‪ ،‬وعبَّروا عن إنسانيَّة ِّ‬

‫األول(‪:‬‬
‫)الفجر َّ‬
‫في فضاء الكون الحا‬ ‫من رأى أول فجر‬
‫وهي تشتق الضراحا‬ ‫من رأى الشمس استقلت‬
‫زمن الساري جناحا‬ ‫واستعارت من مطار الــ‬
‫أبصر النور فباحا‬ ‫من رأى الليل ضمي ار‬
‫‪3‬‬
‫د مع النور افتضاحا‬ ‫باح بالكون فما ازدا‬
‫جعل الديوانيون للشعر فلسفة من خالل إدخال األفكار الفلسفية وما يتصل بها من التأمالت الفكرية وهو‬
‫الَّذي يغور إلى األعماق بحثاً عن حقيقة الحياة والموت ‪ ،‬وسعياً إلى اكتشاف المجهول وأسرار الطبيعة‬

‫‪ :1‬حسن علي حسن سليمان‪ ،‬مظاهــر التَّجــديد في الشعــر الحــديث‪،‬عند شعراء المدرستين الرومانسَّية والواقعَّية‪،‬‬
‫دراسة وصفَّية تحليلَّية(‪ ،‬ص‪111:‬‬
‫هدارة‪ ،‬بحوث في األدب العربي الحديث‪،‬دار الثَّقافة العربيَّة للطباعة والنشر‪،‬د‪.‬ط‪، 1775،‬ص‪351:‬‬
‫محمد مصطفى َّ‬
‫‪َّ :2‬‬
‫‪:3‬عبَّاس محمود العقَّاد‪،‬ديوان ‪:‬وهج الظَّهيرة ‪,‬ص‪54:‬‬

‫‪65‬‬
‫تأمليَّة وفلسفيَّة‬
‫يتبنى فيها نزعة ُّ‬ ‫وبواطنها ‪ ،‬وتقف قصيدة (ترجمة شيطان) للعقَّاد في َّ‬
‫قمة هذا االتجاه ‪ ،‬إذ َّ‬
‫َّ‬
‫شاكة وثائرة ‪ ،‬والقصيدة بمجملها قائمة على بنية رمزيَّة كليَّة‪.‬‬
‫كسكون الليل في ضوء القمر‬ ‫فإذا الجنة امن وسكون‬
‫خشعت حتى الشوادي في الغصون وصغت حتى وريقات الشجر‬
‫جالل اهلل فردا في عاله‬ ‫ساعة ثم انجلى موقفها عن‬
‫غابت األمالك ال تعرفها وبدا الشيطان معروفا تراه‬
‫وبدا الشيطان معروفا ترى كبرياء الكفر في وقفته‬
‫وتؤج النار من نظرته‬ ‫عالي الجبهة يأبى القهقرى‬
‫يغلب الشك عليه فيبيد‬ ‫ويكاد الكون ما بينهما‬
‫وانقضى العفو وحق الغضب‬ ‫ساعة أخرى وقد حم القضاء‬
‫ومتى حلت فأين المهرب‬ ‫ساعة للنحس حلت والبالء‬
‫القصيدة ال تقف عند "مضمونها المباشر فهي غنية باإليحاء والرمز‪ ،‬ففيها تجسيد واضح لقضية الخير‬
‫والشر بمنظورها الفلسفي‪ ،‬وفيها صورة من صورة التمرد والطموح الذين كانا أبرز خصائص العقاد وفيها‬
‫تجسيد لقضية الحرية التي ُشغل بها العقاد"‪.1‬‬
‫لم تغفل جماعة الديوان عن المجتمع الذي يضمها ويعيش أدباؤها في كنفه‪ ،‬بل اهتموا به اهتماماً‬
‫عظيماً وبقضاياه ومشكالته‪ ،‬فالشاعر في رؤيتهم ال ينفصل عن بيئته ومجتمعه‪ ،‬ويتجلَّى هذا االتجاه عند‬
‫ويتعمق فيه والسيَّما في ديوانه (عابر سبيل)‪ ،‬ويتَّخذ من الموضوعات اليوميَّة ميداناً لتجربته‬
‫َّ‬ ‫العقَّاد‪،‬‬
‫الشخصيَّة‪ ،‬والعقَّاد يعكس على موضوعاته اليوميَّة ُّ‬
‫تأمالت عقليَّة ونفسيَّة‪ ،‬ما ُيحيلها إلى تجارب إنسانيَّة‬
‫الع َّمال) وقصيدة (نداء الباعة) وقصيدة (شرطي المرور)‪،‬‬
‫ناضجة على نحو ما تجده في قصيدة (دار ُ‬
‫وشكري في قصيدة ( التنويم المغناطيسي) و(قصيدة اليتيم) التي يقول فيها‪:‬‬
‫خطوب‬ ‫ِ‬
‫الحياة‬ ‫يه من ِ‬
‫طيب‬ ‫وتُ ْظ ِم ِ‬ ‫يتيم تقاضاه الهموم حياته‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫لليتيم قريب‬ ‫أي ٍ‬
‫قريب‬ ‫و ُّ‬ ‫اليتم إِال غربة ومهانة‬
‫وما ُ‬
‫غريب‬
‫ُ‬ ‫وكل امر ٍ‬
‫ئ يلقى اليتيم‬ ‫َّ‬ ‫وموحدا‬
‫ً‬ ‫الغلمان مثنى‬
‫ُ‬ ‫يمر به‬
‫ُّ‬
‫حبيب‬
‫ُ‬ ‫وهيهات أن يحنو عليه‬ ‫أم بابنها مستعزةً‬ ‫يرى َّ‬
‫كل ٍّ‬

‫‪ :1‬عباس محمود العقاد‪ ،‬أشجان الليل‪ ،‬دار نهضة مصر للطباعة والنشر‪،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪302‬‬

‫‪66‬‬
‫مجيب‬ ‫في ْح ِزُنه أن ال يجيب‬ ‫شأن ِ‬
‫أهله‬ ‫الغلمان عن ِ‬
‫ُ‬ ‫يسائله‬
‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ووجيب‬
‫ُ‬ ‫من الوجد دمعٌ هاط ٌل‬ ‫عادهُ‬ ‫إِذا جاءه ٌ‬
‫عيد من الحول َ‬
‫صبيب‬
‫ُ‬ ‫وهو‬
‫الدمع ْ‬
‫َ‬ ‫عليه تُِريق‬ ‫الناس بالعيد قسوةٌ‬ ‫ِ‬ ‫سرور‬
‫َ‬ ‫كأن‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫النعيم رطيب‬ ‫فينان‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العيش‪،‬‬ ‫من‬ ‫ظلَّ ُه ْم‬
‫سودا للذين أَ َ‬
‫يظل َح ً‬
‫ض ِريب‬ ‫َد َهتْ ُه فلم َي ْع ِط ْ‬ ‫ٍ‬ ‫وما َعلِ َم ُّ‬
‫‪1‬‬
‫ف عليه َ‬ ‫كمصيبة‬ ‫الغل الفتى‬
‫وصف الطبيعة كان له حضور قوي غند جماعة الديوان الرومانسية‪ ،‬وفيه يخلعون على الطبيعة آالمهم‬
‫شعرء الديوان لشعر الطَّبيعة‪ ،‬حيث جعلوا الطَّبيعة‬
‫ا‬ ‫وأحالمهم الضائعة ‪ ،‬و"الجديد يكمن في ازوية تناول‬
‫ملجأً ومالذاً يلوذون به ويندمجون معه في هربهم من وطأة الواقع المغاير لما يريدون والمحطِّم لآلمال‬
‫وللمؤملين‪ ،‬ويأخذون من رموز الطَّبيعة ما يسقطون عليه واقعهم"‪ ،2‬يقول المازني في )خواطر الظالم )‪:‬‬
‫ِّ‬
‫ولففت في أكفانها اآلمال‬ ‫غرقت في بحر األسى األجذاال‬
‫ُ‬
‫للموت ا‬
‫ظال ينسخ اآلجاال‬ ‫متفي ًئا‬
‫ونزلت في وادي الهوى ِّ‬
‫لجها أوشاال‬
‫وأعاد زاخر ِّ‬ ‫شمس الحياة فأظلمت‬
‫َ‬ ‫كسف الجوى‬
‫تركت حياتي بعدها أطالال‬
‫ْ‬ ‫نوب الليالي عصفة‬
‫عصفت بنا ُ‬
‫إلي عضاال‬
‫سيال َّ‬
‫وتصوبت ً‬
‫َّ‬ ‫لجج الزمان بصدره‬
‫وتجايشت ُ‬
‫وينبت األهواال‬ ‫يجني السموم ُ‬ ‫موبئا‬
‫عيت من دهري زما ًنا ً‬
‫فر ُ‬
‫باردا جفَّاال‬
‫ما بال ضوئك ً‬ ‫ساهر‬
‫ًا‬ ‫الليالي‬
‫َ‬ ‫يا شمس من ُيحيي‬
‫وتُري العيون سواده القتَّاال‬ ‫الظالم سدوله فتعينه‬
‫ُ‬ ‫يرخي‬
‫األعصر األذياال‬
‫ُ‬ ‫جرت عليها‬
‫َّ‬ ‫ما أنت إال كاللذاذات التي‬
‫‪3‬‬
‫حر وال إشعاال‬
‫لشعاعه اا‬ ‫ليضيئنا الماضي ولكن ال ترى‬

‫مواضيع أخرى عززت المضمون الشعري لجماعة الديوان كالوطن والقومية حيث‬ ‫االستعمار مثَّل‬
‫المشاعر‪ ،‬كقول العقاد‪:‬‬

‫‪ :1‬عبد الرحمن شكري‪ ،‬ديوان‪ ،‬مؤسسة هنداوي لنشر المعرفة والثقافة‪،‬د‪.‬ت‪،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص‪82:‬‬
‫‪ :2‬حسن علي حسن سليمان‪ ،‬مظاهــر التَّجــديد في الشعــر الحــديث‪،‬عند شعراء المدرستين الرومانسَّية والواقعَّية‪،‬‬
‫دراسة وصفَّية تحليلَّية(‪،‬ص‪63:‬‬
‫‪:3‬المازني‪ ،‬ديوان‪ ،‬مؤسسة هنداوي لنشر المعرفة والثقافة‪،‬د‪.‬ت‪،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص‪221:‬‬

‫‪67‬‬
‫كبار النفوس كبار الشيم‬ ‫بني مصر صونوا لها حقها‬
‫وال لذوي سطوة أو غشم‬ ‫لكم مصر ال لدعي دعا‬
‫وحيث يرف عليها العلم‬ ‫لكم مصر حيث يقر الثرى‬
‫وحيث نما شعبها وازدحم‬ ‫وحيث جرى النيل من أرضها‬
‫على جانبي شطها والتطم‬ ‫وحيث تالحق موج البحار‬
‫ِّ‬
‫فالشعر الوطني" َّ‬
‫يتعدد في طرحه للموضوعات وتتفاوت كثافة الوطنيَّة فيه‪ ،‬فمن إظهار لمشاعر الوالء‪،‬‬
‫ووقوف على مشاعر الحنين ووصف التَّجارب القاسية والتَّنبيه على االستفادة منها‪ ،‬ومن شعر حماسي‬
‫يتعرض له َّ‬
‫الشعب من ظلم واستبداد على أيدي الحكومات المستعمرة‬ ‫لتقوية عزيمة َّ‬
‫الشعب‪ ،‬إلى وصف ما َّ‬
‫أو الحكومات الوطنيَّة‪ ،‬إلى وصف البطوالت وتمجيد األبطال‪ ،‬وغير ذلك الكثي‪ُّ ،‬‬
‫وكل ذلك جديد بصورة‬
‫‪1‬‬
‫من قبلهم ِم ْن ا‬
‫شعرء اإلحياء"‪.‬‬ ‫عامة إال َّأنه لم َّ‬
‫يتم على أيدي الديوانيِّين وانما سبقهم إليه ْ‬ ‫َّ‬

‫‪ :1‬حسن علي حسن سليمان‪ ،‬مظاهــر التَّجــديد في الشعــر الحــديث‪،‬عند شعراء المدرستين الرومانسَّية والواقعَّية‪،‬‬
‫دراسة وصفَّية تحليلَّية(‪،‬ص‪68 :‬‬

‫‪68‬‬
‫المحاضرة التاسعة‬
‫مدرسة المهجر‬

‫‪69‬‬
‫مدرسة المهجر‪:‬‬
‫‪/1‬تمهيد‪:‬‬
‫كبير في النهضة الشعرية التي عرفها العالم العربي مطلع القرن العشرين‪،‬‬
‫ا‬ ‫دور‬
‫لعب شعراء المهجر ا‬
‫باطالعهم على التجارب األدبية الريادية الغربية‪،‬مزودين األدب العربي الحديث بالعناصر القوية‬
‫الجديدة التي تفتح أمامه السبل للتقدم والتطور بما يناسبه العصر والذوق‪ ،‬وفي نفس الوقت المحافظة‬
‫على عروبتم ولغتهم وهويتهم من الضياع‪ ،‬فلقدنقل هؤالء المهاجرون اللغة العربية الى هذه المهاجر‪،‬‬
‫وتعبا كبي ار في‬
‫فبانتقالهم مـن أوطـانهم انتقلت معهم لغتهم‪ ،‬وثقافتهم‪ ،‬وتراثهم‪ ،‬وآدابها‪ ،‬التي وجدوا عناء ً‬
‫الحفاظ عليها في مجتمعات أجنبية يبدو كل شيء فيها غر ًيبا عنهم‪ ،‬مما جعلهم يلتفون حول بعضهم‬
‫أدبية شعرية أسهمت في نهضة األدب العربي الحديث‪ .‬والتي‬ ‫بعضا‪ ،‬وتأسيس جلسات وجمعيات‬
‫تمخضت في ظهور مدرستين مهجريتين ممثلتين في الرابطة القلمية والعصبة األندلسية‪،‬حيث تضم كل‬
‫مدرسة كوكبة من الشعراء العرب المسيحيين‪ ،‬وأغلبهم من لبنان والقليل منهم من سوريا‪،‬هاجروا في أواخر‬
‫القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلى األمريكتين قسم قصد الواليات المتحدة األمريكية واستقر في‬
‫الواليات الشرقية والشمالية الشرقية منها‪ ،‬وتوجه القسم اآلخر إلى أمريكا الجنوبية وبخاصة الب ارزيل‬
‫واألرجنتين والمكسيك‪ ،‬حالمين باالستقرار والحرية‪ ،‬والتخلص من الفقر‪ ،‬والحروب الطائفية‪ ،‬كما كان‬
‫الباعث األكبر علي المهاجرة اختالل األحوال االقتصادية في السلطنة العثمانية‪ ،‬بفساد الحكومة‬
‫االستبدادية حتى تضعضع األمن وسادت الفوضى ‪ ،‬ودرس العلم ‪ ،‬وثقلت المعيشة"‪.1‬‬
‫تأثَر الشعر المهجري بالعديد من المدارس الشعرية العربية المتمثلة في المدرسة الكالسيكية‬
‫الحديثة‪،‬المدرسة الرومانسية ‪،‬مدرسة شعراء الديوان‪ ،‬ومدرسة أبولو‪ ،‬باإلضافة إلى تأثرهم باآلداب الغربية‪.‬‬
‫‪/1‬خصائص الشعر المهجري على مستوى المضمون ‪ :‬يتميز الشعر المهجري بالعديد من المميزات‪: 2‬‬

‫‪ :1‬أنيس المقدسي ‪،‬االتجاهات األدبية في العالم العربي الحديث‪ ،‬ج‪، 2:‬بيروت ‪1952 ،‬م ‪ ،‬ص‪6‬‬
‫‪ :2‬ينظر‪ :‬سليمة عقوني‪،‬حضور الفلسفة األفالطونية في شعر الرابطة القلمية‪،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه العلوم في‬
‫األدب الحديث‪،‬إشراف ‪ :‬السعيد لراوي‪،‬جامعــة باتنة‪،1‬كلية االداب واللغات والفنون‪ ،‬قسم اللغة العربية وآدابها‪،‬السنة‬
‫الجامعية‪ ،2016/2015 :‬ص‪35/34:‬‬

‫‪70‬‬
‫*الطبيعة‪ :‬التي تعد أهـم ركائز المذهب الرومانسي‪ ،‬يقول "مخائيـل نعيمة" في قصيدة "أوراق الخريـف" ‪:‬‬
‫تناثري ‪،‬تناثري‬
‫يابهجة النـظـر‬
‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫يا مرقص‬
‫‪1‬‬
‫يا أرجوحة القمر‬
‫الواقعية ‪ :‬النابعة من الحياة ومن التجارب الحارة ‪.‬‬
‫* توليد المعاني ‪:‬الشعر المهجري متعدد القراءات ؛ألنه يحمل معاني متعـددة بتعـد د تجارب أصحابه‬
‫‪،‬لهذا فقد استخدم شعراء المهجر لغة جديدة " فيها الكثير من الحيويـة ‪ ،‬و اإليحاء‪ ،‬والقدرة على التعبير‪.‬‬
‫*الرمزية‪ :‬و من ذلك قصائد إيليا أبي ماضي التي جاءت حافلة بالرموز مثل‪":‬الحجـر الصغير"‪،‬التينة‬
‫الحمقاء‪".‬‬
‫*الطابع النفسي ‪ :‬عبر شعراء المهجر عن النفس وجعلوا ذلك أساسا في نجاح أشعارهم‪ ،‬وصدق تجربتهم‬
‫الشعرية ؛" فيسمع صوت الشاعر الداخلي ‪،‬كما يمكن أن نلتمس نوعـا جديدا من التشاؤم‪.‬‬
‫*الطابع الرومانسي ‪ :‬كانت أشعارهم حافلة بالطبيعة و الخيال ‪،‬و الصدق العاطفي ‪ ،‬يقول الياس فرحات‬
‫في قصيدة "نجم الليل " التي يعبر فيها عن حبه للطبيعة‬
‫هناك ميزاتها خامدة‬ ‫أحن إلى الغاب حيث الشروف‬
‫‪2‬‬
‫قرب الوفاء مائدة‬ ‫أحن إلى حيث ال يجلسن الغدر‬
‫*الطابع الفلسـفي ‪ :‬تاثر شعراء المهجر بالفلسفة الغربية القديمة ‪،‬و الحديثة ‪،‬و كانـت أشعارهم بحثا في‬
‫القضايا الوجودية ‪،‬و النفسية ‪،‬و المعرفية‪ ،‬و من المدارس المهجريـة التي تاثرت بالفلسفة "الرابطة القلمية"‬
‫التي طرح أصحابها العديد من القضايا الفلسفية في قالب شعري ‪،‬فكان تأثرهم الكبير بأفكار أفالطون التي‬
‫ضمنها في محاوراته‪.‬‬
‫‪/3‬خصائص الشعر المهجري على مستوى الشكل‪:‬‬
‫*اللّغة‪ :‬أنشأ المهجريون ألنفسهم معجما لغويا رومانسية االتجاه يدعو إل استخدام اللغة البسيطة‪،‬‬
‫ثائرين على االتجاه المحافظ وتمسكهم بالمعجم اللغوي القديم واللغة العربية الفصيحة وقواعدها الجامدة ‪،‬‬
‫يقول جبران خليل جبران "لكم قيها ‪-‬اللغة‪ -‬ما قاله سيبويه وأبو األسود الدؤلي وابن عقيل ومن جاء قبلهم‬

‫‪ :1‬مخائيل نعيمه‪ ،‬همس الجفون ‪،‬المجموعة الكاملة ‪ ،‬المجلد الرابع بيروت ‪،‬دار العلم للماليين ‪،‬ط ‪ ،1966 ،6‬ص‪43‬‬
‫‪ :2‬إلياس فرحات‪ ،‬أحالم الراعي ‪،‬سان باولو مطبعة مجلة الشرق‪،‬د‪.‬ط‪،1952،‬ص‪.16‬‬

‫‪71‬‬
‫وبعدهم من المضجرين المملين‪ ،‬ولي ما تقوله األم لطفلها والمحب لرفقته والمتعبد لسكينة ليله‪ ،1 "...‬كما‬
‫يقول إيليا أبو ماضي ‪:‬‬
‫شعر ألــفاظا ووزنا‬
‫لست م ّني إن حسبت ** ال ّ‬
‫‪2‬‬
‫خالفت دربك دربـــــــــي ** وانقضى ما كان ِم ّنا‬
‫*األسلوب‪ :‬تميز أسلوب المهجريين بالرقة والهدوء الموحي‪ ،‬وقد سماه النقاد بأسلوب الهمس يقول إيليا‬
‫أبو ماضي في قصيدة "بال قلب"‪:‬‬

‫الردى والخوف في البعد والقرب‬


‫الحب ** فقلت ّ‬
‫ّ‬ ‫وقائلة ماذا لقيت مــــــن‬
‫ب‬
‫غر ال تنال بال ُح ّ‬
‫ربه ** شــــمائل اا‬
‫الحب ُيكسب ّ‬
‫ّ‬ ‫فقالت‪ :‬عهدت‬
‫نفور المعى وراءه فـــامسيت في حرب‬
‫حبا فـــــزاده ** ُ‬
‫فقلت لها‪ :‬قد كان ّ‬
‫‪3‬‬
‫ـرت بال قلب‬
‫وقد كان لي قلب وكنت بال هوى ** فلما عرفت الحب ص ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫كما تعزز الشعر المهجري بأسلوب القصص الذي وظفه العديد منهم‪،‬وفي هذا يقول إيليا أبي ماضي‪:‬‬
‫قال الغدير لنفـــسه ** يـــــــا ليتني نهر كبير‬
‫مثل الفرات األعذب أو ** كالنيل ذي الفيض الغزير‬
‫تجري الســــــفائن مق ار ** ت فيه بالــــــــــــرزق الوفير‬
‫وانساب نحو ال ّنهر ال ** يلوي على المرج النـــضير‬
‫‪4‬‬
‫حـــــــــــتّى إذا ما جاءه ** غلب لبهدير على الخــرير‬
‫*األوزان والقوافي‪ :‬وظف المهجريون األوزان المختلفة وتنويع القافية في القصيدة الواحدة‪ ،‬والروي‬
‫محاولين من خالل ذلك كسر الرتابة وابعاد الملل عن القارئ من جهة ومالئمة الحالة النفسية من جهة‬
‫ثانية‪.‬‬
‫إذا سماؤك يــوما ** تحجبت بالغيــــــوم‬
‫أغمض جفونك تبصر ** خلف الغيوم نجــــــــوم‬

‫‪ :1‬عبد المنعم خفاجي‪ :‬قصة األدب المهجري‪ ،‬دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬ط‪،1973،2/‬ص‪.86‬‬
‫‪ :2‬إيليا أبو ماضي‪ ،‬الديوان‪،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ :3‬إيليا أبو ماضي‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪163:‬‬
‫‪ :4‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪361:‬‬

‫‪72‬‬
‫إما ** توشحت بالثــــلوج‬
‫واألرض حـــــــــولك ّ‬
‫أغمض جفونك تبصر ** تحت الثلوج مــــروج‬
‫داء عيـــــاء‬
‫وان ُبليت بـــداء ** وقبل ٌ‬
‫الداء كـــــــــ ّل دواء‬
‫أغمض جفونك تُبصر ** في ّ‬
‫لقد أدت المدرسة المهجرية دو ار طالئعيا في األدب العربي وهي متفتحة على الثقافات العالمية‪ ،‬رافضة‬
‫التقديسية والصنمية والتقوقع داخل جدران التراث العربي القديم‪ ،‬حيث آثرت "الشكل المقطعي مزدوجا‬
‫ومربعا ومخمسا بديال عن الشكل الذي تنحصر فيه القصيدة بين صفتي بحر واحد وقافية واحدة كما نادت‬
‫وتضمن هو مضامين الحب العذري وحرية‬
‫َّ‬ ‫بالحرية التعبيرية وقد اتسم نتاجها األدبي بالوجدان الذاتي‬
‫المرأة وفنية الطبيعة والحنين الى الوطن وغيرها"‪.1‬‬

‫‪:1‬محمد شافع الوافي‪ ،‬تأثر األدباء العرب باألدب الغربي وتأسيسهم المدارس األدبية العربية‬
‫الحديثة‪/http://muhammadaliwafy.blogspot.com،‬‬

‫‪73‬‬
‫المحاضرة العاشرة‬
‫الرابطة القلمية‬

‫‪74‬‬
‫الرابطة القلمية‪:‬‬
‫‪/1‬تمهيد‪:‬‬
‫في الثامن والعشرين أفريل من عام ألف وتسعمائة وعشرين أنشأت الرابطة القلمية‪ ،‬وفي مجلس يضم‬
‫مجموعة من الشبان اللبنانيين والسوريين ولدت فكرة الرابطة القلمية انتصا ار لألدب‪ ،‬برئيسها جبران ‪،‬‬
‫وبمساعدة إيليا أبوماضي‪ ،‬ووليم كاتسفليس ‪ ،‬وميخائيل نعيمة‪ ،‬نسيب عريضة ‪ ،‬عبد المسيح حداد ‪ ،‬رشيد‬
‫أيوب ندرة حداد ‪ ،‬وديع باحوط إلياس عطا اهلل‪ ،‬وكان مقرها في نيويورك" وكانت جريدة السائح التي‬
‫‪1‬‬
‫يمتلكها عبد المسيح حداد التربة الخصبة التي حملت للعالم العربي ثمار قرائحهم اليانعة"‬
‫‪/2‬خصائص االنتاج النقدي واإلبداعي عند الرابطة القلمية‪ :‬من أهم هذه الخصائص‪:2‬‬
‫*الثنائية‪:‬‬
‫النص الرومنسي يغلب عليه الطابع الشعري الذي يعتمد فيه على اإليقاع‪ ،‬إما بالتجانس بين الجمل أو‬
‫التقابل في إطار الثنائية والتكرار‪ ،‬وهو ما نراه في بعض نصوص "نعيمة" النقدية والعديد من النصوص‬
‫النثرية "لجبران"‪.‬‬
‫*الثورة والتمرد ‪:‬‬
‫معظم أدباء الرابطة مارسوا بشغف مهمة النقد‪ ،‬فقد قيل في "جبران" مسيح يصلح‪ ،‬ونيتشه يهدم‪ ،‬ويصرح‬
‫"نعيمة" بهذه الحقيقة "كانت الفكرة التي تسيطر علينا هي التخلص من الجمود األدبي الذي سيطر على‬
‫العقلية العربية خالل خمسمائة سنة ثم االبتعاد باألدب الحديث عن التأثر باألدب القديم‪ ،‬وخلق صلة بين‬
‫األدب والحياة‪ ،‬حياة حديثة تتطلب أدبا حديثا حياة العالقة لها بالناقة واألطالل وعنق الغزال ‪.‬‬
‫* النزعة الصوفية ‪:‬‬

‫‪ :1‬فوزي يوسف إبراهيم عبيد‪،‬شعر المهجر قضاياه ومميزاته (دراسة أدبية نقدية)‪ ،‬بحث مقدم لنيل درجة دكتوراه الفلسفة في‬
‫اللغة العربية وآدابها )أدب ونقد (‪ ،‬جامعة الجزيرة‪،‬كلية التربية‪ ،‬قسم اللغة العربية والدراسات اإلسالمية‪،‬أكتوبر ‪2013‬‬
‫م‪،‬ص‪25:‬‬
‫‪ :2‬كمال لعور‪،‬مرتكزات النقد الحداثي عند الرابطة القلمية‪،‬حوليات اآلداب واللغات‪،‬كلية اآلداب واللغات‪ ،‬جامعة حممد‬
‫بوضياف‪ .‬المسيلة‪ .‬الجزائر‪،‬ع‪ ،2020،14 /‬ص‪255/254 :‬‬

‫‪75‬‬
‫أكد "نعيمة" تأثرهم بالبعد الصوفي اإلشراقي االنجليزي واإلسالمي‪ ،‬ويؤكد "نعيمة" هذه الحقيقة مشيدا بدوره‬
‫ودور "جبران" في إقامة صرح الرابطة القلمية فصرح ضمن الرابطة القلمية شخصان يتجانس تفكيرهما في‬
‫المنظور وغير المنظور "جبران ونعيمة" أما بقية أعضاء الرابطة فتأثروا بهما في هذا االتجاه‪ ،‬كان "جبران"‬
‫متصوفا في تفكيره يعود فيه إلى العالم الباطن‪ ،‬ويرى التيار الصوفي قد جرف معظم المنتسبين إلى‬
‫الرابطة حتى "نسيب عريضة ‪ ،‬وايليا أبي ماضي"‬
‫*االنطباعية ‪:‬‬
‫كان النقد الرومانسي عند الرابطة نقدا انطباعيا ال يجد في العادة حرجا من الجهر بتأثريته والكشف عن‬
‫ذاتيته‪ ،‬حيث رفضوا القواعد واالعتماد على الذوق الشخصي والكشف عن اإلحساس بلغة التأثر‪ ،‬ووصف‬
‫ردود فعل القارئ من العمل األدبي إعجابا أو نفو ار والحكم عليه حكما مطلقا مبهما دون التماس علل أو‬
‫مسوغات‪.‬‬
‫*مسايرة المنهج الغربي ‪:‬‬
‫لقد ساهم األدباء الشوام من سوريا ولبنان في إغراء األدباء للسير وراء المنهج األوروبي في األدب‬
‫والحياة‪ ،‬لما كان يربط هؤالء بأوروبا من روابط تاريخية ودينية خاصة عندما استقر بعضهم في مصر‬
‫وهيأ لهم االحتالل االنجليزي المنابر الصحفية والثقافية‪ ،‬باإلضافة إلى نشاطاتهم في المهاجر األوروبية‬
‫واألمريكية والتي كان أثرها يصل إلى الشرق من خالل الصحف والمجاالت وكانت الرابطة القلمية من‬
‫أوائل المدارس العربية هضما للمنهج الغربي في األدب‪ ،‬وأحرص على اعتماده في تذوق النصوص‬
‫األدبية‬
‫‪/3‬النزعة التأملية عند شعراء الرابطة القلمية‪:‬‬
‫لقد جعل شعراء الرابطة القلمية التأمل محو ار ألعمالهم التي أمست ذات طابع تأملي فكري‪ ،‬فإذا نظرنا‬
‫في شعر ميخائيل نعيمة نجد في "تأمله تأمال مجردا في الذات والحياة والكون دون ثم اتصال بتجربة‬
‫بعينها‪ ،‬وهذا النوع من التأمل غلب على كثير من شعراء المهجر وغيرهم فهو في ديوانه "همس الجفون"‬
‫يلجأ إلى التأمل عله يكتشف من خالله سر الوجود‪ ،‬فيخاطب البحر والليل والريح"‪ ، 1‬يقول في قصيدته‬
‫(من أنت يا نفسي)‪:‬‬

‫‪ :1‬معزيز مختارية‪ ،‬النزعة التأملية في الشعر العربي الحديث إيليا أبو ماضي أنموذجا ‪-‬مقاربة تحليلية ‪،-‬أطروحة مقدمة‬
‫لنيل شه ادة دكتوراه في األدب العربي تخصص‪ :‬أدب حديث‪،‬إشراف ‪:‬قريش بن علي‪ ،‬جامعة جياللي ليابس‪ /‬سيدي‬
‫بلعباس‪،‬كلية اآلداب واللغات والفنون قسم‪ :‬اللغة العربية وآدابها‪،‬السنة الجامعية‪،2019-2018:‬ص‪34:‬‬

‫‪76‬‬
‫ور‬ ‫إِ ْن أر َْي ِت ا ْلب ْحر ي ْط َغى ا ْلمو ِ ِ‬
‫ويثُ ْ‬
‫ج فيه َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ور‬ ‫مع ِت ا ْل َب ْح َر َي ْب ِكي ِع ْن َد أَق َْد ِام ُّ‬
‫الص ُخ ْ‬ ‫س ْ‬‫أَو َ‬
‫ديرْه‬
‫ج َه َ‬ ‫س ا ْل َم ْو ُ‬ ‫َن َي ْح ِب َ‬‫ْترقُِبي ا ْل َم ْو َج إلَى أ ْ‬

‫س َم َع ا ْل َب ْح ُر َزِف َ‬
‫يرْه‬ ‫وتَُناجي ا ْل َب ْح َر َحتَّى َي ْ‬
‫َار ِجعاً ِم ْن ِك إِلَ ْيه َهل ِم َن ْاأل َْم َواج ِج ْئ ِت؟‬
‫ـام‬ ‫س ِم ْع ِت َّ‬
‫الر ْع َد َي ْد ِوي َب ْي َن طَيَّات ال َغ َم ْ‬ ‫إن َ‬ ‫ْ‬
‫الم‬ ‫ق َي ْف ِري س ْيفُهُ َج ْي َ َّ‬ ‫ِ‬
‫ش الظ ْ‬ ‫َ‬ ‫الب ْر َ‬
‫أو َأر َْيت َ‬
‫اه‬‫ط ِفي ِم ْن ُه لَ َ‬
‫ظ ْ‬ ‫َن تَ ْخ َ‬‫ق إلَـى أ ْ‬ ‫الب ْر َ‬
‫صدي َ‬
‫تَر ِ‬
‫ْ ُ‬
‫اه‬
‫ص َد ْ‬ ‫الر ْع ُد لَ ِك ْن تَ ِ ِ ِ‬ ‫وي ُك َّ‬
‫اركاً فيك َ‬ ‫ف َّ‬ ‫َ‬
‫ص ْل ِت؟‬
‫الب ْرق ا ْنفَ َ‬
‫ِ‬
‫َه ْل م َن َ‬
‫ِ ‪1‬‬
‫الر ْع ِد ا ْن َح َد ْرت ؟‬
‫أ َْم َم َع َّ‬
‫جبران خليل جبران‪ ،‬هو األخر وجد في التأمل ملجأ لهوى نفسه التي تعشق الطبيعة‪ ،‬لما تسكبه من‬
‫الراحة والهدوء والطمأنينة لروحه الطواقة للحياة ‪ ،‬يقول في قصيدته " المواكب"‪.‬‬
‫الخير في الناس مصنوعٌ إذا ُجبروا‬
‫الشر في الناس ال يفنى وِان قبروا‬
‫و ُّ‬
‫آالت تحركها‬
‫وأكثر الناس ٌ‬
‫تنكسر‬
‫ُ‬ ‫أصابع الدهر يوماً ثم‬
‫علم وال‬
‫تقولن هذا عالم ٌ‬
‫َّ‬ ‫فال‬
‫قطعان يسير بها‬
‫ٌ‬ ‫الوقُُر فأفضل الناس‬
‫تقولن ذاك السيد َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫يمش يندثر‬ ‫صوت الرعاة ومن لم‬
‫ليس في الغابات ار ٍع‬
‫القطيع‬
‫ْ‬ ‫ال وال فيها‬
‫لق‬
‫الربيع ُخ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫جاريه‬‫فالشتا يمشي ولكن ال ُي‬
‫ع‬
‫الناس عبيداً للذي يأْبى الخضو ْ‬

‫‪ .:1‬ميخائيل نعيمة‪ ،‬همس الجفون‪ ،‬مؤسسة نوفل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2004، 6‬م‪ ،‬ص‪15/14.‬‬

‫‪77‬‬
‫هب يوماً‬
‫فإذا ما َّ‬
‫الجميع‬
‫ْ‬ ‫سائ ارً سار‬
‫وغن‬
‫الناي ِّ‬
‫َ‬ ‫أعطني‬
‫العقول‬
‫ْ‬ ‫فالغنا يرعى‬
‫أنين الناي أبقى‬
‫و ُ‬
‫‪1‬‬
‫وذليل‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫مجيد‬ ‫من‬
‫نسيب عريضة من الشعراء المهجريين الذين تبنوا النزعة في أشعارهم ‪ ،‬ففي قصيدته"اقلب الصفحة في‬
‫سفر الدهور" يذهب في رحلة تأملية من خاللها راصدا تأمل العالقة بين بني البشر‪ ،‬وظاهرهم وباطنهم ‪،‬‬
‫مرك از على بيني البشر الذين تختبئ حقيقتهم خلف األقنعة التي سرعان ما تزول وتنكشف الحقيقة‪:‬‬
‫إن كل الناس أشباه إذا زحت الستور‬
‫ليس في الدنيا غني ليس في الدنيا فقير‬
‫ال عليم ال جهول ال عظيم ال حقير‬
‫كلها حاالت كعبوق وبكور‬
‫‪2‬‬
‫كلها تمثيل أدوار على ملهى العصور‬
‫إن النزعة التأملية عند شعراء الرابطة القلمية اختلفت باختالف المواضيع التي تناولوها في‬
‫قصائدهم‪ ،‬إال أنه وبرغم هذا االختالف‪ ،‬فقد جمعتهم روح الوجود المجسدة ‪.‬‬

‫‪ .:1‬جبران خليل جبران‪ ،‬المجموعة الكاملة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،1،2005/‬ص‪300:‬‬


‫‪ .:2‬نسيب عريضة‪ ،‬األرواح الحائرة‪ ،‬بيسان للنشر والتوزيع‪ ،‬ص‪223 :‬‬

‫‪78‬‬
‫المحاضرة الحادية عشر‬
‫جماعة أبولو‬

‫‪79‬‬
‫جماعة أبولو‪:‬‬
‫‪/1‬تمهيد‪:‬‬
‫إن اسم جماعة ال يطلق إال إذ ا قام االتجاه علي دعائم فلسفية وقيم فنية وتياره محددة ‪" ،‬وجماعة‬
‫أبولو اختارت أحسن ما رأت في االتجاھين السابقين "المحافظين من مدرسة البعث من الخلق و اإلبداع‪،‬‬
‫والمجددين من الديوان وأفادت من اآلداب الغربية وأضافت إلیھا كثي اًر من الخلق واإلبداع مما شكل لھا‬
‫مجموعة من الخصائص الفنية المشتركة التي تجعل منها اتجاھا‪ ،‬ممي اًز بين اتجاهات الشعر المختلفة "‪،‬‬
‫فلقد لعبت الجماعة دو ار رياديا في حركة تطور الشعر العربي الحديث‪ ،‬حيث أن التجديد لمس كل‬
‫المستويات الفنية من حيث الشكل الفني البنائي للقصيدة ‪ ،‬إضافة إلى إبراز جماليات المضمون ‪،‬‬
‫فجماعة أبوللو عمدت إلى بعث ثورة ضد القوالب القديمة‪ ،‬فاستطاعوا التجديد فى الوحدة العضوية وتعدد‬
‫الوزن والقافية ولغة جديدة وتغير في الصياغات الشعرية واستحداث صياغات جديدة‪.1‬‬
‫‪/2‬جماعة أبولو نشأتها وخصائصها الفنية‪:‬‬
‫أدبية دعا إلٌها الشاعر أحمد زًكي أبو شادي سنة ‪1955‬م‪ ،‬وقد ضمت إليها العديد من‬
‫أبولو جماعة ٌ‬
‫الشعراء (إب ارھيم ناجي‪ ،‬صالح جودت‪ ،‬محمد عبد المعطي الهمشري ‪،‬حسن كامل الصيرفي‪ ،‬محمد أبو‬
‫الوفاء‪ ،‬الشرنوبي‪ ،‬أحمد محرم‪ ،‬ومحمود حسن اسماعيل‪ ،‬علي محمود طه ‪،‬والسحرتي‪،‬عبدالعزيز‬
‫عتيق‪،‬وأحمد الشايب‪،‬ومختار الوكيل‪ ،‬وعثمان حلمي‪ ،‬سيد قطب ‪،‬جميلة العاليلى‪ ،‬ومن العراق نازك‬
‫المالئكة‪ ،‬ومن لبنان إلياس أبو شبكة‪ ،‬ومن تونس أبو القاسم الشابي‪ ،‬ومن السودان التجاني يوسف‬
‫بشير‪ ،)...‬أسندت رئاستها إلى أمير الشعراء أحمد شوقًي فًي سبتمبر ‪ ، 1932‬وبعد وفاته بأشهر اختير‬
‫الشاعر خليل مطران رئيسا‪ ،‬أصدرت الجماعة مجلة تحمل اسمھا‪ ،‬وتشيع من خاللها أدبھا ومبادئھا‪،‬‬
‫وسميت بأبولو نسبة إلله النور والفنون والجمال يقول زكي أبو شادي في ذلك "كلما كانت الميثولوجيا‬
‫إساءة للروح القومية لم نتردد في أن نخصھ بھذه المجلة اإلغريقية تتغنى بأبوللو للشمس والشعر‬

‫‪ :1‬يسـ ار عبد هلل عـثمان صالح‪ ،‬اإلبـداع وبنية القصيدة عند جمـاعة أبوللو‪ ،‬بح ث مقـدم لنيل درجة الدكتوراه ‪ ،‬إشراف‪:‬‬
‫عباس محجوب محمود‪ ،‬جامـعـة الـنيليـ ــن كلية الدراسات العليا قسم اللغة العربية‪2012 ،‬ـ ـ ‪، 2015‬ص‪2:‬‬

‫‪80‬‬
‫والموسيقى‪ ،‬فنحن نتغنى في حمى ھذه الذكريات التي أصبحت عالمية لكل ما يسمو بجمال الشعر‬
‫‪1‬‬
‫العربي‪ ،‬وبنفوس شعرائه‪".‬‬

‫‪/3‬عوامـل ظھـور جماعة أبولّو وأهدافها‪:‬‬


‫* الصراع الذي كان قد احتدم بين المحافظين البيانيين على رأسھم شوقي ‪ ،‬وبين المجددين الذھنيين‪،‬‬
‫وعلى رأسھم العقاد في أو ائل القرن العشرين‪ ،‬ووصل إلى ذروتھ مع كتاب الديوان سنة‪ 1921،‬والذي‬
‫أفضى إلى محاسن وعيوب كال االتجاهين‪" ،‬فاتضح أجمل ما في االتجاه البياني من روعة األسلوب‬
‫وجمال الصياغة ‪ ،‬ورونق الموسيقى‪ ،‬ومائية الشعر واتضح كذلك أجمل ما في االتجاه الذھني من اھتمام‬
‫بالصدق الفني إلى الجانب الوجداني‪ ،‬واتجاه إلى التعبير عن نزعات النفس‪ ،‬وحقائق الكون وأسرار‬
‫الطبيعة ھذا إلى االھتمام بالوحدة العضوية والصورة الشعرية ‪ ،‬والتفات كذلك‪ ،‬برز من خالل ھذا الصراع‬
‫ٍ‬
‫وميل إلى الخطابية عند‬ ‫أقبح ما في االتجاھين من ٍ‬
‫تأس لخطى السابقين واتجاه إلى المناسبات‪،‬‬
‫المحافظين‪ٍ ..‬‬
‫وميل إلى العقالنية عند المجددين"‪ 2‬ھنا كانت الفرصة متاحة أمام جيل الشباب من الشعراء‬
‫؛ لكي يختار أحسن ما في االتجاھين‪ ،‬ويمزج بين المحاسن‪.‬‬
‫*تأثرهم بشعر الرومانسيين االنجليز من أمثال رودروبرث‪ ،‬وشيلي وكيتس‪ ،‬باإلضافة إلى إتقانهم للغة‬
‫الفرنسية واطالعهم على شعراء األدب الفرنسی ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫* التأثر بالشعر المھجري ‪ ،‬وقد كان ھذا الشعر أقل ذھنية ‪ ،‬وأغزر عاطفية من شعر المجددين‪.‬‬
‫*التأثر بروح الثورة الوطنية التى اجتاحت مصر مما أدى إلى االحساس باستقالل الشخصية والحرية‬
‫الفردية ثم التأثر بنتائج الظلم االجتماعي والفساد السياسي والتأزم االقتصادي الذي تال ذلك ‪ ،‬مما أدى‬
‫إلى اإلحساس بخيبة األمل ‪ ،‬والنزوع إلى االنطواء ‪ ،‬والتعزى بالحب ‪ ،‬واالغماس في الطبيعة والرؤى‬
‫واألحالم‪.4‬‬

‫‪ :1‬عبد العزيز الدسوقي ‪،‬جماعة أبولو وأثرھا في الشعر العربي الحديث ص‪، 286‬الهيئة العامة المصرية للتأليف والنشر‬
‫‪1972‬م‬
‫‪ :2‬يسـ ار عبد اهلل عـثمان صالح‪ ،‬اإلبـداع وبنية القصيدة عند جمـاعة أبوللو‪،‬ص‪3:‬‬
‫‪ :3‬يسـ ار عبدااهلل عـثمان صالح‪ ،‬اإلبـداع وبنية القصيدة عند جمـاعة أبوللو‪،‬ص‪3:‬‬
‫‪ :4‬المرجع نفسه‪،‬ص‪4/3:‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ /4‬مبادئ جماعة أبولو‪:‬وتظھر مبادئ الجماعة فيما يلي‪:1‬‬
‫*السمو بالشعر العربي ‪ ،‬وتوجيه جهود الشعراء توجيها شريفا‬
‫*مناصرة النهضة الفنية في عالم الشعر‬
‫* ترقية مستوى الشعراء ماد يا واجتماعيا‪ ،‬والدفاع عن كرامتهم‪.‬‬

‫‪/5‬الخصائص الفنية لجماعة أبولو‪:2‬‬


‫• التجربة الشعرية ‪ ،‬والصدق الفني في التصوير وصدق التجارب‪.‬‬
‫• سيطرة الذاتية على األعمال الشعرية‪.‬‬
‫• االحتفاء بالنفس اإلنسانية‪ ،‬واعالء منزلتها إلى درجة التقديس‪.‬‬
‫تمجيد األلم الذاتي واإلنساني‪.‬‬ ‫•‬
‫• االنغماس في الطبيعة‬
‫• الدعوة إلى الحق والخير والجمال‪.‬‬
‫• تجديد وتنويع أساليب التعبير‪.‬‬
‫• اتسام األلفاظ بالرقة والعذوبة والوضوح‪،‬وتجنب التراكيب القديمة الجاهزة‪ ،‬فجأت اللغة مأنوسة‪،‬‬
‫مألوفة قريبة من الحياة‪.‬‬
‫• تجنب الصور البالغية والبيانية‪ ،‬والبديعية المتداولة وابداع الصور الفنية الجديدة وشحنها بعواطف‬
‫ذاتية وانسانية حارة‬
‫• التجديد في القوالب واألوزان الشعرية واالهتمام بالموسيقى الداخلية ةالخارجية‪.‬‬
‫• االنغماس في الطبيعة‪ ،‬جعلوها مالذا لهم وهروبا من الواقع‪.‬‬
‫• الوحدة العضوية والتماسك النصي‪.‬‬
‫‪/6‬خصائص القصيدة الفنية عند جماعة أبولو‪:‬‬
‫وال تعني عندھم في القصيدة وحدة الموضوع ‪ ،‬وھو ما دل علیھ العقاد في مدرستھ ‪ ،‬بل البد من‬
‫وحدة عضوية ؛ فالقصيدة في نظرھم بنية عضوية حية تتفاعل عناصرھا ‪ ،‬تمتزج بعضھا بالبعض ‪،‬‬

‫‪ :1‬المرجع نفسه‪،‬ص‪4 :‬‬


‫‪ :2‬ينظر‪ :‬عبداهلل خضر حمد‪ ،‬المدارس األدبية(دراسة وتحليل)‪ ،‬دار القلم‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬دت‪ ،‬ص‪163:‬‬

‫‪82‬‬
‫حتى يتكامل الموضوع ‪ ،‬ويتم على أكمل وجهه ‪ ،‬وفي أجمل نسقھ ‪ ،‬وذلك داخلی وتنمو العناصر نمو‬
‫مثل األعضاء في جسد اإلنسان القوي النامي الحسن المنظر وتظھر في قصيدة األطالل لناجي الذي‬
‫يقول فيها‪:‬‬
‫ش ّي‬
‫ت َ‬ ‫استَ ْبقَ ْي ُ‬
‫ت َما ْ‬‫ط ْي ُ‬ ‫إِ َّنني أَ ْع َ‬ ‫ي‬ ‫ْع ِطني ُحِّرَيتي اَ ْطِل ْ‬
‫ق َي َد َّ‬
‫لِ َم اُْب ِق ْي ِه َو َما أ َْبقَى َعلَ َّي‬ ‫صمي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫آه م ْن قَ ْيد َك أ َْد َمى م ْع َ‬
‫ما ْ ِ‬
‫ي‬ ‫َس ُر َو ُّ‬
‫الد ْنيا لَ َد َّ‬ ‫َوِاالَ َم الأل ْ‬ ‫احتفَاظي ِب ُع ُهوٍد لَ ْم تَ ُ‬
‫ص ْن َها‬ ‫َ‬
‫إِ ّن َها قَ ْبلَ َك لَ ْم تُْب َذ ْل ِل َح َّي‬ ‫ف َع ْن َها‬‫اع ُ‬ ‫َها أََنا َجفَّ ْت ُد ُموعي فَ ْ‬
‫ان َوالثَّْل ُج أَ َغ َا‬
‫ار‬ ‫َجفَّ ِت ال ُغ ْد َر ُ‬ ‫ار‬
‫ط َا‬‫ش َك َ‬‫َو َه ِب الطَّ ِائ َر َع ْن ُع ِّ‬
‫َخ َب ِت ُّ‬
‫الش ْعلَ ُة َوال ِج ْم ُر تََو َارى‬ ‫وب َج َم َد ْت‬ ‫َه ِذ ِه ُّ‬
‫الد ْن َيا قُلُ ٌ‬
‫ار‬
‫ص َا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ف َ‬ ‫س ْل ُه َك ْي َ‬
‫م ْن َرَماد الَ تَ َ‬ ‫ب َغ َدا‬
‫س ال َق ْل ُ‬
‫َوِاذا َما قَ َب َ‬
‫‪1‬‬
‫ار‬
‫س َن َا‬ ‫ِ ِ‬
‫َو ُه َوُيذْك ْيه فَالَ َي ْق َب ُ‬ ‫طلي‬
‫صَ‬‫الم ْ‬
‫ذاب ُ‬
‫س ْل وا ْذ ُك ْر َع َ‬
‫الَ تَ َ‬
‫*الصـورة األدبـية‪ :‬وال تعني ھ ذه الجماعة بالصورة األدبية التعبير باللفظ والتركيب فقط‪ ،‬بل تعتمد على‬
‫التعبير بالصورة األدبية‪ ،‬فھي الوسيلة الوحيدة التي تستطيع أن تنقل ما في أنفسھم من تجربة عميقة‬
‫إلى اآلخرين في وأما الصورة الشعرية تعني أنھا حين تق أر للشاعر قطعة من القصيدة‪ ،‬يقول ناجي عن‬
‫الصورة " مبارز تجاه بصرك " ويقول أيضا‪ :‬شعره يكون الشيء‪ ،‬وكأنه مرسوم أمامك بوضوح شديد‪،‬‬
‫ومجس "األسلوب التصويري في مذھب الصوريين ھو من مظاھر التطور في األدب األوربي الحديث‪،‬‬
‫ويبني متالحقة مضغوطة‪ ،‬وقد بالغوا في ضبط الصوريون مذھبھم على أن األدب يجب أن يكون صو ار‬
‫مجتمعة ال صورة واحدة‪ ،‬وقادھم ذلك إلى الرمزية صورھم وتفننوا‪ ،‬حتى حملوا الكلمة صور‪.‬‬
‫كقول أبي شادي‪:‬‬
‫فترى الحياة من الثياب تطل‬ ‫هيفاء ينبض بالمالحة جسمها‬
‫وكقول ناجي‪:‬‬
‫ال الهوى مال وال الجفن غفا‬ ‫كم تقلبت على خنجره‬
‫وقد تكون الصورة كلية تمثل مشهداً حياً خارجياً أو جواً نفسياً داخلياً‪ ،‬وهذا المشهد أو الجو يتألف من‬
‫مجموعة صور جزئية تكون عمالً متكامالً‪ ،‬وصور الشعراء هنا تمتزج فيها الحقيقة بالخيال غالباً‪ ،‬يقول‬
‫أحدهم يصف القرية بالليل‪:‬‬

‫‪ :1‬ناجي ‪،‬اب ارھيم ‪ ،‬الديوان‪، ،‬تح‪ :‬أحمد رامي‪ ،‬دارالمعارف ‪،‬مصر‪،1961 ،‬ص‪343 :‬‬

‫‪83‬‬
‫عليها وأسوار الظالم تحاصر‬ ‫وقد نسجت أيدي الشتاء سياجها‬
‫ضفائرها فوق المروج الدياجر‬ ‫لقد رنقت عين النهار وأسدلت‬
‫ودبت على الشط الهوام النوافر‬ ‫وقد خرج الخفاش يهمس في الدجى‬
‫على صوت ِهر في الدجى يتشاجر‬ ‫وطارت من الجمبيز تصرخ بومة‬
‫يجاوبه ذئب من الحقل خادر‬ ‫وفي فترات ينبح الكلب عابساً‬
‫*اإليحاء في اللفظ‪ :‬تتعدد معانيه‪ ،‬والكلمة مشعة ترسل خيوطھا العميقة في البد أن يكون اللفظ في‬
‫الصورة عندھم موحی كل مكان‪ ،‬فإن كثرة المعاني واالتجاھات للكلمة الواحدة تكتب للقصيدة الخلود‪،‬‬
‫حسنا من كل قارئ فيفسرھا حسب ذوقھ ‪ ،‬وعمق فكره‪ ،‬ولذلك بقيت قصائد موقعُ‬
‫وتبقى القصيدة حية ً‬
‫متجددة تجدٌ متعددة مثل قصائد شكسبير‪ ،‬وغيره خالدة ؛ ألنھم اھتموا بوحي األلفاظ وھي رسائل كثيرة ‪.‬‬
‫*حـــب الطبيعة‪ :‬أحبوا الطبيعة فقد وجدوا فیھا القلب الحنون‪ ،‬واألم الرءوم كارھين صخب المدينة‬
‫وضوءھا‪ ،‬فحدثوھا وحدثتھم‪ ،‬وعانقوھا عن ھيام فأحبوھا وأحبتھم‪ ،‬واشتھر محمود حسن اسماعيل‬
‫بديوانه (أغاني الكوخ) بشغفه للريف ‪.‬‬
‫*ثورة التجديد‪ :‬قام شعراء أبوللو بثورة تجديدية كبيرة في بناء القصيدة الفني فأعلنوا الشعر الحر واحتفظوا‬
‫بالشعر المرسل ونوعوا األوزان وجددوا فیھا ‪ ،‬ونادوا بتحرير القصيدة في شكلھا ومضمونھا وفكرتھا‬
‫وصورتھا الموسيقية ورددوا ‪ :‬مذھب الفن للفن ومذھب الفن للحياة ‪ ،‬وأن الشعر عاطفة وخيال وموسيقى‬
‫وصورة ونادوا كما كان ينادي ورودزورث بتجنب تلك التشبيهات التى كان يتوارثها الشعراء وطعموا‬
‫شعرھم بألوان من الرمزية والواقعية كانت حركة تجديدية كاملة‪ ،‬شملت الموقف واألداء ونجحت الجماعة‬
‫في التجديد‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫المحاضرة الثانية عشر‬
‫المدرسة الرمزية العربية‬
‫خصائصها العامة ‪ ،‬تاريخها‪ ،‬مظاھره‬

‫‪85‬‬
‫المدرسة الرمزية العربية‪:‬‬
‫‪/1‬تمهيد‪:‬‬
‫المدرسة الرمزية العربية‪ ،‬واحدة من أشهر المدارس األدبية الثورية الكبرى التي أضفت العديد من‬
‫التغييرات في األدب على مستوى الشكل والمضمون والغايات واألهداف‪ ،‬وعن من مهد ظهورها األول‬
‫فقد كان في أواخر القرن التاسع عشر في فرنسا "وكانت هذه الحركة ثورة علي الطبيعة البالغة الغاية في‬
‫الوضوح‪،‬‬ ‫في‬ ‫المفرطة‬ ‫البرناسية‬ ‫وعلي‬ ‫الجمود‪،‬‬
‫والذي كان نتيجة لعوامل عدة‪ ،‬منها االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬ومنها األدبي والفني والثقافي‪ ،‬ولم تنبع كل‬
‫هذه العوامل من فرنسا‪ ،‬وانما كان منها الخارجي والداخلي‪ ،‬ولعل الدخيل منها كان كثير الغالب‪ ،‬وقد‬
‫تضافرت هذه العوامل جميعا علي إيجاد هذه الحركة األدبية التي نزعت نزعة صوفية‪ ،‬وآمنت بالعالم‬
‫المثالي في نظر الرمزيين أكثر حقيقة من عالم الحس الذي آمن به الطبيعيون والبرناسيون‪ ،‬ولم يكن ذلك‬
‫العلم الذي اتجه إليه الرمزيون مسيحيا بالمعني المسيحي الدقيق‪ ،‬فقد كانت الروح الغالبة عليهم بعيدة عن‬
‫الدين والتقيد بروحه ونصوصه ‪.‬إن جوهر الرمزية"‪ ،1‬وقد كان ظهور المذهب الرمزي أوال في الشعر‪ ،‬ثم‬
‫انتقل إلى الدراما‪ ،‬ثم في النقد األدبي‪ ،‬وبعدها في الموسيقى‪.‬‬
‫‪/1‬مدلول الرمز في اشعر العربي الحديث ‪:‬‬
‫يرتبط الرمز الشعري بتجربة الشاعر وبأبعادها‪ ،‬وبالمرجعيات التي تنبثق منها أو تؤثر فيها‪ ،‬وهو"‬
‫انعکاس من التجربة الشعرية التي يعانيها الشاعر في واقعة الراهن والشاعر ينتقل فی تجربته من البالغة‬

‫‪ :1‬سيد أمير محمود أنوار * غالم رضا گلچين راد‪ ،‬الرمزية في األدبين العربي والغربي‪،‬التراث األدبى‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬ع‪،6/‬‬
‫‪1388‬هـ‪ ،‬ص‪67:‬‬

‫‪86‬‬
‫الوضوح إلی الغموض‪ ،‬فإذن الرمز الشعري يبدأ من الواقع ليتجاوزه دون أن يلغيه إذ يبدأ من الواقع‬
‫المادي المحسوس ليتحول هذا الواقع إلی واقع نفسي وشعوري تجديدي يند عن التجديد الصارم"‪ ،1‬كما أنه‬
‫عبارة عن إشارة حسية مجازية لشيء ال يقع تحت الحواس أي أن الرمز ببساطة يستلزمً مستويين‪:‬‬
‫مستوی األشياء الحسية أو الصور الحسية التي تؤخذ قالبا ومستوی الحاالت المعنوية المرموز إليها إن‬
‫‪2‬‬
‫الرمز الشعري يستطيع أن يولد لدی المتلقي سلسلة من المشاعر يحس فيها قيمة فنية تكمن خلف الرمز"‬
‫‪ /2‬الرمزية العربية وأسباب التأثر الغربي‪:‬‬
‫تأثر األدب العربي بالرمزية الغربية في العصر الحديث‪ ،‬ويرجع السبب في ذلك إلى اتصالهم‬
‫بالثقافة الغربية‪ ،‬عن طريق اإلرساليات التبشيرية‪ ،‬الترجمة‪ ،‬االستشراق‪ ،‬البحوث العلمية‪ ،‬والتراجع‬
‫النهضوي لألمة العربية بسبب الحكم العثماني‪ ،‬باإلضافة إلى االستعمار الفرنسي واالنجليزي‪ ،‬وعن معرفو‬
‫الشعر العربي الحديث للرمزية‪ ،‬فيرجع إلى " تأسيسه على انجازات الشعر الغربي يقوم على " الخيال‬
‫المطلق( نظرية التراسل)‪ ،‬شمولية الرؤية‪ ،‬الجمالية الذاتية االمتداد الزمني الذي يبلغ العصر االسطوري‪.‬‬
‫وينطوي على معرفة غميقة وحساسية مكثفة في قاع بنية مبتكرة‪ ،‬تكتسب شعريتها او شرعيتها في تجاوز‬
‫معقد‪ ،‬تترسب داللته القصوى العالم جديد‪ .‬عالم اخرى‪ .‬او لغة ابتغاء صياغة المعلوم‪ .‬الحد النموذج‬
‫المألوف وتخطي الزائف‪ ،‬ويتلبس بحالة داللية تعددية‪ ،‬تتستر بهالة كثيفة من الغموض‪ ،‬الذي ال يعود‬
‫‪3‬‬
‫أحيانا فقط‪ ،‬بل الى خصوصية التجربة الحديثة"‬
‫‪ /3‬ظهور الرمزية في الشعر العربي‪:‬‬
‫البداية األولى لظهور الرمزية كانت في لبنان بعد عام ـ‪1919‬ـ‪ ،‬ليمتد بعدها إلى البلدان عربية أخرى‬
‫ممثلة في وظهرت مصر قبل ‪1928‬ـ ‪ ،‬غير أن ظهورها ظل باهتا بحيث أننا ال نجد أشعا ار مدونة‬
‫اختفت بهذا التوجه المذهبي‪ ،‬وظل األمر كذلك إلى غاية ‪ ، 1936‬وهي السنة التي قوي فيها عود الرمزية‬
‫وعرفت طريقها إلى القارئ العربي "عن طريق مجلة المقتطف التي نشرت قصيدة ذات مسحة رمزية تحت‬
‫عنوان «الخريف في باريس» من شعر ادوار فارس ‪ ،‬والرسالة المصريتين‪ ،‬ومجلة المكشوف‪ ،‬واألديب‬
‫اللبنانيتين حيث اهتمت هذه المجالت بترجمة الشعر الرمزي‪ ،‬ونشرت تارجـم ألعالمه مثل "بودلير"‪،‬‬

‫‪:1‬عزت مال إبراهيمي ‪ ،‬محمد سالمی‪ ،‬صديقة تاج الدين‪،‬الرمز وتطوره الداللي في الشعر الفلسطيني المقاوم‪،‬مجلة القسم‬
‫العربي جامعة بنجاب‪ ،‬الهور‪ ،‬باكستان‪،‬ع‪2017 ، 24/‬م‪ .‬ص‪192:‬‬
‫‪ :2‬عزت مال إبراهيمي ‪ ،‬محمد سالمی‪ ،‬صديقة تاج الدين‪،‬الرمز وتطوره الداللي في الشعر الفلسطيني المقاوم‪،‬ص‪129:‬‬
‫‪ :3‬فتوح أحمد‪ ،‬الرمز والرمزية في الشعر العربي المعاصر‪ .‬د‪.‬ط‪ .‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪،1977،‬ص ‪143‬‬

‫‪87‬‬
‫و"رامبو"‪ ،‬وغيرهم كما نشرت الشعر الذي كتبه الشعراء العرب‪ ،‬مثل‪ :‬بشر فارس‪ ،‬وسعيد عقل‪ ،‬ويوسف‬
‫‪1‬‬
‫غضوب‪ ،‬ولبكي‪ ،‬وأميف نخمة‪ ،‬وعلى محمود طه‪ ،‬وخليل هندواي‪ ،‬وغيرهم‪".‬‬
‫وعن أهم رواد الرمزية فقد حدث الكثير من الجدل‪،‬منهم من قال أنهم ‪:‬‬
‫*المهجريون‪.‬‬
‫*جماعة أبولو‪،‬‬
‫*ومنهم من أعطى الريادة لجماعة الديوان‪.‬‬
‫*ومنهم من أعزاها إلى جبران خليل جبران باعتباره أنه من الذين حادوا عن المألوف في شعرهم‪،‬‬
‫ووشحوه بالغموض والرمز‪.‬‬
‫غير أن بداية االتجاه الرمزي في الشعر كانت في لبنان‪ ،‬وعبر القصيدة التي نظمها أديب مظهر قبيل‬
‫وفاته سنة ‪1928‬م بعنوان «نشيد السکون»‪:‬‬
‫سم األسوِد‬ ‫كمر َّ‬
‫الن َ‬ ‫حلواً ِّ‬ ‫السكون‬
‫ْ‬ ‫نشيد‬
‫َ‬ ‫َعد على نفسي‬ ‫أ ْ‬
‫ِ‬
‫اليأس في أضلعي‬ ‫أنين‬
‫اسمع َ‬
‫و ْ‬ ‫استبدل األ ّن ِ‬
‫ات باألدم ِع‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫أنفاس ُه‬ ‫استبقني ِ‬
‫و ِ‬
‫ان و ُ‬‫فاللي ُل سكر ٌ‬ ‫باهلل يا ُمنشدي‬

‫تنساب حولي زفرةً زفرةً‬ ‫كلفح أجفاني وأحالمي‬


‫قاتم‬
‫نغم ٌ‬‫باهلل هل ٌ‬ ‫أكفان أيامي‬
‫َ‬ ‫حامل ًة‬
‫‪2‬‬
‫صدى‬
‫ً‬ ‫فإن في أعماق روحي‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫الوتر الدامي؟‬ ‫على بقايا‬
‫والذي يعد أول ممثل لالتجاه الرمزي فی لبنان ‪.‬وفي فترة تالية اتنشر الکثير من نتاج الشعر الرمزي‬
‫بخاصة شعر بشر فارس الذي تخصص في دراسة الرمزية‪ ،3‬زمن قصائده بعنوان " إلى زائرة"‪:‬‬

‫الجبين‬
‫ْ‬ ‫لو ِ‬
‫كنت ناصع َة‬

‫تنفضني الزيارْة‬
‫ُ‬ ‫هيهات‬
‫َ‬

‫الحديث‪،‬‬ ‫العربي‬ ‫الشعر‬ ‫في‬ ‫وتجلياتها‬ ‫‪،‬الرمزية‬ ‫العتيبي‬ ‫ساير‬ ‫نجر‬ ‫سارة‬ ‫‪:1‬‬
‫‪https://webcache.googleusercontent.com‬‬

‫‪ :2‬صالح لبكي‪ ،‬لبنان الشاعر‪ ،‬طبيعة بيروت ‪ ،1954‬ص ‪.174‬‬


‫‪ :3‬ينظر‪ .:‬زراقط‪ ،‬عبد المجيد‪ ،‬دراسات فی التراث األدبی‪ ،‬مرکز الغدير‪ ،‬بيروت‪،1991 ،‬ص‪24‬‬

‫‪88‬‬
‫المبين‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫اللفظ‬ ‫ما روع ُة‬

‫العبارةْ‬
‫َ‬ ‫السحر من َو ْع ِي‬
‫ُ‬
‫نين‬
‫الح ْ‬ ‫ِظل على ْ‬
‫وهج َ‬

‫اإلشارْة‬
‫َ‬ ‫رسمتْ ُه معجزةُ‬

‫خط تَساقطَ‪ ،‬كالحزين‬

‫انكساره‬
‫َ‬ ‫العزِم‬
‫أرخى على ْ‬

‫نين‬
‫ص ْ‬ ‫ماذا ِب َو ْج ِد ْ‬
‫المح َ‬

‫خلف الستارةْ‬
‫صوت ش ٍج َ‬
‫ُ‬

‫الع ْج ِب الد ْ‬
‫َّفين‬ ‫َّبت في ُ‬
‫غي ُ‬

‫مع ًنى براعتُه البكارْة‬

‫يفوت الناظمين‬
‫ُ‬ ‫ُد ّارً‬

‫نهضت تهديني ِبحاره‬


‫ُ‬ ‫َو‬

‫زين‬ ‫ات وسو ٍ‬


‫اس َر ْ‬ ‫خطو ُ‬

‫عميه الطَّهارة‬
‫وهب تُ ّ‬
‫ٌ‬

‫وقد قدم سعيد عقل في مقدمة مجموعته الشعرية «المجدلية» التي صدرت عام‪ ،1937‬األسس النظرية‬
‫للمذهب الرمزي‪ ،‬وهي "ملحمة شعرية نظمها سعيد عقل في قصيدة طويلة جداً مستمدة من الكتاب المقدس‬
‫العهد الجديد كتبها عام ‪ 1937‬تتناول قصة إمرأة زانية عاشت زمن السيد المسيح وكانت أختاً ألليعازر‬
‫فتابت وأصبحت تابعةً له‬
‫ْ‬ ‫الذي أحياه المسيح وأخت مرتا القديسة ‪ .‬أخرج منها السيد المسيح سبعة شياطين‬
‫سكبت عند قدميه قارورة الطيب وغسلتهما بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها ‪ ،‬وهي‬
‫ْ‬ ‫ورسولة ‪ ،‬وهي التي‬

‫التي وقفت مع مريم العذراءعند الصليب وشاركت في دفن المسيح‪ .‬وهي أول من شاهد القبر فارغاً‬

‫‪89‬‬
‫وهرعت تخبر بطرس ويوحنا بذلك ‪ ،‬وهي كذلك اول من رأى المسيح بعد قيامته من الموت كما جاء في‬
‫‪1‬‬
‫العهد الجديد" ‪.‬‬
‫الضوء‬ ‫المجدلي ُة‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫أت‬
‫َ‬
‫أسيان‬
‫َ‬
‫فأجرته‬
‫الربى‬
‫في ُّ‬
‫أنها ار‬
‫الفتيان‬
‫َ‬ ‫المروج‬
‫َ‬ ‫و‬

‫ذبلى كهوالً‬
‫أعزةً أز ار ار‬
‫فجنتها ّ‬

‫كما نظم الشاعر يوسف غضوب شع ار في ديوانيه «القفص المهجور» و«العوسجة الملتهبة» قصائد‬
‫رمزية‪ ،‬و أدونيس هو األخر اتخذ طابع الرمز في قصائده ومقطوعاته الشعرية "وبدأ يعبر عن أعماق‬
‫النفس بما يعجز العقل الواعي عن إدراك حقائقه داخل الشاعر و فهم قصيدته يحتاج إلی بعض اإليحاء‬
‫وکشف الرموز المستخدمة فيها مثل قصيدته بعنوان «غابة السحر» وشعره يميل الی الغموض‪.‬‬

‫لِي ُك ْن‪,‬‬
‫ِ‬
‫لألحجار‬ ‫لفيف األحجار‬
‫ُ‬ ‫انض َّم‬
‫العصافير و َ‬ ‫ِ‬
‫جاءت‬
‫ُ‬
‫لِ ْ‬
‫يكن‪,‬‬
‫يل‬
‫شوارعَ واللّ َ‬
‫أُوقظُ ال ّ‬
‫ِ‬
‫األشجار‬ ‫ِ‬
‫موكب‬ ‫ونمضي في‬
‫وساد‬
‫ٌ‬ ‫ض ُر والح ْل ُم‬
‫قائب ال ُخ ْ‬
‫الح ُ‬
‫الغصون َ‬
‫ُ‬
‫األس ِ‬
‫فار‬ ‫ِ‬
‫في عطلة ْ‬

‫الملحمة‪HTTPS ://ALNAHDANEWS . COM/ARTICLE/3240 ،‬‬ ‫الحسام محيي الدين‪،‬سعيد عقل ‪" :‬المجدلية"‬ ‫‪:1‬‬

‫‪90‬‬
‫غريبا ويبقى‬
‫ً‬ ‫حيث يبقي الضُّحى‬
‫خاتما على أسراري‪.‬‬
‫جه ُه ً‬
‫َو ُ‬
‫لي ُك ْن‪,‬‬
‫ت‬
‫ص ْو ٌ‬
‫وناداني َ‬
‫َ‬ ‫شعاعٌ‬
‫َدلّني ُ‬
‫من آخر األسو ِ‬
‫ار‪... .‬‬

‫وکذلك الشاعر الفلسطينی معين بسيسو‪ ،‬يستخدم في شعره الرموز التي يعجز عن إدراکها العقل الواعي‬
‫وفي قصائده مستفيدا کبير بالمدرسة الرمزيةً إلی حد كبير بالمدرسة الرمزية األروبية"‪.1‬‬

‫وتجسد ذلك في أول ديوان شعري طبعه في القاهرة عام ‪ ،1952‬وسماه “ديوان المعركة”‪ ،‬وفيه قصيدته‬
‫المشهورة التي تقول‪:‬‬

‫أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح‬


‫واحمل سالحي ال يخفك دمي يسيل من السالح‬
‫وانظر إلى شفتي أطبقتا على هوج الرياح‬
‫وانظر إلى عيني أغمضتا على نور الصباح‬
‫أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح‬

‫‪ :1‬عزت مال إبراهيمي ‪ ،‬محمد سالمی‪ ،‬صديقة تاج الدين‪،‬الرمز وتطوره الداللي في الشعر الفلسطيني المقاوم‪،‬ص‪133:‬‬

‫‪91‬‬
‫المحاضرة الثالثة عشر‬
‫شعراء الرمزيــــــــــــــــــــــــــــة العربــــــــــــــــــــية‬
‫وأبـــــــــــرز أعالمــــــــــــها‬

‫‪92‬‬
‫الرمزيــــــــــــــــــــــــــــة العربــــــــــــــــــــية وشعراؤها‪:‬‬

‫‪ /1‬تمهيد‪:‬‬

‫يسعى الشعراء الرمزيون إلى التعبير عما بداخلهم بروح متسامية‪" ،‬روح الموسيقى المثالية التي‬
‫ضمنوها أشعارهم‪ ،‬باإلضافة إلى "مبدأ تراسل الحواس أو الخلط بين إدراكاتها المختلفة‪ ،‬وهذا ما جعل‬
‫األلفاظ لديهم تنساب تلقائياً مع ارتخاء سيطرة العقل الواعي ‪ ،‬وتغييب إرادة التحكم ‪ ،‬فلأللوان‪ ،‬والحروف‪،‬‬
‫أصواتها التي هي رموز لها دالالت تختلف من شاعر الى أخر‪ ،‬بل لدى الشاعر نفسه في لحظتين‬
‫مختلفتين ‪ ،‬ليصبح الشاعر معها ‪ ،‬وسيلة تكتب القصيدة به نفسها فالرمزية أدت أحيانا إلى جعل الشعر‬
‫من شؤون الشاعر الخاصة بحيث غدا ال يمكن إيصاله إلى القاري والشعر ينبثق من الروح ليمتنع عن‬
‫التفسير المنطقي‪،‬وليس الشعر في نظر الرمزية إال تعبي اًر عن العالقات والتطابقات التي تخلقها اللغة لو‬
‫ترآت لذاتها‪ ،‬حتى عرفت الرمزية بأنها تلك المدرسة التي تدعي أنها تصف ما ال يمكن التعبير عنه عن‬
‫طريق السحر واإلغراء ‪ ،‬واثارة اإلعجاب"‪:1‬‬
‫‪/2‬رواد المدرسة الرمزية‪:‬‬
‫سبق وقلنا أن مهد ظهور الرمزية اللبنانيين قبل أي قطر عربي آخر‪ ،‬وال عجب أن يكون لها رواد‬
‫كثيرون هم من شعراء لبنان‪.‬‬
‫السريع‪:‬‬
‫حيث يقو ُل من َّ‬
‫*أديب مظهر‪ :‬مع قصيدته المسماة (نشيد السكون) ُ‬
‫السكـــون‬
‫نشيد ُّ‬
‫َ‬ ‫َعد على ِ‬
‫نفسي‬ ‫أ ْ‬

‫‪ :1‬رمان سلدن بيريس ‪،‬االتجاهات األدبية الحديثة‪ ، :‬ترجمة‪ :‬جورج طرابيشي ‪ ،‬عويدات ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪، 2‬‬
‫‪،1998‬ص‪147:‬‬

‫‪93‬‬
‫سِم األَســــــــــــــــــــــــوِد‬
‫كم ِّر ال َّن َ‬
‫حلوا ُ‬
‫ً‬
‫ات باألَدمـــــــــــ ِع واسمع‬ ‫استبدل ا أل ََّن ِ‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫ِ‬
‫اليأس في أَضلعي‬ ‫عزيف‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫واستبقني باللَّ ِـه يا منشدي‬
‫*بشر فارس‪ :‬هو األخر اتخذ من منطلقات الرمزية أساساً لكتابته‪ ،‬وكان همه كما يقول" صون البهاء‬
‫الذي في األدب وحوط الجالل الذي يلفه"جيث حرص الشاعر على جعل الكالم خفي اللمحات‪ ،‬وقد ألقى‬
‫ضبابا كثيفًا من اللفظ الذي يجهد الفكر لفهم ما وراءه‪ ،‬ولم يستطع النقاد التوصل إلى معرفة‬
‫ً‬ ‫حول معانيه‬
‫المعاني الحقيقية لقصائده الرمزية‪ ،‬ومنها قصيدته "إلى زائرة" التي يقول فيها‪:‬‬
‫لو ِ‬
‫كنت ناصعة الجبين ‪ ...‬هيهات تنفضني الزياره‬
‫ما روعة اللفظ المبين؟ ‪ ...‬السحر من وحي العباره‬

‫ِظ ّل على َ‬
‫وهج الحنين ‪َ ...‬رسمته معجزة اإلشاره‬
‫على العزم انكساره‬
‫خط تساقط‪ ،‬كالحزين‪ ... ،‬أرخى ِ‬
‫المحصنين؟ ‪ ...‬صوت ش ٍج خلف الستاره‬‫َ‬ ‫بوجد‬
‫ماذا ّ‬
‫َّبت في العجب الدفين ‪ ...‬معنى بر ِ‬
‫اعته البكاره‬ ‫غي ِ‬

‫تهديني بحاره‬
‫در يفوت الناظمين ‪ ...‬ونهضت َ‬
‫َّا‬
‫‪2‬‬
‫عميه الطهاره‬
‫وهب تُ ِّ‬
‫خطوات وسواس رزين‪ٌ ... :‬‬
‫*ألبير أديب‪ :‬صاحب مجلة األديب و قصيدته الشهيرة التي تحمل عنوان "حياتنا" يقول فيها‪:‬‬
‫حياتنا شباب وفكر أخضر‬
‫وعواطف من عمل الربيع‬
‫وقلوب من ندى الفجر‬
‫نجمعها ونغسل بها أرض األزقة‬
‫أو نروي رمال الصحراء‬

‫‪ :1‬إلياس أبو شبكة‪ :‬روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة ‪ ،‬دار المكشوف ‪،‬بيروت‪،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪،‬ص‪.1943 :‬‬
‫واآلداب‪،‬‬ ‫والفنون‬ ‫للثقافة‬ ‫الوطني‬ ‫المجلس‬ ‫المعاصر‪،‬‬ ‫العربي‬ ‫الشعر‬ ‫‪،‬اتجاهات‬ ‫عباس‬ ‫إحسان‬ ‫‪:2‬‬
‫الكويت‪،‬ط‪،1،1978/‬ص‪11:‬‬

‫‪94‬‬
‫ثم هي ليلة وضحاها‬
‫فإذا الزوبعة تذهب بنا‬
‫فنأخذ معنا كل أحالمنا وأمانينا‬
‫ونحن على قدم من الهاوية أو أقل‬
‫مازلنا نؤسس‪ ،‬ونبني‪ ،‬ونقيم‬
‫فما أسخفنا!‪..‬‬
‫ال نجعل أيامنا ابتسامة‬
‫ونقيم علينا ربا‬
‫يعرف كيف يجعلنا نبتسم‬
‫حتى ألنفسنا‬
‫*سعيد عقل‪ :‬رائد ال مدرسة الرمزية العربية فهو لم يقتصر على وسائل األداء الرمزي‪ ،‬بل جاهد ليصنع ما‬
‫صنعه رواد المدارس واالتجاهات األدبية‪ ،‬ويظهر ذلك في قصيدته "النهران" التي يقول فيها‪:‬‬
‫فالنهر‬
‫ُ‬ ‫ولِدت سريري ضفة النهر‪،‬‬
‫الشهر‪،‬‬
‫تآخى وعمري مثلما الورد و ً‬
‫مرةً‬
‫وكان أبي كالموج يهدر‪َّ ،‬‬
‫الصخر‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫صخر‪ ،‬وآناً هو‬ ‫ُيدحرج من‬
‫وقد علَّماني الحقَّ‪ ،‬ما الحقُّ؟ دفع ٌة‬
‫القفر‬ ‫السيل عنه َّ‬
‫إنشق واخضوضر ُ‬ ‫كما ّ‬
‫يأس ُن ينتخي‬
‫وعمر شرٌار ليس ُ‬
‫ٌ‬
‫الحر‬
‫البرد و ّ‬
‫رد و ُ‬
‫شُ‬‫على الصعب‪ ،‬فهو ال ّ‬
‫اقف‬
‫وانك خط كالشهامة و ً‬
‫ظهر الناس أنت لهم ظَهر‪.‬‬
‫إذا إنهار ُ‬
‫أجم َل ما شدا‬
‫أغ ّني أنا لبنان َ‬
‫ي غصن َرقَّ‪ ،‬لكنه َنسر‬
‫كنار ُّ‬

‫‪95‬‬
‫*جبران خليل جبران‪ :‬أول من التقت في شعره تيارات اإلبداعية والرمزية التقاء فنياً‪ ،‬ففي أدبه ثورة‬
‫اإلبداعيين‪ ،‬وايحاء الرمزيين‪ ،‬وفيه حس موسيقي رفيع في استخدام االلفاظ والعبارات الشجية التي تقدم‬
‫ٍ‬
‫ضبابية‪.‬‬ ‫المعنى محفوفا بهالة‬
‫والشر في الناس ال يفنى وان قبروا‬ ‫الخير في الناس مصنوع إذا جبروا‬
‫أصابع الدهر يوما ثم تنكسر‬ ‫واكثر الناس آالت تحركها‬
‫وال تقولن ذاك السيد الوقر‬ ‫فال تقولن هذا عالم علم‬
‫صوت الرعاة ومن لم يمش يندثر‬ ‫فأفضل الناس قطعان يسير بها‬
‫ال وال فيها القطيع‬ ‫ليس في الغابات راع‬
‫ال يجاريه الربيع‬ ‫فالشتا يمشي ولكن‬
‫للذي يأبا الخضوع‬ ‫خلق الناس عبيدا‬
‫سائ ار سار الجميع‬ ‫فإذا ما هب يوما‬
‫فالغنا يرعى العقول‬ ‫أعطني الناي وغن‬
‫‪1‬‬
‫من مجيد وذليل‬ ‫وأنين الناي أبقى‬
‫ٍ‬
‫إحساس دقيق‪ ،‬أو لتحليل‬ ‫وهناك شعراء عرفوا خصائص الرمزية فاغتنوا بها‪ ،‬واستخدموها للتعبير عن‬
‫فكرة عميقة‪ ،‬أو لتطعيم األدب ٍ‬
‫بقيم جمالية جديدة كاإليحاء والرمز واألسطورة‪ ،‬ومنهم ‪:‬عبدالرحمن شكري‬
‫واحمد زكي أبو شادي ونزار قباني وعمر أبو ريشة وبدر شاكر السياب ‪.‬‬

‫‪ :1‬جربان خليل جربان‪ ،‬المجموعة الكاملة‪،‬دار الجيل لنشر والتوزيع والطبع‪ ،‬لبنان‪ ،،‬ط‪،1‬د‪.‬ت ‪،‬ص‪.1114 :‬‬

‫‪96‬‬
‫المحاضرة الرابعة عشر‬
‫الصورة الفنية في القصيدة العربية الحديثة‬

‫‪97‬‬
‫الصورة الفنية في القصيدة العربية الحديثة‪:‬‬

‫‪/1‬تمهيد‪:‬‬
‫كبيرا‪ ،‬حيث تخل شعراء العصر الحديث عن التقليد القديم‪ ،‬ألن‬
‫تغيير ً‬
‫ًا‬ ‫شهدت بنية القصيدة العربية‬
‫الضرورة الشعرية اليوم تتطلب مواكبة الحداثة بأشكالها الطارئة‪ ،‬والتي تدعوا إلى التحرر‪ ،‬والتعبير بقوالب‬
‫قوامها الرمز واإليحاء‪ ،‬وتعد الصورة الفنية إحدى أهم الركائز التي تُبنى عليها القصيدة العربية‪ ،‬وأهم‬
‫مكوناتها اإلبداعية والفنية‪" ،‬لما يكمن فيها من طاقة جمالية وايحائية تولِّدها أحاسيس الشاعر‪ ،‬وتعكس‬
‫فأولَ ْوها‬
‫بدورها أفكاره ونظرته إلى الحياة واإلنسان والكون وقد حظيت الصورة الشعرية باهتمام المحدثين ْ‬
‫عناية خاصة جمعت بين فنون تشكيلها وبنائها بروابط ُنسجت بين مكوناتها المختلفة‪ ،‬حتى أصبحت سمة‬
‫بارزة من سمات النص الشعري‪ ،‬وعالمة فارقة تدل على تطور الشعر العربي وتقدمه‪ ،‬ومواكبته الحداثة‬
‫‪1‬‬
‫العصرية‪ ،‬وصنوف متطلباتها"‪.‬‬
‫‪ /2‬مفهوم الصورة الفنية‪ :‬تعتبر الصورة الفنية الوسيلة األنجع التي تأخذ بيدنا لمعرفة وادراك التجربة‬
‫الشعرية للشاعر‪ ،‬فهي المهد الذي يحيط ويستوعب هذه التجربة التي تستند إلى إيحاء الصورة الفنية التي‬

‫أنموذجا‪ ،‬أوراق ثقافية‪،‬‬


‫ً‬ ‫‪ :1‬خليل بيضون‪،‬بنية الصورة في الشعر العربي الحديث مطولة غسان مطر “عزف على قبر الرا”‬
‫مجلة اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬لبنان‪ ،‬بيروت‪،‬ع‪،1،2019/‬ص‪122:‬‬

‫‪98‬‬
‫ال تتجلى" فـي التـصريح باألفكار مجردة وال المبالغة في وصفها‪ ،‬تلك التي تجعل المشاعر واألحاسيس‬
‫أقـرب إلى التعميم والتجريد منها إلى التصوير والتخصيص‪ ،‬ومن ثم كانت للـصورة أهميـة خاصة"‪.1‬‬
‫وللصورة الفنية مفاهيم متعددة ومختلفة باختالف األزمنة؛ فمفهومها القديم كان قائماً على صلة التشابه‬
‫بين الشعر والتصوير‪ ،‬والرسم‪ ،‬والتخيل‪ ،‬وعلى االهتمام باألشكال البالغية للصورة‪ :‬كالتشبيه‪ ،‬واالستعارة‪،‬‬
‫والكناية‪ ،2‬وفي العصر الحديث تعددت بدورها المفاهيم‪ ،‬ولكنها اتفقت كلها على تعريفها بأنها" رسم قوامة‬
‫الكلمات"‪ ،3‬التي يستند فيها الشاعر على خياله‪"،‬وقد اتخذ تشكيل الصورة الفنية في بنية النص الشعري‬
‫العربي الحديث الحر أنماطاً متعددة هي‪ :‬بنية الصورة في الشعر التقليدي‪ ،‬وبنية الصورة في الشعر‬
‫الحر‪،‬وبنية الصورة الحسي‪ ،‬وبنية الصورة الذهني‪ ،‬وبنية الصورة الرمزي"‪.4‬‬
‫‪ /3‬توظيف الصورة الفنية عند الشعراء في العصر الحديث‪:‬‬
‫لقد عمد شعراء التجديد في العصر الحديث ميلهم إلى محاورة الطبيعة واالستعانة بها وبمناظرها التي‬
‫تالمس بنات أفكارهم وجوهر أحاسيسهم ومشاعرهم وحاالتهم النفسية‪ ،‬فيمزجون بين الصورة الفنية‬
‫وعواطفهم الحسية‪"،‬فالصور الفنية عند شعراء التجديد من األدوات األساسية التي يستعينون بها لتجسيد‬
‫خواطرهم‪،‬وأحاسيسهم‪،‬وتصوير مشاهدهم في لوحات فنية تبرز المعاني من خاللها في شكل تعابير الرسم‬
‫في ظالله وألوانه"‪ ،5‬ومن شعراء التجديد في الصور الفنية‪:‬‬
‫*خليل مطران‪ :‬رائد التجديد في الشعر العربي والذي أعلنه عام ‪1905‬م عبر المجلة المصرية‪ ،‬فهو"‬
‫طليعة أولئك الذين خرجوا عن أفق التقليد‪ ،‬وصدعوا قيود التقليد‪،‬وأوسعوا صدر الشعر العربي للخيال‬
‫األعجمي‪،‬وأوضحوا فيه للقصص‪،‬وتصوير الحوادث‪،‬وطافوا لسرد وقائع التاريخ‪ ،‬ففتح بذلك فتحا جديدا"‪،6‬‬
‫يقول في قصيدته المساء‪:‬‬

‫‪ :1‬هالل‪ ،‬محمد غنيمي‪ :‬دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده‪ ،‬دار النهضة مصر للطبع‪ ،‬القاهرة‪،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪60‬‬
‫‪ :2‬ين ظر‪ :‬الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ :‬البيان والتبيين‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هـارون‪ ،‬مكتبـة الخـانجي‪ ،‬القاهرة‪1968 ،‬م‪ ،‬ج‪1‬‬
‫ص ‪206‬‬
‫‪ :3‬صالح‪ ،‬بشرى‪ :‬الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1/‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪10‬‬
‫‪ :4‬رائد وليد جرادات ‪،‬بنية الصورة الفنية في النص الشعري الحديث (الحر) نازك المالئكة أنموذجا‪،‬مجلة جامعة‬
‫دمشق‪،‬المجلد ‪، 29‬ع‪ /‬ا‪ ،2013، 2+‬ص‪.556/555:‬‬
‫‪ :5‬سيد أحمد عبد الرحمن محمد‪،‬توظيف الصورة الفنية عند شعراء التجديد في العصر الحديث‪،‬حولية كلية اللغة العربية‪،‬‬
‫جرجا‪،‬دار الكتب المصرية‪،‬ع‪2020،،24/‬ص‪31/30:‬‬
‫‪ :6‬المرجع نفسه‪،‬ص‪34:‬‬

‫‪99‬‬
‫اعفَ ْت ُب َر َحائي‬
‫ض َ‬ ‫ص ْب َوتي ‪ ،‬فتَ َ‬ ‫من َ‬ ‫فيه ِشفَائــــــــي‬
‫ت ِ‬ ‫َداء أَلَ َّم ِ‬
‫فخ ْل ُ‬ ‫ٌ‬
‫في الظُّ ْلِم مث ُل تَح ُّكِم الضُّـــــعفَ ِ‬
‫اء‬ ‫وما‬ ‫َيا لَلضَّعيفَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫استََبدَّا بي ‪َ ،‬‬
‫ين ! ْ‬
‫و ِغ َاللـــــــــــ ٌة رثَّ ْت ِم َن األ َْدو ِ‬
‫اء‬ ‫الص َب َابــــ ُة والجوي‬ ‫ب أَ َذ َابتْ ُه َّ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َق ْل ٌ‬
‫الصع َد ِ‬ ‫ص ِو ِ‬ ‫يم تََن ُّه ٍد‬ ‫ِ‬
‫اء‬ ‫يب َو ُّ َ‬ ‫ــي التَّ ْ‬
‫في َحالَ ِ‬ ‫ــــــــه َما َنس ُ‬
‫وح َب ْي َن ُ‬ ‫الر ُ‬‫َو ُّ‬
‫وب ِد َمائي‬ ‫ض ُ‬‫ض ِعفُ ُه ُن ُ‬ ‫َك َد ِري ‪َ ،‬وُي ْ‬ ‫ورهُ‬‫شى ُن َ‬ ‫ص َبا ِح َي ْغ َ‬ ‫ِ‬
‫الع ْق ُل َكالم ْ‬‫َو َ‬
‫ون َد َوائي‬ ‫في ُغ ْرَب ٍة قَــــالُوا ‪ :‬تَ ُك ُ‬ ‫ت َعلَى التَِّعلَّ ِة بالمني‬ ‫إِ ِّني أَقَ ْم ُ‬
‫ان ِطيب َهـــــو ِ‬
‫اء؟‬ ‫ير َ‬ ‫ف ِّ‬ ‫يب َه َو ِائ َها أ َُيلَطِّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫شِ‬‫إِ ْن َي ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الن َ‬ ‫الجس َم ط ُ‬
‫ْ‬ ‫ف َه َذا‬
‫َه ْل مس َك ٌة في البع ِد لِ ْلــــحوب ِ‬
‫اء؟‬ ‫ام َها‬ ‫أَو يم ِس ِك الحوباء حس ُن مقَ ِ‬
‫ََْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََْ َ ُ ْ ُ‬ ‫ْ ُْ‬
‫شفَ ِ‬
‫اء‬ ‫الس ِت ْ‬ ‫في ِعلَّ ٍة َم ْنفَ‬ ‫افي في البالَ ِد ‪َ ،‬و ِعلَّ ٌة‬ ‫ث طَو ِ‬
‫ــــــــــــاي ْ‬
‫َ‬ ‫َع َب ٌ َ‬
‫ــــــــرٌد بصبابتــــــــــي‪ ،‬متَفَِّرٌد ب َكآبتـــي ‪ ،‬متَفَِّرٌد بع َن ِ‬
‫ــــــــــائي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُمتَفَ ِّ َ َ َ‬
‫اح ِه الهوج ِ‬ ‫بري ِ‬ ‫ِ‬ ‫اك إِلَى الب ْح ِر ْ ِ‬ ‫شٍ‬
‫ـــــــاء‬ ‫َْ َ‬ ‫جيبني ِ َ‬ ‫اب َخ َواط ِري فَ ُي ُ‬ ‫اضط َر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الص َّم ِ‬
‫ــــــاء‬ ‫الص ْخ َرِة َّ‬ ‫َق ْل َباً َك َه ِذي َّ‬ ‫او َعلَى صخر أصم َولَ ْي َت لي‬ ‫! ثَ ٍ‬
‫ضــــــائي‬ ‫الس ْقِم في أ ْ‬
‫َع َ‬ ‫َوَيفتُّ َها َك ُّ‬ ‫ارِهي‬ ‫ج َك َم ْو ِج َمكـــَ ِ‬ ‫اب َها َم ْو ٌ‬
‫َي ْنتَ ُ‬
‫َكم َداً َكص ْد ِري سـاع َة اإلمس ِ‬
‫ــاء‬ ‫ض ِائ ٌ‬
‫ق‬ ‫الج َو ِان ِب َ‬ ‫الب ْح ُر َخفَّ ُ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اق َ‬ ‫َو َ‬
‫شائي‬ ‫َح َ‬‫ص ِع َد ْت إلَى َع ْي َن َّي ِم ْن أ ْ‬ ‫َ‬ ‫الب ِرَّي َة ُك ْد َرةٌ ‪َ ،‬و َكأ ََّنهــَا‬
‫شى َ‬ ‫تَ ْغ َ‬
‫يصور الشاعر حالته النفسية الحزينة في ظل امتزاجها بحزن الطبيعة‪.‬‬
‫*إبراهيم ناجي‪:‬هو األخر متأثر بالمذهب الرومانسي‪ ،‬الذي يحتفي بوناسة الطبيعة ألحاسيس ةعواطف‬
‫الشاعر‪ ،‬والتي تظهر قصيدته " صخرة الملتقى"‪ ،‬وهي صخرة كان يلتقي فيها بمحبوبته‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬
‫فرقا‬
‫الدهر ما َّ‬
‫ُ‬ ‫متى يجمع‬ ‫سألتُك يا صخرةَ الملتقى‬
‫أخذنا على ِ‬
‫ظهرَها الموثقَا‬ ‫الدهر لَ َّج بأقداره‬
‫ُ‬ ‫إذا‬
‫النسيم بها مرهقَا‬
‫ُ‬ ‫أن‬
‫و َّ‬
‫أرق الهوى عندها مجهداً‬
‫ّ‬
‫تياره األزرقَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فعاندت َ‬‫اجه‬
‫البحر نحوك أمو َ‬
‫ُ‬ ‫َرمى‬

‫كما أغضبت أسداً موثقاً‬ ‫وصدت نو ِ‬


‫احيك هدارةً‬
‫سرَها المغلقَا‬
‫وفض الهوى َّ‬ ‫كتاب الحياة‬ ‫ِ‬
‫قرأنا عليك َ‬

‫‪100‬‬
‫*إبراهيم ناجي‪ :‬نجد ابراهيم ناجي في قصيدته " العودة"‪ ،‬التي يتحدث فيها عن بيت أحبابه المهجور الذي‬
‫رجع إليه ولمس تغير حاله‪ ،‬التي استطاع فيها التقريب بين الكثير من العالقات المتباعدة بفضل خياله‬
‫الجامح‪ ،‬وأن يكشف عن العالقات الكامنة التي تتجاوز إحساسه‪.‬‬
‫ومساء‬
‫َ‬ ‫صباحا‬
‫ً‬ ‫والمصلِّين‬ ‫هذه الكعب ُة َّ‬
‫كنا طائفيها‬
‫كيف باللّه رجعنا غرباء؟!‬ ‫الحسن فيها!‬
‫َ‬ ‫كم سجدنا وعبدنا‬
‫الجديد‬
‫ْ‬ ‫في جمود مثلما تلقى‬ ‫وحبي لقيتنا‬
‫دار أحالمي ِّ‬
‫ُ‬
‫بعيد‬
‫النور إلينا من ْ‬
‫ُ‬ ‫يضحك‬ ‫كانت إن أرتْنا‬
‫وهي ْ‬‫أنكرتْنا ْ‬
‫قلب اتَّ ْ‬
‫ئد‬ ‫وأنا أهتف‪ :‬يا ُ‬ ‫كالذبيح‬
‫ْ‬ ‫القلب بجنبي‬
‫ُ‬ ‫ف‬
‫رف َْر َ‬
‫لِ َم ُعدنا؟ ليت َّأنا لم نعد!‬ ‫الجريح‬
‫ْ‬ ‫فيجيب الدمعُ والماضي‬
‫ألم‬
‫وفرغنا من حنين و ْ‬ ‫لِ َم ُعدنا؟ أ ََو لم ِ‬
‫نطو الغر ْام‬
‫وانتهينا لفراغ كالعدم؟!‬ ‫وسالم‬
‫ْ‬ ‫ورضينا بسكون‬
‫مساء‬
‫ْ‬ ‫اآلخر مع ًنى لل‬
‫ُ‬ ‫ال يرى‬ ‫األليف‬
‫ْ‬ ‫الوكر إذا طار‬
‫ُ‬ ‫أيها‬
‫الصحراء‬
‫نائحات كرياح َّ‬ ‫كالخريف‬
‫ْ‬ ‫فر‬
‫ص ًا‬
‫ويرى األيام ُ‬
‫أنت؟!‬
‫أ ََو هذا الطل ُل العابس َ‬ ‫الدهر بنا!‬ ‫ِ‬
‫آه مما صنع‬
‫ُ‬
‫شد ما بتْنا على الضنك َّ‬
‫وبت!‬ ‫َّ‬ ‫والخيال المطرق الرأس أن‬
‫نرى أن قصائد الشعر الحديث اتسمت‬ ‫وعليه تعتبر الصورة الفنية الملمح الرئيس للحداثة‪ ،‬حيث‬
‫باستخدامها صو ار فنية ممتده في فضاء الطبيعة‪ ،‬التي تحاكي أحاسيس متعددة متصلة بمواقف الحياة‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫الخــــــــــــــــــــــــاتمــــــــــــــــة‬

‫‪102‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫وهكذا وعبر سلسلة المحاضرات المقررة في البرنامج الدراسي لطلبة السنة األولى ماستر‪ ،‬تخصص‬
‫أدب حديث ومعاصر‪ ،‬والتي وقفنا فيها على ‪:‬‬
‫• تقديم صورة لتاريخ ومسار الشعر العربي الحديث ومراحل تطوره‬
‫اكتشاف هوية القصيدة العربية من خالل المدارس الفنية ( الكالسيكية‪ ،‬الرومانسية‪،‬‬ ‫•‬
‫الرمزية‪)..‬‬
‫• دور رواد المدارس الفنية في تعزيز هذه المذاهب و اتجاهاتها الشعرية العربية و أثرها في‬
‫تطور الشعر‬

‫وكل ذلك في إطار تعريف الطالب بطبيعة الحركة الشعرية العربية‪ ،‬من خالل تقديم قراءة لنماذج‬
‫شعرية ممثلة لصورة وطبيعة الشعر العربي الحديث‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪104‬‬
‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫* ابن فارس‪ .‬معجم المقاييس في اللغة‪ .‬مادة "تبع"‪ ،‬تح‪ .‬شهاب الدين أبو عمرو‪ .‬دار الفكر للطباعة‬
‫والنشر‪ .‬بيروت لبنان‪ .‬دط‪،‬د‪.‬ت‬
‫*ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طَ‪ 1‬د ‪،‬مادة حدث‪،‬‬
‫* إحسان عباس ‪،‬اتجاهات الشعر العربي المعاصر‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪،‬ط‪1،1978/‬‬
‫*أحمد شوقى ‪ ،‬ديوان الشوقيات ‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‬
‫*أدونيس‪ ،‬مقدمة للشعر العربي ‪ ،‬دار العودة ‪ ،‬ط‪ ، 04‬بيروت ‪،‬لبنان ‪. 1983،‬‬
‫* إلياس أبو شبكة‪ :‬روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة ‪ ،‬دار المكشوف ‪،‬بيروت‪،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‬
‫*إلياس فرحات‪ ،‬أحالم الراعي ‪،‬سان باولو مطبعة مجلة الشرق‪،‬د‪.‬ط‪1952،‬‬
‫*أنيس المقدسي ‪،‬االتجاهات األدبية في العالم العربي الحديث‪ ،‬ج‪، 2:‬بيروت ‪1952 ،‬م‬
‫*إيليا أبو ماضي‪ ،‬الديوان‪،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪،‬د‪.‬ت‪،‬د‪.‬ط‬
‫*الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ :‬البيان والتبيين‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هـارون‪ ،‬مكتبـة الخـانجي‪ ،‬القاهرة‪1968 ،‬م‬
‫*جبران خليل جبران‪ ،‬المجموعة الكاملة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1،2005/‬‬
‫*جربان خليل جب ارن‪ ،‬المجموعة الكاملة‪،‬دار الجيل لنشر والتوزيع والطبع‪ ،‬لبنان‪ ،،‬ط‪،1‬د‪.‬ت‬

‫‪105‬‬
‫*حافظ ابراهيم‪ ،‬الديوان‪ ،‬ضبطه وصححه وشرحه أحمد أمين‪ ،‬أحمد الزين‪ ،‬إبراهيم األبياري‪،‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪،‬مصر‪ ،‬ط‪3،1987/‬‬
‫*حمدي السكوت‪ ،‬مارسدن جونز أعالم األدب المعاصر في مصر‪ ،‬سلسلة بيوجرافية نقدية ببليوجرافية‬
‫(عبد الرحمن شكري)‪ ،‬مركز الدراسات العربية‪ ،‬ط‪،1980 ،1/‬ص‪14:‬‬
‫*خليفة محمد التليسي‪ ،‬رفيق شاعر الوطن‪ ،‬الدار العربية للكتاب ‪ ،‬د‪.‬ط‪،1965،‬‬
‫*الخليل بن أحمد الفراهيدي ‪ ،‬كتاب العين‪ ،‬تح‪ :‬مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي‪،‬دار‬
‫الرشيد‪،‬د‪.‬ط‪. 1662،‬‬
‫*ديوان محمود سامي البارودي ياشا‪ ،‬ضبطه و صححه شرحه علي الجارم‪ ،‬محمد شفيق معروف‪ ،‬دار‬
‫العودة‪،‬بيروت‪،‬د‪.‬ط‪1997 ،‬‬
‫*رفعت زكي محمود عفيفي‪ ،‬المدارس األدبية األوربية وأثرها في األدب العربي‪،‬دار الطباعة المحمدية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1،1992/‬‬
‫*زراقط‪ ،‬عبد المجيد‪ ،‬دراسات فی التراث األدبی‪ ،‬مرکز الغدير‪ ،‬بيروت‪1991 ،‬‬
‫*سامر فاضل عبد الكاظم األسدي‪ ،‬مفاهيم حداثة الشعر العربي في القرن العشرين‪ ،‬مؤسسة دار الصادق‬
‫الثقافية‪،‬ط‪2012 ،1/‬‬
‫*سعاد محمد جعفر‪ ،‬التجديد في الشعر والنقد عند جماعة الديوان‪ ،‬المدرسة بجامعة األزهر‪،‬دط‪،‬دت‬
‫*السعدي مسايل‪ ،‬السند البيداغوجي لمقياس النص األدبي الحديث‪،‬جامعة محمد لمين دباغين‪ ،‬جامعة‬
‫سطيف‪ ،‬كلية اآلداب واللغات‪.‬‬
‫*سلمى حضراء الجيوسي‪ ،‬االتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث‪ ،‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1،2001/‬‬
‫*صالح‪ ،‬بشرى‪،‬الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1/‬د‪.‬ت‬
‫صفدي مطاع ‪ ،‬نقد العقل الغربي‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‬
‫‪1660،‬‬
‫*طه حسين تقليد وتجديد‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‬
‫*عباس محمود العقاد ‪،‬شعراء مصر و بيئاتهم ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية ‪،‬القاهرة‪ ،،‬ط‪1950 ،2 /‬‬
‫*عباس محمود العقاد‪ ،‬أشجان الليل‪ ،‬دار نهضة مصر للطباعة والنشر‪،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‬
‫*عباس محمود العقاد‪،‬خالصة اليومية والشذور‪ ،‬دارنهضة‪ ،‬مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬القاهرة‪1995،‬‬

‫‪106‬‬
‫*عباس محمود العقاد‪،‬وهج الظهيرة ‪ ،‬دار العودة‪،‬بيروت‪1982،‬‬
‫*عبد الرحمن شكري ‪ ،‬ديوان‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‬
‫*عبد العزيز الدسوقي ‪،‬جماعة أبولو وأثرھا في الشعر العربي الحديث ص‪، 286‬الهيئة العامة المصرية‬
‫للتأليف والنشر ‪1972‬م‬
‫*عبد الغفار مكاوي‪ ،‬ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحديث‪ ،‬ج‪، 1‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتـاب‪1972 ،‬‬
‫*عبد المنعم خفاجي‪ :‬قصة األدب المهجري‪ ،‬دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬ط‪1973،2/‬‬
‫*عبداهلل خضر حمد‪ ،‬المدارس األدبية(دراسة وتحليل)‪ ،‬دار القلم‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬دت‬
‫*العقاد‪،‬عابرسبيل‪ ،‬مؤسسة هنداوي انشر المعرفة والثقافة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‬

‫*علي شلق ‪ ،‬النثر العربي في نماذجه وتطوره لعصر النهضة والحديث‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‬
‫*عمر الدسوقي‪ ،‬جماعة أبولو وأثرها في الشعر الحديث‪ ،1960،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‬
‫*فوزي المعلوف‪ ،‬ديوان‪ ،‬مؤسسة هنداوي لنشر المعرفة والثقافة ‪،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‬
‫*المازني‪ ،‬ديوان‪ ،‬مؤسسة هنداوي لنشر المعرفة والثقافة‪،‬د‪.‬ت‪،‬د‪.‬ط‬
‫*محمد التونجي‪ ،‬المعجم المفصل في األدب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1999 ،2/‬‬
‫*محمد الكتاني‪ ،‬الصراع بين القديم والجديد في األدب العربي الحديث‪،‬دار الثقافة‪ ،‬المغرب‪1982،‬‬
‫* محمد صالح الشنطي‪،‬األدب العربي الحديث(مدارسه وفنونه وتطوره وقضاياه ونماذج منه)‪،‬دار األندلس‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪2،1996/‬‬
‫هدارة‪ ،‬بحوث في األدب العربي الحديث‪،‬دار الثَّقافة العربيَّة للطباعة والنشر‪،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫محمد مصطفى َّ‬
‫* َّ‬
‫‪1775‬‬
‫*محمود سامي البارودي‪ :‬الديوان‪ ،‬ج‪ ،1‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪1998 ،‬‬
‫*مخائيل نعيمه‪ ،‬همس الجفون ‪،‬المجموعة الكاملة ‪ ،‬المجلد الرابع بيروت ‪،‬دار العلم للماليين ‪،‬ط‪،6 /‬‬
‫‪1966‬‬
‫*مصطفى خريف‪ ،‬شوق وذوق‪ ” ،‬ذكريات ومراث”و” صفحات من ديوان الحماسة‪ .،‬الشركة التونسية‬
‫لفنون الرسم‪ ،‬تونس‪1965 ،‬‬
‫*ميخائيل نعيمة‪ ،‬همس الجفون‪ ،‬مؤسسة نوفل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2004، 6‬م‬
‫*ناجي ‪،‬اب ارھيم ‪ ،‬الديوان‪، ،‬تح‪ :‬أحمد رامي‪ ،‬دار المعارف ‪،‬مصر‪1961 ،‬‬

‫‪107‬‬
‫*نسيب نشاوي‪ ،‬مدخل إلى دراسة المدارس األدبية في الشعر العربي المعاصر( االتباعية‪ ،‬الرومانسية‪،‬‬
‫الواقعية‪ ،‬الرمزية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجزائرية‪ ،‬الجزائر‪،‬د‪/‬ط‪1984 ،‬‬
‫* هالل‪ ،‬محمد غنيمي‪ ،‬دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده‪ ،‬دار النهضة مصر للطبع‪ ،‬القاهرة‪،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫د‪.‬ت‬
‫المراجع المترجمة‪:‬‬
‫*رمان بيريس ‪،‬االتجاهات األدبية الحديثة‪ ، :‬ترجمة‪ :‬جورج طرابيشي ‪ ،‬عويدات ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪، 2‬‬
‫‪1998‬‬
‫*سوزان برنار‪ ،‬قصيدة النثر‪ ،‬من بودلير حتى الوقت الراهن‪ ،‬ج‪، 1‬تر‪ :‬رواية صادق‪ ،‬دار شرقيات‪،‬‬
‫القاهرة‪1998 ،‬‬
‫*هنري بيير‪ ،‬االدب الرمزي‪ ،‬تر‪ :‬هنري زغيب‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،‬باريس‪ ،‬ط‪1981، 1‬‬

‫المجالت والدوريات ‪:‬‬


‫*أنيسة األمين‪ ،‬قضايا وشهادات(الحداثة( ‪ ،‬ع‪2،/‬صيف ‪1990‬‬
‫*حسين ميرزائی نيا‪،‬معارضات البارودی بين التقليد والتجديد‪،‬إضاءات نقدية)‪ ،‬ع‪2015 ،17 /‬‬
‫*خليل بيضون‪،‬بنية الصورة في الشعر العربي الحديث مطولة غسان مطر “عزف على قبر الرا”‬
‫أنموذجا‪ ،‬أوراق ثقافية‪ ،‬مجلة اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬لبنان‪ ،‬بيروت‪،‬ع‪1،2019/‬‬
‫ً‬
‫*رائد وليد جرادات ‪،‬بنية الصورة الفنية في النص الشعري الحديث (الحر) نازك المالئكة أنموذجا‪،‬مجلة‬
‫جامعة دمشق‪،‬المجلد ‪، 29‬ع‪ /‬ا‪2013، 2+‬‬
‫* سيد أحمد عبد الرحمن محمد‪،‬توظيف الصورة الفنية عند شعراء التجديد في العصر الحديث‪،‬حولية كلية‬
‫اللغة العربية‪ ،‬جرجا‪،‬دار الكتب المصرية‪،‬ع‪24،2020/‬‬
‫*سيد أمير محمود أنوار *غالم رضا گلچين راد‪ ،‬الرمزية في األدبين العربي والغربي‪،‬التراث األدبى‪،‬‬
‫السنة الثانية‪ ،‬ع‪1388 ،6/‬هـ‬
‫*سيد سليمان سادات اشكو‪ ،‬الكالسيكية والتجدد؛ صراعات ومعطيات‪،‬التراث األدبى‪ ،‬ع‪138 ،5/‬ه‬
‫*سيد سليمان سادات اشكور‪،‬جماعة الديوان؛ التقدم األدبي والنقدي في القرن العشرين‪،‬إضاءات نقدية‬
‫(فصلية محكمة)‪ ،‬السنة األولى ـ ع‪،2 /‬صيف ‪2011‬‬

‫‪108‬‬
‫*عزت مال إبراهيمي ‪ ،‬محمد سالمی‪ ،‬صديقة تاج الدين‪،‬الرمز وتطوره الداللي في الشعر الفلسطيني‬
‫المقاوم‪،‬مجلة القسم العربي جامعة بنجاب‪ ،‬الهور‪ ،‬باكستان‪،‬ع‪2017 ، 24/‬م‬
‫*فاتن السيد‪ ،‬مدرسة اإلحياء بزعامة شوقي وحافظ‪،‬البيان_الكويتية‪ ،‬ع‪، 1 /‬فبراير ‪2008‬‬
‫*فايز ترجيني‪ ،‬الرومانسية في األدب‪ ،‬دراسات عربية‪ ،‬مجلة فكرية اقتصادية اجتماعية‪ ،‬ع‪ ،8/7‬السنة‬
‫‪ ،24‬أيار‪ ،‬حزيران‪ ،‬مايو‪ ،‬يونيو‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪1988 ،‬‬

‫*فغلول حورية‪،‬الحداثة و أفق اإلنجازات‪ ،‬مجلة مقاليد‪ ،‬ع‪ ،15/‬ديسمبر ‪2020‬‬


‫* كمال لعور‪،‬مرتكزات النقد الحداثي عند الرابطة القلمية‪،‬حوليات اآلداب واللغات‪،‬كلية اآلداب واللغات‪،‬‬
‫جامعة حممد بوضياف‪ .‬المسيلة‪ .‬الجزائر‪،‬ع‪2020،14 /‬‬
‫* محمد الصادق عفيفي‪ ،‬أحمد رفيق المهداوي رائد التجريد الموسيقي في الشعر الليبي‪ ،‬مجلة عالمات في‬
‫النقد‪،‬ع‪،1998، 27/‬ص‪239:‬‬
‫*محمد بنيس‪ ،‬الشعر العربي الحديث بنياته وابداالته التقليدية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪2001 ،2/‬‬
‫* مسعود وقاد ‪،‬الموقف والتشكيل في الشعر اإلحيائي بين المعري وحافظ إبراهيم‪ ،‬األثر‪ ،‬مجلة اآلداب‬
‫واللغات‪،‬جامعة قاصدي مرباح‪ ،‬ورقلة‪،‬ع‪9،2010/‬‬
‫* نضر الدين الشيخ عثمان‪ ،‬اآلراء النقدية لمدرسة الديوان‪ ،‬دراسة تحليلية نقدية‪ ،‬مجلة اللعة العربية‪،‬‬
‫المجلس األعلى للغة العربية‪،‬ع‪1999 ،37/‬‬
‫الرسائل الجامعية‪:‬‬
‫*أسامة خليل عبد الحافظ‪ ،‬التيار الرومانسي في الشعر العربي الحديث (دراسة تحليلية تاريخية)‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه في األدب العربي الحديث‪ ،‬إشراف‪ :‬عبد اهلل محمد أحمد‪ ،‬جامعة النيلين‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪،‬‬
‫قسم اللغة العربية‪2009 ،‬‬
‫*سليمة عقوني‪،‬حضور الفلسفة األفالطونية في شعر الرابطة القلمية‪،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه‬
‫العلوم في األدب الحديث‪،‬إشراف ‪ :‬السعيد لراوي‪،‬جامعــة باتنة‪،1‬كلية االداب واللغات والفنون‪ ،‬قسم اللغة‬
‫العربية وآدابها‪،‬السنة الجامعية‪2016/2015 :‬‬
‫*معزيز مختارية‪ ،‬النزعة التأملية في الشعر العربي الحديث إيليا أبو ماضي أنموذجا ‪-‬مقاربة تحليلية‪-‬‬
‫‪،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في األدب العربي تخصص‪ :‬أدب حديث‪،‬إشراف ‪:‬قريش بن علي‪،‬‬
‫جامعة جياللي ليابس‪ /‬سيدي بلعباس‪،‬كلية اآلداب واللغات والفنون قسم‪ :‬اللغة العربية وآدابها‪،‬السنة‬
‫الجامعية‪2019-2018:‬‬

‫‪109‬‬
‫*يسـ ار عبد هلل عـثمان صالح‪ ،‬اإلبـداع وبنية القصيدة عند جمـاعة أبوللو‪ ،‬بح ث مقـدم لنيل درجة الدكتوراه‪،‬‬
‫إشراف‪ :‬عباس محجوب محمود‪ ،‬جامـعـة الـنيليـ ــن كلية الدراسات العليا قسم اللغة العربية‪2012 ،‬ـ ـ‬
‫‪2015‬‬
‫المواقع‪:‬‬
‫*آمال موسى‪ ،‬سوسيولوجيا الخطاب الشعري اإلحيائي‪ ..‬ثالوث الذاكرة والتراث والهوية‪ ،‬الفيصل‪ ،‬مركز‬
‫الرابط‬ ‫على‬ ‫اإلسالمية‪،‬‬ ‫والدراسات‬ ‫للبحوث‬ ‫فيصل‬ ‫الملك‬
‫‪http://www.alfaisalmag.com/?p=5934‬‬
‫*سارة نجر ساير العتيبي ‪،‬الرمزية وتجلياتها في الشعر العربي الحديث‪،‬‬
‫‪https://webcache.googleusercontent.com‬‬
‫‪HTTPS://WWW.DIWANALARAB.COM‬‬ ‫*محمد الجوراني‪،‬مدرسة الديوان بين التنظير والتطبيق‪،‬‬

‫‪110‬‬

Das könnte Ihnen auch gefallen