Beruflich Dokumente
Kultur Dokumente
Dokumen
Dokumen
:
ال تكرهوا أحداً على الدخول في اإلسالم ،فإن دالئل صحته ال تحتاج بعدها إلى
إكراه ،وألن اإليمان يقوم على االقتناع والحجة والبرهان ،فال يفيد فيه اإللجاء أو
القسر أو اإللزام واإلكراه ،كقوله تعالى« :أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ﴾
[.يونس ]۹۹/۱۰ :
وقد بان طريق الحق من الباطل ،وعرف سبيل الرشد والفالح S،وظهر الغي
والضالل ،وأن اإلسالم هو منهج الرشد ،وغيره طريق الضالل S،فمن شاء فليؤمن
.به ومن شاء فليكفر
وهذه اآلية أوضح دليل على بطالن زعم أن اإلسالم قام بالسيف ،فلم يكن
المسلمون قبل الهجرة قادرين على مجابهة الكفار أو إكراههم ،وبعد أن تقووا في
المدينة وعلى مدى القرون الماضية لم يكرهوا أحداً على اإلسالم ،كما يفعل أتباع
الملل األخرى كالنصارى ،وقد نزلت هذه اآلية في بداية السنة الرابعة من الهجرة،
.حيث كان المسلمون أعزاء وأقوياء
ولم يلجأ المسلمون إلى الحرب أو الجهاد إال لرد العدوان ،والتمكين من حرية
التدين ،ومنع تعسف السلطة الظالمة الحاكمة من استعمال المسلمين حقهم في
الدعوة إلى هللا ،ونشر اإلسالم في أنحاء األرض ،بدليل قبول المعاهدات والصلح
.على دفع الجزية وتخيير العدو بين ذلك وبين اإلحتكام إلى القتال
ومن هداه هللا لإلسالم ،وشرح صدره ونور بصيرته ،دخل فيه على بينة ،ومن
أعمى هللا قلبه ،وختم على سمعه وبصره ،بسبب عدم استخدامه وسائل النظر
.والمعرفة الصحيحة ،فإنه ال يفيده الدخول في الدين مكرها ً مقسوراً
وبناء عليه ،من خلع األنداد واألوثان ومايدعو إليه الشيطان من عبادة غير هللا،
وكفر بعبادة أي مخلوق من الناس أو الجن أو الشيطان أو الكواكب أو األوثان
واألصنام ،وعبد هللا وحده وشهد أن ال إله إال هو ،فقد تمسك بالحق ،وثبت على
الهدى ،واستقام على الطريق المستقيم ،وكان مثله مثل الممسك بعروة حبل محكم
مأمون االنقطاع ،أي أن هللا تعالى شبه من استمسك من الدين بأقوى سبب بمن
استمسك بالعروة القوية التي ال تنفصم ،فصارت محكمة مبرمة قوية ،ال يحل
ربطها القوي الشديد .والعروة الوثقى فسرت بعبارات ترجع إلى معنى واحد :
.وهي اإليمان ،أو اإلسالم ،أو ال إله إال هللا
وهللا يرصد بدقة أقوال الناس وأفعالهم وتصوراتهم وأفكارهم ،فهو سميع لقول من
يدعي الكفر بالطاغوت واإليمان باهلل ،عليم بما يضمره قلبه من تصديق أو
تكذيب؛ ألن اإليمان :مانطق به اللسان واعتقده القلب ،وهللا سميع عليم بكل شيء
ظاهر وباطن ،يعلم حقائق األشياء واألقوال والمعتقدات واألفعال .قال القرطبي :
ولما كان الكفر بالطاغوت ،واإليمان باهلل مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب Dحسن
.في الصفات :سميع» من أجل النطق ،عليم» من أجل المعتقد
وهللا يتولى أمور المؤمنين بالرعاية والعناية والهداية ألرشد األمور ،وهو
يخرجهم بهداية الحواس والعقل والدين من ظلمات الشك والشبهة ،والجهل
والضاللة ،والكفر واالنحراف ،إلى نور العلم والمعرفة واليقين واإليمان
الصحيح ،كما قال « :إن الذين اتقوا إذا منهم طيف من الشيطان تذكروا فإذا هم
مبصرون ﴾ [األعراف ]۲۰۱/۷ :قال مجاهد وعبدة بن أبي لبابة :نزلت في قوم
آمنوا بعيسى ،فلما جاء محمد عليه السالم كفروا به ،فذلك إخراجهم من النور إلى
.الظلمات()1
وأما الكافرون باهلل ورسوله فال سلطان على نفوسهم إال لمعبوداتهم الباطلة التي
تقودهم إلى الضالل D،فإن الح لهم نور الحق واإليمان ،بادر الشيطان ومايلقيه من
وساوس إلى إطفاء هذا النور ،وإبقاء الكفار في ظلمات الشك والضالل ،والكفر
.والعصيان ،أو النفاق والتردد
وكان جزاؤهم الحق المنتظر هو الخلود في النار والمالزمة لها بسبب بعدهم عن
.الهدى ،وتماديهم في الضالل D،وعدم استنارة قلوبهم بنور الحق
وبما أن الحق واحد وحد هللا تعالى لفظ النور ،وجمع | الظلمات؛ ألن الكفر
أجناس مختلفة كثيرة ،وكلها باطلة ،كما قال« :وأن هذا صراطی مستقيما فاتبعوة
وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ،ذالكم ومنكم به ،لعلكم تتقون ﴾ [األنعام:
]153/6وقال تعالى( :وجعل الظلمت والثور ﴾ [األنعام ]1/6 :ونحو ذلك من
اآليات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق وانتشار الباطل
وتشعبه
وهذا يكون إذا كنا أصحاب قوة ومنعة نحمي بها ديننا وأنفسنا ممن يحاول فتنتنا
في ديننا ،ويكون الجهاد ضد السلطة الباغية أمراً اضطراريا ً لتأمين حرية
الدعوة ،وأمن الفتنة ،وتترك قضية التدين أو اعتناق اإلسالم في المجال الفردي
.أو الجماعي أو الشعبي للمجادلة بالتي هي أحسن ،ولإلقناع بالحجة والبرهان
وأما ادعاء كون هذه اآلية منسوخة بآية ويأيها التي جهد الكفار والمنافقين *
[التوبة ]٧٣/٩ :كما روي عن ابن مسعود ،فهو يتنافى مع كون هذه
اآلية نزلت في السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة ،بعد تشريع الجهاد واإلذن
بالقتال D،ويتناقض مع سبب النزول كما بينا ،فضالً عن االختالف في النسخ
وضعف ابن العربي القول بنسخ اآلية ،وقال« :ال إكراه » عموم في نفي إكراه
الباطل ،فأما اإلكراه بحق فإنه من الدين ،ورأى أن قتل الكافر في الحرب قتل
على الدين" ،لقوله ﷺ في الحديث المتواتر الذي رواه األئمة .أبي هريرة:
«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا :ال إله إال هللا» وهو مأخوذ من قوله تعالى :
( وقيلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الذين يلي * [البقرة ]۱۹۳ /۲ :لكن فاته أن
المراد بالناس بإجماع العلماء هم مشركو العرب .وهذا راجع لسبب خاص
بالعرب؛ Dألنهم حملة رسالة اإلسالم ،وبالدهم منطلق اإلسالم ،فجاز إكراههم بحق
لهذين السببين .عن
ودلت آية «ال إكراه في الدين ،على ظهور أدلة الرشد واإليمان وتميز الدين
الحق عن الغي والضالل والجهالة ،وأن اإلسالم هو دين الحق ،وأن أنواع الكفر
.كلها باطلة
ودلت آية هللا ولي الذين ءامنوا على أن من آمن من الناس ،فاهلل متولي أموره،
يخرجه من ظلمة الكفر إلى نور اإليمان ،ومن كفر بعد وجود النبي ﷺ الداعي
المرسل ،فشيطانه مغويه ،كأنه أخرجه من اإليمان ،إذ هو معه .ودلت أيضا ً على
أن الحكم على الكفار بالدخول في النار ،لكفرهم هو عدل منه تعالى ،وال يسأل
.عما يفعل
وهذه اآلية بمثابة الدليل على منع اإلكراه في الدين؛ ألن الوالية على العقول
والقلوب هي هللا تعالى وحده ،والهداية إلى اإليمان تكون بتوفيق هللا تعالى من
شاء ،وإعداده للنظر في اآليات والخروج من الشبهات ،بما ينقدح لنظره من نور
.الدليل ،ال باإلجبار واإلكراه
والخالصة :أن المؤمن ال ولي له وال سلطان ألحد على اعتقاده إال هللا تعالى،
وتكوين اإليمان يكون باستعمال الهدايات التي وهبها هللا لإلنسان وهي الحواس
.والعقل والدين
أما الكفار فال سلطان على نفوسهم إال لتلك المعبودات الباطلة المؤدية إلى
الطغيان ،فهي التي تقوده إلى إخالء قلبه من اإليمان ،واالنصراف إلى التمتع
بالشهوات الحسية أو المعنوية كالسلطة أو الجاه ،واالسترسال في الفواحش
والمنكرات أو الظلم والطغيان .وعرف ابن القيم الطاغوت :بأنه ما تجاوز به
العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ،وقال :الطواغيت كثيرة ،ورؤوسهم
خمسة :إبليس لعنه هللا ،من عبد وهو راض ،من دعا الناس إلى عبادة نفسه ،من
.ادعى شيئا ً من علم الغيب D،من حكم بغير ما أنزل هللا