Sie sind auf Seite 1von 5

‫التفسير المنير في الشريعة والعقيدة والمنهج ‪ ،‬االستاذ دكتور وهبة الزحيلي‬

‫‪:‬‬
‫ال تكرهوا أحداً على الدخول في اإلسالم‪ ،‬فإن دالئل صحته ال تحتاج بعدها إلى‬
‫إكراه‪ ،‬وألن اإليمان يقوم على االقتناع والحجة والبرهان‪ ،‬فال يفيد فيه اإللجاء أو‬
‫القسر أو اإللزام واإلكراه‪ ،‬كقوله تعالى‪« :‬أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ﴾‬
‫‪[.‬يونس ‪]۹۹/۱۰ :‬‬

‫وقد بان طريق الحق من الباطل‪ ،‬وعرف سبيل الرشد والفالح‪ S،‬وظهر الغي‬
‫والضالل‪ ،‬وأن اإلسالم هو منهج الرشد‪ ،‬وغيره طريق الضالل‪ S،‬فمن شاء فليؤمن‬
‫‪.‬به ومن شاء فليكفر‬

‫وهذه اآلية أوضح دليل على بطالن زعم أن اإلسالم قام بالسيف‪ ،‬فلم يكن‬
‫المسلمون قبل الهجرة قادرين على مجابهة الكفار أو إكراههم‪ ،‬وبعد أن تقووا في‬
‫المدينة وعلى مدى القرون الماضية لم يكرهوا أحداً على اإلسالم‪ ،‬كما يفعل أتباع‬
‫الملل األخرى كالنصارى‪ ،‬وقد نزلت هذه اآلية في بداية السنة الرابعة من الهجرة‪،‬‬
‫‪.‬حيث كان المسلمون أعزاء وأقوياء‬

‫ولم يلجأ المسلمون إلى الحرب أو الجهاد إال لرد العدوان‪ ،‬والتمكين من حرية‬
‫التدين‪ ،‬ومنع تعسف السلطة الظالمة الحاكمة من استعمال المسلمين حقهم في‬
‫الدعوة إلى هللا‪ ،‬ونشر اإلسالم في أنحاء األرض‪ ،‬بدليل قبول المعاهدات والصلح‬
‫‪.‬على دفع الجزية وتخيير العدو بين ذلك وبين اإلحتكام إلى القتال‬

‫ومن هداه هللا لإلسالم‪ ،‬وشرح صدره ونور بصيرته‪ ،‬دخل فيه على بينة ‪ ،‬ومن‬
‫أعمى هللا قلبه‪ ،‬وختم على سمعه وبصره‪ ،‬بسبب عدم استخدامه وسائل النظر‬
‫‪.‬والمعرفة الصحيحة‪ ،‬فإنه ال يفيده الدخول في الدين مكرها ً مقسوراً‬
‫وبناء عليه‪ ،‬من خلع األنداد واألوثان ومايدعو إليه الشيطان من عبادة غير هللا‪،‬‬
‫وكفر بعبادة أي مخلوق من الناس أو الجن أو الشيطان أو الكواكب أو األوثان‬
‫واألصنام‪ ،‬وعبد هللا وحده وشهد أن ال إله إال هو‪ ،‬فقد تمسك بالحق‪ ،‬وثبت على‬
‫الهدى‪ ،‬واستقام على الطريق المستقيم‪ ،‬وكان مثله مثل الممسك بعروة حبل محكم‬
‫مأمون االنقطاع‪ ،‬أي أن هللا تعالى شبه من استمسك من الدين بأقوى سبب بمن‬
‫استمسك بالعروة القوية التي ال تنفصم‪ ،‬فصارت محكمة مبرمة قوية‪ ،‬ال يحل‬
‫ربطها القوي الشديد‪ .‬والعروة الوثقى فسرت بعبارات ترجع إلى معنى واحد ‪:‬‬
‫‪.‬وهي اإليمان‪ ،‬أو اإلسالم‪ ،‬أو ال إله إال هللا‬

‫وهللا يرصد بدقة أقوال الناس وأفعالهم وتصوراتهم وأفكارهم‪ ،‬فهو سميع لقول من‬
‫يدعي الكفر بالطاغوت واإليمان باهلل‪ ،‬عليم بما يضمره قلبه من تصديق أو‬
‫تكذيب؛ ألن اإليمان‪ :‬مانطق به اللسان واعتقده القلب‪ ،‬وهللا سميع عليم بكل شيء‬
‫ظاهر وباطن‪ ،‬يعلم حقائق األشياء واألقوال والمعتقدات واألفعال‪ .‬قال القرطبي ‪:‬‬
‫ولما كان الكفر بالطاغوت‪ ،‬واإليمان باهلل مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب‪ D‬حسن‬
‫‪.‬في الصفات ‪ :‬سميع» من أجل النطق‪ ،‬عليم» من أجل المعتقد‬

‫وهللا يتولى أمور المؤمنين بالرعاية والعناية والهداية ألرشد األمور‪ ،‬وهو‬
‫يخرجهم بهداية الحواس والعقل والدين من ظلمات الشك والشبهة‪ ،‬والجهل‬
‫والضاللة‪ ،‬والكفر واالنحراف‪ ،‬إلى نور العلم والمعرفة واليقين واإليمان‬
‫الصحيح‪ ،‬كما قال ‪« :‬إن الذين اتقوا إذا منهم طيف من الشيطان تذكروا فإذا هم‬
‫مبصرون ﴾ [األعراف‪ ]۲۰۱/۷ :‬قال مجاهد وعبدة بن أبي لبابة ‪ :‬نزلت في قوم‬
‫آمنوا بعيسى‪ ،‬فلما جاء محمد عليه السالم كفروا به‪ ،‬فذلك إخراجهم من النور إلى‬
‫‪.‬الظلمات(‪)1‬‬
‫وأما الكافرون باهلل ورسوله فال سلطان على نفوسهم إال لمعبوداتهم الباطلة التي‬
‫تقودهم إلى الضالل‪ D،‬فإن الح لهم نور الحق واإليمان‪ ،‬بادر الشيطان ومايلقيه من‬
‫وساوس إلى إطفاء هذا النور‪ ،‬وإبقاء الكفار في ظلمات الشك والضالل‪ ،‬والكفر‬
‫‪.‬والعصيان‪ ،‬أو النفاق والتردد‬

‫وكان جزاؤهم الحق المنتظر هو الخلود في النار والمالزمة لها بسبب بعدهم عن‬
‫‪.‬الهدى‪ ،‬وتماديهم في الضالل‪ D،‬وعدم استنارة قلوبهم بنور الحق‬
‫وبما أن الحق واحد وحد هللا تعالى لفظ النور‪ ،‬وجمع | الظلمات؛ ألن الكفر‬
‫أجناس مختلفة كثيرة‪ ،‬وكلها باطلة‪ ،‬كما قال‪« :‬وأن هذا صراطی مستقيما فاتبعوة‬
‫وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله‪ ،‬ذالكم ومنكم به‪ ،‬لعلكم تتقون ﴾ [األنعام‪:‬‬
‫‪ ]153/6‬وقال تعالى‪( :‬وجعل الظلمت والثور ﴾ [األنعام‪ ]1/6 :‬ونحو ذلك من‬
‫اآليات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق وانتشار الباطل‬
‫وتشعبه‬

‫‪:‬فقه الحياة أو األحكام‬


‫هذه اآلية قاعدة من قواعد اإلسالم الكبرى‪ ،‬وركن عظيم من أركان سياسته‬
‫ومنهجه‪ ،‬فهو ال يجيز إكراه أحد على الدخول فيه‪ ،‬وال ألحد أن يكره أحداً من‬
‫أهله على الخروج منه‪ .‬يسمح‬

‫وهذا يكون إذا كنا أصحاب قوة ومنعة نحمي بها ديننا وأنفسنا ممن يحاول فتنتنا‬
‫في ديننا‪ ،‬ويكون الجهاد ضد السلطة الباغية أمراً اضطراريا ً لتأمين حرية‬
‫الدعوة‪ ،‬وأمن الفتنة‪ ،‬وتترك قضية التدين أو اعتناق اإلسالم في المجال الفردي‬
‫‪.‬أو الجماعي أو الشعبي للمجادلة بالتي هي أحسن‪ ،‬ولإلقناع بالحجة والبرهان‬

‫وأما ادعاء كون هذه اآلية منسوخة بآية ويأيها التي جهد الكفار والمنافقين *‬
‫[التوبة ‪ ]٧٣/٩ :‬كما روي عن ابن مسعود‪ ،‬فهو يتنافى مع كون هذه‬

‫اآلية نزلت في السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة‪ ،‬بعد تشريع الجهاد واإلذن‬
‫بالقتال‪ D،‬ويتناقض مع سبب النزول كما بينا ‪ ،‬فضالً عن االختالف في النسخ‬

‫على ستة أقوال أوردها القرطبي (‪)۱‬‬


‫فقال الشعبي وقتادة والحسن البصري والضحاك ‪ :‬ليست بمنسوخة‪ ،‬وإنما نزلت‬
‫في أهل الكتاب خاصة‪ ،‬وأنهم ال يكرهون على اإلسالم إذا أدوا الجزية‪ ،‬والذين‬
‫يكرهون‪ :‬أهل األوثان من العرب‪ ،‬فال يقبل منهم إال اإلسالم‪ ،‬فهم الذين نزل‬
‫فيهم‪« :‬يأيها التي جهد الكفار والمتفقين ؟ وحجتهم ‪ :‬مارواه زيد بن أسلم عن‬
‫أبيه‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب‪ D‬يقول لعجوز نصرانية‪ :‬أسلمي أيتها العجوز‬
‫تسلمي‪ ،‬إن هللا بعث محمداً بالحق‪ ،‬فقالت ‪ :‬أنا عجوز كبيرة والموت إلي قريب!‬
‫‪ .‬فقال عمر ‪ :‬اللهم اشهد‪ ،‬وتال ‪ :‬ال إكراه في الدين‬

‫وضعف ابن العربي القول بنسخ اآلية‪ ،‬وقال‪« :‬ال إكراه » عموم في نفي إكراه‬
‫الباطل‪ ،‬فأما اإلكراه بحق فإنه من الدين‪ ،‬ورأى أن قتل الكافر في الحرب قتل‬
‫على الدين"‪ ،‬لقوله ﷺ في الحديث المتواتر الذي رواه األئمة ‪ .‬أبي هريرة‪:‬‬
‫«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ‪ :‬ال إله إال هللا» وهو مأخوذ من قوله تعالى ‪:‬‬
‫( وقيلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الذين يلي * [البقرة ‪ ]۱۹۳ /۲ :‬لكن فاته أن‬
‫المراد بالناس بإجماع العلماء هم مشركو العرب‪ .‬وهذا راجع لسبب خاص‬
‫بالعرب؛‪ D‬ألنهم حملة رسالة اإلسالم‪ ،‬وبالدهم منطلق اإلسالم‪ ،‬فجاز إكراههم بحق‬
‫لهذين السببين‪ .‬عن‬

‫ودلت آية «ال إكراه في الدين ‪ ،‬على ظهور أدلة الرشد واإليمان وتميز الدين‬
‫الحق عن الغي والضالل والجهالة‪ ،‬وأن اإلسالم هو دين الحق‪ ،‬وأن أنواع الكفر‬
‫‪.‬كلها باطلة‬

‫ودلت آية هللا ولي الذين ءامنوا على أن من آمن من الناس‪ ،‬فاهلل متولي أموره‪،‬‬
‫يخرجه من ظلمة الكفر إلى نور اإليمان‪ ،‬ومن كفر بعد وجود النبي ﷺ الداعي‬
‫المرسل‪ ،‬فشيطانه مغويه‪ ،‬كأنه أخرجه من اإليمان‪ ،‬إذ هو معه‪ .‬ودلت أيضا ً على‬
‫أن الحكم على الكفار بالدخول في النار‪ ،‬لكفرهم هو عدل منه تعالى‪ ،‬وال يسأل‬
‫‪.‬عما يفعل‬
‫وهذه اآلية بمثابة الدليل على منع اإلكراه في الدين؛ ألن الوالية على العقول‬
‫والقلوب هي هللا تعالى وحده‪ ،‬والهداية إلى اإليمان تكون بتوفيق هللا تعالى من‬
‫شاء‪ ،‬وإعداده للنظر في اآليات والخروج من الشبهات‪ ،‬بما ينقدح لنظره من نور‬
‫‪.‬الدليل‪ ،‬ال باإلجبار واإلكراه‬

‫والخالصة‪ :‬أن المؤمن ال ولي له وال سلطان ألحد على اعتقاده إال هللا تعالى‪،‬‬
‫وتكوين اإليمان يكون باستعمال الهدايات التي وهبها هللا لإلنسان وهي الحواس‬
‫‪.‬والعقل والدين‬

‫أما الكفار فال سلطان على نفوسهم إال لتلك المعبودات الباطلة المؤدية إلى‬
‫الطغيان‪ ،‬فهي التي تقوده إلى إخالء قلبه من اإليمان‪ ،‬واالنصراف إلى التمتع‬
‫بالشهوات الحسية أو المعنوية كالسلطة أو الجاه‪ ،‬واالسترسال في الفواحش‬
‫والمنكرات أو الظلم والطغيان‪ .‬وعرف ابن القيم الطاغوت ‪ :‬بأنه ما تجاوز به‬
‫العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع‪ ،‬وقال‪ :‬الطواغيت كثيرة‪ ،‬ورؤوسهم‬
‫خمسة ‪ :‬إبليس لعنه هللا‪ ،‬من عبد وهو راض‪ ،‬من دعا الناس إلى عبادة نفسه ‪ ،‬من‬
‫‪.‬ادعى شيئا ً من علم الغيب‪ D،‬من حكم بغير ما أنزل هللا‬

Das könnte Ihnen auch gefallen